توثيق تجارب رائدات الأعمال
اعداد بواسطة:
تصميم الغلاف:
التقديم:
إشراف:
تنسيق:
تصدير
توثيق سير النساء في المرأة والذاكرة
يشكل توثيق سير رائدات الأعمال في مصر إضافة جديدة ومهمة لعمل مؤسسة المرأة والذاكرة في توثيق تجارب النساء في مصر وتسليط الضوء على مساهماتهن في شتى مجالات العمل وذلك في سبيل المساهمة في بناء مجتمع تسوده قيم المساواة والعدل.
وقد تكونت “المرأة والذاكرة” عام 1995، من مجموعة من الباحثات الناشطات المهمومات بتغيير الصور النمطية للنساء في الثقافة السائدة،والتصدي لكل أشكال التمييز الذي يمارس ضدهن نتيجة بعض الأفكار الثقافية السائدة التي تقف حائلاً أمام تحسين أوضاع النساء وحصولهن على حقوقهن. لذا، فمن أهداف المرأة والذاكرة إنتاج معرفة ثقافية بديلة عن النساء العربيات، وإتاحتها كمادة يمكن توظيفها في زيادة الوعي ودعم النساء. وقامت مؤسسة المرأة والذاكرة بيناء أرشيف تاریخ شفوي لأصوات النساء المصريات بهدف توثيق ذاكرة النساء والحفاظ على تجاربهن في المجالين العام والخاص. بدأ العمل في الأرشيف في آواخر التسعينات من القرن العشرين، حيث تم توثيق سير نساء مصريات رائدات كان لهن باع في المجال العام. كما أنشأت المرأة والذاكرة قاعدة بيانات “من هي في مصر” بهدف التعريف بالخبيرات المصريات المتميزات في مجالاتهن.
التاريخ الشفوي النسوي كان وما زال من دعائم الحركة النسوية في سعيها الى إنتاج معرفة نسوية داعمة لقضايا النساء ومقاومة للسرديات الاقصائية عن النساء وأدوارهن في التاريخ الرسمي. فمنذ أن بدأ الاهتمام بالتاريخ الشفوي في الخمسينات والستينات من القرن العشرين من قبل المؤرخين الاشتراكيين حيث تركز اهتمامهم على تدوين حيوات الناس من الطبقات العاملة، ثم منذ السبعينات من القرن العشرين التي شهدت نشاطًا ملحوظًا في مجال التاريخ الشفوي مع اتجاهات بحثية رأت قصورًا في التاريخ الرسمي الذى يؤرخ لسير وحياة المشهورين والأغنياء ويغفل حياة الناس العادية بسبب اعتماده شبه الكلي على الوثائق والأوراق الرسمية، برزت أهمية التاريخ الشفوي كوسيلة فعالة في تصحيح المعرفة التاريخية عن الفئات المهمشة إما بسبب الطبقة الاجتماعية أو العرق أو الجندر، وأصبح منهجًا أساسيًا وفعالاً في تسليط الضوء على من لا صوت لهم، ودعم حركات التحرر والحركات الاجتماعية الساعية الى إحداث تغيير في علاقات القوة غير المتوازنة والسياسات السلطوية.
أهم المجموعات التي وظفت التاريخ الشفوي في خدمة أهدافها السياسية والاجتماعية هي مجموعات تحرير المرأة. أجابت المؤرخات النسويات على السؤال الذي طرحته حركات تحرير المرأة وهو: أين النساء في التاريخ؟ ولماذا يتم استبعاد النساء من الرواية التاريخية؟ جاءت الإجابة في شكل مشروعات بحثية تنقب عن النساء في الأرشيف التاريخي وتبحث عن إشارات ووثائق أهملها التاريخ الرسمي والمؤرخون حين اعتبروا أن أعمال النساء ومساهماتهن لا ترقى بالضرورة الى مصاف المعرفة التاريخية الجديرة بالتدوين والحفظ. دأبت المؤرخات النسويات على مدار العقود الأخيرة من القرن العشرين على استعادة الأصوات المنسية للنساء، وعلى تحدي السرديات السائدة التي استبعدت النساء، وعلى إدماج الجندر كفئة تحليلية في قراءة وكتابة التاريخ. كان من أنجع الأساليب المستخدمة في كتابة تاريخ النساء جمع وتوثيق روايات شفوية عن تجارب النساء ومن ثم نجحت النسويات في إحداث حركة بحثية داعمة لحركات تحرر النساء في العالم.
وفي هذا الإطار، وبالإضافة إلى استكمال العمل على أرشيف التاريخ الشفوي لأصوات النساء في المرأة والذاكرة، عملت مؤسسة المرأة والذاكرة على مدار عقدين على عقد ورش عمل تعليمية لتدريب الباحثات / ين على المنهجيات النسوية في التاريخ الشفوي، وذلك بهدف دعم وتشجيع بناء أرشيفات للتاريخ الشفوي النسوي في العالم العربي. وفي ذات الوقت تم إنشاء قاعدة بيانات “من هي في مصر” تحمل استمارات تعريفية بالنساء المصريات البارزات في المجال العام بشكل عام،واللاتي يضمهن الأرشيف بشكل خاص.
وختامًا، فإن إنشاء أرشيفات التاريخ الشفوي النسوي التي توثق حيوات النساء وتسلط الضوء على تجاربهن ومساهماتهن يظل من أهم السبل للتصدي للأفكار والممارسات التمييزية التي تعرقل قدرات نصف المجتمع كما أنه يساهم في ترسيخ أسس مجتمع عادل للجميع.
التاريخ الشفوي النسوي في زمن الكورونا
إن بدايات مشروع التاريخ الشفوي النسوي تنتج تحديات خاصة ومزايا متنوعة،ويختلف كل مشروع تاريخ شفوي نسوي عن الآخر في مؤسسة المرأة والذاكرة ويأتي بتجارب ومتطلبات جديدة حول كيفية صياغة أسئلة التاريخ الشفاهي واختيار الراويات ورسم خريطة المشروعات، وقد تفرد مشروع رائدات الأعمال عن غيره من المشاريع بأنه أتى في فترة زمنية خاصة شهدت جائحة عالمية فرضت علينا التحري عن سبل أخرى للقيام بمشروع تاريخ شفوي نسوي تخلله المخاوف والمجهول.
وقد تمحور مشروع رائدات الأعمال حول حياة هؤلاء الرائدات وما يعنيه كونهن رائدات أعمال في مصر، وأيضًا تقاطعية الخاص مع العام بالنسبة إلى هؤلاء النساء، وقد تحدثت الراويات عن تجاربهن مع التمييز على أساس النوع في مكان العمل وحياتهن الشخصية كما تحدثن عن إنجازاتهن الشخصية وريادتهن في مجالات عملهن، وعلى فترة امتدت لعشرة أشهر (في الفترة يناير – أكتوبر ٢٠٢٢) قمت بعمل عشرين مقابلة في مختلف الأماكن وبالاعتماد على وسائل تكنولوجية متعددة وفي ظل انتشار وباء الكورونا، أعرب الكثير من رائدات الأعمال (راويات المشروع) عن الرغبة في عمل المقابلة أونلاين لا وجهًا لوجه لتجنب عدوى محتملة، كما أتاحت لي التكنولوجيا أن أقوم بعمل مقابلة مشتركة مع ثلاث شقيقات رائدات أعمال اللاتي كن خارج القاهرة في وقت المقابلة، وقد أثرت المقابلة الجماعية المشروع وأضافت بعدًا جديدًا لسير المقابلات التي عادة تضم مقابلات فردية، وقد كشفت المقابلة عن كيف أثر ترابطهن الأسري على عملهن ومكنهن من النجاح سويًا كرائدات أعمال.
ورغم سهولة الحصول على المواعيد الافتراضية للمقابلات. إلا إنني شعرت بالقلق حول بعض النقاط مثل فقدان التواصل الشخصي بين الباحثة والراوية الذي يعد ركيزة أساسية في منهجية التاريخ الشفوي النسوي بالإضافة إلى مراقبة وتحليل لغة الجسد وبينما وجدت سهولة في تحديد المواعيد الافتراضية إلا إنني في الوقت نفسه افتقدت التواصل الشخصي مع الراويات إلى حد كبير حيث أنه يؤسس للثقة بيني وبين الراويات، وقد تميزت المقابلات الشخصية أيضًا بإتاحة الفرصة لي للتواجد في أماكن عملهن حيث إن قيامي بعمل المقابلات في أماكن عملهن قد أضافت أبعاداً جديدة إلى سير المقابلات إذ رأيت بصفة خاصة وقريبة كيفية قيامهن بإدارة أعمالهن، وتفاعلهن مع محيط العمل والموظفات والموظفين، كما عبر كل مكان عمل عن الشخصية الخاصة لكل راوية ومساهمتها الفريدة لقطاع الأعمال الخاصة في مصر، وقد تضمنت مجالات الأعمال قطاعات متنوعة مثل العلاقات العامة والدعاية والإعلان وقطاع الأغذية وقطاع الفنون ضمن قطاعات أخری وبصورة عامة، تهدف مشروعات التاريخ الشفوي النسوي إلى إلقاء الضوء على الحيوات الخاصة والعامة للنساء وهذا المشروع تحديدًا يظهر براعة وإبداع النساء المصريات في كافة المجالات، وقد تحدثت راويات المشروع عن تفاصيل قطاع الأعمال الخاصة في مصر ومواقف القوة والضعف في حياتهن العملية والعائلية، وقد أفصحن أيضًا عن صعوبات وتحديات كونهن نساء في مناصب عالية والتوقعات المنتظرة من النساء للتوفيق بين عدة أدوار وهي صاحبة عمل وزوجة وأم وابنة وحتى أدوار الرعاية وهكذا يسلط التاريخ الشفوي النسوي الضوء على حكايات النساء كما يروينها بما يتيح لنا أن ندرس منهجيات الحكي لدى النساء ومحاولات تحديد موقعهن في العالم.
أماني عرفة
أماني نبيل عرفة مهندسة ورائدة أعمال مصرية اقتحمت مجال هندسة الطاقة لتكون أول امرأة تعمل كمقاولة في أعمال توريد وتركيب محطات الطاقة، وأول امرأة صاحبة عمل خاص في توريدات الطاقة في جمهورية مصر العربية. في هذه المقابلة، تتحدث أماني عن مسيرة أكثر من عشرين عاما من التميز في مجال العمل العام، بداية من نجاحها في ساحة عمل يسودها الرحال،ومجهودها في العمل الإرشادي لرائدات ورواد الأعمال من الشباب.
استهلت أماني المقابلة بالحديث عن دخولها مجال هندسة الطاقة. حصلت أماني على شهادتها الجامعية من قسم الإنشاءات بكلية الهندسة جامعة عين شمس، وعملت بمجال الهندسة الإنشائية لمدة عامين، ثم تلقت أول عرض عمل من إحدى شركات الغاز طبيعي عام ٢٠٠٠. ومنذ ذلك الوقت،تعمل أماني في هندسة الطاقة والغاز الطبيعي، وتقدم حلول فنية وتنفيذية لمشاريع داخل وخارج مصر. كما حصلت أماني على ماجستير في إدارة الأعمال، وعدد من المؤهلات منهم دبلومة في إدارة المشروعات وشهادة اعتماد تنظيم المؤسسات وإدارة الشركات.
وعن تجربتها كامرأة عاملة في هندسة الطاقة، أكدت أماني أن البداية كانت صعبة، وتحديًا كبيرًا بلا شك. فعدد المهندسات في قطاع الطاقة محدود للغاية بسبب ظروف العمل الشاقة من ناحية، وبسبب الإقصاء المتعمد للنساء من ناحية أخرى. سردت أماني تجربتها مع الرفض والإقصاء الممارس ضدها في بيئة العمل حصريًا لكونها امرأة وليس لأي سبب آخر. في بداية مسيرتها المهنية، شغلت وظيفة مهندسة في شركة كبرى في مجال الغاز الطبيعي، وأثبتت من الكفاءة والأهلية ما جعلها محل ثقة القيادة التنفيذية للشركة. لكن كان لبعض زملائها والمديرين رأي آخر هناك دائمًا رجل يستطيع حل محلها مهما كانت مهاراتها، ولا يوجد ضرورة فعلية لوجود امرأة في هذا العمل، فاستبدالها يتيح للمهندس الرجل فرصة عمل، وهو “أولى” بالمرتب المجزي عنها كامرأة تعيش في ذلك الوقت في كنف والدها الثري.
تصاعد الرفض إلى “تطفيش” ومحاولات إقصاء عند ترقية أماني لتتقلد منصب قيادي في الشركة كمديرة عام لإدارة المهمات. جاء رد الفعل في صورة عنف مالي متمثلاً في حرمانها من الأجر لفترة مؤقتة. وصفت أماني مثابرتها وإصرارها على الاستمرار تحت هذه الظروف كمثابة إعلان للجميع أن لها “اليد العليا” في تحديد مصيرها الوظيفي، والدفاع عن حقها في العمل القيادي. مقاومتها لم تضمن لها فقط الحفاظ على منصبها الجديد، بل حض القيادة التنفيذية على تعويضها ماديًا عما تعرضت له من ظلم واضطهاد.
أوضحت أماني في المقابلة أن هيمنة الرجال على قطاعات الطاقة ظاهرة عالمية، تتجلى في سيادة الرجال وحدهم على المناصب القيادية. أضافت أماني أن تجربتها مع الرفض في مقر عملها في مصر كانت أقل وطأة مما تعرضت له خارج مصر من ممارسات اقصائية، كرد فعل مباشر على وجودها كامرأة شابة في منصب قيادي. حتى المجتمعات ذات الكيانات الاقتصادية القوية والصناعات المتطورة تعاني من غياب النساء عن أعمال الطاقة.
تحدثت أماني عن زيارتها لإتمام صفقة مع أحد المصانع العالمية في كوريا الجنوبية عام ٢٠٠٢،عندما رفض جميع العمال العمل تحت إدارة وإشراف امرأة،وهددوا بالتوقف الكامل عن العمل لاستحالة قبولهم “واحدة ست تتفرج عليهم” وتقيم جودة عملهم. لم يقدم القائمون على إدارة المصنع أي حل سوى اقتراح استبعاد أماني المديرة الموكلة بفحص شروط التعاقد،من حرم المصنع. فبالنسبة لهم النساء يعملن في القطاعات الخدمية فقط، لكن لا يعملن في مجال الهندسة، وقطعًا لا يشغلن مناصب قيادية تسمح لهن بالإشراف على عمل الرجال. فما كان من أماني سوى مقاومة محولات اقصائها، وهددت بإلغاء الصفقة مع المصنع فورًا. واستكمل عمال المصنع العمل المطلوب تحت إشراف المديرة أماني عرفة.
تحدثت أماني أيضًا عن سفرها للتعاقد مع شركة في ألمانيا، واستغرابها تجاه ذهول الجميع من منصبها الإداري وحجم المسؤوليات المسندة إليها كامرأة، وخصوصًا تساؤلهم عن راتب الرجل في المنصب ذاته، واقتناعهم أن جنس الموظف هو معيار يتم تحديد الأجر على أساسه: فالمرأة إذا شغلت منصبًا مثل هذا ليس من الممكن لها أن تحصل على نفس الأجر الذي يتقاضاه نظيرها الرجل ممن له نفس الخبرات والمؤهلات.
أشارت أماني أنه حتى في أوائل الألفية كان ما زال استبعاد النساء وتطبيع السقف الزجاجي وعدم المساواة في الأجر بينهن وبين نظرائهن من الرجال، والتمييز الرأسي ضدهن في فرص الترقي والقيادة، ممارسات مشتركة وموحدة ضمنيًا في قطاع الطاقة العالمي. أضافت أماني أن وصولها كامرأة للمناصب القيادية تطلب منها أضعاف الجهد والخبرات والمؤهلات مقارنة بالرجال الذين حصلوا على فرص القيادة والإدارة كخطوة طبيعية في مسيرتهم المهنية،بدون تشكيك في قدراتهم القيادية أو مطالبتهم بإثبات الجدارة. لكن كان يجب عليها دائمًا إثبات أحقيتها في القيادة وفي المنصب الإداري.
كانت تلك أحد أهم الأسباب التي دفعت أماني إلى إنشاء عملها الخاص، وأطلقت شركة المقاولات وتوريدات الطاقة عام ٢٠٠٥ كرائدة أعمال شابة عمرها ۳۱ عامًا. رغم الدعم القوي من أفراد أسرتها لعملها وتعليمها، كان قرارها مصدر “رعب” لهم تخوف والدها نبع من سيطرة الرجال على المجال مما يعني استبعادها كامرأة من التحالفات والشراكات التجارية. أما تخوف الأم فتبع من ضغوط ورواسب مجتمعية عن تبعات استقلال المرأة وتمسكها بالمساواة مع الرجل في المجال العام، فإبنتها الآنسة تجازف بنجاحها في وظيفة مستقرة ومجزية ماديًا لتبدأ عملاً خاصًا يتطلب مناطحة الرجال ومنافستهم بندية رأسًا برأس، وبالتالي إنهاء كل فرصها للزواج، أشارت أماني أن الضغط المجتمعي عليها كرائدة أعمال كان مصدره ثلاثة دوافع،الأول صغر سنها على حجم المنافسة في السوق التجاري وضخامة تمويل مشاريع الطاقة، والثاني اختيارها لساحة عمل لا يوجد سابقة لامرأة نجحت في اقتحامها، أما الدافع الثالث فاختيارها لعمل مستقل خاص بها لا يخضع لسلطة وإدارة أحد دونها.
تمكنت أماني على مدار السنين من إثبات نفسها في إدارة منظومة العمل بنفسها بجوانبه التقنية والإدارية واستطاعت توسيع نطاق مشروعاتها ليشمل محطات الغاز الطبيعي والطاقة الشمسية، حتى وصلت في عام ۲۰۱۷ إلى أن تكون صاحبة شركة خاصة لمقاولات وتوريدات الطاقة يمتد نشاطها إلى تنفيذ مشروعات في عدد من الدول العربية والأفريقية،مع تولي وكالة شركات أوروبية عالمية، والمنافسة في السوق التجاري والمناقصات الدولية. أماني هي المرأة الوحيدة التي اخترقت ساحة توريدات الطاقة، وكانت في بداية مسيرتها المهنية تشعر بالفخر لكونها الوحيدة من النساء التي نجحت في تحقيق هذا التفرد،لكن مع الوقت أصبحت تتساءل: لماذا لا تقبل النساء على هذا المجال؟ كانت أماني عازمة على إنشاء عملها الخاص لكسر السقف الزجاجي الذي يعوق النساء عن الدخول في مجالات الطاقة و“فتح الباب” أمام نساء أخريات. لكن في الواقع، وحتى يومنا هذا لا تزال أماني هي المرأة الوحيدة العاملة في مقاولات الطاقة. رغم ذلك، شددت أماني على أن تجربتها مع القطاع العالمي تؤكد أن وضع المرأة المصرية في مجال صناعات وأعمال الطاقة أفضل بكثير من نظيراتها في أفريقيا وأوروبا.
إن مشاركة أماني في العمل العام لم تتوقف عند الريادة في أعمال الطاقة، لكن تظهر أيضًا في تفانيها تجاه المسؤولية المجتمعية، عن طريق التزامها بتقديم الإرشاد التأهيلي والتدريبي لرواد ورائدات الأعمال من الشباب،ودعمها لممارسات ومؤسسات تمكين المرأة. تعاونت أماني مع جمعيات غير هادفة للربح في مجالات تمكين الشباب في كثير من الدول الأفريقية، بالإضافة إلى دورها في توفير فرص العمل والتدريب للشباب من ذوي الهمم في المصانع والشركات المختلفة، كعضوة في مجلس إدارة الجمعية المصرية الاتحادية للإعاقات الفكرية “رعاية“. تعاونت أماني مع منظمة اليونسكو لتقديم جلسات إرشادية لرائدات الأعمال في الكاميرون كما إنها أيضًا عضوة فعالة في عدد من الجمعيات والمنظمات النسائية مثل “بوردرووم أفريقا” وهي أكبر تحالف نسائي أفريقيا، ويضم النساء في مجالس الإدارات وفي المناصب الإدارية والتنفيذية. وتشارك أماني في فعاليات هذا التحالف ضمن النساء الأكثر نفوذًا في المنطقة لتبادل الخبرات وتحليل التحديات التي تواجه النساء في رحلتهن نحو قيادة الشركات.
وهكذا حملت تجارب أماني جوانب تمس الجهد المضاعف الذي تواجهه المرأة حين تقتحم مجالاً يكاد يكون تقليديًا حكرًا على الرجال، كما ألقت إضاءات على ما تواجهه النساء من إقصاء مما دفعها إلى السعي لتأسيس مشروعها المستقل. وقد أبرزت الرواية إحساسها بمسؤوليتها المجتمعية ودعمها للشباب والنساء تحديدًا.
أميمة أبو دومة
في هذه المقابلة تناقش أميمة أبو دومة تجاربها المتنوعة كموظفة ثم كرائدة عمل لمشروعين مختلفين وقد كانت مقابلة أميمة جزءً من مقابلة جماعية مع أختيها وشريكتيها في العمل لبنى ورباب. وقد شملت تجربة أميمة البالغة ستة وثلاثين عاماً بيئات وخبرات عمل متنوعة حيث عملت في مجالات إدارية في شركات بترول كما عملت أيضًا في مجال التسويق ثم اختارت أن تمكث في منزلها مع أطفالها لفترة،وذكرت أنها احتاجت فيما بعد نوعية عمل فيها مرونة أكثر. وقد ركزت على رغبتها في العمل مع أختيها وعلى سعادتها الكبيرة في العمل مع أسرتها حيث كان هذا الاختيار الأفضل بالنسبة لها عن العمل كموظفة تقليدية تصعد السلم الوظيفي في أية مؤسسة أو شركة،وكل أخت منهن كان لديها عناصر قوة في العمل الحر مما جعلهن يعملن معاً بصورة جيدة.
وبما أن أميمة وشقيقتاها لبني ورباب كان لديهن موهبة وخبرة في مجال الفن فقد قررن فتح مدرسة فنية لتعليم الأطفال وأسميتها “متعة الفن” (Art Fun) وكانت هذه المدرسة هي أول مشروع عملي لهن معاً والذي أطلقته منذ تسعة عشر عامًا. وقد كان ثلاثتهن رائدات في هذا المجال حيث أن مدرستهن قد قدمت مدخلاً تعليميًا منظمًا ومبتكرًا للفنون التشكيلية والفنون الجميلة بصفة عامة، وقد كان مشروعاً ناجحاً للغاية حيث كان الآباء والأطفال يسعون إليهن وإلى المدرسة، ونظرًا إلى نجاح المدرسة فقد حاول فنان تشكيلي مشهور أن يستولى على المدرسة بحيث يجعلهن في النهاية يعملن تحت إشرافه، ولكنهن رفضن تسليم مشروعهن الشخصي لأي شخص أو العمل لدى أحد وكانت العقبة الأساسية التي واجهتهن هي أن العمل في المدرسة كان مستهلکًا لوقتهن بشده بحيث لم يترك لهن وقتًا كافيًا لقضائه مع أسرهن. وقد استمرت هذه المدرسة لمدة سبع سنوات إلى أن قررن إغلاقها والبحث عن فرص أخرى.
وقد بدأت أميمة حياتها العملية في مجال الشركات كإدارية في قسم البترول بشركة إتش سي إتش سيلاي (HCH Supply). ثم تركتها والتحقت بشركة روسل حيث عملت أيضًا في الشئون الإدارية،ثم أتتها الفرصة للعمل في قسم التسويق حيث أحبت العمل في هذا المجال لأن العمل فيه كان خلاقاً، فقد كانت مسئولة عن تصميم ونشر مواد الدعاية بالشركة، وقد كان العمل الخلاق دائمًا ما يجذب أميمة ويتيح لها فرصة عرض مواهبها الفنية، وقد تحدثت عن تجاربها المبدئية في العمل بصورة إيجابية. وعندما سئلت عمّا إذا كانت قد واجهت تمييزًا على أساس الجندر في عملها أجابت بأنها لم تجابه بهذه المشكلة اطلاقاً حيث إن الشركات التي عملت بها كان تطبق سياسات تضمن بأن يعامل كل الموظفين بمساواة تامة بصرف النظر عن الجندر.
وعلى صعيد العلاقات الجندرية في مكان العمل، فقد أجمعت أميمة ولبني ورباب أن العمل في مدرستهن كان أساساً مع السيدات، ولذلك لم يواجهن أية مشاكل لكونهن سيدات صاحبات العمل ورئيسات. وفي مشروعهن “امسكوا الخشب” كان تعاملون المبدئي مع الرجال يتم مع الموردين والنجارين. وقد أوضحت أميمة أن الموردين والنجارين كانوا دائمًا ما يفترضون أنه بما أن مالكات المشروع من سيدات فلن يكون لديهن خبرة في المشغولات الخشبية ولن يستطعن التمييز بين الدرجات القوية والضعيفة من الخشب. وقد قالت اختها لبني أنهن قد استغرقهن وقت طويل لمواجهة هذه المشكلة ولتوضيح مطالبهن والمواصفات التي يردنها وقد أكدت أميمة أنهن ما زلن يواجهن هذه المشكلة ولكن بمرور الوقت واكتساب المزيد من الخبرة فقد تعلمن التعامل معها بصورة أفضل.
وفي ورشة العمل الخاصة بمشروع “امسكو الخشب” فإن العاملين بها من الإناث فقط، لكنهن أكدن أن ذلك لم يحدث عمداً، فقد قمن بالاستعانة بطالبات في إجازة الصيف من كلية الفنون الجميلة لمساعدتهن في الورشة، وعندما توسع المشروع تم تعيينهن عاملات مستديمات. وقد أكدت أميمة علي إدارتهن للعمل كمشروع عائلي أكثر منه شركة كبرى، ولذلك فإن الفتيات العاملات معهن كنّ يشعرن بولاء شديد للمكان، كما أن أميمة أيضًا أضافت أنهن كن حريصات للغاية على معاملة الجميع باحترام وعلى إعطائهن قدراً من المرونة عند مواجهتهن لأية ظروف صعبة. وفي رأي لبني ورباب فإن النساء أكثر التزامًا في العمل من الرجال وذلك إلى أن تتم خطبتهن ثم يتزوجن،بينما اختلفت أميمة معهن حيث إن عملها في شركات متعددة الجنسية لم يترك مجالاً لأي موظف إلا أن يكون كامل الالتزام بالعمل واللجوء إلى العمل الإضافي أيضًا عند الحاجة. وأميمة نفسها طلب منها العمل لساعات إضافية وهي متزوجة وأم لأطفال، أي لم يكن هناك حسبان للظروف الخاصة أو الأدوار التقليدية التي تقوم بها النساء في الأسرة والأعمال المنزلية.
وعند السؤال الخاص بالمشاريع وبكونهن رائدات في مجال الفنون والحرفيات فقد ترددت أميمة قليلاً حيث إنها في البداية لم تكن تعتبر نفسها وأختيها سيدات أعمال أو رائدات في مجالهن، ومع ذلك فقد تراجعت عن ذلك وشرحت كيف أن مشروع “امسكوا الخشب” يعتبر متفرداً حيث إن كل قطعة مصممة ومرسومة باليد،بينما مشاريع الإكسسوارات المنزلية الفنية الأخرى لا تتبع منهجيتهن، لذلك فإن كلا من مشروعي “متعة الفن” ثم “امسكوا الخشب” هما من المشروعات البارزة والمتميزة التي أدخلت مجالات جديدة وغير مطروحة من قبل في السوق، وكذلك أضافت أميمة ولبني ورباب أنه قد أنشئ الكثير من المدارس ومشاريع الخشب المماثلة لمشاريعهن الأصلية، حيث إن عملهن قد ألهم الآخرين باتباع خطاهن والتوسع في هذه الأسواق. وعند سؤالهن عما إذا كانت أسواق الفن أو فنون الخشب تجذب الرجال أم النساء أكثر أجابت أميمة بأنها تجذب الرجال والنساء بنفس الدرجة.
وذكرت أميمة أن آليات قطاع العمل في “امسكوا الخشب” هي لبني ورباب ونفسها، وهن فنانات في تخصصات مختلفة. حيث تتولى لبنى الموارد البشرية والشئون المالية، بينما تهتم رباب بالطلبيات، وهن الثلاثة يتولين التوزيع عبر قطاعات مختلفة في القاهرة. واتخاذ القرار يكون جماعيًا حيث أكدن مدى حبهن للعمل معاً. وأكدت أميمة أن العمل مع أختيها في هذين المجالين كان قراراً عظيماً وأنهن جميعا سعيدات به.
رباب أبو دومة
شكلت مقابلة رباب جزءًا من مقابلة جماعية مع أختيها وشريكتيها في العمل لبنى وأميمة، وقد تحدثت رباب عن أسرتها ومسارها المهني وقرارها ببدء مشروعها الخاص مع أختيها.
بدأت رباب المقابلة بأن ذكرت أنها تخرجت في كلية الألسن،ولكنها لم تعمل في مجال اللغات والترجمة، بل اختارت أن تعمل مصممة جرافيك لدى شركة كبري وبعدها اختارت أن تترك العمل لكي ترعى أسرتها. وقد أسست رباب مشروعين مع أختيها لبنى وأميمة: “متعة الفن” (Art Fun) وهي مدرسة تعليم الرسم للأطفال وامسكوا الخشب (Touch Wood) وهو مشروع إكسسوارات خشبية منزلية، وقد قررت الأخوات الثلاثة أن يتركن القطاع الخاص الذي استمر عملهن فيه سنوات عدة وسعين إلى أن يملكن ويرأسن مشروعهن الخاص. وقد روت رباب عن الضغوط والمعايير العالية في قطاع الشركات،وأن الحصول على توازن بين العمل والحياة الخاصة مثل لها تحدياً كبيراً. وقد منحهن مشروعهن الخاص المرونة والقدرة على تحديد مواعيد عملهن، وكان من الهام لرباب أن تحقق هذا التوازن في حياتها وأن تكون سعيدة بعملها. إن إدارة “متعة الفن” وهو أول مشاريعهن سابقًا، ثم إدارة “امسكوا الخشب” حاليًا سمح لها أن تحقق ما تهواه وتحبه وأن تعمل مع أختيها مما يحقق لها السعادة. وقد عبرت لبنى عن صعوبة التخلي عن مزايا قطاع الشركات والاستقرار المصاحب له وأن هذا لم يكن قرارًا يسيرًا،ولكنهن سعيدات بقرارهن، وقد أوضحت الثلاثة، لبنى وأميمة ورباب، أن أسرهن كانت داعمة لهن ولم يعترض أحد عندما عبرن عن رغبتهن في إنشاء عملهن الخاص.
ذكرت رباب أنه عند الانتقال إلى بدء مدرسة الفن لم يواجهن صعوبات لكونهن نساء بينما وقعت الصعوبات في الجوانب اللوجستية ( التنفيذية) مثل الحصول على التصاريح وما شابهها مما اعتبرته رباب تحديًا. ففي مدرسة “متعة الفن ” كن يتعاملن أساساً مع السيدات، مثل أمهات الطلاب ولم يكن هناك مجال كبير للتعامل مع الرجال عند العمل في المدرسة، وقد حكت الأخوات الثلاثة عن واقعة حدثت نظرًا لنجاح المدرسة، فقد حاول فنان تشكيلي مشهور أن يستولي على المدرسة ويجعلهم يعملن تحت إشرافه، ولكنهن رفضن تسليم مشروعهن الشخصي لأي حد أو العمل لدى أحد. وحكت الثلاثة عن شعورهن ببعض التمييز على أساس النوع عند تأسيسهن المشروع “امسكوا الخشب” حيث بدأن في التعامل مع الرجال من الموردين والنجارين الذين كانوا يقللون من شأنهن ويظنون أنهن غير متمكنات في هذا المجال. كما ذكرت أختها لبنى أنهن كن مترددات في البداية ثم تعلمن أن يكن أكثر ثقة وحزماً في تحديد الطلبات والمواصفات التي يردنها. كما أنه بمرور الوقت نمت خيرتهن في مجال الخشب واكتسبن فهمًا أكبر فيما هو مطلوب أو غير مطلوب من أنواع الخشب.
وعندما سئلت رباب إذا كانت في خبرتها ببعض المجالات الوظيفية الأخرى لاحظت وجود تمييز جندري، قالت إنها لم تتعرض لذلك، فعندما عملت في مجالي الدعاية والإعلان كان عدد البنات والأولاد متساوياً ولم تشعر إطلاقاً أنه يتم توجيه الفتيات إلى نوع معين من العمل المختلف عن زملائهن الرجال، وفي الشركة التي عملت بها كانت هناك اختلافات جندرية تسمح للفتيات بمغادرة العمل في الوقت المخصص لهن بينما كان الأولاد من الممكن أن يتوقعوا الاستمرار في العمل حتى منتصف الليل، وبما أن ورشة عمل “امسكوا الخشب” تعين فتيات وسيدات دون تعمد لذلك، فقد أكدت رباب على أنهن يشعرن بصورة طبيعية بالراحة أكثر في العمل مع الفتيات والسيدات،وعندما تغادر إحداهن العمل فإنهن يطلبن منها ترشيح فتاة أخرى تحل محلها، وأضافت رباب أن أفضل عاملة لديهن في الورشة هي فتاة عزباء (غير متزوجة)، وقد أكدت أميمة ولبني ورباب أن الفتيات يظللن ملتزمات للغاية حتى يصبحن مخطوبات ويتزوجن، حيث تبدأ حياتهن الخاصة في التأثير على آدائهن الوظيفي.
وأشارت رباب إلى أن عملهن ذو طبيعة متفردة وأن شركة “امسكوا الخشب” قد خاطبت منافذ متخصصة في السوق، كما أضافت أنه بعد النجاح الذي حققته “امسكوا الخشب” ظهر الكثير من التقليد والمقلدين لهن، حيث صار مشروعهن مصدر إلهام للآخرين للدخول في مجال الأعمال الخشبية وبدء أعمالهم في هذا المجال. وهي تؤمن أنها هي وأختيها رائدات حقيقيات في هذا القطاع من السوق، كما أعلنت أختها لبنى بفخر أنهن صاحبات أول شركة تقوم بالرسم والتلوين يدوياً على كل منتجاتهن، حيث لم تقم بذلك أية شركة قبلهن.
وبالنسبة لتقسيم المهام الوظيفية، فإن أميمة ولبنى ورباب يقمن بتقسيم مسئوليات العمل عليهن بما يتناسب مع قدراتهن،فكلهن فنانات يستخدمن تقنيات وأنماطًا مختلفة، فتقوم لبنى بتولي شئون الموارد البشرية والشئون المالية بينما تتولى رباب الشئون التنظيمية وشئون الطلبيات المقدمة للشركة، كما أن ثلاثتهن يقمن بالاهتمام بتوزيع المنتجات عبر المناطق المختلفة بالقاهرة. وقد توسعت “امسكوا الخشب” ووصلت إلى عملاء في بلاد مختلفة أصبحت تشتري منتجاتهن، مثل السعودية وألمانيا والبحرين والكويت وبلاد أخرى. أما من حيث تأثير وباء الكوفيد ۱۹ فأشارت رباب أن المبيعات كانت قد انخفضت بصورة عنيفة، وتوقفت هي وأختيها عن تلقي أية رواتب في تلك الفترة لتأمين دفع رواتب العاملات في الورشة ودفع مستحقات النجارين، وقد تحسن الموقف لكن تأثيرات الوباء ما زالت تلحق بعملهن.
لبنى أبو دومة
شكلت مقابلة لبنى جزءًا من مقابلة جماعية مع أختيها وشريكتيها في العمل رباب وأميمة، وقد تحدثت لبنى عن مسارها المهني والشئون العائلية وقرارها ببدء مشروعين مع أختيها. وقد بدأت لبنى المقابلة بذكر أنها تخرجت في كلية الألسن من قسم اللغة الفرنسية وأنها مثل أختيها أميمة ورباب قد عملت في عدة شركات محلية وشركات متعددة الجنسية إلى أن قررت أن تسعى وراء ريادة الأعمال وافتتاح مشروعين مع أختيها، وأكدت على فخرها بنجاح شركة “امسكوا الخشب” وهي شركة إكسسوارات خشبية منزلية، وأكدت فخرها بأن مصنوعاتهن 100% صناعة مصرية. وبفضل جهودهن قد اشتهر اسم “امسكوا الخشب” وأصبح له تواجد ملحوظ في الأسواق.
وفيما يتعلق بقرار ترك قطاع الشركات الخاصة وإنشاء مشروع خاص بهن، فقد أوضحت لبنى أن قطاع الشركات يمنح الاستقرار والتأكد من ثبات الدخل الشهري، وبالمقارنة فريادة الأعمال محفوفة بالمخاطر مع عدم استقرار السوق والتقلبات الموسمية في هوامش الربح،وبالرغم من ذلك فتتفق لبنى مع أميمة ورباب أن زيادة الأعمال تخلق مساحة من المرونة والفرص لتحديد ساعات العمل مما لا يتوفر مع ضغوط ومتطلبات قطاع الشركات.
وقد ألمحت لبنى إلى بعض المخاوف الأولية عندما قررن ترك مزايا الوظائف التقليدية في القطاع الخاص والبدء في مشروعهن الخاص، ولكنهن إتخذن القرار بمساندة عائلاتهن، وقد أشارت لبني أن السائد في مصر هو البحث عن وظيفة ثابتة بعد التخرج والاكتفاء بهذا، ولكن الفن كان يمثل حبها الأول إذ وجدت نفسها تعمل في صناعة الحرف اليدوية بعد انتهاء ساعات عملها الرسمية، واهتمت بفنها رغم عملها في قطاع الشركات وقد روت لبنى عن أول مشروع لهن كأخوات وهو مدرسة تُسمى “متعة الفن” (Art Fun) حيث قمن بتعليم الأطفال ألواناً مختلفة من الفنون،وقد بدأن هذا المشروع منذ حوالي تسعة عشر عاماً، ولم تكن مواقع التواصل الاجتماعي قد أنشئت بعد ولذلك اعتمدن حينذاك على المنشورات مثل المجلات للترويج والإعلان عن مدرستهن. وقد استمر العمل في “متعة الفن” لمدة سبع سنوات وكان مشروعاً ناجحًا. ولكن العائق الرئيسي للمدرسة قد تمثل في الوقت الطويل الذي تتطلبه، إذ كانت المدرسة تقدم دروسًا في فترات صباحية ومسائية، وقد أحببن العمل، ولكنه أخذ الكثير من وقتهن بعيداً عن أسرهن، ولذا قررن إغلاق المدرسة.
وبعدها تحول مسار الحديث إلى تأسيس “امسكوا “الخشب” وأوجه التشابه والاختلاف بين “متعة الفن” و“امسكوا الخشب“، وقد أوضحت أنهم أثناء إدارة “متعة الفن” كان التعامل الأساسي مع النساء لا الرجال، بينما يتعاملن من خلال “امسكوا الخشب” مع موردين ونجارين بالإضافة إلى عاملات الورشة. وعندما سئلن عن تعاملهن كنساء رائدات أعمال مع رجال، ذكرت الثلاثة بعض التحديات والصعوبات في التعامل مع الرجال من ضمنها افتراض بعض الموردين والنجارين عدم إلمامهم بصناعة الخشب أو افتقارهن إلى أية معرفة أساسية بأنواع الخشب. وفي البداية شعرت لبنى ببعض التحرج من تعاملها مع رجال كبار في السن ومحاولة تقويمهم، ولكن مع مرور الوقت تفهمت أن علاقات العمل لابد أن تخلو من التحرج ولابد من حصولهن على خدمة مميزة مقابل ما يدفعونه. وقد تعلمن مع الوقت واكتساب الخبرة القدرة على تمييز الأنواع المميزة من الخشب وأن يطالبن بتحقيق مطالبهن ومواصفاتهن للمواد الخام المستخدمة في منتجاتهن. وعندما سئلن إذا كن قد تعمدن اختيار عاملات فقط لا عمالاً من الرجال في ورشتهن أوضحت الثلاثة أنه لم يكن قرارًا متعمدًا ففي بدايات المشروع جاءتهن طالبات من كلية الفنون الجميلة أثناء إجازتهن الصيفية للعمل في الورشة وعندما توسعت شركة “امسكوا الخشب ” أدركن أنهن بحاجة إلى عمالة دائمة. ولهذا قمن بتعيين عاملات مستديمات، وقد رفضت الأخوات الثلاثة تعيين رجال في الورشة للعمل جانب النساء نظراً لعدم إشرافهن على العمل بالورشة بصفة يومية،وقد رفضت لبنى الاختلاط لحماية العاملات وقد أكدت لبنى وأميمة ورباب أن “امسكوا الخشب” هو مشروع عائلي وأنهن يحرص دائمًا على معاملة العاملات بكامل الاحترام ومراعاة ظروفهن، وأن العاملات حريصات على العمل معهن نظرا لحسن المعاملة ويرغبن في العودة بعد حصولهن على إجازات وضع على سبيل المثال. وأكدت لبنى أنهن يتفهمن المسئوليات التي تقع على عاتق النساء في تحمل الواجبات الأسرية ودائمًا يحرصن على مراعاة ظروف العاملات وإعطائهن مساحة كافية لرعاية أسرهن.
وقد لاحظت لبنى التقسيم الجندري في العمل عندما كانت تعمل لدى شركة سابقة إذ كان المهندسون كلهم رجال بينما تولت النساء الوظائف الإدارية، ولكنها أدركت أن هذا وقع منذ عشرين عامًا وأن التقسيم الجندري الحالي في بيئات العمل قد تغير مع اختلاف الزمن. وقد أكدت أنها لم تعاني أي ضغط لتعمل في مجال معين لكونها امرأة وإنها كانت صاحبة القرار الأول والأخير في اختیار وظائفها. وبالنسبة لمن تراه أكثر التزامًا في العمل: الرجال أم النساء؟ فقد أجابت لبنى أن النساء أكثر التزامًا عن الرجال حتى يتزوجن، وقد أضافت أختها رباب أن أكثر عاملة ملتزمة لديهن في الوقت الحالي هي فتاة عزباء في الورشة،إذ تؤثر الالتزامات الأسرية على قدرة النساء على أداء عملهن.
وفيما يتعلق بريادة الأعمال، أوضحت لبنى أنهن أسسن مشروع “متعة الفن” منذ عشرين عامًا وأنه كانت لهن الريادة في تأسيس مدرسة لتعليم الفن للأطفال في مصر. ونظرًا لنجاح المدرسة فقد حاول فنان تشكيلي مشهور أن يستولى على المدرسة وأن يجعلهن يعملن تحت إشرافه ,ولكنهن رفضن تسليم مشروعهن الشخصي لأي حد أو العمل لدى أحد. وقد تميزن أيضًا في مشروع “امسكوا الخشب” إذ كن أولى الفنانات في رسم وتلوين المنتجات باليد،ومما يميز منتجاتهن أيضًا أنها للاستخدام اليومي وليست مجرد قطع زينة، وكان لكل من “متعة الفن” و“امسكوا الخشب” أثر كبير على رواد ورائدات أعمال،حيث ألهموهم بالدخول في مجال تدريس الفن وتصنيع الأعمال الخشبية.
وفيما يتعلق بالأعمال الداخلية في “امسكوا الخشب“، فإن لبنى وأميمة ورباب فنانات يتخصصن في ألوان مختلفة من الفنون، وينقسم العمل الداخلي كالآتي: تتولى لبنى الموارد البشرية والأمور المالية بينما تشرف رباب على العمليات كما أن ثلاثتهن يقمن بالاهتمام بتوزيع المنتجات عبر المناطق المختلفة بالقاهرة. وقد توسعت “امسكوا الخشب” ووصلت إلى عملاء في بلاد مختلفة مثل السعودية وألمانيا والبحرين والكويت وبلاد أخرى. وقد أكد الأخوات الثلاث على سعادتهن بالعمل سويًا وعدم شعورهن بالندم على قرار تركهن وظائفهن وتحقيق طموحاتهن الفنية.
حنان عبد المجيد
في هذه المقابلة، تتحدث حنان عبد المجيد، مؤسسة شركة “كاميلايزر” ومديرتها التنفيذية عن مسارها المهني الطويل في مجال ريادة الأعمال،وعن مشهد ريادة الأعمال في مصر خاصة فيما يتعلق بالنساء،وأيضًا عن عائلتها ودعمهم لها، وعن تأثير جائحة كورونا المستجدة على حال ريادة الأعمال والعمل في مصر بشكل عام.
تخرجت حنان في الجامعة الأمريكية بالقاهرة عام ۱۹۹۳، وتخصصت في مجال علوم الحاسب الآلي. جاء تخصصها في هذا المجال بمحض الصدفة، ولكنها عندما استكشفته بتأن،وجدت فيه نفسها وشغفها، خاصة في مجال تطوير البرمجيات. تتحدث حنان باستفاضة عن دور الجامعة الأمريكية بالقاهرة في حياتها وقضائها فترات طويلة في معمل الجامعة أثناء الدراسة،وتكوينها لصداقات استمرت معها إلى مرحلة ما بعد الجامعة حتى تحولت إلى شراكات عملية. بعد تخرجها في الجامعة، أنشأت بالاشتراك مع أصدقائها شركة “مايكرولابر“، وهي شركة مستلهمة من شركة “مايكروسوفت” العالمية. وبالرغم من نجاح الشركة، إلا أن حدوث خلافات بين المؤسسين / المؤسسات أدّى إلى إغلاقها بعد عامين. تتحدّث حنان عن قسوة هذه التجربة، والدروس المستفادة منها.
ثم عملت بعد ذلك في مؤسسة حكومية، وهي مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، وقضت هناك ما يقرب من عام، ولكنها تؤكد أنها أثناء عملها في المركز، ظلت تبحث عن فرصة لتنفيذ أفكارها الخاصة. وأثناء فترة عملها في مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، انبهرت بالإنترنت حيث كان المركز أحد مؤسستين فقط في مصر تتمتع بخدمة الإنترنت. كانت تشعر أنها ترى المستقبل بعينيها، وأنها في حاجة ماسة لأن تكون هي شخصيًا جزءًا من هذا التغيير الذي سيجتاح المجتمع في مرحلة ما. وكان هذا الشغف والانبهار أكبر بكثير من أية مخاوف ساورتها.
أما عن أسرتها، فتقول حنان إن دعمهم كان كبيرًا جدًا لها ولعملها، حتى عندما ساورتهم بعض الشكوك حول تأسيسها لشركتها الخاصة “مايكرولابز“. تقول إن والدها كان دائم الابتسامة والسماحة، ودائمًا ما يسأل سؤال “لم لا؟“، بدلاً من “لم؟“. وعلمها والدها أيضًا أهمية الثقة بالنفس،وكان لا يثبط عزيمتها أبدًا. أما والدتها فعلمتها أهمية مفهومي الكرامة والالتزام. لم تهتم أسرتها يومًا بتزويجها كما هو الحال بالنسبة للكثير من الأسر المصرية التقليدية، بل اهتموا بتنمية مهاراتها وبتعليمها ومسارها المهني.
تعود حنان بذاكرتها للوراء عند حدوث الثورة المصرية، حيث اكتشفت حنان في نفسها أن ما يعطيها دفعة للعمل هو الشعور بأنها تصنع فارقًا في عملها، وتحديدًا في السوق. تؤكد أن المكسب المادي مهم، ولكن التغيير والإبداع أكثر أهمية بالنسبة إليها. دعاها أحد أصدقائها لجولة في الحرم اليوناني التابع للجامعة الأمريكية ووجدت نفسها تطلب منه حجز أحد المكاتب لها، وهنا ولدت “کامیلایزر” (Camelizer). تقول حنان إن الفكرة وراء الاسم تتعلق بصفات الجمل، فالجمال حيوانات جميلة في رأيها، تتمتع بالصبر والجلد وتحمل بداخلها المياه تحسبًا لأيام من العطش، وهي الصفات التي أرادت حنان أن تتمتع بها شركتها الجديدة شركة “كاميلايزر” شركة استثمار ملائكي(angel investment)،مهتمة بالعمل مع الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا في مرحلة البداية المبكرة، وتساعدهم في العبور للمراحل التالية، حتى يصبح لديهم “منتج ” يسوقونه ويبيعونه. وقد حصلت حنان أيضًا على زمالة مؤسسة “أيزنهاور” في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث قضت سبعة أسابيع مؤثرة في حياتها. كانت حينها في موقع الرئيس التنفيذي لإحدى الشركات، وكان من الصعب أن تترك عملها وأسرتها لقضاء بعض الوقت في الولايات المتحدة، إلا أنها كالعادة فكرت في الأمر بسؤال نفسها “لم لا؟“
وعند سؤالها عن تخصيصها لنسبة معينة من استثماراتها في الشركات الناشئة التي تقودها النساء من عدمه، قالت إنها لا تخصص نسبة معينة، ولكنها تؤكد أنها تستثمر في العديد من الشركات التي تقودها النساء،حتى لو كان هذا بغير قصد. تقول إن النساء يفهمن النساء، وقد تكون مشاكلهن واحدة أو متقاربة. أما عن رأيها في قيام بعض الرجال ببعض الأعمال والنساء بأعمال أخرى بشكل عام، قالت حنان إن بعض النساء قد يتجهن إلى الأعمال المكتبية، ظنًا منهن أن هذا هو المتاح، ولكنها تؤكد أن هذا مفهوم خاطئ، وأن النساء أكثر ذكاء من الرجال وقدرة على العمل. ترى حنان أن على المرأة ألا تتعامل مع الآخرين على أساس أنوثتها، أي لا تتخذ من أنوثتها أو ظروفها الشخصية حججًا للتكاسل عن أداء العمل. ولكن في نفس الوقت تنتقد حنان إنعدام أو قلة القوانين والقواعد الصديقة للمرأة في مجال العمل. ترى أيضًا أن على المرأة اتخاذ قرارات قد تكون صعبة فيما يتعلق بحياتها الاجتماعية إن كان العمل مهمًا بالنسبة إليها. تؤكد أيضًا أنها واجهت صعوبات في كيفية إحداث التوازن بين حياتها الشخصية مع أبنائها وعملها. وتشير كذلك إلى أنها قابلت العديد من رائدات الأعمال اللاتي أخبرتها أن المستثمرين قد يسألونهن عن حالتهن الاجتماعية، وإن كن يخططي للزواج أو الإنجاب في المستقبل القريب، وتتعجب حنان، لأن الرجال لا يتم استجوابهم بمثل هذه الطريقة رغم أنهم أيضًا يتزوجون وينجبون الأطفال، وعليهم واجبات منزلية مثل النساء. تؤكد حنان أن النساء حين يجتمعن في مكان العمل يؤسسن لأنفسهن ما يمكن تسميته بمجموعة دعم، وأنه كلما زادت نسبة النساء في مكان العمل، كلما ازداد إقبال عدد أكبر من النساء على العمل بشكل عام وأنها لاحظت هذه العلاقة الطردية بنفسها.
أما عن جائحة فيروس كورونا المستجد فتقول حنان إنه بغض النظر عن فقدان أفراد ذوي معزة خاصة لديها، إلا أن الجائحة أدت إلى دفع عملية التحول الرقمي إلى الأمام. تقول أيضًا إن العمل عن بعد أعطاها الفرصة للاهتمام بحياتها الخاصة وفي نفس الوقت أداء عملها الذي تحبه. وقد ارتفعت قيمة الشركات التي تعمل في مجال التكنولوجيا بسبب الجائحة رغم مرور فترة صعبة على بعض الشركات الناشئة التي كانت تعاني من قلة الاستثمارات، إلا أن اهتمام الناس اتجه إلى نماذج جديدة من العمل، مثل التعليم الهجين.
وهكذا غطت هذه المقابلة جوانب متعددة من حياة حنان عبد المجيد ومسيرتها المهنية، تحديدًا بداياتها المبكرة في مجال التكنولوجيا، مرورًا بعملها في أماكن متعددة، حتى وصولها لإنشاء شركتها الخاصة المعنية بتمويل الشركات الناشئة. وأيضًا دارت المقابلة حول حياتها الشخصية وأسرتها.
رانيا أيمن
في هذه المقابلة تتحدث رانيا أيمن مؤسسة شركة “أنتربرينيل” (Entreprenelle) ومديرتها التنفيذية حول رحلتها في عالم ريادة الأعمال كامرأة. تتحدث عن بدايتها المبكرة في الجامعة وتعريفها لريادة الأعمال والصعوبات التي واجهتها بشكل عام،وتحديدًا كامرأة في هذا المجال الجديد نسبيًا في المنطقة. أيضًا تحكي عن التحديات التي واجهتها فيما يتعلق بوباء كورونا المستجد وتأثيره على مجال ريادة الأعمال خاصة، ومجال الأعمال بشكل أعم.
رانيا أيمن فتاة مصرية تخرّجت في كلية التجارة، قسم إدارة الأعمال بجامعة عين شمس في عام ٢٠١٣. شاركت في العديد من الأنشطة الطلابية أثناء فترة دراستها بالجامعة، وتتحدث في هذا السياق عن قلة الفرص التي تقدمها الجامعات الحكومية وحداثة مفهوم زيادة الأعمال حينها عملت أيضًا أثناء دراستها الجامعية في مشروعات تابعة لأحياء مهمشة، مثل حي “صفط اللبن” و“حي الزبالين“، حيث كانت تساعد النساء في إنشاء مشروعاتهن الصغيرة الخاصة في مجال الحياكة مثلاً أما في “حي الزبالين ” فشاركت في مساعدتهم على إعادة التدوير بدلاً من نبش القمامة. أيضًا أثناء فترة دراستها الجامعية، كان لها مشروعها الخاص على موقع “فيسبوك“، وعملت في مجال التسويق الرقمي حتى التخرج.
حاليًا، تشغل رانيا عدة مناصب مهمة، منها تقديم مهام استشارية للأمم المتحدة في مشروع “أجورا“، وهي عضوة لجنة التسيير بشبكة رائدات الأعمال (Women Entrepreneurs Network)، وتعمل مع المجلس القومي للمرأة في عدة مشروعات،بجانب كونها ممثلة مصر الوحيدة في مجموعة عمل الشباب في بكين + 25 التابع للأمم المتحدة. وهي أيضًا خرّيجة “برنامج الزائر الدولي” (International Visitor Program)، حيث أقامت في الولايات المتحدة الأمريكية لبعض الوقت لتبادل الخبرات،وخريجة برنامج النساء في موقع القيادة (Women Take the lead) بين مصر والدنمارك،كما تعمل أيضًا مع نادي روتاري سفنكس.
أما عن شركتها الخاصة، فقالت رانيا إن لها عددًا من الأنشطة، أكبرها وأهمها تنظيم فاعلية (She Can)، وهي أكبر فاعلية لرائدات الأعمال يتم تنظيمها على مستوى المنطقة العربية كلها. ونظرًا لظروف جائحة كورونا المستجدّة، تم تنظيمها على شبكة الإنترنت عام ٢٠٢١،وحضرها ما يقرب من ۹۰۰۰ شخص. كذلك تقوم شركتها أيضًا بتنظيم ورش عمل وفاعليات تدريبية في مجال ريادة الأعمال، حيث يتم تدريب النساء على كيفية تحضير نموذج عمل وتسويقه والمسائل التنظيمية،إلى آخر كل ما يخص ريادة الأعمال.
فيما يتعلق بالتحديات التي واجهتها رانيا عند إنشاء شركتها، فقالت إن الموارد كانت متوفرة ولكنها كفتاة وجدت صعوبة في الوصول إليها،ولم تجد مساعدة كبيرة من المحيطين بها حينها. أرادت رانيا إنشاء الشركة لمساعدة النساء على تخطي الصعوبات التي واجهتها هي،لكيلا يرتكبن نفس أخطائها. وأضافت أن هناك تحديات لها علاقة بطبيعة العمل في مصر، منها عدم وجود قوانين في مجال ريادة الأعمال الاجتماعية. ومن ناحية أخرى أكدت رانيا أن هناك صعوبات متعلقة بسنها الصغير عند تأسيسها لشركتها، فقد أسستها في سن الثالثة والعشرين، بالإضافة إلى ردود أفعال البعض المؤسفة الذين صبّوا جام اهتمامهم على كونها فتاة،ظانين أنها فتاة تقليدية سوف تقدم على خطوة الزواج يومًا ما ومعها تنتهي حياتها المهنية. أما عن التحديات الشخصية التي واجهتها رانيا، فقالت إنها لم تجد دعمًا كبيرًا من عائلتها، وذلك لصعوبة وصول مفهوم ريادة الأعمال لهم، مقارنة بالوظائف التقليدية ومع ذلك أكدت رانيا أن عائلتها لم تقف عائقًا أمامها، ولكن لم تدعمها بالشكل الكافي. وقد استطاعت رانيا تجاوز مثل هذه التحديات، مؤكدة أن لا أحد يستخف بفكرة شركتها بعد الآن، والفضل في ذلك يرجع إلى التأثير الذي تركته الشركة وأنشطتها المتعددة في مجال ريادة الأعمال.
هناك نوع آخر من التحديات التي تواجهها رانيا في عملها، وهي التحديات الخاصة بالتدريب ذاته. تأسف رانيا لحال بعض النساء اللاتي يأتين للتدريب في الشركة، قائلة إن بعضهن لا يؤمن بقدراتهن. لأسباب تتعلق بالتربية، فالكثير من الفتيات يكبرن وهن يفتقدن للثقة بالنفس، لا يثقن في قدرتهن على إقامة مشروع ناجح، ولهذا يسجل بعضهن المشروع باسم الأب أو الأخ، تجنبًا للمشكلات القانونية التي قد تنتج عن إخفاق المشروع. تؤكد رانيا أيضًا أن هذا ليس له علاقة بالطبقة الاجتماعية التي تنشأ فيها الفتيات. تجد رانيا أيضًا شيئًا من الكسل الذي تعاني منه المتدربات في البحث عن مصادر أو بذل مجهود، وترى أن هذا يعود بدوره إلى الثقافة المجتمعية المنتشرة غير الداعمة للنساء. أما في الواقع، فترى رانيا أن الأرقام تؤكد أن النساء يثبتن أنفسهن بشكل كبير في مجال ريادة الأعمال، وأن نسبة إغلاق المشروعات التي تنشئها سيدات أقل من تلك التي ينشئها الرجال. فككت رانيا عددًا من المفاهيم الخاطئة حول زيادة الأعمال وإنشاء الشركات، خاصة فيما يتعلق بالنساء. وقالت إن خطوة البحث عن مستثمر ليضخ المال في شركة ناشئة ليست خطوة أساسية في بداية العمل، بل هي خطوة مهمة فقط في توسيع مجاله وتكبيره وهكذا قالت إن الشخص يستطيع إنشاء شركة بمبلغ زهيد،وتحاول بأنشطة شركتها أن تنشر المفاهيم الصحيحة بين النساء المهتمات بريادة الأعمال.
أكدت كذلك أن الهدف ليس فصل النساء في مجتمعات مغلقة وإبعادهن عن الرجال، بل تبنّي مفهوم الأمم المتحدة القائل بإدماج الرجال في عملية تمكين النساء. تؤمن رانيا بعدم وجود مجالات عمل خاصة بالرجال وأخرى خاصة بالنساء. ترى أن الرجال والنساء مختلفون، وأن النساء أكثر قدرة على القيام بمهام متعددة في آن واحد عكس الرجال. تعتقد أيضًا من واقع خبرتها في العمل أن النساء أكثر التزامًا لأنهن يحاولن إثبات أنفسهن أمام المجتمع الذي لطالما شكك في قدراتهن. تثمن رانيا أيضًا الإبداع والناحية الخلاقة في طبيعة النساء، وكونهن أكثر ميلاً إلى العمل مع الناس. كما تحدثت عن مشكلة تسليع المرأة عن طريق استغلالها في مجال الإعلانات والدعاية،لجمالها الخارجي، بدلاً من تقديرها لمهاراتها وقدراتها.
وأخيرًا، فيما يتصل بجائحة كورونا وتأثيرها على مجال ريادة الأعمال قالت رانيا إن شركتها استطاعت تجاوز العقبات التي فرضتها هذه الجائحة بشكل كبير، فقد تسببت في فرض التحول الرقمي على الشركة بسرعة كبيرة مما كتب لها الاستمرار.
سلوى القصبجي
تتحدث سلوى مجدي القصبجي في هذه المقابلة عن عملها كمؤسسة شركة (سارة للدعاية والإعلان” (Sara’s Advertising) كما تتحدث أيضًا عن حياتها الشخصية وقيمها الدينية، وعن العمل في مجال الإعلان والتسويق بشكل عام. تُعرف سلوى نفسها بكونها أمًا وسيدة أعمال. وفي شركتها تساعد سلوى وفريقها عملاءهم على تسويق مصانعهم ومشروعاتهم، وتطوير أعمالهم، إلى أن يكتشفوا في أنفسهم أو مشروعاتهم ما لم يعرفوه من قبل. تتحدث سلوى تحديدًا عن الشعور الذي قد ينتاب البعض عند سماع اسم علامة تجارية مسجلة، مثل “نايك” أو “كوكو شانيل“، وتقول إن مثل هذه المشاعر هي جوهر عملها في مجال الإعلان. تؤمن سلوى بأهمية المشاركة المجتمعية للشركات، فهي تتبرع بــ 2.5% من دخل الشركة للفقراء والمحتاجين.
بدأ شغف سلوى بالإعلانات في سن مبكرة، حيث تعد طارق نور وإعلاناته مصدر إلهام كبير لها. وأرادت منذ هذا السن الصغير أن تكون لها شركة إعلانات خاصة بها. وأرادت سلوى أيضًا أن تقوم بعمل خدمي،واتجهت للإعلان عندما لم تستطيع أن تصبح طبيبة كما أرادت. تفرق سلوى في المقابلة بين التسويق والإعلان،حيث يكون التسويق هو التخطيط للإعلان، ويشمل تحليل المنتج،وجودته، وتغليفه وما شابه.
عملت سلوى مع المهندس ممدوح حمزة في بداياتها، وهو مصمم الجسر المعلق فوق قناة السويس ونصف قرص الشمس بمكتبة الإسكندرية، وتصفه بكونه “أسطورة” في مجالي الهندسة والأعمال والإدارة،وتقول إنها تعلمت منه الكثير أثناء العمل على الحفل الافتتاحي لمكتبة الإسكندرية. من ضمن الخبرات التي اكتسبتها من التعامل معه كانت معاملة الموظفين على إنهم أعضاء فريق، لا مجرد عاملين بلا شغف. تؤمن سلوى أيضًا أنها عضوة في هذا الفريق، وتختلف مع ما يُشاع من البعض الذين يدخلون مجال الأعمال “كي لا يتحكم فيهم أحد“، فهي ترى أن العملاء في مجال الأعمال هم مديروها،وإرضاؤهم مهمتها، وتعتبر عملاءها شركاء، لا مجرد عملاء. تولي سلوى في عملها اهتمامًا خاصًا بالنساء، فتقدم لهن خصمًا أحيانًا على الخدمات التي تقدمها مراعاة لظروفهن، فبعض السيدات اللاتي يأتين بحثًا عن خدمات التسويق مطلقات وأرامل. فتراعي الشركة مثل تلك الظروف، وتؤكد أن في مثل هذه الحالات تقوم الشركة أيضًا بالعمل بشكل قريب مع السيدة وإعطائها الخبرة. لا فقط الخدمات الدعائية. هذا وتعتبر شركتها من أفضل عشرة شركات في مساعدة رواد الأعمال في مصر.
تحدثت سلوى عمن تعتبرهن مثلاً عليا، مثل عائلتها، تحديدًا والدتها المهندسة، وكذلك المهندسة المعمارية العراقية زها حديد والسيدة جيهان السادات، ومقدمة البرامج الحوارية الأمريكية أوبرا وينفري، والسيدة خديجة. ترى سلوى أن الدين الإسلامي قد قدّم لمتبعيه كل ما يحتاجونه في مجال الأعمال، فتتحدث عن أمثلة من الدين في الإدارة ومهارات التفاوض. تؤمن سلوى أيضًا بأن الرجل والمرأة يدفعان بعضهما البعض إلى الأمام إن كانت علاقتهما سليمة وصحية. وتنتقد سلوى بعض الأمهات المتعلمات والمثقفات واللاتي تميل قلوبهن في اتجاه ابنائهن لا بناتهن، وبالتالي يظلمن بناتهن، ويكلفنهن بمهام ليست من اختصاصهن. تؤكد أنه على عكس الثقافة السائدة، لا يلزم الدين الإسلامي المرأة بالأعمال المنزلية، ولكن المجتمع الذكوري أدى إلى الوضع الحالي للمرأة في المجتمع. لا تؤمن سلوى بالمساواة بين الجنسين، بل يكون المرأة المسلمة مكرمة من قبل الإسلام،ولها حقوق وعليها واجبات. تؤمن سلوى أن عليها أن تكون واجهة جيدة لبلدها أثناء العمل مع الأجانب، وتريد أن تثبت لهم أن المجتمعات العربية والإسلامية ليست منغلقة.
أما عن عائلتها وأسرتها الصغيرة، فتقول سلوى أنهم جميعًا كانوا داعمين لها، بجانب أصدقائها. كانت والدتها تساعدها ماديًا في بعض الأحيان، وتقول إن والدها قدم لها النصيحة وإخوتها ساندوها كثيرًا. تتحدث سلوى عن زيجتها الأولى التي لم تكلل بالنجاح،ولكن توعز نجاحها الحالي لزيجتها الثانية، فقد ساندها زوجها أيضًا، وتحاول سلوى أن ترسخ في أبنائها الثقة والاعتماد على النفس وعدم الاتكالية على الآخرين. تتخذ من المليارديرات مثل ستيف جوبز وبيل جيتس مثلاً أعلى فيما يتعلق بالتعامل مع أبنائها والنقود،فهم لم يورثوا أبنائهم من ثروتهم، وهكذا يعلموهم أهمية الاستقلالية، فهي لا تميل لتدليل الأبناء. لا تهتم سلوى بمسألة السن فيما يتعلق بتعيين الموظفين ولا تؤمن أن ريادة الأعمال هي ريادة الأعمال في التجارة فقط، بل قد تكون في المنزل وتربية الأبناء.
فيما يتعلق بالمعوقات والعقبات التي قابلتها وتقابلها سلوى في عملها، فقالت إنها تتلخص في مشكلة الفساد والرشوة في مصر، على عكس التعامل مع الأجانب. قالت أيضًا إنها استغرقت وقتًا طويلاً في تعلم نظم الحسابات والضرائب وما شابه، خاصة مع تغير قانون الضرائب باستمرار.
وفي سياق آخر، عند سؤالها عن رأيها في مسألة الجندر ومجال الأعمال، قالت سلوى إن الفريق لا يجب أن يتكون من رجال فقط أو من نساء فقط. ترى أن الأعمال الشاقة في تنظيم المعارض مثلاً مناسبة أكثر للرجال، أما الأعمال التي تتطلب حسًا فنيًا فمناسبة أكثر للنساء. أما فيما يتعلق بكونها زوجة وأم، فقالت سلوى إن المسألة تحتاج لمهارات إدارة الوقت، ولكن أحيانًا تتأثر الواجبات المنزلية جراء العمل، والعكس أيضًا صحيح، وهذا طبيعي، ويجب على الشخص أن يتقبله، وأن يكون مرنًا في تفكيره ونظرته للأمور.
تنظر سلوى لمشكلة فيروس كورونا المستجد من ناحية دينية، فتتحدث عن السبع سنوات العجاف، واستحالة دوام الحال، ولكن أيضًا تؤكد أنها شكلت تحديًا لعملها وأنها كالكثير من صاحبي الأعمال الآخرين حولت عملها إلى شبكة الإنترنت كي تضمن استمراريته.
هكذا غطت المقابلة جوانب متعددة من حياة سلوى مجدي القصبجي، أهمها عملها في مجال الإعلان والتسويق، وحياتها الشخصية تحديدًا زوجها وبناتها وأبنائها وعائلتها، وأهمية القيم الدينية في حياتها، واختتمت المقابلة بتأكيد سلوى أن الشعب يكون قويًا عندما تكون المرأة قوية.
سمر عاصم
تقدم هذه المقابلة رائدة الأعمال المصرية سمر عاصم المؤسسة المشاركة لشركة “جات دن” للاستشارات ومديرة التسويق بأحد صناديق رأس مال الاستثمارية الرائدة بالشرق الأوسط والولايات المتحدة الأمريكية. استفاضت سمر في عرض خلفيتها العملية الواسعة وتجربتها الرائدة في دعم النساء حديثات العهد بسوق العمل، ومساعدة رائدات الأعمال الشابات،كما أوضحت أيضًا أبرز التحديات التي تواجهها المرأة رائدة الأعمال بالإضافة إلى الصعوبات التي فرضها فيروس كورونا المستجد على مناخ الأعمال في مصر.
تخرجت سمر عاصم عام ۲۰۰٩ في الجامعة الألمانية بالقاهرة، حيث تخصصت في التسويق والتخطيط الإستراتيجي معًا. ومنذ ذلك الحين عملت سمر في مجال التسويق دون توقف في شركات متعددة حتى استطاعت المشاركة في تأسيس شركتين مختلفتين،محتفظة في الوقت ذاته بعملها في أحد الصناديق الاستثمارية الحاضنة لرواد الأعمال الجدد. شغلت سمر منذ اللحظة الأولى التحديات التي تواجه المتدربات حديثات العهد بسوق العمل من خريجات الجامعات المصرية. وخصت سمر بالذكر الطاقات الشابة المهدرة من بين خريجات الجامعات الإقليمية التي لا تحظى بالاهتمام الموجود بالعاصمة، وهو الذي لا ينفصل عن انشغالها بتعظيم المساحات التي تشغلها المرأة سواء كانت رائدة أعمال أو حديثة الانضمام لقوى العمل،أو قيادية بإحدى الشركات. اختارتها الأمم المتحدة في عام ۲۰٢١ بصفتها ممثلة للمرأة الممكنة في مصر بمنتدى الابتكار الإقليمي في مجال الجندر (أجورا)؛ لكي تشارك بخبرتها في الدعوة لتمكين المرأة اقتصاديًا بصورة عامة وفي مجال ريادة الأعمال والابتكار بصورة خاصة.
تعترف سمر بفضل شريكتها وشقيقتها هبة عاصم فيما حققته من نجاح عملي ومجتمعي في إدارة مبادراتهن الرائدة في تدريب خريجات الجامعات ونقل الخبرات إليهن. ولأن شقيقتها هبة تدير عددًا من الأنشطة وتعمل كمستشارة للحكومة المصرية في أحد مشروعتها التنموية، تتناوب سمر معها في إدارة الشركات حيث قد تتفرغ إحداهن لإدارة شركة بمفردها بينما تعمل الأخرى على الانتهاء من بعض الأعمال الاستشارية العملية الأخرى. تتقاسم سمر وهبة المهام تبعًا لمجال خبرة كل منهن؛ تتولى لذلك سمر ترتيب ما يختص بالتدريب وتقديم المشورة الإستراتيجية دون إخلال بالمسؤوليات الأخرى المالية كانت،أو القانونية منها، أو ما شابه. وتعترف سمر بفضل عائلتها – وخاصة والدتها – عليها وعلى شقيقتها لدعمها لهن الأكاديمي والعلمي وحرصها على تشجيعهن على النجاح والتقدم والمثابرة سواء في تعليمهن،أو في المنزل، أو في الأنشطة الإضافية من سباحة، وعزف جيتار،ولعب كرة السلة.
وقد وفرت الوالدة البيئة الحاضنة لسمر وهبة،والتي مكنتهما من التعرف على اهتماماتهن وما يثير شغفهن بصورة عامة. أما فيما يتصل بعلاقاتهن بالآخرين، لطالما حضت العائلة سمر وشقيقتها على مشاركة ما يمتلكونه من طعام أو ما شابه وكان والدهما مثالاً لذلك العطاء المادي والمعنوي للآخرين. فللأسرة فضل كبير في تنمية شغف سمر بمساعدة الآخرين ودفعهما لتطوير مهاراتهن.
وفي ميدان العمل،واجهت سمر العديد من الصعوبات المرتبطة بالجندر أثناء عملها. فعلى سبيل المثال، لم تتم ترقيتها لوظيفة أعلى أو مكافأتها على ادائها المتميز بالمقارنة مع أقرانها الرجال بسبب كونها امرأة رغم تحقيقها لمؤشرات أداء تفوق المتوسط، بل واستمعت لدعاوى تقلل من إنجازها لأنها امرأة قد تتزوج وتترك العمل فجأة، أو دعاوى أخرى تربط جزافًا بين شكلها المقبول وحصولها على منصبها بإحدى الشركات الشهيرة. وعندما قررت إحدى الشركات الأخرى اختيارها لتميز خبرتها، تراجعت فجأة عن هذا القرار لأنها مخطوبة وتخطط للزواج في خلال عام من تلقيها عرض العمل. تعلمت سمر من خبرتها السابقة التي اكتسبتها وهي في العشرينيات من عمرها أن ترفض أية وظيفة أو أي عرض عمل في مؤسسة أو شركة لا تشجع على المساواة الجندرية أو تميز في تعاملها مع النساء. ووفقًا لسمر، لا تنفصل خبرتها الشخصية عن واقع المرأة بصورة عامة التي قد لا تحصل في أحيان كثيرة على التمويل اللازم بسبب الجندر. وذلك على الرغم من أن الواقع يشير إلى أن 90% من الشركات الناشئة التي تتعرض للفشل يقودها رجالاً.
وعندما بدأت سمر تأسيس شركتيها الواحدة تلو الأخرى مع شقيقتها هبة، لم تحاول مطلقًا السعي للحصول على تمويل حتى لا تتعرض لهذا النوع من التمييز الذي لاحظته موقعها الاستشارى بإحدى الصناديق رأس مال الاستثماري. لاحظت سمر أن تبني المؤسسات المالية الكبرى وشركات وادي السيليكون الأمريكية لأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة أثرًا إيجابيًا على توجيه المزيد من التمويل إلى السيدات رائدات الأعمال. تشترط هذه المؤسسات والشركات على صناديق الاستثمار وحاضنات الأعمال المقترضة تخصيص نسبة 25% من التمويل للنساء، وهو الذي يقف خلف التغير الجزئي الذي أصاب هذا التوجه تجاه المرأة. ومع إن ابتعدت عن هذا النمط التمويلي إلا أن أنماط العنف المصغر مثل تأخير مستحقات شركتيها أو عدم الاعتداد بدورها أثناء عملية صنع القرار تواجهها بين الحين والآخر.
وقد حكت سمر كيف تبدأ الصعاب التي تواجهها المرأة الشغوفة بالابتكار عند العائلة التي قد تقف حائلاً أمام امتهان الفتاة الشابة لأي مهنة بعد إتمامها لتعليمها الجامعي، خاصة في المدن والمراكز الحضرية البعيدة عن العاصمة. يأتي المجتمع في المرتبة الثانية من التحديات ففي كثيرة لا تكافأ المرأة على آدائها المتميز بالعمل – كما حدث لسمر شخصيًا في بداية مسارها المهني. تأتي مركزية التمويل في المركز الثالث فكثير ما يرتبط التمويل بالانتقال للعاصمة كونها المركز المالي لمصر، وهو الذي يقف عائقًا أمام المرأة القاطنة بعيدًا عن القاهرة ممن يصعب عليها الانتقال للعيش بمفردها في المركز. تضيّع مركزية التمويل فرصًا حقيقية للنمو بالمحافظات المختلفة؛ لأن فرضية انتقال التنمية من المركز لمراكز أخرى أصغر لا تتحقق كثيرًا على أرض الواقع. والتمويل الحكومي البديل مشروط ومرتبط بقطاعات بعينها مما يزيد من صعوبة هذا التحدي.
وبالعودة إلى القطاع الخاص الذي لا يستطيع تمويل مشروعات لأكثر من خمسة أو ستة قطاعات اقتصادية، يؤدي اختيار الشركات المختلفة لقطاعات استثمارية بذاتها إلى تضاؤل فرص تمويل المشاريع التعليمية أو التربوية. وعلى سبيل المثال، شهدت السنوات القليلة الماضية اهتمامًا بالاستثمار في التسويق الإلكتروني بين الشركات والصناديق الاستثمارية أعقبه اهتمام جديد بالمدفوعات الإلكترونية. وهذه المشكلة الأخيرة المتصلة بمحدودية القطاعات المعطاة بالتمويل تواجه رواد أعمال جميعًا رجال كانوا أم نساء. وأخيرا، تظل ما يمكن وصفه بأبوية المجتمع من أبرز العوائق التي قد تفسر عدائية المرأة لنوعها أحيانًا في تفضيل قيادة الرجل للشركة أو المؤسسة، وما يجمع أغلب المشاكل التي تم ذكرها مثل: انعدام التكافؤ بين الرجل والمرأة في العمل والابتكار والتمويل.
أما عن العمل في ظل انتشار وباء الكورونا،فأشارت إلى أن لانتشار وباء الكورونا آثاره الإيجابية والسلبية على النساء والعمل. حيث أتاح التحول الرقمي المجال للمرأة أن تشارك في الدورات التدريبية دون تحمل مشقة السفر وفي مواعيد مناسبة أيضًا. تمكنت سمر وشقيقتها عبر مبادرتهما التي انطلقت من الفيسبوك أن يصلا بالتدريب لأصحاب التعليم الفني غير الجامعي. أمكن أيضًا تسجيل الدورات التدريبية الهادفة لنقل الخبرات واستخدام لغة الإشارة في عرضها. ازدادت إنتاجية العديد من السيدات اللاتي تحولن للعمل من المنزل وأصبحن أكثر قدرة على تنمية مهاراتهن عبر التدريب والتعلم عن بعد. أما السلبيات فتشمل فقدان 30% من النساء المصريات العاملات لأعمالهن وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، وفقدان من يحصلن على دخلهن بصورة يومية لمصادر رزقهم، بالإضافة إلى تسريح النساء مع زملاءهن الرجال بفعل الانكماش الاقتصادي الذي أحدثته الجائحة.
وترى سمر أنه لا يوجد مجال بعينه يكون حكرًا أو مرتبطًا بالمرأة رائدة الأعمال أو المرأة العاملة. لدى النساء أفكار استثمارية متميزة بمجالات التعليم والتجارة الإلكترونية والتنمية المستدامة، ومن غير الصحيح أن مشروعات النساء تنحصر في الحرف اليدوية. وبسؤالها عن ظاهرة ندرة المبرمجات النساء وانحسار عملهن في تصميم الجرافيك، أكدت سمر ظنها أن الأمر يرجع إلى ساعات العمل الطويلة التي تحتاجها مهارات البرمجة وتصميم البرمجيات والثقافة المؤسسية التي تمنع النساء من تولي المناصب القيادية بشركات البرمجيات المختلفة وما شابهها. ويصل الأمر ببعض الشركات متعددة الجنسيات إلى تحديدها النوع الاجتماعي المفضل لشغل المنصب القيادي دون أية مواربة. بالمقارنة من الرجال، تأخذ النساء رائدات الأعمال مسؤولياتها العائلية بصورة جادة تمنعها في أغلب الأحيان من إن تبدي تقصيرًا تجاه منزلها بسبب طبيعة عملها. ولربما يكون ذلك بسبب التوقعات المجتمعية التي تحاسب المرأة بقسوة عند مقارنتها بالرجل.
علا لطفي
تتحدث رائدة الأعمال علا لطفي في هذه المقابلة عن حياتها الشخصية والعملية، تحديدًا عن تغيير مسارها المهني من الإرشاد السياحي إلى ريادة الأعمال، وأيضًا عن التحديات التي قابلتها في مسارها المهني متعدد الاتجاهات والتحديات التي تواجهها النساء في رحلتهن لبناء أعمالهن الخاصة. تتحدث أيضًا عن جائحة فيروس كورونا المستجد وكيف قضت وقت الإغلاق، وكيف استفادت منه أقصى استفادة.
تخرّجت علا في المدرسة الألمانية بباب اللوق، ثم كلية السياحة والفنادق،قسم الإرشاد السياحي،وعملت لمدة إثنتى عشرة سنة كمرشدة سياحية، إلا أن وقوع أكثر من حادث إرهابي في مناطق سياحية عديدة في التسعينيات أدى إلى إعادة تفكيرها في اختيارها لمهنة الإرشاد السياحي، لأن المهنة لم تعد تكفل لها الشعور بالأمان من ناحية الأمور المادية، فقررت تغيير مسارها المهني.
تقول علا إن هذا لم يكن سهلاً، خاصة مع بدايات دخول أجهزة الكمبيوتر إلى مجال الأعمال المكتبية وأهمية تعلم تلك المهارات الجديدة. وقد عملت علا لفترة في تدريس التاريخ الفرعوني الطلبة قسم اللغة الألمانية بجامعة خاصة، ثم شعرت أنها لم تجد نفسها في هذا العمل، فاتجهت إلى مجال الدعاية والإعلان إلا أنها لم تجد فيه الشعور بالأمان من ناحية الماديات، ثم انضمت إلى فريق عمل شركة فودافون، حيث بدأت مسارها المهني في مجال العلاقات العامة، وبعدها انضمت إلى غبور أوتو ثم إلى شركة أخرى،حتى بدأت جائحة كورونا، وحينها تم تخييرها بين الانتقال إلى دبي أو الاستقالة، فاختارت الاستقالة. وبعد تخرج ابنها في الجامعة،بدأت تفكر في مشروع ينشئانه سويًا، فتوصلا إلى فكرة تصنيع طعام للحيوانات الأليفة، وتؤكد أن المشروع نجح في ترك بصمته بين العلامات التجارية المنافسة، ففي أكتوبر القادم سيكون قد مر عامان على افتتاحهما هذا المشروع بالإضافة إلى هذا،افتتحت علا مشروع “كافيتريا الكلاب” (The Dog Café)، حيث تقوم حاليًا بالتسويق للمشروعين.
وعند سؤالها عن وجود تخوفات لديها قبل بداية مشروعاتها، أكدت علا أنها تحب التحدي، وأن مجرد قيامها بشيء مختلف يعطي لها شعورًا بالتفاؤل حيال هذه المشروعات. لم تتوقف علا عن التعلم، فحصلت على دبلومة في العناية بالحيوانات الأليفة، بينما درس ابنها دبلومة في تغذية الحيوانات الأليفة. تؤكد علا أن هذه الكافيتريا هي المشروع الأول من نوعه في مصر، وأن هناك بعض الأماكن التي تقدم خدمات شبيهة، ولكن ليس كهذا، حيث تبيع منتجات الكلاب، ولديها قائمة طعام خاصة فقط بالكلاب، على عكس الأماكن الأخرى التي تطعم الكلاب من طعام البشر العادي، وقد يتسبب هذا في أضرار صحية لهم.
أما فيما يتعلق بأسرة علا ودعمهم لها من عدمه، أكدت أن أسرتها دعمتها دومًا، ولا سيما والدها المصرفي، الذي كانت تستمتع بالنقاش معه في كل ما يخص عالم الشركات. أما عن حالتها الاجتماعية، فكانت تربي ابنها وحدها،وقد قررت ألا تنكسر، وتقول إن وجود ابنها في حياتها شكل دافعًا كبيرًا لها إلى الأمام، فهي أرادات أن يكون فخورًا بها وألا تخذله أبدًا.
أما عن التحديات والمعوقات التي قابلتها علا خلال مسارها المهني،قالت إن أثناء عملها كمرشدة سياحية، كان التحدي الأساسي الذي قابلته هو غياب وعي قطاع كبير من المصريين بأهمية السياحة،فكل العوامل طاردة للسياحة في مصر، أما في إحدى الشركات الأخرى فقد شعرت أنها غريبة، وتبرر هذا بأن الموظفين هناك لم يكونوا معتادين على وجود امرأة تتمتع بالكفاءة وقوة الشخصية في المكان، إلا أن تصميمها على إثبات نفسها أدى إلى أنهم اقتنعوا بجدارتها. حتى عند خروجها من مجال الشركات،وعملها في شركتها،واجهت عقليات ذكورية بحتة، فهي تتعامل مع عمال وموردين،وشركات تجديد،وما شابه،الذين يرفضون مثلاً تركها لتحمل الأشياء الثقيلة، وقد أعربت عن كراهيتها لمثل هذه العقليات. كما أكدت أن اهتماماتها متعددة، ولديها خبرة كبيرة في العديد من المجالات،وأن هذا قد يُشعر الرجال حولها بشيء من التهديد.
وفيما يتعلق بالتحديات التي تواجهها النساء رائدات الأعمال بشكل عام عند محاولتهن بناء شركاتهن الناشئة، قالت علا إن هناك عقلية تستخف بالنساء نوعًا ما أو تستهين بقدارتهن في مجال الأعمال، فمثلاً كانت تذهب للسوق لشراء بعض مستلزمات طعام الحيوانات الأليفة، وكانت تجد قدرًا من صعوبة التعامل مع الآخرين، الذين يبدوا أنهم لا يشعرون بالراحة في التعامل مع سيدة لمجرد أن مظهرها يختلف عنهم.
أما فيما يتعلق بجائحة كورونا، فقالت علا إنها كانت فترة جميلة في حياتها، وإنها استغلتها في إجراء التجارب المعملية على طعام الحيوانات الأليفة الذي تقدمه وثبت أنه يحتوي على أعلى معدل للبروتين في السوق. قالت إنها قضت وقتًا طيبًا مع عائلتها، وإن الهدوء المحيط بها ساعدها على التفكير الإبداعي. اختتمت علا الحوار بقولها إنها في مرحلة تريد فيها أن تعمل من أجل الاستمتاع بالعمل،لا لأنها مضطرة للعمل.
وعن رؤيتها فيما يتعلق بوجود بعض الأعمال التي يفضل أن يقوم بها الرجال أو تقوم بها النساء،قالت علا إنها لم تحتك كثيرًا بشكل من أشكال التفرقة الجندرية، ما عدا مثلاً عدم تفضيل النساء في الأعمال التي تتطلب بذل مجهود جسدي كبير في المصانع،وترى علا أن هذا مبرر. وفي سياق متصل، عند سؤالها عما إذا كان هناك فارق في الالتزام بالعمل بين الرجال والنساء، أكدت علا أنها لم تلحظ فارقًا في جودة العمل، ولكنها لاحظت فارقًا فيما يتعلق بالالتزام بالمواعيد وما شابه. ولكنها علّقت بشكل خاص على الصعوبات التي واجهتها كمديرة لرجال. إلا أنها أكدت في النهاية أنها تنال احترام موظفيها عندما يدركون أنها تدعمهم، وأن لها أسلوبًا خاصًا وسياسة في العمل، فتقل الصدامات عندما يفهمونها. تقول علا إن النساء يبذلن مجهودًا أكبر من الرجال في إثبات ذواتهن في مجال العمل.
فاطمة الزهراء أحمد
تتحدث فاطمة الزهراء أحمد في هذه المقابلة عن شركتها الخاصة MEAComS، والتي افتتحتها منذ أربعة عشر عامًا وعن دراستها وبدايتها في مجال العلاقات العامة، وأيضًا عن أسرتها، وتجيب عن بعض الأسئلة حول الجندر والعمل بشكل عام، ووباء كورونا المستجد وتأثيره على عملها بشكل خاص، كما تعبر عن آرائها فيما يتعلق بالتعليم والتربية، وأهمية دعم الأهالي لاختيارات أبنائهم وبناتهم العملية.
تخرّجت فاطمة في كلية الألسن قسم اللغة الإنجليزية، وعملت في مجال الترجمة لبعض الوقت، لكن لم تجد فيه شغفها، فانتقلت إلى التسويق في مجال الاتصالات، ثم إلى العلاقات العامة. بدأت فاطمة دراستها لنيل درجة الماجستير في إدارة الأعمال (MBA) وهي الدرجة العلمية التي لاحظت فاطمة أهميتها في إعلانات العمل،فقد كانت “مفضلة” في مرحلة ما، ثم صار الحصول عليها إجباريًا. ثم بدأت بالصدفة في التواصل مع شركة تختص بمجال الطاقة الشمسية،مقرها في الولايات المتحدة الأمريكية. حينها كان عليها أن تبدأ شركتها الخاصة كي تبدأ العمل مع تلك الشركة، وبدأت شركتها وحدها دون أي شركاء. في البداية اعترض بعض أفراد أسرة فاطمة على عملها، في خشية أن تخسر مالها الخاص الذي استثمرته في هذه الشركة الناشئة.
تؤكد فاطمة أن مجال عملها في شركة (MEAComS) دينامي جدًا، حيث يتسنى لها العمل مع مجموعة متنوعة من العملاء،من مجالات متعددة، تمامًا كشركات الدعاية والإعلان. تشير أيضًا إلى أن العمل في مجال العلاقات العامة يحتاج إلى مهارات تعدد المهام والمهارات الاجتماعية،والسرعة في الآداء والمرونة. تصف فاطمة عملها بكونه وكالة علاقات عامة تعني بالأنشطة الإعلامية للشركات من خلال المؤتمرات الصحفية، والمقابلات الشخصية، وإدارة الأزمات والرصد الصحفي للأخبار ومعناه متابعة أخبار الشركات المنافسة للعميل،وأيضًا بالتدريب،تحديدًا تدريب العملاء على التعامل مع الصحفيين والميديا. تهتم الشركة بكل ما يتعلق بالتواصل الإعلامي،والفاعليات،وأيضًا تقدم خدمات مثل الترجمة وكتابة المحتوى الذي تقدمه الشركات للصحافة.
أما من ناحية معاناتها من مشكلات محددة في العمل فقط بسبب جنسها، فأكدت فاطمة أن هناك بالتأكيد معوقات تتعلق بكونها سيدة، فمثلاً عندما تقوم بمراجعة بعض مستندات الحسابات،قد يستشعر المحاسب الرجل الذي يعمل معها بنوع من أنواع الإهانة، فالرجال، تقول فاطمة، لا يحبون أن يشعروا أن رئيستهم امرأة، وتقول فاطمة إن السبب في ذلك هو الفكر الأبوي المنتشر في ثقافتنا. لحسن الحظ، تقول فاطمة إنها لا تواجه مثل هذه المشكلات مع العملاء أنفسهم، فمن يطلبون خدماتها يعرفونها جيدًا. وترى فاطمة أن الأعمال عمومًا دائمًا مرتبطة بالرجال تحديدًا في مجالات مثل الحديد والكيانات الصناعية، ولكنها تضرب المثل بصانعة الحلي عزة فهمي، المرأة التي استطاعت إنشاء كيان بالغ الشهرة والنجاح. هذا وتضطر النساء إلى محاربة الأفكار والموروثات الاجتماعية، تقول فاطمة، وأحيانًا يكون عبء محاربة تلك الأفكار والموروثات أثقل من عبء العمل نفسه، خاصة مع عدم وجود دعم كاف، وقد لا يأتي الدعم من المرأة نفسها، حيث تقول فاطمة إن بعض النساء لا يدعمن النساء ولكنها ترى اختلافًا في تلك الثقافة مع تقدم الزمن، فترى أن الجيل الحالي أكثر دعمًا لبعضهن البعض.
فيما يتعلق بالجندر أيضًا، قالت فاطمة إن فريقها الحالي يتكون من النساء فقط، وإن هذا كان بين مقصودا، لا بمحض الصدفة، وتؤكد أن النساء أكثر قدرة على العمل في مجال العلاقات العامة، وإنها تشجع تمكين المرأة. تعمل فاطمة أيضًا مع الرجال مثل المصممين والمصورين، ولكنها تحرص على اختيارهم بعقلية معينة متفتحة، حتى لا تحدث صدامات بينها وبينهم، وتؤكد أنها أحيانًا يجب أن تكون ديكتاتورية في قراراتها حرصًا منها على حسن سير العمل. وحين سؤالها عن وجود فروقات جندرية بين آداء الرجال والنساء في العمل، قالت فاطمة إن السيدات أكثر قدرة على العمل على أكثر من مهمة في نفس الوقت، أما الرجال فيفضلون التركيز على مهمة واحدة والانتهاء منها ثم الانتقال لمهمة أخرى، فلا يحبون تشتيت أنفسهم. تؤكد أنها تحب العمل مع النساء وتثمن ما يقدمنه، وتحملهن المسؤولية،فهن لا يخيبن ظنها أبدًا.
وفي سياق متصل، قالت فاطمة إن مجال العلاقات العامة جاذب للنساء وأن 80% من ملاك وكالات العلاقات العامة من النساء والباقي من الرجال في مصر. أما مجال الإعلان فقد يكون جاذبًا للرجال بشكل أكبر، لأن من يعملون به يضطرون لقضاء ساعات طويلة في مكاتبهم ويحتاجون إلى التعامل مع فنيين وإداريين. أما العلاقات العامة فتتطلب مهارات لغوية وموهبة واهتمامًا بالصورة العامة، فهو مجال أكثر أنثوية في رأيها، فالفتيات أكثر قدرة على بناء العلاقات وعلى الظهور الإعلامي. ولكن تؤكد فاطمة بشكل عام أن هذه ليست قواعد صارمة، فهناك الكثير من النساء في مجال الإعلان، مثلما يوجد الكثير من الرجال في مجال اللغات والترجمة.
وتقول فاطمة إن شركتها حاليًا تابعة لواحدة من أهم شركات العلاقات العامة في العالم، وأن هذا أعطاها الفرصة للعمل مع عملاء دوليين مثل بلاك بيري،وكانون،وإتش بي، وشيل للزيوت وجنرال إلكتريك. ولكن عندما بدأت جائحة كورونا تأثر عملها بالتأكيد،فحدث توقف في بعض الأعمال التي تمارسها، ولكنها تعد تلك الفترة راحة،فلم تكن هناك فاعليات كثيرة ليتم تنظيمها،ولم يكن هناك الضغط العصبي المعتاد المتعلق بالعمل. استطاعت فاطمة أيضًا أن تتكيف مع الوضع عن طريق العمل عن بعد.
واختتمت فاطمة حديثها بتأكيدها على فكرة أهمية تشجيع الأهالي لأبنائهم وبناتهم على البحث عن شغفهم،حتى لو كان هذا الشغف في رأيهم ليس مصدرًا جيدًا للدخل، فعندما ينجح الابن أو تنجح الابنة في إيجاد شغفهم، سيحققون في ممارسته النجاح، وهذا سيدر الدخل، فلا يجب إجبارهن أو إجبارهم على مسار مهني معين. علقت فاطمة أيضًا على مشكلة التعليم في مصر، وأنها تلاحظ عدم وجود جدية في التعليم والتربية في بعض المدارس وأيضًا من ناحية الأهالي في المنازل، وأكدت على أهمية الكد والعمل الجاد في سبيل تحقيق ما يرغبه الشاب أو الفتاة في مسارهم/ مسارهن المهني.
فرح أحمد
تتحدث فرج أحمد في هذه المقابلة عن شركتها الناشئة “جراج الأطفال” (The Baby Garage) وعن أسرتها، والنساء في مجال الأعمال والمجال العام، وعن جائحة كورونا وتأثيرها على عملها بشكل عام.
وتتمتع فرح بخبرة تقترب من أربعة عشر عامًا في مجال الشركات،حيث بدأت العمل وهي طالبة بالسنة الأولى بالجامعة. فعملت في أكثر من شركة تحديدًا في مجال التنمية والإعلانات والتسويق،حتى وصلت إلى تأسيس فرع لشركة أجنبية في مصر اسمها “Think Digital Group”، قبل أن تتفرغ بشكل كامل لشركتها الناشئة الخاصة “The Baby Garage” في مارس 2021، والتي كانت قد تأسست رسميًا في يناير ٢٠٢٠. تحكي فرح قصة تأسيس شركتها، قائلة إنها بدأت عام ٢٠١٥ وكانت حينها معتمدة على جهود متطوعين، وكانت تخصص لها جزء من وقتها فقط،لا وقتها كله. حينها كانت المنصة قائمة على مساعدة الأمهات لبعضهن البعض دون أدنى رغبة بالربح. لاحقًا بدأت فرح مبادرة أسمتها “الأم رائدة الأعمال” (Mompreneur)، والتي كانت قائمة على مساعدة الأمهات على العمل من المنزل، حيث شجعت المبادرة الأمهات على شراء بضائع للأطفال وبيعها على المنصة. تقول فرح إن تلك المبادرة دعمت أكثر من ألف أم كي تبدأ مشروعها حتى الآن. طوّرت فرح أيضًا من المنصة، حيث اتجهت لصناعة المحتوى،فبدأت بنشر مجلة حول كل ما يخص الأم والطفل باللغة العربية باستخدام مراجع أجنبية وعلى لسان الخبراء. ظل هذا كله عملاً غير هادف للربح حتى تم احتضان المنصة من قبل وزارة الاتصالات المصرية، حين فازت المنصة بالمركز الأول في مسابقة ” هي رائدة” حينها بدأت فرح في التوسع في شركتها، وتكبير فريق عملها الذي كان يتكون من متطوعين فقط.
وتؤكد فرح أن ما دفعها لتأسيس مبادرتها كان خبرتها الشخصية في الإنجاب، فتقول إن النساء لا يجدن شبكة دعم كبيرة حولهن وهن يخضن تجربتي الإنجاب والأمومة. وترى فرح أن الإنجاب تجربة جميلة، ولكنها صعبة، حيث تجد الأم الجديدة نفسها أمام مسؤولية كبيرة، وقد تعاني من أزمات صحية أو نفسية، وتعتقد أن المجتمع لا يحاول معالجة مثل تلك المشكلات، أو تداركها قبل أن تقع. أيضًا تؤكد فرح أن المنصة لا تستهدف الأمهات فقط، بل الآباء أيضًا، فللأب دور عليه أن يلعبه كي يخفف عبء الأم. ولكن تقول فرح إن 90% من العبء لا يزال يقع على الأمهات نتيجة للثقافة المجتمعية المحيطة بتجربة الأمومة.
أما عن التحديات التي تواجهها فرح في عملها، فتقول إن أغلبها شخصية، وتتلخص في كونها أمًا وسيدة، مما يعني تعدد مسؤولياتها. تقارن بين يوم الرجل ويوم المرأة، موضحة أن معظم الرجال في الثقافة المصرية لا يستهلكون طاقتهم فيما يتعلق بالأطفال، على عكس الأم التي قد تقضي وقتًا أطول لإنجاز نفس العمل الذي ينجزه الرجل. أما عن التحديات الأعم والمتعلقة بريادة الأعمال والنساء، فتضع فرح يدها على إحدى المشكلات المتعلقة ببرامج دعم رائدات الأعمال، وهي أنها ترتكز معظم الوقت على تشجيع النساء على بدء مشاريعهن، لا على استمراريته. تقول أيضًا إن معظم هيئات الاحتضان تستثمر في الرجال بنسبة 90%، وتقول إن هذا يعود إلى العقلية العامة في الوطن العربي والعالم كله، فقد جرت العادة على احتلال الرجال للمراكز القيادية.
ترى فرح أن هناك صورًا نمطية كثيرة فيما يتعلق بالوظائف، حيث تفضل بعض الشركات توظيف الرجال في وظائف معينة والنساء في وظائف أخرى، ولكنها تؤكد أنها قابلت نماذج لا تؤمن بمثل هذا التنميط رغم كل التحديات التي تواجههن. تعتقد فرح أن في مجالها،يعمل الرجال والنساء بالتساوي، لكن عندما يتعلق الأمر بالمبيعات، يكون الطلب أقوى على المرأة، وهذا نوع من التنميط الذي لا يعجب فرح. لا ترى فرح فرقًا في الالتزام بالعمل أو أداءه بين الرجال والنساء، فالفرق في الآداء لا يعود للجندر، بل للشخصية والبيئة التي تربّى / تربت فيها الشخصية وخبرات الشخص السابقة. تنتقد فرح الشركات والمؤسسات التي تميّز بين الموظفين على أساس الحالة الاجتماعية أو كون الموظفة أمًا. لم تواجه فرح مشكلة في كونها مديرة وسيدة،ولكنها تؤكد أن مثل هذه العقلية موجودة لدى نسبة من الموظفين الذين لا يستطيعون تقبل فكرة كون مديرتهم امرأة.
وفيما يتعلق بوباء الكورونا، وتأثيره على حياة فرح الشخصية والعملية، فقالت إنها واجهت مشكلة في التخطيط بعيد المدى، لأن الأمور لم تكن واضحة في بداية الجائحة، ولكنها تؤكد أن كون منصتها إلكترونية كان في صالحها. بدأ الجمهور يتفاعل بشكل أكبر مع المنصة ويستفيد من الخدمات التي تقدمها على شبكة الإنترنت. ولكن هذا لا ينفي وجود تحديات، فالجمهور قد يتمتع بالخدمات المتعددة التي تقدمها شركتها عن طريق شبكة الإنترنت،ولكن على فريق العمل أن يتواجد على الأرض كي يتنسى لهذه الخدمات أن تتقدم. حتى وإن قررت فرح أن ينزل فريق عملها إلى أرض الواقع، فالشركات الأخرى التي تتعاون معها فرح قد لا تلتزم بقرار مماثل. تتبع فرح وفريقها نظام ساعات عمل مرن حيث تسمح لهن / لهم بالعمل من المكتب ثلاثة أيام، ويومين من المنزل أو أي مكان آخر.
أما بالنسبة لأسرتها، قالت فرح إنها كانت داعمة لها ولمشوارها العملي منذ بدايته عندما كانت لا تزال طالبة جامعية، حتى إنهم دعموها في سفرها خارج مصر في رحلة عمل وهي طالبة في السنة الأولى في الجامعة. ولكن عندما قررت ترك منصبها ووظيفتها الثابتة المستقرة والاتجاه إلى ريادة الأعمال، تقول إنه كان هناك نوع من التخوف في البداية، وصل دعم أسرة فرح لها إلى موافقة والدتها على مرافقتها إلى دولة الإمارات العربية لتولي طفلها حديث الولادة الاهتمام بينما تعمل فرح في شركة “ياهو” العالمية. زوجها أيضًا كان مساندًا لها، حيث تؤكد أنه كان داعمًا لها في كل خطواتها، حتى في خطوة سفرها. شددت فرح على أهمية تحقيق الذات لدى الزوجين والمشاركة في العلاقة.
هكذا تحدثت فرح في هذه المقابلة عن جوانب من حياتها العملية والشخصية، تحديدًا شركتها الناشئة، وكيفية وصولها إلى مكانتها الحالية،وحال النساء والأعمال والجندر، وكيف دعمت شبكة علاقات فرح الشخصية عملها ومسارها المهني حتى الآن.
كرستين إبراهيم
تتحدث كرستين إبراهيم في هذه المقابلة عن رحلتها المهنية في مجال المبيعات، تحديدًا مبيعات الملابس، وأيضًا عن حياتها الشخصية. بدأت كرستين العمل في سن مبكرة، في المرحلة الثانوية،وفي عدد من الشركات المهمة في مصر، مثل شركة أيكيا،وإيفا فارما، وأخيرًا مطعم فرايدايز، حيث بدأت كمضيفة استقبال وتدرجت في الوظائف حتى وصلت إلى رتبة مدربة ثم مديرة.
كرستين امرأة مصرية في سن الثلاثين تعمل تاجرة ملابس في منطقة فيصل بالجيزة. بعد زواجها وإنجابها طفليها ظنت كرستين أن حياتها المهنية قد انتهت،إلا أنها اتجهت إلى شغفها وهو العمل في مجال الملابس من المنزل. في البداية قررت أن تبيع الملابس عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ولم تفتتح متجرها الخاص إلا عندما تأكدت أنه سيكون مشروعًا ناجحًا. انطلقت كرستين تبني مجتمعًا لها على موقع الفيسبوك يصل عدد أعضائه إلى ١١ ألف عضو. وعن بدايتها في مجال بيع الملابس، قالت كرستين إنها تحب التسويق بشكل عام، حتى أثناء عملها في مطعم “فرايدايز“،قبل أن تبدأ عملها بمجال الملابس. وقد بدأت بداية بسيطة بالشراكة مع شقيقتيها، حيث اشترت كل منهن بضعة قطع ملابس،وقررن محاولة بيعها على شبكة الإنترنت، ولم يتوقعن النتيجة، حيث بيعت كل القطع، وهكذا كانت البداية. بدأت الشقيقات في شراء أعداد أكبر من قطع الملابس، حتى صارت لديهن مجموعة كاملة من ملابس “البالة“. وهي ملابس مستوردة مستعملة بشكل بسيط أو ذات عيوب بسيطة. يقمن سويًا بكل الأعمال المطلوبة بداية من الشراء، ومرورًا بعرض الأزياء حيث يقمن به بأنفسهن،حتى البيع. بدأت الأخوات عملهن بميزانية ٥٠٠ جنيه فقط، ولم يحتجن إلى رأس مال كبير. هكذا صار منرل كرستين هو أيضًا مكان عملها. وشددت كرستين على الأهمية الجديدة للهواتف المحمولة وتكنولوجيا مواقع التواصل الاجتماعي في عالم اليوم، فالناس يستخدمون هواتفهم على مدار الساعة، فاستطاعت كرستين استغلال هذا الوضع في مبيعات الملابس على الإنترنت.
أكدت كرستين أن جائحة كورونا كانت “ضارة نافعة” بالنسبة لعملها في مجال الملابس، لأن الزبائن في هذا الوقت حبذوا المكوث في المنازل وعدم المخاطرة بالذهاب للمتاجر بأنفسهم للتسوق، بالإضافة إلى إجراءات الإغلاق التي جاءت لتترك أثرها السلبي على مجال المبيعات، وهكذا اتجه الناس إلى التسوق عبر شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي. استغلت كرستين هذا الوضع في عملها، حيث أعطت للزبائن ضمان إعادة الملابس لها في حالة عدم ملاءمتها لهم، وهذا ولد نوعًا من الثقة بينها وبينهم وساهم في تكبير مجال عملها. بالإضافة إلى ذلك، فالسيدات عمومًا يعانين من ضيق الوقت،لأن لديهن مسؤوليات متعددة، وهكذا قد يلجأن للتسوق عبر شبكة الإنترنت بشكل أكبر. ويبحث معظم الزبائن عن الأقمشة الجيدة، والتعامل الطيب، والأسعار الزهيدة، كما تقول كرستين، وتؤكد أنها نجحت في توفير تلك الاحتياجات لزبائنها عن طريق عملها. ويعود الفضل في وجود زبائن لكرستين في محافظات بعيدة عن القاهرة إلى وجودها القوي على مواقع التواصل الاجتماعي.
عادت كرستين بذاكرتها إلى الوراء، حيث تحدثت عن نشأتها ورغبتها في الإنفاق على نفسها خاصة بعد وفاة والدها. فعملت في مرحلة مبكرة من حياتها في التطريز،أيضًا من المنزل. وعند سؤالها عن موقف عائلتها من رغبتها في العمل، أكدت أنهم كانوا يشجعونها عليه، رغم شكوكهم في البداية، فقد حاولوا إقناعها بأنها ليست بحاجة للعمل لأنهم سيوفرون لها كل احتياجاتها، إلا أنها أحبت العمل وكسب المال بنفسها، وقالت إن زوجها من أكبر داعميها.
تحدثت كرستين أيضًا عن عملها كامرأة،قائلة إن النساء اكتسحن سوق الملابس حاليًا، وتعتقد كرستين أن المرأة قادرة على القيام بأكثر من عمل في نفس الوقت،عكس الرجال الذين يكتفون بعملهم الأساسي فقط، فالنساء قد اقتحمن سوق العمل كما قالت،ولكنهن أيضًا أمهات ويقمن بالأعمال المنزلية، فلا يستطيع رجل تحمّل الضغط الذي تتحمله المرأة العاملة كما قالت. أكدت كرستين أنها تتلقي عددًا كبيرًا من الاتصالات الهاتفية والرسائل لفتيات يرغبن في الانخراط في نفس مجال عملها، وأن عملها هذا قد ألهم كثيرات منهن ليدخلن سوق العمل. وتستخدم كرستين خاصية البث المباشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي في مساعدة النساء الأخريات اللاتي يرغبن في دخول المجال، فتشرح لهن كيفية البداية والاستمرار والنجاح في العمل. تعتقد كرستين أيضًا بأهمية مشاركة النساء في الإنفاق على الأسرة، وأن هذا ليس واجبًا على الرجل وحده، وتؤكد أن العمل يحسن الحالة النفسية للسيدة وتؤمن بأهمية الاستقلال المادي للنساء، وضرورة أن يكون للسيدة كيان مستقل بعيدًا عن واجباتها تجاه المنزل والأسرة.
أما عن التحديات التي واجهتها، فقالت كرستين إنها تعرضت للغش أحيانًا، حيث ابتاعت بالات ظنت أنها على أعلى مستوى إلا أنها اكتشفت رداءتها، وأن هذا دفعها لتقديم النصح للفتيات والسيدات الأخريات اللاتي يردن العمل في هذا المجال حتى لا يكررن أخطائها. أيضًا شدّدت كرستين على أهمية حسن معاملة الموظفين، لأنها عانت من سوء معاملة بعض مديريها، وأنها تحرص على راحة موظفيها عندما صارت هي نفسها صاحبة عمل، وأكدت على سلاسة طريقتها في الإدارة، فهي تحاول قدر المستطاع ألا تضع من يعملون معها تحت ضغط نفسي أو عصبي، بل تتعاون معهن في سبيل نجاح العمل ككل. أضافت كرستين أنه من المهم ألا تؤثر المشكلات الشخصية على العمل، وأكدت على أهمية الفصل بينهما في مجال المبيعات. قالت أيضًا إن بعض المارة قد يتحرشون بمن يعملن في المتاجر لفظيًا، وأن هذا من مساوئ هذا النوع من العمل. ولكنها في سياق آخر متصل أكدت أن التجار من الرجال لا يرفضون العمل مع السيدات في هذا المجال فقط لأنهن سيدات، بل يقبلن العمل معهن لأنهن قد أثبتن أنفسهن في سوق العمل، وللاستفادة من خبراتهن الواسعة.
تُعد كرستين الآن تاجرة “يد أولى” أي تتعامل بشكل مباشر مع المستوردين، الذين أفادت أن معظمهم من الرجال، ولكنها امرأة طموحة، فقد أعربت عن رغبتها في أن تصبح هي نفسها مستوردة، وأن تدخل الملابس البالة باسم متجرها هي يومًا ما في المستقبل، وألا تكون تحت اسم رجل آخر.
كرم توفيق
في هذه المقابلة، تحدثت كرم أحمد توفيق عن مراحل حياتها المختلفة وأنواع الخبرات التي اكتسبتها منها، معتبرة كل مرحلة على أنها مغامرة تعليمية أدت في النهاية إلى تبلور فكرتها وحلمها الطويل ببدء دار النشر ومكتبة التي ستصبح “كتب خان” في المستقبل.
كانت القراءة والكتابة دائمًا جزءًا من حياة كرم عندما كانت طفلة في الخامسة من عمرها تعلمت من والدتها المعلمة كيفية القراءة والكتابة مما أدى الى تطور حبها للكتب. أرادت كرم متابعة أخذ حبها للكتب لمستوى آخر عن طريق دراسة الأدب الإنجليزي في الجامعة,.ولكن دفعتها بعض الضغوط التي واجهتها من قبل والدتها إلى دراسة الإعلام وحصولها على درجة البكالوريوس عام ۱۹۸۸ بدلاً من تحقيق حلمها بدراسة الأدب الإنجليزي. ومع ذلك، لم تؤد هذه التغييرات إلى إيقاف عمل كرم أو أحلامها، بل على العكس، عملت بجد وتعلمت المزيد في الواقع، كانت تحب استكشاف وتؤمن بالعديد من مهن ومسارات العمل، حتى إن اتخذت شكل التطوع، كما في البث الإذاعي. وبعد حصولها على ماجستير إدارة الأعمال في إدارة المشاريع أمضت كرم وقتًا طويلاً في العمل بشركات دولية.
بين عامي ۱۹۹۱ – ۲۰۰5 عملت في العديد من الشركات متعددة الجنسيات مثل شركة ((HP وشركة (AT&T) والعديد من الشركات الأخرى. وهناك تعلمت واكتسبت المزيد من الخبرات التي طبقتها لاحقًا في بناء مشروعها الخاص “الكتب خان” ومن أهم الدروس التي تعلمتها كرم من هذه التجارب هي أهمية قيمة مشاركة المعلومات مع زملاء العمل إذ يعد تبادل المعلومات أمرًا ضروريًا للغاية لنجاح الأعمال، فعندما لا يتم مشاركة المعلومات بدقة، سيستغرق المضي في العمل المزيد من الوقت مع توجب إجراء التصحيحات. ولهذا السبب تسعى كرم إلى بذل قصارى جهدها في أن تكون كريمة في مشاركة المعلومات. وتقول إن مشاركة المعلومات أمر بالغ الأهمية: “علشان كلنا تبقى على نفس ال level عارفين نفس الحاجة، عارفين الشغل، يحصل ويتم مش يتوقف علشان في شخص مش موجود“
فيما يتعلق بوقتها في عالم الشركات وخبراتها المهنية السابقة، سُئلت كرم عما إذا كانت واجهت أية عنصرية أو تحيز جنسي بصفتها امرأة في مكان العمل. فأجابت نافية ومعتبرة هذا أحد أكثر الجوانب الإيجابية في حياتها. ونسبت فضل هذه التجربة الإيجابية إلى هيكل وبنية الشركات الدولية التي قامت بتطوير الآليات التي لا تسمح لمثل هذه النوع من السلوكيات بالحصول دون ملاحظاتها وفرض العقاب عليها. وقالت في ذلك الصدد: إحنا دايمًا كان عندنا كل ٣ شهور بيحصل تقييم لكل الموظفين والمديرين أو المناصب الأعلى، وفي سرية تامة. وقد ساعد ذلك حسب رأيها على مراقبة ومنع أي تنمر أو مضايقة. ولكنها أوضحت أن النوع الوحيد من الازعاج والاستياء الذي تعرضت له على الإطلاق جاء من نساء أخريات: “أنا مش محجبة شعري باين شكلي شوية مختلف، ويحصل من ست مكنش بيحصل من راجل“
بالحديث عن هذه القضية الخاصة بالنساء في مكان العمل، تهتم كرم بشكل خاص بفهم سبب الرغبة المتزايدة لدى العديد من النساء اللواتي تلقين تعليمًا متقدمًا للتخلي عن الانضمام إلى القوى العاملة أو الاتجاه إلى ريادة الأعمال وتفضيل البقاء في المنزل بدلاً من ذلك. لقد رأت أن هذه الظاهرة لا زالت آخذة في الازدياد منذ العقود الماضية وتحيّرها للمشكلة جعلها تعتقد أن الظاهرة تستحق المزيد من البحث والاستقصاء. وفي المقابل تتحدث كرم عن جيل والدتها – الحاضن للأشخاص الذين ولدوا في الأربعينيات والخمسينيات – والذي كان أكثر نشاطًا: “دول اتعلموا واشتغلوا واتجوزوا وخلّفوا وربّوا أولاد، وكان عندهم 3 /4 /5 /6 عيال، وكانوا بيشتغلوا، وقدروا يعملوا ده.”
وتقول كرم،متأملة الفترة الحالية من حياتها وتلك التجارب والدروس: “أنا كل حاجة حققتها، وكل مشروع الكتب خان،هي نتيجة الشغل في شركات عالمية كبرى” ولذلك، بينما كانت هذه المرحلة من حياتها لا تقدر بثمن لم تغفل كرم أبدًا عن فكرتها في بدء شيء جديد ومبتكر. وأخيرًا في عام ٢٠٠٦ حولت كرم أحلامها إلى حقيقة وبدأت مكتبتها / دار النشر الكتب خان،دون تردد أو مخاوف،بل بشعور من الإثارة والحماس الذي لا تزال تحافظ عليه حتى يومنا هذا.
في “الكتب خان“، لم يكن تحقيق الربح هو هدف كرم أبدًا، بل تقف وراء أية قطعة أدبية جادة. حتى لو لم يكن لها عائد مادي كبير يعتبر نشر الثقافة ومساعدة الكتاب والفنانين على متابعة عملية النشر من معتقداتها الرئيسية. للقيام بهذه المهام، يجب على كرم أحيانًا أن تعمل على مدار الساعة، فلم يكن اكتساب المعرفة التي تحتاجها كرم من أجل إدارة دار نشر مثل ” الكتب خان” مهمة سهلة على الإطلاق، كان عليها أن تبدأ من الصفر حتى تتمكن من فهم كيفية تنفيذ العملية الكاملة لخط عملها، حتى في التفاصيل اللوجستية مثل مكان الحصول على الورق بالجملة، وكيفية استيراد الكتب من الخارج، وكيفية توزيع الكتب المطبوعة في مصر وأماكن أخرى. وقد كلفها اكتساب هذه المعرفة الكثير من الوقت والجهد الشخصي. ومع ذلك، فهي تشارك بسخاء تلك المعرفة المكتسبة خلال السنوات والنضال مع أي شخص يطلب المساعدة. إن فهم الصعود والهبوط في أي عمل هو مهارة بالغة الأهمية، والقدرة على تحقيق أقصى استفادة من أوقات التعطل هو شيء تعلمته کرم خلال ذروة انتشار جائحة فيروس كورونا عبر العامين الماضيين. وعلى الرغم من انخفاض مبيعات الكتب إلى خمسين بالمائة إلا أن كرم رأت في ذلك فرصة لإعادة التركيز وتخصيص المزيد من الوقت لعملها خاصة في إعطاء المزيد من الاهتمام للكتابات ذات الجودة. وعلى صعيد آخر، كانت أيضًا قادرة على قضاء المزيد من الوقت في القيام بالأشياء الأخرى التي تحب القيام بها لنفسها مثل القراءة وقضاء الوقت مع أسرتها.
كان تأسيس “الكتب خان” أمرًا صعبًا وكان المضي قدمًا بشكل مستمر، خاصة أثناء الوباء، يمثل تحديًا بشكل خاص. إلا أن كرم قبلت هذه الصعوبات من أجل متابعة شغفها وهي تعلم دائمًا أنه كان بإمكانها البقاء في عالم الشركات بكل وسائل الراحة والمزايا. وأوضحت كرم أن على كل شخص أن يختار أحلامه وأن يكون ما يريده حتى لو كان صعبًا.
ماریانا ماهر
تتحدث ماريانا ماهر،وهي مالكة مشاركة لمركز للعمل والمذاكرة، عن حياتها العملية والشخصية في هذه المقابلة. تجيب ماريانا أيضًا عن أسئلة متعددة حول آرائها في موضوعات تمس النساء والعمل والجندر، وعن جائحة كورونا المستجدة ومدى تأثيرها على عملها.
تخرجت ماريانا في كلية الحقوق، ولكنها لم تحب العمل في مجال القانون، فبدأت العمل في مجالي المبيعات والتسويق، ثم الموارد البشرية. بدأ شقيقها مينا مشروع “الخطوة الأولى” (First Step)، وهو مركز للعمل والمذاكرة بالإضافة إلى اهتمامه الخاص بكل ما يخص الأطفال والطفولة. وهما يملكان حاليًا فرعين في محافظة الجيزة لمشروعهما.
بدأت ماريانا رحلتها العملية في سن مبكرة، في الثامنة عشر من عمرها، أثناء دراستها الجامعية في مجال المبيعات فهي تحب العمل مع الناس بشكل مباشر. وتؤكد ماريانا أن أسرتها، خاصة والدها، دعموا قرارها بالعمل في هذا العمر المبكر كثيرًا، رغم قلقهم عليها الذي تتفهمه،ولكن لا تنصاع إليه، تقول إنها لطالما آمنت أنها شخصية مستقلة، لا تابعة،ولا يجب عليها أن تنتظر من أسرتها الدعم المادي، رغم أنهم لم يقصروا في تقديمه. وتقول أيضًا إنها تعتبر نفسها مختلفة عن الفنيات الأخريات التقليديات، فلا تهتم كثيرًا بالتجميل وما شابه، بل تميل بشكل أكبر إلى العمل.
وفيما يتعلق بعملها في مجال المبيعات، تقول ماريانا إن مديري المبيعات عادة ما يفضلون الفتيات عن الجنس الآخر، وإن هذا نوع من أنواع الاستغلال، وإنهم لا يهتمون بالمنتج نفسه، يعلمون الفتيات كيف يبعن السلعة بالابتسامة وبالأسلوب، لا عن طريق استيعاب تفاصيل السلعة نفسها وفهمها ومعرفة كل خصائصها وفهم طريقة بيعها لكل الناس،لا لفئة واحدة معينة منهم تقول إن بعض الفتيات يضطررن إلى العمل بالمبيعات لاحتياجهن المادي لذلك، لا لأنهن يؤمن بأهمية هذا العمل، وتقول ماريانا إن والدها كان مدرسها الأول في مجال المبيعات فهو أيضًا رجل مبيعات. ولكن حين احتكت بأرض الواقع، وجدت مشرفي المبيعات يؤكدون على الفتيات أن يكن “لطيفات” مع العملاء، تقول هذا وتسخر من هذه النصيحة، فما معنى اللطف؟ تؤكد ماريانا أيضًا أن مديري المبيعات عادة رجال ولا يدعمون الفتيات في سبيل الترقي في حياتهن العملية، بل يرغبون أن تظل الفتاة في مكانها دون تغيير. وتوافق ماريانا على فكرة تشغيل الفتيات في مجال المبيعات ولكن يجب تشعيلهن ودعمهن أيضًا حتى يصبحن مديرات مبيعات.
أما عن بداية مشروعها مع شقيقها مينا، فتقول إنه لطالما أحب كل ما يخص الأطفال، فاشترى متجرًا في حي الهرم وحوله إلى مركز للعمل والمذاكرة، يأتي إليها الأطفال كي يستذكروا دروسهم. وقررت أن تساعده في مشروعه، حتى بدأوا في البحث عن مكان أكبر مساحة، وحينها كان عليها أن تترك عملها كي تتفرغ لهذا المشروع، وتصفه بأنه كان قرارًا صعبًا، وتؤكد أنها بشكل عام تتخذ قراراتها بنفسها، ولا تنتظر موافقة أسرتها،وتؤكد أيضًا أنهم أعطوها هذه المساحة لاتخاذ قراراتها بشكل مستقل. ما شجعها على اتخاذ قرار الاستقالة كان احتكاكها بشكل مباشر بشباب في سن السابعة عشر حتى الخامسة والعشرين، حيث شعرت أنهم جيل مختلف. وهكذا قررا أن يؤسسا مشروعهما اعتمادًا على نسق “ساعد نفسك“، حيث يكون على الشاب أو الشابة أن يعدوا لأنفسهم المشروبات والطعام،وأن ينظفوا أماكنهم بأنفسهم. وتفكر ماريانا في التوسع وافتتاح فرع بمحافظة القاهرة، وتحب فكرة ساعد نفسك كثيرًا. قالت ماريانا أيضًا إنها كانت تملك مشروعًا صغيرًا قبل مشروعها مع شقيقها،حيث امتلكت ماكينات حياكة وعملت في مجال الحياكة، إلا أنها لم تستمر فيه طويلاً لأسباب صحية. تؤكد ماريانا أن المال ليس أهم عامل في نجاح الشركة بل الاستمرارية في العمل، وقد يجد صاحب أو تجد صاحبة العمل أنفسهم يعملون ضعف عدد الساعات لأن عليهم / هن أن يلموا بكافة تفاصيل الشركة وكل ما يتعلق بها.
وتقول ماريانا إن هناك فارقًا في الآداء بين النساء والرجال فيما يتعلق بالعمل، فعندما يتم تدريب النساء بشكل كافي، يستطعن التفوق في الآداء، أما فيما يتعلق بالرجال، فتقول إنه في خبرتها الشخصية يحتاج الرجال إلى نوع من الدافع القوي كي يؤدوا عملهم بشكل أفضل. تؤكد أيضًا أن لدى الرجال مشكلة في تقبل كون مديرتهم امرأة. وفي سياق متصل بمسألة الجندر، تقول ماريانا إن بعض الشركات تسأل السيدات أثناء إجراء مقابلات العمل عن حالتها الاجتماعية بشكل فج، وتؤكد أن هذا ضايقها كثيرًا، حتى افتتحت عملها الخاص ولاحظت ظاهرة في بعض الفتيات اللاتي يعملن تحت إشرافها وهي أنهن يتجاهلن واجبات عملهن نوعًا ما عندما يرتبطن عاطفيًا، وتتمنى أن تواجههن بهذه الحقيقة، وأن تسألهن إن كن يشعرن بأن حياتهن تضيع.
أما عن وباء الكورونا المستجد وتأثيره على عمل ماريانا، فتقول إنها كانت فترة صعبة، فهي تحب الناس والعمل معهم عن قرب، فكانت تجربة سلبية عمومًا في البداية إلا أنها لاحظت أن الناس قد تكيفوا مع الوضع،على عكس توقعاتها وتخوفاتها. وبدأ الأطفال في العودة إلى ساحة العمل الجماعي الخاصة بها، ولكن بقواعد جديدة تؤكد أنهم تعلموها بسرعة.
وحين سؤالها عن المشكلات التي قد تقابلها رائدات الأعمال عند بداية شركاتهن الناشئة، قالت ماريانا إن عدم اقتناع شريحة كبيرة من المجتمع بقدرة المرأة على إدارة العمل تشكل مشكلة كبيرة تقابلها رائدات الأعمال،ففي هذا الصدد، قد لا يقتنع العمال مثلاً بأنها هي المسؤولة الأولى والأخيرة عن الشركة،ويفضلون التعامل مع رجل. ترى ماريانا أن المرأة هي من تستطيع إجبار الآخرين على احترامها واحترام سلطتها. ونصيحتها للمرأة عمومًا فيما يتعلق بالتعامل مع الآخرين والعلاقات هي أن ترى نفسها كإنسان كامل الأهلية أولاً،وأنها ليست أقل من الرجل بأي شكل من الأشكال،وألا تخاف من الخطوات التي تتخذها وأن تتحمل مسؤولية كل خطوة، وأن تنظم وقتها بين عملها وبين أسرتها. حين سؤالها عن أحلامها المستقبلية، قالت إنها تحلم أن تساعد كل من لديه حلم في تحقيقه، وأضافت أنها لن تعتبر نفسها رائدة أعمال قبل تحقيق هذا الحلم.
مروة قباري
مروة قباري كامل من مواليد القاهرة وهي مهندسة زراعية بإحدى الهيئات التابعة لوزارة الزراعة،ورائدة أعمال مصرية في حرف وفنون الجلود. أسست مروة مشروع مشغولات جلدية يدوية حاز على جوائز الإبداع والتميز على مستوى جمهورية مصر العربية،من ضمنهم الجائزة الأولى في مسابقة “أنا مصر” للحرف اليدوية في عام ۲۰۱۸ عن حقيبة ظهر للسفر تجمع مكونات الحضارة المصرية من تصميم وإنتاج مروة، وجائزة “الصناعات الإبداعية” المقدمة من المجلس الأعلى للثقافة عام ٢٠2١ عن أول حقيبة سفر مصنوعة يدويًا بالكامل من الجلد الطبيعي وتمثل تابوت توت عنخ آمون يحرسه أنوبيس على الجانبين. في هذه المقابلة، تتحدث مروة عن رحلتها مع الأعمال اليدوية والتحديات التي واجهتها وتجربتها في تأسيس مشروع تصميم وإنتاج مجموعة متنوعة من منتجات الجلد الطبيعي التي تعبر عن الثقافة المصرية.
بدأت مروة بالحديث عن شغفها بالأعمال اليدوية والذي صاحبها منذ الصغر، وكانت تجربة والدتها مصدر إلهامها الأول. فمنذ طفولتها تابعت مروة مداومة والدتها على الأشغال اليدوية في المنزل مثل الخياطة والتفصيل والتطريز والكروشيه مما شجعها على تقليد والدتها والتعلم منها. عندما لاحظت الأم اعجاب مروة بالأشغال اليدوية،اهتمت بنقل مهاراتها التي هي أيضًا اكتسبتها في الطفولة. كل ما تعلمته الأم نقلته بعناية للطفلة مروة، والتي وجدت عند دخولها المدرسة الابتدائية فرصة جديدة للتعلم في مناهج الاقتصاد المنزلي عنت مدرسات الاقتصاد المنزلي بتدريب مروة على مختلف الأشغال اليدوية طوال فترة التعليم المدرسي.
عند دخولها الجامعة واجهت مروة التحدي الأول لها، وهو نظرة المجتمع للعمل اليدوي والفني إنه غير ملائم للدراسة الجادة والذي صاحبه تفوقها الدراسي وبالتالي ضرورة التحاقها بإحدى كليات القمة، حيث أن دراستها للفنون كانت مسألة غير مطروحة للنقاش. درست مروة الهندسة الزراعية بجامعة عين شمس وتخرجت في عام ۲۰۰۹ بتفوق،مما أتاح لها فرصة للتعيين في هيئات وزارة الزراعة ضمن أوائل الخريجين،وتباشر عملها منذ ٢٠١٣ بجانب ممارستها للأشغال اليدوية،والتي تطورت في تلك الفترة لتتضمن عمل حلي الإكسسوار من الفضة والنحاس والأحجار، بالإضافة إلى عمل الحقائب من القماش والكروشيه. امتدت العلاقة الوطيدة بين مروة والأعمال اليدوية حتى صادفت خامة جديدة وهي الجلود.
كان التحدي الثاني الذي واجهته مروة هو أن تتعلم كيفية استخدام تلك الخامة الجديدة في عمل الحقائب، فالتحقت مروة بدورة تدريبية لتعلم خياطة الجلود في أكاديمية لتعليم الحرف اليدوية،وكانت بمثابة خطوة أولى في طريق دفع شغفها لبداية جديدة. وفي نهاية عام ٢٠١٦ أسست مروة مشروعها للمشغولات الجلدية اليدوية عن طريق صفحة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك،ثم شاركت بمشروعها في معرض دولي للحرف اليدوية أقامته الأكاديمية، حققت مروة نجاحًا باهرًا في معرضها الأول وتمكنت من بيع كل مجموعة الحقائب التي شاركت بها، وبدأ مشروعها في استقبال طلبات للشراء عبر صفحتها. الإقبال على طلب المنتجات كان التحدي الأكبر لمروة حيث كانت في ذلك الوقت تعمل بمفردها في جميع مراحل الإنتاج من الإبداع والتنفيذ الشراء لخامات وتصميم وخياطة المشغولات، إلى الإدارة لاستقبال وتسليم طلبات العملاء والتسويق ومتابعة المعاملات المالية، لكن جاءت الأسرة لتكون مصدر الدعم ويد العون.
شددت مروة على دور أسرتها في استمرار نجاح المشروع، خاصة مساندة والدتها للمشروع منذ بدايته، ففي المراحل الأولى واجهت مروة معوقات مادية لعدم وجود رأس مال كاف سواء لشراء المعدات والأدوات اللازمة أو لدفع مرتبات لعمالة ثابتة. قدمت والدتها الدعم المادي لدفع المشروع للنور، مع نجاح المشروع وزيادة الإقبال على المنتجات،طلبت والدة مروة من ابنتها أن تُعلمها خياطة الجلود، وأن تكون أولى العاملات معها في الإنتاج. تشير مروة أن أسرتها كانت داعمة لها “وفي ضهرها” على الدوام فبمساهمة والدتها نجحت مروة في تنمية المشروع وزيادة الإنتاج، ثم جاءت الأخت لتتولى مهمة الدعاية والتسويق بخبراتها العملية في مجال التصميم والجرافيك،وشارك أبناء وبنات الخالات والأصدقاء في الخياطة والمبيعات وإدارة التسويق الالكتروني بعد أن قامت مروة بتدريبهم.
تعقد مروة ورش تدريب لتعليم مهارات خياطة الجلود يشارك فيها رجال ونساء من مختلف محافظات مصر. لاحظت مروة اهتمام النساء المتزايد بالأعمال اليدوية وإقبالهن على الاشتراك في الدورات التدريبية، وأرجعت السبب أن المرأة المصرية خاصة المعيلة تبحث دائمًا عن فرص عمل مستقل يتوفر فيه إمكانية كسب المال من المنزل وزيادة الدخل. كما تشير مروة أن غالبية النساء اللاتي يقبلن على تعلم وممارسة الحرف اليدوية من النساء غير العاملات في المجال العام و“ربات البيوت” واللائي نجحن في تحويل الأشغال اليدوية لمشروعات تجارية مربحة، حيث وجدن في الأعمال اليدوية بشكل عام ما وصفته مروة بأنه المتنفس لتحقيق الاستقلال المادي عن طريق عمل يدوي مستقل لا يشترط التفرغ الكامل.
وفي حديثها عن عملها كامرأة في المجال العام خاصة الهندسة الزراعية، فكانت مروة رائدة أيضًا وبامتياز، فعند بداية عملها كانت المهندسة “البنت” الوحيدة فقط ضمن فريق عمل من الرجال،وتخصصت في مجال الرسم الهندسي والتصميم. واثبتت كفاءة في العمل الهندسي المكتبي. لكن برغم ذلك لم يتم إشراكها في العمل الهندسي الميداني، وذلك لأن العمل الميداني في وحدة نظم المعلومات الجغرافية حيث عملت مروة يتطلب المشي لمسافات طويلة على أرض غير ممهدة لعمل حصر مساحات في صعيد مصر. برغم تخوف مديرها وزملائها من صعوبة المهمة عليها وتعاملهم معها “كشيء قابل للكسر“، كسرت هي القاعدة وأصرت على المشاركة والسفر من القاهرة لصعيد مصر لتنفيذ المهمة، وقام مدير مروة بإقناع والدتها بدعم قرارها للسفر لعدة أيام من أجل إتمام العمل.
وفي الصعيد تعاملت مروة بشكل مباشر مع مجتمع وصفته بالاحترام والرقي لكنه لا يرى سبب لتعريض امرأة نفسها لمثل هذا العمل الشاق و“البهدلة” مع إصرارها على إتمام العمل بنفسها مثل زميلها المشارك، رأي فيها أهل البلد وزملائها ومديرها كفاءة ودأب مما جعلها محل ثقة الجميع، وأسند لها تنفيذ مهمات متعددة خارج وداخل القاهرة. على مدار سنوات عملها في مجال الهندسة الزراعية وحتى آلان مهدت مروة بمثابرتها وتفانيها في العمل دخول نساء أخريات المجال، وتبدلت الغرابة الشديدة لمشاركة امرأة في العمل الميداني الشاق بالقبول وتقدير الكفاءات، وحققت ريادة في العمل الهندسي شأنها شأن ريادتها في العمل الحرفي.
أما عن تأثير كونها امرأة على رحلتها في مجال الأشغال اليدوية، أوضحت مروة أن مجتمع موردي الخامات رغم احترامه الشديد لمجهودها كان يتعامل مع وجودها كامرأة شابة بغرابة في بداية الأمر. لكنها تمكنت من تخطي هذا الحاجز وبناء علاقات جيدة مع موردي الخامات. أصبحت مروة قدوة ومصدر إلهام للنساء في مجال المشروعات اليدوية،وشاركت بخبراتها العديد من النساء والرجال عن كيفية الحصول على الخامات عالية الجودة،والوصول لفرص تدريب على تصميم المنتجات وإدارة الأعمال اليدوية، وعن تأسيس مشروعات تجارية في مجال الحرف اليدوية على منصات التواصل الاجتماعي.
ميّ جاه الله
تتحدث مي جاه الله، رائدة الأعمال المجتمعية،عن حياتها ومسارها المهني الطويل والمتنوع،وأيضًا تجيب عن أسئلة عامة حول الأعمال والجندر، ونشأتها وتربيتها كامرأة نوبية، وأيضًا عن النوبة والتهجير.
بدأت رحلة مي مع العمل المجتمعي في سن مبكرة، حيث كانت تحب التطوع وتمارسه أثناء دراستها بالمدرسة. كانت أيضًا تحب التجارة في هذه السن المبكرة جدًا، فكانت تبيع ألعابها ومجلاتها القديمة في النادي الذي كانت ترتاده. وفي المرحلة الثانوية، بدأت تتواصل مع عدة مؤسسات دولية مما سمح لها بالسفر إلى ما يقرب من واحد وعشرين دولة، حيث تقضي فترة الصيف في التدريب والتعلم. لم تكن مدركة حينها معنى مصطلح “ريادة الأعمال المجتمعية“. وقد شغلت منصب مراقب مكافحة غسيل أموال وتمويل إرهاب في بنك “نيويورك ميلون“، ولكنها حافظت على عدد الساعات الذي تقضيه في التطوع. وأخذها اهتمامها بالأعمال إلى طريق فريد، وهو تجارة المواشي، حيث عملت في مجال تجارة المواشي بجانب عملها في البنك، وهذا يدل على تنوع المجالات التي عملت بها مي. وفي أحد الأيام قررت مي أن تتوقف عن العمل في البنك والعودة إلى مجال التنمية بدوام كامل،لشعورها أنها لم تقم بأعمال كافية لتنمية المجتمع كما تريد.
قررت مي حينها أن تسافر إلى مجموعة كبيرة من القرى والنجوع في مختلف محافظات مصر،ولكنها عادت بخيبة أمل،فقد لاحظت أن الناس كثيرو الشكوى وقليلو العمل. ولأنها نوبية الأصل، قررت أن تبدأ رحلتها في النوبة، وهناك أسست مؤسسة “كنوز نوبية” والتي تعني بإحياء التراث التوبي الثقافي،الثري وتزوجت مي وأنجبت ابنها الوحيد نوح، والذي كان رفيقها في كافة أنشطتها. تتحدث مي باستفاضة عن مشروع “كنوز نوبية“، وعن بيئة العمل التي حاولت أن توفرها للعاملات،وهي بيئة عمل مريحة وملائمة للأمهات حيث سمحت للنساء اللواتي أردن إحضار أطفالهن بإحضارهم إلى العمل. وترى مي في ريادة الأعمال المجتمعية التوازن المطلوب بين تحقيق ربح يساعد على استمرار العمل وخدمة المجتمع.
تؤكد مي أن عائلتها كانوا أكبر داعميها في مساراتها المهنية المختلفة. ربما حاولوا إثنائها نوعاً ما عن ترك العمل في البنك، وكان هناك نوعًا من الاعتراض أيضًا على تجارتها في المواشي، ولكنهم يدركون أنها ستفعل ما تريد في النهاية. زوج مي الحالي أيضًا من أكبر داعميها، وكذلك ابنها الوحيد. كان الفكر الذكوري المصبوغ بصبغة دينية من أكبر التحديات التي واجهتها مي في حياتها العملية،خاصة أثناء عملها في الصعيد،فتروي قصة طريفة حول ضغط المجتمع المحلي عليها لارتداء الحجاب، فبدأت ترتدي عمامة الرجال لتغطية شعرها حتى بدأوا هم بأنفسهم يطلبون منها أن تتوقف عن ذلك لأنه “عيب” على المرأة أن ترتدي عمامة الرجال، حتى توقفوا عن مطالبتها بتغطية شعرها. كانت نظرة المجتمع المحلي أيضًا للمرأة التي تعيش وحدها، وغير متزوجة، أو حتى مطلقة تحديًا واجهته مي، حيث تقول إن النساء المطلقات أو العازبات لا يتمتعن بالخصوصية إطلاقًا. وفي سياق متصل، عند سؤالها عن التحديات التي تواجه رائدات الأعمال بشكل عام، قالت مي إن الأسرة تلعب دورًا كبيرًا في حياة النساء، فالكثير من الأسر ترغب فقط في تزويج الفتاة أو على الأقل في ضمان مستقبلها الوظيفي بعمل تقليدي، وتقلقهم ريادة الأعمال كثيرًا وبالتالي يثنون الفتيات عن اتخاذ هذا المسار.
تحدثت مي أيضًا عن الأقاويل النمطية الجندرية التي توضع فيها المرأة، فمثلاً يقال إنها “عاطفية جدًا” وبالتالي لا تستطيع اتخاذ القرار، وردًا على ذلك تؤكد مي أن من تتخذ القرار اليوم في سياق المنزل هي المرأة،لارتفاع نسبة المرأة المعيلة في المجتمع المصري. حتى في الأسر التقليدية التي يعولها الرجل، تعمل معه المرأة جنبًا إلى جنب وتشارك في مصروفات المنزل.
وعند سؤالها عن الفرق في الآداء بين الرجال والنساء فيما يتعلق بالعمل، قالت مي إنه من الصعب إطلاق أحكام عامة. فالعمل في مجال الإكسسوارات مثلاً لن يراه الرجال لائقًا بهم، ولكنها تؤكد أيضًا أنها كانت مهتمة بشكل خاص بالنساء. تنتقد مي الفكر الذي يقول بإن النساء أفضل من الرجال في المطبخ، لأن أكبر طباخي العالم من الرجال مثلاً. تحاول مي ألا تقع في فخ التقسيمات الجندرية هذا.
تؤكد مي أن المجتمعات النوبية في الأصل تحترم النساء، فكانت هناك أربع ملكات نوبيات في الماضي، وكانت النساء ترتدي الملابس الملونة تحت “الجرجار” النوبي وتضع الإكسسوارات التقليدية. ولكن جاءت تأثيرات التهجير السلبية لتغير من تلك العادات والتقاليد، فترتدي النساء الآن أزياء مستوردة من ثقافات أخرى، أغلبها خليجية. تقول أيضًا إن جدة والدها كانت بمثابة عمدة البلد، فكانت تتحدث العربية والإنجليزية والفرنسية، فلا يبيع أو يشتري أحدًا دون وجودها ولا يكتتب دين إلا تحت إشرافها، وهذا إن دل على شيء فيدل على مكانة المرأة النوبية في المجتمع المحلي النوبي منذ زمن. تتحدث مي أيضًا عن تأثير التهجير عمومًا على الحياة النوبية، فتقول مثلاً إن عدد الوفيات قد ارتفع عند التهجير لأن البيوت النوبية التقليدية مبنية من الطين، أما البيوت التي تم نقلهم إليها فكانت كتل أسمنتية، فلم يستطيعوا تحمل الحرارة، حتى الأطفال توفوا تأثرًا بالحر الشديد في تلك البيوت. اختفت أيضًا وتغيرت رموز ثقافية نوبية،حتى الإكسسوارات الذهب تغير شكلها، وصار أقرب للشكل الهندي من النوبي، وعقبت على ندرة من يتحدث اللغة النوبية في الجيل الجديد.
عانت مي أيضًا من التفكير القبلي، فعندما كان يأتي الشباب ليتطوعوا في مشروعها في الصعيد، كانوا أحيانًا يرفضون العمل سويًا لأن والد أحدهم يعمل عاملاً تحت إشراف والد الآخر،وهكذا فإن مستوياتهما الاجتماعية مختلفة ولا يجوز لهما أن يعملا سويًا. كانت مي تقاوم مثل هذا الفكر، فتصمم على تشغيل الكل سويًا، أو أن تطلب من فتاة أن تكون هي قائدة فريق على مجموعة من الشباب.
نشوي حبيب
ناقشت هذه المقابلة خبرة نشوى حبيب الواسعة في دعم رائدات الأعمال وتنمية أنشطتهن على مدار قرابة العقدين من الزمان. ومما يميز هذه الخبرة التي اكتسبتها نشوى من عملها تركيزها على محور الجندر والتمكين الاقتصادي للمصريات. أضف لما سبق أن خبرة نشوى العملية تجاوزت نطاق مصر حيث عملت على برامج “مدن آمنة للفتيات” في ثلاث قارات مختلفة، تحديدًا: آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية.
وبالمقارنة مع عملها الواسع بالقارات الثلاث على تمكين الفتيات اقتصاديًا واجتماعيًا، انحصر ترکیز نشوى على التمكين الاقتصادي في الحالة المصرية، حيث أسست أول شبكة لرائدات الأعمال المصريات تدعى “شبكة رائدات الأعمال” (Women Entrepreneur Network) بدعم من هيئة المعونة الأمريكية بمصر.. أخذت هذه الشبكة على عاتقها مهمة توفير قاعدة دعم مرجعية معلوماتية للنساء ممن شرعن في خوض تجربة ريادة الأعمال بمصر. وفرت الشبكة لهن الآتي: تنمية القدرات الذاتية، اختيار بيئة الأعمال المناسبة وتوفير كافة المعلومات ذات الصلة،والتواصل مع داعمي الأعمال الفاعلين في السوق، والوصول للموارد المالية وغير المالية المطلوبة، العمل على المناداة بتغيير القوانين بما يعزز من البيئة التشريعية الداعمة لتعظيم دور المرأة اقتصاديًا. وامتد عمل الشبكة،وفي القلب منها نشوى،إلى دعم حملات نشر الوعي بدور المرأة الاقتصادي بالمجتمع مع جهات أهلية مثل اتحاد الصناعات.
عملت نشوى على برامج التوعية التي تستهدف جذب انتباه الرجال إلى الأدوار بالغة الأهمية التي يمكنهم القيام بها من أجل مساعدة النساء على الترقي وظيفيًا داخل مجتمع الأعمال. كما أسهمت في تدشين مبادرات مختلفة لدعم النساء الراغبات في خوض تجربة ريادة الأعمال تقدمها سيدات أعمال ومدربات ذوات خبرة. أسست نشوى مع آخرين أول شبكة للتمويل الملائكي بمصر والثانية بمنطقة الشرق الأوسط، وهي المسماة “Tia Angels” تحت مظلة شبكة “WEN” واسعة النطاق. وتتفرد شبكات التمويل الملائكي بتوفير الدعم والإرشاد الاقتصادي والنفسي لرائدات الأعمال الجدد، كما أنها تمثل أيضًا إحدى أدوات الدعم المالية غير البنكية التي يمكنها معالجة الأسباب الجوهرية التي تقف حائلاً أمام تمكين المرأة. وسط ندرة المستثمرين المغامرين غير التقليدين من النساء في العالم بأسره، يمكن لأدوات مثل شبكات الدعم الملائكي أن تساهم في إحداث تغيير جذري بالاقتصاد الكلي عبر تفكيك بني الهيمنة الذكورية على الاقتصاد وسد أوجه العجز الكامنة في الأنشطة الاقتصادية المختلفة. وتشجع ريادة الأعمال،بصورة عامة على الابتكار والإبداع، كما أنها تسهم في إيجاد حلول جديدة تزيد من الإنتاجية تارة أو تخلق فرصًا استثمارية مختلفة لرؤوس الأموال تارة أخرى.
وتدعم نشوى سيدات الأعمال ورائدات الأعمال دون تفرقة مع وعيها بالتأثير السلبي للصور النمطية التي تحكم المجالات الاقتصادية التي يهيمن عليها الرجال أو النساء. ففي رأيها، النساء المصريات قادرات على الإبداع في المجالات المختلفة على النقيض مما تفترضه التقسيمات الجندرية للأعمال ودون تقيد بأية فروقات طبقية اجتماعية، لكنهن يتأثرن بطبيعة الأنشطة الاقتصادية والاحتياجات الكامنة لمحافظاتهن الأم. فإذا كانت الأنشطة التجارية هي المهيمنة بمحافظة بعينها، تجد النساء مهتمات بما هو تجاري على حساب ما هو إنتاجي، على سبيل المثال. وإذا خلت محافظة ما من التنوع في الأنشطة الاقتصادية، يزداد عمل النساء في الأعمال قليلة المهارة مثل التعبئة والتغليف. وبالإضافة لما سبق، تؤثر الصورة النمطية للأعمال التي يمكنها امتهانها على فرص عملها بالمهن كثيفة المهارات.
وتقف بعض العادات الاجتماعية السلبية أحيانًا أمام امتلاك النساء لرأس مال يمكنهن استخدامه لتأسيس مشروعات، وعلى رأس هذه العادات حرمان المرأة من الميراث، إعطاء الأولوية المطلقة للأعباء المنزلية والأسرية تجاه الزوج والأسرة، عدم تشجيع المرأة على الاستمرار في العمل بعد الزواج، الشعور بالتهديد من امتلاك المرأة للمال وبالتالي السلطة. ونجد عند التركيز على مجتمع الأعمال أنه لا يوجد تساوٍ بين فرص إتاحة المعلومات بين الرجال والنساء مما يؤثر على فرصهن في التطور حين امتلاك المال. هناك تقدم في وضع المرأة، ولكنه بطيء للغاية على حد تعبير نشوى. فعند النظر لمبادرات واعدة مثل الشمول المالي التي أعطت ميزة تفصيلية للنساء والشباب، تؤثر التحيزات غير المكتوبة بين المصرفيين على تقييم الجدوى الاقتصادية للمشروعات التي تقودها نساء في كثير من الأحيان. وتظهر هذه التحيزات بين المؤسسات الأهلية أيضًا. فالجمعيات التي تقوم بتقديم القروض الصغيرة ومتناهية الصغر تميز بين الرجال والنساء. في حجم التمويل، فيحصل الرجال على ضعف أو ضعفين المبالغ التي قد تحصل عليها النساء. وتعترف نشوى بأنها لم تعان من العقبات التي وقفت أمام قريناتها، فالأسرة منذ الصغر داعمة والزوج من أشد الداعمين لعملها. وكانت للتنشئة الاجتماعية دورًا في صقل مهارات وخبرات نشوى وفي اهتمامها المتزايد بالاقتصاد والتمكين الاقتصادي شجعتها الأسرة على التعلم باستمرار في إجازاتها النصفية والصيفية، كما ساندتها في تجربة السفر للخارج للتعرف على ثقافات وشعوب مختلفة.
كان وعي والدها بتاريخ العمل التنموي المحلي،وفي القلب منه الكنيسة،من العوامل التي عمقت إدراك نشوى للدور الكنسي الرائد في تنمية صعيد مصر الذي بدأ منذ الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين. مثلت الكنيسة المساحة التنموية الداعمة للمرأة بالنسبة لنشوى في وقت مبكر من حياتها قبل تعرفها على مفردات مثل “الجندر“، و“العنف“، و“التمكين“. فعبر شراكات متميزة بين الكنائس المصرية والقطاع الخاص، نشأت مؤسسات،مثل “ورلد فيجين“، و“جمعية الصعيد للتنمية” وغيرها، لتصبح من أقدم الحاضنات لرواد الأعمال المصريين منذ الثمانينات. وقد تعرفت نشوى في هذا المناخ الأهلي التطوعي على رائدات مثل: د ماري أسعد، ود. ليلي إسكندر، إذ تعترف نشوى بفضل د. ليلي إسكندر البالغ عليها حيث تحسب نفسها من مدرستها في العمل التنموي القائمة على مبادئ إشراك القطاع الخاص في التنمية وفقًا لرؤية حقوقية واسعة تتجاوز المرأة إلى الفضاء البشري الأوسع بمشكلاته المتعددة. وبفعل علاقة “التمهن” التي ربطتهما سويًا،ازداد إيمان نشوى بفعالية الإرشاد ومحوريته في محاولات تطوير المنظومات الواسعة وفي منهجها التحولي نحو ريادة الأعمال.
وعلى مدار مسيرتها العملية، قدم زوج نشوى الكثير من الدعم، بل ربما مما أعاقها أنها لم تجد من عملها في بعض الأحيان الدعم الكافي عند محاولاتها الإنجاب. وهنا ترى نشوى أن المعضلة تكمن في التشريعات التي لا تعترف بحق المرأة في الحصول على إجازة لمحاولة الإنجاب. تخلو مصر من الاهتمام بهذه التشريعات التي تأخذ الأسرة بعين الاعتبار في محال العمل على الرغم من الاهتمام العالمي المتزايد بها. فإجازة رعاية الأب أو الأم، لا توجد صرامة في إنفاذها، كما لا يعتد بأن غالبًا من تقع عليهن مسؤولية رعاية الوالد المريض أو الوالدة المريضة هي النساء.
وتؤمن نشوى بأهمية الحكي والتوثيق في تغيير أوضاع النساء، وهي الخبرة التي اكتسبتها أثناء عملها مع مبدعات الظل وفي خضم اهتمامها بالدراما الإبداعية،بل وتعرفها على مؤسسة المرأة والذاكرة ذاتها منذ عشرين عامًا. وقد بدأت نشوى مسيرتها مع العمل التنموي من مدينة بني سويف بصعيد مصر أثناء دراساتها الجامعية بكلية التجارة وإدارة الأعمال. ففي أثناء تطوعها مع مؤسسة “ورلد فيجين” ببني سويف، اختلطت نشوى مع الفتيات الصغيرات اللاتي أعتدن على مساعدة ذويهم في القرى سواء كان ذلك في نشاط الزارعة أو الصيد، وشهدت على الذي تتعرض لها تلك الفتيات مما دفع “نشوى” بقوة لاستكمال العمل بهذا المجال. وفي الوقت ذاته،سافرت نشوى،تحت مظلة الأمم المتحدة إلى كوبا وترينيداد وتوباجو حيث تدربت على دعم المصابات بفيروس نقص المناعة المكتسبة وعاملات الجنس، مما وسع من دائرة اشتباكها مع قوى قهر المرأة في العالم، على حد تعبيرها. وعند عودتها لمصر، قررت نشوى التركيز على تنمية مهاراتها ومعارفها؛ فدرست الدراما الإبداعية والدراما النفسية لمساعدة النساء المتعافيات من العنف،وأنهت الدراسة من أجل الحصول على دبلومة في سبل المساواة بين الجنسين من جامعة سويسرية.
وعقب عودتها للعمل بــ “جمعية الصعيد للتربية والتنمية” في التسعينيات على ملف التعليم،وجدت نشوى نفسها ضمن تحالف من المنظمات الحقوقية المصرية اللاتي انخرطن في تدريب المهتمين / ات والفاعلين / ات على مكافحة أشكال التمييز المختلفة على خلفية الدعم الأممي المتمثل في اليونيسف للدول للوفاء بالتزاماتها ذات الصلة باتفاقيات مكافحة التمييز. أدركت نشوى حينها أن ملف التمكين الاقتصادي هو أكثر الملفات أهمية وأقدرها على إحداث تحول جذري للنساء. وأقصى انفتاحها على “دراسات الجندر” بالجامعة الأمريكية إلى بلورتها منهج في معالجة دور المرأة الاقتصادي، وهو منهج التحول الجندري الذي يواجه المشكلات المجتمعية ومسألة السلطة القائمة على النوع وتأثيرها على المرأة وفرصها في دعم الاقتصاد، وهو المنهج التي لا تزال تتبعه إلى الآن بصورة أو أخرى.
هند جمعة
في هذه المقابلة، تتحدث هند شيرين جمعة عن دراستها،وحياتها العملية في مجال الوسائط المتعددة الرقمية، وعن شركتها الخاصة والتحديات التي تواجهها خاصة فيما يتعلق بفيروس كورونا المستجد، وأيضًا عن عائلتها وزوجها.
تخرجت هند في كلية الترجمة الفورية بجامعة الأزهر، وانضمت إلى شركة EBM كمحررة ومترجمة، تعمل تحديدًا في مجال كتابة المحتوى على الإنترنت في مرحلة مبكرة من حياة الإنترنت حينذاك، أي في عام ٢٠٠٠. تؤكد هند أن في تلك الفترة، لم يوجد وعي قوي بأهمية المحتوى العربي على الإنترنت. ولم تجد هند في الترجمة شغفها، فاتجهت إلى التطوير من نفسها. في البداية كانت تظن أن البرمجة مجرد طلاسم غير مفهومة، ولكنها قررت أن تتعلمها بنفسها. لم تنضم إلى أية دورات،بل اعتمدت على قراءة الكتب. فتركت مجال الترجمة تدريجيًا وركزت على الوسائط المتعددة الرقمية.
ثم سافرت هند إلى بيروت بعد ما يقرب من ١٥ سنة من العمل لحضور فاعلية، وحينها قابلت شريكها الحالي في العمل. أوعز لها شريكها أن يفتتحا شركتهما الخاصة وحينها تركت هند عملها المستقر الذي كانت تحصل فيه على مزايا متعددة. اتفقت هند وشريكها منذ اليوم الأول لعملهما ألا يتدخلا في عمل بعضهما البعض، فلا يتدخل هو في مسائل العمليات والأمور الفنية، ولا تتدخل هي في تطوير الأعمال. تؤمن هند في عملها بأهمية البرامج الإرشادية،وأهمية توظيف حديثي التخرج، لا بغرض توفير المال، لأن مرتباتهم تكون عادة قليلة، ولكن بغرض إعطائهم مساحة للتعلم واكتشاف الذات.
وفيما يتعلق بزيادة الوعي بأهمية المحتوى العربي على الإنترنت قالت هند إن المستثمرين شرعوا تدريجيًا في إدراك أهميته، أو حقيقة كونه قادرًا على أن يجلب دخلاً كبيرًا، خاصة في خضم ثورة ٢٥ يناير، والتي أدت إلى إثراء المحتوى العربي على الإنترنت كما ترى هند. قبل ذلك، كانت المنتديات هي أكبر مصدر للمحتوى، ورغم تدني جودة بعضها إلا أنها كانت تدر دخلاً كبيرًا جدًا. ولهذا السبب تعتقد هند في أهمية المحتوى عالي الجودة، والذي بدوره قد يدر دخلاً أكبر وأفضل.
وعند سؤالها عن رد فعل الأسرة لتركها لعملها وإنشائها شركتها،قالت هند إن أسرتها متمثلة في والدتها كانت داعمة جدًا لها رغم تخوفاتها في البداية بعض الشيء. فقد توفي والدها بفترة طويلة قبل قرار هند بالانتقال إلى شركتها الجديدة،ولكنها تؤكد أن رغم كونه محافظًا على المستوى الظاهري، إلا أنه كان قد أعطاها الحرية الكاملة في حياتها. وقد تزوجت هند لاحقًا، وتقول إن زوجها أيضًا يدعم عملها بشكل كامل،بالكلام وبالأفعال. تتحدث هند أيضًا عن قرارها الواعي بعدم الإنجاب،لأنها ليست مستعدة لترك عملها والتركيز على تربية الأطفال.
ومن ضمن التحديات التي واجهتها هند كانت استقالة فريق كامل من المطورين عند تعيينها في إحدى الشركات. لمجرد أنهم لا يتحملون فكرة أن تكون مديرتهم سيدة وأيضًا غير محجبة. تعمدت هند أن تأتي محل الفريق المستقيل كله بفريق آخر من الفتيات. ومع ذلك تتفهم هند أن بعض الفتيات قد يتوجسن من فكرة المديرة السيدة، ولكنها تؤكد أنها ليست مشكلة جندر، بل مشكلة شخصية، فبعض الشخصيات تدير العمل بحدة وقسوة،والبعض الآخر يتعامل بلطف.
وفي سياق متصل حول ديناميات الجندر والأعمال، أكدت هند أن العملاء أنفسهم لا يجدون مشكلة في التعامل معها كمديرة، حتى في تعاملاتها في المملكة العربية السعودية، حيث تؤمن أن المرأة قادرة على فرض ذاتها من خلال خبرتها وجديتها. وعند سؤالها عما إذا تردد بعض المستثمرين قبل الاستثمار في شركة تملكها امرأة، قالت هند إن العكس صحيح، فهم يدركون أن النساء أكثر مسؤولية من الرجال فيما يتعلق بالأعمال، وأنهن يترددن كثيرًا قبل القيام بأي خطوة. ترى هند أيضًا وجود فارق بين الرجال والنساء عندما يتعلق الأمر بالعمل،فهي تكرر أن النساء يلجأن إلى التفكير كثيرًا قبل الإقدام على أية خطوة، أما الرجال فترى هند أنهم أكثر تسرعًا. لهذا ترى أن الاستثمار في النساء في العمل له عائد أفضل من الاستثمار في الرجال. تحدثت هند أيضًا عن بعض السخافات التي قد تتعرض لها النساء في مواقع الإدارة والقيادة،ومنها إيعاز أي سلوك يصدر منها إلى “المشكلات الهرمونية ” مثلاً كما يقال عادة. تقول هند إنها تعرضت لموقف في هذا السياق حيث حدث خلاف مع أحد موظفيها، وحاولت الاعتذار له إلا أنه تقدم باستقالته، قائلاً إنه رجل تقليدي، ومن غير المقبول بالنسبة إليه أن ترفع امرأة صوتها أمامه. لهذا ترى هند أنه من المقبول للرجل أن يظهر غضبه في المجتمع، أما النساء فلا.
أما عن فيروس كورونا المستجد، وتأثيره على عمل هند ومجال الأعمال بشكل عام، قالت إنه ترك أثرًا كبيرًا على هذا المجال، فبعض الشركات استغلت الظروف وأقالت بعض موظفيها أو خفضت من مرتباتهم. أما عن عمل هند،فقالت إنه لم يتأثر كثيرًا حيث إن عملها يعتمد اعتمادًا كبيرًا على شبكة الإنترنت كشركة تعمل في مجال الوسائط المتعددة الرقمية. ولكن هذا لا ينفي حدوث نوع من أنواع التأثير السلبي على عمل هند، حيث تقول إن بعض العملاء قللوا من ميزانية التسويق الخاصة بهم بدافع الخوف. إلا أنها تؤكد أن القطاع عاد ثانية للانتعاش لأن العالم أدرك أن الإغلاق ليس حلاً لأزمة كورونا، فهي جائحة، أي ستستمر لسنوات غير قليلة. أما عن كيفية تكيف هند مع جائحة كورونا،قالت إنها أمضت وفريقها أربعة أشهر يعملون من المنزل اتقاء للفيروس في بداياته، إلا إن هذا كان لظروف قهرية، ولكنها ضد العمل من المنزل بشكل عام لإيمانها الكبير بأهمية التواصل وجهًا لوجه مع فريقها.
وهكذا غطت هذه المقابلة جوانب متعددة من شخصية هند وعملها في مجال الوسائط المتعددة الرقمية، والتحديات التي واجهتها وتواجهها في سبيل إثراء المحتوى العربي على الإنترنت.
هند سالم
تدور هذه المقابلة مع النسوية المصرية هند سالم مديرة دار هُنّ للنشر في فلك حياة هند العملية والشخصية. تتحدث هند عن بداياتها في مجال مؤسسات المجتمع المدني، وإنشاء دار هُن (Elles ) التي تواجهها، وأثر جائحة كورونا المستجدة على مجال النشر، وأيضًا عن حياتها الشخصية وزوجها وعائلتها.
تخرجت هند سالم في أكاديمية الفنون قسم دراما ونقد، عام ۱۹۹۸. ومن خلال دراستها شعرت أن هناك ظلمًا ما تتعرض له النساء، دون أن تلم حينها بالنظرية النسوية. شغلت هند عدد من المناصب الهامة في مؤسسات المجتمع المدني، حيث التحقت بعد تخرجها بـــ“منتدى الشابات“. وهو برنامج تقدمه مؤسسة المرأة الجديدة،وبدأت خلال عملها تفهم النسوية وتنتمي إليها. أدارت أيضًا مشروع ” مبدعات في الظل“، والمختص باكتشاف فتيات مبدعات خارج القاهرة. عملت أيضًا في “مركز دعم التنمية” في مجال الجندر كانت هند حتى عام ٢٠١٧ مديرة تنفيذية لـــ “نورس“، الشركة التابعة لمؤسسة المرأة الجديدة، ثم سافرت إلى الأردن حيث بدأت تمارس خبراتها في العمل الاستشاري، تحديدًا في البناء المؤسسي للمنظمات من منظور الجندر. وتقول هند إن خبرتها التدريبية جاءت من العمل في “مركز دعم التنمية“، أما خبرتها النسوية فيعود الفضل فيها إلى مؤسسة المرأة الجديدة. بالإضافة إلى هذا، فقد سافرت هند إلى كردستان وشاركت في وضع الاستراتيجية الوطنية للخدمات الصحية، حتى تصبح مستجيبة للسيدات المعنفات جنسيًا أو بشكل عام. وتُشدّد هند على أهمية قضايا العنف ضد النساء وعلى اهتمامها الخاص بها، لأنها تقع في قلب الحركة النسوية. تحدثت هند أيضًا عن المشكلات التي تواجه مؤسسات المجتمع المدني في مصر، وأهمها مشكلة التمويل التي تؤدي إلى انهيار عدد من المؤسسات.
أما عن بدايات دار هُنّ وأهميتها،قالت هند إن الفكرة جاءت من دور النشر النسوية في فرنسا في السبعينيات. تؤكد هند أن هناك الكثير من منظمات المجتمع المدني النسوية العريقة في مصر، فلا توجد حاجة لمنظمة جديدة، بل هناك حاجة لدار نشر نسوية،تقوم بالتشبيك مع تلك المنظمات. تكمن أهمية هُنّ في كونها دار نشر معنية بالكتابات النسوية على مستوى مصر والوطن العربي وشمال أفريقيا، ويميزها أيضًا اهتمامها بالأكراد،وهي أول دار نشر نسوية في مصر. عبّرت هند عن تخوفاتها في البداية، حيث جاءت إجراءات أغسطس ۲۰۱۷، والتي تسببت في أزمة على مستوى جميع منظمات المجتمع المدني ومنها النسوية،ولكنها تقول إن زوجها قرر المخاطرة وإنشاء الدار. أرادت هند أيضًا أن توسع من الدور الذي تلعبه الدار، وألا تصبح دار نشر فقط، بل أن تلعب دورًا ثقافيًا في المجتمع عن طريق إقامة الورش والفاعليات الثقافية، مثل ورشة “مناهج البحث النسوي“، ونادي سينما هُنّ، ونادي الكتاب، ومعرض “فوتوغرافيا نسوية“، وهو أول معرض فوتوغرافيا نسوية يقام في مصر. هكذا تساهم دار هُنّ في نشر الثقافة ومحاولة تغييرها لا نشر الكتب فقط.
بدأت هُن بموارد ذاتية، أي برأس مال هند وزوحها فقط، واختارا ضمير الغائب الجمع المؤنث الفرنسي “Elles” لعدم وجوده في الإنجليزية، وهكذا تترجم “Elles” إلى “هُنّ” بشكل مباشر. لم يحاولا البحث عن مستثمرين،وبررت هند ذلك بأن خبرتها تأتي من مجال المؤسسات غير الهادفة للربح، ولكن رغم ذلك، هُن تهدف إلى الربح. ترى هند أنها بحاجة لدراسة مسألة المستثمرين أولاً لما بها من إشكاليات. وترحب هند،وبالتالي دار هُن،بالتحالفات أو التعاون مع رائدات أعمال في نفس المجال، وتؤكد هند في سياق آخر متصل أن مجال النشر مجال ذكوري بالأساس، يهيمن عليه الرجال وقيمهم، وأن تقبل فكرة وجود ناشر نسوي كانت صعبة نوعًا ما في البداية، خاصة عندما يخلط الجمهور بين ما هو “نسائي” وما هو “نسوي“، حيث يظنون في البداية أن هُن تنشر للنساء فقط مثلاً. لكن أكدت هند أن هُن قد أثبتت وجودها في المجال، وصار وجود دار نشر نسوية مقبولاً لدى الجمهور. وتقول هند إن هُنّ تتمتع بقاعدة شعبية كبيرة في تونس والجزائر والمغرب وكردستان وسوريا، وإنها تأمل أن تفتتح فرعًا للدار في تونس يومًا ما.
وعن جائحة كورونا وتأثيرها على مجال عمل هُن،قالت هند إن كافة الأنشطة التي كانت تقوم بها الدار قبل الجائحة وجهًا لوجه قد انتقلت إلى الإنترنت بعد الجائحة. وأكدت هند أن كان لهذا مزاياه، حيث شارك في الفاعليات الثقافية الكثير من الأفراد المقيمين والمقيمات خارج القاهرة،وخارج مصر أيضًا. وفي سياق متصل، أكدت أن للعمل من المنزل مساوئه أيضًا، فالنساء يقمن بالأعمال المنزلية أثناء قيامهن بأعمالهن في المنزل، فلا يحصلن على قدر من الراحة أو يفصلن بين نوعي الأعمال.
أما عن التحديات والمعوقات التي واجهتها هند في حياتها العملية، قالت إن منذ عام ٢٠١٧ وحتى الآن تواجه المؤسسات تحدي الغلق أو عدم الاستمرار. أيضًا جاءت الموجة المصرية من حركة “أنا أيضًا ” (Me Too) العالمية لتؤرق هند،فهي أرادت أن تتأكد أن هنّ تشكل مساحة آمنة للنساء. وأكدت على أهمية تصديق الناجيات،وأهمية إقامة حوار حول تلك الأمور المتعلقة بالفضح والكشف للمتحرشين وحقوق الناجيات من العنف. مع وجود قضاء تعتبره هند غير منصف للنساء. ذكرت هند أيضًا أن استمرارية هنّ تمثل تحديًا في حد ذاته،لاعتمادها على الموارد الذاتية بشكل كبير،ومحاولتها أن تحقق هامش ربح بسيط لصعوبة الظروف الاقتصادية الحالية.
ومن ملاحظاتها الشخصية، ترى هند أن النساء والفتيات يتمتعن بدافعية أقوى للتعلم وللتطوير من أنفسهن مقارنة بالرجال، وتلاحظ هند هذا من خلال الورش والفاعليات الثقافية التي تنظمها الدار والتي تقبل عليها النساء أكثر من الرجال. تؤكد أيضًا أنها تشعر بالراحة تجاه العمل مع النساء مقارنة بالرجال، ترى أيضًا أن كثيرًا من النساء صرن رائدات أعمال على مستوى الاقتصاد غير الرسمي، خاصة مع جائحة كورونا، والتي دفعت بالكثير من النساء تجاه التسويق عبر شبكة الإنترنت.
تحدثت هند أيضًا عن عائلتها، تحديدًا عن شقيقتها، ودعمها لها في دراسة الفنون المسرحية، أما شقيقيها فقالت إن بينها وبينهما قطيعة فكرية، لأنهما يمثلان النموذج التقليدي للرجل الشرقي. تؤكد أن عائلتها لا تتدخل فيما يخص عملها. أما عن زوجها فوصفته بكونه رجلاً نسويًا هو الآخر. وداعمًا لها ولعملها. لا ترى هند أن حياتها الشخصية مثلت لها عائقًا في عملها، وترى أن الحظ قد حالفها في اختيار زوجها. ومن الواضح استناد هند في قرارات حياتها الشخصية والعملية بالوعي النسوي حيث أشارت هند إلى إدراكها للمبادئ النسوية منذ فترة مبكرة من حياتها، ثم صقلته بالعمل في سياق العمل النسوي في مصر، ثم عملت على تطبيقه في حياتها بكافة جوانبها، لتصبح أول مالكة ومؤسسة ومديرة لدار نشر نسوية مصرية معاصرة
يمنى الشريدي
يمني الشريدي رئيسة منظمة صناعة الأغذية الدولية ورئيسة جمعية سيدات الأعمال في مصر. وقد بدأت عملها كصيدلانية مما دفعها للسفر إلى الخارج والعمل في شركة دولية. واهتمام يمني بالجانب الاقتصادي للإنتاج أدى إلى تكليفها بالمهام في ذلك الاتجاه، ولذلك خلال فترة وجودها في الولايات المتحدة، حيث كانت يمنى واحدة من أوائل النساء اللاتي شغلن منصبًا مسؤولاً عن تطوير المنتجات الصيدلانية للشرق الأوسط. تم إرسالها أيضًا إلى اليونان حيث عاشت لمدة أربع سنوات ثم عادت لاحقًا إلى الشرق الأوسط. اكتسبت يمنى خبرة على مدار هذه السنوات وأصبحت على دراية كبيرة في مجالها (الجزء الاقتصادي لصناعة الأدوية) تقول: “لقد اكتسبت الكثير من الخبرة في كيفية إطلاق منتج وكيفية تمييزه ونوع الجهود اللازمة لبدء الأعمال التجارية ” حين عادت إلى مصر قررت يمنى أن تبدأ مشروعها الخاص بدلاً من الحصول على وظيفة تقليدية في شركة. ونظرًا إلى كونها أمًا، كانت مهتمة بصحة الأطفال حديثي الولادة، ولذلك أطلقت شركة “جرير” في مصر وبدأت في استيراد أغذية الأطفال، والتي أصبحت أول أعمالها التي استمرت اثني عشر عامًا.
وقد وجدت نفسها مضطرة إلى التخلي عن هذا العمل الأول بسبب سلسلة من الأحداث المؤسفة التي وقعت في ذلك الوقت. في عام ۲۰۰۰ كان أول تعويم للجنيه المصري، وبالتالي ارتفعت الأسعار بشدة وبحث الناس في أماكن بديلة عن أغذية الأطفال بأسعار أقل تكلفة. حول هذا الوقت قالت “لقد نمت واستيقظت وقد ذهب عملي. وكانت خسارة كبيرة.” مثلما هو متوقع من قائدة مثل يمنى لم تكن هناك فرصة ألا تسمح لنفسها بالنجاح وبدلاً من الاستسلام والاحساس بالهزيمة، قررت أن تقطع خسائرها من عملها القديم وتبدأ شيئًا جديدًا. بعد البحث الكثير عن أفكار لعمل آخر، قررت يمنى تغيير أسلوبها وبدلاً من الاستيراد بدأت في التصدير. وعلى الرغم من عدم امتلاكها أية خلفية في الزراعة إلا أنها تمكنت من اكتساب المعرفة اللازمة واكتساب المهارات المطلوبة لبدء مشروع جديد لتصدير الفراولة المجمدة. ومع ذلك لم يكن هذا هو العمل الوحيد الذي بدأته يمنى من الصفر، بل كان الأول من بين أعمال عدة. على الرغم من أن تجارة الفراولة المجمدة كانت مثمرة، أرادت يمنى أن تبدأ شيئًا أكثر طلبًا. تشرح قائلة: “أنا أؤمن بالطلب، والطلب هو العامل الحاسم في نوع العمل الذي يجب أن يبدأه المرء“. وبناءً عليه، بدأت مبادرة جديدة حيث تعلمت تجارة الزيتون بالكامل من زراعته حتى تصديره. على الرغم من أن الزيتون المصري لم يكن مشهورًا في تلك الوقت. لكن من خلال رؤية يمنى الواسعة وبقليل من المثابرة والصبر تمكنت من صنع اسم له إلى الحد الذي مكنها لاحقًا من التصدير إلى عشرين دولة مختلفة.
وبصفتها تتولى أدوارًا قيادية، تحدثت يمنى أيضًا عن عدم المساواة بين الجنسين في مختلف مراحل حياتها. على الرغم من أنها لم تذكر أي موقف معين واجهت فيه تحيزًا على أساس جندري،فهناك أوقات تشعر يمنى أن الحياة تكون فيها أقسى على المرأة من الرجل، مثل فترة الإنجاب وهي ترى أن سن الإنجاب عندما تكون المرأة أمًا ومسؤولة عن الأسرة يحد من طموحها إلى حد ما. وفي نفس الوقت بالضبط يسافر الرجل ويتبع طموحاته ويحقق كل ما يريد. وعلى الرغم من أن يمنى تأثرت بهذا الأمر شخصيًا، إلا أنها استطاعت أن تتغلب عليه من خلال التكيف مع الموقف وإيجاد وسيلة للنجاح في النهاية. وكونها نموذجًا يحتذى به لعائلتها أمر مهم جدًا أيضًا بالنسبة إلى يمنى وكما دعمتها عائلتها عندما كانت طفلة بدون أي قيود،فهي ترغب في تربية أطفالها وأحفادها بنفس الطريقة.
إن العطاء للمجتمع أمر ضروري للغاية بالنسبة ليمنى. في عام ۱۹۹۹ أسست “سيدات الأعمال في مصر ٢١” لتكون قادرة على تحفيز ودعم القيادات النسائية الأخريات، وهو الأمر الذي كان ينقصه المجتمع المصري في ذلك الوقت. بالإضافة إلى ذلك كانت هناك برامج ومبادرات أخرى من قبل سيدات الأعمال في مصر. ومن الأمثلة على ذلك برنامج “نساء من أجل النجاح” وهو برنامج بدأ منذ سبع سنوات ليتمكن من تحسين صورة المرأة ومنحها الثقة التي تحتاجها للنجاح، وهو أمر كان تيار الإسلام السياسي يحاول تقليصه.
وخلال فترة انتشار فيروس كورونا تم اختبار جميع مهارات يمنى وكان عليها مواجهة تحديات متعددة على عدة جبهات. عانت أعمالها من انخفاض كبير في حركه التصدير واقتصرت اجتماعات جمعيتها على المقابلات الأونلاين بدلاً من وجودها الشخصي. وبفضل امتلاك يمني المثابرة والإيمان لرسالتها، ظل نشاطها التجاري وجمعيتها مفتوحين كل يوم، حيث تؤمن أن كل شيء يتعلق بامتلاك الإرادة والنظرة الصحيحة.
لم تأت الحياة الناجحة التي حققتها يمنى بسهولة، بل تطلبت الكثير من العمل الجاد وبُعد النظر والطموح لتصبح سيدة الأعمال والقائدة التي هي عليها اليوم. تحدثت يمنى بعمق عن رحلتها والتحديات التي واجهتها وما كان عليها التغلب عليه وتعلمها لتحقيق حلمها المتنامي. ومن التحديات الرئيسية التي ذكرتها هو حقيقة أن ما يتعلمه الناس في المدرسة يختلف عما يواجهونه في الحياة الواقعية. حول هذه النقطة قالت لا توجد مدرسة تجعلك سيدة أعمال / رجل أعمال، وإنما عليك تعليم نفسك من خلال التجربة والخطأ،وهي عقبة كبيرة في حد ذاتها.
وقد تحدثت أيضًا عن أهمية الشخصية الحازمة القوية لأية امرأة تريد النجاح. عندما سُئلت عن أي صراع واجهته كامرأة في حياتها اليومية، أوضحت بدلاً من ذلك الحاجة الماسة إلى شخصية وطموح قويين. قالت: إذا كان لدى أي فتاة طموح وهدف، فستتمكن من الحصول على ما تريد دون أن تختبئ وراء حقيقة كونها امرأة. يجب حقًا أن تكون أكثر حزمًا.