جرائم تزويج القاصرات
في القانون المصري
تم إعداد هذه الورقة في اطار أنشطة بنت النيل لمناهضة زواج القاصرات
المقدمة والمنهجية
تعتبر جرائم تزويج القاصرات من صور العنف المركب ضد النساء والفتيات، حيث يصعب تصنيف هذه الجرائم داخل فئة من الفئات العامة للعنف ضد النساء مثل العنف الجسدي، والعنف الجنسي، وغيرهم، نظرًا لأن هذه الجرائم تتسبب في آثار سلبية جسدية، وجنسية، ونفسية، واقتصادية على الفتيات المتعرضات لها وتؤثر سلبًا على تمتعهن بمجموعة كبيرة من حقوقهن الإنسانية.
في إطار دراسة واقع هذه الجرائم في مصر، تناقش هذه الورقة البحثية السياق القانوني لجرائم تزويج القاصرات في مصر بدأ من التأصيل لكون تزويج القاصرات شكلاً من أشكال العنف ضد النساء ثم الانتقال لتحليل وضع تلك الجرائم داخل المعايير الدولية لحقوق النساء، كمقدمة للتعرف على السياق الحالي لتلك الجرائم داخل المنظومة القانونية المصرية، وكذلك تحلل الورقة عددًا من مشاريع القوانين التي سعت للتصدي لتلك الجرائم، وتم طرحها خلال السنوات الماضية.
تتبنى هذه الورقة مفهوم نسوي في تحليل جرائم تزويج القاصرات فتختص فقط بدراسة السياق التشريعي لما يقع على الفتيات دون الثامنة عشر عامًا من عمليات تزويج في مصر، وتصف هذه الممارسات بأنها صورة من صور التمييز والعنف المحظور ضد النساء وبالتالي فنحن نستخدم مفهوم ونطاق عمل أضيق من ذلك الذي تستخدمه المنظمات الدولية المعنية بحماية الطفولة بوجه عام من كل صور العنف والاستغلال، ومنها التزويج تحت الثامنة عشر عامًا.
في نهاية هذه الورقة، تؤكد مؤسسة بنت النيل “تحت التأسيس” على ضرورة التعامل مع الفراغ التشريعي الحالي وغياب تجريم تزويج القاصرات داخل المنظومة القانونية المصرية، احترامًا للحق الدستوري للنساء بالحماية من كافة أشكال العنف والتمييز، وكذلك وفاء بتعهدات مصر أمام المجتمع الدولي.
المنهجية المستخدمة
بشكل أساسي تعتمد هذه الورقة على منهج تحليل المضمون كأحد أكثر المنهجيات الكيفية مناسبة لدراسة القواعد القانونية حيث ستتضمن الورقة تحليل سياق منع جرائم تزويج القاصرات داخل المعايير الدولية لحقوق النساء بالإضافة لتحليل السياق الحالي لتلك الجرائم في التشريعات المصرية فضلاً عن بيان مدى توافق بعض هذه القواعد مع المعايير الدولية بالإضافة لتحليل بعض الاجتهادات التي قدمتها الحركة النسوية المصرية وبعض المؤسسات الرسمية لصياغة إطار قانوني لتجريم تزويج القاصرات.
ملاحظة بشأن المصطلحات
تتبنى هذه الورقة مصطلح تزويج القاصرات كتعبير عن أي علاقة زواج رسمي أو اقتران غير رسمي تقع على فتاة قبل بلوغها سن ١٨ عامًا.
تم اختيار هذا المصطلح تحديدًا من بين مصطلحات عدة يتم استخدامها في السياق المحلي والدولي للإشارة لذات الجرائم، أو لجرائم أوسع تشمل ضمن نطاقها جرائم تزويج القاصرات. على سبيل المثال تستخدم منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” مصطلح “زواج الأطفال” للتعبير عن عمليات الزواج الرسمي وغير الرسمي التي تقع على الأطفال قبل بلوغهم سن ١٨ عامًا، وهي جريمة أوسع نطاقًا من جرائم تزويج القاصرات التي تهتم هذه الورقة بتحليلها حيث يشمل مصلح “الأطفال” الذكور والإناث على حد سواء، فضلاً عن أن لفظ “زواج” نفسه يحمل مشكلات أخرى.
في السياق المصري يعتبر لفظ الزواج المبكر هو الأكثر انتشارًا للتعبير عن جرائم تزويج القاصرات، غير أن هذا اللفظ من وجهة نظرنا يحمل بعض الإشكاليات في صياغته، فلفظ “الزواج” يساوي ما بين إجبار طفلة على الزواج وما بين رابطة الزواج التقليدية التي تقوم بين بالغين وبالغات يملكون إرادة قانونية حرة، أما لفظ “المبكر” فهو يحمل من العمومية وعدم التحديد ما ينزع عن هذا الفعل تجريمة، فاعتبار عملية زواج قد تمت “مبكرًاً يختلف من طبقة لأخرى، ومن سياق جغرافي لآخر، بل ويختلف من أسرة لأسرة، بينما ينصرف مفهوم “القاصرات” للفتيات دون سن الثامنة عشر عامًا بشكل لا يقبل اللبس أو التأويل. أما كلمة تزويج فقد تم اختيارها بديلاً عن كلمة “زواج” للتعبير عن إنعدام الإرادة في مثل هذه الجرائم. فحتى لو وافقت الفتاة بإرادتها على انعقاد هذا الزواج فلا قيمة قانونية لهذه الإرادة كونها صادرة عن طفلة غير مكتملة الأهلية القانونية.
يمكن تعريف العنف ضد النساء بأنه “أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه، أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة“. وذلك وفقاً للمادة الأولى من إعلان الأمم المتحدة للقضاء على العنف ضد المرأة الصادر عام ١٩٩٣، والذي يتحدث في مادته الثانية أيضًا عن بعض أشكال العنف ضد النساء من بينها “الممارسات التقليدية المؤذية للمرأة” والسؤال هنا هل يعتبر تزويج القاصرات شكلاً من أشكال العنف ضد النساء كما عرفته الأمم المتحدة؟
تشير الأدلة إلى أن الفتيات اللائي يتزوجن في سن مبكر يتركن التعليم الرسمي ويصبحن حوامل، في كثير من الأحيان. كما أن الوفيات النفاسية المرتبطة بالحمل والولادة تعتبر عنصرًا هامًا لوفيات الفتيات اللائي تتراوح أعمارهن بين ١٥ و 19عاماً في جميع أنحاء العالم، وتتسبب في ٧٠٠٠٠ حالة وفاة سنويًا. وإذا كانت الأم دون سن ١٨ عامًا، فإن خطر وفاة مولودها في السنة الأولى من العمر يبلغ ٦٠ في المائة أكثر من المولود الأول لأم يزيد عمرها عن ١٩ عامًا. وحتى لو عاش الطفل، يكون أكثر عرضة للإصابة بنقص الوزن عند الولادة وسوء التغذية وتأخر النمو البدني والإدراكي، وتتعرض الفتيات اللائي يتزوجن في مرحلة الطفولة لمخاطر العنف والاعتداء والاستغلال. وأخيرًا، فإن زواج الأطفال غالبًا ما يؤدي إلى الانفصال عن الأسرة والأصدقاء، وعدم حرية المشاركة في الأنشطة المجتمعية، والتي يمكن أن يكون لها آثار كبيرة على رفاه الفتيات عقلياً وبدنيًا1.
وأينما انتشر زواج الأطفال، فإنه يعد بمثابة عادة اجتماعية. ويعد تزويج البنات دون سن ١٨ عامًا امرآ متجذرًا في التمييز بين الجنسين، وهو يشجع على الحمل في سن مبكرة والحمل المستمر وتفضيل تعليم الأولاد على البنات. كما أن زواج الأطفال استراتيجية للبقاء الاقتصادي، حيث أن الأسر تزوج بناتها في سن مبكرة للحد من الأعباء الاقتصادية عليها2.
يحرم زواج الأطفال الفتيات من حقهن في اختيار من ومتى يتزوجن وهو واحد من أهم القرارات في حياة الإنسان. فاختيار شريك الحياة هو قرار للبالغين، وهو قرار ينبغي اتخاذه بحرية ومن دون خوف أو إكراه. وتتفق كافة الدول فعليًا على هذا3.
كذلك، فقد تتعرض الفتيات المتزوجات إلى الإصابة بالأمراض المنقولة جنسيًا، بما في ذلك فيروس نقص المناعة البشرية. وعندما تتزوج الفتيات، فإنهن يضطررن في كثير من الأحيان إلى الانقطاع عن الدراسة لكي يتمكن من القيام بأعباء المنزل. وهذا حرمان من حقهن في التعليم. كما يحد الزواج المبكر من فرصهن، بما في ذلك فرصهن المستقبلية في الحصول على وظيفة، ويكون له تأثير طويل المدى على أسرهن. تصبح الفتيات اللاتي ينقطعن عن المدرسة في وضع صحي واقتصادي أسوأ بالمقارنة بمن يواصلن دراستهن، وفي نهاية المطاف يكون وضع أطفالهن أسوأ كذلك.4
الأسباب المذكورة في التفصيل السابق جعلت مجلس حقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمم يقر في العام ٢٠١٣ بأن: تزويج الأطفال والزواج المبكر والزواج القسري يشكل انتهاكًا لحقوق الإنسان أو مساسًا بها، أو إضعافًا لها، ويمنع الأفراد من أن يعيشوا حياتهم متحررين من جميع أشكال العنف، وبأنه يؤثر تأثيرًا سلبيًا على التمتع بحقوق الإنسان. كالحق في التعليم والحق في التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه بما في ذلك الصحة الجنسية والإنجابية، والحق في عدم التعرض لأي شكل من أشكال العنف 5“.
كذلك قامت اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة 6، ولجنة حقوق الطفل 7 بوضع الزواج المبكر ضمن الممارسات الضارة التي يجب على الدول الأطراف في اتفاقية مناهضة كافة اشكال التمييز ضد المرأة واتفاقية حقوق الطفل اتخاذ كافة التدابير التشريعية والسياسية وغيرها من التدابير المناسبة للقضاء على هذه الممارسات الضارة.
نقصد بالمعايير الدولية لحقوق النساء، تلك الوثائق التي تعتبر جزء من القانون الدولي لحقوق الإنسان وتتعلق بتوفير الحد الأدنى من الحقوق الأساسية للنساء، والتعامل مع التحديات التي يفرضها اختلال موازين القوى بين الرجال والنساء عالميًا، مع الاعتراف بما لكل وثائق القانون الدولي لحقوق الإنسان من عمومية وشمولية يجعلان كل الحقوق المضمنة فيها للرجال والنساء دون تمييز.
تعتبر اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، والمعروفة اختصارًا باسم اتفاقية “السيداو” هي حجز الزاوية لمنظومة المعايير الدولية لحقوق النساء. صدرت هذه الاتفاقية بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 180 / ٣٤ المؤرخ في ١٨ ديسمبر ١٩٧٩ ودخلت حيز النفاذ في ٣ سبتمبر ١٩٨١. في تناولها لمساءلة تنظيم علاقات الزواج وضعت المادة ١٦ من الاتفاقية مجموعة من الالتزامات على عاتق الدول تتعلق باتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات العائلية. بحيث يكون للمرأة الحق في “حرية اختيار الزوج، وفي عدم عقد الزواج إلا برضاها الحر الكامل“. كذلك اعتبر البند (٢) من المادة نفسها أنه لا يكون لخطوبة الطفل أو زواجه أي أثر قانوني، وتتخذ جميع الإجراءات الضرورية، بما في ذلك التشريعي منها، لتحديد سن أدنى للزواج ولجعل تسجيل الزواج في سجل رسمي أمرًا الزاميا “.
فيما يتعلق بالحكم الأول المتعلق باشتراط “الرضا الحر الكامل” للمرأة قبل انعقاد رابطة الزوجية، فالرضا لا يتحقق في مواجهة الأطفال أقل من ثمانية عشر عامًا كقاعدة قانونية عامة، وهذا ما أكدت عليه أيضًا اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة بقولها “وتُعتبر زيجة الأطفال شكلاً من أشكال الزواج القسري نظرًا إلى أن أحد الطرفين أو كلاهما لا يكون قد أعرب عن موافقته الكاملة الحرة عن علم“.8
أما الحكم الثاني فيتحدث بوضوح عن عدم الاعتداد بأي رابطة زوجية أو حتى خطوبة تقع في حق الأطفال ويضع على الدول التزامًا بأن تقوم بتحديد سن الزواج بحيث يكون أكبر من سن الطفولة، أي أكبر من ١٨ عامًا واجبار المواطنين / ات على تسجيل عقود الزواج، وهو الاجراء الذي يحد من إمكانية قيام رابطة زوجية غير مسجلة يكون أحد طرفيها طفلة.
في هذا السياق أيضًا تقول اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة في المادة 16 من التوصية العامة رقم ٢١ والمتعلقة بالمساواة في الزواج والعلاقات الأسرية9: “يحث إعلان وبرنامج عمل فيينا اللذين اعتمدهما المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان، الذي عقد في فيينا في الفترة من ١٤ الى ٢٥ يونيو ١٩٩٣، الدول على إلغاء القوانين والأنظمة القائمة ونبذ الأعراف والممارسات التي تميز ضد الطفلة وتسبب لها أذى. والمادة (٢) والأحكام الواردة في اتفاقية حقوق الطفل تمنع الدول الأطراف من السماح بالزواج للأشخاص الذين لم يبلغوا سن الرشد ومن المصادقة على صحة هذا الزواج. وفي سياق اتفاقية حقوق الطفل يعني الطفل كل إنسان لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، ما لم يكن سن الرشد محددًا بأقل من ذلك في القانون المنطبق عليه. وبصرف النظر عن هذا التعريف، ومع أخذ اللجنة أحكام إعلان فيينا في الاعتبار، فهي ترى وجوب أن يكون الحد الأدنى لسن الزواج هو ١٨ سنة لكل من الرجل والمرأة. ذلك أن زواج الرجل والمرأة يرتب عليهما مسؤوليات هامة. وبالتالي ينبغي ألا يسمح بالزواج قبل بلوغهما سن النضج الكامل والأهلية الكاملة للتصرف. وتفيد منظمة الصحة العالمية بأنه عندما يتزوج القصر، ولا سيما الفتيات وينجبن أطفالاً، فإن صحتهن يمكن أن تتضرر ويمكن أن يتعطل تعليمهن. ونتيجة لذلك، يصبح استقلالهن الاقتصادي مقيدًا.
وهذا لا يؤثر على المرأة شخصيًا فحسب بل يحد أيضًا من تنمية مهاراتها واستقلالها ويقلل من فرص حصولها على العمل، ومن ثم يؤثر تأثيرًا ضارًا على أسرتها ومجتمعها المحلي.
بقي أن نشير إلى أن انضمام مصر لاتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية حقوق الطفل، يفرض عليها التزامًا داخليًا وآخر دوليًا، تنص المادة ٩٣ من الدستور المصري على: “تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا للأوضاع المقررة. الباب الرابع سيادة القانون“. أي أن الالتزامات التي تفرضها هاتين الاتفاقيتين تعتبر بمثابة التزامات قانونية داخلية تحظى بما للتشريعات العادية من قوة ونفاذ، وفيما يتعلق بالالتزام الدولي فالدولة المصرية بقبولها الطوعي للانضمام لهذه الاتفاقيات فقد ألزمت نفسها أمام المجتمع الدولي بثلاث واجبات رئيسية بالنسبة لكل الحقوق المضمنة في هذه الاتفاقيات، هذه الواجبات هي:
(1) واجب الاحترام: يقصد بواجب الاحترام، أن تمتنع سلطات الدولة الثلاث أو أي من التابعين لهم عن إتيان أي فعل إيجابي أو سلبي، يمثل انتهاك لأي حق من الحقوق الواردة في هذه الاتفاقيات.
(٢) واجب الحماية: إذا كان واجب الاحترام يعني امتناع الدولة عن انتهاك الحقوق الواردة في هذه الاتفاقيات بنفسها، فان واجب الحماية يعني قيام الدولة بمنع أي طرف ثالث من انتهاك هذه الحقوق، فتقوم الدولة باتخاذ كافة التدابير القانونية والاجرائية اللازمة لضمان حماية تمتع المواطنين/ات بهذه الحقوق، ويدخل في نطاق واجب الحماية ايضا قيام الدولة بتوفير سبل انتصاف قضائية وغير قضائية فعالة وناجزة تضمن توقيع العقاب الرادع بمن ينتهك تلك الحقوق، وتضمن تعويض وجبر ضرر الضحايا.
(۳) واجب التعزيز: يقصد بواجب التعزيز مبادرة الدولة باتخاذ إجراءات واقرار سياسات عامة أو غيرها تدعم ممارسة وتمتع المواطنين / ات المصريين بكل الحقوق الواردة في هذه الاتفاقيات، مثل أن تتبني الدولة برنامج تثقيفي حول حقوق الطفل لطلاب المدارس.
قبل أن نبدأ في تحليل السياق القانوني لجرائم تزويج القاصرات في مصر، من المهم أن نشير للمادة 11 من الدستور المصري، والتي تنص على: “تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقاً لأحكام الدستور. وتعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلاً مناسبًا في المجالس النيابية، على النحو الذي يحدده القانون، كما تكفل للمرأة حقها في تولي الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا في الدولة والتعيين في الجهات والهيئات القضائية، دون تمييز ضدها. وتلتزم الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف، وتكفل تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل. كما تلتزم بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة والنساء الأشد احتياجًا“. تفرض هذه المادة بما لا يدع مجالاً للتأويل التزامًا دستوريًا على كاهل سلطات الدولة الثلاث بحماية النساء من كافة أشكال العنف الواقعة عليهن. وبالتالي فسكوت المشرع المصري عن تجريم تزويج القاصرات حتى الآن يعد انتهاكًا للنص الدستوري السابق، وجورًا على حقوق النساء الدستورية، فضلاً عما يمثله هذا التقاعس من إهدار لالتزامات مصر الدولية بموجب انضمامها لاتفاقية السيداو واتفافية حقوق الطفل والتي تحدثنا عنهما في المحاور السابقة.
رغم ما يترتب على جرائم تزويج القاصرات من آثار بالغة الخطورة على حياة النساء لا تزال تلك الجرائم (مباحة) وفقًا للقانون المصري، وإن كان الجزاء الوحيد الذي ارتآه المشرع المصري لهذه الجرائم هو عدم إمكانية توثيق رابطة الزوحية إذا كانت الزوجة أو الزوج أقل من ١٨ عامًا وهو جزاء تضار منة الفتيات أيضًا نتيجة لتغييب مظلة الحماية القانونية التي يوفرها تسجيل عقد الزواج لهن، فكأن تلك العقوبة قد جاءت لمعاقبتهن على كونهن ضحايا لتلك الجرائم.
في الأجزاء التالية نتناول تفصيليًا بعض النصوص القانونية المرتبطة بجرائم تزويج القاصرات والتي لا تغني بأي حال من الأحوال عن فكرة غياب تجريم تلك الممارسات داخل القانون المصري.
تحديد سن الزواج وحظر توثيق عقد الزواج لمن دون الثامنة عشر عامًا.:
تنص المادة ٣١ مكرر والمضافة عام ٢٠٠٨ للقانون ١٤٣ لسنة ١٩٩٤ بشأن الأحوال المدنية على أنه “لا يجوز توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ من الجنسين ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة… ويعاقب تأديبيًا كل من وثق زواجًا بالمخالفة لأحكام هذه المادة“.
تحظر هذه المادة بشكل واضح توثيق عقد الزواج إذا كان أحد طرفيه أقل من ١٨ عامًا غير أنها لا تحظر انعقاد رابطة الزوجية نفسه، بل وحتى في حال قام موظف رسمي متجاوزًا القانون بتوثيق عقد زواج لقاصر فأن العقوبات التي ستطبق عليه هي الجزاءات التأديبية فقط دون أي عقوبة جنائية.
وبناء على هذا الحكم القانوني المستحدث صدر قرار وزير العدل رقم ١٩٢٧ لسنة ٢٠٠٨ بتعديل بعض أحكام لائحة المأذونين والذي ينص في أحد مواده المعدلة على: “لا يجوز مباشرة عقد الزواج أو المصادقة على زواج مالم يكن سن الزوجيين ثماني عشر سنة وقت العقد“.
تجريم الخداع لتوثيق عقد زواج بناء على معلومات مضللة:
تنص المادة ٢٢٧ من قانون العقوبات على: “يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين أو بغرامة لا تزيد على ثلاثمائة جنيه كل من أبدى أمام السلطة المختصة بقصد إثبات بلوغ أحد الزوجين السن المحددة قانونًا لضبط عقد الزواج أقوالاً يعلم أنها غير صحيحة أو حرر أو قدم لها أوراقًا كذلك متى ضبط عقد الزواج على أساس هذه الأقوال أو الأوراق.
ويعاقب بالحبس أو بغرامة لا تزيد على خمسمائة جنيه كل شخص خوله القانون سلطة ضبط عقد الزواج وهو يعلم أن أحد طرفيه لم يبلغ السن المحددة في القانون“.
تضع هذه المادة عقوبات على جريمة الخداع بغرض تسجيل عقد زواج بشكل رسمي سواء تم هذا الخداع بواسطة محررات ورقية مزورة، أو حتى عن طريق القول بأن شهد شخص ما – على خلاف الحقيقة – أن أحد طرفي عقد الزواج أو كلاهما قد بلغـا السن القانوني للزواج. لا تعاقب هذه المادة إذًا على عملية التزويج نفسها، ولكن تعاقب على عملية “الخداع” ولا تغطي هذه المادة كل عمليات التزويج بما يشمل الأشكال غير الرسمية منها، ولكن تغطى فقط الزواج الرسمي الذي يتم تسجيله لدى موظفي الدولة المختصين.
واقعيًا لا تؤثر هذه المادة والعقوبات التي تحتويها على جرائم تزويج القاصرات التي تتم يوميًا في مصر دون الحاجة للجوء للتسجيل الرسمي، وبالتالي فلا حاجة للخداع والوقوع تحت طائلة العقوبات الموجودة فيها.
قانون مكافحة الاتجار بالبشر وجرائم تزويج القاصرات:
يتعامل القانون رقم ٦٤ لسنة ٢٠١٠ مع جرائم الاتجار بالبشر فيعرفها ويحدد أركان قيام تلك الجرائم، ويحدد أيضًا العقوبات الواجبة في حالة وقوعها، كما يفرض مجموعة واسعة من التدابير اللازم للتعامل مع هذه الجرائم في مصر.
يعتبر القانون أن تلك الجريمة لا تتحقق إلا بتوافر ثلاثة عناصر ، (الاتجار ) وهو التعامل بأية صورة في شخص طبيعي بما في ذلك البيع أو العرض للبيع أو الشراء أو النقل أو التسلم أو الإيواء. و (استخدام وسائل معيلة) مثل استعمال القوة أو العنف أو التهديد بهما، أو بواسطة الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع، أو استغلال السلطة، أو استغلال حالة الضعف أو الحاجة. و(قصد الاستغلال) أيًا كانت صوره بما في ذلك الاستغلال في أعمال الدعارة وسائر أشكال الاستغلال الجنسي“.
يأخذ الاتجار بالنساء في مصر عدة أنواع رئيسية من بينها نوع يرتبط بالجنس بصورة مباشرة، ويشمل هذا النوع عدة أشكال غير قانونية مثل الجنس التجاري، والزواج القسري، وتزويج القاصرات، وعمليات الإجهاض القسري، وترقيع غشاء البكارة، واختطاف النساء لاستغلاهن جنسيًا.
في جرائم تزويج القاصرات عادة ما يتوافر عنصران من العناصر الثلاثة المكونة للركن المادي لجريمة الاتجار بالبشر. ولكن بطبيعة الحال يجب توفر العناصر الثلاث لقيام الجريمة. يتمثل العنصر الأول في التعامل والذي يشمل صورًا ذكر القانون في مادته الثانية أن من بينها “البيع أو العرض للبيع أو الشراء أو الوعد بهما أو الاستخدام أو النقل أو التسليم أو الإيواء أو الاستقبال أو التسلم سواء في داخل البلاد أو عبر حدودها الوطنية“، والعنصر الثاني هو استعمال وسائل من بينها ” القوة أو العلف أو التهديد بهما، أو بواسطة الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع، أو استغلال السلطة، أو استغلال حالة الضعف أو الحاجة، أو الوعد بإعطاء أو تلقى مبالغ مالية أو مزايا مقابل الحصول على موافقة شخص على الاتجار بشخص آخر له سيطرة عليه” أما العنصر الثالث الذي يحتاج لإثبات لقيام جريمة اتجار بالبشر في حالة تزويج قاصر فهو “قصد الاستغلال“.
يتناول الفصل الثاني من هذا القانون المعاقبة على جريمة الاتجار بالبشر وبعض الجرائم المرتبطة بها حيث يقرر القانون عقوبة السجن المشدد مع غرامة لا تقل عن ٥٠ ألف جنيه ولا تجاوز ٢٠٠ ألف جنيه لكل من تورط في جريمة اتجار بالبشر. ويغلظ القانون العقوبة إذا كان مرتكب الجريمة زوجًا للمجني عليه أو من أحد أصوله أو فروعه أو ممن له الولاية أو الوصاية عليه أو كان مسئولاً عن ملاحظته أو تربيته أو ممن له سلطة عليه فتكون العقوبة السجن المؤبد وبغرامة لا تقل عن ١٠٠ ألف جنيه، وفي هذه المادة مراعاة خاصة لفئتي النساء والأطفال حيث غالبًا ما تكونا هاتين الفئتين ضحايا لاتجار بالبشر من جانب رب الأسرة من الرجال.
يخبرنا التحليل القانوني السابق أن عمليات تزويج القاصرات في مصر غير مجرمة في ذاتها، وأن هذه العمليات لكي تدخل نطاق التجريم لابد أن تقترن بأركان جريمة أخرى مثل جريمة الخداع لتحرير عقد زواج أحد طرفيه قاصر، أو جريمة اتجار بالبشر.
عمليًا يؤدي هذا الفراغ التشريعي لوجود ازدواجية وتناقض ما بين الخطاب المعلن لكل أجهزة الدولة برفض تلك الممارسات، بل ومبادرة الدولة نفسها في العام ٢٠١٥ بإطلاق استراتيجية قومية للحد من تزويج القاصرات، وما بين الواقع القانوني الذي لا يعتبر تزويج القاصرات جريمة في ذاته. تتجلى مظاهر هذا التناقض في أن البلاغات التي يستقبلها خط نجدة الطفل ويقوم بتحويلها للجهات الأمنية، أو حتى البلاغات التي تبادر الفتيات أنفسهن بتقديمها للأجهزة الأمنية طالبين فيها حمايتهن من جرائم تزويج قاصرات وشيكة تنتهى للاشيء، بل يجد رجال الأمن أنفسهم في حيرة ما بين اتباع التوجهات الرسمية المعلنة للدولة وما بين تطبيق القانون، فيحاولون التغلب على هذا الأمر بالنقاش مع ولي الفتاة، أو إجباره على توقيع إقرار غير قانوني ولا يملك أي حجية، بعدم تزويجها قبل الثامنة عشر عامًا. في النهاية يضطر رجال الأمن لتسليم الفتاة المبلغة لوليها نفسه، التزامًا بالقواعد القانونية السارية في التعامل مع القصر.
خلال السنوات القليلة الماضية تعددت المحاولات الرسمية وغير الرسمية لوضع إطار قانوني لتجريم تزويج القاصرات في مصر، لعل أكثر هذه المحاولات جدية كانت المواد الواردة في متن مشروع القانون الموحد لمناهضة العنف ضد المرأة، الذي تبنته تسع منظمات نسوية مصرية12 حيث حظي هذا المشروع بموافقة ٦٠ نائبًا / ة بالفصل التشريعي الأولى للبرلمان 13 الذي تم تشكيله بعد صدور دستور ٢٠١٤، وذلك بعد تبني المشروع من قبل النائبة نادية هنري، غير أن هذا المشروع لم يلق تأييد باقي نواب البرلمان ولم يخرج للنور حتى انتهاء الفصل التشريعي الأول وانتخاب أعضاء مجلس النواب الجدد في نهاية العام ٢٠٢٠.
نصت المادة ٣٨ الواردة في الباب السادس من هذا المشروع على: “كل من زوج فتاة قاصر، أي قبل بلوغها السن القانونية للزواج، أو اشترك في ذلك، أو كان ذلك الزواج فيه استغلال للأنثى أو شبهة الاتجار بالبشر يُعاقب بعقوبة السجن، وتكون العقوبة السجن المشدد، إن تم ذلك الزواج بموجب طرق احتيالية، أو بناء على مستندات مزورة…”..
يحدد النص السابق أربعة صور للتجريم، الأولى هي تزويج فتاة قبل بلوغها السن القانوني للزواج، والمحدد في قانون الطفل بثمانية عشر عامًا، وهي الصورة غالبًا تقوم في مواجهة أولياء الفتاة سواء الأب أو الأم أو الأخوة والأخوات أو غيرهم. أما الصورة الثانية للتجريم فهي الاشتراك في عملية التزويج مثل قيام مأذون بهذه الجريمة أو قيام شخص بدور الوسيط لعقد هذا النوع من الزيجات. الصورتين الرابعة والخامسة يتوافرا في حالة وجود استغلال أو شبهة اتجار بالبشر.
يحدد النص عقوبة الصور الأربع المجرمة السابق بيناها بالسجن، ولفظ السجن في حالة السكوت عن تحديده من قبل المشرع ينصرف الى السجن مدة لا تقل عن ٣ سنوات كحد أدنى ولا تزيد عن ١٥ عامًا كحد أقصى. كذلك تكون العقوبة على الجرائم السابقة هي السجن المشدد في حالة إتمام هذ الزواج بطرق احتيالية أو بناء على مستندات مزورة، والحدود الدنيا والقصوى للسجن المشدد هي ذاتها الحدود الدنيا والقصوى للسجن ولكن يتصرف لفظ التشديد لمكان تنفيذ العقوبة، حيث يتم تنفيذ عقوبات السجن المشدد داخل الليمانات وهي أشد السجون حراسة، وتخصص لإيواء عتاة المجرمين، بينما يتم تنفيذ عقوبة السجن في السجون العمومية.
تعامل النص السابق مع عمومية لفظ “الزواج” فلم يشترط تسجيل هذا الزواج لوقوع الجريمة، ولكن الاكتفاء بذكر لفظ الزواج يجعل عمليات التزويج التي تتم عرفيًا ولا تسجل في أوراق رسمية تدخل في نطاق التجريم المحدد في هذه المادة.
يؤخذ على النص السابق قيامة بالجمع ما بين جرائم متباينة الأركان في مادة واحدة بينما كان من الأفضل الفصل بينهم في مواد متفرقة، فأركان جريمة تزويج القاصر يمكن حصرها قيام رابطة الزوجية بحق فتاة قاصر مع العلم والإرادة لمن قام بتزوجيها، بينما تختلف هذه الأركان في حالة وجود استغلال في هذه الزيجة أو وجود حالة اتجار بالبشر. أيضًا لم يوضح النص مفهوم الاستغلال المجرم في عقود الزواج وكيفية قيامه، وهو أمر غير مقبول في نص عقابي يفترض به الوضوح والدقة نظرًا لخطورة وجسامة العقوبة المقررة له. كذلك لم يوضح هذا النص الغرض من ذكر لفظ صورتي “الاستغلال” و “شبهة الاتجار بالبشر” طالما كان تزويج فتاة قبل بلوغها السن القانوني كافيًا وحده لتوقيع العقوبة فلم يتم حتى اعتبار هاتين الصورتين ظروف مشددة للعقوبة، ولو كان من وضع النص يقصد تجريم التزويج إذا توافر فيه صفة الاستغلال أو أركان جريمة الاتجار بالبشر بغض النظر عن معيار السن فالنص يحتاج لصياغة أكثر دقة وللفصل ما بين جريمة تزويج القاصرات وجرائم الاستغلال والاتجار بالشر.
كذلك يشوب الغموض الصورة الرابعة للتجريم والمتعلقة بوجود “شبهة اتجار بالبشر” فالعقوبات لا توقع لمجرد الشبهة. وفي حالة الشك لابد أن يفسر الشك لصالح المتهم وليس العكس كقاعدة قانونية عامة لا يجوز إهدارها. في كل الأحوال فمن صاغوا النص السابق لا يحتاجون لتجريم تزويج القاصرات إذا توافرت به أركان جريمة الاتجار البشر، حيث يقوم القانون رقم ٦٤ لسنة ٢٠١٠ والخاص بمكافحة الاتجار بالبشر بهذه المهمة بكفاءة.
في أكتوبر من العام ٢٠١٧ نشرت بعض المواقع الصحفية “نص مشروع قانون تقدمت به لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب في فصله التشريعي الأول، ورئيسها السابق النائب علاء عابد، لـ “مواجهة العنف ضد المرأة“. تكوّن المشروع من ١٩ مادة فقط وجاء ذكر جرائم تزويج القاصرات في المادة العاشرة من مشروع القانون هذا.
تنص هذه المادة على: “يعاقب بالسجن كل من زوج أنثى قبل بلوغها السن القانوني للزواج، أو اشترك في ذلك، وتكون عقوبته السجن المشدد إن تم ذلك الزواج بموجب طرق احتيالية، أو بناء على مستندات مزورة، كما يعاقب بعقوبة الحبس مدة لا تقل عن سته أشهر، وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنية ولا تزيد على عشرين ألف جنية، أو إحداهما كل من أكره أنثى على الزواج.
تضم المادة السابقة جريمتين مختلفتين الجريمة الأولى هي جريمة تزويج القاصرات ولها صورتين للتجريم الصورة الأولى هي تزويج فتاة قبل بلوغها السن القانوني للزواج، أما الصورة الثانية للتجريم فهي الاشتراك في عملية التزويج. وقد حددت لهما هذه المادة السجن كعقوبة لأي منهما، وكما سبق أن قولنا يقصد بلفظ السجن هنا السجن مدة لا تقل عن ٣ سنوت ولا تزيد عن ١٥ عاما. كذلك اعتبر مشروع القانون أن إتمام عملية تزويج القاصر بموجب طرق احتيالية أو بناء على مستندات مزورة يعتبر ظرفًا مشددًا للعقوبة لتصبح عقوبة هذه الجريمة السجن المشدد.
الجريمة الثانية في هذا النص هي إكراه أنثى على الزواج، وهي غير مقيدة بمعيار السن كما في الجريمة الأولى، وأقر مشروع القانون إما عقوبة الحبس مدة لا تقل عن سته أشهر، والغرامة التي لا تقل عن عشرة آلاف جنية ولا تزيد على عشرين ألف جنية، أو إحدى هاتين العقوبتين.
مثل النص الذي استعرضناه في صدر هذا المحور، تعامل النص السابق مع عمومية لفظ “الزواج” فلم يشترط تسجيل هذا الزواج لوقوع الجريمة، ولكن من الغريب أن هذا النص تعامل باستهانة شديدة مع جرائم الاجبار على الزواج فوضع لها عقوبة قد لا تزيد عن غرامة مالية عشرين ألف جنيه وهي عقوبة غير كافية لتحقيق الردع ولا تتناسب مع جسامة الجرم. وكان يمكن لواضعي هذا المشروع أن يتبنوا فكرة المساواة في العقوبة ما بين تزويج القاصرات وما بين الاجبار على الزواج حيث تتشابه الجريمتين في بعض أوجه علة التجريم، فتزويج القاصرات يقوم على إرادة معيبة لا يعتد بها، بينما يقوم الاجبار على الزواج على إلغاء الإرادة الحرة والحرمان من الاختيار.
في سياق آخر، يذكر الموقع الرسمي للمجلس القومى للمرأة أن المجلس تقدم بمشروع قانون بشأن مكافحة زواج القاصرات تم إرساله إلى مجلس الوزراء ومجلس النواب وتتضمن تعديلات خاصة بمواد وردت في (قانون العقوبات – قانون رقم ۱۱۸ بشأن الولاية على النفس – قانون الإجراءات الجنائية – قانون الطفل – قانون الأحوال المدنية) غير أنه لم يتسن لنا الاطلاع على هذا المشروع غير المنشور 15، كما خلى مشروع القانون حول العنف ضد المرأة، الذي قدمه المجلس القومي نفسه إلى مجلس النواب عام ٢٠١٦ بحسب تقارير صحفية 16من الإشارة إلى جرائم تزويج القاصرات.
في نهاية هذه الورقة نؤكد على أن حقوق النساء ليست مجالاً للتفاوض ما بين السلطة وبين القوى المجتمعية التقليدية مثل المؤسسات الدينية وغيرها، ونذكر بالالتزام الذي تفرضه المادة 11 من الدستور المصري على الدولة بحماية النساء من كل أشكال العنف. من هذا المنطلق نوصي بما يلي للتعامل مع واقع جرائم تزويج القاصرات في مصر:
1 / التعجيل بتجريم تزويج القاصرات بشكل واضح في القانون المصري سواء بإصدار قانون موحد لحماية النساء من كل أشكال العنف أو بتعديل نصوص قانون العقوبات لإضافة مواد تعاقب كل من يشارك في تلك الجرائم وعلى الأخص الزوج والولي، بالإضافة لتغليظ عقوبة الموظفين الرسميين حال مشاركتهم في تلك الجرائم.
2 / صياغة وتبنى استراتيجية قومية جادة للتعامل مع انهاء جرائم تزويج القاصرات في مصر، خاصة بعد انتهاء النطاق الزمني للاستراتيجية التي تبنتها الدولة عام ٢٠١٥ دون تحقيق تقدم يذكر. وذلك بالتشاور مع المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني المحلية ذات الصلة.
3 / إعداد برامج تأهيل طبي ونفسي واجتماعي للفتيات المتعرضات لتلك الجرائم وتقديم هذه الخدمات لهن بشكل مجاني عبر تعاون مشترك بين وزارة الصحة والمجلس القومي للمرأة والمجلس القومي للطفولة والأمومة وباقي الجهات المعنية.
4 / احترام حرية عمل منظمات المجتمع المدني والتعاون معها للتعامل مع التحديات التي يفرضها انتشار جرائم تزويج القاصرات في مصر وتمتع هذه الجرائم بحاضن مجتمعي قوي.
(1) منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف“
(2) المرجع السابق
(3) صندوق الأمم المتحدة للسكان:
(٤) المرجع السابق
(5) مجلس حقوق الإنسان: قرار بشأن تعزيز الجهود الرامية إلى منع ممارسة تزويج الأطفال والزواج المبكر والزواج القسري والقضاء على هذه الممارسة، صدر في إطار الدورة الرابعة والعشرين لعمل المجلس
https://bit.ly/3sizn8
(6) اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة هي أحد آليات الأمم المتحدة لحماية حقوق الإنسان. أنشئت اللجنة بموجب اتفاقية “السيداو” تمارس عملها في التأكد من سلامة تطبيق بنود الاتفاقية في أقاليم الدول التي صداقت أو انضمت اليها.
(٧) لجنة حقوق الطفل في الآلية الأممية المعنية بمراقبة تطبيق اتفاقية حقوق الطفل.
(8) التوصية العامة رقم ٣1 للجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة / التعليق العام رقم ١٨ للجنة حقوق الطفل الصادرات بصفة مشتركة، بشأن الممارسات الضارة، متاحة عبر الرابط التالي
https://documents-dds-ny.un.org/doc/UNDOC/GEN/N14/627/76/PDF/N1462776.pdf
(9) يمكن الاطلاع على التعليق العام رقم ٢١ كاملاً عبر الرابط التالي:
http://hrlibrary.umn.edu/arabic/cedar21.html
(10) أضيفت بموجب المادة الخامسة من القانون رقم ١٨٦ لسنة ٢٠٠٨ بتعديل بعض أحكام قانون الطفل الصادر بالقانون رقم ١٢ لسنة ١٩٩٦، وقانون العقوبات الصادر بالقانون رقم ٥٨ لسنة ١٩٣٧، والقانون ١٤٣ لسنة ١٩٩٤ بشأن الأحوال المدنية
(11) المفكرة القانونية: “الإتجار بالبشر في مصر: هل القانون كاف لمكافحة الجريمة ؟“
(12) يمكن الاطلاع على مشروع القانون من خلال الرابط التالي:
http://bit.ly/2wischl
(13) جريدة الوطن: تحقيق “العنف ضد المرأة“.. صاحبة مشروع “الموحد لمكافحة العنف“: القانون في مصر “أبوي” ويضم المرأة في مرتبة أدنى“. تاريخ النشر: ٢٦ نوفمبر ٢٠١٨ ، تاريخ الزيارة: ٢٥ مارس ٢٠٢٦.
https://www.elwatannews.com/news/details/3822732
(14) موقع الزمان: خبر ” ننشر قانون مواجهة العنف ضد المرأة” تاريخ النشر: ٢٦ أكتوبر ٢٠١٧ ، تاريخ الزيارة: ٢٤ مارس 2021
https://www.alzmannews.com/t-96949
( 15 ) المجلس القومي للمرأة: حصاد المجلس القومي للمرأة بشأن التشريعات والقوانين الداعمة للمرأة المصرية
https://bit.ly/31p7MC7
(16) موقع الوطن: خبر “الوطن” تنشر نص قانون “العنف ضد المرأة” المقدم من المجلس القومي للمرأة” تاريخ النشر: ٣٠ نوفمبر ٢٠١٦ ، تاريخ الزيارة : ٢٤ مارس ٢٠٢١
https://www.elwatannews.com/news/details/1638384?t=push