الزواج المدني هل يمكن أن يكون حلاً لإشكاليات تشريعات الأسرة في مصر؟

تاريخ النشر:

مارس 2022

الزواج المدني هل يمكن أن يكون حلاً لإشكاليات تشريعات الأسرة في مصر؟

رئيس المركز: حسین بهجت

المحامي والباحث الحقوقيأحمد أبو المجد

الزواج المدنى خطوة على طريق المواطنة ودولة المساواة أمام القانون

يعتبر الانتقال من الدولة القائمة على أسس دينية وعرقية إلى الدولة القائمة على أساس المواطنة، من أبرز الانتصارات التي تحققت في مسيرة الإنسانية، وقد تجسد ذلك في عدد من الوثائق التي صدرت عن الثورات الإنجليزية والفرنسية والأمريكية، حيث صدر إعلان الحقوقفي بريطانيا عام 1689م ووثيقة حقوق الإنسان والمواطنفي فرنسا عام 1789م ووثيقة الإعلان عن استقلال الولايات المتحدة الأمريكية عام 1776م ثم دستور الولايات المتحدة الأمريكية عام 1787م وإعلان الحقوق الأمريكية عام 1791م. ليتوج ذلك بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948.

ويقف تاريخ التشريع والقضاء في مصر منذ أقدم العصور كشاهد عيان على حقيقة التطورات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية التي مرت بها البلاد، فمع كل تغير يطرأ على هذه الجوانب أو بعضها كانت التشريعات ونظم التقاضي تستجيب بدرجة أو بأخرى لمكونات الواقع الجديد.

ويعطي القضاء في الأحوال الأسرية مثالاً واضحًا على المدى الذي ذهبت إليه القوانين من الناحيتين التشريعية والإجرائية في الاستجابة لواقع المجتمع عبر الحقبة التاريخية المختلفة.

ويكفي أن تشير هنا إلى مشروع بناء الدولة القومية الحديثة الذي بدأ فعليًا مع حكم أسرة محمد علي في مطلع القرن التاسع عشر، وما رافق تطوره من تغيرات في التشريع والقضاء.

لقد عكست مفاهيم الدولة القومية المنتجة بالأساس فى التجارب الأوربية نفسها في طريقة تفكير القائمين على إنشاء الدولة الوطنية المصرية، وهي مفاهيم تكاد تكون أحادية المنحى إن تفترض قدرًا هائلاً من التماثل والتجانس بين المواطنين مثلما تسعى إلى تنميط القوانين وإجراءاتها وفقًا لاعتبارات وحدة الهوية الوطنية.

وزيادة على ذلك كانت التشريعات المدنية الأوروبية، ولاسيما الفرنسية، مصدر إلهام للمشرعين الذين صاروا على ذات الدرب الذي سلكته الدولة المصرية في تأهيل النخب العلمية والثقافية بل والعسكرية عبر اقتباس النظم القومية الأوروبية.

وتأتي (مدنية القوانين) كأهم ضمانة لتحقيق مبدأ المواطنة وسيادة القانون والمساواة أمام القانون كمبادئ دستورية، ويذكر التاريخ أن أهم أعمال الجمهورية الثالثة في فرنسا هي إقرار الزواج المدني في عام 1910 لجميع المواطنين فيما عدا إقليم الألزاس الذي كان تحت الاحتلال الألماني، ليكون بذلك بداية إقرار مفهوم المواطنة الكاملة، وهذا ما يجعلنا في هذه الورقة نطرح أفكارًا وتساؤلات عن الزواج المدني كحل للعديد من المشكلات التي تواجه قطاعات ليست بالقليلة من المواطنين/ات المصريين/ات على اختلاف معتقداتهم وعلى اختلاف مواقفهم القانونية سواء كان زواجهم من شخص أجنبي أو مصري، تلك المشكلات التي تعيق تمتعهم بواحد من أهم حقوقهم المصيرية. وهو الحق في تكوين أسرة وما يستتبع ذلك من حقهم في أوراق رسمية تثبت زواجهم وأوراق تثبت نسب أبنائهم، بما يحقق لهم حياة كريمة في وطنهم.

الدستور وسمو مبدأ المواطنة ومبدأ المساواة أمام القانون

على المادة الثانية من الدستور

أرست المادة (1) من الدستور المصري الصادر عام 2014 مبدأ المواطنة الذي يسوي بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات العامة والنهي عن التفرقة بين المواطنين وكذا النص على مبدأ سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان وحرياته كما نصت المادة 51 على أن الكرامة حق لكل إنسان ولا يجوز المساس بها وعلى التزام الدولة باحترامها وحمايتها، ونصت المادة 53 على أن المواطنين أمام القانون متساوون

كانت التشريعات المدنية الأوروبية، ولاسيما الفرنسية، مصدر إلهام للمشرعين الذين صاروا على ذات الدرب الذي سلكته الدولة المصرية في تأهيل النخب العلمية والثقافية بل والعسكرية عبر اقتباس النظم القومية الأوروبية.

في الحقوق والحريات والواجبات العامة، وعلى النهي عن التمييز لأي سبب. كما أن التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون مع التزام الدولة باتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز وإنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض.

أما ما يتعلق بما يمكن أن يثار عن تعارض الزواج المدني مع المادة الثانية من الدستور، فإن المحكمة الدستورية العليا المصرية تمكنت في العديد من قضاياها من إقرار مبادئ حالت بين أن يؤدي النص في الدستور على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع إلى أن تتحول الدولة إلى دولة دينية.

وأهم هذه المبادئ التي قررتها هو: أن خطاب هذه المادة موجه إلى المشرع وليس موجهًا إلى القاضي، وبالتالي لا يجوز للقاضي أن يتجاهل القانون الوضعي وأن يذهب إلى تطبيق الشريعة مباشرة حتى ولو تراءى له أن نص القانون الوضعي مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية، وأن المقصود بالشريعة التي هي مصدر التشريع الأحكام الكلية العامة التي اتفقت عليها مختلف المذاهب الفقهية دون الدخول في تفصیلات اختلافات المذاهب، وخاصة تلك المرتبطة بثقافات نسبية تجاوزها العصر.

وأن المقصود بصفة عامة من كون الشريعة مصدرًا رئيسيًا للتشريع هو ألا تكون التشريعات متعارضة مع الأحكام الكلية للشريعة دون أن يعني ذلك اشتراط أن تكون التشريعات مستمدة مباشرة من أقوال الفقه القديم، ففي مبدأ المصلحة مجال فسيح لسلطة المشرع في الدولة الحديثة.

فهناك حقيقة لا مجال لنكرانها ولابد من الإقرار بها، وهي أن الفقه الإسلامي بعد أن تألق وبلغ أوجه حتى أوائل القرن الرابع الهجري، ابتداءً، كما قيل بحق، بالركود فالانحطاط، وانتهى بالجمود المطبق، فالتقليد الأعمى لما قاله السلف، حيث انحصر العمل الفقهي المعاصر غالبًا في ترديد ما سبق، ودراسة ألفاظ بعينها وحفظها متجاهلين بذلك القاعدة الشرعية: “لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان“.

وبناء على ذلك، فإن المادة الثانية من الدستور المصري أصبحت تفهم وتفسر على أساس أن الشريعة الإسلامية التي هي مصدر التشريع أو القانون ليست مجرد شريعة دينية يدين بها المسلمون، وإنما هي نظام قانون ناضج يعتبر مكونًا جوهريًا في التراث القانوني للأمة بكل مواطنيها، وأن المقصود بالشريعة في كلا الأمرين هو المبادئ العامة التي يتقبلها الضمير القانوني المعاصر.

إشكاليات قوانين الأسرة الحالية

أولاً: قانون الأحوال الشخصية لسنة 1920 وإشكالياته

تنبع العديد من المشكلات من التوجهات المنحازة التي تتفاقم بفعل قانون الأحوال الشخصية التمييزي في مصر، ما يترك نظام الطلاق الذي يميز بشدة ضد المرأة النساء أسيرات علاقات زوجية مسيئة لهن. وفي الوقت الذي يستطيع الرجل أن يطلق زوجته من دون إبداء الأسباب، يتعين على المرأة بالمقابل افتداء نفسها بالتنازل عن جميع حقوقها المالية المترتبة على الطلاق إن هي أرادت الخلع، أو أن تتأهب لخوض غمار معركة طويلة ومكلفة في المحكمة كي تثبت أن زوجها قد تسبب بالأذى لها.

إنها فلسفة القانون الذي صدر من حوالي قرن، والتي ترسخ المفاهيم رجعية تظلم النساء ولا تعطي حقوق متساوية لأفراد الأسرة. الأمر الذي كان معه ضروريًا المطالبة بمقترحات لإدخال تعديلات متضمنة تقنين تعدد الزوجات وسن الزواج وتقاسم الثروة بعد الطلاق.. انطلاقًا من تحقيق العدل والمساواة لكل أفراد الأسرة والحفاظ على حقوق الأفراد بما لا يخالف الدستور ومواثيق حقوق الإنسان عامة والمرأة والطفل. خاصة ما يتعلق بأحكام ما بعد الطلاق الذي أصبح في مصر ظاهرة مخيفة، إذ تبوأت القاهرة الصدارة بين مختلف العواصم في نسبة الطلاق بمعدل حالة كل 6 دقائق وأصبح لدينا 2.5 مليون مطلقة، وفقًا لبيانات مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء. وكذلك مركز التعبئة العامة والإحصاء..

ولأن الطلاق وتعدد الزوجات وسن الزواج ظواهر صارت مخيفة في مصر بعد ارتفاع معدلاتها بشكل لافت في السنوات الأخيرة، بالنسبة للطلاق الذي بلغت نسبته 180 ألفًا و344 حالة عام 2014 مقابل 162 ألفًا و 583 حالة خلال 2013 بزيادة 17 ألفًا و 761 حالة بنسبة زيادة 10.9%، وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وأصبحت مصر الأولى عالميًا بمعدل فاق الـ 170 الف حالة معظمها عن طريق قانون الخلع، وذلك وفقًا للإحصاءات الدولية بالأمم المتحدة.

وبالنسبة لتعدد الزوجات في القانون المصري والمسموح به لمسلمي مصر على أساس أن الشريعة الإسلامية تتيح للرجل أن يتزوج بأكثر من واحدة في حدود 4 زوجات، وبشرط العدل المستطاع بينهن، والقدرة على القيام بواجبات هذا التعدد، وقد جرت محاولات عديدة لتقييد التعدد بالقضاء، منذ مقترحات عام 1926، بإضافة شرط موافقة القضاء عليه إلى قانون الأحوال الشخصية تأثرًا بدعوة أطلقها الشيخ محمد عبده، بإشراف الحكومة على تعدد الزوجات، وحتى لا يقوم عليه من ليس له استطاعة.

وقد رفضت تلك المقترحات من قبل رجال الفقه والدين حتى صدور القانون رقم 25 لسنة 1929 وخلوه من أي تقييد لتعدد الزوجات، ثم تجددت المناقشات وأسفرت عن إصدار القانون رقم 44 لسنة 1979 الخاص بتعديل بعض قوانين الأحوال الشخصية الذي ألزم الزوج المسلم بتقديم إقرار موثق بحالته الاجتماعية، وذكر أسماء زوجاته اللاتي في عصمته مع قيام الموثق بإخطارهن بهذا الزواج.. كذلك اعتبار الزواج بأخرى بغير رضا الأولى أو دون علمها إضرارًا بها حتى إن لم تشترط عليه في عقد زواجهما عدم الزواج عليها، وأعطى الزوجة حق طلب التطليق لهذا الضرر خلال عام من تاريخ علمها بالزواج عليها.. إلا أن المحكمة الدستورية العليا قضت بعدم دستوريته في مايو 1985 وذلك لعيوب شكلية وإجرائية حتى صدور القانون 100 لسنة 1985 ليحل محله، الذي أضاف حق الزوجة في طلب الطلاق من زوجها الذي تزوج عليها خلال عام، إذا لحقها ضرر مادي أو معنوي يتعذر معه دوام العشرة مع تجدد حقها في طلب التطليق، ونفس الحكم للزوجة الجديدة التي لم تعلم بان زوجها متزوج بسواها.

المحكمة الدستورية العليا

إن المحكمة الدستورية العليا المصرية تمكنت في العديد من قضاياها من إقرار مبادئ حالت بین أن يؤدي النص في الدستور على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع إلى أن تتحول الدولة إلى دولة دينية.

ربما تكون قضية زواج الأقباط وطلاقهم هي إحدى أكثر القضايا الاجتماعية المتعلقة بهم إثارة للنقاش في الرأي العام، وقد تمت مناقشة أبعاد مشكلة طلاق الأقباط بشكل خاص في عشرات الدراسات والكتب وتناولتها مئات المقالات والموضوعات الصحفية ونظمت من أجلها المؤسسات الحقوقية عدة حملات متتالية ومستمرة.

إشكالية الطلاق عند الأقباط

هناك مئات الآلاف من الأزواج لهم قضايا طلاق مرفوعة أمام المحاكم، مطالبين تطليقهم وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية منذ جلوس قداسة البابا شنودة الثالث على كرسي الكرازة المرقسية عام 1971 ورفضه التطليق إلا لسبب واحد، وهو الزني الذي يصعب إثباته وفي حال إثباته يجد الزوج أو الزوجة نفسيهما أمام خيارات صعبة، خصوصًا إذا كان لديهم أبناء.

لقد تجاوز قداسة البابا قانون توحيد القضاء الصادر عام 1955 وأصبح يستوجب على من حصل على حكم الطلاق أن يحصل على تصريح بالزواج مرة أخرى. وهناك الآلاف من طلبات التصريح بالزواج مرة أخرى معروضة أمام الكنيسة القبطية ولم تجد آذانًا صاغية رحيمة بأحوالهم، حكمت الكنيسة عليهم بأن يقضوا باقي عمرهم دون زواج ولا مخرج لهم سوى في أحد أمرين: إما الزنا الصريح وإما الخروج من المسيحية واعتناق ديانة أخرى تسمح لهم بالزواج وأغلب حالات التحول من الديانة المسيحية سببها الرئيسي هو تعنت الكنيسة وعدم منحهم تصريحًا بالزواج.

إشكاليات الزواج عند الأقباط

  • يحق للأقباط بعد موافقة الكنيسة الزواج قانونًا، خلال الـ 98 يومًا في السنة التي صرحت فيها الكنيسة للأقباط بالزواج في غير أيام الصوم، بشرط الحصول على شهادة خلو موانع“. هذه الشهادة تصدر للأقباط من الكنيسة وليس من الدولة، لتصرح لهم بحقهم في الزواج وتكوين الأسرة.

تصدر شهادة خلو الموانع من السجل الكنسي بناءً على عدة عناصر منها:

  • تأكد الكنيسة من تسجيل طالب تصريح الزواجفي سجلات الطائفة التأكد من معموديته – ثم التأكد من أنه لم يتعهد للكنيسة بالبتولية من خلال انخراطه في الرهبنة، ثم التأكد من انخراطه في طقوس الصلاة دوريًا (وهذا أمر رمزي يمكن التغاضي عنه بالضغط الاجتماعي وغيره من الوسائل، لكنه أيضًا يستخدم كورقة ضغط ساحقة للمعارضين، فيمكن للكنيسة في أي لحظة أن تقرر دون أي وسيلة للطعن أن القبطي فلان لا يصلي بشكل كاف أو ليس له أب اعتراف يضمنه في سجلها المدني“. وبالتالي يحرم قانونًا من الحق في الزواج!

  • تشترط شهادة خلو الموانع أيضًا وبطبيعة الحال التأكد من أن طالب (طالبة) الزواج مسيحيًا أرثوذكسيًا أو كاثوليكيًا (وهنا مرة أخرى الكنيسة وليس الدولة هو من يثبت الديانة وكأن خانة الديانة في شهادة الميلاد وفي البطاقة القومية لا قيمة لها). وتطلب الشهادة هذه أن يكون هناك من القساوسة من هو على استعداد للشهادة بتقوى المتقدم للزواج وديانته! وبطبيعة الحال أيضًا التأكد من أنه لم يسبق له الزواج (إلا في حالة حصوله على تصريح منفصل يشهد بأنه أرمل / أرملة أو مطلق/ مطلقة بموافقة الكنيسة).

الموثق المنتدب بوزارة العدل لتوثيق عقود الأقباط

لا يقبل من الأقباط تسجيل عقود زواجهم أمام الدولة إلا من خلال وكيل التوثيق الخاص بهم. وهو قسيس من رجال الدين التابعين من حيث التعريف للكنيسة ورئاستها الدينية. أي أن الموظف بوزارة العدل المسؤول عن توثيق عقود الأقباط، هو رجل دين. موظف من رجال الدين تسند له الدولة أحد أبرز المهام البيروقراطية وأكثرها عمقًا في مفهوم الدولة الحديثة، وهي مهمة توثيق عقود زواج مواطنيها. وبدون هذا الموظف – رجل الدينلا يحق للقبطي أن يخاطب وزارة العدل المصريةليطالب دولتهبالاعتراف بزواجه.

أصبحت مصر الأولى عالميًا بمعدل فاق الـ 170 ألف حالة معظمها عن طريق قانون الخلع، وذلك وفقًا للإحصاءات الدولية بالأمم المتحدة.

الحاجة إلى إقرار الزواج المدني

مما لا شك فيه أنه أمام تشدد الكنيسة في قصر الطلاق على حالات الزنى فقط وإذا حصل الزوجان على طلاقهما بحكم محكمة فمحكوم عليهما بعدم التصريح لهما بالزواج مرة أخرى فلابد وأن نجد مخرجًا يعفي الكنيسة من الحرج في إعادة تحديث تفسير الكتاب المقدس وفقًا لمعطيات العصر فما كان يصلح منذ ألفي عام صعب أن يصلح في العصر الحالي، ولذلك كان لابد من وجود آلية جديدة تبعد الكنيسة عن أي ضغوط، والزواج المدني ليس بدعة، فهو معمول به في أغلب دول العالم ونجح في حال الكثير من المشكلات الأسرية على النحو التالي:

  • أن قانون الزواج المدني لا يمكن بأي شكل من الأشكال في أن يكون بديلاً للزواج الكنسي فسوف يستمر الزواج الكنسي إلى جوار الزواج المدني وللأزواج اختيار شكل زواجهما سواء كان كنسيًا أو مدنيًا ولا يمكن الخلط بينهما، فمن تزوج مدنيًا يعامل طبقًا لقانون الزواج المدني، ومن تزوج كنسيًا يعامل طبقًا للطقوس والأعراف الكنسية المعمول بها. وهنا أقصد أنه لا يمكن لزوجين تزوجا كنسيًا أن يطلبا الطلاق وفقًا للقانون المدني، فطلاقهما يكون كنسيًا أيضًا وفقًا لمعايير الكنيسة في هذا، والعكس صحيح.

  • يجب أن يكون الزواج وفقًا لقانون الزواج المدني صحيحًا، مسجلاً في سجلات الزواج والأسرة، وفقًا لقانون الأحوال المدنية، ويثبت اسم الزوج في بطاقة الرقم القومي للزوجة، وكذلك الأمر في نسب الأبناء، وفقًا لما هو معمول به في قوانين الأسرة والأحوال المدنية.

  • بموجب الزواج المدني يحق للأزواج الانفصال في حال تعذر واستحالة الحياة بين الزوجين وبموجب مستند الطلاق يحق لكل منهما الزواج مرة أخرى سواء كان إعادة الزواج بينهما أو الزواج من أشخاص آخرين.

  • بموجب عقد الزواج المدني سوف يتم القضاء على حالات الطوابير التي تقف أمام الكنيسة، طلبًا لتصريح الزواج للمرة الثانية، فبموجب الزواج المدني، فإنهم ليسوا بحاجة إلى تصريح زواج وليسوا في احتياج للتحول إلى ديانة أخرى من أجل الزواج.

على الرغم من أن مصلحة الأحوال المدنية قد أصدرت بالفعل بطاقات رقم قومي لبهائيين مدون بها الديانة أخرى“. إلا أنها عادت وقيدت ذلك إلى الأديان الثلاثة بالكتاب الدوري رقم 49 لعام 2004م

ويشتكي البهائيون المصريون أيضًا من عدم تمكنهم من توثيق عقود زواجهم أو استخراج شهادات ميلاد أبنائهم، ويقولون إنهم يواجهون مصاعب عند استخراج شهادات الوفاة ولا يمكنهم الحصول على جوازات سفر أو التعامل مع البنوك وإدارات المرور، أو إلحاق أبنائهم بالمدارس والجامعات، أو إثبات موقفهم من التجنيد أو الحصول على وظيفة أو تصاريح عمل أو العلاج بالمستشفيات، أو حصول أراملهم على المعاش، وعدم إمكانية البيع أو الشراء أو التملك“.

ورغم أن البهائية لا تضع أي قيود على الزواج من الديانات الأخرى. “لكن المفروض إذا وجدنا في مكان يسمح بأن نذكر ديانتنا أن نفعل ذلك، أي أن الشرط الوحيد ألا يدعي الشخص البهائي ديانة أخرى، وهذا لا يعني أنني إذا تزوجت غير بهائية أن تسجل هي أيضًا أنها بهائية، فهي حرة في الديانة التي تسجلها لنفسها، ولكن في أغلب الأحيان يكون الزواج مدنيًا، كما في أمريكا وأوروبا حيث يتم بدون ذكر أي دين، وبعد ذلك إذا أراد الزوجان أن يتم زفافهما بالمراسم الدينية فهما حران ولهما هذا“.

وفي محاولة لحل هذه الإشكالية تقدم المجلس القومى لحقوق الإنسان بمشروع قانون إلى مجلس الشعب في عام 2010، يسمح بزواج البهائيين، دون الاعتراف بهم كطائفة دينية، أو بمعتقداتهم.

وتضمن مشروع القانون السماح للبهائيين بتوثيق عقود زواجهم أمام مكاتب التوثيق بمصلحة الشهر العقاري، بحيث يمكن لهم استخراج بطاقات شخصية تثبت فيها حالاتهم الاجتماعية كمتزوجين.

واقترح نص المذكرة الإيضاحية للقانون إصدار قانون يعدل المادة الخامسة من قانون الأحوال المدنية التي تمنع زواج البهائيين. ذلك أن المادة 5 من قانون الأحوال المدنية رقم 143 لسنة 1994 نصت على توثيق عقود الزواج بين المواطنين في المحاكم الشخصية إذا كان الزوج والزوجة يعتنقان نفس الديانة أو نفس المذهب في الديانة الواحدة، بعد أن يتم عقد القرآن على يد القس أو الكاهن، أو بالعرف داخل الطائفة الدينية المعترف بها بالنسبة للأديان السماوية الثلاث.

وواصلت المذكرة بأنه يمكن إباحة توثيق زواج البهائيين من خلال إضافة كلمتين على المادة هما أو اتحدا في المعتقد“.

وأوضحت المذكرة أن إضافة الكلمتين ستسمح بتوثيق عقود البهائيين على اعتبار أن ديانتهم معتقدوليس ديانة. وهو ما يسمح بتمييز أهل كل ديانة ومعتقد حتى يكون كل مواطن على بينة بهوية من يتعامل معه خصوصًا في المجال الاجتماعي.

يشتكي البهائيون المصريون أيضًا من عدم تمكنهم من توثيق عقود زواجهم او استخراج شهادات ميلاد أبنائهم، ويقولون إنهم يواجهون مصاعب عند استخراج شهادات الوفاة ولا يمكنهم الحصول على جوازات سفر أو التعامل مع البنوك وإدارات المرور، أو إلحاق أبنائهم بالمدارس والجامعات، أو إثبات موقفهم من التجنيد أو الحصول على وظيفة أو تصاريح عمل أو العلاج بالمستشفيات، أو حصول أراملهم على المعاش، وعدم إمكانية البيع أو الشراء أو التملك“.

واستندت المذكرة إلى تصريح الدكتور محمد سيد طنطاوى شيخ الأزهر الراحل في إحدى الصحف من أن كتابة البهائية كمعتقد في خانة الديانة أمر ممكن ولا ضرر منه بل تمييز واجب لمن هو خارج عن الديانات السماوية“.

واقترحت المذكرة إلغاء المادة 134 من تعليمات الشهر العقاري التي تنص على أنه لا يجوز توثيق عقود زواج البهائيين فيما بينهم أو بين غيرهم من معتنقى الديانات الأخرى المعترف بها في جمهورية مصر العربية“.

لكن من هذا التاريخ لم تتم مناقشة هذا المقترح في البرلمان، ولم يتم البحث عن حل لهذه المشكلات بأي طريقة قانونية تحترم مبدأ المواطنة وسيادة القانون.

ترتب على صدور القانون رقم 462 لسنة 1955 بإلغاء المحاكم الشرعية والمجالس الملية إعادة تنظيم توثيق عقود الزواج، بتعديل المادة الثالثة من قانون التوثيق رقم 66 لسنة 1947 بمقتضى القانون رقم 629 لسنة 1955. وجاء نص مادته الأولى على الوجه التالي: تقولى المكاتب (مكاتب التوثيق) توثيق جميع المحررات، وذلك فيما عدا عقود الزواج وإشهادات الطلاق والرجعة والتصاديق الخاصة بالمصريين المسلمين والمصريين غير المسلمين المتحدي الطائفة والملة، ويتولى توثيق عقود الزواج والطلاق بالنسبة إلى المصريين غير المسلمين ومتحدي الطائفة والملة موثقون منتدبون يعينون بقرار من وزير العدل ويضع الوزير لائحة تبين شروط التعيين فى وظائف الموثقين المنتدبين واختصاصاتهم وجميع ما يتعلق بهم.

وتنفيذًا لنص هذه المادة صدر قرار وزير العدل في 26 ديسمبر سنة 1955 بلائحة الموثقين المنتديين، ومن قبل كان قد صدر قبل هذا قرار الوزير بتاريخ 4 يناير سنة 1955 بلائحة المأذونين، وقد حددت هاتان اللائحتان اختصاصات وواجبات كل من المأذونين والموثقين المنتدبين على الوجه المجمل في المادة الأولى من القانون رقم 629 لسنة 1955 سالفة الذكر.

أما واجبات واختصاصات مكاتب التوثيق بالنسبة لعقود الزواج وإشهادات الطلاق والرجعة فهي مبينة بذات المادة وبالتعديلات الأخرى التي طرأت على قانون التوثيق وآخرها القانون 103 لسنة 1976.

وبمقتضى ذلك النص، أصبح توثيق عقود الزواج وإشهادات الطلاق والرجعة والتصادق على ذلك، يختص به المأذونون بالنسبة للمصريين المسلمين، ويختص الموثقون المنتدبون بالمصريين غير المسلمين المتحدي الطائفة والملة، وتختص مكاتب التوثيق، بمن اختلفوا ديانة أو جنسية وبالأجانب متحدي الجنسية أيًا كانت ديانتهم.

وعلى ذلك، فإنه لم يعد هناك بالنسبة للأجانب، سواء اتحدت جنسياتهم وديانتهم أو اختلفوا، سوى شكل واحد يجوز إفراغ زواجهم فيه، ألا وهو الشكل الذي يتم لدى مكاتب التوثيق، باعتباره الشكل المحلي بالنسبة إليهم.

ويحتج بزواج الأجانب في مصر متى استوفى الشكل المحلي دون نزاع، أما الاحتجاج به في دولة الزوجين أو في دولة أخرى، فيتوقف على ما تقضي به قواعد الإسناد في قانونها.

وإذا كان أحد الزوجين مصريًا تعين إجراء الزواج في الشكل المقرر في القانون المصري، ويصبح توثيقه من اختصاص مكاتب التوثيق.

ويخضع العقد الذي يجرى لدى أحد القناصل الأجانب المصرح لهم بإجراء عقود الزواج لرقابة القضاء رقابة موضوعية إذا كان الزوجان مسلمين أو أحدهما مسلمًا، باعتبار أن مخالفة شروط عقد الزواج وأركانه المقررة في الشريعة الإسلامية تمس النظام العام.

هذا ومتى كان أحد طرفي عقد الزواج مصريًا لم يجز لأحد القناصل الأجانب إجراء عقد الزواج، بل يتعين إجراؤه وتوثيقه في مكتب التوثيق.

فالعلاقة الزوجية تقوم على أساس من طرفين رجل وامرأة لابد أن يكونوا في مراكز قانونية تسمح لهم بالزواج من بعضهم.

فمثلاً لابد للرجل أن لا يكون متزوجًا من أربعة زوجات كما في الشريعة الإسلامية أو لا يكون متزوج البتة، كما في الشريعة المسيحية.

وكذلك الزوجة يجب أن تكون خالية من موانع الزوجية كأن لا تكون متزوجة أو معتدة من آخر ولا يكون

أصبح توثيق عقود الزواج وإشهادات الطلاق والرجعة والتصادق على ذلك. يختص به المأذونون بالنسبة للمصريين المسلمين، ويختص الموثقون المنتدبون بالمصريين غير المسلمين المتحدي الطائفة والملة. وتختص مكاتب التوثيق، بمن اختلفوا ديانة أو جنسية وبالأجانب متحدي الجنسية أيًا كانت ديانتهم.

بينها وبين الرجل الذي ستتزوجه قرابة سواء بالنسب أو الرضاع مانعة من الزواج.

فحالات الزواج في مصر لن تخرج عن الافتراضات الآتية:

الأولى: زواج المصريين المسلمين

الثانية: زواج المصريين غير المسلمين

الثالثة: زواج المصريين غير متحدي الديانة

الرابعة: زواج غير المصريين

فالقانون جعل المأذون هو الشخص المسؤول عن توثيق زواج المصريين المسلمين، كما جعل الموثق المنتدب هو الشخص المختص بإبرام زواج المصريين غير المسلمين متحدي الديانة. وجعل مكاتب التوثيق هي الجهة المختصة بتوثيق زواج غير المصريين أو المصريين مختلفي الديانة، وكذلك في كون أحد طرفي الزواج غير مصري.

وبالطبع، في حالة الأزواج المصريين المسلمين فيكون الشخص الذي يقوم بدور الموثق هو المأذون، وتقريبًا هذه الحالة من الرواح لا تثير أي إشكالية إلا فيما ندر.

وكذلك حالة الأزواج المصريين غير المسلمين المتحدين المذهب والطائفة، فيتم زواجهم في الكنيسة، أخذًا بالشكل الديني الذي يعقد بمعرفة الكنيسة لاعتبار الزواج سر كنسي مقدس، وكذلك يتم توثيق الزواج لدى الموثق المنتدب، والذي في الغالب ما يكون أحد رجال الدين المسيحي نفسه، وإن كان في هذه الحالة يوثق الزواج ليس بصفته رجل دين ولكن بصفته موظف عام تابع للدولة.

أما حالة زواج المصريين مختلفي الديانة وهنا لن نخرج عن فرضيتين

الأولى وهو أن الزوج مسلم والزوجة مسيحية وفي هذه الحالة، فإن الجهة المختصة تكون هي مكتب التوثيق المختص بالزواج. إلى هنا، الأمر يبدو طبيعيًا، ولكن مهلاً قليلاً، فالعقبة الحقيقية ستظهر في الشهادة التي يطلبها مكتب التوثيق. وهي شهادة يجب أن تحضرها المرأة الراغبة في الزواج من البطريركية التابعة لها الزوجة.

وهذه الشهادة المفترض أنها تفيد صلاحية الزوجة للزواج وعدم ممانعة الجهة الدينية التابعة لها الزوجة للزواج.

وبالطبع، لن توافق البطريركية على ذلك. وبالتالي، يعتبر هذا الشرط من الشروط التي تثير إشكالية ربما تمنع من توثيق هذا الزواج عن طريق هذا المكتب.

أما بالنسبة للفرضية الأخرى وهو كون الزوجة مصرية مسلمة والزوج مصري غير مسلم. فهنا المكتب يمتنع من البدء عن توثيق مثل هذا الزواج على أساس أنه مخالف للنظام العام في مصر. وهنا لا يعتبر توثيق الزواج هو ما يثير الإشكالية. بل إن الزواج في ذاته هو المشكلة.

أما بالنسبة لحالة اختلاف الجنسية مع اتحاد الدين

فنبدأ بفرضية كون الزوج مسلم غير مصري والزوجة مصرية مسلمة

هنا، الجهة المختصة قانونًا هو مكتب التوثيق

ولكن القانون هنا وضع شروطًا، خاصة بتوثيق هذه الزيجة تجعل توثيق هذا الزواج عن طريق المكتب في حكم النادر.

وهذه الشروط هي:

  • حضور الأجنبي بنفسه عند إجراء توثيق الزواج.

  • ألا يجاوز فرق السن 25 سنة بين الزوج الأجنبي والزوجة المصرية.

  • بالنسبة للزوج المصري أو الزوجة المصرية: ألا يقل سن الزواج عن 18 سنة هجرية للزوج و16 هجرية للزوجة.

  • إذا كانت الزوجة المصرية أقل من 21 سنة فيجب موافقة ولي الأمر.

  • وجود شاهدين مصريين بالغين عاقلين. ويمكن أن يكون الشاهد أجنبيًا ولكن مع توافر شروط خاصة.

  • إقرار بالخلو من أي مانع قانوني يمنع الزواج سواء صلة قرابة أو صغر سن أو الارتباط بزواج يمنع إتمام الزوجية الجديدة.

  • تقديم شهادة من الطرف الأجنبي الراغب في الزواج من سفارته بحالته الاجتماعية وسنه وديانته.

كذلك حالة الأزواج المصريين غير المسلمين المتحدين المذهب والطائفة، ميثم زواجهم في الكنيسة، أخذًا بالشكل الديني الذي يعقد بمعرفة الكنيسة لاعتبار الزواج سر كنسي مقدس، وكذلك يتم توثيق الزواج لدى الموثق المنتدب، والذي في الغالب ما يكون أحد رجال الدين المسيحي نفسه. وإن كان في هذه الحالة يوثق الزواج ليس بصفته رجل دين ولكن بصفته موظف عام تابع للدولة.

  • تقديم شهادة أخرى من الطرف الأجنبي الراغب في الزواج من سفارته تفيد عدم ممانعة دولته في زواجه. وهذا الشرط في أحيان كثيرة يكون في حكم المستحيل تنفيذه فبعض السفارات تمتنع تمامًا عن اعطاء هذه الشهادة.

  • في حال سبق زواج أحد الطرفين وانتهى تطليقًا أو بطلانًا أو فسخًا أو خلعًا يجب تقديم الحكم النهائي المثبت لذلك مع أن تكون مصدقة من الخارجية المصرية إذا كان هذا الطرف أجنبيًا.

  • الطرف الأرمل يقدم شهادة وفاة الزوج السابق مع توثيقها من وزارة الخارجية إذا كان أجنبيًا.

  • تقديم شهادة الميلاد الرسمية لكل من طرفي الزواج.

أما الافتراض الثاني وهو كون الزوج مصريًا والزوجة أجنبية

فهو يشترط أيضًا إحضار شهادتين من السفارة التابعة لها الزوجة، إحداهما بحالة الزوجة الاجتماعية والأخرى بعدم ممانعة سفارتها في الزواج. هذا إلى جانب اشتراط أن تكون الزوجة مقيمة في مصر أكثر من ستة أشهر، وذلك لبعض الجنسيات مثل الفلبين. هذا إلى جانب الشروط السابقة، ما هذا شرط فرق السن بين الزوجين.

أما الافتراض الثالث وهو كون كل من الزوجين أجانب

فهي تقريبًا ذات الشروط السابقة ما عدا الشرط الخاص بفرق السن بين الزوج والزوجة، وبالطبع هي شروط تعجيزية تمامًا ويعرفها كل من جرب الحصول على شهادة بعدم المانعة على الزواج من السفارة الإماراتية أو السعودية وغيرها من السفارات التي تمتنع عن إعطاء مثل هذه الشهادة.

ولأن المجتمع حينما يصطدم بقوانين تضعها الدولة وتكون هذه القوانين غير متوافقة ولا متوائمة مع احتياجات هذا المجتمع فإنه ينشئ قانونه الخاص المتوائم معه ويستغني تدريجيًا عن الالتجاء إلى قوانين الدولة غير المتوائمة مع احتياجاته.

فعندما تطلب الدولة شروطًا تعجيزية، وهي شروط ليست ذات أهمية أو أساسية في إثبات الزواج، تفتح بابًا خلفيًا للانصراف عن توثيق الزواج كلية عن طريق المكتب الذي أنشأته لذلك.

ولأن الزواج وهو في أساسه اختيار شخصي بحت، فحينما يختار رجل وامرأة بعضهما البعض ويقرران الزواج لا يهمهما من مكتب التوثيق سوى إثبات زواجهم بطريقة رسمية بدون أن يكون لهذه الجهة أي دور أكثر من ذلك أي لا يكون لها أي دور في الشروط المالية بينهما أو ولاية لهذا المكتب أو لأي جهة أخرى في الموافقة على الزواج من عدمه أي لا تطلب منهم شهادات بموافقة جهات تعتبر نفسها أوصياء على الأفراد مثل السفارات أو البطريركيات.

ونتيجة لهذه الشروط المتعسفة، أصبح من يرغب في الزواج ويصطدم بشروط مكتب التوثيق يلجأ إما للزواج العرفي فقط أو للزواج العرفي ثم توثيقه أمام المحاكم سواء بدعوى صحة التوقيع أو بدعوى إثبات الزوجية.

وبالتالي، فسواء وافق مكتب التوثيق على إثبات الزواج أو لم يوافق فالزواج سيتم في كل الأحوال، وخصوصًا أن القانون المصري اعتبر أحكام إثبات الزوجية الصادرة من المحاكم مساوية في قوتها لوثائق الزواج المحررة، سواء بمعرفة المأذون أو الموثق المنتدب أو مكاتب التوثيق.

تنص المادة 70 من دستور 2014 على عدة حقوق للطفل، وشملت حقه في الحصول على اسم مناسب. وينص قانون الطفل رقم 126 لسنة 2008 في مادته الرابعة على حق الطفل في نسبه إلى الوالدين الشرعيين والتمتع برعايتهما، وله الحق في إثبات نسبه بكافة وسائل الإثبات بما فيها الوسائل العلمية المشروعة.

إثبات الزواج كشرط لنظر دعوة النسب

إن المشرع المصري لم يشترط لإثبات النسب وجود وثيقة زواج رسمية، ولم يشترط في إثبات عقد الزواج العرفي تقديم العقد نفسه، بل اكتفى بإثبات الزيجة عن طريق البيئة والقرائن المتعددة بما فيها شهادة الشهود. لكن اشترط المشرع إثبات الزواج بالفعل قبل النظر في دعوى النسب، أي أنه لا دعوى نسب دون إثبات زواج سواء بالعقد أو البيئة أو الشهود أو القرائن.

القانون هنا يستند إلى الشريعة الإسلامية ويهدر ثبوت النسب للمولود بسبب علاقة خارج إطار الزوجية، وكان هذا نص جواب شيخ الأزهر عام 1979 رداً على وكيل وزارة العدل الذي خاطبه بشأن مشروع المبادئ العامة الخاصة بالمساواة بين الأشخاص المولودين دون زواج وعدم التمييز ضدهم، وكان المشروع في أساسه مرسلاً من السيد السكرتير العام للأم المتحدة إلى وزارة الخارجية المصرية.

تنص المادة 70 من دستور 2014 على عدة حقوق للطفل، وشملت حقه في الحصول على اسم مناسب. وينص قانون الطفل رقم 126 لسنة 2008 في مادته الرابعة على حق الطفل في نسبه إلى الوالدين الشرعيين والتمتع برعايتهما، وله الحق إثبات نسبه بكافة وسائل الإثبات بما فيها الوسائل العلمية في المشروعة.

هنا، يطرح تساؤل عام نفسه: “ماذا لو لم يتم اثبات الزواجما مصير الطفل؟ أم أن الأمر كله تزمت تشريعي لا يضع حسبانًا للمصلحة العامة؟

المؤسسات الدينية وموقفها من الإصلاح التشريعي في قضايا النساء والمواطنة

قضايا النساء والمواطنة من المسائل التي تتعسف فيها المؤسسات الدينية لفرض سيطرتها، بما لا يحقق المصلحة في أغلب الأحوال والشاهد على ذلك موقف الأزهر كمثال في قضية الختان، فقد تأخرت المؤسسة الفقهية في الأزهر عن إدراك أهمية البحث الموضوعي الذي يحقق مصلحة المجتمع لتحريم الختان، فجاءت فتاوى شيوخ الأزهر في البدء بالقول إنه سنة ثم مكرمة وأخيرًا جاءت الفتوى بتحريم الختان. بل وتكرر ذلك في قضية الخلع، الأمر الذي يشير إلى تعسف تلك المؤسسات الدينية وتأخرها في إدارك مصلحة المجتمع. وهو ما يختلف جملة وتفصيلاً مع ما جاءت به الأديان، وبخاصة الإسلام الذي جعل المصلحة هي مناط الأحكام، وأينما كانت كان شرع الله.

ذلك أنه يجب أن نميز بين ما أتى به الإسلام وجاء لأجله وهو جوهره ومعناه فيبقى خالدًا بخلوده كعقيدة التوحيد ومكارم الأخلاق وإقامة قسطاس العدل والمساواة بين الناسوبين ما وجده من الأحوال العارضة للبشرية والنفسيات الراسخة في الجاهلية قبله دون أن تكون غرضًا من أغراضه“.

وأن الأحكام التي وضعها لتلك الأحوال العارضة بإقرارها أو تعديلها إنما تزول بزوال الدواعي إليها. ومن هذه المسائل الرق وتعدد الزوجات مما لا يراه حتى جزءًا من الإسلام. فثمة عنده الإسلام الخالصوهو روح الشريعة والأعراضوهي الأحكام التفصيلية.

واقعية الإسلام الذي لم يفترض الحوادث ليقرر الأحكام فيحمل الناس على قبولها بل نزلت الآيات ملتبسة بالوقائع فظل التشريع يتطور بتطور الحياة. ولا تخفي هنا وظيفة النسخ الذي يمس الأحكام دليلاً على الارتباط بين النص وحوادث التاريخ. والحكمة في ذلك، عند الحداد، ارتكاز الشريعة على أمرين هما الأخلاق الفاضلةوحاجة الإنسان في العيش“. وهما أصلان يتفاعلان على أساس التدرج في الأحكام. فالشريعة بمرونتها ضرب من التربية تساير نضج الإنسانية الناقصة في أصلها وتواكب استعدادها لتقبل الكمال. فخلود الإسلام مرتبط بهذه القدرة على إدراك أطوار الحياة الإنسانية“. وليس ثمة من دليل في الدين على أن ما بلغه التدرج بالأحكام في حياة الرسول هو منتهى المأمول من حكمة التدريج. وأوضح مثال على ذلك عنده هو موقف الإسلام من الرق.

فروح الإسلام هي الحرية ولكنه أبقى على الرق. وعلة ذلك عنده أن الإسلام لم يستطع في حينه أن يقرر حكمًا نهائيًا غير إعلانه الرغبة في العتقبيد أنه عول على تشوف الشارع للحريةوإدراك الفقهاء لما في الشريعة من العطف والتقدير لحرية الإنسان“.

والمشكلة أن رجال الدين والفقهاء صرفوا النظر عن حكمة التدرج التي رعاها الإسلام وسعى من خلالها إلى الكمال. بل نراهم يساهمون بما استنبطوه من أحكام في إدامة النقص في المرأة وتضخيم الخلاف بينها وبين الرجل في الحياة. وفي هذا يظهر جليًا أن النفسية التاريخية للعرب وسائر المسلمين في اعتبار المرأة قد تغلبت على ما يريد الإسلام لها من تقدير وعطف“. بيد أن هذا الموقف يعود إلى أمر أساسي يتصل بغياب الرؤية التاريخية لدى الفقهاء. فهم يعملون بأقوال السابقين رغم تبدل العصور وتغير أحوال المجتمعات. ولا فكاك بين انعدام الحس التاريخي والعجز عن فهم روح الشريعة مما جمد الفقه الإسلامي وشرع لغلق باب الاجتهاد.

وعلى هذا لابد أن يكون منهجنا في معالجة العلاقة بين الشريعة والتاريخ قائمًا على رفض البحث في النص المنطبق على هذه الجزئية أو تلك بل هو ينطلق من النص في كليته بحثًا عن روح الإسلام واتجاهه العام ليستخرج الحكم المناسب إقرارًا للحكم الجزئي أو تعديلاً منه، فالإسلام طريق نحو الكمال الانساني والتقدم بهدي من روح الشريعة ولا يمكن التوقف عندما بلغه هذا الحكم أو ذاك في فترة من فترات التاريخ مسايرةً لوضع من الأوضاع.

فعليه، يجب أن يكون وضع المرأة في الإسلام يتأسس على المساواة مع الرجل في الحقوق والواجبات والثواب والعقاب ذلك المبدأ الذي افتتحت به وثيقة حقوق المرأة التي أصدرها الأزهر عام 2014.

وبالنظر إلى المتغيرات المجتمعية التي يمر بها العالم وما طرأ على وضع المرأة من متغيرات اقتصادية واجتماعية، جعلتها في كثير من الحالات هي المعيل الوحيد لأسرتها، وهو ما يجعلنا نتسائل، أليس هناك العديد من الآيات القرآنية التي تُعد قطعية الثبوت والدلالة. وعلى الرغم من ذلك تم إيقاف العمل بها ومنها الرق والجزية على المسيحيين في آية صريحة ولم يعد يتم تطبيقها الآن وأيضًا مصارف الزكاة، التي منها المؤلفة قلوبهموالتي قام عمر بن الخطاب بمنعها، كما أنه يوجد مبدأ فقهي يقول للحاكم

يجب أن يكون وضع المرأة في الاسلام يتأسس على المساواة مع الرجل في الحقوق والواجبات والثواب والعقاب ذلك المبدأ الذي افتتحت به وثيقة حقوق المرأة التي أصدرها الأزهر عام 2014.

تقييد المباحوكذلك التعذير، وهو ما رأيناه في تعطيل آيات الحدود والرق، أو ليست الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان؟ فلماذا تختزل وتقييد عند الحديث عن اجتهادات فيما يخص المواطنة والمساواة وحقوق النساء

كما أن هناك تساؤلاً يطرح نفسه الآن، وهو هل أخطأ من اجتهدوا من السابقين ومنهم من كبار الصحابة في نصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة أم أنهم اعتمدوا على فهمهم لمقاصد الشريعة وفقه الواقع وتغير الظروف المجتمعية والمعاملات بين أفراد المجتمع؟

 

بداية لابد من توضيح أن الدين هو في جوهره عبادات ومعاملات والاجتهاد لا يكون إلا في فروع المعاملاتالتي تحتمل الاجتهاد، حيث النص الوارد بها يحتمل الآراء والأفهام.

ذلك أن الزواج بين الأديان إسلام ومسيحية ويهودية وكافة أديان العالم Interfaith marriager والزواج بين المذاهب شيعة وسنة شيعي وسنية وسني وشيعية Intersect marriage or Shiite-Sunni marriage والزواج بين أبناء الدول المختلفة Transnational marriage كلها أمور محبذة ومحببة للمزيد من انصهار وتواصل وترابط الحضارات وأبناء الوطن الواحد وأبناء آدم وحواء أبناء البشرية جمعاء في حب وسلام.

وهناك آراء كثيرة منها رأي مفتي أستراليا الدكتور مصطفى راشد الذي يقدم اجتهاده في هذه القضية كالآتي: “حيث لا يوجد أي نص قرآني أو حديث صحيح يمنع هذا الزواج، ومن يحتجون بالآية الوحيدة 221 من سورة البقرة: “ولا تنكحُوا المُشركات حتى يُؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المُشركين حتى يؤمنوا، ولعبد مؤمن خير من مُشرك ولو أعجبكم، نقول لهم: أنتم تفسرون القرآن على هواكم الذكوري، لأن الآية تتكلم عن المشركين والكفار وليس أهل الكتاب، وهى نفس النص القرآني الذي يجيز زواج المسلمين من مسيحيات ويهوديات، ولما تسأل المشايخ يقولون لك دول كتابيين مش مشركين، ليه بقى بتكيلوا بمكيالين ليه؟ وهناك دليل قاطع على جواز ذلك الأمر شرعًا، وهو ما ورد فى السيرة النبوية لابن كثير والسيوطي والواقدي والحلبي وغيرهم، عن استمرار زواج زينب بنت الرسول من أبو العاص بن الربيع، وهو غير مسلم، وظلت معه حتى موته على غير الإسلام.

وفي ذات السياق يأتي اجتهاد الشيخ حسن الترابي أيضًا بشأن نفس الموضوع:

ففي ندوة حضرها حشد من السياسيين وعلماء الدين في الخرطوم، أجاز الزعيم الإسلامي السوداني الدكتور حسن الترابي زواج المرأة المسلمة من الرجل الكتابي مسيحيًا كان أو يهوديًا، قبل أن يصف أن القول بحرمة ذلك مجرد اقاويل وتخرصات وأوهام وتضليلالهدف منها جر المرأة إلى الوراء.

وأضاف ينبغي أن ينظر إلى هذا الاجتهاد في سياق شأن المرأة عامة، خطابًا للمجتمع المسلم، فإن خطاب المجتمع المسلم المعاصر في شأن المرأة ينحط كثيرًا عن أحكام قيم الدين ويبعد عن أحكام قيمه الدينية، والمثال فيه أن المسلمين ينأون عن الخوض في مثل هذه الأحكام في زواج بناتهم. ولعل من نافلة القول التذكير بأن رأيي هذا ليس بجديد، فهو رأي قديم، وما كان مجرد خبر، ولكن كان ردًا على أعراض كانت تبدو للجاليات المسلمة في أميركا، إذ قدمت إلى أحد المراكز الإسلامية هناك امرأة تريد أن تعتنق الإسلام ولكنها تريد أن تعرف حكم بقائها مع زوجها، الذي ظل على دينه، لكنهم، أي مسؤولو المركز، كانوا بانفعالهم وارتهانهم إلى التقاليد، يوصونها أن هي صدقت بأن تذهب لتقاضي زوجها طلاقًا. وبالتالي، تخسر ولايتها على الأبناء وتخسر كل تكاليف التقاضي، وهي في أول الخطى نحو الإسلام، وكان ذلك غالبًا يصدهن عن اعتناق الإسلام وإشهاره. طبعًا، قرأت كثيرًا في تاريخ الإسلام عندما اضطربت الأحوال بين المسلمين والمشركين، وبين مسلمين موصولين بجماعات غير مسلمة وأيام الردة التي طرأ فيها اضطراب كثير، فقدرت الرأي لما لم أجد في كتاب أو سنة كلمة واحدة تمنع زواج المسلمة من كتابي، فكنت أرى أن يتركوها تسلم فتثبت إيمانها، وكثيرًا ما تدعو وتنشط في دعوتها إلى الله، فتجر إلى الإسلام زوجها ومن حوله وهكذا.. وهذا فتح مبين في أسرتها وفي الأسر الأخرى

الميراث بين مختلفي الدين

دائمًا ما تثور إشكالية الميراث بين مختلفى الدين في حال الزواج المدني، فإذا كان أحد طرفي العلاقة الإرثية مسلمًا والآخر غير المسلم فهل يرث أي منهما الآخر؟ وبصفة عامة هل يمكن اعتبار اختلاف الدين مانعًا من مواقع الإرث في القانون؟

لقد ورد في المادة (587) من قانون الأحوال الشخصية المصري بخصوص موانع الإرث ما يأتي: “الثالث (من موانع الميراث): اختلاف الدين فلا يرث الكافرُ من المسلم، ولا المسلم من الكافر“. وجاءت في المادة السادسة من قانون المواريث المصري رقم (77) لسنة 1943 ما يأتي: “لا توارث بين مسلم وغير مسلم“.

الدكتور حسن الترابي

أجاز الزعيم الإسلامي السوداني الدكتور حسن الترابي زواج المرأة المسلمة من الرحل الكتابي مسيحيًا كان أو يهوديًا، قبل أن يصف أن القول بحرمة ذلك مجرد أقاويل وتخرصات وأوهام وتقليلالهدف منها جر المرأة إلى الوراء.

القياس على الوصية:

فيما يتعلق بالوصية نص صراحة على أنه لا عبرة باختلاف الدين بين الموصى والموصى له، فالقانون المصري لا يشترط اتحاد الدين بين الموصي والموصى له، إذ ورد في المادة (3) من قانون الوصية المصري رقم 71 لسنة 1946 ما يأتي: “.. إذا كان الموصي غير مسلم صحت الوصية إلا إذا كانت محرمة في شريعته وفي الشريعة الإسلامية“.

ونصت المادة (9) من هذا القانون على أنه: “تصح الوصية مع اختلاف الدين والملة، وتصح مع اختلاف الدارين، إلا إذا كان الموصي تابعًا لبلد إسلامي والموصى له غير مسلم تابعًا لبلد غير إسلامي تمنع شريعته من الوصية لمثل الموصي“. وورد فيه أيضًا: “اختلاف الدين والملة لا يمنع صحة الوصية، فتجوز الوصية من المسلم للذمي أو المستأمن بدار الإسلام، ومن الذمي والمستأمن للمسلم والذمي ولو في غير ملته، ويجوز للمستأمن الذي لا وارث له بدار الإسلام أن يوصي بجميع ما له، وإن أوصى ببعضه يرد الباقي إلى ورثته، وتنفذ وصية الدمي من ثلث ما له لغير الوارث، ولا تنفذ للوارث إلا بإجازة الورثة الآخر، وبذلك يكون القانون المصرية قد حدد الشخص غير المسلم الذي تجوز له الوصية. وهو الذمي أو المستأمن، بخلاف الحربي.

ومن ذلك يتضح أن القانون المصري قد أخذ في هذه المسألة برأي الحنفية والأمامية القائل بجوار الوصية للذمي والمستأمن وعدم جوازها للحربي.

وطالما أن كلا من الميراث والوصية هو تمليك مضاف إلى ما بعد الموت فيفترض أنه لا فرق بينهما.

يستند الفقه الرافض للأخذ باختلاف الدين كسبب للمنع من الميراث لكون البنى الاجتماعية تطورت في مصر منذ ما يزيد عن القرن وتركيبة هذا المجتمع أصبحت تركيبة من نوع خاص، وأصبح قرض الآراء الفقهية القديمة غير ملائم تمامًا للبنى الاقتصادية والاجتماعية وذلك خلافًا لبقية القوانين، ويذهب البعض الآخر أبعد من ذلك مناديًا بالفصل بين الدين والقانون، على اعتبار أن وظيفة الدين الإسلامي أن يدفع المواطنين إلى الرقي الروحي ويركز القيم الأخلاقية في المجتمع، ولكنه في ذات الآن يترك القانون وشأنه الخاص به.

تعريف الزواج المدنى:

الزواج المدني هو عقد زواج بين شريكين موثق العهد بشاهدين في مقر رسمي (المحكمة أو الشهر العقاري)، ويقوم هذا العقد على الحب المتبادل والرغبة في تأسيس أسرة ويتم تسجيله في سجلات الدولة وهو خاضع بشكل كامل للقواعد القانونية التي حددها المشترع، والتي لا يجوز للأفراد مخالفتها. يضمن هذا العقد حقوق كلا الزوجين بالمساواة في حالة الطلاق.

يُسقط الزواج المدني كل الفوارق الدينية والمذهبية بين رجل وامرأةٍ يريدان الارتباط ببعضهما والعيش سوية تحت سقف واحد.

فالزواج بذلك مدني انطلاقًا من مبدأ فصل الدين عن الدولة ويترتب على مدنية الزواج أن القانون لا يعترف بهذا الزواج إلا إذا أُبرم أمام الموظف المختص، فإذا أُبرم الزواج بين الزوج والولي بحضور الشهود، واستكمال جميع أركانه وشروطه، لا يُعترف به قانونًا لأنه لم يُبرم أمام الموظف المختص.

وعليه، فإن الزواج المدني ينظر إليه على أنه مؤسسة اجتماعية من نتاج القانون الوضعي. وهو محض مدني يحصل أمام السلطة العامة في شكل رسمي احتفالي ولا يمكن إجراؤه إلا بتدخل أحد موظفي الدولة. ليس فقط لتنظيم وثيقة بحصوله، بل لتأكيد شكله أيضًا والزواج المدني تغلب عليه الصفة التعاقدية من حيث اجتماع إرادتي الأشخاص الراغبين ببعضيهما، ولما كانت الصفة التعاقدية هي الغالبة فكان لزامًا توافر شروط معينة في الأشخاص الذين انعقدت عزائمهم على إنشاء هذا العقد الاحتفالي.

شروط الزواج المدني

والشروط المقصودة هي المتعلقة بالأهلية الطبيعية من حيث بلوغ السن القانونية والرضي.

بالنسبة لبلوغ السن القانونية:

وهو تجاوز سن الطفولة كما نصت عليه اتفاقية حقوق الطفل بثمانية عشر عامًا

بالنسبة للرضي:

بالقدر الذي يكون فيه الزواج اتفاقًا لإنشاء عائلة معينة، فإن طبيعته عقدية. فالرضي هو من جوهر الزواج كما هو في عقد آخر وتبادل بالرضى يحصل باجتماع الإرادتين. وذلك بتوافر القبول الشخصي

الزواج المدني هو عقد زواج بين شريكين موثق العهد بشاهدين في مقر رسمي (المحكمة أو الشهر العقارى). ويقوم هذا العقد على الحب المتبادل والرغبة في تأسيس أسرة ويتم تسجيله في سجلات الدولة وهو خاصع بشكل كامل للقواعد القانونية التي حددها المشترع، والتي لا يجوز للأفراد مخالفتها. يضمن هذا العقد حقوق كلا الزوجين بالمساواة في حالة الطلاق.

لكل من المتعاقدين ووفقًا لأشكال يعينها القانون.

إذًا عند توافر الرضى التام يعطي العقد مفاعيله لأن الرضى إما أن يكون مفتقدًا بالمطلق أو أن يكون معيوبًا، فالنسبة الفاقدي الرضى، لا زواج لهم أما معيوبو الإرادة أو معيوبو الرضى فيمكنهم إجراء عقود زواج حال انتفاء العيب وتوافر الأسباب الموجبة لذلك.

آثار الزواج المدني:

إن أهم الآثار التي تترتب على الزواج هي الطلاق الذي يلجأ إليه الزوجان لإنهاء علاقتهما. وقد تختلف أسبابه وله إجراءات محددة، لذلك سنتناول تفصيل مفهوم الطلاق المدني وأسبابه وإجراءاته.

مفهوم الطلاق المدني:

الزواج المدني كمؤسسة اجتماعية ينظر إليها استحبابًا، كونها أيسر مدى في ممارسة طلب الطلاق، الذي يلجأ إليه الزوجين لوضع حد لعلاقة زوجية ذات ضرر لأحدهما.

ونظرًا للطابع التعاقدي للزواج المدني، فإنه يحق لطرفيه أن يطلبا إنهاء هذا العقد متوسلين الأساليب القانونية اللازمة عند إخلال أحد المتعاقدين لالتزاماته، ووقوع الضرر بالزوج طالب الطلاق.

أسباب الطلاق المدني:

إن الأسباب التي من شأنها وضع حد للعلاقة الزوجية منها ما هو حاسم ومنها ما هو اختياري.

الأسباب الحاسمة منها:

أ – الزني: حيث إنه من أسباب استمرارية الحياة الزوجية بشكلها السوي أن يكون كل طرف أمينًا للآخر. وإذا كان ثمة خرق لهذا العهد، فإن الزاني يصبح مذنبًا تجاه الآخر الأمر الذي يبرر طلب الحكم بالطلاق حال ثبوت فعل الزني الممارس من أيهما.

ب العقوبة الجنائية: الضرر الذي يصيب الزوج الذي لم يكن موافقًا على النشاط الجرمي الذي أدى لايقاع عقوبة جنائية بحق الفاعل يؤلف سببًا لطلب الطلاق من الفريق الذي اعتبر نفسه مصابًا بفضيحة العمل الذي مارسه الفريق المحدث للفعل الجرمي.

الأسباب الاختيارية هي:

أ العنف وسوء المعاملة:

ويشترط في هاتين الحالتين أن تكون الافعال إرادية وغير صادرة عن جنون مثلاً.

ب – الإهانة:

وهي الأفعال التي من شأنها الإساءة لكرامة الحياة الزوجية، والتي من شأنها المخالفة الجسيمة أو المتكررة لفروض وواجبات الحياة الزوجية كخرق واجب المساكنة أو خرق واجب الإسعاف والمساعدة والإدمان على تعاطي المسكرات عند توفر أحد هذه الأسباب؛ فللزوج المساء إليه تقديم دعوى الطلاق ضد الفريق المسيء وحق الادعاء يقتصر على الزوج الذي أسيء إليه فقط.

إجراءات الطلاق المدني:

إن طلب الطلاق يدخل مبدئيًا في اختصاص المحاكم المدنية التي لها وحدها حق الفصل به والقاضي الجزائي الذي ينظر بملاحقة تشكل وقائعها سببًا للطلاق ليس له الحق بالحكم بالطلاق سندًا للقضاء بالعقوبة، فهو يمكنه البت بالدعوى مدنيًا تبعًا للدعوى العمومية، ولكن مدار الدعوى المدنية هو فقط للمطالبة بالتعويضات الشخصية عن الضرر الحاصل. وحال الحكم بالطلاق المدني، فإن النتائج المترتبة على ذلك هي التالية:

يصبح الزوجان مطلقين ونتائج ذلك تمتد للمستقبل فقط دون المساس بنتائج الماضي.

يصبح الزوجان حران بعد الطلاق وكل منهما مستقل عن الآخر

لكل من الزوجين التزوج ثانية لكن بعد انقضاء مدة العدة بالنسبة للمرأة التي يمتنع عليها التزوج ثانية ما لم تنقض هذه المدة ما خلا الحالات الاستثنائية وبناءً للضرورة.

إن طلب الطلاق يقدم للقاضي الذي له اتخاذ كافة التدابير التي من شأنها الإفساح في تسوية النزاع وإعادة الصلح بين الزوجين.

الإرث والوصية وحقوق الأطفال:

في الزواج المدني، تتحدد قواعد الإرث فيه ضمن العقد، أو في الوصية التابعة له، أما في رعاية الأطفال بعد الطلاق أو الفسخ، يمكن تحديد قواعدها في العقد نفسه، ما يسمح بحفظ حقوق الأطفال المادية والإنسانية ومصلحة الطفل الفضلي.

لكل من الزوجين التزوج ثانية لكن بعد انقضاء مدة العدة بالنسبة للمرأة التي يمتنع عليها التزوج ثانية ما لم تنقض هذه المدة ما خلا الحالات الاستثنائية وبناءً للضرورة.

هكذا نجد أنه لم يتم فرض نموذج واحد محدد للزواج، مراعاة للحاجات الشخصية المتنوعة، مع وضع قواعد عامة محددة من قبل الدولة.

أما المخاوف التي ترى القانون المدني يهدد رابطة الزواج بسبب سهولة حله، هذه ميزة تكسبها المرأة من خلال العقد المدني وليست ضدها، لأن الرجل له حرية الطلاق المطلقة وفق القانون الدارج وبكلمة واحدة، بسهولة أكبر بكثير من القانون المدني، الذي يضمن حق المرأة والأولاد بقوة العقد، وتوزع بينهما الملكية مناصفة، والأولاد أيضًا حقوقهم مضمونة.

أما حول الخلافات التي تنشأ بسبب اختلاف الدين بين الزوجين، وتأثير ذلك على تربية الأولاد وهويتهم الدينية.

أولاً، قانون الروج المدني، لا يتعلق بجوهره في مسألة خلاف الدين، بل هو جزء من فصل الدين عن الدولة، في أهم مظاهره، استقلال القانون عن الدين، حيث لا يكون مصدر القوانين ومرجعها النصوص الدينية، أي لو افترضنا مجتمعًا جميع أفراده يعتنقون نفس الديانة، هذا لا يعني عدم ضرورة وجود عقد زواج مدني، وإذا كان الاختيار بين اثنين من الطائفة نفسها سيكون أيضًا زواجًا مدنيًا، مفهومه الأساسي يقوم على حرية الاختيار بين طرفين راشدين يتمتعان بالحقوق والواجبات نفسها. ولكن قانون الزواج المدني سيقدم حلاً، لمشكلة هامة، وهي الاختيار من خارج الدين، لتأخذ قضية اختلاف الدين بين المذاهب من نفس الدين، ولكن من طوائف مختلفة ستظهر المشاكل نفسها في تربية الأولاد.

حل هذه القضية هي وفق الحرية المعطاة للطرفين بالتعبير عن قناعاتهم، والأديان لا تختلف كثيرًا بمفاهيمها حول الأخلاق والأسرة، وتربية الأولاد، أما اختلاف الطقوس والعبادة، والالتزام، فالإسلام نادي بمبادئ العقل في الالتزام الديني، ولم يطالب بوراثة الدين عن الأهل، أو بتقليد الآباء والأجداد.

أغلب المشاكل التي تعاني منها المرأة مصدرها القانون، ليس فقط حرية الاختيار، هذه معاناة مشتركة بين والرجل والمرأة، هناك قضية نسب الأولاد، التي تسبب معاناة كبيرة للمرأة في حالة اختلاف الجنسية، حيث بلد الأم لا يعترف بنسب الأولاد للمرأة.

فالزواج المدني هو زواج قانوني تكون الدولة هي الطرف الوحيد المعني بإضفاء الصفة الشرعية عليه بعيدًا عن المؤسسات الدينية، فشروط الزواج تكون مرتبطة بالسن والحالة الطبية للمتقدمين تكون نتائج الاختبارات استشارية للطرفين وليست ملزمة دون النظر إلى دياناتهما. ويكون التعامل مع عقد الزواج كما يتم التعامل مع أي عقد آخر يسجل بالمحاكم، وفي حالة الطلاق يكون حق طلب الطلاق متساو للطرفين وليس حقًا أثيرًا لطرف واحد. أما الشروط التي يتم على أساسها الطلاق، فهي تكون من اختصاص علماء الاجتماع مع إعطاء مساحة للحرية في حالة رغبة أحد الأطراف بإنهاء الزواج دون الحاجة إلى تقديم أدلة للمحكمة، ففي النهاية الزواج يصير جحيمًا إذا أراد أحد الأطراف إنهائه دون أن يكون قادرًا على ذلك. فالزواج المدني يجعل من السهل إنهاء الزواج بمجرد أن يكون لأحد الطرفين الرغبة في ذلك مع وضع أنظمة مختلفة لتوزيع الموارد المالية لدى الزوجين بما يحقق الاستقرار المالي للطرفين وتوفير القدرة على تربية الأطفال إن وجدوا.

إن ميزة الزواج المدني هي إعطاء الحرية لمن يريد الزواج، ليس وفقًا لقواعد دينية أيًا كان سبب ذلك سواء كان عدم اقتناع أو عدم الرغبة في التقيد بها، وهي النقطة التي سيستفيد منها مختلفو الديانات للزواج، خصوصًا إذا كان الدين ليس له أثر في حياتهم أو لهم عليه بعض الملاحظات. وسيستفيد منه من لا يؤمن بأي دين سواء كان لا دينيًا أو ملحدًا أو يؤمن بديانات أخرى غير الديانات الإبراهيمية، والذي يضطر لاعتناق أحد الأديان حتى يتم القبول به كطرف شرعي في الزواج. المسلمون الذين يتبعون مذاهب لا تحرم الزواج المختلط كالقرانيين الذين يجدون أنفسهم مجبرين على الخضوع إلى قواعد دينية لا يعترفون بها سيتمكنون من الزواج من خلاله، المسيحيون سيستفيدون منه في حالات الزواج المختلط والتي تمنعه أيضًا بعض الطوائف.

أما ميزته الأخرى هي سهولة الطلاق مقارنة بشروط الطوائف المسيحية، حيث سيكون الطلاق حسب قوانين المحكمة أو برضا الطرفين، بدون التحايل على الدين والقانون الذي يحدث الآن باعتناق طائفة أخرى أو دين آخر ليحدث مثل هذا الطلاق، وفي المذاهب الإسلامية سيكون الطلاق ليس أمرًا قاصرًا على صاحب العصمة الرجل في أغلب الأحوال الذي يملك حق إنهاء الزواج حتى بدون الرجوع إلى الطرف الآخر في نفس الوقت الذي يعاني فيه الطرف الآخر المرأة إذا أراد إنهاء تلك العلاقة دون الحصول على موافقة صاحب العصمة ليجد نفسه مضطرًا على العيش مع شريك لا يريده أو يعيش مع مأساة استصدار حكم بالطلاق أو الخلع، ربما يأخذ عدة سنوات ويقضي على المصادر المالية للطرفين.

أغلب المشاكل التي تعاني منها المرأة مصدرها القانون، ليس فقط حرية الاختيار، هذه معاناة مشتركة بين والرجل والمرأة، هناك قضية نسب الأولاد، التي تسبب معاناة كبيرة للمرأة في حالة اختلاف الجنسية، حيث بلد الأم لا تعترف بنسب الأولاد للمرأة.

أعلم بالطبع أن الاعتراض المتوقع هو أن هذا الزواج سيحلل ما حرمه الله، والرد أن القانون لا يحلل أو يحرم وليس من المفترض أن تكون له علاقة بالحلال والحرام، فالمفترض أن القانون فقط يتعامل مع ما هو قانوني وما هو غير قانوني، لا مع ما هو موافق او مخالف للشرع، خصوصًا أن الزواج المدني لن يجبر أحدًا على مخالفة دينه.

البعض للأسف يمنعون الأفراد من حقهم في الاختيار بدافع الدفاع عن الأديان، يعتقدون أنه إذا قام القانون بالسماح بما هو غير شرعي فسيهرع الناس إليه. وهو ما يدل على أنهم على يقين من ضعف انتماء الأفراد وإخلاصهم لدينهم، وأن الشخص يحترم القانون أكثر مما يحترم قواعد دينه، ما سينعكس على الصورة السريالية للمجتمع المتدين الطاهر التي يسوقها رجالات الدين والسياسة للسيطرة على شعوبهم وغلق أبواب الحرية أمام المطالبة بحقوقهم. الأفضل للجميع إعطاء الحرية للإنسان في اختيار أفعاله بدلاً من إجباره على الالتزام بقواعد هو لا يراها واجبة التنفيذ ويعتبرها كلام بشر وليست تنزيلاً أو وحيًا. أعلم أن هذا الرأي سيقابل بالرفض من أساطين المحافظة على الأديان، وكأن الدين يحتاج لمن يحميه، لكن ما أنا على ثقة به أنه إذا لم يطبق الزواج المدني، فستظل تلك المشاكل التي ذكرتها قائمة، وسيظل الدين هو الخصم الذي يحتاج لمحامين تدافع عنه في قاعات المحاكم، وهو المشهد الذي أراء مؤسفًا ومهينًا للأديان نفسها.

الزواج المدني ليس إلزاميًا، فمن شاء الخضوع لأحكامه كان له ذلك، ومن شاء الخضوع لأنظمة الأحوال الشخصية السائدة كان له ذلك أيضًا.

وهو لا يمس بالمعتقد وليس موجهًا ضد ما هو قائم حاليًا أي أنه لا يلغي نظام محاكم الأسرة، بل هو فسحة من حرية الاختيار تنسحب على الذين لا يريدون تطبيق النظام القائم على عقد الزواج وإفساح المجال أمام تفعيل مبدأ المواطنة وحرية الاختيار.

الإمارات

تتبع حكومة أبو ظبي لغير المسلمين إتمام مراسم الزواج المدني، وذلك وفقًا لأحكام القانون رقم 14 لسنة 2021 بشأن الأحوال الشخصية للأجانب غير المسلمين في الإمارة. يتم إقراره كعقد مدني دون الحاجة إلى حفل ديني. ويستند هذا الميثاق على قواعد لا علاقة لها بالدين بل تنظمها المادتان 4 و5 من القانون رقم 14 لسنة 2021 ويمكن للوافدين المقيمين في دولة الإمارات، والسياح والزوار التقدم بطلب لإتمام مراسم الزواج المدني، بشرط أن يكون مقدمي الطلب غير مسلمين أو من دولة غير مسلمة.

ويُشترط لعقد الزواج المدني أن تتوافر عدة شروط منها:

  • بلوغ كل من الزوج والزوجة (18) عامًا ميلادية على الأقل

  • أن يعبر كلا الزوجين صراحة أمام قاضي التوثيقات عن موافقته / موافقتها على الزواج، وعدم وجود ما يحول قانونًا دون الاعتداد به.

  • توقيع الزوجين على نموذج الإفصاح، الذي يتضمن إفصاح الزوجين عن وجود أي علاقة زوجية أخرى سابقة لأي منهما، مع بيان تاريخ وقوع الطلاق، والإقرار بعدم وجود أية علاقة زوجية قائمة.

  • ألا يكون الزواج بين الأخوة، أو من الأبناء، أو الأحفاد، أو الأعمام أو الأخوال.

كما لا يتطلب الزواج المدني موافقة الأب أو الولي، ولا أيضًا الفحص الطبي للزواج.

تركيا

تعد تركيا واحدة من أوائل الدول الإسلامية التي اعتمدت الزواج المدني كمكسب من مكاسب المرحلة الأتاتوركية التي أقرت الدولة المدنية بمفهومها العلماني الذي يفصل بين ما هو ديني وبين ما هو قانوني، هذه المكتسبات التي لم تتراجع عنها الدولة التركية حتى بعد عقود من سيطرة الأحزاب الإسلامية على مقاليد الحكم.

ذلك أنه يتم عقد الزواج المدني في تركيا من خلال مكاتب التسجيل في دوائر الزواج في البلديات، ويشترط القانون التركي لإتمام عقد الزواج المدني أن يكون طالب الزواج بعمر أكبر من 18 عامًا، ويقبل تزويج البالغ 16 عامًا في حال حضور وتوقيع أحد الوالدين، كما يمنع القانون التركي تعدد الزوجات.

ويشترط القانون موافقة خطية من ولي الأمر إن كان عمر طالب الزواج دون الثامنة عشرة من العمر (أكثر من 16 عامًا)، كما يشترط فحص طبي للزوجين، يتم إجراؤه في أحد المستشفيات الحكومية التركية.

تعد تركيا واحدة من أوائل الدول الإسلامية التي اعتمدت الزواج المدني كمكسب من مكاسب المرحلة الأتاتوركية التي أقرت الدولة المدنية بمفهومها العلماني الذي يفصل بين ما هو ديني وبين ما هو قانوني. هذه المكتسبات التي لم تتراجع عنها الدولة التركية حتى بعد عقود من سيطرة الأحزاب الإسلامية على مقاليد الحكم.

آلية التقدم لمعاملة تثبيت الزواج المدني في تركيا

يتم التوجه إلى إحدى دوائر الزواج التابعة للبلديات، حيث تتم تعبئة استمارة إعلان الزواج في مكتب التسجيل بدائرة الزواج، وترفق الوثائق السابقة الذكر مع الاستمارة، فيما بعد يتم تسليم دفتر العائلة التركي خلال فترة قصيرة، كما يمكن استخدام العقد في دول أخرى غير تركيا، بعد ترجمة دفتر العائلةلدى ترجمان محلف في نفس الدولة، ثم تصديقه من قبل وزارة الخارجية التركية، ثم من سفارة الدولة التي سيتم فيها استخدام دفتر العائلة“.

تونس

كان أول عمل قامت به الحكومة عند استقلال تونس هو سن مجلة للأحوال الشخصية، وقبل بروز تلك المجلة إلى حيز الوجود بعشرة أيام أصدرت وزارة العدل بيانًا ورد فيه أنه: “وقع التفكير في تأليف مجلة الأحوال الشخصية منذ زمن طويل ولكن لم تخرج المسألة من حيز التفكير إلى حيز العمل إلا في سنة 1948 على يد صاحب الفضيلة العلامة سيدي محمد العزيز جعيط و لأسباب شتىلم يبرز المشروع لحيز الوجود، إلى أن جاء عهد الاستقلال.. ففكرت وزارة العدل في إحياء المشروع من جديد فكلفت حكامًاأعدوا لائحة جديدة في قالب قانون عصري يتماشى مع الزمان ولا يتصادم مع مبادئ الدين الإسلامي الحنيفولا عجب أن توصلنا إلى تدوين مجلة ترضي الجميع وتنال استحسان العلماء، وتلائم في آن واحد روح العصر والتفكير العام…. ذلك لأننا أخذنا نصوصها من مناهل الشريعة الفياضة ومختلف مصادرها، بدون تقيد بمذهب دون آخر وبرأي طائفة من الفقهاء دون أخرى.

وتعود تجربة تونس، أول البلدان العربية التي طبقت الزواج المدني، إلى عام 1956، حينما أقر الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، إصلاحات في قانون الأحوال الشخصية، الذي نص على منع تعدد الزوجات، ومنع أي صيغة خارج الزواج المدني. وباءت محاولات الإسلاميين بعد الربيع العربي، على رأسهم حركة النهضة، لإلغاء الزواج المدني بالفشل.

وينص الدستور في المادة الثانية على أن تونس دولة مدنية تقوم على المواطنة، وإرادة الشعب، وعلوية القانون، وتنص المادة 21 على أن المواطنين والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات وهم سواء أمام القانون دون تمييز“.

وكان منع المسلمة من الزواج بغير المسلم فى تونس، قبل مقترح الرئيس التونسي السبسي في عام 2017، دفع النساء هناك إلى الهجرة للدول الغربية، للزواج من الأجانب، فوفق دراسة صادرة عن المعهد الوطني للإحصاء فى تونس، فإن 71% من الفتيات يحلمن بالسفر إلى الخارج، للزواج من أجانب، بسبب فشلهن بالزواج منهم في تونس.

كانت وزارة العدل التونسية قد ألغت القانون 73 الذي كان يمنع التونسية المسلمة من الزواج بغير المسلم، وذلك لمخالفة الدستور وخاصة الفصلين 21 و 46، إضافة إلى تعارض المناشير مع الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من الدولة التونسية. وكان الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي قد دعا خلال احتفالية عيد المرأة في 2017 إلى تغيير المنشور الصادر عن وزارة العدل التونسية سنة 1973 ، والقاضي بمنع زواج المرأة التونسية المسلمة بأجنبي غير مسلم، نظرًا للمتغيرات التي يشهدها المجتمع وسفر المرأة إلى الخارج سواء للعمل أو الإقامة.

لبنان

تعود المطالبة بالزواج المدني وبإقرار قانون مدني للأحوال الشخصية في لبنان إلى ستينيات القرن المنصرم. وكانت ولا تزال وتيرة هذه القضية تعلو أو تخفت بحسب الظروف السياسية التي يمر بها البلد. وحديثًا عادت القضية إلى الواجهة.

وشهد العام 2013 تطورًا لافتًا تمثل بعقد أول زواج مدني على الأراضي اللبنانية وتسجيله في الدوائر الرسمية المعنية، وهذا ما شكل انتصارًا للمطالبين به. استند هذا النوع من الزواج إلى قرار صادر في حقبة الانتداب الفرنسي ويتيح لمن لا طائفة له الزواج المدني.

وعليه، شطب المتعاقدان الإشارة إلى مذهبيهما عن بيانات قيديهما بهدف تسهيل المهمة وراح مواطنون عدة يشطبون الإشارة إلى مذاهبهم عن بيانات القيد لكي يتحولوا إلى مواطنين غير منتمين إلى الطوائف اللبنانية المعترف بها رسميًا. وهذا ما يتيح لهم حق الاستفادة من القرار المذكور. لكن المسألة ما زالت خاضعة للعديد من التأويلات والإشكاليات وحتى التجاذبات السياسية. فبينما قامت وزارة الداخلية في السابق بتسجيل بعض تلك الزيجات المدنية التي تُعقد أمام الكاتب العدل في الدوائر الرسمية، ها هي الآن تعرقل تسجيل حوالى 45 معاملة زواج مدني في دوائر النفوس، الأمر الذي اعتبره بعض الناشطين مخالفًا للقانون.

كان منع المسلمة من الزواج بغير المسلم فى تونس، قبل مقترح الرئيس التونسي السبسي في عام 2017، دفع النساء هناك إلى الهجرة للدول الغربية، للزواج من الأجانب، فوفق دراسة صادرة عن المعهد الوطني للإحصاء فى تونس، فإن 71% من الفتيات يحلمن بالسفر إلى الخارج، للزواج من أجانب، بسبب فشلهن بالزواج منهم في تونس.

أولاً: في القرار 60 ل. ر والاعتراف بالطوائف التاريخية:

في عهد الانتداب الفرنسي على لبنان أصدر المفوض السامي دو مارتيل De Martel القرار L. R 60 تاريخ 13 آذار 1936 اعترف بموجبه بالطوائف التاريخية الموجودة في لبنان وعددها سبع عشرة: إحدى عشرة مسيحية، وخمس محمدية والطائفة الإسرائيلية.

بموجب القانون 553 تاريخ 24 تموز 1996 المنشور في العدد 33 من الجريدة الرسمية أضيفت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية إلى الطوائف المعترف بها فأصبح عدد الطوائف ثمانية عشرة.

يعتبر القرار L. R 60 من أهم القرارات في سلسلة التشريعات العائدة للأحوال الشخصية في لبنان، من حيث اعترافه بالعائلات الروحية اللبنانية وجعلها تتمتع بالشخصية المعنوية وبحقها في التشريع والقضاء في المواضيع العائدة للمواطن اللبناني على صعيد أحواله الشخصية.

أجازت المادة 14 من القرار المذكور إنشاء طائفة القانون العادي Communaute de droit commun بحيث ينتمي إليها اللبنانيون الراغبون وغير المنتمين للطوائف المعترف بها قانونًا.

برأيي أنه يلزم لقيام طائفة القانون العادي مراسيم تنظيمية تصدر عن مجلس الوزراء طالما أن أية مادة من مواد القرار L. R 60 لم تعدل. وبذلك تكون طائفة القانون العادي موجودة قانونًا لكن المطلوب تنظيمها لجهة آلية الانتساب إليها وقانون الأحوال الشخصية الذي يرعى علاقات أفرادها الأمر الذي لم يتم حتى تاريخه.

بدأت تجليات الاعتراف بطائفة القانون العادي في بداية الستينيات من القرن الماضي من خلال دعاوى شطب ذكر الطائفة والمذهب من قيود الأحوال الشخصية وقضى قرار صادر عن المحكمة الاستئنافية في بيروت برئاسة القاضي المرحوم يوسف جبران الرئيس الأول لمحكمة التمييز فيما بعد بشطب ذكر المذهب في قيود الأحوال الشخصية بناء لدعوى تقدم بها المحامي المرحوم سامي الشقيفي.

اعترفت المادة 25 من القرار L. R 60 بالزواج المدني المنعقد خارج لبنان إذا احتفل به وفقًا للأصول المتبعة في البلد الذي يجري فيه العقد. ويبدو أن المفوض De Martel راعى خصوصية الطوائف الدينية في لبنان وسوريا ولم يقر في إمكانية عقد زواج مدني في لبنان.

اعترضت الطوائف الإسلامية على بعض أحكام القرار L. R 60 وسارت التظاهرات في بيروت ودمشق نظمها رجال الدين. نتيجة الضغوط المتزايدة أصدر دو مارتيل القرار L. R 53 سنة 1939 استثنى بموجبه الطوائف الإسلامية من الخضوع لأحكام القرار L. R 60 وهكذا يكون اللبنانيون المنتمون إلى الطوائف الإسلامية الكريمة ممنوعون شرعًا من عقد زواج مدني خارج الأراضي اللبنانية وقد جاءت المادة 799 من قانون أصول المحاكمات المدنية النافذ ابتداء من سنة 1983 تؤكد على أن أحكام الشريعة الإسلامية تطبق على الزيجات المدنية التي يعقدها المسلمون في الخارج:

المادة 79: تختص المحاكم اللبنانية المدنية بالنظر في المنازعات الناشئة عن عقد الزواج الذي تم في بلد أجنبي بين لبنانيين أو بين لبناني وأجنبي بالشكل المدني المقرر في قانون ذلك البلد. وتراعي أحكام القوانين المتعلقة باختصاص المحاكم الشرعية والدرزية إذا كان كلا الزوجين من الطوائف المحمدية وأحدهما على الأقل لبنانيًا“.

شارك:

اصدارات متعلقة

عيد الأم ما بين الاحتفاء بقيمة الأمومة و ترسيخ الدور النمطي للنساء
خدمات الصحة الجنسية فيما بعد سن الإنجاب ضرورة لتمكين النساء
ختان الإناث في مصر... جريمة تعذيب ضد الإنسانية
حقوق النساء من اجل العدالة والتنمية
الإيدز خطر صامت يهدد حياة النساء في ظل جائحة كورونا
إشكاليات التقاضى فى جريمة التحرش الجنسي
أسئلة وأجوبة بشأن الوقاية من كوفيد 19 ومكافحتها للعاملين /ات في مجال الرعاية الصحية
الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان