الاغتصاب الزوجي بين التشريع المصري والمواثيق الدولية

الشركاء: بنت النيل

مقدمة:

عملت الحركات النسوية على مر السنين لانتزاع حقوق النساء، أخذت نضالاتهم، مسارات مختلفة والتي تعلق جزء كبير منها بالنضال القانوني الذي يحوي بين طياته آليات تضمن إقرار المحاسبة، عن طريق الضغط للخروج بآليات قانونية وتشريعية حمائية من منظور نسوي بأدوات لها طابع، مراع لتسليط الضوء على الفجوة النوعية ومراعاة النوع الاجتماعي.

يسلط الطرح القانوني، الضوء على توصيفات الجرائم ويزج بأدوات وآليات مبتكرة، مما يضمن تحقيق العدالة والشفافية والمحاسبة حتى تعيش النساء الواقع عليهن العنف، كناجيات، بدلاً من أن يتعاملن مع أنفسهن كضحايا ويستطعن من خلال قوانين مراعية للنوع أن يستأنفن حياتهن مرة أخرى.

تعد أشكال العنف المتعلقة بالمرأة متعددة في جميع أنحاء العالم، ورغم الاختلافات في أشكال العنف الواقعة عليهن، إلا أنهم يشتركون في العديد من القضايا المتعلقة بملكية النساء لأجسادهن، وهذه الورقة تتناول قضية الاغتصاب الزوجي في مصر، وإيضاح كيف وضع القانون مسئولية عبء الإثبات على النساء مع غياب تعريف قانوني للاغتصاب الزوجي في القوانين المصرية.

وبسبب القصور التشريعي في القوانين المصرية وكذلك القوانين الفضفاضة أدى ذلك إلى إحداث العديد من العنف الممارس على المرأة ما جعلها تطرق باب القضاء المعني بالأحوال الشخصية ورفع قضايا طلاق للضررأو خلعوترك باب القضاء الجنائي في واقعة الاغتصاب الزوجي؛ لعدم وجود مادة قانونية تجرم ذلك في قانون العقوبات، وهذا ما سنتناوله في هذه الورقة.

جاء وضع التشريعات من قبل مجموعة من الذكور دون تواجد للنساء لمشاركتهم التشريع، نتج عن ذلك وجود عدالة ذكورية منقوصة، يجعل عبء الإثبات يقع على النساء، لا يمكن تجاهل أن القوانين التي تدور حول ملكية النساء لأجسادهن جاءت منقوصة يشوبها الفكر الأبوي المسيطر على المجتمع.

كما أن هناك خلط بين التجريم والتحريم وإشكالية تسمية الجرائم؛ بسبب المرجعية الأصولية للقوانين والتشريعات والتي تجرم فيها العلاقات الرضائية خارج إطار الزواج وهي ما يعاقب عليها القانون؛ بينما يتم تبرير الاغتصاب الزوجي استنادًا إلى عقد الزواج، وفقًا لبعض التعريفات الفقهية المتطرفة للزواج والتي جاء منها الرأي الفقهي الذي يعرفه بـعقد يملك به الرجل بضع المرأة، وهو التعريف الذي تناوله الإمام محمد عبده في أعماله الكاملة بالنقد في تعريف الفقهاء سابق الذكر، إذ يرى الإمام محمد عبده أن التعريف الواجب إقراره ما ورد نصًا في الآية الكريمة التي وصلت لأقصى درجات التمدن والحضارة في قوله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة)، ويقول الإمام والذي يقارن بين التعريف الأول والذي فاض به الفقهاء علينا وبين التعريف الثاني الذي نزل من عند الله يرى بنفسه إلى أي درجة وصل الحط من شأن المرأة في أراء فقهائنا، وسرى منهم إلى عامة المسلمين ولا يستغرب بعد ذلك أن ينظر إلى المنزلة الوضيعة التي سقط إليها الزواج، حتى صار عقدًا يتمتع به الرجل بجسم المرأة ليتلذذ به وما تبع ذلك من الأحكام الفرعية التي رتبت على هذا الأصل الشنيع باستباحة اغتصاب الزوجات.

ورغم مصادقة الدولة المصرية والتوقيع على معظم الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، لكنها لا تعلوا فوق القوانين المحلية لكل دولة، حتى في حالة اعتماد المواثيق الدولية المصادق عليها كجزء من الدستور كما هو الحال، إلا أن القوانين المحلية تعلو فوق القوانين الدولية عند وجود تعارض بينهما، مع عدم رفع التحفظات عن بعض المواد في الاتفاقيات ومنها اتفاقية السيداوتحت مبرر الخصوصية الدينية والثقافية وخاصة ما يتعلق بشؤون المرأة المتعلقة بجسدها، وحتى على مستوى القوانين المحلية تعلوا قوانين الأحوال الشخصية الخاضعة للطوائف فوق قانون العقوبات.

ومن هنا رأت حركة بنت النيل أهمية إصدار هذه الورقة حول إشكاليات القانون المصري المتعلقة بفلسفة التشريع الخاصة بجريمة الاغتصاب الزوجي، وكيف تناولت المواثيق الدولية تجريم الاغتصاب الزوجي، وتسليط الضوء على إشكاليات تطبيق تلك القوانين والتي تؤثر على الناجيات من الإطار القانوني للاغتصاب الزوجي في المواثيق الدولية والتشريع المصري الاغتصاب الزوجي دون تواجد لآليات للاعتراف بتلك الجريمة، الذي جاء مشوبًا بالفكر الأبوي المسيطر على المجتمع، تجريم الاغتصاب الزوجي في الاتفاقيات والمواثيق الدولية وستعرض الورقة أولاً إشكاليات القوانين والمواد الحالية في قانون العقوبات المصري وتحليل المواثيق الدولية، وثانيًا كيف تتناول الشريعة الاسلامية الاغتصاب الزوجي والانقسامات في الآراء الفقية والتفسيرات مع ذكر آخر إحصائيات صادرة في قضية الاغتصاب الزوجي، وأخيرًا طرح توصيات من أجل توجيه القرارات المتعلقة بالسياسات ومناهضة العنف في قضية الاغتصاب الزوجي.

أقرت الاتفاقيات الدولية، بالاغتصاب الزوجي، كأحد أشكال العنف ضد النساء، وتعلم أن أشكال العنف الواقعة على المرأة متنوعة ومختلفة بسبب اختلاف البلدان واختلاف الثقافات والخبرات، واختلاف ثقافات الدول التي تعامل النساء وفقًا للأعراف، من خلال السعي إلى ممارسة السلطة والسيطرة. على أجسادهن وحياتهن، ومصر من الدول التي انضمت إلى العديد من الاتفاقيات الدولية حول حقوق الإنسان ومنها المواثيق المتعلقة بالعنف ضد النساء، مثل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساءالمعروفة باسم السيداو، وإعلان بيجين وغيرها من المواثيق الدولية.

جرمت الأمم المتحدة الاغتصاب وكل أشكال العنف الجنسي الأخرى وأدرجت جرائم العنف الجنسي في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وغيرها من التعريفات والقوانين التي كانت توضع على أساس النوع الاجتماعي دون تمييز، محاولة لتحقيق العدالة القانونية الدولية.

ومن تلك التعريفات جاء تعريف العنف ضد النساء منذ اعتماده في إعلان القضاء على العنف ضد النساء لعام 1991 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة. والذي عرف العنف ضد النساء في أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسدية، أو الجنسية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة“.

مادته الأولى أنه أي فعل عنيف يهدف إلى عصبية الجنس ويترتب عليه، أو يرجح أن يترتب عليه، وشملت المادة الثانية الفقرة ( ا ) أنه يفهم بالعنف ضد المرأة أنه يشمل على سبيل المثال لا الحصر، ما يلي:

العنف البدني والجنسي والنفسي الذي يحدث في إطار الأسرة، بما في ذلك الغرب والتعدي الجنسي على أطفال الأسرة الإناث والعنف المتصل بالمهر، واغتصاب الزوجة، وختان الإناث وغيره من الممارسات التقليدية المؤذية للمرأة، والعنف غير الزوجي والعنف المرتبط بالاستغلال.

ونصت المادة (4) من ذلك الإعلان على أنه : “ينبغي للدول أن تجتهد الاجتهاد الواجب في درء أفعال العنف ضد المرأة والتحقيق فيها والمعاقبة عليها، وفقا للقوانين الوطنية، سواء كانت الدولة هي التي ارتكبت الأفعال أو ارتكبها أفراد“.

وتضمنت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، من خلال مادتها الثانية إدماج مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الدساتير الوطنية وتشريعاتها، واتخاذ التدابير المناسبة التشريعية وغير التشريعية بما يتناسب من جزاءات لحظر التمييز ضد المرأة، وفرض حماية قانونية لحقوق المرأة على قدم المساواة مع الرجل، إضافة إلى اتخاذ جميع التدابير المناسبة بما في ذلك التشريعي منها لتغيير أو إبطال القائم من القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكل تمييرًا ضد المرأة.

وكفلت المادة 61 من الاتفاقية اتخاذ الدول للتدابير من أجل القضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات العائلية، وكفالة حق المرأة في عقد الزواج وحقوقها أثناء الزواح وعند فسخه.

وبما أن مصر مصدقة على تلك الاتفاقية، وطبقًا للدستور المصري في المادة (39) بأن تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا للأوضاع المقررة، لكن تحفظ مصر على بعض المواد مثل المادة (2) والمادة (61) يضعنا أمام عجز عدم ضمانة حقوق النساء التي تتعرض للعنف ومنها قضية الاغتصاب الزوجي.

ومن جانب إعلان ومنهاج عمل بيجين عام 1991 الذي تم فيه العزم على التقدم في تحقيق أهداف المساواة والتنمية والسلم لجميع النساء في كل مكان، وتساوي النساء والرجال في الحقوق والكرامة الإنسانية المتأصلة والمبادىء المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وغيرها من الصكوك الدولية لحقوق الإنسان، وبيان مهمة منهاج عمل بيجين وهي التعجيل بتنفيذ استراتيجيات نيروبي التطلعية للنهوض بالمرأة، وإزالة جميع العوائق التي تحول دون مشاركة المرأة مشاركة فعالة في جميع مجالات الحياة العامة والخاصة.

ونص الهدف الاسترتيجي دالخاص بالعنف ضد المرأة في الفقرة (311) (أ) على قضية الاغتصاب الزوجي بشكل مباشر في أن أعمال العنف البدني والجنسي والنفسي التي تحدث في الأسرة، بما في ذلك الضرب والاعتداء الجنسي على الأطفال الإناث في الأسرة المعيشية وأعمال العنف المتعلقة بالبائية / المهر. واغتصاب الزوجة وختان الإناث وغير ذلك من التقاليد الصارة بالمرأة وأعمال العنف بين غير المتزوجين وأعمال العنف المتعلقة بالاستغلال.

وإذا تطرقنا إلى أن الاغتصاب الزوجي شكل من أشكال التعذيب، فلا شك أن التعذيب محظور بموجب مجموعة كبيرة من الصكوك كالمادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية، وهو محظور كذلك بمقتضي صكوك إقليمية عدة وبموجب القانون الجنائي الدولي والقانون الدولي الإنساني، واتفاقية مناهضة التعذيب هي الصك الوحيد الملزم قانونًا على الصعيد العالمي الذي ينص على جميع أشكال التعذيب وعناصره والتي منها الألم الشديد والعناء الجسدي أو العقلي والقصد والغرض“.

من جانب آخر أشارت لجنة مناهضة التعذيب إلى أنه وما دامت الدولة لم تبذل العناية الواجبة للتدخل من أجل وقف أعمال التعذيب والمعاقبة عليها وتوفير سبل انتصاف لضحاياها مما يسهل على الفاعلين من غير الدولة ارتكاب أفعال لا تجيزها الاتفاقية دون عقاب، فإن اللامبالاة التي تبديها الدولة أو امتناعها عن التصرف يشكل نوعًا من التشجيع أو الإذن بحكم الواقع“.

ورغم ضمان الاتفاقيات والمواثيق الدولية لحق المرأة ومناهضة جميع أشكال العنف ضدها وتناول قضية الاغتصاب الزوجي بشكل واضح، إلا أننا نقع أمام إشكالية هل تعلوا هذه المواد والقوانين الدولية على القوانين المحلية؟، وهنا نجد أن القوانين المحلية تعلوا فوق الاتفاقيات والمواثيق الدولية، بجانب تحفظ مصر على العديد من المواد وبالأخص في اتفاقية السيداو يجعلنا أمام عجر في عدم الاستناد إليها وبالتالي عدم توافر آليات لتطبيق تلك الاتفاقيات داخل مصر.

إن مفهوم الاغتصاب الزوجي لم يأت بشكل مباشر، وواضح في النصوص القانونية المصرية. ولا يوجد تعريف قانوني لها، ورغم الجهود المبذولة من قبل المنظمات الأممية واستجابة مؤسسات الدولة المصرية في بعض هذه الجهود المبذولة في القوانين المتعلقة بالعنف الجنسي صد النساء في مصر، إلا أن الاجتهاد التشريعي في التعريف بجرائم العنف الجنسي لا يشمل الاغتصاب الزوجي، وتحتاج فلسفة المشرع إلى توسيع واجتهاد في الشرح للتطرق إلى الشكل التفصيلي للجرائم المبنية على أساس النوع، ولازال هناك قصور تشريعي حول تفسير الاغتصاب وهتك العرض من قبل المشرع المصري.

إذ تشوب المادة 762 من قانون العقوبات الخاصة بالاغتصاب بعض القصور، لأنها لا تعاقب مرتكب جريمة الاغتصاب الزوجي وتنص على:

من واقع أنثي بغير رضاها يعاقب بالسجن المشدد. فإذا كان الفاعل من أصول المجني عليها، أو من المتولين تربيتها أو ملاحظتها، أو ممن لهم سلطة عليها، أو كان خادمًا بالأجرة عندها أو عند من تقدم ذكرهم يعاقب بالسجن المؤبد”.

ثم غلظت العقوبة بالمرسوم السالف ذكره لتصبح:

من واقع أنثى بغير رضاها يعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد، ويعاقب الفاعل بالإعدام إذا كانت المجني عليها لم يبلغ سنها ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة أو كان الفاعل من أصول المجني عليها أو من المتولين تربيتها أو ملاحظتها أو ممن لهم سلطة عليها أو كان خادمًا بالأجر عندها أو عند من تقدم ذكرهم، أو تعدد الفاعلون للجريمة“.

ليصبح الحد الأدنى للعقوبة هو السجن المؤبد والحد الأقصى هو الإعدام.

وبالنسبة لجريمة الاعتداء الجنسي هتك العرضفكانت المادة 862 من قانون العقوبات تنص على:

كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو بالتهديد أو شرع في ذلك يعاقب بالسجن المشدد من ثلاث سنين إلى سبع” .

وإذا كان عمر من وقعت عليه الجريمة المذكورة لم يبلغ ست عشرة سنة كاملة أو كان مرتكبها ممن نص عنهم في الفقرة الثانية من المادة 762 يجوز إبلاغ مدة العقوبة إلى أقصى الحد المقرر للسجن المشدد.

وإذا اجتمع هذان الشرطان معًا يحكم بالسجن المؤبد.

ثم غلظت العقوبة بالمرسوم السابق ذكره لتكون:

كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو بالتهديد أو شرع في ذلك يعاقب بالسجن المشدد.

ومع ذلك ورغم قيام المشرع المصري بمحاولات كثيرة لحصر الأفعال التي تمثل اعتداءًا ومن ثم تجريمها وتسميتها ووضع شكل تجريمي لها ووصف لأشكال الجريمة وأركائها والغرض من ارتكابها، إلا أن هذا الحصر غير كاف لتحديد كل الجرائم والأفعال المرتكبة المتعلقة بالعنف الجنسي وبالأخص الاغتصاب الزوجي.

هناك إشكاليات ظهرت بعد صدور القوانين والتعديلات وأثرت بطريقة سلسة على تحقيق العدالة وعلى خط سير القضايا بشكل مباشر، بل وقيدت تلك الإشكاليات بعض الجرائم بقيود أخري ووصفها بأوصاف تختلف عن الوصف الحقيقي لها، حيث أصبحت معه الجرائم تسمى بمسميات أخرى لا تمت بالفعل المرتكب بصلة، بالتالي تتغير العقوبة واجبة التطبيق على الجريمة الحقيقة، فعندما يقع اغتصاب زوجي على الزوجة تلجأ إلى اتخاذ طرق إجراءات تقاضى أخرى وهي رفع قضية خلع أو طلاق للضرر لسوء العشرة دون التركيز على العنف الأصيل الواقع عليها وهو الاغتصاب لعدم وجود عقوبة رادعة لتلك الأفعال.

وتتعلق تلك الإشكاليات بأمور عديدة منها ما هو متعلق بالتشريع ووجهة نظر المشرع ومنها ما يتعلق بمراحل التقاضي فمنها ما يتعلق بأوصاف الجريمة ذاتها كجريمة الاغتصاب الزوجي وهي غير منصوص عليها بالقانون، ومن ثم الآثار التي تترتب عليها كصعوبة الإثبات الجنائي في تلك الجريمة.

ورغم توافر الركن المادي من ( مواقعة وعدم رضاء) في واقعة اغتصاب الزوجة، إلا أن القانون المصري لا يعد اغتصاب المواقعة التي تتم بين زوج وزوجته دون رضاها اغتصابًا لأن الزوجة بعد حلاً له بناء على عقد الزواج، ولكن لو أتها من الخلف دون رضاها، فإن ذلك يعد جريمة هتك عرض بالقوة، وذلك مبني على أن عقد الزواج لا يسمح سوى للزوج بالاتصال الجنسي الطبيعي، أو يعد اغتصابًا أيضًا في حالة إذا كان الزوج مصاب بأحد الأمراض الجنسية المعدية وعاشرها بالاكراه.

تواجه قضايا العنف المبنية على أساس النوع. إشكاليات كثيرة متعلقة بتوصيف الجرائم، وترجع معظمها إلى نظرة القائم بالتشريع والتي تنبع من الفكر الأبوي وتصور الضرر الواقع على النساء من منظوره فقط، لأن في أغلب الأحوال بل وجميع الأحوال من يقوم بعملية التشريع هو ذكر، وبالتالي لا يستطيع الإلمام بأشكال العنف كافة التي تتعرض لها النساء والفتيات في الحياة العامة والخاصة ورؤيته في وضعه للقوانين وتحديد نطاق التجريم وأشكال الجرائم بل وتحديد أشخاص مرتكبيها، وبتلك الرؤية يضع المشرع شكل ثابت للجرائم والمجني عليهم ومرتكبي الجرائم، رغم أن جرائم العنف الجنسي ليست لها شكل محدد وتختلف من نوع مرتكبها، كالاغتصاب الزوجي، مرتكب الجريمة هنا الزوج، مكان الجريمة هو مسكن الزوجية وذلك يستلزم أن يكون هناك مراجعة في التشريع وصياغة الجرائم والتوسع في أشكالها وتحديد مرتكبها.

وقد وصف المشرع فعل ( المواقعة ) بكونه الاتصال الجنسي التام الطبيعي بين رجل وامراة مواقعة أنثى بغير رضاها، لينحصر في إيلاج العضو الذكري في المهبل الأنثوي ولا يعتبر الاغتصاب من الخلف أو الفموي أو بالآلات أو الأدوات الحادة اغتصابًا، بل يندرج تحت مسميات مطاطة مثل خدش الحياء أو هتك العرض أو فعل فاضح أو إرتكاب الفحشاء، كما تؤدي إلى تخفيف العقوبة ضد مرتكبي تلك الجرائم أو الإفلات منها حيث لا تعتبر اغتصابًا، ويشترط في المواقعة أن تكون غير مشروعة فالزوج الذي يواقع زوجته كرهًا لا تقع منه جريمة الاغتصاب لأنها حل له بعقلمي عقد زواج، فالنظرة الأبوية للمشرع تمنعه من أن يرى أحقية النساء في تملك أجسادهن وحقهن في السلامة والكرامة الجسدية مهما كان الجاني.

قد تكون إتاحة اللجوء إلى العدالة في مصر في قضايا الاغتصاب الزوجي أمرًا صعبًا أو مستحيلاً، بسبب التشريعات التي لا تعترف باغتصاب الزوجة كجريمة، وما يسمى بالأغتصاب الشرعي، ولم يعتبر المشرع المصري الاغتصاب الزوجي بمثابة اغتصاب، بل اعتبرها حق من حقوق الزوج على زوجته، متناسيًا حق الرضا للزوجة، ويعتبر القانون والشريعة الإسلامية عند موافقة الزوجة على عقد الزواج فهذا بمثابة موافقة أبدية على التحكم في مستقبل ومصير الزوجة معه، ولا يحق للزوجة رفض العلاقة الجنسية مع زوجها.

عادة ما يقع عباء الإثبات في جرائم العنف الجنسي على النساء ويؤدي في أغلب الأوقات إلى حفظ الشكاوي والبلاغات، إذ يكون التحقيق فيها مرهونًا بالمدعية وادعائها بالحق الجنائي، ويبقى من الصعب أيضًا عليها ايجاد شاهد لإثبات صحة الواقعة، وبالأخص في الاغتصاب الذي يحدث على فراش الزوجية، لأن الإجرارات المتبعة لتحرير محضر بالواقعة في قسم الشرطة المختص غير موجودة من الأساس؛ لعدم نص المشرع على الاغتصاب بين الزوجين؛ مما يجعل الزوجة تلجأ لطرق تقاضي مختلفة كطلاق للضرر أو الخلع.

إن الإحصائيات التي ترصد نسبة تعرض النساء للاغتصاب الزوجي في مصر غير دقيقة لمعرفة الأعداد الحقيقية؛ نتيجة للخوف من الإفصاح وعدم تواجد المساحات لمعالجة هذا النوع من القضايا في مصر، وآخر إحصائية صدرت عام 4102 عن العنف ضد المرأة ضمن المسح السكاني، تحت إشراف من وزارة الصحة المصرية، والتي كشفت عن أن 762 من السيدات المتزوجات في عينة البحث البالغة 3966 سيدة، تعرضن للعنف الجنسي من أزواجهن.

وطبقًا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة تحت عنوان حقائق وأرقام : إنهاء العنف ضد المرأة حتى نوفمبر 9102″ أشارت التقديرات إلى أن 53% من النساء في جميع أنحاء العالم تعرضن للعنف الجسدي من الشريك أو غير الشريك ( لا تشمل التحرش الجنسي ) وأكد التقرير على أن هناك دراسات وطنية أظهرت أن 07% من النساء تعرضن للعنف الجسدي أو الجنسي من الشريك الحميم.

ورغم عدم وجود إحصائية رسمية بشأن قضية الاغتصاب الزوجي في مصر، إلا أن هناك تحليلاً من نوع آخر أو بالأحرى من زاوية أخرى، وهي حسب ما رصدته سجلات محاكم الأسرة حتى ديسمبر 9102 وجدت أن من الزوجات الشاكيات تعرضن لاغتصاب زوجي، بينما تعرضت 53% من الزوجات لعنف جنسي وجسدي من الأزواج بشكل عام.

وكشفت عدد من محاكم الأسرة منها حلوان، المعادي، إمباية، أكتوبرأن هناك 524 زوجة قدمن قضايا بسبب إصابتهن بعاهة مستديمة بسبب العنف الجنسي، وبلغت دعاوى الطلاق للضرر بسبب نفس المشكلة “0531 دعوى، وهناك 096 دعوى نشوز بسبب شكوى الزوجات من التعرض للعنف والاغتصاب على يد أزواجهم .

يجب أن ندرك أن ممارسة أي علاقة جنسية لا يتوافر فيها ركن الرضا والتوافق، من قبل الزوج أو الشريك الحميم كما أطلقت عليه الأمم المتحدة، يعد أحد أشكال الاعتداء الجنسي والعنف الأسري، ويشمل الجماع والجنس الفموي والشرجي وأي أفعال جنسية مهينة أو مؤلمة.

وبسبب الإشكاليات الموجودة في التشريع المصري والسابق ذكرها، فإن الإحصائيات المذكورة أعلاه تؤكد أن تلك الإشكاليات أثرت بطريقة سلبية على تحقيق العدالة وعلى خط سير القضايا بشكل مباشر، وبالتركيز على الاحصائيات التي تم رصدها من محاكم الأسرة تؤكد على أن الجرائم أصبحت تسمي بمسميات أخرى لا تمت بالفعل المرتكب بصلة، وبالتالي تتغير العقوبة واجبة التطبيق على الجريمة الحقيقة، فعندما يقع اغتصابًا زوجيًا على الزوجة، تلجأ إلى اتخاذ طرق إجراءات تقاضي أخرى وهي رفع قضية خلع أو طلاق للضرر لسوء العشرة دون التركيز على العنف الأصيل الواقع عليها وهو الاغتصاب لعدم وجود عقوبة رادعة لتلك الأفعال.

يجب مواءمة التشريعات الوطنية مع الصكوك الدولية، ومعايير العناية الواجبة والالتزامات المتعلقة بحقوق الإنسان الخاصة بالنساء والفتيات؛ لضمان معالجة الإفلات من العقاب في قضية الاغتصاب الزوجي.

يجب على الدولة توفير آليات رسمية للتعامل مع جرائم العنف الجنسي مكتب شكاوي بالتعاون مع المؤسسات الوطنية.

من الضروري توافر إطار قانوني يتصدى لقضية اغتصاب الزوجات في قانون العقوبات دون اللجوء لطرق النقاضي المتعلقة بالأحوال الشخصية كالطلاق للضرر أو الخلع.

العمل على مقترح قانوني يشمل قضية الاغتصاب الزوجي في قانون العقوبات، أو تعديل المواد (762 – 962 ) من قانون العقوبات لتشمل تجريم الاغتصاب الزوجي.

تأسيس نظام إحالة يربط المختصين في القضاء والأمن بالمختصين في الرعاية الصحية والمنظمات غير الحكومية التي تقدم الخدمات إلى الناجيات من العنف الزوجي وبالأخص الاغتصاب والاعتداء الجنسي.

إنشاء قاعدة بيانات تسمح برصد أعداد النساء التي تقع ضحية للعنف الزوجي، بالتنسيق مع الأجهزة المختصة.

بنك نظم لجمع البيانات حول مختلف أنواع العنف، ويمكن أن تشمل مسحًا سكانيًا حول تجارب النساء اللواتي يتعرضن للعنف الزوجي منها الاغتصاب الزوجي، ومن شأن ذلك أن يؤمن البيانات اللازمة للرصد ويسمح مع الوقت بتحديد اتجاهات العنف ضد المرأة.

على الدولة المساهمة مع منظمات المجتمع المدني في تدريب العاملين في مجال المنظومة التشريعية الخاصة بالمرأة.

شارك:

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات