مدخل: الحقيقة ملكا للجميع
قدمت الدراسات الإعلامية العديد من النظريات المعنية بالتسويق والترويج الإعلامي، ومنها ما أشار إلى ما أحدثته شبكات التواصل الاجتماعي ومن قبلها المدونات من قفزة ثورية تخص نشر الأفكار والآراء، غير أن تجربة المدونات وشبكات التواصل الاجتماعي قدمت نقلة نوعية ليست فقط على صعيد التسويق أو الترويج وإنما الأهم على صعيد التمكين من حرية التعبير، والحشد والتعبئة على قضايا تخص التغيير الاجتماعي في المقام الأول.
حيث حظا العنف ضد النساء بنصيب متفاوت من اهتمام عدد من المدونات وحملات التواصل الاجتماعي، ساهم بشكل كبير في خلق قضايا رأي عام، وفضح المسكوت عنه من قضايا مجتمعية. ويعد أكثر ما ساهمت به المدونات وشبكات التواصل الاجتماعي هو كسر احتكار الحقيقة، واقتصارها على مصادر محددة، فلم يعد نشر أي رواية أو حقائق حكر على الدولة وحدها، وإنما هناك مساحة كبيرة وواسعة يمكن للمواطنين من الجنسين التشارك في نقل الحقائق والآراء حول ما يشغل الهم العام.
وربما مصطلح ”إعلام المواطن“ هو أفضل ما أطلق على التواصل والإعلام الإلكتروني، حيث تتجلى مشاركة المواطنين والمواطنات وتحديدا الشباب من الجنسين في تدوير الحقائق والكشف عن البعد المفقود أو الغائب عن الرواية الرسمية، والأهم خلق مساحة حرة من التعبير عن الرأي في قراءة الأحداث وتفسيرها بلا قيود، بلا رقابة.
ولم يكن المكسب الوحيد من إعلام المدونات وشبكات التواصل الاجتماعي هو فقط كسر احتكار الدولة للحقيقة واقتناص مساحات لحرية تعبير المواطنين من الجنسين وإنما أيضا جاء كمحاولة مؤثرة في تقليص مساحة إعلام رجال الأعمال بكل انحيازه الاقتصادي والاجتماعي والسياسي أيضا، فلا يمكننا أن نتجاهل محتوى عديد من المدونات وحملات التواصل الاجتماعي التى اهتمت بقضايا المستبعدين والمهمشين من الجنسين، فلم يسهم في فتح الحوار والتداول على ملفات التعذيب والحركات العمالية والاعتصامات والوقفات أي نوافذ إعلامية رسمية أو خاصة بقدر ما ساهمت مدونات الشباب وشبكات التواصل الاجتماعي.
من المهم أن نلفت النظر لما ساهمت به حركة التدوين وشبكات التواصل ليس فقط في فتح منافذ التعبير وإنما في قراءة إسهامها في ضوء السياقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي واكبت فترة ازدهارها، وبنسبة ملحوظة لا يمكن اقتناص حركة التدوين وتألقها بعيدا عن رصد مساحة من الانفتاح السياسي الذي زامنها، حيث تألقت المدونات في العمل والتعبير عن الآراء السياسية في الخمس سنوات الأخيرة قبل الثورة من ٢٠٠٥ إلى ٢٠١٠ وهو أوج نشاط وتجلي حركة كفاية في العمل السياسي، كما يمكننا التأمل في بدايات حركة ٦ ابريل، وهي حركة تدوين في الأساس، وانشغلت بالهم العمالي واعتبرت اضراب المحلة قاطرة الحركة الرئيسية، وجاء أوج تجليتها في الدعوة للإضراب، والتي ورغم صعوبة قياس مدى استجابة الناس له، لكنه حقق تواجد ملموس وانتشار للدعوة، واستجابة على صعيد الحركة العمالية في مدينة إقليمية كالمحلة الكبرى بعيدا عن العاصمة صاحبة نصيب الأسد في الحراك السياسي.
وحينها ظهر ليس فقط مدونين من الشباب وإنما ظهرت ايضا مدونات لفتيات اهتممن بالعمل العام والسياسي تحديدا، وهو بكل المقاييس قفزة في تملك النساء حقهن في التعبير في القضايا العامة، وبداية جذرية للدفع بقضايا نسائية بشكل لاحق لاحق على الساحة السياسية، وبدء انتقال الاهتمام بالتمييز ضد النساء للمدونين الشباب والمجتمع الاليكتروني اليقظ المعنى بإحداث التغيير. وربما تكون مدونة” نوارة نجم“”جبهة التهييس الشعبية” وتدويناتها أحد أهم المحطات المهمة لرصد كتابة النساء والفتيات في الهموم العامة.
ولكن يعنينا أيضا أن نلفت النظر أن حركة التدوين التي تألقت في الخمس سنوات الأخيرة قبل ٢٠١٠، افتقدت وبقدر ملحوظ اهتمام متكافئ بالحقوق الاجتماعية بشكل عام وبشكل خاص للنساء، فالهم الأساسي الذي هيمن على كتابات المدونين من الجنسين هو الشأن السياسي سواء الوضع السياسي القومي أو الوضع السياسي الإقليمي حيث احتلت مناهضة التوريث والتمديد إضافة للقضية الفلسطينية والانتفاضة الثانية قدرا من الصدارة من كتابات المدونات كما جاءت مقاومة حزب الله موضوعًا لكتابات العديد من المدونات، حتى تناول قضايا العمال جاء في سياق سياسي يدعو للتغيير، وفي المقابل ندر التدوين عن التعليم والصحة رغم أن الحقوق الاجتماعية في قلب القضايا السياسية العامة ومساحة خصبة للتحريض على مطالب التغيير، ولكن جاء مناهضة التوريث والتمديد والسياسات العربية بمثابة المطلب الرئيسي لحركة التدوين من الجنسين قبل ٢٠١١.
كلنا ليلى كانت بداية نور في التدوين عن النساء من مدونات شابات ولكن لحقهم أيضا كتابات من مدونين شباب، حيث تطورت حملة تدوين كلنا ليلى لموضوع حيوي وجاذب للتدوين للجنسين ليس فقط للمدونين المصريين وإنما شارك فيها مدونين عرب أيضا.
وحسب أحد تدوينات“لست أدري“، جاءت حملة تدوين ”كلنا ليلى“ لتوصيل رسالة من المدونات الفتيات ”احنا هنا“، كمحاولة منهن للفت انتباه حركة التدوين أن هناك فرص وواقع من المساواة بين الجنسين في حركة التدوين، وهناك حق منقوص للنساء في حرية التعبير جاءت ”كلنا ليلى“ للكشف عنه، وتمكين التدوينات الشابة من الجنسين للنظر فيه، وإقراره، والمشاركة في إتاحة فرصة من التعبير حول قضايا مسكوت عنها للنساء.
وربما جاءت آخر حملات ”كلنا ليلى“ في عام ٢٠١٠، وهو العام الذي شهد نهاية نشاط حركة التدوين ونجاحها أيضا ففي ٢٠١١ احتشدت الميادين بعيدا عن واقع افتراضي من المعارضة للمطالبة بالتغيير، ولكن آخر تدوينات كلنا ليلى في ٢٠١٠ يأخذ منحى مختلف ومتنوع عن مجرد التدوين فقد كان دعوة للاستبيان للكتابة أو رصد واقع العلاقة بين الرجل والمرأة، وهو المدخل المباشر والحيوي لبدء الحديث عن الأبوية والذكورة والتنميط وخلل المساواة بين الجنسين. كما تعد محاولة لخروج حيز التواصل خارج الواقع الافتراضي، ومحاولة لإشراك من هم خارج مجتمع التدوين لمن داخله والعكس.
وتعد واقعة ”السعار الجنسي“ حول ما حدث لدينا الراقصة في افتتاح فيلم العيد في ٢٠٠٦ ”عليا الطرب بالثلاثة“ هو أول بدايات التدوين عن حالات الاعتداء والعنف الجنسي، وتناولها عدد من المدونات ربما يكون أولها مدونة الوعي المصري، حيث حدث حالة تحرش جماعي بعد قيام فنانة الرقص دينا بافتتاح فيلمها في سينما مترو عام ٢٠٠٦ وما تلى الافتتاح من هجوم عليها وتعرضها لمحاولة اعتداء جماعي، وهناك عديد من التدوينات عرفت ما تم أمام سينما مترو ”بالسعار الجنس“.
ورصدت عديد من المدونات ما حدث في شوارع وسط البلد، و أطلقوا عليه ”هزة وسط البلد“ وتعد هذه التدوينات بمثابة شرارة ضوء في بدء انتقال قضايا العنف الجنسي وتحديدا التحرش من حيز المسكوت عنه لحيز الرصد والإعلام والحديث حوله، وأيضا تكوين نواة من الشباب من الجنسين يدرك تمام أن هذه الوقائع تحدث ويجب التصدي لها، ”ماذا حدث بالضبط في وسط البلد بالقاهرة، هزة وسط في نص الشارع كادت أن تؤدي بأحداث غريبة“.
وجدير بالرصد أيضا، أنه كان لمدونة ”ما بدا لي“ للمدون عمرو عزت دور لافت في تبني حالة ”هبة نجيب“ صاحبة مدونة ”منحدرات هبة“، وهبة هي فتاة مصرية من أسرة مقيمة في السعودية، تعرضت للاعتقال والحبس من أسرتها، وطالبت بقدومها لمصر أملا في التمكن من حياة تناول بها قدرا من الحرية والفرص في العمل والتعلم، وكان ”لما بدا لي“ دور لافت في هذه القضية والتعريف بها.
وتعد حالة هبة نجيب من أكثر الحالات تمثيلا لواقع الفتاة المصرية في أسر محافظة أو متزمتة، وحسب سرد ومتابعة الحالة فقد تعرضت هبة لأشكال مختلفة من العنف والقسر، وجاء قدومها إلى مصر عقب تدخل جهات رسمية رفيعة استطاعت أن توفر لها الحماية، وحسب حيثيات عديدة غير مكشوف عنها، غير أنها في جميع الأحوال كانت موضوعًا لمدون ومدونة، واستطاعت أن تصل للقاهرة آمنه بحركة ضغط قادها مدونين في الأساس.
مدونة واحدة مصرية: إلقاء الضوء على لممارسات العنف ضد النساء في المجال العام (التحرش وواقعة الأربعاء الأسود)
مدونة بنت مصرية مدونة مهتمة بالشأن العام بشكل متنوع، وهي نموذج لتجربة التدوين لفتيات مصريات انشغلن بالتعبير عن آرائهن في أحداث سياسية سواء ما قبل الثورة وما بعدها، كما عملت المدونة على إلقاء الضوء على عديد من المعوقات والموروثات الاجتماعية التي تواجه الفتيات تحديدا، وقد جاءت لها تدوينة حديثة عن التحرش في الموالد والمناطق المزدحمة في أغسطس ٢٠١٤ بعنوان ”منابر التحرش“، كما كان لها تدوينة متميزة عن ”هوس السلفيين بالمرأة“ في ٢٠١٣ ألقت فيها الضوء على تناول السلفيين لمكانة المرأة في الانتخابات وطرق التعبير عنها. كما تبنت النشر والدعوة لدعم حملات عربية لتمكين النساء في المنطقة وخاصة فيما يتعلق بقضايا الأحوال الشخصية وتعديل قوانين الأسرة في الدول العربية بتدوينة خاصة بعنوان ”نداء من أجل كرامة ومساواة النساء العربيات“، كما كانت لها تدوينة هامة لإحياء ذكرى أحداث الأربعاء الأسود بعنوان ”فين حق كل بنت مصرية“ والتي تحدثت فيها إنها لم تدون من قبل باعتبارها فتاة مصرية وأن ما بعد أحداث في الأربعاء الأسود دفع بها للتفكير فيما يلحق الفتيات الناشطات تحديدا من نظرة المجتمع والشرطة لأجسادهن.
الحرملك مدونة نسوية بامتياز، وربما تكون هي ومدونة بهية من أكثر المدونات التي تبنت قضايا النساء من منظور نسوي ثائر، الحرملك بدأت التدوين في ٢٠٠٥ مع بداية حركة المدونات عامة، ولكن الغريب أن هذه المدونة أخذت منحى مختلف عن المزاج العام والمباشر للمدونات الأخرى والتي انشغلت بشكل كبير بالتدوين عن القضايا السياسية.
وهي مدونة تناولت العديد من القضايا المسكوت عنها، وربما اختيار اسمها ”الحرملك“ جاء ليعبر عن مكانة ووضع النساء المهمش وانتهاك حقوق النساء، وفي ٢٠٠٥ دونت الحرملك قرابة ١٦ تدوينة عن قضايا تتعلق بالعنف الجنسي والتنميط بشكل مختلف ومتنوع، كالختان في تدوينة ”وقالت ليلى“، الصور النمطية في تدوينة ”امتدحه فقال“، و عن الحيض بتدوينه ”مأساة صغيرة“ وغيرها مئات التدوينات من ٢٠٠٥ وحتى ٢٠١٠، وجاءت آخر تدويناتها بعنوان ”النهضة الفكرية“ عن ضرورة النظر برؤية مختلفة للفتاة، وإحداث ثورة في واقع الرؤى النمطية التي تعمل على ممارسة التمييز وتستبيح العنف ضد النساء، وجميعها اشتبكت معها المدونة من منظور نسوي، كما ربطت عديد من تدويناتها بين العنف والتمييز في المجال الخاص ومثيله في المجال العام وخاصة في الحراك السياسي.
وتأتي مدونة بهية كأحد المدونات المتخصصة في إلقاء الضوء عن قضايا النساء، ورغم تعثر تفعيل الرابط بعد ٢٠١١، إلا أن مدونة بهية لا تنسى، وربما يحضرنا ما كتبه عنها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل حول تدوينات بهية وأهميتها، ومدونة بهية تعد نموذج شبيه ومقارب من مدونة الحرملك وإن كانت بأسلوب مختلف، بهية تناولت قضايا النساء والعنف والتمييز بأسلوب أقرب الصياغة الأنيقة المقبولة اجتماعية وإن كانت تميزت بالانفتاح مقارنة بالحرملك أيضا وتناولت عديد من القضايا المسكوت عنها في واقع المرأة وخاصة العنف الأسري وقضايا الأحوال الشخصية.
وفي تصور كاتبة السطور، أن عديد من المدونين بعد ثورة يناير، ونجاح الزخم والحركة الجماهيرية، تصور أن مهمة التدوين قد انتهت وحققت الهدف منها، فالرسالة وصلت، والجماهير استنفرت، والحراك تم، إضافة إلى أن الهدف من التدوين هو تغيير الواقع والانتقال لحقيقة غير افتراضية، وهو ما قد يفسر بنسبة توقف نشاط التدوين إلا لبعض قليل من المدونين من الجنسين. وربما يرجع توقف الحركة إلى تدخلات التقنية الجديدة والمتعددة كالفيس بوك، وتويتر وغيره من وسائل متعددة من التواصل الاجتماعي.
لا يستطيع أحد أن يغفل دور صفحة كلنا خالد على فيس بوك، وكيف استطاعت بنجاح ملفت أن تدعو وتحشد الجماهير للاحتجاج والتظاهر في ٢٥ يناير، وربما تعتبر صفحة كلنا خالد بمثابة نقلة نوعية من المدونات إلى شبكات التواصل الاجتماعي وتحديدا فيس بوك.
دعت الصفحة للاحتجاج عقب واقعة تعذيب حتى الموت لأحد الشباب وهو ”خالد سعيد“، وتأسد الداخلية ومنهجية التعذيب والقتل هو أحد الأسباب الرئيسية لاجتياح حالة الغضب العامة، والدعوة لاحتجاج شعبي، وبرغم من نجاح الصفحة للدعوة للاحتجاج وتثوير المتابعين لها لأسباب أولها التعذيب وتلوث مياه الشرب وسوء خدمات التعليم والفقر وتزوير انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، إلا أنها أبدا لم تتعرض لتدني أوضاع المرأة سواء الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي، واحتفظت بنمط من اللغة في الخطاب المتابعين لا يستهدف من بعيد أو قريب النساء، رغم حاجة الزخم والحشد للجنسين على أرضية المواطنة.
إلا أنه سرعان ما أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي ساحة للثوار من الجنسين، وتجاوزت الدعوة والحشد حدود صفحة كلنا خالد، وأدرك الجميع انه بإمكانه أن يشارك في التعبئة ونقل رسالة الثورة والتغيير باختلاف مضامينها، وتكثفت الصفحات الشخصية والعامة الداعية للثورة والاحتشاد، وتزايدت وتيرة تصوير الفيديوهات والنقل والبث المباشر، ونقل شبكات التواصل للميدان وليس العكس كتجربة ”تويت ندوة مثلا“، والتي عقدت مرات عدة بالميادين، ولكن وبرغم من الزخم الشاب، وحالة التوحد مع الثورة وتبني حقيقي لمطالب الثورة، إلا أن مرات انعقاد تويت ندوة لم تتناول في نقاشاتها أي من قضايا المساواة بين الجنسين، رغم أن العدالة والمساواة المطلقة كانت موضوع الثورة الرئيسي.
ورغم وجود نماذج من الشباب التقدمي من الجنسين قائمين على تنسيقها. إلا أن ”تويت ندوة“ لم تتعرض مثلا للوقائع المسكوت عنها في الميدان، كحالات التحرش سواء فردية أو جماعية، كما لم تخصص ولو لاحقا وبعد تنامي حالات الاعتداء الجماعي أحد فاعليتها حول حدوث هذه الحالات، أو ضرورة مشاركتهم في مجموعات التدخل والحماية أثناء التظاهر وغيرها.
وإلى حد بعيد اعتبر فيس بوك وتغريدات تويتر بمثابة كشاف عن بعض وقائع الاعتداء الجنسي بالتحرير للبعض الذي استطاع أن يوثق شهادته حول حوادث التحرش والاعتداء الجنسي الجماعي سواء في الميدان أو في الشوارع المحيطة في الميدان، ومن الهام أن نشير أو أول واقعة اعتداء جماعي كانت مع إحدى الصحفيات الوافدات عقب إعلان التخلي، وحينها تردد خبر الاعتداء عن خجل في شبكات التواصل لحين أن نشر رسميا على مواقع محطات أجنية مثل CBC، أو CNN. وفي ظن الباحثة أن الاعتراف بمثل هذه الواقع قابل قدر كبير من الإنكار سواء من الثوار أو من المجتمع، كما لم تخلو ردود الأفعال من التوظيف السياسي سواء كانت ثائرة أو مناهضة لأحداث التحرير، وبعدها توارى الحديث مجددا عن واقعة الاعتداء الجماعي للصحفية رغم فداحة شهادتها.
ولاحقا استطاع عدد ملحوظ من الناجيات كتابة شهاداتهن عن وقائع الاعتداء الجماعي بميدان التحرير، وأصبحت شبكات التواصل الاجتماعي بمثابة كشاف نور للكشف عن حالات مسكوت عنها، وتزايدت مرات النشر، وربما كانت شهادة ياسمين البرماوي التي جاءت بالحروف الأولى فقط حينها ونشرها على بروفيل الصحفي محمد خير هي بداية لإدراك الخطر والاعتراف بما يحدث، وتحفيز ناجيات أخريات على الحديث عن المسكوت عنه، وتجاوز حالة الإنكار قليلا وإن استمرت حالة العجز أمام هذه الأحداث.
ولم تكن منظمات المجتمع المدني وتحديدا النسوية بعيدة عن الميدان أو بعيدة عن شبكات التواصل الاجتماعي فقد عمل كل من النديم ونظرة والمرأة الجديدة على توثيق مزيد من الشهادات المنشورة على شبكات التواصل إضافة للتغريدات الصغيرة ونشر ملف يجمع لا يزيد عن ٣٠ حالة من الاعتداءات الجماعية تم جمعها من شبكات التواصل بشكل أساسي.
واستمرت حالة الحراك لما بعد وصول الإخوان للحكم، وكان لاعتصام الاتحادية زخم بارز في شبكات التواصل الاجتماعي، حيث تنوعت أشكال العنف الموجهة للنساء المشاركات في العمل السياسي، وربما تأتي صورة صفع شاهندة مقلد وتداولها على شبكات التواصل كان أحد الحالات الأبرز في لفت نظر المتابعين لانتهاج العنف الجسدي ضد النساء، واستنفار الدعوة لاتخاذ موقف من اعتداءات الإخوان، كما جاءت واقعة الاعتداء على علا شهبة وشهادات نقل الأحداث، وشهادة علا نفسها مع يسري فوده بتعرضها لتحرش جماعي والضرب وتداول الشهادات جاء بمثابة تأكيد عن حدوث وقائع الاعتداء الجماعي للنساء تحديدا في فترات انتقالية سابقة من عمر الثورة، سواء في فترة ما بعد التخلي مباشرة لفترة المجلس العسكري، وتباعا مع حكم الإخوان.
وبرغم مما حظى به الوضع السياسي الحالي من دعم شعبي واسع في بداية التنصيب والوصول للحكم، إلا ان هذا لم يمنع أو يحمي من تعرض إحدى السيدات المحتفلات بميدان التحرير لواقعة اعتداء جماعي وتدخل الشرطة هذه المرة، ونقل فيديوهات حية عن محاولات تخليص وحماية الحالة، وبطولة رجال الشرطة، كلها وقائع نقلت في الأساس عن طريق شبكات التواصل، وساهمت في الاعتراف بحدوث هذه الجرائم، وتقبل ونشر التوعية بما يمكن اتخاذه من تدخلات، والأهم الضغط على مستوى التدخل السياسي العام.
وتباعا انتشرت وانطلقت العديد من الحملات الإلكترونية لتوعية المتابعين لأهمية وضرورة التصدي لواقع العنف ضد المرأة، ونال التحرش الجنسي في الشارع والمواصلات نصيبًا وافرًا من الدعوة للتدوين وتخصيص الأوسمة الصغيرة.
واللافت للنظر أن الدعوة للتعريف بالعنف تجاوزت حدود الأشكال الأكثر انتشارا في المجتمع كالتحرش مثلا، بل تناولت أيضا تحرش ذوي القربى، والعنف المنزلي، والتحرش في أماكن العمل، وضرب الفتيات، وتزايدت الأوسمة الصغيرة في كشف وفضح أشكال متنوعة من العنف ضد النساء، ومنها #التحرش_انتشر_ليه، #أول_مرة_تحرش، وأوسمة تناولت حالات من الناجيات محددة مثل #أنا_سمية، ومؤخرا الوسم العالمي #Me_too والذي فضح تورط عدد كبير من الشخصيات العامة العالمية في وقائع تحرش.
وحاليا ونحن نستدعي كافة الإطراف والقواعد الجماهيرية الواسعة لاتخاذ موقف من العنف، يوجد موجة ضخمة من الحملات الإلكترونية التي تعمل على الدعوة لوقف العنف ومنها، كما لا يمكننا أن نتغافل حتى وجود عديد من الصفحات المهتمة بشكل أساسي بفضح المتحرش، أو نشر ملف بأسماء شخصيات عامة ورفاق صداقة تورطوا في التحرش والعنف ضد النساء، وكلها مؤشرات تفيد أن مواجهة العنف لم يعد موضوع المدافعات عن حقوق النساء وحدهن وإنما موضوع لقطاع أعرض وأكبر يتفاوت إدراكه لأشكال العنف وأفضل التدخلات الممكنة، لكن هذا القطاع يأخذ في التنامي كما يأخذ من شبكات التواصل مساحة رحبة للتعبير عن جهوده للتعريف بالعنف ومناهضته.
وحاليا تتواجد أكثر من حملة إلكترونية سواء لمبادرات أو لمنظمات للتعريف بالعنف ووقفه، كحملة جوة البيت، وحملة قانون يجرم العنف الأسري، وحملة متجبرونيش للزواج المبكر، وتعليم بالعنف وغيرها والتي تملأ الصفحات العامة والخاصة لمناهضة العنف.
وربما يعنينا في النهاية أن نكشف بتجلي على الدور الإيجابي والمحمود التي تقوم به التكنولوجيا الحديثة في تمكين الجنسين وخاصة النساء من التعبير عن أنفسهن فيما يخص وقف العنف إلا أن هناك عديد من التحديات التي تواجه سبل الوصول لتكنولوجيا آمنة ليس فقط من التحرش الجنسي ولكن أيضا آمنة من التتبع الأمني والاختراق.
نشر وسائل التكنولوجيا الرخيصة، وتمكين الفتيات منها ودعم الحق في التعبير.
الاهتمام بتوثيق تجارب الكتابة والتدوين للفتيات على شبكات التواصل الاجتماعي.
توفير التدريبات المتنوعة والمستدامة حول التعبير الإلكتروني والنشر والأمان الرقمي.
تجاوز معوقات اللغة العامية أو اللغات الأجنبية والمحلية، وتيسير أعمال الترجمة السريعة، وتضمينها في التدوين.
تتبع وتجميع الهاش تاج وتوفير قراءات تحليلية، تثري أدبيات مواجهة العنف، وتوسع من مساحات التواصل.