دراسة تحليلية بين الشريعة وبنود وثيقة “السيداو”

بسم الله الرحمن الرحيم

دراسة تحليلية بين الشريعة وبنود الوثيقة السيداو ” (CEDAW)

رؤية لمدى ملائمة الإتفاقية مع ثوابت الشريعة الإسلامية

مدخل:-

الإهتمام الغربي بالشرق مسألة قديمة متجددة فى مسائل العقيدة والشريعة خصوصًا في قضايا الأسرة, والتى تعد من مقومات المجتمع الإسلامى مما يستدعى التأمل والعمق وأخذها بشكل جاد وقراءة واعية ومستوعبة على ضوء ما تحمله العلاقات المختلفة بيننا وبينهم من قرون مضت وما يزال رواسبها في النفوس وفي سجلات التاريخ ورغم هذه الحقيقة إلا أننا لا يجب أن نبقى أبد الدهر في هذه الهواجس وعلينا أن نكون أكثر تحركًا وحيوية وفى حالة إحسان الظن يجعلنا أن نأخذ ما جاء في هذه الوثيقة على أنها جاءت من ثقافة مغايرة, ومن عقول لا تقع تحت إلف العادة وممارسة ثقافتنا الخاصة بأمور المرأة وحقوقها التي غاب عنها الكثير من الإنصاف نتيجة غياب العدل فى شأنها, فإذا أحسنا الظن وأخذنا هذه الوثيقة بعيدًا عن ثقافة الكراهية والتربص, ونحينا جانبًا فلسفة المؤامرة, سنجد فيها الكثير مما يتفق مع شريعتنا.

ولا استطيع أن ألوم من يذهب إلى سوء الظن لإعتبارات كثيرة وقعت بيننا وبين الغرب, وهى علاقات معقدة, وفيها سطوة الاستعمار والهيمنة والمقاومة والكراهية, والتاريخ يحمل في طياته الكثير من الرصيد الممتزج بالألم والمرارة, كل هذه الإعتبارات أضعها فى الحسبان ولا يمكن التهوين منها لأنها ليست بالشيء البسيط أو الهين, إنما لابد للحياة أن تسير والعلاقات تنمو وتزدهر, والذاكرة تنشط لصالح النمو البشرى وتقارب علاقة الإنسان بأخية الإنسان لأنها دعوة الخالق سبحانه وتعالي يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله خبير عليم سورة الحجرات 13/

وعلينا بالمراجعة الجادة بأن ليس كل ما يأتى من الغرب على أنه شرور وإفساد فهو قول لا يتسم بالذكاء والدراسة الجادة وتمحيص الأمور والمسائل الواردة الينا وأحسب أن وثيقة السيداونظر إليها الكثير من أهل الفكر والرأى الديني على أنها مصادمة لثوابت الشرع دون قراءة متأنية ونقدية لها ومقابلة نصوص الوثيقة بما لدينا من عقيدة وشريعة ثم نأخذ منها ما يتفق مع ثوابتنا ونرفض ونتحفظ على ما يتصادم مع مصادرنا, وهذا الأخذ هو من طبيعية شريعتنا التي تؤمن تمام الإيمان أن الحكمة موزعة فى الأرض, ومبثوثة بين مشارقها ومغاربها, وأن تميز الإسلام وخصوصية ثقافته لا يعنيان كل مشابهة وتواصل بينه وبين ثقافات الشعوب, فالخلق كلهم كما يحدثنا الرسول الكريم الذى جاء رحمة للعالمين بأن الخلق كلهم عباد الله وهو سبحانه جعلهم شعوبًا وقبائل ليتعارفوا ويتواصلوا ويتبادلوا الحكمة والخبرة والمنافع, ويتعاونوا بها على البر والنماء يقول تعالى:

وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان سورة المائدة /2 وعلينا أن ندرك معنى ومغزى أن محمدًا (ص) جعل الحكمة ضالة المؤمن حتى وإن كانت خارج حدود الإسلام الجغرافي قائلاً : ” اطلبوا العلم ولو في الصين“. وفى عهده لم يكن في الصين مسلمون.

فالإسلام ورسول الإسلام (ص) لا يرفض التعاون مع أهل الكتاب, وهجرة الرسول من مكة طلبًا للحماية عند النجاشي وهو نصراني, وفى قوله (ص) إذهبوا إلى أرض الحبشة فإن بها ملكًا لا يظلم أحد عنده, فإن العدل الذي أفتقده المسلمون الأوائل في مكة جعلهم يطلبونه عند النجاشي النصراني هربًا من ظلم أهل مكة, فخرجوا منها سرًا طلبًا للعدل, وهروبًا من الظلم.

ولا تخفى الحكمة عندما أخذ النبي (ص) فى هجرته إلى المدينة أبن أريقط ولم يكن مسلمًا“, وأنه قبل الهدية من المقوقس عظيم أقباط مصر ومن الثابت تاريخيًا أنه (ص) مات ودرعه مرهونة عند يهودى نظير دين، وليس لإنعدام المال عند أصحابه, ولكن لكى لا يكون هناك حرج فى مثل هذه المعاملات المالية وغيرها. ومن سمات قدرة الإسلام على التعايش مع الآخر أنه يقدر ظروف الإختلاف, وكذلك المستجدات لكل عصر فتجد فقهاء الأمة يقدرون التحرك والتغير واحترام اختلاف الأماكن, مثل عدم التسوية ما بين المدينة والعراق في الفتوى في بعض المسائل, مثال الإمام الشافعى كان له بالعراق فى الفتوى فى بعض المسائل يختلف عما أفتى به فى مصر.

ومما يجب الاهتمام به إيجاد العناصر المشتركة بين الحضارات السائدة في العالم, وأن ندرك أن الإعتزاز بالهوية والخصوصية الحضارية لا يعنى إهمال الحضارات الأخرى, أو الإنغلاق فى مواجهتها، وإدعاء التمييز عليها ورفض نتاجها الإنساني فمثل هذا الموقف الإنعزالي السلبي لا ينسجم مع مقتضيات الواقع المعاصر الذي أصبح العالم فيه كأنه قرية واحدة بفضل الثورة الإلكترونية والتكنولوجية بمنافذها المختلفة وآلياتها المتاحة لدى الكثير من الناس فى بلادنا فى واقع أعمار الشباب والشيوخ دون استثناء, فالعزلة والمخاصمة للواقع يصدر عن عدم فهم غير موضوعى للتاريخ الحضارى الذى هو فى مجمله ثمرة الجهد الهائل المتراكم للمسيرة الإنسانية على مدار التاريخ وكما يقال العلم لا وطن له.

وأختتم هذا التمهيد بقول الحق سبحانه :” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا“. سورة الحجرات /13

 

موجز للمجهودات التي تمت فى قضية إنصاف المرأة:

شهدت العقود الأخيرة من القرن العشرن إهتمامًا متزايدًا بقضية ( حقوق المرأة), كما تصاعدت حركات واسعة النطاق تستهدف الاهتمام بالقضايا المتعلقة بها على مستوى العالم في مجالات متنوعة مثل الوثائق الدولية وكذلك المؤتمرات والندوات التي عقدت فى هذا الشأن فكان المؤتمر العالمى الأول للمرأة عام 1975م بالمكسيك ، كما أعلنت الأمم المتحدة سنة 1975م السنة العالمية للمرأة, ومع أهمية القضية أصبحت السنة عقدًا كاملاً للارتقاء بمستويات المرأة, ثم جاء مؤتمر الأمم المتحدة لإزالة جميع الفوارق بين الرجل والمرأة سنة 1979, ثم أتبع ذلك المؤتمر الثاني للمرأة عام 1980 في كوبنهاجن ثم المؤتمر الثالث في نيروبي 1985 تحت عنوان الإستراتيجية التطلعية فى قضية المرأة “. وأخيرًا جاء المؤتمر الرابع للمرأة في بكين في سبتمبر 1995 إضافة إلى بعض المؤتمرات (الدولية) الخاصة بقضايا مختلفة لها أصل بالمرأة ومثل مؤتمر الطفل بنيويورك في 1990, ومؤتمر البيئة والتنمية فى ريودى جانيرو في 1992 ، ومؤتمر حقوق الإنسان بفينا في 1993، والسكان والتنمية بالقاهرة عام 1994, ومؤتمر التنمية الاجتماعية بكوبنهاجن عام 1995, ومؤتمر إسطنبول للمستوطنات البشرية 1996 ومؤتمر الإنسان والثقافة في إستكهولم 1998 م هذه المؤتمرات التي قصدت أن أقدمها للقارىء لكي نوضح اليقظة الإنسانية.

لحماية الإنسان رجلاً أو امرأةً، وإن دلت على شيء فهي تؤكد على الاهتمام بحقوق الإنسان ورعاية كرامته وإعلاء الوعي بقضاياه المختلفة وحيث إننا نركز على الاهتمام بالمرأة وحقوقها كما وردت في الوثيقة.

