حول إقصاء النساء
من نطاق الحماية القانونية
حالة مصر
نقصد بالإقصاء من الحماية القانونية هو عدم امتداد الحماية القانونية لتشمل الفئة محل الدراسة (فئة النساء في حالتنا) وعملية الإقصاء فى حد ذاتها عملية اجتماعية لها أبعادها المحلية والدولية، أى توجد أسبابها في الصعيدين المحلى والدولى.
الأسباب التى ترجع إلى الأوضاع الدولية الراهنة:
1 – مفهوم سيادة الدولة، السائد حاليًا؛ رغم التطور الذى أصاب هذا المفهوم وقلص من نطاق سيادة الدولة إلا أن هذا التطور ليس كافيًا لضمان فاعلية أعلى في عملية الحماية القانونية الدولية، حيث يترك أمر الالتزام بأحكام اتفاقيات حقوق الإنسان للدول، وتفتقد غالبيتها وجود حساسية إيجابية تجاه الرأى العام المحلى أو العالمي، والتي يمكن أن يكون إحراجها فى المجال الدولى دافعًا لتحسين سلوكها، وهو الأمر المفقود في بلدان العالم المتخلف ومنها بلدنا. فمثلاً ليس بمقدور المنظمات غير الحكومية فى بلدان العالم النامي الدفع ببطلان تحفظات الدولة التابعين لها، والحصول على حكم بهذا البطلان ما لم تقرر الدولة ذاتها قبول هذا الأمر، على الرغم من الغرض الحقيقى للتحفظات موجه بالأساس للوضع المحلى.
٢ – نظام التحفظ بشكل عام، حيث لا يشترط قبول الأغلبية للتحفظ حتى يكون له فاعليته القانونية، فالقانون الدولى السائد يترك عملية تفسير المقصود بالتحفظ ومغزاه للتفسير الذاتى للدول المعنية، فلا يوجد جهاز دولی مهمته تحديد مدى بطلان التحفظات تلقائيًا. كما أن نظام التحفظ المتضمن فى اتفاقية سيداو نفسها يساعد على هذا، حيث لم تحظر الاتفاقية التحفظ على بعض الأحكام، كما لم تشترط موافقة أغلبية ما على التحفظ.
3 – أسباب ترجع إلى طريقة صياغة الاتفاقية ذاتها، فإقرار الصياغة النهائية للاتفاقية خضع للمساومات الدبلوماسية والضغوط والضغوط المتبادلة مما يجعل الاتفاقية تخرج في النهاية وقد تم تحجيم فاعليتها، حيث تنعدم النصوص تلقائية التنفيذ. ونقصد بها تلك النصوص التي تنفذ في داخل الدولة بمجرد انضمام الدولة كطرف في الاتفاقية، ونشرها في الجريدة الرسمية، ومن ثم يمكن استخدامها مباشرة أمام القضاء المحلى وتكون ملزمة له بدون انتظار قيام إحدى سلطات الدولة باتخاذ إجراءات إضافية لنفاذها؛ فعندما يتحدث نص على أن القانون يكفل هذا الحق أو ذاك: فإن هذا النص لا أثر قانوني له حيث أنه نص غير قابل للاستخدام أمام القضاء المحلى حتى بعد اتباع الإجراءات المنصوص عليها دستوريًا فيما يختص بالتصديق على الاتفاقية ونشرها لأن هذا النص يستلزم قيام الدولة بإصدار التشريع المناسب الذى يكفل هذا الحق مبينًا كيفية ممارسته ونطاقه.. الخ، وبدون هذا الإجراء لا يكون لتصديق الدولة على الاتفاقية سوى أهمية أدبية وسياسية، وهي لا تعنى الكثير فى مجتمعات لا تحفل بالرأى العام المحلى، وليت الأمر يقتصر على انعدام هذه الحفاوة، بل يتعداه حيث تتسم هذه المجتمعات عادة بسعى سلطاتها الدءوب للحيلولة دون تبلور رأى عام محلى ذو تأثير وفاعلية، حتى لو استدعى الأمر مصادرة وخنق وغلق قنوات تشكيل هذا الرأى (انعدام الديمقراطية داخل هذه المجتمعات).
4 – عدم وجود جهاز قضائی دولى ملزم يمكن للأفراد اللجوء إليه مما يضفى على اتفاقيات حقوق الإنسان طابع شبة دستورى (التجربة الأوربية فى هذا المجال تعطى لنا النموذج).
الأسباب الداخلية:
أولاً: حداثة مفهوم المساواة، وعدم تجذره فى المجتمع كقيمة ينبغى الحفاظ عليها، فعدم المساواة هو الوضع المعاش لمئات السنين، ومن كثرة التآلف معه صار وكأنه أصل الأشياء، وهو المتفق الطبيعة الإنسانية، ومن ثم لم يقتصر وضع عدم المساواة على مع کونه سلوكًا شائعاً بل أساسًا سلوكًا مقبولاً اجتماعيًا، وتصل درجة تقبله إلى اعتباره من ضمن طبائع الأشياء التى لا تحتاج إلى تبرير أو إعادة نظر، وفى بعض الحالات يكون له قداسة باعتباره إرادة الله وكلمته التى لا معقب لها، والمساواة هي التي تحتاج إلى تبرير.
ثانيًا: الارتفاع بعدم المساواة ليضحى نظامًا رسميًا تتبناه الدولة وتدافع عنه وتحرسه وترعاه، ويتمثل ذلك في:
أ – تضمن التشريعات الراهنة نصوص صريحة تكرس عدم المساواة.
ب – ممارسة التمييز على صعيد التطبيق مع الإقرار بالمساواة على صعيد اللفظ.
ج – الصمت التشريعي عن توفير الحماية القانونية للنساء باعتبارهن من الفئات الأضعف اجتماعيًا؛ ومن ثم تحتاج إلى حماية خاصة.
ثالثًا: ضعف أو انعدام نقل الرأى العام المحلى، وانسداد أو انعدام القنوات الديمقراطية.
رابعًا: البنية التشريعية المصرية ودورها في استمرار الإقصاء وإعادة إنتاجه، من حيث:
1 – وضعية الاتفاقية الدولية فى داخل التدرج القانون الداخلي.
2 – البنية التشريعية الوضعية والفقه الإسلامي التقليدي.
وسوف نعالج الرئيسى من هذه النقاط بقدر من التفصيل فيما يلى 1:
ولن نتعرض أيضًا للنقطة الأولى والثالثة من الأسباب الداخلية لما سبق من أسباب.
أولاً: مفهوم سيادة الدولة والإقصاء:
لحق بالقانون الدولى عدة تطورات تؤثر إيجابيًا في توفير حماية أفضل لحقوق الإنسان، مقارنة بما كان سائدًا من قبل، ألا أن هذا التطور حتى الآن غير كافيًا في توفير حماية أكثر فعالية لهذه الحقوق، مقارنة بما هو ممكن وبما يجب أن يكون عليه الوضع ولن نتعرض هنا بالتفصيل للتطورات التي لحقت القانون الدولى العام – وأن كان الأمر يحتاج لمثل هذه الدراسة – ولكن سوف نلقى الضوء على أبرزها فيما يتعلق بموضوع الانتقال من فكرة السيادة المطلقة إلى فكرة السيادة المقيدة. وتضافرت عدة عوامل في هذا الانتقال:
۱ – إن ظهور المنظمات الدولية الحكومية لعلامة بارزة فى تحديد نطاق سيادة الدولة، فإذا كانت الدول تنشئ المنظمات الدولية بموجب عمل إرادى سيادي من جانبها من خلاله تتحمل الدولة الطرف، نتيجة لأغراض المنظمة وطابعها ومدى وظائفها عدد من الالتزامات. وبمقتضى ذلك تتنازل الدول عن بعض امتيازاتها السيادية أي توافق على تقييد سيادتها بالقيود التى يقتضيها تحقيق المنظمة لأغراضها والوصول إلى مقاصدها، ومن ثم فإن بدأ عصر المنظمات الحكومية الدولية هو نهاية لعصر السيادة المطلقة التي لا تتفق مع عصر العضوية في المنظمات الدولية. وهو نفس الأمر المنطبق على الاتفاقيات متعددة الأطراف.
فقبل قيام المنظمات الدولية الحكومية كانت فكرة السيادة تتضمن فى طياتها سلطة التفسير الذاتي للالتزامات الدولية، أى أنه بحسب الأصل كانت الدولة صاحبة الحق في تفسير التزاماتها، وكذلك قبول المعنى الذى ترتضيه لها. ولكن بتأسيس عصبة الأمم، أصبح مجلسها مختصًا في البت فيما إذا كان النزاع يتعلق بمسألة من مسائل التي تعد من الشئون الداخلية للدول (وذلك وفقًا لنص الفقرة الثامنة من المادة الخامسة عشر من عهد العصبة) وهو الأمر الذى استمر فى عهد الأمم المتحدة، رغم خلو الفقرة السابعة من المادة الثانية من ميثاق (وهي المادة المنظمة لهذا الشأن)2 من تحديد السلطة المختصة بالبت في هذا الأمر، ويتضح هذا من ممارسة الأمم المتحدة وأجهزتها التى استقرت على أن المنظمة الدولية هي صاحبة الاختصاص فى تحديد اختصاصها.
۲ – اتساع أشخاص القانون الدولى لكى تشمل بجانب الدول، المنظمات الدولية الحكومية، بل وتمتد أيضًا إلى أشخاص قانونية خاصة، وامتدت لتشمل الإنسان بصفته إنسان بحيث تحول من أن يكون موضوع للقانون الدولى ليصبح صاحب حقوق ومتحملاً بالتزامات مباشرة من القواعد الدولية، ليظهر فرع قانوني جديد هو القانون الدولى لحقوق الإنسان والتي تمثل قواعده خروجاً عن سيادة الدولة والمجال المحجوز لها أو قيد عليهما. ويقـــول في ذلك د/ رضا:”أن العلاقة بين الدولة ورعاياها، لم تعد من الشئون الداخلية البحتة، نتيجة لاعتبار القانون الدولى هو الوسيلة الفعالة لحماية حقوق الإنسان، بل خرجت من المجال المحجوز للدولة لتصبح محلاً لاهتمام القانون الدولى ومحلاً ومحورًا لقواعده على المستوى العالمى والإقليمي“. 3
ففكرة أن ثمة حقوق عامة للإنسان مصدرها القانون الدولى له حق التمسك بها والالتجاء إلى جهاز دولى لحمايتها لم تكن مقبولة حتى أوائل القرن الحالي. وإن وجدت بعض المجهودات والأنشطة المتقطعة غير المنتظمة للنظر إلى الإنسان مثل محاربة الاتجار في العبيد وتحرير الرقيق، وقد اتخذت كذريعة للتدخل فى الشئون الداخلية للدولة. وحتى الحرب العالمية الثانية كان فى نظر غالبية الفقه والقانونيين، كما كان هو الأمر السائد في القرن التاسع عشر، أن معاملة الدولة لرعاياها من الأمور التى تدخل كلية وبصفة مطلقة في سيادتها القومية والتى تدخل فى سلطان الحكومة الشرعية لتلك الدول، ولم تكن من المسائل التي يقبل فيها قانونًا أن تتخذ فيها حكومة أجنبية عملاً ما، وأن القانون المنظم لها هو القانون الداخلى الوطنى والذى لا تتقيد فيه الحكومة بما تتعهد به صراحة، وتلتزم به في معاملاتها الدولية.
ولقد تحولت حقوق الإنسان من فكرة فلسفية إلى فكرة سياسية ثم إلى فكرة قانونية تؤثر على القانون الدولى العام، وقد لعب هذا التحول دورًا بارزًا فى نمو القانون الدولي لحقوق الإنسان مما يؤدى تلقائياً إلى تقلص فكرة سيادة الدولة فى هذا الصدد مما دفع البعض إلى أن يرى أن التطور الحادث الآن على صعيد القانون الدولى يؤدى إلى إخراج الحقوق والحريات الأساسية من نطاق الاختصاص الوطني لتدخل في نطاق القانون الدولي، وأن اختلف الفقه فى تحديد المقصود بالحقوق الأساسية حيث حصرها البعض في الحق في الحياة، الحرية والمساواة 4، بينما يرى البعض الآخر ارتباطها بمفهوم الحقوق والحريات ذات الحصانة (أى الحقوق والحريات الغير قابلة للتصرف فيها).
وتتميز تلك الحقوق الأساسية بأنها تعد أساس الجماعة الدولية كما هي عليه الآن. حيث تلتزم بها الدول حتى ولو لم تلتزم بها بموجب اتفاقيات دولية، أو لم تلتزم بها صراحة من جانبها، وهي من جانب آخر قائمة، فى أى زمان وأى مكان ولا تسمح بأي خروج عنها.
ويرى البعض أنها تتمثل في حق تقرير المصير، وحق المساواة وعدم التمييز بسبب الجنس أو العرق أو الدين أو اللون 5 وهذا القول فى حقيقة الأمر يعنى اعتبار الحقوق الأساسية جزء مما عرف باسم القواعد الآمرة فى القانون الدولى JUS COGENS ، وهي تلك القواعد المقبولة والمعترف بها من الجماعة الدولية فى مجموعها كقاعدة لا يجوز الإخلال بها ولا يمكن تعديلها إلا بقاعدة لاحقة، من قواعد القانون الدولى عامة التطبيق لها ذات الصفة.
فالقواعد الآمرة تعتبر بهذه المثابة قيد على سلطان إرادة الدول إذ لا يجوز لهذه الإرادة أن تخرج على مقتضى حكمها. فهى القواعد القانونية العامة التطبيق، والتي يترتب على مخالفتها البطلان المطلق والكلى للاتفاق المخالف لها، فلا ينتج الاتفاق المخالف لها أثارا، ولا يعتد به بين أطرافه، ولا فى مواجهة الغير، كما يترتب على ذلك أو انقضاء الاتفاق إذا ما ظهرت قاعدة دولية آمرة بعد انعقاد الاتفاق صحيحًا. وترتيباً على ذلك فإن وجود القاعدة القانونية الدولية الملزمة والمنظمة لموضوع أو مسألة ما من شأنه خروج تلك المسألة أو الموضوع من دائرة المجال المحجوز للدولة ودخولها في مجال القانون الدولي.
ولا يعنى ما سبق انتهاء أى دور لسيادة الدولة فى مجالات حقوق الإنسان فالدخول كطرف في الاتفاقية المنظمة لحقا ما مازال مجالاً لممارسة الدولة لسيادتها، كما أن فكرة التحفظات المقبولة من ناحية، وفكرة القيود المقبولة التى من الممكن أن ترد على هذه الحقوق، يمثل كليهما مجالاً لممارسة الدولة لسيادتها.
ومن ثم تعد هذه الأمور هى الروافع التى تؤدى إلى تقليص الحماية القانونية، حفاظًا على قدر السيادة المتعارف عليه حاليًا، وسوف يتضح هذا عند مناقشة النقطة التالية.
ثانيًا: نظام التحفظ على المعاهدات وإقصاء النساء من الحماية القانونية:
أن نظام التحفظات السائد وفقًا للقانون الدولى يلعب دورًا في إقصاء النساء من ساحة الحماية القانونية التي توفرها لهن اتفاقيات حقوق الإنسان، فرغم التطور الذي انتاب القانون الدولى إلا أنه لم يتطور بدرجة تكفى لمواجهة تقاعس الدول عن الوفاء بالتزاماتها الدولية، خاصة إذا كانت هذه الالتزامات تخص بالأساس مواطني هذه الدول، فالتحفظ رغم أنه في الأصل أداة في العلاقات الدولية، إلا أن ضحيته الحقيقية هو مواطنى الدولة المتحفظة.
لذلك سنعرض فى البداية التحفظ وفقًا لقواعد القانون الدولى ، ثم ننتقل لعرض قواعد التحفظ بالنسبة للسيداو، وبعد ذلك نلقى نظرة على التحفظات المصرية على هذه المعاهدة، لنختم بتحديد أثر نظام التحفظات فى إقصاء النساء من الحماية القانونية.
قواعد القانون الدولى فى التحفظ على الاتفاقيات6
وفقًا للمادة ٢/ 1/ د من معاهدة فينا لقانون المعاهدات المبرمة سنة ١٩٦٩ فإن التحفظ يعرف بأنه: إعلان من جانب واحد أيًا كانت صيغته أو تسميته يصدر عن الدولة، أو عند توقيعها أو تصديقها أو قبولها أو موافقتها أو انضمامها إلى معاهدة ما، وتهدف به استبعاد أو تعديل الأثر القانونى لأحكام معينة فى المعاهدة من حيث سريانها على هذه الدولة“
ووفقًا لنص المادة 23/ 1 من هذه الاتفاقية فإنه“يجب أن يتم التحفظ، والقبول الصريح له والاعتراض عليه كتابة، وأن يرسل إلى الدول المتعاقدة والدول الأخرى التي من حقها أن تصبح أطراف فى المعاهدة كما أن سحبه يجب أن يتم كتابة (م ٢٣/ ٢٤) يجب أن يكون التحفظ صريحًا قاطعًا، وهذه هى القاعدة التي جرى عليها العمل 7.
التحفظ على المعاهدات المتعددة الأطراف:
يثير هذا الأمر من المشاكل أكثر بكثير مما يثيره في حالة الاتفاقيات الثنائية 8، وذلك لتعدد أطراف المعاهدة، فقد يقبل بعض الأطراف التحفظ في حين يرفضه البعض الآخر. وتطور الموقف على صعيد القانون الدولى تجاه هذا الأمر حيث سادت لفترة قاعدة الإجماع Unanimity Rule ثم ساد النظام المرن Flexible System.
وسادت قاعدة الإجماع أبان عهد عصبة الأمم، ومضمونها أنه من الضرورى لمشروعية التحفظ أن يحظى بالقبول الصريح أو الضمنى من كل أطراف المعاهدة والدول الأخرى التي لها مصلحة مباشرة فى تكامل المعاهدة، أى الدول الموقعة على المعاهدة ومن المحتمل أن تكون أطراف فيها ولا يمكن لدولة أن تصبح طرفًا في المعاهدة إذا أبدت تحفظًا تتمسك به ولم يقبله أطراف المعاهدة أو الدول التي ستكون أطرافا فيها. 9
التحفظ وفقًا لاتفاقية فينا (النظام المرن):
وتتمثل مرونة هذا النظام في ما يمنحه من حقوق لكل دولة سواء كانت متحفظة أو قابلة للتحفظ أو معترضة عليه؛ وهى حقوق قائمة على حق المساواة والسيادة الذين يجعلان للدولة الحق في عدم الالتزام بدون رضاها.
وتتمثل حقوق الدولة المتحفظة في:
1 – الحق في إبداء التحفظ، (م ۱۹) والحق في سحبه.
٢ – الحق فى التمسك بالتعديلات التى تمت بناء على التحفظ في علاقتها بمن قبله من أطراف المعاهدة. (م 21/ 1/ أ).
بينما تتمثل حقوق الدولة قابلة التحفظ في:
١ – الحق في قبول التحفظ (م 20/ 4/ أ).
٢ – الحق في التمسك بنفس التعديلات التي أحدثها التحفظ، وذلك في مواجهة الدولة المتحفظة (م 21/ 1/ ب).
وأخيرًا تتمثل حقوق الدولة المعترضة على التحفظ في:
1 – الحق في الاعتراض على التحفظ، (م ٢٠/ ٤ / ب)، والحق في سحبه.
٢ – حقها في تحديد الآثار القانونية لاعتراضها، (م 20/ 4/ ب).
وأرست المادة ۱۹ من اتفاقية فينا قاعدة النظام المرن بقولها“يجوز للدولة أن تبدى تحفظًا على المعاهدة عند توقيعها أو التصديق عليها أو قبولها أو الموافقة عليها أو الانضمام إليها باستثناء الحالات الآتية:
( أ ) إذا كان التحفظ محظورًا في المعاهدة.
(ب) إذا كانت المعاهدة تجيز تحفظات معينة ليس من بينها ذلك التحفظ.
(جـ) في الحالات التى لا تشملها الفقرتان ( أ ) (ب) إذا كان التحفظ مخالف لموضوع المعاهدة وغرضها“.
حول مشروعية التحفظات:
عالج النص عدة حالات لمدى مشروعية التحفظ، وبيانها كالتالي:
( أ ) – حالة حظر التحفظ:
في هذه الحالة لا يجوز التحفظ وأى تحفظ يكون غير مشروع ولا يعتد به.
(ب) – حالة إجازة تحفظات معنية:
تكون التحفظات المتفقة مع ما تجيزه المعاهدة مشروعًا، وبالعكس تكون التحفظات المخالفة غير مشروعة ولا يعتد بها.
(ج) – حالة سكوت المعاهدة عن تحديد موقف من التحفظ:
يكون التحفظ مشروعًا إذا لم يكن مخالفًا لموضوع المعاهدة وغرضها (معيار التعارض).
معيار التعارض مع موضوع الاتفاقية وغرضها:
يستفاد من نص المادة ۱۹ أن معيار التعارض لا يؤخذ به إلا في حالات محددة هي:
١ – حالة إجازة الاتفاقية التحفظ على نصوص معينة دون تحديد واضح للمضمون المقبول لهذه التحفظات.
٢ – حالة سكوت الاتفاقية عن تحديد حكم من التحفظات أن حظرًا أو إباحة.
۱ – حالة إجازة الاتفاقية التحفظ على نصوص معينة دون تحديد لمضمون هذه التحفظات: ١٠
من البديهي أنه لا يؤخذ بمعيار التعارض بالنسبة للتحفظ الذى تحظره الاتفاقية فهو باطل سواء تعارض مع الاتفاقية أم لم يتعارض كما لا يؤخذ به بالنسبة للتحفظات التي تبيحها الاتفاقية صراحة، لأن الإباحة فى حد ذاتها تعنى أن التحفظ غير متعارض في الأصل مع الاتفاقية بدليل تضمن الاتفاقية له. والعبرة هنا مضمون التحفظات ذاتها التي ترد على النصوص المسموح بالتحفظ عليها بحيث تكون هذه التحفظات ذات مضمون محدد سلفا من حيث النمط والنوع وليست العبرة بالنصوص التي يسمح بإجراء التحفظات عليها فمجرد السماح بالتحفظ على نصوص معينة دون تحديد مضمون هذه التحفظات لا يجعل التحفظات التى ترد عليها مسموحًا بها صراحة، لأن مضمون هذه التحفظات لم يكن معلومًا للأطراف حتى يمكن اعتباره متفقًا عليه من قبل وبالتالي فإن إباحة التحفظ على نصوص معينة دون تحديد مضمون هذه التحفظات التي ترد عليها لا يستبعد معيار التعارض مع موضوع المعاهدة وغرضها، بحيث تكون مشروعية التحفظ خاضعة للمواءمة مع موضوع الاتفاقية وغرضها وقبول الأطراف الأخرى له.
وأهمية التفرقة بين التحفظات التى حددت كتحفظات جائزة، وبين تحديد النصوص التي يمكن أن ترد عليها التحفظات مسألة بالغة الأهمية: ففى الحالة الأولى لا تحتاج هذه التحفظات إلى قبول لاحق بحسب الأصل ما لم تنص المعاهدة على خلاف ذلك، وفى الحالة الثانية طالما مضمون التحفظات ذاتها غير محدد سلفًا فللأطراف الأخرى قبولها أو الاعتراض عليها، لأن الأطراف لم تتفق سوى على جواز التحفظ على بعض النصوص دون أن يمتد هذا الاتفاق إلى مضمون التحفظات ذاتها المسموح بها، ومن ثم لا تعد هذه التحفظات مشروعة ما لم يثبت عدم تعارضها مع أغراض الاتفاقية وموضوعها ويستلزم ذلك قبول الأطراف الآخرين فى الاتفاقية لها، كما يمكنهم الاعتراض عليها. 11
2 – حالة سكوت الاتفاقية عن التعرض للتحفظات حظرًا أو إباحة:
تفرق معاهدة فينا بين حالتين: اتفاقيات تخضع لقاعدة الإجماع واتفاقيات تخضع للنظام المرن:
أولاً: الاتفاقيات التي تخضع لقاعدة الإجماع:
وهي الاتفاقيات التى يتضح من خلال العدد المحدود من الدول التي تفاوضت من أجل إبرامها، ومن خلال موضوعها وغرضها، أن سريان كافة أحكامها بين كل أطرافها شرط أساسى لارتضاء كل طرف من أطرافها الالتزام بأحكامها، فإن التحفظ الذى قد يرد عليها لا يكون مشروعًا ما لم يقبله جميع أطراف الاتفاقية (م 20/ 2)، أى أن الاتفاقية لا تأخذ هنا بالمعيار المرن الذى يعطى كل دولة على حدة الحق فى قبول أو رفض التحفظ، وإنما تأخذ بالمعيار الكلى بمعنى أن الأطراف كلهم يجب أن يقبلوا التحفظ لكى يكون مشروعا 12.
ثانيًا: اتفاقيات تخضع للقاعدة المرنة:
إذا تبين من خلال موضوع الاتفاقية أو غرضها ومن محدودية عدد الدول المتفاوضة أن سريان كافة أحكامها بين جميع أطرافها شرط اساسى لارتضاء كل من أطرافها الالتزام بأحكامها، فإن التحفظ الذي يرد على هذه الاتفاقية يكون مشروعًا إذا كان متوائمًا مع موضوع الاتفاقية وغرضها (م ۱۹/ ج) وبشرط قبوله من جانب دولة واحدة على الأقل من الدول الأطراف (م 20/ 4/ ج)، وتكتسب الدولة المتحفظة وصف الطرف في المعاهدة في مواجهة الدولة التى قبلت تحفظها، وذلك عندما تصبح المعاهدة نافذة بين الدولتين (م 20/ 4/ أ) وكذلك تكتسب وصف الطرف فى مواجهة الدولة المعترضة على تحفظها، ما لم يكن الاعتراض متضمنًا صراحة عدم اعتبار الدولة المعترضة الاتفاقية سارية بينها وبين الدولة المتحفظة (م 20/ 4/ ب) علمًا بأن المادة 20/ 5 تعتبر عدم الاعتراض على التحفظ خلال ۱۲ شهر من تاريخ أخطارها رسميًا به أو حتى تاريخ تعبيرها عن ارتضائها الالتزام بالمعاهدة أيهما أبعد بمثابة قبول للتحفظ.
والحكم على مواءمة التحفظ لموضوع الاتفاقية وغرضها، متروك لكل دولة من الدول الأطراف على حدة 13.
الآثار القانونية للتحفظ على المعاهدة المتعددة الأطراف:
تتوقف هذه الآثار من ناحية على مدى مشروعية التحفظ ومن ناحية أخرى على نوعية الاتفاقية: هل تخضع لقاعدة الإجماع أم للنظام المرن.
أولاً: أثر التحفظات غير الجائزة:
يقصد بالتحفظات غير الجائزة التحفظات التي تحظرها الاتفاقية صراحةً أو ضمنًا هذا في حالة ورود نص فى الاتفاقية يبين حكم التحفظات، وفى حالة سكوت الاتفاقية عن إيراد حكم خاص بالتحفظات يكون التحفظ الغير جائز هو ذلك التحفظ الذى يتعارض مع موضوع الاتفاقية وغرضها.
ومن المفروغ منه أن التحفظ الباطل أو الغير مشروع أو غير الجائز لا أثر له يعتد به في صدد سريان احكام الاتفاقية المتحفظ عليها ومع هذا تظل هناك إشكالية في مدى هذا البطلان هل يقتصر على التحفظ أم يمتد إلى تعبير الدولة المتحفظة عن اتجاه إرادتها إلى الالتزام بأحكام المعاهدة، بحيث لا تكتسب وصف الطرف فى الاتفاقية. اختلف الفقه في هذا، والرأى الراجح أنه إذا كان التحفظ متعارضًا مع موضوع الاتفاقية وغرضها، فإن التحفظ وتعبير الدولة عن اتجاه إرادتها إلى الارتباط بالمعاهدة يعتبر كلاهما باطلاً، بحيث لا تكون الدولة المتحفظة طرفًا فى الاتفاقية أما إذا كان عدم جواز التحفظ يقوم على أسس أخرى غير التعارض مع موضوع الاتفاقية وغرضها فإن التحفظ وحده يعتبر باطلاً، دون أن يؤثر ذلك على اعتبار الدولة المتحفظة طرفًا فى الاتفاقية، وإذا أمكن فصل التحفظ عن تعبير الدولة الدال على ارتضائها الالتزام بالمعاهدة فإنه يحذف ١٤.
ثانيًا: أثر التحفظات الجائزة:
التحفظ الجائز هو ذلك التحفظ الذى لا تحظره المعاهدة صراحة أو ضمنًا في حالة وجود نص فى الاتفاقية بشأن التحفظات وفى حالة عدم وجود هذا النص يكون التحفظ جائزًا إذا لم يتعارض مع موضوع الاتفاقية وغرضها ويتباين أثر هذه التحفظات الجائزة وفقًا لنوعية المعاهدات محل التحفظ: معاهدات تخضع لقاعدة الإجماع أم تخضع للنظام المرن وذلك كله على التفصيل الآتى:
1 – حالة الإجازة الصريحة للتحفظ في المعاهدة: 15
مثل هذا التحفظ لا يحتاج إلى قبول لاحق من أى من الأطراف الآخرين لكي يحدث أثره – ما لم تنص المعاهدة على خلاف ذلك (م 20/ أ)، ولا يخضع لأي اعتراض من قبل أي طرف آخر فى المعاهدة، لأن الأطراف المتعاقدة قد وافقوا صراحة عليه – من قبل – وذلك بالنص على جوازه فى المعاهدة مما يدل على أنهم قد تنازلوا بموافقتهم الصريحة عليه عن أى حق لاحق فى الاعتراض عليه. ويحدث هذا التحفظ أثره في تعديل نصوص المعاهدة التي ورد عليها التحفظ وفي حدود هذا التحفظ، وذلك فى العلاقة بين الدولة المتحفظة والأطراف الأخرى فى المعاهدة (م 21/ 1) ولا يترتب عليه أثر في العلاقة بين الأطراف الأخرى – غير المتحفظة – أى فى علاقاتهم بعضهم ببعض، فتبقى كمـا هـي وفقًا لنصوص المعاهدة الأصلية دون تعديل (م 21/ 2)
٢ – سكوت الاتفاقية عن بيان حكم التحفظات التي قد ترد عليها:
يتوقف الأثر على نوعية الاتفاقية:
أ – الاتفاقيات التى تخضع لقاعدة الإجماع (م 20/ 2)
المقصود بها الاتفاقيات التى يتبين من العدد المحدود للدول التى تفاوضت على إبرامها ومن موضوعها وغرضها أن سريان كافة أحكامها بين كافة أطرافها شرط أساسي لارتضاء كل طرف من أطرافها الالتزام بأحكامها.
وفي هذه الحالة التحفظ الوارد عليها يحتاج لقبول كافة أطراف المعاهدة أى تتوقف مشروعية التحفظ وبالتالى آثاره على القبول الجماعى لكافة أطراف المعاهدة وإذا قبل التحفظ كافة أطراف الاتفاقية عدل نص المعاهدة التي ورد عليها التحفظ وفي حدود التحفظ ويتم هذا التعديل ليس فقط بالنسبة للدولة المتحفظة في علاقتها بأطراف المعاهدة الآخرين،
وإنما تعدل بالنسبة للأطراف الآخرين في علاقتهم بالدولة المتحفظة، دون أن يترتب عليه أي تعديل فى علاقات الدول غير المتحفظة ببعضهم 16.
ب – الاتفاقيات التى تخضع للنظام المرن م (20/ 4):
وعالجت الفقرة الرابعة من المادة ٢٠ حالة التحفظ على هذا النمط من الاتفاقيات حيث جرى نصها على النحو التالي:
“في الحالات التى لا تخضع لحكم الفقرات السابقة وما لم تنص المعاهدة على خلاف ذلك، يراعى:
( أ ) – أن قبول دولة متعاقدة لتحفظ صادر من دولة متعاقدة أخرى يجعل الدولة المتحفظة طرفًا فى المعاهدة فى مواجهة الدولة الأولى عندما تصبح المعاهدة نافذة بين الدولتين.
(ب) – أى اعتراض دولة متعاقدة أخرى على التحفظ لا يحول دون نفاذ المعاهدة بين الدولتين، المعترضة والمتحفظة، ما لم تبدى الدولة المعترضة بصفة قاطعة نية مغايرة.
(جـ)- أن التصرف الذى يصدر عن الدولة معبرًا عن ارتضائها الالتزام بمعاهدة والمتضمن في الوقت نفسه تحفظًا على المعاهدة يصبح نافذًا بمجرد أن تقبل التحفظ دولة متعاقدة أخرى على الأقل“.
ويستفاد من هذا النص وجود ثلاث خيارات أمام الأطراف المتعاقدة الأخرى إزاء التحفظ الذي تبديه دولة ما:
أولاً: قبول التحفظ.
ثانيًا: الاعتراض على التحفظ مع عدم الاعتراض على نفاذ المعاهدة.
ثالثًا: الاعتراض على التحفظ المقترن بالاعتراض الصريح على نفاذ المعاهدة.
وقبول التحفظ قد يكون صريحًا إذا تم فى رسالة مكتوبة عبرت فيها الدولة صراحة عن قبولها التحفظ، وقد يكون ضمنيًا إذا سكتت الدولة عن إعلان رفضها للتحفظ خلال ۱۲ شهر من تاريخ أخطارها رسميًا به أو حتى تاريخ تعبيرها عن ارتضائها الالتزام بالمعاهدة
أيهما أبعد (م 20/ 5) ويرتب قبول التحفظ أثره فتصبح الدولة المتحفظة طرف في الاتفاقية في مواجهة الدولة التى قبلت تحفظها وهو ما يعنى النتائج التالية:
أ – تعديل نصوص المعاهدة التي ورد عليها التحفظ وفى حدود هذا التحفظ في علاقتهما سويًا بحيث يحق لأى طرف منهما الاحتجاج بالنصوص المعدلة فى مواجهة الطرف الآخر (م 21/ 1).
ب – لا يؤثر هذا على وضع الدول الأخرى الأطراف فى المعاهدة في علاقاتهم ببعضهم بل تظل العلاقات فيما بينهم محكومة بنصوص المعاهدة الأصلية دون أى تعديل (م 20/ 2).
وفى حالة خيار الاعتراض على التحفظ الغير مصحوب بالاعتراض على نفاذ المعاهدة تصبح الدولة المتحفظة طرف فى المعاهدة فى علاقتها بالدولة المعترضة، مع عدم سريان نصوص المعاهدة التى ورد عليها التحفظ وفى حدود هذا التحفظ، ولا يؤثر هذا على وضع الدول الأخرى الأطراف فى المعاهدة فى علاقاتهم ببعضهم التى تظل محكومة بالنصوص الأصلية للمعاهدة.
وفى حالة خيار الاعتراض على التحفظ المقترن بالاعتراض على نفاذ المعاهدة، لا تصبح الدولة المتحفظة طرفًا فى المعاهدة فى علاقتها بالدولة المعترضة، ومن ثم تستبعد كافة أحكام المعاهدة من علاقتهما حتى تلك الأحكام التى لم تتحفظ عليها الدولة، وتسرى الاتفاقية فيما بين الأطراف الأخرى كما لا يمس ذلك اعتبار الدولة المتحفظة طرفًا في الاتفاقية في علاقتها بمن قبل تحفظها.
سحب التحفظ وآثاره القانونية:
تنص م 22/ 1 على أنه“ما لم تنص المعاهدة على غير ذلك، فإنه يجوز سحب التحفظ في أى وقت كان ولا يشترط لإتمام السحب رضا الدولة التي كانت قد قبلت التحفظ“.
ويستفاد من ذلك أنه للدولة المتحفظة أن تسحب تحفظها قبل قبوله من قبل أي طرف آخر في المعاهدة كما يجوز لها أن تسحبه بعد هذا القبول دون اشتراط موافقة الدول القابلة للتحفظ على هذا السحب لأن بهذا السحب تعود المعاهدة إلى صورتها الأصلية المتكاملة بالنسبة لكافة الأطراف، وتكامل المعاهدة تفوق أهميته أى اعتبار آخر، ومن ثم فليس هناك أى مصلحة جدية للدولة التي قبلت التحفظ في الاعتراض على سحبه.
ولا ينتج سحب التحفظ أثره إلا من تاريخ إخطار الأطراف الأخرى فى الاتفاقية به، ما لم تنص المعاهدة على خلاف ذلك أو يتفق على حكم آخر، ولا يتصور أن يكون سحب التحفظ ضمنيًا يستفاد من السلوك اللاحق للدولة المتحفظة، بل يجب أن يكون صريحًا قاطعًا، لذلك يجب أن يتم إخطار الأطراف الأخرى كتابة (م 23/ 4).
ويترتب على سحب التحفظ سريان كافة أحكام المعاهدة في العلاقة بين الدولة التي سبق لها التحفظ وكافة أطراف المعاهدة الآخرين بغض النظر عن ما كان قد قبل التحفظ أو اعترض عليه. ولم تنص على هذا الأثر اتفاقية فينا وإنما يستفاد من أعمال لجنة القانون الدولى التى تضمنت: أن الدولة المتحفظة لديها الحرية دائمًا فى العودة إلى وضعها الكامل وفقًا لنصوص المعاهدة التي صيغت بها“. ١٧
وسحب التحفظ يقيم العلاقة التعاقدية بين الدولة المتحفظة والدولة المعترضة والتى قرنت اعتراضها بالاعتراض على نفاذ المعاهدة، بحيث تكتسب الدولة التي سحبت تحفظها وصف الطرف في الاتفاقية فى مواجهة الدولة التى كانت قد رفضت اعتبارها طرف – قبلها – فى الاتفاقية بسبب التحفظ. ولم تعالج اتفاقية فينا هذا الأمر، وإنما يستفاد من النقاش الذي تم في الدورة الأولى لمؤتمر فينا في عام ۱۹٦٨ حيث تبنى هذا الرأى ممثل استراليا ولاقى هذا الرأى قبولاً من كافة الوفود دون اعتراض.۱۸
سحب الاعتراض على التحفظ وأثره:
أجازت م 22/ 2 للدولة التى اعترضت على التحفظ سحب اعتراضها في أي وقت، ما لم تنص المعاهدة على خلاف ذلك ولا يترتب على هذا السحب أى أثر إلا من تاريخ إخطار الدولة التي سحبت اعتراضها الدولة المتحفظة بذلك ما لم تنص المعاهدة على غير ذلك، أو يكون هناك اتفاق على حكم آخر، وذلك لأن سحب الاعتراض لا يتصور أن يكون ضمنيًا أو مفترضًا، ومن ثم يجب أن يكون إخطار الدولة المتحفظة به كتابة (م 23/ 4).
ويترتب عليه أن التحفظ ينتج أثره كاملاً في العلاقة بين الدولة المتحفظة والدولة التي سحبت اعتراضها عليه، إذا أن سحب الاعتراض على التحفظ يعد بمثابة قبول له، ومن ثم تسرى أحكام المعاهدة بينهما مع مراعاة ما تضمنه التحفظ من أحكام.
التحفظ واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة:
تعد هذه الاتفاقية مثلها في ذلك مثل باقي اتفاقيات حقوق الإنسان، اتفاقية متعددة الأطراف ومفتوحة لانضمام من يرغب من الدول، بل أن انضمام عدد كبير إليها يعد فــــي حد ذاته هدفًا تسعى إليه الأطراف المتعاقدة، ومن ثم لا يمكن أن تندرج ضمن فئة الاتفاقيات الخاضعة لقانون الإجماع وتستفاد هذه النتيجة من عدم محدودية عدد الأطراف المستهدف دخولها.
وعلى عكس العهدين تضمنت الاتفاقية نصوصًا تحكم أوضاع التحفظ على نصوصها وجاء هذا فى المادتين ۲۸ و ۲۹ من الاتفاقية وحيث يستفاد من قواعد القانون الدولي المنظمة لقانون الاتفاقيات أن الأولوية لما جاء من أحكام فى الاتفاقية المعنية فدراسة مشروعية التحفظات وآثرها يستلزم بداية دراستها على ضوء أحكام (سيداو) ذات الصلة، ويتم الرجوع إلى الأحكام العامة للقانون الدولى لفهم وتفسير ما جاء في هذه الاتفاقية ولمعالجة ما سكتت عنه.
نظام التحفظ وفقًا للمادة ٢٨:
نصت المادة ٢٨ من الاتفاقية على:
“1 – يتلقى الأمين العام للأمم المتحدة نص التحفظات التي تبديها الدول وقت التصديق أو الانضمام، ويقوم بتعميمها على جميع الدول.
٢ – لا يجوز إبداء أي تحفظ يكون منافيًا لموضوع هذه الاتفاقية وغرضها.
3 – يجوز سحب التحفظات فى أى وقت بتوجيه إشعار بهذا المعنى إلى الأمين العام للأمم المتحدة، الذى يقوم عندئذ بإبلاغ جميع الدول به، ويصبح ذلك الإشعار نافذ المفعول اعتبارًا من تاريخ تلقيه“.
ويستفاد من هذا النص:
1 – أن المعاهدة أباحث التحفظ للدول الراغبة ، ولم تستثنى من هذه المكنة أى مادة من مواد الاتفاقية.
2 – وقت تقديم التحفظ هو وقت التصديق أو الانضمام.
3 – يكون التحفظ مكتوبًا.
٤ – لا يجوز إبداء أى تحفظ يكون متعارضًا مع موضوع الاتفاقية وغرضها.
٥ – يجوز سحب التحفظات كتابة فى أى وقت ويسرى مفعول هذا السحب من تاريخ تلقى الأمين العام للأمم الإخطار بذلك.
٦ – لم يتعرض النص لقبول التحفظ أو الاعتراض عليه أو سحب الاعتراض ومن ثم تخضع هذه الأمور إلى ما سبق من أحكام في معاهدة فينا.
7 – يبدو أن نص القيد على التحفظ (عدم التعارض مع موضوع الاتفاقية وغرضها) من الممكن تفسيره على أن مثل هذه التحفظات تبطل بدون أن يبطل تعبير الدولة المتحفظة عن اتجاه إرادتها للتعاقد، وهذا التصور يحتاج إلى مراجعة الأعمال التحضيرية للمادة لتحديد مدى صحته.
تحفظات مصر المستندة للمادة ٢٨:
استنادًا إلى المادة ۲۸ تحفظت مصر على المواد ٢، ٩/ 2، ١٦.
أولاً: التحفظ على المادة (٢):
وهي مادة مخصصة لتحديد تفصيلى لالتزامات الدول المتعاقدة على التعهد بالقيام بمجموعة من التدابير لتحقيق غرض الاتفاقية والقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة. وتحفظت مصر تحفظًا عامًا على هذه المادة؛ حيث أعلنت أنها على استعداد لتنفيذ فقرات هذه المادة بشرط ألا يتعارض ذلك مع أحكام الشريعة الإسلامية.
التحفظ المصرى من ناحية يفترض ضمنيًا أن الشريعة الإسلامية تتضمن ما تعتبره مصر مكرسًا للتمييز ضد المرأة ومن ثم تعلن مصر عدم التزامها بتنفيذ هذا الالتزام المتعارض مع الشريعة. ونستقى هذه الدلالة من مقارنة هذا التحفظ بالتحفظ الذي أوردته مصر على العهدين؛ حيث أعلنت مصر قبولها ودعمها وتصديقها على العهد، مع الأخذ في الاعتبار أحكام الشريعة الإسلامية، وحقيقة أن هذه الأحكام لا تتعارض مع ما نص عليه العهد“. 19
ويبدو هذا التحفظ متعارضًا مع موضوع الاتفاقية وغرضها ، فإذا كان موضوعها الاتفاق على سياسات وأساليب للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة وإذا كان غرضها هو القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة فإن التحفظ الذي يرمي إلى الحفاظ على أشكال تمييز تفرضها تشريعات داخلية يتعارض مع موضوع وغرض الاتفاقية ومن ثم يضحى هذا التحفظ باطل ولا أثر قانوني له.
وقد اعترضت السويد على التحفظ المصرى وأسست اعتراضها على أسباب قريبة مما أشرنا إليه.
وفي هذا المعنى اقتطف لويس هينكن من ريسيكا مى كوك قولها:”أن التحفظ على المادة الثانية والذى يستبعد اتخاذ تدابير لتعديل القوانين والثقافة المحلية لإزالة التمييز ضد المرأة، يضحى فى موضع التساؤل حيث أن واحد من الأغراض الرئيسية للاتفاقية هـو الالتزام بالتدابير“.
ويخفى هذا التحفظ حقيقة أن المقصود بالشريعة الإسلامية هو ما استخلصه الفقهاء منذ مئات السنين في ظل ظروف جد مختلفة عن ظروف اليوم، فعندما يراد الاستشهاد بآراء دينية توضح قابلية الفقه الإسلامى للتطور وفقًا لمقتضيات العصر، يتم اختيار الفقهاء الجدد، لكن العملية التشريعية والمحاكم لا تستند إلى جهود فقهية جديدة وإنما تظل حبيسه
للمذاهب السنية الأربعة وفى بعض الحالات يكون القاضی ملزم بمذهب فقهی واحد (المذاهب الحنفى مثلاً). ٢٠
ويتعارض هذا التحفظ مع ما تفرضه المادة ۱۹/ ج من اتفاقية فينا التى تقضى بأنه لا يجوز للدولة أن تتحلل من التزاماتها الدولية متحججة بقانونها الداخلى وهو ما استخدمته النرويج في اعتراضها على تحفظ ماليزيا على المادة الثانية بعد أن أشارت إلى أن الدولة تحاول أن تحد من مسئوليتها الدولية الملقاة عليها وفقًا لأحكام الاتفاقية وذلك باستدعاء المبادئ العامة للقانون المحلى أو الدين وهو ما يولد شكوك حول قبول الدولة المتحفظة لموضوع وغرض الاتفاقية، وعلاوة على ذلك يساهم هذا الموقف في أضعاف أساس القانون الدولى للمعاهدات وأضافت أنه وفق للقانون الدولى للمعاهدات لا يجوز للدولة اللجوء إلى قانونها المحلى لتبرر فشلها في الوفاء بالتزاماتها التعاقدية“.
ثانيًا: التحفظ على الفقرة الثانية من المادة التاسعة:
تنص هذه الفقرة على التزام الدول المتعاقدة بأن تمنح المرأة حقًا مساويًا لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالها.
وجاء تحفظ مصر بشأن منح المرأة حقًا مساويًا لحق الرجل فما يتعلق بجنسية أطفالها، لمنع اكتساب جنسيتين فى حالة اختلاف جنسية الأبوين تجنبا للأضرار بمستقبله، وذهبت مصر إلى أنه من الواضح أن اكتساب الطفل لجنسية أبيه هو أنسب الأوضاع له، ولا يخل هذا بمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، لأنه من المتعارف عليه بالنسبة للمرأة أنها توافق في حالة زواجها من أجنبى على اكتساب أطفالها لجنسية أبيهم“.
وواضح خطأ المزاعم المتضمنة فى ثنايا التحفظ، فمنح الزوج صلاحية نقل جنسيته لأبنائه وحرمان الأم من هذا الحق رغم وحدة مركزهما القانونى تجاه الأبناء يشكل صورة من صور التمييز ضد المرأة وليس كما يذهب التحفظ المصرى، هذا من جانب ومن جانب آخر، لا صحة للزعم بأن هذا يتم بقبول المراة وموافقتها من ناحية قول غير دقيق يشكك في دقته عشرات القضايا المرفوعة أمام محاكم مجلس الدولة من أمهات للمطالبة بمنح أطفالهن الجنسية المصرية، كما يشكك فيه الحملات المتعددة التي تمت فى مصر خلال السنوات العشر الماضية حول هذا الأمر، ومن جانب ثالث فحقوق الإنسان – ومن ضمنها الحق في المساواة – تعد من الحقوق الغير قابلة للتصرف فيها من الناحية القانونية، فرضاء الشخص بالتعذيب – مثلاً – لا يعتد به للقول بمشروعية التعذيب، فرضاء الزوجة – أن صح – بتنازلها عن حقها فى نقل جنسيتها لأبنائها لا يعتد به حيث جاء على حق لا يجوز التصرف فيه. والتحفظ فى حد ذاته يتضمن إعلاء لثقافة وتقاليد متحيزة ضد المرأة؛ فعبارة“من المتعارف عليه” التي جاءت فى التحفظ إنما تعنى مباشرة الإشارة إلى الثقافة السائدة التى تكرس التمييز وهذا التحفظ رغم أنه أقل خطورة من التحفظ على المادة الثانية، حيث لا يمس سوى صورة واحدة من صور التمييز، في حين أن التحفظ على المادة الثانية يعد تحفظ عام يمس بنيان المعاهدة كلها، ومع هذا تظل هناك ضرورة ملحة للعمل من أجل أن تسحبه الحكومة المصرية، حيث يعامل أبناء الزوجة المصرية من زوج أجنبى معاملة الأجانب فى تحمل مصاريف التعليم بالعملة الصعبة، وتزداد وطأة هذا على الأمهات الأرامل والمطلقات، حيث لا يتحمل الآباء بنفقات أولادهم.
ويلاحظ أن هذا التحفظ لم يستند على الشريعة الإسلامية مما يطرح نية الحكومة المصرية فى القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة محل التساؤل، كما يقطع بعدم صحة القول بأن التحفظات المصرية لم تأتى إلا دفاعًا عن المعتقدات الدينية المقدسة، ويؤكد أن هذه التحفظات إنما جاءت لتكريس التمييز الذكورى، وما الإشارة إلى الشريعة الإسلامية إلا حجة أو مبرر لإخفاء هذا الموقف، فالشريعة الإسلامية تبلورت قبل تبلور مفهوم الجنسية المعاصر بمئات السنين.
ثالثًا: التحفظ على المادة ١٦:
المادة خاصة بالمساواة بين الرجل المرأة في كل المسائل المتعلقة بالزواج وعلاقات الأسرة خلال الزواج وعند انحلاله وجاء التحفظ ليتضمن بأن يكون ذلك دون إخلال بما تكفله الشريعة الإسلامية للمرأة من حقوق مقابلة لحقوق زوجها بما يحقق التوازن العادل بينهما وذلك احترامًا لقدسية العقائد الدينية الراسخة التي تحكم العلاقات الزوجية في مصر بحيث لا يمكن الخروج عليها، واعتبارًا أن من أهم الأسس التي تقوم عليها هذا العلاقات هو التقابل بين الحقوق والواجبات من أجل كفالة التكامل الذى يضمن المساواة الحقيقية بين الزوجين وليس مجرد المساواة الشكلية التى لا تفيد الزوجة بقدر ما تضع على عاتقها من قيود ترهقها فالشريعة الإسلامية تفرض على الزوج أداء المهر للزوجة والإنفاق عليها من ماله إنفاقًا كاملاً وأداء نفقة لها عند الطلاق في حين تحتفظ الزوجة بكافة حقوقها على أموالها ولا تجبر على الإنفاق على نفسها أثناء قيام العلاقة الزوجية ولذلك قيدت الشريعة حق الزوجة فى الطلاق فأوجبت أن يكون ذلك بحكم القضاء في حين لم تفرض هذا القيد على الزوج.
وينحل هذا التحفظ إلى ثلاثة أفكار أساسية هي:
۱ – أن الشريعة الإسلامية تحقق توازن عادل بين الزوجين.
٢ – أن الشريعة الإسلامية تحقق مساواة حقيقية وليس مجرد المساواة الشكلية.
3 – أن ما يحكم العلاقة الزوجية فى الإسلام هو عقائد دينية مقدسة لا يمكن الخروج عليها.
وسوف نبين فيما بعد تهافت هذه الأفكار سواء اعتمدنا على المنطلقات الدينية أو اعتمدنا على المنطلقات العلمانية.
تجاهل التحفظ المشاكل التى يثيرها الفقه الإسلامى التقليدى وهو الفقه المعترف به رسميًا وله حجيته القانونية، من حيث تعدد الزوجات وحرمان الزوجة الأولى من إنهاء العلاقة الزوجية لعدم موافقتها على الزيجة الثانية وتحريم زواج المسلمة من غير المسلم مع السماح للمسلم بالزواج من غير المسلمة. ومن الناحية القانونية يثور الشك في مدى مشروعية هذا التحفظ لتعارضه مع المادة ۱۹/ ج من اتفاقية فينا على النحو الذي تم الإشارة إليه فيما سبق.
التحفظ المستند إلى المادة ۲۹:
تضمنت هذه المادة فى الفقرتين الثانية والثالثة منها نظامًا خاصًا للتحفظ خاص بالفقرة الأولى منها التى تضمنت عرض ما قد ينشأ بين أطراف الاتفاقية من خلاف حول تفسيرها أو تطبيقها على هيئة التحكيم، فحددت الفقرة الثانية نمط التحفظ الجائز والمقبول، وحيث أنه ورد محددًا وأباحته نصوص المعاهدة فلا يجوز لأحد الاعتراض عليه، حيث نصت الفقرتين على:”۲ – لأية دولة طرف أن تعلن لدى توقيع هذه الاتفاقية أو التصديق عليها أو الانضمام إليها أنها لا تعتبر نفسها ملزمة بالفقرة الأولى من هذه المادة ولا تكون الدول الأطراف الأخرى ملزمة بتلك الفقرة إزاء أية دولة طرف أبدت تحفظًا من هذا القبيل.
٣ – لأية دولة طرف أبدت تحفظًا وفقًا للفقرة ٢ من هذه المادة أن تسحب هذا التحفظ متى شاءت بأشعار توجهه إلى الأمين العام للأمم المتحدة“.
تحفظ مصر وفقًا لهذا المادة
تمسكت مصر بالتحفظ الوارد في الفقرة ٢ من المادة ۲۹ بخصوص حق الدولة الموقعة على الاتفاقية في إعلان عدم التزامها بالفقرة ١ من ذات المادة بشأن عرض ما قد ينشأ بين أطراف الاتفاقية من خلاف حول تفسيرها أو تطبيقها على هيئة التحكيم وذلك لتجنب التقييد بنظام التحكيم فى هذا المجال وهو تحفظ مشروع وإجازته الاتفاقية ويخص بالأساس الدول المتعاقدة.
أثر نظام التحفظات على تكريس إقصاء المرأة من الحماية القانونية
من العرض السابق نستخلص نتيجتين بالغتى الأهمية في موضوعنا:
١ – أن أثر التحفظات يتوقف على موقف كل دولة على حدة، حيث لا يوجد جهاز مهمته النظر في مدى مشروعية التحفظات المبداة من قبل الدولة المتحفظة.
٢ – واضح أن التحفظات المصرية تتعارض مع موضوع الاتفاقية وغرضها، أى باطلة من الناحية القانونية، ولكن تظل هذه التحفظات تملك آثارها القانونية الكاملة، خاصة في مواجهة المصريات، طالما لم يصدر حكمًا كاشفًا بعدم مشروعيتها، ومن المستبعد صدوره، كنتيجة للنقطة الأولى.
وتفاعل النتيجتين سويًا يؤدى إلى تقليص نطاق الحماية القانونية التي تولدها اتفاقية سيداو، لتترك نساء كل دولة بمفردهن فى مواجهة سياسات التمييز المحلية.
ثالثًا: طريقة صياغة الاتفاقية لا توفر حماية فعالة للنساء ضد صور التمييز
تخللت الأحكام الموضوعية ١٦ مادة من الاتفاقية من المواد (١ – ١٦) ، وباستعراض هذه المواد نجدها جميعها قد خلت من مادة أو قاعدة قابلة للتطبيق المباشر ، فبنية صياغة كل مادة تتضمن تعهد الدولة بالقيام بمجموعة من الإجراءات والتدابير، وتبدأ العديد من المواد بعبارة“تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة، لتحقيق….” أو بعبارة“تمنح الدول الأطراف…”، وهى صياغة تعنى فى التحليل الأخير أننا إزاء مجرد تعهد من الدولة للقيام ببعض الإجراءات التالية على انضمامها للاتفاقية، فإذا تقاعست الدولة عن تنفيذ هذا التعهد داخليًا، تم تجريد الاتفاقية من قوتها القانونية الداخلية الملزمة، حيث لا يمكن الاحتجاج بنصوص الاتفاقية مباشرة أمام القضاء المصرى. فنصوصها لا تكتسب النفاذ التلقائي المباشر، وإنما تحتاج إلى وسيط فى يد الدولة. فشتان الفارق بين الصياغة التي تقول:”تتمتع المرأة بالمساواة أمام القانون مثلها فى ذلك مثل الرجل” وبين الصياغة الواردة في البند الأول من المادة ١٥ من الاتفاقية التى تقول:”تمنح الدول الأطراف المرأة المساواة مع الرجل أمام القانون“. فالصياغة الأولى تعنى أن الدولة الطرف بمجرد انضمامها للمعاهدة قد منحت بالفعل المرأة حق المساواة أمام القانون ولا ينتظر الأمر أى خطوة أخرى من قبل الدولة باستثناء ما يقرره نظامها الداخلى لكيفية سريان الاتفاقية ككل في النطاق المحلى ، ومن ثم تصبح هذه الصياغة صالحة للاحتجاج بها مباشرة أمام القضاء المحلى، أما الصياغة الثانية فلا يعنى انضمام الدولة كطرف في الاتفاقية، أن حق المساواة تم إقراره محليًا، بل أن هذا الإقرار يستلزم قيام الدولة ابتداء بإصدار تشريع يمنح المرأة هذا الحق.
أولاً: التمييز ضد المرأة كسياسة رسمية في المجتمع المصرى:
يمكننا أن نصنف أشكال التمييز المختلفة والتى أمكن رصدها – إلى ثلاث فئات أساسية الطائفة الأولى: التمييز التشريعى ويتحقق فى حالة وجود نص قانونى يتضمن تمييزًا ضد المرأة على أساس الجنس، والطائفة الثانية: التمييز الواقعى ويقصد بها التمييز الذي يطبق في الواقع المعاش على الرغم من وجود نص قانونى يقرر المساواة بين الجنسين. والفئة الثالثة هي التمييز الراجع للصمت التشريعي، ويتأتى هذا عندما يكون هناك نصًا تشريعيًا يتضمن إقرارًا مبدئياً بحق من حقوق المرأة، ويستلزم هذه الإقرار المبدئى تدخل السلطات العامة لصياغته في قواعد قانونية ملزمة، صالحة للتطبيق المباشر، فتحجم هذه السلطات عن هذا الإجراء.
ويجدر بنا في البداية أن توضح أننا لا نطمع فى هذه الورقة – لظروف إعدادها من حيث الوقت – القيام بمسح شامل لصور التمييز المختلفة، ولا حتى لمسح شامل لما نشر حول هذا الموضوع، وأن كان الأمر يستحق فى الحالتين بذل جهدًا مستقبليًا لتحقيقه.
أولاً: التمييز ضد المرأة في القانون: –
1 – حرمان المرأة المصرية من نقل جنسيتها لأبنائها أسوة بحق الرجل المصرى:
حددت المادة الثانية من القانون ٢٦ لسنة ٧٥ بشأن الجنسية المصرية عدد حالات منح الجنسية المصرية وهي أربع حالات هي:
– من ولد لأب مصر.
– من ولد فى مصر من أم مصرية ومن أب مجهول الجنسية أو لا جنسية له.
– من ولد فى مصر من أم مصرية ولم تثبت نسبه إلى أبيه قانوناً.
– من ولد فى مصر من أبوين مجهولين، ويعتبر اللقيط فى مصر مولود فيها ما لم يثبت العكس.
فالبند الأول من المادة يعطى للأب المصرى الحق مطلقًا في نقل جنسيته إلى أبنائه ويحرم الأم المصرية من ذات الحق، وأن أباحت المادة للأم نقل جنسيتها المصرية لأبنائها في بعض الصور والحالات الخاصة والمحدودة، هي في حالتين مرتبطتين سلبًا بالأب (مجهول الجنسية أو لا جنسية له)، وحالة عدم إثبات نسب الابن إلى أبيه قانوناً ومن ثم فهى صور خاصة ومحدودة ويتعارض هذا الموقف مع نص المادة 9/ 2 من اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة مع العلم بأن مصر قد تحفظت على هذه الفقرة، راجع ما سبق. وكانت هذه المادة محل منازعات قضائية عديدة منها الطعن رقم ٧٣٩٨ لسنة ٥٢ قضائية أمام مجلس الدولة، وقد صدرت أحكام في قضايا مماثلة أخرى برفض الطعن بعدم دستورية هذه المادة لتعارضها مع المادة ٤٠ من الدستور التي تقرر مبدأ المساواة وتحظر أشكال التمييز القائمة على أساس الجنس، وأيد القضاء موقف المشرع المصرى في هذا الصدد 21.
2 -: استبعاد بعض السيدات من حماية قانونى العمل والتأمينات الاجتماعية:
حددت المادة الثانية من قانون التأمينات الاجتماعية رقم ۷۹ لسنة ١٩٧٥ الفئات التي تسرى عليها نظم التأمين الاجتماعى، واستثنت منهم الفئات التالية:
١ – غير الخاضعين لقانون العمل
٢ – الخاضعون لقانون العمل ممن تقل أعمارهم عن ١٨ سنة
3 – الخاضعون لقانون العمل ولا تربطهم بصاحب العمل علاقة منتظمة، من غير عمال المقاولات والشحن والتفريغ، ويحدد انتظام العمل بقرار من الوزير المختص (أصدر قراره بالفعلى رقم ۲۸٦ لسنة ۱۹۷٦ والذى اعتبر العمل المنتظم هو العمل الذي يدخل بطبيعته فيما يزاوله صاحب العمل من نشاط، أو هو العمل الذى يستغرق ستة أشهر على الأقل).
4 – المشتغلون بالأعمال المتعلقة بالخدمة فى داخل المنازل الخاصة، ويحددهم الوزير المختص (هم من يعمل بخدمة المنازل الخاصة الذين يتوافر فيهم شرطين معًا هما: ١ – أن يكون محل مزاولة العمل داخل المنزل معد للسكن الخاص، ۲ – أن يكون العمل الذى يمارسه يدويًا لقضاء حاجات شخصية للمخدوم أو ذويه، (قرار وزيرة التأمينات رقم ١٤٩ لسنة ١٩٧٧).
ولا يخضع كل العاملين لقانون العمل وفقًا لنص المادة ٣ منه حيث تنص على عدم سريان أحكامه على عدة فئات منها: عمال الخدمة المنزلية ومن في حكمهم، وأفراد أسرة صاحب العمل الذين يعولهم فعلاً.
أى أنه ليس كل العاملين خاضعين لقانون العمل، وليس كل الخاضعين لقانون العمل تمتد إليهم مظلة التأمينات الاجتماعية، ومن أبرز هذه الفئات: فئة خدم المنازل، وغالبيتهم الساحقة من السيدات والفتيات، أى أن قانون التأمينات وقانون العمل قد نصا صراحة على إقصاء هذه الفئة من أى حماية قانونية. وهذا الموقف يتعارض مع أحكام المادة ١١ من الاتفاقية ومما هو جدير بالذكر أن مصر لم تتحفظ على هذه المادة.
3 – حرمان المرأة من إثبات الزواج العرفى، مما يحرمها من الضمان الاجتماعي:
عالجت المادة 105 من قانون التأمينات الاجتماعية شروط استحقاق الأرملة أو المطلقة للمعاش وهناك شروط عامة سيستلزم القانون توافرها فى حق المطلقة أو الأرملة ثم بعد ذلك شروط خاصة بكل حالة الشروط العامة:
إن يكون الزواج موثقاً أو ثابتاً بحكم قضائى نهائى بناء على دعوى رفعت حال حياة الزوج، وأباحت المادة لوزير الشئون الاجتماعية تحديد مستندات أخرى لإثبات الزواج في بعض الحالات التى يتعذر فيها الإثبات بالوسائل القضائية أو التوثيق.
وهذا الشرط يستبعد من اضطرتهن ظروفهن إلى الزواج العرفى الذى لا يوثق، وهو أحد أشكال إخفاء تعدد الزوجات فى المجتمع المصرى، وعادة ما يلجأ إلى هذا الأسلوب رجل ذو مكانة اجتماعية لا يريد للزواج الثانى أن يهزها. فكأن المشرع عاقب الفئات الأضعف من النساء (من تقبل الزواج العرفى) مرتين: مرة بحرمانها من سماع المنازعات القضائية حول زواجها طالما كان عرفياً، باستثناء ما تعلق بإثبات نسب الأبناء، وفقًا لقانون الأحوال الشخصية ومرة ثانية بحرمانها إذا طلقت أو ترملت من الحصول على المعاش. ۲2
والرجل عادة لا توجد له حقوق تستدعى منه اللجوء إلى القضاء أو توثيق الزواج باستثناء إثبات النسب وهو الغير محذور سماعه أمام القضاء حتى في حالة الزواج غير الموثق.
4 – حرمان المرأة من الاشتراك فى بعض المنظمات التي تعنى بالحياة العامة:
المادة الخامسة من القانون رقم ۸۹ لسنة 1951 بشأن الغرف التجارية قصرت عضوية الغرف التجارية التى تهتم بمصالح التجار على الذكور حيث جرى نصها على النحو التالي: لكل تاجر مصرى من الذكور بالغ من العمر…”، وجاءت المادة السابعة المخصصة لتحديد شروط المرشح لعضوية مجلس إدارة الغرفة التجارية لتنص على شروط عدة من ضمنها أن يتوافر فيه شروط الناخب أى أن يكون من الذكور.
ومهنة تجارة التجزئة بالذات تمتهنها العديد من السيدات في المجتمع المصرى، ولا يوجد أي مبرر واقعي أو قانوني لحرمانهن من حق الترشيح والانتخاب للجهة، المنوط بها رعاية مصالح التجار ورغم تعديل القانون عدة مرات في أعوام ٥٨، ٥٩، ١٩٦٥ إلا أن هذا النص ظل صامدًا في وجه أى تغيير. وهو نص يتعرض مع البند ج من المادة السابعة من الاتفاقية، وهى مادة لم تتحفظ عليها مصر، كما تتعارض مع المادة الثالثة من الاتفاقية، وهي مادة لم تتحفظ عليها مصر أيضًا.
5 – التمييز بين الرجل والمرأة فى جريمتى الزنا، والقتل دفاعًا عن الشرف:
خصص المشروع المادة ٢٧٤ من قانون العقوبات رقم ٥٨ لسنة ١٩٣٧ لجريمة زنا الزوجة في حين أفرد المادة ۲۷۷ لجريمة زنا الزوج ونجد التمييز الذكورى بأوضح ما يكون فمن ناحية تعد الزوجة زانية إذا ارتكبت الفعل المؤثم فى أى مكان، في حين أن الزوج لا يعد مرتكب جريمة الزنا إلا إذا ارتكب الفعل فى منزل الزوجية، وخارج منزل الزوجية لا يعد مجرمًا (هنا تمايز فى النموذج القانونى للجريمة)، كما يتضمن النصين تمايزًا في العقاب على الرغم من وحدة الجريمتين فالحد الأقصى لعقوبة المرأة سنتين حبس، بينما الحد الأقصى لعقوبة الرجل ستة أشهر.
وجاءت المادة ۲۳۷ عقوبات لتتضمن صورة من صور التمييز أخرى حيث جرى نصها على النحو التالي:
“كل من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا وقتلها فى الحال هي ومن يزني بها يعاقب بالحبس بدلاً من العقوبات المقررة فى المادتين ٢٣٤، ٢٣٦” فهذا التخفيف التشريعي حق للرجل ولا يمتد ليشمل الزوجة التى تفاجأ بزوجها فى حال تلبسه فتقتله. وتم تخفيف العقاب في حالة الزوج من الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة (م ٢٣٤ ، أو الأشغال الشاقة أو السجن من ثلاث إلى سبع سنوات ليصبح عقابه الحبس من (٢٤ ساعة – إلى ثلاث سنوات) وفق لنص المادة ١٨ من قانون العقوبات).
وكأن لسان حال المشرع المصرى يقول أن للرجل شرف وعرض إذا تم المساس به استحق تخفيف العقاب على ما يرتكبه من جرائم قتل، وليس للمرأة أصلاً شرف أو عرض ومن ثم لو ارتكبت نفس الفعل فى نفس الملابسات لا يخفف العقاب عنها.
ومن ناحية أخيرة يشكل هذا التمييز فى حقيقة الأمر مساس بالحق في الحياة للمرأة، وهو الحق الغير قابل للتصرف فيه، ولا يجوز للدولة تتحلل من التزامها بكفالته وفقًا للعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، حتى لو فى الظروف الاستئنافية أو حالات الطوارئ ومن ثم فارتكاب المرأة لفعل الزنا ليس مبرر لتجريدها من حقها في الحياة، كما أنه ليس مبرر للتسامح مع الأزواج الذين يعتدون على هذا الحق.
6 – منع المرأة من حرية التنقل إلا بموافقة الزوج: ۲۳
-
م ٨ من قرار رئيس الجمهورية بالقانون ٩٧/ 59 بشأن جوازات السفر، والتي نصت على:”يعين بقرار من وزير الداخلية….. شكل جواز السفر…. وشروط وإجراءات منحه…..”
-
م ١١ من القانون ٩٧/ 59 حيث جرى نصها على النحو التالي:
“يجوز بقرار من وزير الداخلية لأسباب هامة يقدرها رفض منح جواز السفر أو تجديده كما يجوز له سحب الجواز بعد إعطائه“.
-
م 3 من قرار وزير الداخلية رقم ٣٩٣٧/ 96 حيث ذهبت إلى:
“يكون منح الزوجة جواز سفر أو تجديده بعد تقديم موافقة زوجها على سفرها إلى الخارج…
ولا يكون إلغاء الموافقة إلا بإقرار من الزوج….”
ويلاحظ على هذه النصوص مجتمعة إنها تتعارض تعارضًا تامًا مع التنظيم الدستورى لحرية التنقل، وذلك على النحو التالي:
1 – المشرع فوض وزير الداخلية فيما لا يجوز التفويض فيه (م ۸، ۱۱)
٢ – نظمت حرية التنقل بأداة أدنى من القانون (قرار وزاري)
3 – أطلقت الأسباب المبيحة تقييد حرية التنقل، واستحدثت أسباب خلاف المنصوص عليها دستوريًا
٤ – خولت سلطة غير مختصة دستوريًا سلطة تقييد حرية التنقل (وزير الداخلية + الزوج)
وبذلك تتضح بجلاء أوجه مخالفة النصوص الطعينة للمادة ٤١ من الدستور، ولا يقدح في هذه النتيجة قالة أن النصوص الطعينة لم تتعرض مباشرة لحرية التنقل، وإنما انحصر دورها في تنظيم شروط منح ومنع وسحب جواز السفر، آية ذلك أن تنظيم حرية التنقل في المجتمع المعاصر – سواء على الصعيد الإقليمي أو العالمي – تستلزم بالضرورة وجود وثيقة ما بيد الشخص (كجواز السفر) حتى يتمتع بحرية الانتقال. فالقانون المصرى جعل من حصول المواطن على وثيقة السفر شرط ضروری ولازم (۱/۱ والتي حظرت على المواطن مغادرة أرض الوطن طالما لا يحمل جواز سفر، وأوجبت المادة الثالثة من القانون وجود تأشيرة على جواز سفر المواطن حتى يتسنى له مغادرة البلاد).
ويتعارض تعليق منح المرأة جواز سفر ومن ثم حرية تنقلها لخارج الوطن على موافقة الزوج مع البند الرابع من المادة ١٥ من الاتفاقية، وهى من المواد التي لم تتحفظ عليها مصر، والغريب أن المرأة إذا لم تتزوج وبلغت سن الرشد تمتعت بحريتها كاملة في التنقل، أى أن مصدر عدم المساواة هنا هو واقعة الزواج. وسبق للقضاء الإدارى أن رفض القول بأن تعليق سفر الزوجة على موافقة زوجها يهدر مبدأ المساواة واعتمدت في ذلك على مقابلة مبدأ المساواة المقرر بموجب المادة ٤٠ من الدستور بما جاء في المواد 9 و ۱۱ و ۱۲ من الدستور؛ من الحفاظ على الطابع الأصيل للأسرة، وكفالة المساواة بين الرجل والمرأة دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية، والحفاظ على التقاليد المصرية، وخلصت المحكمة من ذلك إلى أنه:
“لا شك أن الطابع الأصيل للأسرة المصرية مسلمة كانت أو مسيحية يقوم على قوامة الرجل لزوجته وولايته عليها فهو رب الأسرة الذى يرعى شئونها ويحافظ عليها، كما أن رضاء المرأة للزواج من الرجل فى ظل هذا النظام، وارتباطها به بعقد الزواج والذى يترتب عليه إلزام الزوجة بمساكنة الزوج والدخول فى كنفه وطاعته والائتمار بأوامره يكون بمثابة قبولاً صريحًا من المرأة لتقييد حريتها لصالح ذلك الكيان الجديد الذي أنشئه عقد الزواج وهو الأسرة التي قد لا تقتصر على الزوجين بل تشمل الأبناء ومن ثم فإن للزوجة أن تمارس كافة حقوقها وحريتها الشخصية بشرط ألا تتعارض أو تضر بكيان الأسرة“. ٢٤
7 – التمييز ضد المرأة في علاقة الزوجية:
أ – للزوج الحق فى إنهاء علاقة الزوجية بإرادته المنفردة، ولا تملك الزوجة ذات الحق، وله أن يعيدها لعصمته بإرادته المنفردة وبدون علمها فى الطلاق الرجعي وخلال شهور العدة:
وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية للرجل الحق المطلق فى إنهاء عقد الزواج بإرادته المنفردة بدون اللجوء إلى القضاء، وبدون إبداء أسباب، وتكون إرادته نافذة في الحال، وله أن يعيدها لعصمته بإرادته المنفردة وحتى لو رفضت طالما كان هذا الطلاق رجعيًا، وطالما تمت الرجعة خلال شهور العدة، وإذا رغبت الزوجة فى هذا الإنهاء فعليها التوجه إلى القضاء وإثبات الأسباب التى تدعوها لذلك، وعليها انتظار حكم القاضي وانتظار استئناف حكمه (سواء من قبلها أو من قبل الزوج)، ويستغرق هذا عدة سنوات حتى تحصل على حكم بإنهاء العلاقة الزوجية، وذلك كله معلق على اقتناع المحكمة بأسباب الزوجة. وقبل أن ينظر القاضي في الدعوى عليه محاولة الإصلاح بينهما، ثم التحكيم بين الزوجين، فإذا لم تنجح هذه المحاولة حكم القاضى فى الدعوى. ويتبين من هذا التنظيم التشريعي 25 أن المرأة لا تعامل على قدم المساواة في إنهاء عقد الزواج مع الرجل فهي مقيدة بأسباب محددة حصرًا 26، ومقيدة إجرائيًا باللجوء للمحكمة، وقيدها بإتباع إجراءات سابقة على فصل المحكمة في النزاع. ولا توجد هذه القيود على الزوج، ومن الغريب أن قيد الإصلاح والتحكيم – وفقًا للقرآن – يسرى فى حق الطرفين، لكن وفقًا للفقه الإسلامي والقانون المصرى لا تقيد به إلا الزوجة.
وهذا يتعارض مع البنود من أ – ج من الفقرة الأولى من المادة ١٦ من الاتفاقية، وهي ما تحفظت عليها مصر على سند من أن الشريعة الإسلامية تقيم مساواة حقيقية وتوازن عادل بین طرفى العلاقة الزوجية، وأن هذا هو حكم الله !!!
ب – الولى على أموال القاصر دائمًا رجل (أب أو جد)، والأم ممنوعة قانونًا من هذه الولاية:
وفقًا للمادة ١ من المرسوم بقانون رقم ۱۱۹ لسنة ۱۹٥٢ بأحكام الولاية على المال، تكون الولاية للأب ثم للجد إذا لم يكن الأب قد اختار وصيًا للإشراف على مال القاصر، فاستبعد القانون الأم من أن تتولى الولاية على أموال أبنائها، وفضل المشرع عليها الجد. ومن ثم لا تتساوى الأم مع الأب في الولاية على أموال القاصر. وصلاحيات وسلطات الولى تختلف عن سلطات وصلاحيات الوصى، فهى أوسع فى الحالة الأولى عنها في الحالة الثانية. كما أن سلطات الأب (ولى طبيعي) تفوق سلطات الجد كولى. والأب يعد وليًا على 26 يمكن تلخيص الأسباب المبيحة للزوجة حق طلب الطلاق في: ١ – الضرر الذى ل يستطاع معه دوام العشرة بين أمثاهما (م ٦ من فى ٢٥/ 29)، 2 – الزواج بأخرى إذا لحقها ضرر مادي أو معنوى يتعذر معه دوام العشرة بين أمثاهما، بشرط إثبات الضرر وألا تكون قد رضيت بذلك صراحةً أو ضمنًا، ويسقط حقها في طلب التطليق بمضى سنة من تاريخ علمها بالزواج الجديد، ويتجدد هذا الحق كلما تزوج بأخرى، وهذا الحق يمتد للزوجة الجديدة إذا كانت لا تعلم بزواجه السابق (م ۱۱ مكررًا من ق ۲٥/ 29)، ۳ – غيبة الزوج سنة فأكثر (م ۱۲ من ق ٢٥/ 29) أو إذا صدر ضده حكم نهائي بعقوبة مقيدة للحرية مدة ثلاث سنين فأكثر، فلها طلب التطليق بعد مضى سنة من حبسه (م ١٤ من ق 25/ 29)، ٤ – العجز عن الأنفاق (م 4، 6 من ق 25/ 20) وهذا التطليق يقع رجعيًا أى للزوج أن يراجع زوجته خلال العدة بإرادته المنفردة ٥ – إذا وحدت به عيب مستحكم لا يمكن البرء منه أو يمكن بعد زمن طويل ولا يمكنها المقام معه إلا بضرر سواء كان ذلك العيب بالزوج قبل العقد ولم تعلم به، أم حدث بعد العقد و لم ترض به، ويسقط حقها فى طلب التطليق إذا علمت بالعيب، أو رضيت به صراحة أو دلالة (م ۹ من ق ٢٥/ 1920)
أموال القاصر بشكل تلقائي بدون القيام بأى إجراء (لذلك سمي ولي طبيعي)، في حين لا تكون الأم وصية إلا إذا اختارها الأب (وصى مختار)، أو عينتها المحكمة، ويمكن للأب أن يحرم أى شخص – بما فيهم الأم – من التعيين كوصي، على أن بيني هذا الحرمان على أسباب قوية تقبلها المحكمة. ولا تتمتع الأم بحق الحرمان هذا (البند السابع من المادة ٢٧ من المرسوم بقانون رقم ۱۱۹ لسنة ١٩٥٢). وهذا كله يتعارض مع البند (و) من الفقرة الأولى من المادة ١٦ من الاتفاقية، وقد تحفظت عليها مصر.
(ج) – الرجل مفضل قانونًا على المرأة فى التعيين قيم على المحجور عليه
تحكم المحكمة بالحجر على البالغ بسبب الجنون أو العته أو السفه أو الغفلة وتعين قيما لإدارة أمواله (م ٦٥ من المرسوم سالف الذكر)، على أن تكون القوامة للابن للبالغ ثم للأب ثم للجد ثم لمن تختاره المحكمة (م ٦۸ من المرسوم سالف الذكر)، أي أن المرأة (كزوجة أو أم أو بنت) فى المرتبة الثالثة بعد ما ذكر، وهو ما يشكل تفرقة غير مبررة، وتتعارض مع المادة ١٦ من الاتفاقية، والتى تحفظت عليها مصر.
د – قانون الميراث يفرق بين الرجل والمرأة
يكفي هنا أن نعرض لثلاث صور لهذا التمييز تضمنها القانون رقم ٧٧/:١٩٤٣
1 – الأبناء يرثوا تعصيبًا ضعف نصيب البنات
٢ – الزوجة ترث ربع تركة زوجها فى حالة عدم وجود الولد وولد الابن وأن نزل، في حين يرث الزوج نصف تركة زوجته فى هذه الحالة، وعند وجود الولد وولد الابن وأن نزل ترث الزوجة ثمن التركة، فى حين يرث الزوج ربعها (م ۱۱).
3 – إذا توفى الزوج تاركًا بنات وزوجته، ولم يترك أبناء ذكور؛ استحقت البنت (إذا كانت بنت واحدة فقط) نصف التركة فرضًا، واستحقت الزوجة ربع التركة فرضًا، ووزع الباقي على المستحقين تعصيبًا وتشمل الأبوة ثم الأخوة مثلاً
وهذا التمييز فى قواعد الميراث يتعارض مع ما تقرره المادة ١٦ في البند (ج) من فقرتها الأولى، وهى من المواد التي تحفظت عليها مصر.
هـ – عمل المرأة متعلق بموافقة الزوج التي يستطيع الرجوع فيها 27
يقوم النموذج الإسلامى المستقى من الفقه والذى يحكم علاقة الزوج بزوجته على ثلاث ركائز: الاحتباس من ناحية ومن ناحية ثانية النظر إلى المرأة بوصفها أداة إمتاع جنسي، وأخيرًا علاقة التملك، فتتأسس أحكام النفقة والعمل والسفر والتعليم على أساس نظرية الاحتباس هذه. فسبب نفقة الزوجة على الزوج هو الاحتباس الكامل لمنفعة الزوج، أى الاحتباس المانع لها من كسب المال بنفسها، فإذا فوتت عليه هذا الاحتباس فلا نفقة لها وإذا سلمت نفسها بالنهار دون الليل أو على عكسه لا تستحق النفقة، لأن التسليم ناقص،“ولا تتطوع للصلاة والصوم بغير إذن الزوج” و“ينبغى تقييد الصلاة ، بصلاة التهجد في الليل، لأن في ذلك منعا لحقه وتنقيصًا لجمالها بالسهر والتعب وجمالها حقه أيضًا“
” والذي ينبغي تحريره، أن يكون له منعها عن كل عمل يؤدى إلى تنقيص حقه أو ضرره أو إلى خروجها من بيته أما العمل الذى لا ضرر فيه، فلا وجه لمنعها عنه خصوصًا في حال غيبته من بيته“
والعمل، الذى يؤدى إلى خروجها من المنزل، فإن للزوج كامل الحق في منعها منه، لأن الإضرار به يكون مفترضًا، ولأن خروجها يتضمن بالضرورة تنقيص حقه كأثر لنقص احتباسها لواجباتها ومصلحته
ومن حيث أن هذه النصوص، تجعل للزوج الحق المطلق فى منع زوجته من مزاولة أى عمل يترتب عليه نقص احتباسها أو تفويته أى حق من حقوقه، حتى ولو كان هذا العمل من الأعمال المشروعة، لأن المشروعية لا تتنافى مع المنع، وحتى لو سبق له وأن وافق على عملها أو تزوجها وهو يعلم أنها تعمل. ومنطق نظرية الاحتباس يدفع الفقهاء إلى وضع قواعد بالغة الشذوذ وتبعد عن أى حس إنساني، فلديهم تفقد الزوجة نفقتها إذا لم يستمتع بها الزوج لسبب لا يرجع إليه، وحتى لو كان لا يد للزوجة فيه، وضربوا أمثلة لذلك منها: مرضها أسرها اغتصابها، سفرها حتى ولو للحج وجاءت المادة الأولى من القانون ٢٥ لسنة ۱۹۲۰ لتضمن جوهر هذه الأحكام مع التخفيف من فظاظتها بعض الشيئ؛ حيث جعلت مرض الزوجة غير مانع من استحقاق النفقة، وجعل النفقة تشمل مصاريف علاجها، وتسقط النفقة إذا امتنعت مختارة عن تسليم نفسها دون حق، أو اضطرت إلى ذلك بسبب ليس من قبل الزوج 28. أو خرجت دون إذنه.
كما تضمن النص أنه لا يعتبر سببًا لسقوط النفقة خروجها من مسكن الزوجية – دون إذن زوجها فى الأحوال التى يباح فيها ذلك بحكم الشرع مما ورد به نص أو جري به عرف أو قضت به ضرورة، ولا خروجها للعمل المشروع ما لم يظهر أن استعمالها لهذا الحق المشروط مشوب بإساءة استعمال الحق، أو مناف لمصلحة الأسرة وطلب منها الزوج الامتناع عنه. وبذلك تبنى القانون نظرة الفقه في أن عمل المرأة يخضع لإرادة الزوج، وهو تمييز يتعارض مع الاتفاقية وتنهى عنه المادة ١١ منها.
و – الإيذاء الجسدى من الزوج قبل زوجته مشروع قانونًا
منحت الشريعة الإسلامية للزوج الحق فى ضرب زوجته لتأديبها، وهو ما أدمج في القانون المصرى، حيث يقرر قانون العقوبات في المادة ٦٠ منه على عدم سريان أحكامه على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملاً بحق مقرر بمقتضى الشريعة، رغم أن هذا الفعل يحط من قدر المرأة ويشكل معاملة مهينة لها.
ز – حق تعدد الزوجات حق مطلق للرجل
الرأى الراجح لدى الفقهاء التقلديين أن للرجل حق مطلق في أن يتزوج أربع زوجات، بدون معقب عليه من أى سلطة. ورغم أن القرآن قرن ذلك بشرط العدل بين زوجاته، إلا أن موقف الفقه هو ترك تقدير إمكانية تحقيق هذا الشرط لمطلق تقدير الرجل ولا معقب عليه من أى سلطة كانت، ويقول فى ذلك شيخ الأزهر السابق:”ومرد ذلك إلى الزوج – وحده – فهو المرجع فى تقدير خوفه من عدم العدل، وهو المطالب فيما بينه وبين الله – تعالى – بتطبيق الحكم المناسب لما يعرض من نفسه، ولا سبيل ليد القانون عليه، وشأنه في ذلك شأنه في سائر التكاليف التى تحاكم الشريعة فيها المؤمن إلى نفسه كالإفطار هو في رمضان إذا خاف المرض“. 29 فلما لا تكون الزوجة هى المرجع في تحديد مدى ما يشكله الزواج الثانى من ضرر لها، ولا يكون للقانون حق التعقيب على تقديرها، يصمت شيخنا عن هذا الجانب تمامًا. بل أنه فى الأصل لا يحس بوجود الزوجة الأولى، ففى معرض تنفيده لمقولة أن نظام تعدد الزوجات فى الإسلام يؤدى حتمًا إلى الإضرار بالزوجات وإلى إهدار كرامتهن، والإجحاف بحقوقهن، يذهب إلى أن الإسلام لا يجبر امرأة ما على قبول الزواج برجل متزوج، بل يدع لها ويدع لأهلها – في حالة خطبتها من رجل متزوج – مطلق الحرية فى قبول الزواج به أو رفضه، فإذا قبلت هي وقبل أهلها به عن طيب خاطر كان ذلك دليلاً على أن هذا الوضع لا ينطوى فى نظرها، ولا في نظرهم على ضرر ولا على ضرار.30 وتجاهل هذا التبرير عدة أمور منها: ماذا عن الزوجة الأولى إذا رأت أن هذا الزواج يؤذيها، ألا تقتضى العدالة وحس المساواة أن يستجاب لطلبها التطليق اكتفاءًا بتقديرها فهى فى النهاية الشخص الذى سوف يعاني من هذا الزواج ومن ثم فهى الأقدر على تحديد مدى فداحته بالنسبة لها. ونفس الأمر لو سبق لها وأن ارتضت هذا الزواج تحت تقدير أنها سوف تتحمل قدر الضرر الناجم منه، ثم تبين لها خطأ تقديرها، وهو ما ينسحب على الزوجة الثانية عندما تكتشف خطأ تقديرها لمدى العبء الراجع إلى وجود زوجة أخرى.
ح – زواج الرجل المسلم بغير المسلمة وتحريم زواج المسلمة بغير المسلم
سمح الفقه الإسلامي للرجل المسلم أن يتزوج غير المسلمة، في حين حرم المسلمة من ذات الحق، وهو بالقطع ما يتضمن تمييزًا تجاه المرأة يشكل من ناحية استمرار للتقاليد القبلية التي تحرم نساء القبيلة على رجال القبائل الأخرى، وتنظر لنساء القبائل الأخرى بوصفهن سبايا محتملات لهم. والتبرير الذى يساق في هذا الصدد مرتبط من ناحية بحق قوامة الرجل، ومن ناحية ثانية بديانة الأطفال على اعتبار أن كل الديانات تعتبر الأطفال على دين آبائهم بشكل تلقائي، دون أن يكون لهؤلاء الأبناء الحق عند بلوغهم سن النضج العقلى أن يختاروا ما يرونه من أديان، وأن يعيدوا الاختيار كلما عن لهم ذلك.
ط – قوامة الرجل على المرأة منبع لصور تمييزية عديدة
خلاصة الموقف الراجح لدى الفقهاء التقلديين إن رئاسة الرجل للأسرة، تتمثل فيما تخوله من حقوق تجعل له سلطة تحديد نوع الحياة الذي تحياها الأسرة، سواء من الناحية المادية أو المعنوية وتلتزم امرأته أن تطيعه في هذا،“من ذلك أن يحرم عليها الاختلاط بأشخاص معينين بقدر خطورة اختلاطها بهم. كما له أن يراقب زياراتها، وأن يعترض على استخراج جواز سفر باسمها أو منحها رخصة صيد أو قيادة سيارة، أو الانضمام لنقابة من النقابات أو حضور أحد الامتحانات. كما تلتزم المرأة بأن تقوم على شئون المنزل، وألا تغادر المنزل إلا للضرورة“، وهذا الوضع يتعارض مع المساواة بين الرجل والمرأة في العلاقة الأسرية.
ثانيًا: التمييز الواقعى ضد المرأة:
١ – العمل
أ – أعمال محظورة واقعيًا على المرأة: (رئاسة الجمهورية، رئاسة مجلس الوزراء، المحافظين، رئيس البرلمان ومجلس الشيوخ، القضاء، النيابة، المأذونين)
على الرغم من عدم وجود نصوص قانونية تحظر على المرأة العمل في هذه القطاعات، إلا أن الواقع يقول أن هناك حظر اجتماعى واقعى، لا يواجه بسياسة رسمية مضادة، بل تزايد الاتجاه لدى قطاعات عمل عديدة (منها قطاع البنوك كمثال) على أن تتضمن ما تنشره من إعلانات توظف جديد على ضرورة توافر شرط الذكورة ، ومنها من يمارس هذا السلوك التمييزى بدون إعلان؛ بمعنى تترك المنشأة التى فى حاجة إلى عمالة جديدة من يتقدم، يتقدم دون أن تعلن عن النوع، وأثناء الاختيار يتم استبعاد النساء تلقائيًا.
وعلى الرغم من اختلاف الفقهاء المسلمين حول مدى جواز أن تتولى المرأة منصب القضاء، إلا أن السائد فى مصر هو الرأى القائل بعدم جواز ذلك، وفى هذا يقول شيخ الأزهر السابق:
“ذهب جمهور الفقهاء إلى اشتراط الذكورة فى القاضى، وأن القضاء وسائر الولايات العامة مجمع على منع المرأة من توليها، وتحريم ذلك عليها ، فلا تتولى رياسة الدولة سواء بوصف الخليفة، أو غيره من الألقاب الرئاسية المعاصرة، وما في معناها كرياسة الوزراء، وولاية الأقاليم وما عدا هذا فهو محل اجتهاد، فإذا وليت المرأة القضاء يكون موليها آثما ويقع قضاؤها باطلاً“. 31 بينما ذهب شيخ الأزهر الحالي إلى جواز تولى المرأة منصب القضاء 32
ب – نسبة مشاركة النساء فى العمل لا تتناسب مع نسبتهن في السكان:
وفقًا للكتاب السنوى الصادر عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء لسنة ١٩٩١ لا تتعدى مساهمة المرأة 11% من القوى الكلية للعمل، وأن كانت لا تدخل ضمن هذه النسبة الأعمال التى لا تحتسب ضمن الناتج القومى. ووفقًا لتقرير التنمية البشرية بمصر الصادر عن معهد التخطيط عام ۱۹۹٥ تمثل النساء نسبة 22.6% من القوى العاملة بينما تمثلن ٤٩% من عدد السكان، وفى عام ۱۹۹٥ بلغت نسبة البطالة بين النساء أكثر من ضعف نسبتها على المستوى القومى: ٢٤% و ١١% على التوالى (من تقرير التنمية البشرية بمصر عام ۱۹۹٦) ، ويستفاد من تلك الإحصاءات أن هناك تفضيل على مستوى المجتمع لتشغيل الذكور على حساب النساء قد يجد تفسيره ليس فقط باستمرار الميل التمييزى المتوارث تاريخيًا، بل يمكن أن يضاف زيادة الاتجاه نحو الخصصة بما تعنيه لدى أرباب الأعمال من حساب تكلفة تشغيل السيدات مقارنة بتشغيل الرجل في ذات الوظيفة، حيث يمنح القانون للمرأة بعض الحقوق المتعلقة بإجازة الحمل والوضع وساعات الرضاعة، مما يعنى زيادة تكلفة التشغيل خاصة مع انغلاق أبواب العمل في القطاعات الحكومية، ولعل السبب الأكبر لهذا يرجع إلى بطء النمو الاقتصادي والمتمثل في عدد فرص العمل الجديدة التى يخلقها، وفى كل الأحوال تدفع النساء ثمن الخصصة والتأخر الاقتصادي بدرجة أكبر مما يدفعه الرجال، ويتضح ذلك من نسب البطالة في الحالتين.
ج – نسبة مشاركة النساء فى الوظائف العليا لا تتناسب مع نسبتهن في القوى العاملة
تشكل نسبة النساء في الوظائف الإدارية العليا ومديرو الأعمال نسبة ١٦% سنة ١٩٩٢ لتصل إلى ١6.4% سنة ۱۹۹٥ (من تقرير الحكومة حول تنفيذ خطة عمل بكين ديسمبر 1998)، وهى نسبة منخفضة لا تقارن بحجم مشاركة النساء في هذه القطاعات. وحيث أن الوصول للمواقع القيادية يخضع لسياسة الترقية بالاختيار عوضًا عن الترقية التلقائية عند توافر شروطها، وهو الأمر الذى يجعل للميل التفضيلي لصالح الذكر يؤثر في القائمين على الاختيار، ويزداد فداحة الأمر لو تذكرنا أن عقد السبعينات والثمنينات هي فترة استثنائية في عمل المرأة حيث استجد عاملين طارئين دفعا إلى زيادة تشغيل النساء؛ ونعنى بهما تعبئة الرجال في الجيش فى الفترة من أواخر الستينات وحتى أوائل السبعينات، ثم هجرة الرجال إلى الأقطار العربية المنتجة للنفط وأصبحت الظروف مهيئة لتشغيل النساء بإعداد متزايدة. وهى ما أثر فى الارتفاع النسبي للنساء في المناصب القيادية، حيث من عين فى العقدين المشار إليهما، يكون في عقد التسعينات هو القاعدة التي يتم اختيار القيادات منها. وبانتهاء أثر محفزات تشغيل النساء وتولد عوامل جديدة معاكسة لعمل النساء، يتوقع الباحث اتجاه نسبة شغل النساء للمناصب القيادية لللانخفاض. ويجد الميل التفضيلى هذا غطاءًا ايدلوجيًا له من الفقه التقليدي الذي يرى:
أن الشريعة تختلف عما تقرره الاتفاقية بشأن المساواة بين المرأة والرجل بشأن الحق في العمل باعتباره حقًا ثابتًا، إذا أنه لا يجوز للمرأة شرعًا أن تعمل إلا للضرورة، والضرورة تقدر بقدرها، إلا أن الاتفاقية لا تختلف عن الشريعة بخصوص المساواة في الأجر عن العمل، كما لا خلاف بشأن الضمان الاجتماعى بالإضافة إلى الوقاية والرعاية الصحية وسلامة ظروف العمل، ولا تعارض بين الاتفاقية والشريعة فى هذا الخصوص بالنسبة للمرأة التي لا زوج لها (المطلقة والمتوفى زوجها) ، أما إذا كانت المرأة متزوجة فإن الشريعة توجب نفقتها على زوجها، وبالتالى فليست هناك ضرورة لعملها ومن ثم فلا مجال للحديث عن الضمانات الواردة في المادة ۱1/ 2 من الاتفاقية، لأنه حسب الرأى الراجح لا يجوز للمرأة الخروج للعمل إلا إذا لم يكن هناك رجل ينفق عليها سواء كان أبًا أو ابنًا أو أخًا أو زوجًا أو غيره من الأهل والأقارب فإذا لم يوجد من يعولها كان عملها مباحًا مادام فى إطار آداب الإسلام – سواء كانت فتاة (لم تتزوج بعد) أو كانت أرملة أو مطلقة. ففي مثل هذه الحالات يتعين تمتعها بكافات الضمانات الكفيلة بحمايتها ورعايتها33.
ويذهب شيخ الأزهر السابق 34 إلى أنه يمكن القول – في نطاق نصوص القرآن والسنة – أن الأصل أن تتفرغ المرأة لمهمتها كزوجة وأم، وأن تعمل استثناء من هذا الأصل في حالات أربع:
1 – أن تكون المرأة ذات نبوغ خاص يندر فى الرجال والنساء معًا.
2 – أن تتولى عملاً هو أليق بالنساء.
3 – أن تعين زوجها في ذات عمله.
4 – أن تكون فى حاجة إلى العمل لقوتها وقوت عيالها.
٢ – التعليم
يتضح التمييز في هذا المجال من استعراض الإحصاءات المختلفة ذات الصلة بجوانب مختلفة من مجال التعليم. فتبلغ نسبة الأمية بين المصريين 49.4% في عام ١٩٨٦ طبقًا للإحصاءات المنشورة بواسطة الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء. وبلغت نسبة الأمية بين الإناث 62.5% بالمقارنة بـ 37.4% بين الذكور. كما بلغت نسبة الذكور الحاصلين على مؤهل جامعي 4.7% بالمقارنة بنسبة 1.4% للإناث. كما أن معدل تناقص الأمية ليس واحدًا بين النوعين، فمن عام ١٩٦٠ حتى عام ۱۹۸٦ انخفضت أمية الرجال بنسبة ٢٠% بينما لم تنخفض نسبة أمية الإناث سوى 15% أى أن الأمر لم يقتصر على أن نسبة الأمية بين الإناث أعلى كثيرًا من نسبة الأمية بين الذكور، بل تجاوز ذلك ليكون معدل انخفاض هذه النسبة أقل فى حالة الإناث عنها فى حالة الذكور مما يدل على أن الفجوة تتزايد بمرور الأيام. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى تبين الإحصاءات المنشورة أن نسبة الطلبة في الجامعات كانت 66.2% في مقابل 33.8% للطالبات، كما أن معدل زيادة الطلبة خلال الفترة ۱۹۸٤ – ۱۹۸۹ زادت بنسبة 6.4% بينما زادت الطالبات خلال نفس الفترة بنسبة 5% فقط مما يدل على أن الفرق بين عدد الطلبة وعدد الطالبات سوف يتزايد باستمرار على مر السنين.35
ويتلخص موقف الفقه التقليدى من قضية التعليم فى أنه يجب على الرجل أن يعلم زوجته القدر الضرورى الذى تصح به عبادتها، وتؤدى به الواجب المنوط بها، سواء كان ذلك بنفسه أو بمن يحضره (أو يحضرها) فى بيتها للقيام بذلك، فإذا لم يفعل أو لم يستطع لم يكن له أن يمنعها من الخروج لذلك أما العلم المندوب فلا يجوز أن تخرج لطلبه إلا بإذن زوجها.
لا خلاف بين الشريعة والاتفاقية من ناحية الحرص على تعليم المرأة وتثقيفها، إلا أن الشريعة تختلف عن الاتفاقية فيما يتعلق بالتعليم المختلط بين البنين والبنات حيث لا تجيز الشريعة الاختلاط لما فيه من المفاسد فى حين تشجع عليه الاتفاقية، إلا أن الشريعة تحيط تعليم المرأة عمومًا بسياج يحمى المرأة ذاتها من عبث العابثين، ويصون في نفس الوقت كيان الأسرة بحيث لا يجوز لها الخروج لطلب الاستزادة من العلم – غير الواجب عليها – إلا بإذن زوجها.
3 – المشاركة في الحياة العامة
بيد أن إلقاء نظرة متعمقة على وضعية المرأة على مستوى المحليات يؤكد تواضع تواجدها في هذا المستوى التمثيلى سواء من الناحية العددية أو من حيث المكانة حيث لم ترق أى من القيادات النسائية إلى مستويات القيادة العليا هذا وتجدر الإشارة إلى أن تمثيل المرأة على مستوى المحليات لم يسر على وتيرة واحدة حيث تفاوت بشكل ملحوظ منذ عام ۱۹۷۹ وحتى الآن بحيث شهدت بداية الثمانيات زيادة كبيرة فى نسبة هذا التمثيل نتيجة تخصيص عدد من المقاعد للمرأة فى المجالس الشعبية المحلية وعلى هذا النحو بلغت نسبة النائبات في هذه الفترة حوالى 10.25% من إجمالي عدد نواب المجالس الشعبية بيد أن هذه النسبة سرعان ما شهدت هبوطًا حادًا عام ۱۹۹ حيث انخفضت إلى 1.2% فقط بعد أن كانت قد بلغت 11.3% عام ۱۹۹1 ثم واصلت تراجعها فى الانتخابات الأخيرة بحيث لم تتعد عضوات المجالس المحلية إلى إجمالي عدد الأعضاء نسبة 1%
هذا ويمكن إرجاع تأثر مستوى المشاركة السياسية للمرأة على مستوى المحليات على هذا النحو إلى إلغاء القانون رقم ٤٣ لعام ۱۹۷۹ والذى ينص على تخصيص مقاعد للمرأة في كل مستويات التمثيل المحلى.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن مشاركة المرأة على المستوى المحلى وفي واقع الحال لم يكن أفضل حالاً من تمثيلها فى المجالس النيابية على المستوى القومي حيث كان هذا التمثيل قد شهد بدوره تراجعًا ملحوظًا فى كل من مجلسى الشعب والشورى بحيث انخفض تواجد المرأة فى مجلس الشعب بعد انتخابات 1995 إلى 2.2% وإن كان أحسن حالاً في مجلس الشورى حيث بلغ ٤.٧% بيد أنه مما يذكر أن هذا الارتفاع النسبي في عدد عضوات هذا المجلس لا يعود إلى فوز هؤلاء عبر صناديق الاقتراع بقدر ما يعود إلى ارتفاع نسبة العضوات المعينات داخله
وفي إطار هذا السياق يمكن القول بأن محددات المشاركة السياسية بصفة عامة وان لم تختلف لكل من المرأة والرجل على حد سواء إلا أنه مما لا شك فيه أن هناك محددات أكثر تأثيرًا على سلوك المرأة مقارنة بالرجل كالسياق المجتمعي والنسق القيمي السائد إلى جانب البنية المؤسسية التى قد تؤثر بدورها سلبيًا أو إيجابيًا على المشاركة السياسية للمرأة كما وأنه برغم تأثر العمل السياسى للمرأة على كل من المستوى القومي والمحلى على حد سواء بهذه المحددات إلا أن مشاركة المرأة على مستوى المحليات تكون أكثر حساسية تجاه هذه المؤثرات التى قد تكون الدولة أهم مصادرها أو يمثل النسق القيمي أهم عناصرها 36
فإذا كانت المرأة لا يجوز لها أن تختلط بالرجال إذا ما اضطرت للعمل فإن هذا يقتضى عدم جواز إسناد الولايات العامة لها كالقضاء والوزارة والإمارة، والترشيح للمجالس النيابية والشعبية، والاقتراع فى الانتخابات لأنه لا ضرورة لخروج المرأة للقيام بذلك، علاوة عما في ذلك من الاختلاط بالرجال المنهى عنه شرعًا، فالولايات العامة يتعذر القيام بها بدون مخالطة الرجال، ومن ثم لم يكن للمرأة الحق في القيام بهذه الأعمال.
ويتمثل موقف الفقه التقليدى فى تبنى رأى جمهور الفقهاء فإن الشريعة لا تبيح ما أقرته الاتفاقية فيما يتعلق بمساواة المرأة بالرجال في الحقوق السياسية، وعلى الأخص التصويت في الانتخابات والاستفتاءات والمشاركة فى الوظائف العامة على كافة المستويات، ولا سيما المراكز العليا لصناعة القرار، أو المشاركة فى تمثيل الدولة في الخارج في كافة المؤتمرات والمنظمات ولدى الدول الأخرى.
ثالثًا: الصمت التشريعي:
1 – عدم قيام الدولة بتوفير خدمات رعاية الطفولة لمساعدة المرأة في عملها
جاءت المادة ۱۱ من الدستور لتحمل الدولة مسئولية قانونية تجاه قيامها بما يجب للتوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها فى المجتمع، ومساواتها بالرجل في كافة الميادين بما لا يخل بأحكام الشريعة الإسلامية. ومن المتفق عليه أن من ضمن التدابير التي تساعد المرأة على التوفيق بين عمل المرأة ومتطالبات الأسرة هو توفير دور حضانة لرعاية الأطفال ولم تتحرك الدولة للوفاء بهذا الالتزام الدستورى.
٢ – الصمت التشريعى تجاه حق النساء في التنظيم النوعي
لا يمكن النهوض بحالة المرأة ما لم تتجمع النساء سويًا لتشكيل قوة ضغط لتحقيق المساواة مع الرجل، وهو ما يستلزم تأسيس اتحاد نسائى مصرى ينضم إليه الأشخاص المؤمنين بضرورة هذا العمل، ورغم أن الدستور قد نص على أن إنشاء النقابات والاتحادات حق يكفله القانون. إلا أن المشرع لم يصدر قانونًا منظمًا لكيفية تأسيس اتحاد نسائي، ومن ثم أصبح الإقرار الدستورى بحق التنظيم للنساء غير قابل للتطبيق طالما لم يصدر قانون يضع هذا النص الدستورى موضع التطبيق. وكل المحاولات المعاصرة لتأسيس اتحاد نسائي في مصر أصطدمت بهذا الصمت التشريعى الذى أضحى سلاحًا فعالاً في وئد الحريات والحقوق بدون ضجيج.
ثانيًا: دور المنظومة التشريعية الداخلية فى استمرار الإقصاء وإعادة إنتاجه:
١ – وضعية الاتفاقيات الدولية فى داخل التدرج القانوني الداخلي
وفقًا لنص المادة ١٥١ من الدستور يكون للاتفاقية الدولية قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقًا للأوضاع المقررة. وبذلك تكون الاتفاقية في وضع أدنى من الدستور، ومن ثم إذا تعارضت مواد من الاتفاقية مع أحكام الدستور أمكن إبطالها من خلال المحكمة الدستورية إعمالاً لقاعدة خضوع الأدنى مرتبة للأعلى مرتبة، ومن ناحية أخرى يمكن لأى قانون جديد أن يعدل من أحكام الاتفاقية ويلغى نفاذها الداخلي، لخضوع العلاقة بينهما – لتساويهما في المرتبة – لقاعدة اللاحق ينسخ السابق والقانون الخاص يقيد القانون العام. فمبدأ المساواة العام وحظر التمييز على أساس الجنس الوارد في المادة ٤٠ من الدستور يتقيد بما ورد فى المادة ۱۱ من الدستور من شرط ألا تخل هذه المساواة بين الرجل والمرأة بأحكام الشريعة الإسلامية. وطالما أن الدستور في مرتبة أعلى من سيداو فتتقيد أحكامها في الداخل بما نص عليه الدستور فى المواد ۹، ۱۱، ۱۲ من الطابع الأصيل للأسرة وأحكام الشريعة الإسلامية والتقاليد والقيم المصرية. ولم تكن مصر في حاجة – محليًا – للتحفظ على سيداو حيث فى مواد الدستور وتفسيرها الشائع في مصر الكفاية للحفاظ على التمييز ضد المرأة.
2 – البنية التشريعية الوضعية والفقه الإسلامي التقليدي
في أكثر من موضع وفى أكثر من قانون يحيل القانون الوضعى إلى الشريعة الإسلامية:
الدستور والقانون المدنى، قانون الأحوال الشخصية، قانون العقوبات. والفهم القانوني والقضائي السائد يقف بالشريعة الإسلامية فى حدود ما أنجزه القدامى من الفقهاء، صحيح توجد اتجاهات فقهية جديدة لكن قيمتها القانونية تكاد تكون منعدمة ما لم تصاغ في شكل قانون وضعى. وفيما سبق تبين لنا مبلغ أثر الفقه التقليدى على القضاء.
ولا يعنى تجريدنا لأى اتجاهات فقهية جديدة من أى أثر قانوني أنها تخلو من فوائد أخرى، ليس أقلها تبيان الطبيعة التاريخية للفقه التقليدى وانتقاده.
قد يوجد من الناحية التاريخية مبررات سياسية أدت بالفقهاء التقليديين إلى اتخاذ هذا الموقف تجاه المرأة حيث نشأ في عصر لم تنضج فيه البشرية – فيما يتعلق بحقوق الإنسان – ولم تكن تحفل البشرية كثيرًا بكرامة النساء وحقوقهن الأساسية فهو عصر كان شعاره الأساسي الذي يكشف جوهره المتخلف إضفاء مشروعية اجتماعية وقانونية ودينية للرق والعبودية. أما في عصرنا الحاضر وبعد التقدم الذى قطعته البشرية فلم يعد من المقبول – من زاوية آدمية الإنسان – التسليم بلا مراجعة بما توصلت إليه البشرية في العصور الماضية من التضحية بالكرامة الفردية حتى ولو كان هذه التضحية باسم الفكر الدينى (فالفقه الإسلامى هو فهم البشر للدين)
ولعل هذا الفهم كان وراء مطالبة بعض رجال الفكر الإسلامى بضرورة وضع فقه جديد عوضًا عن الفقه التقليدى الذى لم يعد يتناسب مع الزمان وقد خصص المفكر الإسلامي الأستاذ/ جمال البنا كتاب من جزئيين لمعالجة هذا الأمر عنون جزئه الأول بعنوان دال“نحو فقه جديد“
إن خمسة قرون حافلة بالتطورات السريعة التى كان منها المطبعة واستخدام الآلات الحديدية والانتقال من كدح الأيدى والعضلات إلى قوة البخار والنار وظهور القطارات والسفن البخارية والتقدم فى الأسلحة وفنون القتال وصنع السيارات واكتشاف الكهرباء التي قلبت الليل نهارًا وأظهرت السينما والراديو وانتشار المعارف والصحف والمدارس وشيوع دعوات الديمقراطية وحركات الإصلاح الإجتماعي.. كل هذا يراد منا أن نتجاهله ونظن أن ليس له أثر على المجتمعات الإسلامية وأحكامها بما فيها الفقه.
ثم جاءت التطورات الأخيرة فى الذرة والإلكترون والكمبيوتر فلم تدع لنا خيارًا إما الأخذ بأسباب العصر وإما التدهور لمستوى التبعية الذليلة والخضوع لإسار الرق الجديد.
ليس العجيب أن نطالب بفقه جديد ولكن العجيب أن نظل ألف سنة أسرى منهج وضعه أئمة المذاهب كأنه قرآن منزل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
لقد كانت الأسس التى وضعها الأئمة فى القرن الثالث والرابع الهجرى متلائمة مع الزمان والمكان.
ولكنها اليوم متخلفة تمامًا ولا يعنى التمسك بها سوى التخلف وليس هناك مبرر للتمسك بها لأننا لم نؤمر بعبادة الآباء والأجداد بل أمرنا بإعمال العقول وعدم الالتزام ضرورة بما يضعه الآباء والأسلاف.
لقد تجمد الوضع بعد أن أرسى الشافعي أصول الفقه في الرسالة وانتهى أبو حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل إلى مذاهبهم ما بين القرن الثاني والثالث الهجري.
ولم يظهر مفكرون – باستثناء قلة محدودة – يقدمون جديدًا له أصالة وهؤلاء المجددون مثل ابن خلدون وابن رشد وابن تيمية حتى الشوكاني اصطدموا بالأسوار العالية لقلعة الفقه فلم يستطيعوا لها اختراقًا أو تجديدًا أو تعديلاً أما الآخرون فقد قنعوا بوضع المتون ليأتى جيل آخر ليضع الشروح على هذه المتون ثم يأتى جيل ثالث ليضع الحواشي للشروح الخ……
لم يعد هناك شك في أن التقيد بهذا الفقه كان من أكبر أسباب تخلف المجتمعات الإسلامية، لأنه لم يقتصر على إطار الفقه العبادي. بل ضم بحكم شمول الفقه – مجالات في صميم الاقتصاد والسياسة والاجتماع، فهو مشارك فى مسئولية تدهور وضع المرآة، واستشراء ظلم الحكام وفقد المنهجية في التنظيم السياسي وشيوع الخرافة والعقلية النقلية… ويمكن القول أن التقيد بالفقه التقليدى كان من أكبر المؤثرات في أصل تكوين الشخصية المسلمة ومن أكبر أسباب ما اتسمت به هذه الشخصية من قصور ۳۷.
حول الحاجة إلى فقه اسلامي جديد يتناسب مع الزمان:-
أن تغيير الزمان والمكان يقتضى تغيير الأحكام وهذا يستدعى وجود من يلاحظ هذا التغيير وهو المجتهد ليجتهد على مقتضاه وما يؤيد الحاجة إلى فقه اسلامى متجدد متناسب مع حاجات العصر أن النبى قد نهى أن تقطع الأيدى فى الغزو على الرغم من أنها حد من الحدود وأن عمر بن الخطاب أسقط القطع عن السارق في عام المجاعة.
وفي العصر الحديث وقد انفجرت الثورة الصناعية التكنولوجية التى أثمرت نظمًا ومشاريع وظروفًا وأحوالاً كثيرة وجديدة كل ذلك يستدعى الحاجة إلى اجتهاد جديد وفقه متسق مع حاجات الانسان في عصره.
بل أن الوقوف الجامد على حدود المذاهب الفقهية الأربعة قد يجعل الشريعة لا تساير الزمان وتخالف روح العصر ومقتضياته.
ويؤكد محمد اقبال حاجتنا إلى فقه إسلامي جديد بقوله” على أن هذه المذاهب مع احاطتها وشمولتها ليست إلا تفسيرات فردية وهى بوصفها هذا لا تستطيع الزعم بأنها القول الفصل وعلماء الإسلام – فيما أعلم – يقولون بتقليد مذاهب الفقه المشهورة وإن كانوا لم يجدوا قط أن من الممكن من الوجهة النظرية إنكار حق الاجتهاد المطلق…… ولكن بما أن الأحوال قد تغيرت والعالم الإسلامى يتأثر اليوم بما يواجهه من قوى جديدة أطلقها من عقالها تطور الفكر الانسانى تطورًا عظيمًا في جميع مناصبه فإني لا أرى موجبًا لاستمرار التمسك بهذا الرأى وهل ادعى أصحاب مذاهبنا الفقهية أنفسهم: أن تفسيرهم للأمور واستنباطهم للأحكام هو آخر كلمة تقال فيها؟ أنهم لم يزعموا هذا أبدا“. 38
إننا وإن كنا لا نبرئ فقهاء الصدر الأول الذين وضعوا الأصول من المساهمة 39 في الحيف على المرأة وانتقاص منزلتها بما سمحوا به من أحاديث ركيكة أو موضوعة، فإننا لا نجد فيهم الأسفاف الذى نجده عند فقهاء الفروع الذين جاءوا بعد قرون من إغلاق باب الاجتهاد وتدهور الأوضاع السياسية والاجتماعية للمجتمع الإسلامى نتيجة نظم الحكم العسكرية التي زحفت عليه من أتراك أو ديلم الخ…
وكلما كان العهد يمضى بهم كلما كان الأسفاف يزداد فيهم، ولم ينقذ العالم الإسلامي منهم إلا النهضة الحديثة.
ولم يكن إسفاف فقهاء الفروع والانتقاص من منزلة المرأة إلا صورة من تدهور المجتمع الإسلامي، وليس أدل على هذا من أننا – مع التزمت الشديد في موضوع المرأة نرى خلال السطور نصوصًا صريحة عن عقوبات لأسوأ صور الشذوذ الجنسي التي يفترض أن لا توجد في مجتمع دفعة“خوف الفتنة” إلى حبس النساء وراء الجدران. والأقاويل العديدة التي تحذر من مصاحبة الأمرد أو التى تقرر عقوبة اللواط شاهدة على ذلك، ومن المؤسف أن جزءًا من هذا الإسفاف قد بنى على أحاديث وردت في كتابات أئمة الفقه في الصدر الأول – وهو السبب الذى جعلنا لانبرئهم من المسئولية.
وأورد الطبرى فى تفسيره لأية“ولا تؤتوا السفهاء أموالكم” آراء عديدة عن سعيد بن جبير والحسن والضحاك ومجاهد وقتادة وابن عباس وابن عمر أن السفهاء هم النساء والصبيان ولم يكن هناك داع لهذا لأن السفهاء هم الذين تتوفر فيهم صفة السفه رجالاً ونساء، كبارًا وصغارًا، وسورة النساء – التي فيها هذا النص – كلها دفاع عن النساء واليتامى. تفسير القرطبي ج ٤ ص ١٦٥.
وهذا يهون أمام تفسيره لكلمة“فإهجروهن” إذ ذهب إلى أن“الهجر” هو ربط المرأة في المضجع، وقد أنتهى إلى هذا الرأى العجيب بناء على بيت من الشعر جاء فيه هجر بمعنى ربط البعير واستبعد لهذا كل المعانى الأخرى والمعروفة للكلمة، وقال“فإذا كان في كل هذه المعانى ما ذكر من الخلل اللاحق فإولى الأقوال بالصواب في ذلك أن يكون قوله“وأهجروهن” موجها معناه إلى معنى الربط بالهجار على ما ذكرنا من قيل العرب للبعير إذا ربطه صاحبه بحبل على ما وصفنا هجرة فهو يهجر هجراً” تفسير القرطبي ج 5 ص 43.
كذلك ما جاء في كتاب النكاح فى البخارى أيضًا تحت باب ما يحل من النساء ومـا يحرم وجاء فيه.
“فيمن يلعب بالصبي إذا أدخله فيه فلا يتزوجن أمه” وقال الدكتور محمد السعيد مشتهرى الذى أثار هذه النقطة شرحا لها” تأمل كيف يتحدث بأسلوب الضمير عن توصيف واقعة اللواط فيقول أن أدخله فيه وكأن القارئ للرواية يعرف ما الذي دخل وأن هذا الواقع متعارف عليه وشائع (تأمل قوله: يلعب بالصبي) ولم يبق من المشكلة إلا أن يبحث الفقهاء الجهابذة مسألة تزويجه من أم الصبي من عدمه ودخلت المسألة دائرة الخلاف الفقهي وكأن الفقه لا يعنيه فى شئ إفساد جيل من المسلمين باللواط والغريب في الأمر أن تجد انتشارًا للفتاوى التى تبحث الأوضاع الشرعية لمن يأتون البشر والحيوانات أحياءً وأمواتًا في الدبر فى كتب السلف بشكل ملفت للنظر بل والأحكام الشاذة في مسألة الزنا أيضًا فهذا المذهب الشافعى يبيح للرجل إذا زنى بامرأة وحملت منه سفاحًا وجاءت ببنت فله أن يتزوج هذه البنت
في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة فى كتاب النكاح قول الشافعية إذا زنى رجل بامرأة وحملت منه سفاحًا وجاءت ببنت فإنها لا تحرم عليه لأن ماء الزنا لا حرمه له وكما تحل له تحل لأصوله وفروعه“…
وجاء في فتح البارى“باب وأذكر عبدنا داود” يقول عند قوله الله تعالى“إن هذا أخرى له تسع وتسعون نعجة“”يقال للمرأة نعجة ويقال لها أيضًا شاه، وقال القرطبي في تفسيره لهذه الآية” والعرب تكنى عن المرأة بالنعجة والشاه وقد يكنى عنها بالبقرة أو الناقة لأن الكل مركوب“
ونجد في تحفة الفقهاء وهو أحد مراجع الحنفية أن الزواج لا ينعقد“عند أصحابنا إلا بلفظ موضوع للتمليك ثم اختلف المشايخ قال عامتهم لا ينعقد إلا بلفظ موضوع لتمليك الأعيان كالبيع والهبة، ولا ينعقد بلفظ موضوع لتمليك المنافع كالأجارة والإعارة“
وقال الكرخي ينعقد بلفظ موضوع للتمليك مطلقًا، سواء كان لتمليك الأعيان أو لتمليك المنافع حتى ينعقد بلفظ الإجارة والأعارة عنده.
وأما بلفظة الإحلال والتحليل والإباحة فلا ينعقد لانها لا تقتضى التمليك“
ومبرر الإنفاق لديهم هو الاحتباس، ولو مرضت الزوجة بحيث لم يستمتع بها زوجها، فلا تحق لها نفقة عند بعضهم فأين هذا الكلام الغث الكريه من قول الله تعالى:
“ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتذكرون“
إن البلوى بهذه الكتابات لا تقتصر على أنها تمثل لنا مرحلة مظلمة من تاريخ المجتمع الإسلامى تدهورت فيها القيم، ولكنها تضم أيضًا أنها تدرس على الطلبة والطلبات اليوم وكأنه يعز على أولى الأمر أن يحرم طلبة هذا العصر من قمامة وكناسة فقه الفروع.
وأخطر من هذا وأسوا أنها زحفت على الكتابات الحديثة، وتأثر بها ليس فحسب الفقهاء ولكن رجال القانون الذين تخرجوا من الجامعات ويشغلون أعلى المناصب القضائية – بحيث يكررون ما جاء من هذا الفقه الغث دون استشعار أى حرج ودون أن تثير في أنفسهم كلمات“الملك والتمليك” أي حساسية.
ويمكننا القول أن قوانين الأحوال الشخصية فى مصر المستمدة من أحكام فقهاء وضعت من ألف عام تعد سبة في معايير العدالة ويتعين تغييرها بما يتفق مع القرآن الكريم ومبادئ الفقه الجديد.
وتسربت دونية المرأة عند الذكوريين المسلمين إلى اللغة ففي تاج العروس يكتب الزبيدي.
“الحذاء: الزوجة لأنها موطوءة كالنعل نقله أبو عمرو المطرز“
1 – التشديد على أن اتفاقية سيداو ذاتها تتضمن قدر من المشاكل سواء من ناحية عدم النص على استبعاد أحكام من نطاق التحفظ، أو من ناحية ضرورة تطوير نظام التحفظ في اتجاهين:
أ – قبول غالبية الأطراف للتحفظات على المواد الجوهرية.
ب – وجود جهاز فني دولى يتولى فحص التحفظات لتحديد مشروعيتها
2 – أن إقرار الدستور المصرى لمبدأ المساواة كمبدأ عام جاء ليقيده في شأن الأحوال الشخصية، خاصة في العلاقة الزوجية
3 – يلعب الفقه الاسلامى التقليدى دور المولد للتمييز ضد المرأة، كما يلعب دور المبرر لتنميط دور المرأة في الإطار التقليدى، بإضفاء غطاء ديني على سياسة التمييز ضد المرأة
٤ – هناك حاجة ماسة لحث القضاء على تبنى نظرة واسعة للشريعة الإسلامية بحيث لا تقتصر على الفقه كما صاغه الفقهاء من مئات السنين
٥– هناك حاجة حقيقية لثورة فكرية ناقدة للفقه التقليدى، لا يمكن أن تأتى ثمارها بدون ضمان ديمقراطية الحوار حتى يتسنى لكافة الآراء التفاعل سويًا بما فيها الآراء الرافضة الاحتكام إلى الدين أساسًا في تنظيم شئون اجتماعية
٦ – هناك حاجة ماسة لصياغة كافة الأحكام فى قواعد قانونية وإنهاء الاحالة إلى مجهول اسمه الفقه الاسلامي
7 – أن وضعية المرأة ليست من عداد المسائل الاعتقادية وإنما تدخل في عداد الأوضاع التاريخية الاجتماعية
8 – إن قضية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة لن تحرز تقدمًا بعيدًا عن التقدم على الصعيد الديمقراطى والتقدم على صعيد التنمية الاقتصادية
9 – من أجل بناء حركة نسائية مصرية يجب الاتفاق على أجندة أولويات والعمل وفقًا الخطة تنطلق من اتفاقية سيداو كقاعدة
١٠ – يتم اختيار موضوعات للنشاط بحيث نتجنب فى البداية الموضوعات التي تثير حفيظة قطاعات واسعة في المجتمع، أى نبدأ بالقضايا ذات الالتفاف الأوسع
تحفل الدراسة بنواقص كثيرة لعل أبزها قدم الإحصاءات من ناحية، وتجاهل دراسة وضع المرأة لدى الديانات الأخرى فى مصر، إلا أن ضيق الوقت لم يسمح بمعالجة هذا القصور
1- لن نتعرض هنا لافتقاد جهاز فضائى دولي، من ناحية لضيق الوقت، ومن ناحية أخرى حتى لا تتضخم الدراسة، فالأمر من الأهمية البالغة، ومن ثم يستحق دراسة مستقلة، تضع في اعتبارها الرصيد المتجمع في هذا الأمر على الصعيد الدولي، وعلى الصعيد الإقليمي، وتزداد تلك الأهمية للتطورات التي تشهدها القارة الأفريقية في هذا الصدد من ناحية، ومن ناحية أخرى للمحكمة الجنائية الدولية.
2- جاء نص الفقرة السابعة على النحو التالي:”ليس في هذا الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشئون التى تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما، وليس فيه ما يقتضى الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق، وعلى أن هذا المبدأ لا يخل بتطبيق تدابير القمع الواردة بالفصل السابع“. وعلى الرغم من حذف الإشارة إلى القانون الدولى من هذا النص، فإنه، ووفقًا للرأى الغالب في الفقه، لا يغير الحال فيما يتعلق بالمستقر منذ عهد العصبة من أن القانون الدولي هو الذى يحدد إطار الاختصاص الوطنى للدول، ويترتب على ذلك أن المجالات التي لم تنظم من قبل القانون الدولى هي فقط التي تقع في نطاق الاختصاص الوطنى للدولة، مع الوضع فى الاعتبار أن الاتجاه مستمر نحو تناقص وتقلص مناطق ومجالات الاختصاص الوطنى مع تزايد تنظيم القانون الدولى لمجالات كانت تعد واقعة في الاختصاص الوطنى للدولة، لكي تصبح بالتالي، داخل مجال الاختصاص الدولى. وقد شهد العالم زيادة تدخل القانون الدولى في موضوعات وسائل كان يقتصر تنظيمها على القوانين الداخلية للدول ليشمل موضوعات جديدة لم تكن محلاً لتنظيمه، ومن ثم تطرق، فضلاً عن مجالات المواصلات والاتصالات بكافة صورها المختلفة – ومنها الوسائل الحديثة، إلى التجارة الدولية الخارجية والسياسات الاقتصادية والنقدية والمالية والعسكرية ومجالات التلوث والإرهاب الدولى والمخدرات والأوبئة، وظاهرة اللاجئين وعديمى الجنسية، وكل مظاهر الحياة المشتركة بين الجماعات الدولية وداخلها متى كان لها تأثير وانعكاسات يتعدى حدودها المشتركة.
3- رضا ص ٢٤٧
4- رضا ص 358
5- رضا ص 333
6- انظر ص 31 – 33 من التحفظ على المعاهدات الدولية فى القانون الدولى العام والشريعة الإسلامية، عبد الغنى، ط ١١ – ١٩٨٦ – القاهرة.
7- ولكن يذهب بعض الفقهاء إلى إجازة التحفظ الضمنى، وتزعم هذه الاتجاه بعض قضاة محكمة العدل الدولية فى آرائهم المخالفة الى ألحقوها بالحكم الصادر فى حضانة الطفل سنة ١٩٥٨ حيث صدر هذا الحكم بأغلبية 12 قاضيًا ضد أربعة قضاة، ذهب ثلاثة منهم إلى أن تصرف حكومة السويد كان وفقًا لاتفاقية لاهاى المبرمة سنة ۱۹٠٢، والمتعلقة بحل تنازع القوانين الداخلية فى مسألة حضانة الأطفال مستندين في ذلك إلى أن تصديق الدول على هذه الاتفاقية هو تصديق مقرون بتحفظ ضمي وهو عدم مخالفة النظام العام الداخلى لكن دولة إلا أن هذا الاتجاه محل انتقاد شديد فيشير السيد همغرى والدوك * إلى أنه إذا وضع مبدأ عام بقضى بأن كل معاهدة أيًا كان موضوعها يجب أن تفسر على أنها خاضعة لتحفظ ضمنى أو مفترض يتعلق بالنظام العام لكل دولة فإن هذا سيكون له خطورته في انهيار القوة الملزمة للمعاهدات، وستكون النتيجة سيادة القوانين الداخلية على الالتزامات التعاهدية، وهذا يخالف ما استقر عليه القانون الدولى من أنه لا يجوز للدولة أن تحتج بقانونها الداخلي لكي تتخلص من التزاماتها الدولية، بل عليها أن تعدل قوانينها الوطنية بالشكل الذى يسمح بتنفيذ التزاماتها الدولية، بالإضافة إلى أن فكرة النظام العام الداخلي هي فكرة مرنة ونسبية تختلف حسب الزمان والمكان، ومن ثم يتعذر حصر القواعد المتعلقة بها سلفًا وبناء عليه فإن الأخذ بها في النظام القانون الدولي سيؤدي إلى فناء القانون الدولى ذاته.
8- وفقًا للرأى الراجح فقهًا، يعد التحفظ في حالة الاتفاقيات الثنائية بمثابة إيجاب جديد أو اقتراح بالتعديل لا يحدث آثره، كقاعدة ما لم وحتى يقبله الطرف الآخر، فالدولة المتحفظة لا يرتب ارتضاؤها بالمعاهدة آثره في الحال، ولكن بعد قبول التحفظ من قبل الطرف الآخر. فإذا قبل الطرف الآخر التحفظ فإن المعاهدة تحرم وفقًا لصورتها الجديدة المعدلة، بحيث يدمج التحفظ ليكون جزء منها، أما إذا رفض الطرف الآخر التحفظ فإن المعاهدة تنهار من أساسها، بحيث لا يكون هناك معاهدة، بين الطرفين، لا في صورتها الأصلية، ولا في صورتها المعدلة، وهذا ما تؤكده كافة السوابق الدولية.
9- ويكون التحفظ غير مشروع في ظل هذا القاعدة فى عدة حالات:
1 – إذا كانت الاتفاقية تحظر التحفظ.
٢ – إذا كانت الاتفاقية تتيح تحفظات معينة ليس من بينها ذلك التحفظ.
3 – إذا سكتت عن تحديد موقف من التحفظ، ولم يوافق كافة الأطراف الأخرى على التحفظ.
ويترتب وفقًا لأحكام هذه القاعدة على عدم مشروعية التحفظ بطلان تعبير الدولة المتحفظة عن اتجاه إرادتها إلى الالتزام بأحكام المعاهدة بحيث لا تكتسب وصف الطرف فيها.
بينما يكون التحفظ مشروعًا في الحالات الآتية:
1 – إذا إجازته الاتفاقية صراحة وفي حدود ما تجيزه.
إذا سكتت عن حكم التحفظ وقبله كافة الأطراف الآخرين.
10- من المستقر عليه أنه لا يجوز للدولة أن تبدى تحفظًا على نص يجوز التحفظ عليه إذا كانت تسعى لتغيير أو تعديل قواعد القانون الدولي التي لم تتأسس على المعاهدة التي ورد التحفظ عليها، ولكنها تستند إلى معاهدة أخرى أو إلى قواعد القانون الدولي العرفي. فقواعد القانون الدولي العرق مثلاً لا يجوز استبعادها من جانب واحد بالتحفظ على معاهدة جماعية أو متعددة الأطراف، ففي قضية الإفريز القاري لبحر الشمال، بعد أن قررت محكمة العدل الدولية أنه بصفة عامة يجوز التحفظ على القواعد الاتفاقية البحتة، ذكرت المحكمة أن الوضع يختلف بالنسبة لقواعد القانون الدولي العرفي، ذهبت إلى“على أن هذا لا يمكن أن يتحقق في حالة قواعد والتزامات القانون العامة أو العرفية التي بسبب طبيعتها الخاصة يجب أن تكون لها قوة متساوية بالنسبة لكل أعضاء الجماعة الدولية، ولهذا لا يمكن أن تخضع لأى حق من حقوق الاستبعاد من جانب واحد، الذي يمارسه أى عضو من أعضاء الجماعة الدولية بمحض إرادته لصالحه” أي أن المحكمة قد قررت وبوضوح أن القواعد التي يقررها القانون الدولي العرفي لا يمكن استبعادها من جانب واحد عن طريق التحفظ.
11- أنظر عبد الغني ص ٦٥ – ٦٨
12- عبد الغني ص 70
13- عبد الغني ص 71
14- عبد الغني ص 113 – 120
15 عبد الغني ص 102 – 103
16 عبد الغني ص 103 – 104
17 عبد الغني ص ١٢٣
18 عبد الغني ص ١٢٣
19- لعله من المفيد هنا إيراد الصيغة الإنجليزية للتحفظين: حيث جرى التحفظ على (سيداو) على النحو التالي:
“The Arab Republic of Egypt is willing to comply with the content of this article، provided that such compliance does not run counter to the Islamic Sharia.”
بينما جاء التحفظ على العهدين كما يلى:
“… [T]aking into consideration the provision of the Islamic Sharia and the fact that they do not conflict with the text annexed to the instrument، we accept، support and ratify it.”
-20 ووفقًا لقانون الأحوال الشخصية المصرى (مادة ٢٨٠ من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية) على القاضي أن يحكم فى النزاع المطروح أمامه وفقًا للراجح من المذهب الحنفي، وذلك إذا لم يجد نصًا في القانون الوضعي، وهو النص الذى طبق فى قضية التفريق بين د/ نصر أبو زيد وزوجته بناء على طلب أشخاص لا صلة لهم بطرفي علاقة الزوجية
21- كمثال أنظر حكم الدائرة الأولى (منازعات أفراد) من محكمة القضاء الإدارى الصادر بجلسة 30/ 6/ 1998 فى الدعوى رقم ٣٥١١ لسنة ٤٨ قضائية، حيث استعرض الحكم نص المادة ٤٠ من الدستور وركز على المادة التاسعة منه التي تنص على أن الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة على الحفاظ على الطابع الأصيل للأسرة المصرية وما يتمثل فيه من قيم وتقاليد، مع تأكيد هذا الطابع وتنميته فى العلاقات داخل المجتمع المصرى وذهبت المحكمة استنادًا إلى هذه المادة إلى أن“الطابع الأصيل للأسرة المصرية مسلمة كانت أو مسيحية يقوم على قوامة الرجل على زوجته وولايته عليها فهو رب الأسرة الذى يرعى شئونها ويحافظ عليها وإليه ينسب أولاده له ويحملون جنسيته” وهو حكم غير منشور.
22- هناك حالة يصعب إدراجها تحت التمييز وفقًا للتعريف الوارد فى المادة الأولى من الاتفاقية، على اعتبار أن هذه الحالة في جوهرها تمثل تفضيل لفئة نسائية على فئة من ذات النوع، ومن ثم تدخل تحت مفهوم المساواة بمعناها الشامل، ومع كل لعله من المفيد الإشارة إليها، لاستكمال جوانب الموضوع، حيث أن بعض جوانبه قد تتضمن أشكال تمييزية مستندة إلى الجنوسة، ومضمرة.
فهذه المادة تشترط علاوة على ما جاء فى المتن شروط إضافية خاصة باستحقاق الأرملة لمعاش أن يكون عقد زواجها قد تم قبل بلوغ المؤمن عليه أو صاحب المعاش سن الستين. وهذا الشرط قد يعكس فى حقيقة الأمر نظرة إلى المرأة باعتبارها كائن لعوب وجشع يسعى لاقتناص أموال الرجال كبار السن بإغرائهم، مثلما قد يعكس نظرة إلى الرجل باعتباره ما جن، لكن بغض النظر عن دلالة هذا فمن يتأثر قانونًا بهذا النص هو المرأة وليس الرجل. وأجازت المادة للأرملة التي تزوجت بعد بلوغ سن الستين اكتساب معاش في إحدى الحالات الآتية: الأرملة التي كان المؤمن عليه أو صاحب المعاش قد طلقها قبل بلوغ سن الستين ثم عقد عليها بعد هذه السن، وإذا كانت الزوجة تبلغ أربعين سنة على الأقل وقت الزواج، بشرط ألا يكون للمؤمن عليه أو لصاحب المعاش زوجة أخرى أو مطلقة مستحقة طلقها رغم إرادتها بعد بلوغه سن الستين وكانت لا تزال على قيد الحياة. وهذا الشرط يتضمن عدة أشكال من صور التمييز: فمن تقل سنها وقت الزواج عن أربعين سنة وتزوجت رجلاً بلغ الستين لا تستحق معاش في كل الأحوال (لم يلاحظ المشروع أن من تقبل هذا النمط من الزواج فى حقيقة الأمر في موقف شديد الضعف وفي حاجة إلى حماية المشرع وليس عقابه)، أما من تجاوزت سن الأربعين وقت الزواج فقد تستحق معاش أو لا تستحقه ويتوقف هذا على سلوك الزوج، حيث من حقه القانوني تعدد الزوجات، فإذا وجدت زوجة سابقة فلا تستحق الزوجة الجديدة التى تزوجت الرجل بعد بلوغ سن الستين أي معاش.
الشروط الخاصة بالمطلقة:
اشترطت المادة عدة شروط لكن يستوقفنا منها الشرط الخاص بأن يكون زواجها بالمؤمن عليه أو صاحب المعاش قد استمر مدة لا تقل عن عشرين سنة اشتراط هذه المدة لا يبدو أن ورائه حكمة معقولة فلا مبرر لها لتعارضه مع مفهوم المعاش التأميني ذاته فالحق فى الحصول على المعاش التأميني لا يتطلب مثل هذا الحد الزمني أو شروط إثبات علاقة الزوجية، حيث أن سبب استحقاق المعاش هو فقدان الشخص للدخل بوفاة عائله، وفقدان المورد لا يتعلق بمدة الزواج ولا دخل له بسن الزوج وقت الزواج، ولا دخل له بسن الزوجة وقت الزواج، كما لا دخل له بصورة الزواج، وإنما يرتبط بالقدرة على المكسب وتوافر إمكانياته الواقعية.
23- من المتفق عليه أن حرية المواطن في التنقل والسفر إلى خارج الوطن تعد واحدة من الحريات الشخصية المكفولة دستوريًا حيث جرى نص المادة 41 على النحو التالي:
“الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر يستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع ويصدر الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة وذلك وفقًا لأحكام القانون“
فهذا النص اعتبر حرية التنقل واحدة من الحريات الشخصية وأكد على أنه لا يجوز منع الشخص من التنقل إلا بأمر يستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع من ناحية ومن ناحية أخرى أكد على أن هذا الأمر يصدر من القاضي المختص أو النيابة العامة. وأورد النص استثناء يجيز التحلل من هذه الشروط وذلك في حالة التلبس.
ويستفاد من هذا النص أن الدستور قد تبنى عدة قيود وضوابط على المشرع مراعاتها عندما يتصدى لسن تشريع منظم للحرية الشخصية وتتفاوت هذه القيود وفقاً لما إذا كان الشخص في حالة تلبس أم لا، وما يهمنا هنا هو حالة كون الشخص في غير حالة التلبس، في هذه الحالة لا يجوز المساس بحريته الشخصية إلا وفقاً للضوابط والقيود التالية:
1 – قيد الغرض من التقييد
أجاز النص المساس بالحرية الشخصية (ومن ضمنها حرية التنقل) وربط هذا الجواز بغرضين محددين مجتمعين هما: ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع؛ ويستفاد ضرورة اجتماع الغرضين معًا من صياغة نص المادة المذكورة، حيث استخدم المشرع الدستوري حرف العطف الواو والذى يفيد التلازم بين الطرفين ليفصح بذلك عن إرادته في ضرورة اجتماع الغرضين معًا لأى تقييد مقبول دستوريًا للحرية الشخصية (ومن ضمنها حرية التنقل). ولو أراد المشرع الدستورى خلاف ذلك لما أعوزته الحاجة في استخدام صياغة أخرى تحقق غرضه؛ كاستخدام حرف أو مثلاً، وبذلك لا يجوز للمشرع عند تنظيمه لحرية التنقل أن يقيدها لغير ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع.
2 – قيد الجهة المختصة بتقييد الحرية الشخصية:
حصر النص الدستورى المشار إليه الجهات التي يحق للمشرع إسناد الاختصاص لها باتخاذ إجراءات أو أوامر تمس الحريات الشخصية في جهتين على سبيل الحصر هما:
أ – القاضي المختص.
ب – النيابة العامة.
فلا يجوز للمشرع أن يسند الاختصاص بالمساس بهذه الحرية إلى غير هاتين الجهتين المحددتين حصرا من قبل المشرع الدستوري، فلا يجوز أن يسنده لنفسه أو للسلطة التنفيذية.
3 – قيد الأداة المنظمة لهذه الحرية:
حدد النص الأداة التشريعية التي أناط بها تنظيم هذه الحرية وحصرها فى القانون ومن ثم لا يجوز لأداة أدنى من القانون تولى هذا الأمر، فلا يجوز تنظيمه بقرار من رئيس الجمهورية أو بقرار وزاري، ويستفاد ذلك المعنى مما ورد بنهاية الفقرة الأولى من م 41 من الدستور حيث نصت على“وفقاً لأحكام القانون” والمقصود بلفظ القانون هنا هو القانون الصادر من السلطة التشريعية أو ما يقوم مقامه (كقرار رئيس الجمهورية بقانون في حالة الضرورة مثلاً)
24- انظر الحكم والطعن رقم 7864/ 51 ق والصادر بجلسة 26/ 12/ 1997 وهو حكم غير منشور.
25- تضمن هذا التنظيم في المواد ٦ – ١٠ من المرسوم بقانون رقم ٢٥ لسنة ۱۹۲۹ ببعض أحكام الأحوال الشخصية.
26- يمكن تلخيص الأسباب المبيحة للزوجة حق طلب الطلاق في : 1- الضرر الذي لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهما ( م6 من ق 29/25)، 2- الزواج بأخرى إذا لحقها ضرر مادي او معنوي يتعذر معه دوام العشرة بين أمثالهما، بشرط اثبات الضرر وألا تكون قد رضيت بذلك صراحة أو ضمنا، ويسقط حقها في طلب التطليق بمضي سنة من تاريخ علمها بالزواج الجديد، ويتجدد هذا الحق كلما تزوج بأخرى، وهذا الحق يمتد للزوجة الجديدةإذا كانت لا تعلم بزواجه السابق(م 11 مكررا كمن ق 29/25)، 3- غيبة الزوج سنة فأكثر (م 12 من ق 29/25) أو إذا صدر ضده حكم نهائي بعقوبة مقيدة للحرية مدة ثلاث سنين فأكثر، فلها طلب التطليق بعد مضي سنة من حبسه (م14 من ق 29/25) 4- العجز عن اﻷنفاق (م4,6 من ق 20/25) وهذا التطليق يقع رجعيا أي للزوج أ، يراجع زوجته خلال العدة بإرادته المنفردة 5- إذا وجدت به عيب مستحككم لا يمكن البرء منه أو يمكن بعد زمن طويل ولا يمكنها المقام معه إلا بضرر سواء كان ذلك العيب بالزوج قبل العقد ولم تعلم به، أم حدث بعد العقد ولم ترض به، ويسقط حقها في طلب التطليق إذا علمت بالعيب، أو رضيت به صراحة أو دلالة (م 9 من ق 1920/25)
27- اعتمدنا في هذا الجزء على الزوجة العاملة والحقوق الزوجية – عبد الوهاب البندارى – ١٩٦٩م
28- هذا التعبير لا يستبعة صور الفظاظة الأخرى التي حفل بها الفقه الاسلامي كإغتصاب الزوجة أو أسرها حيث لم يضيف شرط أن يكون ذلك بفعلها.
-29 جاد ص ۸۸
30- جاد ص 93
31 جاد ص ١٠٣ – ١٠٤
32- مجلة الهلال العدد رقم أكتوبر ۱۹۹۹ ص
33- انظر حقوق المرأة في القانون الدولى العام والشريعة الإسلامية – دكتور عبد الغنى محمود – الطبعة الأولى ۱۹۹۱
34- جاد من ٣٣ – ٣٥
35- انظر من ١٢٥ وما بعدها من دراسة وضع المرأة فى ضوء الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة – منى ذو الفقار – من كتاب الوعي القانون للمرأة المصرية – أحمد عبد الله (محرر) – القاهرة – 1995 – امديست.
36- المرأة والانتخابات المحلية ١٩٩٧ – د/ جلال عبد الله معوض، د/ هدى ميتكيس – القاهرة – ١٩٩٧
37- انظر ص 7 – 8″نحو فقه جديد –” أ/ جمال البنا – دار الفكر الإسلامي – القاهرة – ۱۹۹٦ – مع ملاحظة أن التشديد من وضعنا
38- تحديد الفكر الإسلامي – محمد اقبال – ص ۱۹۳
39 المرأة المسلمة بين تعزيز القرآن وتقييد الفقهاء – جمال البنا – القاهرة الفكر الإسلامي