فأري التركيز أيضًا على وجه أخص المساعي المختلفة التي تسعى إليها الأمم المتحدة من خلال المؤتمرات والإتفاقات من أجل حقوق المرأة منذ بدايات النصف الثاني من القرن العشرين، وذلك عبر عدة مراحل:

في عام 1952 أعدت مفوضية مركز المرأة بالأمم المتحدة معاهدة حقوق المرأة السياسية والتي تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي عام 1967 أجازت الأمم المتحدة إعلانًا خاصًا بالقضاء على التمييز ضد المرأة ، ودعا إلى تغير المفاهيم وإلغاء العادات السائدة التي تفرق بين الرجل والمرأة ، مع الاعتراف بأن المنظمات النسائية غير الحكومية هي القادرة على إحداث هذا التغيير.

وفي عام 1973 بدأت مفوضية حركة المرأة بالأمم المتحدة في إعداد معاهدة القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة وأكملت إعدادها في 1979م. وفي 1974 صدر الإعلان العالمي بشأن حماية النساء والأطفال في حالات الطوارئ والنزاعات المسلحة.

وفي يوم 18 ديسمبر 1979 إعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاتفاقية باعتبارها إحدى الاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان.

وفي يوم 3 ديسمبر 1981 أصبحت الاتفاقية سارية المفعول بعد توقيع خمسين دولة عليها طبقًا لأحكام المادة 27 التي تنص على مبدأ نفاذ الاتفاقية بعد شهر من تصديق أو انضمام الدولة رقم عشرين عليها ، وكانت تونس هي الدولة العربية الوحيدة التى وقعت على الاتفاقية قبل نفاذها.

وقد انضمت إلى عضوية الاتفاقية 11 دولة عربية ، وإن تحفظت على بعض البنود والتي سنقف أمامها بالبيان والتحليل والدول التي تحفظت هي الأردن العراق الكويت ليبيا المغرب تونس الجزائر لبنان مصر اليمن جزر القمر.

ومن الدول الإسلامية التي صادقت على الاتفاقية : اندونيسيا باكستان بنجلاديش تركيا ماليزيا.

وجملة ما ورد في هذه الاتفاقية أنها تؤكد على حقوق المرأة الإنسانية ، كما تدعو الاتفاقية بصورة شاملة إلى المساواة المطلقة في الحقوق بين المرأة والرجل في جميع الميادين: السياسية والاقتصادية والثقافية والمدنية ، وتعد الاتفاقية بعد المصادقة عليها ملزمة قانونيًا للدول بتنفيذ بنودها.

وتعد هذه الوثيقة من أهم الصكوك الدولية التي تضم مبادئ أساسية تدعو لتمتع المرأة بكافة حقوقها ، كما اعتبرت الاتفاقية أن التمييز ضد المرأة يشكل إجحافًا أساسيًا وإهانة للكرامة الإنسانية كما دعت إلى إلغاء كافة القوانين والأعراف والممارسات التي تشكل (تمييزًا ) ضد المرأة.

وتعد هذه الاتفاقية بمثابة قانون دولي لحماية حقوق المرأة ، وبموجب التوقيع عليها من قبل الدول التي تصير ملتزمة بكافة ماورد فيها بشأن التمييز بين الرجال والنساء في جميع الحقوق: المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفى التمتع بهذه الحقوق على مستوى الحياة الخاصة، وعلى وجه الخصوص في الإطار الأسرى ومن أجل هذه الأمور أوجب الموقف أن نتناول بنود هذه الوثيقة بشئ من الدراسة والمقارنة المتأنية مع شريعتنا الإسلامية، لكي نقف أمام المتفق معنا والمختلف فيه.

أولاً: الوثيقة سلطت الضوء على قضايا المرأة التي همشت من جراء تسييد الموروث الثقافي والعرف الاجتماعي الذي تغلب في كثير من الأحيان على بعض حقوق المرأة والتي منحها الإسلام لها، نتيجة الخلل في فهم بعض النصوص أو تأويلها حسب فهم رغبات البشر, أو بما يتسق مع العرف والموروث الثقافى, وليس حسب مراد الله سبحانه وتعالى. ولا ننكر أن المسلمين إنحرفوا عن تعاليم دينهم فى معاملة النساء, وشاعت بينهم روايات مظلمة, وأحاديث موضوعه إنتهت بالمرأة المسلمة إلى حد الجهل والعزلة والاستبعاد فأعادتها إلى الجاهلية الأولى, حتى أصبح تعليم المرأة معصية وذهابها إلى المسجد محظورًا ومشاركتها فى شئون المجتمع أو إنشغالها بحاضره شيئًا نكرًا عليها, وكان إزدراء الأنوثة حقًا شائعًا, والجور على حقوقها المادية والأدبية هو العرف السائد, بل كان يعتبر مفاخر الرجولة كلما إشتد هذا الجور وتمكن منه الرجل.

وللأسف أن مثل هذه الأمور مازال لها واقع حقيقى فى بعض بلداننا وفي مناطق العالم الإسلامي فى بلاد المشرق والمغرب, خاصة المناطق النائية والبعيدة عن مناطق الحضر. فظهور مثل هذة الوثيقة الدولية, ومناقشتها عبر المنتديات والمؤتمرات, ووسائل الإعلام على إختلافها, بالتأكيد سوف يحرك المياة الراكدة من موروثات ثقافية ضد عدل التشريع الإلهى فى حقوق النساء مع أخذ ما يتفق من هذة الوثيقة مع الشرع الإسلامي مع الإهتمام بحقوق المرأة التي جاءت في النصوص الإسلامية, لكى يكون العدل في حقوق المرأة من واقع شريعتنا, ولا نتغافل أو نتكاسل أو ننبذ ما جاء في الوثيقة لمجرد الرفض أو الكراهية بكل ما يأتى من الآخر, وفي نفس الوقت بهذا الموقف الإيجابي نكون على وعى تام بعدم ترك المجال لتسييس هذه الوثيقة, حتى تستخدم كورقة ضغط على الأنظمة والدول التي تقاوم النمط الحضاري الغربي, سواء أكانت المقاومة على أسس دينية عقدية أو أخلاقية فلسفية أو إجتماعية إقتصادية. ثم نظهر كأننا أمة خاوية الوفاض من قواعد شرعية أنصفت المرأة منذ أن نزل الإسلام بكل ما فية من إصلاح وارتفاع بشأن المرأة ومكانتها التي جاءت إنطلاقًا من سمو الإسلام ونظرته إلى الإنسان, ومن ثم كان تحرير المرأة من جميع الموروثات الظالمة منهجًا متسقًا مع مساواة الإسلام بين الرجل والمرأة في جملة الحقوق والواجبات, وإذا كانت هناك فروقًا معدودة فهى باب إحترام لأصل الفطرة الإنسانية وما ينبنى عليها من تفاوت, وليس تقليلاً من خلقة المرأة أو تهوينا لقيمة دورها. فمكانة المرأة فى الشريعة الإسلامية أقرت لها الحق الحياة والمساواة في الكرامة الإنسانية والحقوق المتفرعة عنها ، وتتضمن حق الحياة والمساواة أمام القانون ، فتعطى للمرأة حق التزوج واختيار شريك حياتها برضاء كامل ، كما تعطيها حق التملك ، وحرية التفكير والاعتقاد ، وحرية العمل ، والمساواة في الأجر، وحرية التعلم والمشاركة في الإبداع العلمي والسياسي والثقافي في المجتمع ، وجميع الأنشطة والأعمال يجيزها ويقرها الإسلام للمرأة ، وتتأكد باضطراد مع زيادة التقدم الاجتماعي والحضاري للمجتمع . وإن كان هناك ظلم وقع على المرأة فهو من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان ، والإسلام بريء منه وإليك هذه النصوص التي تؤكد على عدل الإسلام في حقوق المرأة ونظرته إلى طرفي الأسرة الرجل والمرأة في إطار العدل الالهى ، وإن أى ظلم للمرأة لا يتأتى من الإسلام ، وإنما من سوء التطبيق العملي على أرض الواقع البشرى . يقول الحق سبحانه ((يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ، وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرًا ونساء)) . سورة النساء الآية (1) وقوله تعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم )) سورة الحجرات الآية (13) وفي قوله تعالى ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف )) سورة البقرة الآية (288) والمساواة التامة من حيث الجزاء على الأعمال ((فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض )) سورة آل عمران الآية (196) كما استحق كل منهما الكرامة المتساوية عند الله على الأعمال الصالحة والعبادة الخالصة ومصداق ذلك في قوله تعالى ((المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم )) التوبة الآية (70)

وفى الحديث ما يؤكد على هذه المساواة رواه أحمد وأبو داود والترمذي ((إنما النساء شقائق الرجال )) وفى الحديث أيضًا ((كلكم لآدم وآدم من تراب)) هذه هي المساواة في الإسلام بكل وضوح وتثبيت لكل مايترتب على هذه المساواة من حقوق وواجبات بين المرأة والرجل في المساواة الحق دون فجاجة حيف, وبعدالة تامة، أما وقوع الظلم والجور فهذا أمر يعود إلى أمراض البشر وظلمهم لبعضهم البعض سواء من قبل الرجل للمرأة وهو الأكثر أو من قبل المرأة للرجل, وهو موجود بألوان مختلفة ، وفى مجمله فهو ابتعاد عن منهج الحق القويم ونستطيع أن نجمل ماورد في النص القرآني والنص النبوي بشأن علاقة المرأة بالرجل أو كما تردد في المصطلح الغربيالجندر أو التنوع الاجتماعي وما يصاحبه من مفهوم المماثلة والمساواة ، لا يمكن تطبيقه تطبيقًا دقيقًا وكاملاً إلا بين المتماثلين في الجنس والنوع في جميع الأشياء.

وهذا التطابق لا يمكن تحقيقه على وجه الدقة الكاملة في النوع الواحد وعلى سبيل المثال يوجد التفاوت بين النساء بعضهم البعض, فمن باب أولى أن يوجد مثله بين الرجال والنساء ومن هنا فإننا نرى أن التعبير الملائم لواقع الحياة ولطبيعة الحقوق بين النوعين أن يسمى ذلك بإسم العدالة والإنصاف ورفع الظلم والغبن عن جميع الأطراف الرجل والمرأة وقد تحققت العدالة بينهما كما جاء في بعض الآيات التي ذكرت آنفا. أما الأمر الهام الذي يجب استيعابه من هذه الوثيقة مراعاة الخصوصية الثقافية لواقع البشر الجغرافي ، مثال الأمة الإسلامية والتي تمتلك دستورًا قويمًا وعظيمًا وسيرة كلها رحمة وعدل ، فهذا التراث والميراث الزاخر ، لا يمكن أن يقبل بوثيقة دولية أو اتفاقية أن تتصادم مع شريعتنا خصوصًا وهى تمتلك ما يتعادل معها أو تفوقها ومن هنا تأتى النظرة المستنيرة وتنافس أمثال هذه الوثيقة ونقبل ما يتفق معها ونرد ما يتصادم مع شرعنا ونعذرهم على جهلهم بما لدينا سواء أحسنا تطبيقه أو مالم نحسن ، حتى ظن بنا الآخر بنا الظنون ، وأراد أن يقدم لنا ما قدمه. وفي هذا الشأن أذكر موقف الفيلسوف العظيم إبن رشد عندما سئل عن موقفه في تعاطي الفلسفة اليونانية ، وكان متهم بذلك فكان رده الحكيم بأن يأخذ منها ما يتصالح مع شريعته ، أما ما يتصادم معها فيرده إليهم ويشكرهم على ما أتفق ، ويعذرهم عما (ما يتفق مع شريعتنا CEDAW أختلف . ومن هذا القبيل فنقبل منها أي من وثيقة ) ونرد ما يتصادم معنا وهو قليل خصوصًا أن ميثاق الأمم المتحدة وهو دستور المجتمع الدولي والذي يعلو كافة المعاهدات الأخرى حيث نص في مادته (103) على انه ((إذا تعارضت الإلتزامات التي ترتبط بها أعضاء الأمم المتحدة وفقًا لأحكام هذا الميثاق مع أي التزام دولي آخر يرتبطون به ، فالعبرة بالتزاماتهم المترتبة على هذا الميثاق )) ولذلك يجب مراعاة واحترام كافة الأشكال الحضارية ، وكافة نظم الاعتقاد الديني في العالم ، وأن تخرج المواثيق الدولية من هذه الفلسفة حتى يقيد لها النجاح والإتيان بالثمار المرجوة منها لكافة الشعوب على اختلافهم في الدين والواقع الجغرافي والخصوصية الثقافية لكي يصل هذا الجهد إلى عمل مقبول، ويقرب وجهات النظر ، وتضييق مساحة الاختلاف بين الشعوب . خصوصا في واقع أوضاع المرأة وإمكانية نجاحها في تحرير نساء العالم مما يعانوه من مظالم .

التحليل والتعقيب على مواد الاتفاقية :

الهدف الأساسي للاتفاقية هو إبطال التمييز ضد المرأةمما ينال من حقوق الإنسان امرأةً أو رجلاً في الميادين الأساسية في مجال الحريات والأنظمة السياسية والاقتصادية والثقافية والمدنية أو أي ميدان آخر ، وإبطال أي اعتراف في تمتعها بها بغض النظر عن حالتها الزوجية ، ومضمون هذه المادة ، لا تتعارض مع ماجاء في الشريعة الإسلامية، و هذا ما تؤكده النصوص في القرآن والسنة ففي قوله سبحانه وتعالى ((ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف )) سورة البقرة (228) ((المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)) التوبة الآية (71) وهذا ما يؤكده النص النبوي ((إنما النساء شقائق الرجال )) والمرأة في الإسلام لها الحق في المجال السياسي ودورها في البناء السياسي للدولة الإسلامية لها الحق على قدم المساواة مع الرجال ، وقد شاركت المرأة في بيعة العقبة إلى جانب الرجال التي تشتمل على:

  • توثيق وتطبيق مبادئ الإسلام قسمًا خاصًا بنصرة النبي (ص) وان يمنعوه مما يمنعون منه نسائهم وأولادهم . وشاركت من النساء في هذه البيعة نسيبة بنت كعب أم عمارةإحدى نساء بني بن النجار و أسماء بنت عمر بن عدىإحدى نساء بني مسلمة واشتهرت هذه البيعة ببيعة الحرب“.

  • وشاركت المرأة في الهجرة سواء إلى الحبشة أو إلى المدينة والجدير بالذكر أن دور المرأة لم يقف على المبايعة بالقول، بل شاركت بالفعل في ميدان الجهاد لتثبيت مبادئ الدعوة.

وأصبحت المرأة متمتعة بحقوقها السياسية في ظل السيادة الإسلامية . ومن الأعمال السياسية الهامة التي مارستها المرأة المسلمة منذ فجر الإسلام عندما استجار (إعطاء الحماية) أحد المشركين بأمهاتئفأجارته ،ثم أخبرت رسول الله (ص) فأقرها على عملها وقال (( أجرنا من أجرت أم هانئ )) وهذا الأمر يتضمن حقًا هامًا من الحقوق السياسية التي اكتسبتها المرأة في الإسلام ، وهو أمر لم تشهده المرأة في أي مرحلة من تاريخها الطويل سواء قبل الإسلام أو في غيره من الحضارات الأخرى.

وتتجلى أهمية ممارسة هذا العمل من أم هانئ وتأييد الرسول الكريم لها أجرنا من أجرت يا أم هانئهذا التأييد أضفى عليها صفة السيادة الملزمة وهو ما يعرف الآن بحق اللجوء السياسيفالرسول الكريم لم ينكر على أم هانئممارسة هذا الحق السياسي ، وجعل موافقته على ماقامت به حقًا مكتسبًا للمرأة في هذا الميدان السياسي قرارًا في الوقت نفسه بمساواة المرأة بالرجل في دستور (( جماعة المؤمنين في المدينة )) وهو الدستور الذي أطلقت عليه كتب السيرة اسم ((الصحيفة )) والتي تم فيها تجديد ما أقره الرسول لأم هانئوهذا مانصت عليه الصحيفة فيما يلي:

((المؤمنون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على سواهم ، ويجير عليهم أدناهم )) فالمؤمنون تتكافأ دماؤهم، أي يتساوون فلا يفضل شخص على آخر ، ذكرًا كان أو أنثى ، وهم جميعًا يد على الأعداء ، والجميع رجالاً ونساء مشتركون في العمل على رفعة الوطن (( النساء شقائق الرجال)) مما ينطبق على السياسة يتطابق مع باقي الأنشطة في الميادين الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والمدنية. وهناك عشرات النصوص والأحاديث وكتب السيرة التي توضح وتؤكد على دور المرأة الحيوي والفعال في العهد النبوي وما بعده حتى القرن العاشر الهجري بما لا يستطيع أحد إنكاره أو الغض من قيمته.

المادة الثانية في فقراتها أ ، ب ، ج ، تتميز بلغة خشنة إلى حد ما والتشديد على منهج التطبيق من خلال الدساتير والتشريعات الوطنية إذا لم توجد فهي فقرة جادة ومحاصرة للشعوب خشية التفلت أو عدم الجدية في التنفيذ, مثل ما يحدث من تغييب لعدل التشريع الأسلامى في حقوق المرأة فكثيرًا ما يتوارى أمام سطوة العرف والموروث الثقافي الذي يتحيز للرجل على حساب إنصاف المرأة، وهنا أسوق مقولة شهيرة ، بأن في بعض الأحيان من لايزع بالقرآن ، يردعه السلطان والقانون الجاد في إدارة التطبيق. فالتدابير التشريعية الرادعة للتمييز ضد المرأة ممكن أن تردع بقانون السلطان والممارسة الجادة والصارمة في التطبيق وهذا ما يجعل كثيرًا من الناس يتخوفون من هذه المواثيق لأنها تحتوى على عقاب مباشر وسطوة في التطبيق ، أما العقاب الذي يأتي عن طريق النص الديني فغالبًا يحدث أمامه تسويف أو تأويل لصالح الرجل، أو التغاضي تحت مقولة إن الله غفور رحيم. وكثيرًا ما تجد النفس الإنسانية التغاضي عندما يكون العقاب مؤجلاً وهذا كثيرًا ما يحدث مع المحاذير التي ترد في النصوص الدينية ، فمن فوائد هذه الاتفاقية تكاتف المواثيق مع السلطان المنفذ الفوري يوجد يقظة وعدم تغافل أمام ما ورد في الشريعة ومع ماجاء في الوثيقة وهو تضامن محمود ويعتبر العمل بالخلع في السنوات الأخيرة من خلال الشريعة والذي تغافلت عنه القوانين المصرية كان فيه استبداد من قبل الرجل عند انفراده بالسلطة في أمر الزوجة مما ترتب عليه الكثير من المظالم ضد المرأة ، مثل المقولة الشهيرة سأتركك مثل البيت الوقف “.

ورغم تطبيقه وفيه توازن بين سلطة الرجل وحق المرأة كما يقول ابن رشد في كتابه القيم بداية المجتهدبأن عقدة الطلاق في يد الرجل والخلع في يد المرأة يؤدى إلى التوازن والاتزان في داخل الأسرة ورغم تململ الرجل من هذا التوازن إلا أنه أمر يصيب في عدل التشريع الإلهى، ومارسه الرسول (ص) والصحابة من بعده ، ويؤخذ به في كثير من محاكم الدول العربية بصورة أفضل من الواقع المصري.

خلاصة الأمر في هذه الفقرة ، بأن المساواة في الشريعة الإسلامية فيما أتفق فيه الجنسان من قدرات وخصائص إنسانية ، أما ما يختلفان فيه فيأتي هنا مفهوم العدل وليست المساواة المطلقة كما يجب أن تبين نظرة الشريعة الإسلامية لمفهوم تطور المرأة وكذلك لتطور الرجل إنما يعنى تحسين وضع كل منهما في كافة الميادين في إطار منظومة القيم والمبادئ الاجتماعية والخصوصية والدينية كما يجب التأكيد على أن مفهوم الشريعة للمساواة لا تعنى التطابق وقد تحققت العدالة بين الرجل والمرأة عندما قرر الإسلام المساواة التامة في أصل الوجود أو التماثل، كما تم شرح ذلك في التمهيد السابق.

ما ورد في المادة (3)، (4):

المادة الثالثة وهى خاصة بالتدابير المناسبة لكفالة تطور المرأة ، في الميادين المختلفة لصنع الحياة، فهي مسألة تقود إلى تقدم المجتمع الحضاري الذي يرتكز على الفهم الصحيح للشريعة الإسلامية في كل ما كفلته الشريعة لحقوق المرأة والتي لا تقل في هذه الميادين عن الرجل ، وعندما نقرأ بشكل جاد وصحيح دور المرأة في القرون الأولى سنجدها أبلت بلاءً حسنًا، فوجدت المرأة التي تعلم عليها أعظم علماء الأمة في مجالات علوم عصورهم، وشاركت في السياسة ، وفي بناء المجتمع منذ العصر الأول كما سبق بيانه. وإذا حدث تراجع ، كان ذلك بعد القرن العاشر .

المادة (5)

وهي خاصة بتعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية لدور كل من الرجل والمرأة خصوصًا، إذا ترتب على هذه الأنماط نظرة دونية أو تفوق أحد الجنسين على الآخر والحقيقة أن نظرة الإسلام لهذه القضية رغم الاعتراف بحقيقة وجود فوارق واختلافات فسيولوجية أو نفسية بين الرجال والنساء لا يعنى بحد ذاته تفضيلاً لجنس على آخر لكنه اعتراف بحقيقة هي أمر واقع ، أما الذكر والأنثى فقد خلقا من نفس واحدة, أي إنهما شيئان لجوهر واحد, لا جوهرين منفصلين, وهذه الحقيقة تعنى أن الجنسين يتمايز بعضهما عن الآخر، ولا يتميز بعضهما عن بعض.

ومن الجير بالذكر أن الشريعة الإسلامية في بعض المواقف تعطى للمرأة أكثر مما تعطى للرجل فوصية الرسول (ص) للرجل الذي سأله من أحق بصحبته فقال ثلاث مرات أمك ثم في الرابعة أوصى بالأب ، وفي حديث آخر عندما يقول (ص) ((استوصوا بالنساء خيرًا )) وفي الحديث الصحيح ((خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ، وما أكرم النساء إلا كريم وما أهانهم إلا لئيم ))

المادة السادسة (6)

نستطيع أن نقول أن الشريعة الإسلامية كانت أسبق من القوانين المعاصرة في حماية وصيانة كرامة المرأة فيما يتعلق بالعمل على منع الاستغلال الجسدي للمرأة ، فلم تقتصر على منع الدعارة والمتاجرة بجسد المرأة في الإعلانات وتحقيقًا لهذه الحماية عملت الشريعة الإسلامية على توفير سبل العيش الكريم للمرأة إلى حد إلزام أدنى أقاربها بالإنفاق عليها إذا لم يكن لها مال أو عمل. وهنا تكمن الحكمة في قضية الميراث عندما يكون الوارث للوالدين بنات دون أخ ذكر ، هذا المعنى يفرض على الرجل القريب رعاية من لا عمل لها ، والقضية في جملتها تبين أهمية هذا الأمر في المنظومة على مختلف الأوضاع والمراكز لأفراد العائلات في منظومة شرعية للتكافل سواء في أنصبة الميراث ، أو في حالة احتياج المرأة . فصلات الأرحام والالتزام الخلقي للقوى تجاه الضعيف خصوصًا في حالة ضعف المرأة المعدمة أمر أخذ العناية العظيمة في الشريعة الإسلامية منذ نزلت هذه الشريعة الربانية يقول الحق سبحانه ((للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبًا مفروضًا)) سورة النساء الآية (7)

المادة (7)

هذة المادة في بنودها أ ب ج.

النظرة الشاملة لهذة البنود ، أنه ليس فى نصوص الشريعة الإسلامية أو مقاصدها الكلية ما يحول بين المرأة وبين واجبات والاستخلاف الذي يفرض عليها وجوبًا عينيًا الإشتراك فى عملية الإصلاح وما يتطلبه من التصويت فى جميع الانتخابات والاستفتاءات العامة وأهلية الإنتخابات لجميع الهيئات التي ينتخب أعضاؤها بالاقتراع العام وفي صياغة سياسة الحكومة ، وفى شغل الوظائف على جميع المستويات ، وإجمالاً فإن الإسلام نصوصه وقواعده العامة ، والممارسة الفعلية من العهد النبوي وإمتدادة، الي عصر الخلفاء فى الدولة الإسلامية والمرأة تمارس جميع الأنشطة بجوار الرجل على قدم وساق في الحرب والسلم وبناء المجتمع خصوصًا ، فى ريادة المرأة للعلم خصوصًا في أمانتها في رواية الحديث والذي عبر عنة عن المرأة في هذا المجال ، أنه لم يعرف عن إمراة أنها كذبت في رواية الحديث ، وهناك المئات من النساء من كن شيخات لكبار علماء الأمة ، مثل أحمد بن حنبل ، وابن الجوزى ، وابن تميمة وابن سيد الناس والإمام الشافعي وغيره كثر من العلماء الأجلاء أخذوا العلم عن شيخات.

المادة (8)

هذة المادة تتفق مع الشريعة ، فلا يوجد فيها مايقف حائلاً عن قيام المرأة بالمشاركة في أعمال المنظمات ، أو تمثيل الحكومة طالما ترقى وتستوعب الضوابط والمقومات لهذه المهام الرفيعة والمسألة مطبقة بالفعل ، ولدينا العديد من النساء القديرات يقمن بهذا الدور، ولا يوجد فى الشريعة ما يمنع ، وهجرة المرأة في العصر النبوى ومساهمتها في بناء المجتمع الجديد سواء فى يثرب ، أو هجرتها الى الحبشة ..

جملة القول أن من تقوم بهذا التمثيل الدولي عليها أن توازن بين متطلبات والعمل وواجبات الأسرة وحقوق الزوج والأولاد.

ومنذ فجر الدعوة نعلم ماذا قدمت السيدة العظيمة خديجة في تثبيت فؤاد الرسول صلى الله علية وسلم عندما نزل علية الوحي، وحفلت كتب السيرة والتاريخ لعشرات من النساء فى العهد النبوي اللواتي شاركن فى ميدان الحرب والقتال ، فلم يوجد ما يمنع من قرآن أو نهى منة (ص) ، بل أشاد ببسالة بعض النساء اللواتي شاركن في الغزوات بحمل السلاح أو مداواة الجرحي وأعطى (ص) لبعضهم نصيبًا من الغنائم ومن هولاء النسوة من عرفن بجائل الأعمال مثل : السيدة أسماء بنت أبي بكر ، وأسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية ، وأمية بنت قيس بن أبالصلت الغفارية ، ومنهن أم الحارث الأنصارية ، وأم حكيم المخزومية وجويرية بنت أبي سفيان ، وأم عطية ، ومنهن أم عمارة نسيبة بنت كعب الأنصارية ونقف عندها فيما تقول عن غزوة أحد : إنكشف الناس عن رسول الله (ص) فما بقى إلا نفر ما يتممون عشرة ، وأنا وإبناى وزوجتي بين يديه نذب عنة (ص) والناس يمرون منهزمين ، ورأى النبي (ص) لاترس لحي معى فرأى رجلاً موليًا معه ألق ترسك الي يحارب من يقاتل فأخذتة ((ترس ، فقال لصاحب الترس فجعلت انترس به عن رسول الله (ص).

المادة (9)

هذة المادة لم تكن تشكل أى عوائق لأن مفهوم الأمة الإسلامية كان مفتوحًا دون قيود أو حدود، ولكن مع ميلاد الدولة الفطرية التى قامت على معيار الجنسية ، هذا الواقع فالإسلام يحض على مراعاة أفراد الأسرة والمصلحة العامة ، مع تطبيق المبادىء الكلية من حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل ، وعناية الشريعة الإسلامية بهذة المبادئ الكلية أمر هام فى صيانة الانسان الرجل والمرأة في أي مكان وأي زمان لأنهم جزء من مكانته وقيمتة الإنسانية.

المادة (10)

هذه المادة بفقراتها – أ – ب – ج د ه و ز جميعهم لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية: العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، على كافة الأصعدة والتخصصات ، من المهد الى اللحد، لأننا أمة القرآن ، وأمة إقرأ. وعقيدة هذة الأمة التى جعلت العلماء ورثة الأنبياء فى جميع أنواع العلم والمعرفة وحضارة هذة الأمة أنارت الدنيا فى أوروبا حتى أرض النار في أمريكا, عندما حمل الموريسكون معهم شعلة علماء الأندلس بعد سقوطها وهربوا! أمريكا من كاليفورنيا حتى أرض النار هذه الأمة التى عرفت المرأة الفقيهة والعالمة والمحاربة والسياسية وشيخة تعلم على يديها علماء الأمة والصحائف في السيرة تزخر بهذة النماذج من الشيخات اللواتي كنا أساتذ لكثير من أعلام الأمة أمثال: الشافعي ، الذهبي ، أحمد بن حنبل ، ابن الجوزي ، ابن تيمية والكاساتي ، وابن القيم وغيرهم من حيث النص الإشكالية ، تأتى من غياب أو تراجع التطبيق مع الإقرار أن يتاح لها نفس الفرص مثل الرجل في الحصول على الدرجات العلمية الى أعلى مستوى ، وإن تتقلد العمل الى أعلى المناصب لمؤهلاتها وكل هذا إلا يتصادم مع شريعتنا الإسلامية.

المادة (11)

هذه المادة رغم التفريعات الكثيرة التى وردت فى بنودها ! إلا أنها تصب في صالح حق المرأة الذي كفل لها الدستور المدني ما ورد فيها ، أما من وجهة نظر الشريعة فالعمل مباح للمرأة كما هو مباح للرجل ، مع مراعاة المرـة عدة أمور لا تتنافى مع إنسانيتها ولا تتصادم مع فاعليتها ودورها الحيوي في المجتمع مع مراعاة نوع العمل، والظروف التى يؤدى فيها ، ومدى تعارضه مع مصلحة أسرتها وهو أمر حيوي وضروري للأمومة داخل الأسرة وأحسب أن المرأة حريصة على هذه الضوابط أكثر من حرص المواثيق الدولية عليها كما تتفق هذة البنود مع ما تنادى به الشريعة الإسلامية مثل الحق في الضمان الاجتماعي والحق في الوقاية الصحية ، وسلامة ظروف العمل ، بل وكفالة حق العمل للمرأة والسعى لتوفير أجواء صالحة لعمل المرأة ، مع توفير كافة الأمور المادية وغيرها لعونها على أداء مهام الأمومة بشكل مأمون وفيه الراحة النفسية لضمان استمرار وظيفتها عند العودة لممارسة نشاطها الطبيعي في صنع الحياة.

المادة [12]

هذه المادة تلقي ترحيبًا قويًا في توفير الرعاية الصحية للمرأه في أمومه آمنة ورعايه تامة في أثناء الحمل والوضع والرعاية أثناء الرضاعة وبما فيها الخدمات المتعلقة بتخطيط الأسره على أسس فيها البصيرة والمسؤليه من حيث صحة الأم ، ومعاونتها علي تحمل واجتياز هذه المرحلة وأسوق مقولة الإمام الغزالي في القرن الخامس الهجري عندما يطالب المرأه التي تخشي علي جمالها وضياع صحتها وعدم قدرتها على تحمل مسؤليه كثرة العيال فالشريعة تعطيها حق التنظيم لكي تحسن القيام بأدوارها المتنوعة في الحياة ويطالب الجهات المسئولة في رعايه المرأة في مرحله الأمومة حتى تستطيع أن تقدم أولاد أسوياء ليكونوا لبنات صالحة في بناء مجتمع، قوي فالمؤمن القوي أحب إلي الله من المؤمن الضعيف.

المادة [13]

ما ورد في هذه المادة يدور حول المجال العائلي ، والإسلام يكرم المرأه أمًا وزوجة وهي تعد مصباح المنزل الذي تنيره وفي الحديث الصحيح خيركم خيركم لأهلية,, وأنا خيركم لأهلى ، وما أكرم النساء إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم وفي حديث آخر استوصوا بالنساء خير1″. الإسلام أعطى الزوجة ذمة مالية مستقلة عن زوجها ، وبالتالي فلها الحق في الحصول على القروض المصرفية والرهون العقارية ، وغير ذلك من أشكال الائتمان المالي. كما أن الشريعة الإسلامية لا تمنع الحق فى الإشتراك في الأنشطة الترويحية والألعاب الرياضية ، وفى جميع جوانب الحياة الثقافية.

هناك إشكالية دائمًا ما يثار حولها اللغط وهو ميراث الأنثى على النصف من الرجل يقول الحق سبحانه وتعالى يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ” . سورة النساء /11 وفهم خطأ أن كل أنواع الميراث ينصب فى هذه الحالة ، ولم يقفوا على الحكمة من ذلك وهو أن حق المرأة في الميراث لا يمكن فهمه إلا فى ضوء الموازنة العادلة بين الحقوق والواجبات المالية التي تقررها الشريعة على كل من الرجل والمرأة فالإسلام يلزم الرجل بالإنفاق على المرأة : زوجة وكذلك يلزمه بالإنفاق على البنت والأم والأخت عند حاجتهن ، ولا يلزم الزوجة بالإنفاق على نفسها أو أسرتها حتى ولو كانت غنية ، فجميع ما تمللك من أموال لها وحدها ، وهى غير مكلفة أو ملزمة بالإنفاق على أحد ، إلا في حدود ضيقة من باب الفضل ، والرجل وحده مكلف وملزم بالإنفاق على بيته ، وتتسع دائرة إنفاقه على أقاربه شرط يساره وحاجتهم .

أما حالة التوريث فى الأوضاع الأخرى التى ترتبط بدرجة القرابة بين الوارث ذكرًا أو أنثى وبين المورث المتوفى فكلما إقتربت الصلة زاد النصيب في الميراث. الوجه الآخر في الميراث فى الاسلام موقع الجيل الوارث من التتابع الزمني للأجيال التي تستدبر الحياة ، وذلك بصرف النظر عن الذكورة أو الأنوثة الوارثين ، فالبنت ترث أكثر من الأم بل وترث أكثر من الأب ، والأبن يرث أكثر من الأب وكلاهما من الذكور.

إذن قضية الميراث تؤخذ في جملتها وحكمتها كما أرادها عدل التشريع الإسلامي وليس لمجرد النظرة السطحية ومقارنة الفروق دون النظر الى الحكمة منها ، وفي مجملها كلها عدل للبشر.

المادة (14):-

جملة مفردات هذه المادة المتصلة بعمل المرأة الريفية فهي لا تعمل على إثبات حق؛ فالمسألة منذ فجر التاريخ والمرأة تعمل بجوار زوجها في الريف من شروق الشمس حتى غروبها فهي تساهم مساهمة فعالة في التنمية الأسرية؛ ولا يتوقف عند عمل الحقل ؛ بل تساهم في كثير من الأعمال الريفية الأخرى مما يساعد في رفع نتاج القرية ورفع مستوى الحياة للأسرة؛ فعمل المرأة في هذه الميادين أمر ترحب به الشريعة الإسلامية في كل زمان ومكان؛ وفي كل الأحوال عن بن جابر بن عبد الله قال: ” طلقت خالتي فأردت أن تجد (1) نخلها فزجرها رجل أن تخرج وهي في عدة فأتت النبي (ص) فقال: ” لا بلى فجدى نخلك فإنك عسى أن تتصدقي أو تفعلى معروفًا“. هذا مجرد نموذج على جواز عمل المرأة فى الحرف المختلفة وورد في رواية عن ابن ماجه أنها كانت صناع اليدين؛ وورد فى الطبقات الكبرى أن إمرأة عبد الله بن مسعود وأم ولده كانت إمرأة صناعا؛ فقالت : يا رسول الله إني إمرأة ذات صنعة ابيع منها وليس لى ولا لزوجي ولا لولدى شىء؛ وسألته عن النفقة عليهم فقال: ” لك في ذلك أجر ما أنفقت عليهم“.

وعن سعد بن سهل رضى الله عنه قال: جاءت إمرأة ببردة قال: أتدرون ما البردة؟ فقيل: له نعم هى الشملة منسوجة في حاشيتها؛ قالت يا رسول الله إني نسجت هذه بیدی (2).

فالعمل الحرفي أمر محترم فى الشريعة الإسلامية؛ وعملت المرأة في كل المجالات؛ وهو أمر محمود ويحض عليه الإسلام للرجل والمرأة وعندما جاء رهط إلى بيت النبي (ص) وعند مصافحتهم أحس بيد خشنة من العمل فقبل صاحبها وقال هذه يد يحبها الله ورسوله؛ والعمل للرجل والمرأة دون تفرقة أو تمييز فما جاء في الوثيقة أعتبرها من باب بعث وتنشيط الوعى وألهمم خصوصًا في رعاية المرأة في توفير الخدمة الطبية المناسبة في الريف والمناطق النائية؛ وهو أمر محمود يحض عليه الشرع لصيانة المرأة فى نفسها ونسلها؛ وهي من الأمور التي تعد من الكليات في الإسلام.

المادة (15):

هذه المادة تمنح المرأة حق المساواة مع الرجل أمام القانون؛ ويكون لها الأهلية القانونية مماثلة لأهلية الرجل؛ مثل إبرام العقود وإدارة الممتلكات في مساواة كاملة في مراحل الإجراءات المتبعة فى المحاكم والهيئات القضائية. وكل هذه الحقوق وممارستها لا ترفضها الشريعة؛ واستقلال المرأة في الذمة المالية وما يترتب عليها من أهلية تتساوى مع ما ورد من تفصيلات في بنود الوثيقة؛ فكانت السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها من أرباب القوافل التجارية؛ وكانت من أثرياء مكة؛ وكانت ترسل قوافلها لجلب التجارة؛ والعصر الحالي لدينا من أصحاب الأعمال على أعلى مستوى من الثراء والتحرك في تنمية المال وإبرام العقود بما يتفق مع الوثيقة؛ وفى نفس الوقت لا تتعارض مع الشريعة فالمرأة في الإسلام منذ أربعة عشر قرنًا ويزيد؛ لها أهلية كاملة كالرجل سواء بسواء؛ ولها حق التصرف بمختلف أنواع التصرفات والمقررة شرعًا فيما تملكه فلها أن تبيع وتشترى وتقايض وتهب وتوصى وتقرض وتقترض وتشارك وتضارب وتوقف وترهن وتؤجر ….. بإرادتها وتصرفاتها نافذة؛ ولا يتوقف شيء من ذلك على رضا أب أو زوج أو أخ. وأسوق مثالاً من كثير عن السيدة أسماء بنت أبي بكر ؛ وهي تتصدق بثمن جاريتها ودون علم زوجها: قالت أسماء فبعت الجارية فدخل على الزبير (زوجها) وثمنها فى حجرى فقال: هبيها لي: قلت: “إني قد تصدقت بها(3). وأكثر من هذا إن المرأة في عهد النبوة: أن وليها لا يجوز له أن يزوجها دون رضاها. عن خنساء بنت خدام الأنصارى: ” أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك؛ فأتت رسول الله (ص) فرد نكاحها (4).

وأرى أن أقف قليلاً أمام بند (4) من المادة؛ في مسألة الحقوق المتعلقة بحركة الأشخاص؛ وحرية اختيار محل سكناهم وإقامتهم.

بالنسبة للمرأة؛ ووضع قيد المحرم؛ ذلك أمر اختلفت الظروف فيه الآن من حيث وسيلة السفر والتنقل؛ ولم تعد كما كان في السابق من إغارة القبائل على بعضها لبعض وأخذ النساء سبايا؛ مما يؤدى إلى إنشغال القبائل في حربهم لبعضهم البعض وترك الدور الآخر وهو الإنشغال بنشر الدعوة؛ ولذلك جاء هذا القيد (المحرم). أما توفير الحماية والأمن الآن يجب أن يتوفر للرجل والمرأة سواء كان السفر بوسيلة الطائرات؛ السيارات والقطارات وغيره؛ فأختلفت العلة التي فرضت على سفر المرأة نتيجة تغير مفهوم الأمن ووسائل السفر؛ والأمن الآن من الضروري للرجل والمرأة. أما مسألة السكن فهى تعود إلى حالة الزوجين وظروفهما؛ بشرط أن يكون سكن متفق عليه بالحقوق المشتركة المترتبة على عقد الزواج ودون الإخلال بحياة أسرية تتسم بالسكن والمودة والترابط داخل سكن بيت الزوجية الذى أقيم على قواعد الميثاق الغليظ.

المادة (16):-

الحقيقة أن هذه المادة تعد من أخطر مواد الوثيقة فى الاختلاف فيما ورد من بنودها أنها تتصادم مع شريعتنا الإسلامية من عدة وجوه. أولها خصوصية مفهوم الشريعة الإسلامية فى (الأحوال الشخصية) من زواج طلاق قوامة وصاية – ولاية حقوق وواجبات الزوجين وحقوق الأولاد……..

الأمر الآخر أن هذه الوثيقة جاءت من ثقافة الغرب ونمط حياتهم الأسرية؛ ربما نتيجة تجاهل أو جهل هذه المنظمة لخصوصية الأسرة المسلمة في ظل شريعة الإسلام والتي لا يقبل مسلم أن يستبدل ما جاء فيها من قبل الشارع الحكيم سبحانه بأراء بشر؛ خصوصًا بأن أوضاع الآخر فى هذه الخصوصية ليست من القوة والتماسك في البنية الاجتماعية أو الحصانة فى الذرية بالشكل الذي يغرى إتباعهم أو تقليدهم.

فالحق فى عقد الزواج الذى يقوم على الرضا والقبول ولا يمكن لولى البنت إكراهها على من لا تقبله ؛ وقد رد الرسول (ص) زواج خنساء بنت خدام الأنصارية عندما أراد ولى المرأة أن يزوجها ابن أخيه دون رضاها. ومن الجدير بالذكر أن المرأة الثيب إذا تقدم إليها كفىء لها ؛ وتعنت وليها في الرفض ففي هذه الحالة يمكن أن تزوج نفسها. أما البكر فيمكن أن تلجأ للقاضى ليتولى عقد نكاحها من هذا الزوج الذي اختارته شريكًا لها في حياتها بمحض إرادتها.

فالإستئذان والرضى والقبول؛ ودور الولى؛ وتقديم المهر ؛ وتأثيث منزل الزوجية؛ وتكفل بالنفقة؛ وتحمل الخسائر كاملة إذا فصم عُرى الزوجية من تأثيث منزل للحاضنة ومن متعة ونفقة وكفالة أبناء ؛ والمرأة إذا أرادت أن تفصم عُرى الزوجية بالخلعفليس عليها أكثر من رد ما أخذته مهرًا.

أما مسألة الفصل بين مسئولية الأم كوالدة ووضعها كزوجة؛ هذا أمر يتفق مع الشريعة الإسلامية؛ فيما يختص بالرعاية الإنسانية والصحية للأم والطفل؛ والشريعة الإسلامية وضعت أحكامًا خاصة بثبوت النسب؛ وما يتبعه من مسئولية إذا كان هناك زواج أم لا.

ولذلك عند عدم وجود وثيقة الزواج ويحدث إنكار للطفل فقد رحبت بإستخدام؛ قياسًا على ما كان يستخدم فى العصر الأول مثل ” DNA الوسائل العلمية مثل القيافة“.

الأسرة مؤسسة مكونة من زوجين فالإسلام أعطى مسئولية القوامة للرجل: “الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهمسورة النساء/34

فقوامة الرجال ليست إستبداد بل هى مسئولية وتكليف؛ ولا يصح للرجل أن يفهم القوامة على أنها إنفراد الزوج بتحديد القرارات دون رأى الزوجة؛ فالأمر شورى؛ ومحصلة توافق آراء؛ ولا يجب أن يتعسف أو يستبد بأحوال الأسرة دون مشورة وتراضي.

البند الخاص بإسم العائلة حيث تطالب الإتفاقية إعطاء المرأة حق اختيار اسم عائلتها على قدم المساواة مع الرجل؛ فهذه خصوصية ثقافية لدى الغرب, إنما نحن لدينا شريعتنا والتي أعطتنا خصوصية في هذا المجال نعتز بها ونحرص عليها فالمرأة التي تنتمي إلى عائلة غير عائلة الزوج فهى تكون معتزة بهذا الإنتماء؛ وإذا كان من أبناء عمومة الزوج فهى أيضًا تعتز بذلك؛ وهي مسألة لا تشكل لنا أى حساسية أو إضطراب؛ ولا تحتاج أن نأخذها من الوثيقة وعندنا ما ورثناه ونرتضيه ويتواءم معنا منذ قرون وعليه تربى نسيجنا والإسلام أبطل التبنى؛ إبتعادًا عما يترتب عليه من خلط في الأنساب أو جورًا في الميراث؛ وأوجد التكامل والحصن على رعاية اليتيم وجعل الرسول (ص) هو وكافل اليتيم أقرب مسافة ومقعدًا في الجنة؛ والكفالة تشمل جميع ألوان الحياة من معيشة وتعليم وأمان للمستقبل كل حسب سعة الكافل له وهو أمر مفتوح؛ والتسابق إلى الخير فى هذه القضية مفتوحًا وتحث عليه الشريعة.

وأرى من الضرورى الوقوف أمام الزواج الذى أصبح الآن منتشرًا بين أوساط الشباب؛ ومدى أهمية وضع الضوابط التى وردت فى بيان الميثاق الغليظ الذي يربط بين الزوجين؛ ذهب الأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأحمد؛ وكذلك أهل الظاهر إلى أن الولاية شرط عقد الزواج إستنادًا إلى الحديث الذي رواه الإمام أحمد؛ عن عمران قال: قال رسول الله (ص) ” لا نكاح إلا بولى؛ وشاهدى عدلوأسوق عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله (ص): “لا نكاح إلا بولى؛ والسلطان ولىَ من لا ولى له“.

هذا ما اتفق عليه جمهور الفقهاء ؛ وذهب الأئمة الثلاثة إلى أن الولاية على البكر ولاية إجبار؛ والولاية على الثيب ولاية شركة؛ فلابد من إذن الولى ورضاه كما اتفقوا على أنه يشترط أن يتولى الولى العقد بنفسه ويباشر بعبارته فإذا زوجت المرأة نفسها؛ وباشرت العقد بعبارتها فإنه يكون باطلاً من أوله بكرًا كانت أم ثيبا ، وسواء أكانت تزوج نفسها أم تزوج غيرها كبنتها أو أختها ، وسار على هذا الرأى الظاهرية. أما الامام أبو حنيفة فإنه لا يرى الولاية شرطًا لصحة العقد ، إذا زوجت المرأة نفسها بكفء ومهد المثل. وتابع الامام أبو حنيفة أبا يوسف فى ظاهر الرواية ، وكذلك الأمامية. أما الامام محمد بن الحسن الحنفى ، فهو يرى أن إذن الولى شرط في نفاذ العقد وليس فى صحته ، فإذا باشرت المرأة العقد بغير إذن وليها وباشرته بعبارتها كان العقد صحيحًا موقوفًا على إجازة الولى ، ولا يترتب عليه أثاره الا إذا أجاز الولي ، سواء كانت المرأة بكرًا أم ثيبًا ، وذلك لأن الولاية عنده ولاية شركة فلا يستبد بها أحدهما دون الآخر ، وأيهما عقد العقد يكون عقده صحيحًا موقوفًا على إجازة الآخر.

فنظرة الشريعة للميثاق الغليظ نظرة كلها رعاية وإحترام وأمر بالغ الأهمية فحضور الولى عقد الزواج ، وإقرار العائلة لهذا الزواج يساعد على تأكيد أن رابطة الزواج لا تقتصر على علاقة حميمة بين شخصين رجل وإمراة، بل هي صلة وثيقة بين عائلتين أو عشيرتين ، حضور الأهل والأقارب مسألة هامة حتى يكون هذا الزواج بداية التحام وتراحم بين العائلتين. وأمر آخر: مثل هذه الشروط أعتبرها جزءًا أصيلاً في التدعيم الأدبى لكيان الفتاة وإعلاء من شأنها عند أسرة الزوج ، وقيمة أدبية عند أسرتها .

وفي ختام هذة الوقفة التحليلية من خلال تقليب الصفحات فى مواد وثيقة السيداوفي إطار موضوعى وأخلاقى حول ماجاء بها في قضية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) والحقيقة أن الإسلام أنصف الإنسان ، رجلاً وإمراةً ، وكشف عن جوهرة الفريد ومركزه في الكون ورسالته فى الحياة ، والتسامى بالنوع الأنساني حتى يكون أهلاً بعض للاستخلاف ، والله خلق الزوجين الذكر والأنثى من نفس واحدة وهي حقيقة كونية لتعمير هذا الكون يقول الحق سبحانه : ” هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها “. فالتصادم مع الفطرة والحقائق الكونية مسألة تحتاج الى المراجعة والوقوف أمام الأسباب التي أدت الى ابتعاد بعض أطراف المجتمع الاسلامى الى أنه يحيد عن عدل التشريع الإسلامى في حقوق المرأة المسلمة ، في إطار التوازن والحكمة في توظيف دور الرجل والمرأة في تعمير الكون والقيام بمقومات الاستخلاف والحقيقة أن المجتمع الإسلامى فى مشرقه العربي ومغربه في الأغلب الأعم لم ينصف المرأة فى حقوقها لأسباب كثيرة سوف أتناولها ، كما أن ظهور المواثيق الدولية وإنعقاد الندوات والمؤتمرات فى الغرب للتنديد بأوضاع المرأة المتردي في بلاد المسلمين ، وهي حقيقة فيها جانب كبير من الصدق وإن خلا منها الدقة حيث علقوا هذه المظالم أنها من الشريعة الاسلامية ، وهو قول غير دقيق ، كما أنه من المسلم به والذى لا يسلمون به أن لكل حضارة خصوصيات في بعض مفرادتها لا يصلح أن نتناولها بالتقريع تارة ، أو المناداة بشطبها تارة أخرى مما يوجد نوعًا من النفور والكراهية لكل ما يأتي منهم أى من الغرب ، دون دراسة وتحليل ونقبل ما يتفق مع شرعنا ونرفض مع ما يتصادم مع إسلامنا وهو أمر لنا فيه كل الحق والاحترام بشرط أن يكون متفقًا بحق مع ديننا الحنيف وشريعتنا ..

بعض المعلومات لحقوق المرأة في أوطاننا :

1- إنحراف بعض المسلمين عن تعاليم الإسلام في معاملة النساء ، وشاع بينهم أقوال وروايات موضوعة إنتهت بالمرأة المسلمة الى الجهل والعزلة والاستبعاد فاعادتها في بعض الأمور الى الجاهلية الأولى ، ففي بعض الأماكن الى عهد قريب أصبح تعليم المرأة معصية، وذهابها الى المسجد محظورًا ، ومشاركتها فى شئون المجتمع أو الإنشغال بحاضره شيئًا نكرًا عليها ، الجور على حقوقها المادية والأدبية هو العرف السائد ، بل يعتبر من مفاخر قوة الرجولة كلما إشتد هذا الجور وتمكن منه الرجل فالإستناد الى الأحاديث الضعيفة والترويج لها من قبل بعض الوعاظ ساعد على ترسيخ هذه الثقافة ضد حقوق المرأة المشروعة ومثال هذة الأحاديث الضعيفة التي رسخت في ثقافة الرجل ، رغم ضعفها ، مثال الحديث الذي ذكر عن السيدة فاطمة رضى الله عنها أن المرأة لاترى أحدًا ولا يراها أحدًا ، وقد أقر النبي (ص) ذلك ، وضم أبنته الى صدره قائلاً ذرية بعضها من بعضويعقب الشيخ الغزالي على المتشهد بهذا الحديث ، والذى يعتبره تشريعًا للعزلة التي فرضها الاسلام على حياة المرأة من المهد الى اللحد: قلت إنك تحكى حديثًا منكرًا لم يذكره كتاب سنة محترم. إنك تحاكي حديثًا يخالف تواتر نص القرآن الكريم والاحاديث الصحاح ، وسيرة النبى الكريم وخلفائه الراشدين 00 والوضاعون إختلقوا أحاديث تفرض الأمية على النساء وصدقهم المخدوعون.

ومن هذه الأحاديث الموضوعة ، شاوروهن وخالفوهن“. وهذا يخالف ما ثبت في صحيح السنة والسيرة وماهو مشهور عن مشاورته (ص) لزوجه أم سلمة في غزوة الحديبية وأخذه برأيها ، ويتصادم مع النص القرآني في فطام الطفل: ” فإن أرادا فصالاً عن تراضٍ منهما وتشاور فلا جناح عليهما سورة البقرة 233

ومثل ما رواه الحاكم في مستدركه بسنده :” لا تسكنوهن الغرف ولا تعلموهن الكتابة ودفن البنات من المكرمات مثل هذه الأحاديث التي لا أساس لها من السنة الصحيحة ، بل تتناقض تمامًا مع القرآن الكريم والممارسة الفعلية للنبي (ص) التي جاءت في كتب السيرة.

وهناك أحاديث فهمت على غير مراده صلى الله عليه وسلم مثل حديث: “ناقصات عقل ودين، وهذا الحديث قيل من خلال عظة للنساء في صبيحة يوم العيد ، فهل نتوقع من الرسول الكريم أن يغض من شأن النساء أو يحط من كرامتهن في هذه المناسبة البهيجة ؟

ومن ناحية من وجه إليه الخطاب فقد كن جماعة من نساء المدينة وأغلبهن من الأنصار اللاتى قال فيهن عمر بن الخطاب فلما قدمنا المدينة إذا قوم تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يأخذن من أدب الأنصار.

وهذا يفسر لنا ما قاله الرسول (ص): “رأيت أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن

هذا من حيث من وجه إليهم الخطاب ، أما من حيث صياغة النص فليست صيغة قاعدة عامة أو حكمًا عامًا ، وإنما هي أقرب الى التعبير عن تعجب رسول الله (ص) من التناقض القائم فى ظاهرة تغلب النساء وفيهن ضعف على الرجال ذوى الحزم. أي التعجب من حكمة الله: كيف وضع القوة حيث منطقة الضعف, وأخرج الضعف من منطقة القوة؟

ومن العلل التي شابت حقوق المرأة فى الإسلام من جراء الإسراف والتصف في استخدام قاعدة سد الذرائع من باب الأخذ بالأحوط مما جار على عمل التشريع الإسلامي للمرأة سواء ما جاء فى النص القرآني والنبوى تحت مبررات وأسباب وضعها بعض الفقهاء، خاصة في القرون المتأخرة.

فقد شرع الإسلام أن ترى الرجل ويراها الرجال ، ولم يخطر ذلك سدا للذريقة إنما وضع له آداباً رفيعة تكفل أمن الفتنة، فتتم الرؤية في طهر وعفاف. قال تعالى: ” قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهمسورة النور 31/

وقال تعالى: “وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن سورة النور /31 فأستخدام ستار الدين الذي سلط على قضايا المرأة هو ظلم للدين نفسه الذي أنصفها من ظلم السابقين ، وهذه شهادة رجل على ذلك للأستاذ عصام العطارنقلاً عن كتاب الشيخ الغزالي : “كم احتقر هؤلاء الذين يعلقون أقذر مطامعهم وأهوائهم على مشاجب المثل العليا (5) العلة الأخرى التي أدت الى تخلف المرأة وعزلتها عن أداء دورها حيث شرع الإسلام للمرأة مشاركة الرجال في حركة الحياة في إطار حدود وضوابط تكفل إستقامة المشاركة، وتجعلها خيرًا للمجتمع الرجل والمرأة ، ويوجد في كتب الصحاح مئات الأحاديث التى تفيد وتؤكد على مشاركة المرأة في مجالات الحياة بحضور الرجال ، ولكن تدخل عادات وتقاليد جاهلية سواء من جاهلية العرب أو من جاهليات الشعوب الأخرى التى دخلت فى الإسلام وجلبت معها القليل أو الكثير من أعرافها وموروثاتها ، وترسخت في حياة الأمة وفى عقلها وسلوكها قرونًا عديدة وأوجدت سحبًا كثيفة على ما جاء في صحيح الدين من إنصاف لحقوق المرأة مما أفسح المجال أمام الانبهار بالوافد إلينا من الآخر ، دون أن ندرك أن لدينا الكثير من إنصاف المرأة من ظلم القرون الغابرة ، وللأسف تقاعس بعض علماء الدين في تجلية هذه القضية ، وتشجيع الرجل على استمرار وظلم المرأة مما رسخ الكثير من هذه الأعراف والتقاليد الموروثة في إقصاء المرأة عما يليق بدورها

كمستخلفة شأنها شأن الرجل الذى فرض فى بعض الأحيان سطوتة لإستكانة المرأة، وهو أمر مازال الى اليوم والأدهى من ذلك أن المرأة هي التي إستعذبت هذه السكينة وجعلتها من أصل الدين، ومن مظاهر التدين والإلتزام بالشريعة ، أما الطرف الآخر فنظر الى الشريعة على أنها عدوة تقدم المرأة ، لأنها جهات إنصاف الإسلام وأختم هذا التحليل بأن ظهور بعض الاجتهادات الخاطئة أو المرجوحة التي صدرت عن بعض العلماء ، وجل من لا يخطىء ، وكل إنسان يؤخذ منه ويرد إلا الرسول المعصوم ، قال مجاهد والحكم بن عتيبه ومالك وغيرهم: “ليس أحد من خلق الله الإ يؤخذ من قوله ويرد إلا النبى (ص) ، ومع تقادم الزمن عظم شأن تلك الإجتهادات وتضخمت نتائجها لثبات توارثها قرونًا متصلة بفضل الجمود والتشدد ولشيخ الإسلام ابن تيمية قول فى هذا المجال أسوقه : ( فإنه ما من أحد من أعيان الأئمة من السابقين الأولين، ومن بعدهم إلا دلها بأقوال وأفعال خفى عليهم فيها السنة ) وهذا باب لا يحصى مع أن ذلك لا يغض من أقدارهم ولا يسوخ إتباعهم فيها. وللشوكاني رأى فى هذا الأمر وهو: “فالتعصب للإمام بأن تجعل ما يصدر عنه من الرأي ، ويروى له من الإجتهادات حجة عليك وعلى سائر العباد ، فإنك إن فعلت كنت قد جعلته شارعًا لا متشرعًا ومكلفًا لا مكلفًا وهكذا كان الجور على حقوق المرأة فى ظل الشريعة الإسلامية لم يكن من الشريعة ، وإن إستخدمت فى بعض الأحيان نصوصها ، بتعسف تارة ، وبأخطاء تارة أخرى ، وأخذ بعض النصوص على غير مراد الشارع لها سبحانه ، أو ماورد عنه (ص) ، الى جانب التعصب لقاعدة مد الذريعة الذى أسييء إستخدامها وتم التعسف في كثير من التطبيقات فى ظلم المرأة فى الحقوق التى منحتها لها الشريعة وإنصراف بعض الناس الى تأييد بعض الإجتهادات البشرية التى كانت جزءًا من ثقافة عصورهم وأزمانهم ، وكل هذه العلل والمعوقات بكل أسف صبت في قضايا المرأة ، التي أصبحت في خانة التسييس أحيانًا من قبل المنظمات الدولية من قبيل قولة حق يراد بها باطل وأحيانًا أخرى تنافس وكأن الإسلام خاوى الوفاض مما يحفظ حقوق المرأة كاملة قدم الوساق مع أخيها الرجل ، وصدق قول الحق سبحانه : ” فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكرًا أو أنثى بعضكم من بعض ولهن مثل الذى عليهن وصدقت يارسول الله عندما جعلت : ” النساء شقائق الرجال “.

أدامنه نصیر

أستاذ الفلسفة الإسلامية

(1) – أى تقطع ثمار نخلها.

(2) – رواه البخاري.

(3) رواه مسلم.

(4) رواه البخارى. أنظر كتابنا المرأة المسلمة بين عدل التشريع وواقع التطبيق صـــــ 205

(5) – محمد الغزالي قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة

شارك:

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات