قوانين الأحوال الشخصية للمسيحيين دراسة تحليلية نقدية

تاريخ النشر:

2006

اعداد بواسطة:

تقديم

إن هذا العمل الذي نقدمه اليوم هو عمل رائد بكل المقاييس ليس فقط للنزعة العلمية والجدارة البحثية التي تميز فريق العمل الذي قام على إنجازه. ولكن قبل ذلك وبعده لأنه يقدم صورة متكاملة وموضوعية لتطور هذه القوانين، وطبيعة الخلافات والآراء حول تعديلها، وهو ما قد يعطي فرصة نادرة لبدء حوار شفاف حول معالجة أسباب معاناة بعض الأزواج من القوانين السارية المفعول والتي يتم وفقها التعاطي القضائي مع الخلافات الأسرية.

إن هذا البحث لهو بمثابة حجر كبير يلقى بإناة في بركة ماء راكد، وهو ليس أكثر من مقدمة لحوار نرجو له أن يتطور على هدى هذا العرض الموضوعي الذي تتشرف مؤسسة قضايا المرأة المصرية أن تقدمه لكل أبناء أمتنا المتطلعين لمستقبل أفضل وعدالة أكثر.

إننا نتطلع إلى مساهمات من الذين يرون أن بوسعهم المشاركة في الحوار حول القضايا التي يطرحها هذا البحث، وسوف تدعم المؤسسة أي جهة لعرض هذه الأفكار للنقاش سواء عبر مطبوعاتها أو من خلال الندوات وورش العمل التي تنظمها مؤسسة قضايا المرأة المصرية.

مقدمة

ترجع تشريعات المسيحيين في مصر إلى سنة 1902 وهو تاريخ أول تشريع للطائفة الإنجيلية, تلتها تشريعات أخرى خاصة بكل الطوائف الأرثوذكسية وفروع كنائسها، والكاثوليكية وفروع كنائسها أيضاً. كما توالت على مصر عدة مشروعات قوانين لم يجد واحداً منها النور حتى الآن بداية بمشروع عام 1955، وآخر عام 1980، وثالث عام 1998.

وهناك كم هائل ومتراكم من القضايا في محاكم الأحوال الشخصية, وخصصت للمسيحيين دوائر في محاكم الأسرة لا تنظر سوى القضايا الملية، وتصل هذه القضايا الآن إلى بضعة آلاف. ومن المشكلات أمام حل قضايا الأحوال الشخصية ما يرتبط بمواد التشريع واللوائح الخاصة, ومنها ما يرتبط بضرورة الاتساق مع الشريعة العامة للبلاد، وانعكاس ذلك على الكثير من المعضلات القانونية.

وتشير بعض أصابع الاتهام إلى موقف متشدد من الكنيسة باتجاه القضايا التي تواجه وتؤرق الأسرة في الوقت الحالي. كما يوجه اتهام آخر إلى موقف الدولة من التشريع المسيحي، والعلاقة بين السلطة الدينية والكنسية وبين المحاكم وما تتخذه من أحكام.

وتعد هذه الدراسة هامة ورائدة في مجالها حيث لا تقتصر على عرض الأدبيات أو قراءة في نصوص القوانين والتشريعات، بل تهتم بعرض هذه التشريعات على مجموعات من القيادات الدينية والعلمانية، من المتخصصين في مجالات الخدمة المختلفة, وفي المجالات الاجتماعية والقانونية. وقد أكد على هذه الأهمية المشاركين والمشاركات في هذه اللقاءات، إضافة إلى القيادات الدينية الكنسية العليا، واعتبار نتائجها بداية لفتح ملف الأحوال الشخصية للمسيحيين.

تناولت هذه الدراسة مشروع قانون الأحوال الشخصية الموحد للمسيحيين لعام 1998, وذلك في إطار المقارنة مع اللوائح والمجموعات السابقة لاسيما مجموعة 1938 التي مازال معمول بها حتى الآن، والتي تأخذ بها المحاكم عند نظر قضايا الأحوال الشخصية لغير المسلمين. واشتملت المناقشات على عدد كبير من مواد المشروع التي وجدت بها نقاط خلافية، لاسيما ما تناول منها مجالات الزواج، وبطلان عقد الزواج والطلاق, وما تناول أيضًا موضوعات النفقة والحضانة.

ورغم محدودية هذا العمل العلمي، وعدم الوصول إلى أعداد أكبر من القيادات وصنَاع الرأي ومتخذي القرار والعاملين في كل المجالات الكنسية، إلا أنه يعد باكورة لجهود علمية أخرى تضفي المزيد من الفهم لمجال غير مطروق من قبل، تعد هذه الدراسة رائدة فيه. ونأمل أن تؤدي دوراً ولو محدوداً ولكنه مطلوب جداً في إزالة الحالة الضبابية حول قوانين الأحوال الشخصية للمسيحيين في مصر. ويأمل القائمون على هذه الدراسة أن يكون تقريرها وما جاء فيه نواة لمناقشات مستفيضة تتم بين كل فئات المجتمع، وعلى مستوى كل محافظات الجمهورية، وفي كل الكنائس والطوائف, لاسيما ونحن الآن في مرحلة انتقالية يتم فيها استدعاء الجميع للمشاركة بفاعلية في إصلاح مصر، بلد كل المصريين.

تشتمل هذه الدراسة على أربعة جزئيات بالإضافة إلى التقديم. وتتناول الأجزاء الأربعة: مقدمة منهجية، وعرض للوائح المسيحيين في مصر بكل طوائفهم، ثم قراءة تحليلية نقدية لمواد مشروع 1998، وأخيراً يتناول الجزء الرابع مشكلات التطبيق ومقترحات وتوصيات بحلول لبعضها.

والشكر العميق والواجب للرؤساء والقيادات الدينية العليا التي أعطت وضّحت بالوقت اللازم للدراسة، وبفهم وتقدير لقيمة ما يبذل من جهد علمي.

الشكر واجب أيضًا لكل من حضر هذه اللقاءات وعلى رأسهم رجال الدين الأجلاَّء وما أثروا به المناقشات وأناروا به ما التبس على الفهم من الجوانب الإجرائية والدينية، وهم جميعاً وبلا استثناء شخصيات عامة لها كل التقدير والاحترام.

والشكر موفور أيضًا لمنظمي هذه اللقاءات ومقرريها الذين بذلوا جهدًا سخياً ومنظمًا ورائعاً من أجل إخراجها على النحو الذي جاءت به محققة لأهداف الدراسة.

وأخيرًا فإن هيئة البحث تتلقى بقلب وعقل مفتوح كل توجيه يجعل من هذه الدراسة في طبعتها المنقحة محققة بصورة أكبر للهدف منها، متجنبة ومتلافية لأي سوء فهم حدث عن غير قصد.

المشرف على البحث

أ. د. نادية حليم سليمان

 

إشكالية البحث الأساسية:

ظلت المحاكم الشرعية والمجالس الملّية مختصة بنظر مسائل الأحوال الشخصية حتى عام 1955, حين تم إلغاء هذه المجالس، وقرر قانون 462 لسنة 1955 إحالة هذه الدعاوي إلى المحاكم الوطنية، على أن تبقى المسائل التي كانت من اختصاص المحاكم الملية خاضعة لأحكام الشرائع التي كانت تطبقها هذه المجالس قبل إلغائها.

وتقرر مادة (6) من هذا القانون أنه في حال المنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين, والمتحدي الطائفة والملة الذين لهم جهات قضائية ملية منتظمة وقت صدور هذا القانون فتصدر الأحكام في نطاق النظام العام طبقاً لشريعتهم المشار إليها في هذه المادة.

ويعني ذلك أنه إذا لم يتوفر شرطي وجود جهة قضائية منتظمة، واتحاد في ملة وطائفة طرفي النزاع وقت رفع الدعوى أمام القضاء فإن ما يطبق في هذه الحالة هو أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية التي تمثل القانون العام في حكم هذه المسائل. ويعود مصدر هذه الشرائع المطبقة إلى ما وضعته اللجنة المشكلة من أعضاء المجلس الملّي العام للأقباط الأرثوذكس سنة 1938، والذي ظل سارياً حتى سنة 1955، حين ألغى المجلس الملي، ووضع مشروع آخر أقره المجمع المقدس سنة 1955 وقدم إلى وزارة العدل كي تعتمده ولكنه لم يعتمد حتى الآن.

وقد استقر الرأي في القضاء والفقه على اعتبار المصادر السابقة كلها هي المرجع للتعرف على أحكام شريعة الأقباط الأرثوذكس, كما استقر الرأي على عدم الالتزام بمجموعة القواعد في المشروع الخاص بعام 1955 والعودة إلى مجموعة 1938 واعتبارها مرجعاً في الأحكام الصادرة.

وفي عام 1978 بدأت جهود أخرى لإنشاء قانون موحد للأحوال الشخصية للطوائف المسيحية في مصر, حيث اجتمع ممثلي الكنائس المسيحية في مصر أول اجتماع لهم يوم 16/ 6/ 1978 ، ثم توالت الاجتماعات حتى تم إعداد مشروع القانون الموحد الذي وقَّع عليه رؤساء الكنائس المسيحية في مصر جميعاً، وأرسل إلى وزارة العدل عام 1980، حيث أصدر وزير العدل قراراً بتشكيل لجنة من إدارة التشريع بالوزارة لمراجعة المشروع، إلا أن هذا المشروع لم يرسل إلى مجلس الشعب لمناقشته وإقراره.

وبعد مرور ما يقرب من الثماني عشرة سنة دون إقراره فقد عاود قداسة البابا شنودة طلب عقد اجتماعات لممثلي الطوائف، وإعادة قراءة محتوى هذا المشروع، وإجراء التعديلات اللازمة. وقد حدث ذلك بالفعل، وانعقدت اجتماعات في 20/ 1/ 1998، وأيضًا في 28 / 10/ 1998، وفي 15/ 11/ 1998، ثم تشكلت لجنة صياغة نهائية لمشروع القانون، وحتى الآن لم يتم عرضه على مجلس الشعب.

وبعد مرور ما يقرب من سبع سنوات على هذا المشروع، فإن دراسة ما جاء فيه من قبل القيادات الكنسية والشعبية على مستوى الطوائف الثلاث لهي خطوة ربما جاءت متأخرة، ولكنها جهد مطلوب على صعيد التعرف على أكبر قدر ممكن من وجهات النظر، والتوجهات الفكرية والمعرفية حول ما يراه الشعب المسيحي مشبعاً ومحققاً لمتطلباته، وذلك في إطار ما يشهده المجتمع من تغيرات وتحولات اجتماعية واقتصادية وثقافية تطال كل جوانب الحياة لاسيما ما يتعلق بالأسرة.

أهداف الدراسة:

  • تهدف هذه الدراسة إلى مناقشة محتوى مشروع قانون الأحوال الشخصية لعام 1998 ومقارنته بمجموعة 1938، في إطار الوعي بمشكلات الأسرة المصرية الحالية، وأوجه معاناتها، والرغبة في أن لا يكون التشريع في واد ومعاناة الأسرة في واد آخر.

  • كما يهدف إلى توسيع قاعدة من يناقشون ويتفاعلون ويبدون الرأي حتى لو لم يتم استدعاءهم لذلك، فالحديث عن الديمقراطية وممارستها يدعو إلى إعادة النظر في آليات اتخاذ القرار، وأن تتسع مساحة الوعي بأن التعبير عن الرأي هو أضعف الإيمان.

  • إبراز وجهات النظر حول دور التشريع في مواجهة مشكلات الأسرة، وذلك لدى صناع الرأي ومتخذي القرار من رجال الدين والقيادات الكنسية العلمانية.

  • إبراز التباينات في وجهات النظر إن وجدت بين المنتمين إلى كل طائفة (الأرثوذكس، الكاثوليك، الإنجيليين).

  • تسليط الضوء على أهم المشكلات وأكثرها حدة في تطبيق القواعد التشريعية الحالية على قضايا الأحوال الشخصية للمسيحيين.

  • الوصول إلى بعض الإصلاحات التي يرى المجتمع المسيحي ضرورة تحقيقها في مجال قوانين الأحوال الشخصية الخاصة بهم.

مجتمع الدراسة:

  • القيادات الكنسية العليا.

  • صناع الرأي والفكر من رجال الدين والعلمانيين المشتغلين في مجالات الأحوال الشخصية والمشورة، والأسرة والشباب.

المنهج المستخدم ومصادر المادة:

اعتمدت هذه الدراسة على:

1 . الأدبيات المتاحة في موضوع الدراسة.

2 . مناقشات بؤرية روعى في اختيار المشاركين فيها التنوع الذي شمل شخصيات (من الرجال والنساء) لها عطاء في مجالات الأحوال الشخصية، والعلاقات الأسرية (رعويًا، واجتماعيًا، وإعلامياً، وقانونيًا)، هذا بالإضافة إلى رجال الدين بالضرورة.

الأدوات:

تم إعداد دليل احتوى على المجالات والمحاور الأساسية للمناقشة, روعي فيه أن يتسم بالمرونة الكافية التي تسمح لقبول الأسئلة التي تسمى (الأسئلة بنت لحظتها), والاسترسال في بحث أي قضية ذات صلة وثيقة بالموضوع حتى لو لم تكن مدرجة أصلاً بالدليل.

تضمنت المجالات الرئيسية في الدليل ما يلي:

1 – مناقشة أسانيد التشريع في قوانين الأحوال الشخصية للمسيحيين, وأركان الزواج المسيحي.

2 – الأسس التي يرتكن إليها الفكر المسيحي نحو الأسرة.

3 – أهمية وجود قانون موحد للطوائف الثلاثة.

4 – المشكلات التي تواجه الأسرة المسيحية في الوقت الحالي.

5 – الرأي في صياغة ومضمون المواد التي اشتمل عليها مشروع قانون الأحوال الشخصية 1998.

6 – مدى اقتراب مواد هذا المشروع أو ابتعادها عن المأمول تحقيقه.

7 – مقارنة بين ما جاء في هذا المشروع وبين ما سبقه من مجموعات لاسيما مجموعة 1938.

8 – الاقتراحات والرؤى التي يمكن تبنيها والدفاع عنها للخروج من المعضلات التي تواجه قضايا الأحوال الشخصية للمسيحيين في الوقت الحالي.

هذا بالإضافة إلى أسئلة أخرى تم توجيهها إلى المسئولين الدينيين الذين أجريت معهم المقابلات المتعمقة، تناولت:

مشكلات الأسرة، ومقدرة التشريعات الحالية على حلها.

موقف الكنيسة من الأحكام التي تصدرها المحاكم.

مستقبل هذه المشروعات التي تقدم سواء الحالية أو السابقة.

وقد أظهرت المناقشات حول العديد من القضايا وجود اتفاق أحياناً حول بعضها، كما جسّدت اختلافات في الرؤية حول بعضها الآخر، حاول التقرير الحالي أن يبرزها بقدر المستطاع.

إجراءات العمل الميداني:

تم إعداد نسخًا من أغلب المواد التي تضمنها مشروع قانون 1998 توزيعها على المشاركين في كل لقاء. كما تم إرسال المشروع كاملاً إلى المنظمين والمعقبين لكل حلقة نقاشية قبل موعد انعقاد الجلسة بوقت كاف يسمح بقراءته واستيعاب ما جاء به من مواد.

تم عقد ثلاث جلسات مناقشات بؤرية Focus group discusion ,خصصت واحدة منها لكل طائفة, وثلاثة لقاءات متعمقة مع رؤساء دينيين أو مسئولين دينيين كبار.

استغرقت كل جلسة ما بين ثلاثة أربعة ساعات.

حضر كل جلسة ما بين 12- 15 مشاركاً بالإضافة إلى المشرف على البحث والمنظمين والمعقبين والمقررين.

تم تسجيل الحوار على أشرطة (كاسيت)، ثم تفريغها وكتابة تقرير فرعي عن كل مجموعة.

تم أيضًا إعداد تقارير فرعية لما تم من اللقاءات المتعمقة مع الرؤساء الدينيين.

وقد عقد اللقاء الأول مع جناب الفاضل القس صفوت البياضي رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر.

وعقد اللقاء الثاني مع نيافة المطران الأب يوحنا قلته نائب غبطة بطريرك الروم الكاثوليك.

كما كان اللقاء الثالث مع نيافة الأنبا مرقس أسقف إيبارشية شبرا الخيمة وتوابعها.

ويذكر أن اثنان من هذه الشخصيات الكبيرة كانا من بين المشاركين في وضع مشروع القانون محل الدراسة الحالية.

ومن التقارير الفرعية الستة تم إعداد التقرير النهائي للدراسة.

استغرق الإعداد وإجراء هذه المقابلات المتعمقة، والمناقشات البؤرية شهري نوفمبر وديسمبر من عام 2005، وأعد التقرير النهائي في شهر يناير 2006. وتجدر الإشارة هنا إلى الجهد الكبير والمكثّف الذي بذل من أجل إعداد هذه اللقاءات، ومن أجل الحصول على مواعيد يمكن فيها تدبير الوقت اللازم لها مع هذه الشخصيات الدينية الكبرى في غمرة المشاغل الكثيرة لكل منهم.

أولاً المذاهب الثلاثة الكبرى:

تنقسم الديانة المسيحية إلى ثلاثة مذاهب كبرى هي:

الأرثوذكسية.

الكاثوليكية.

والبروتستانتية.

ويندرج تحت المذهب الأرثوذكسي أربعة طوائف هي:

الأقباط.

الأرمن.

الروم.

السريان.

ويندرج تحت المذهب الكاثوليكي سبع طوائف هي:

الأقباط

الأرمن.

الروم.

السريان.

الموارنة.

اللاتين.

الكلدان.

ويضم المذهب البروتستانتي شيعاً متعددة، إلا أنها تأتي جميعاً تحت طائفة واحدة هي الإنجيليين الوطنيين.

ثانيًا: اللوائح التي تخص كل طائفة.

ولهذه الطوائف الثلاث مجموعة أو أكثر من القوانين نذكرها فيما يلي:

مجموعة الارثوذكس

مجموعة قوانين عام 1938 والتي أقرها المجلس الملي العام للأقباط الأرثوذكس.

لائحة الزواج والطلاق والبائنة الصادرة عام 1937 عند الروم الأرثوذكس.

مجموعة صدرت عام 1940 عند الأرمن الأرثوذكس.

مجموعة خاصة طبعت بالقدس عام 1929 للسريان الأرثوذكس.

وبالنسبة للطوائف الكاثوليكية:

أصدر البابا يوحنا بولس الثاني في 18/ 10/ 1990 تقنيناً للقواعد الخاصة بالكاثوليك الشرقيين بصفة عامة، وهو ما يعمل به الآن بدلاً من الإرادة الرسولية التي صدرت عام 1949 لكاثوليك الشرق.

وبالنسبة للمذهب البروتستانتي

فقد تم الاعتراف به في مصر عام 1878، وصدر أمر بتشكيل مجلس ملي له سلطة القضاء في الأحوال الشخصية عام 1902 وتتكون لائحته من 102 مادة.

ومن الجدير بالذكر أن من المسائل التي شملتها هذه المجموعات ما أصبح مهجوراً بعد تدخل المشرع المصري، ووضع قواعد موحدة تطبق على جميع المصريين بصرف النظر عن دياناتهم كمسائل الأهلية, والولاية، والقوامة، والهبة، والوصايا, والمواريث, والمفقود. ومن هذه المسائل أيضًا ما يتعارض مع النظام العام كمسألة التبني.

وسنتعرض لهذه القواعد في مكان آخر حيث أنه من المثير للجدل كثيراً أن يكون من المقرر أن يكون لكل دين شرائعه التي تنظم أحواله الشخصية ورغم ذلك تسّن مثل هذه القواعد التي تتعارض مع المبدأ الأول الذي يعطي الحق لأهل كل دين أن تحكمهم شرائعه؟

ونعود إلى كل مجموعة من القوانين لنعطي عنها فيما يلي بعض التفاصيل:

أ مجموعة عام 1938 للأقباط الأرثوذكس:

أقر المجلس الملي العام هذه اللائحة بجلسته المنعقدة في 5/ 9/ 1938، وعمل بها اعتباراً من 8/ 7/ 1938. وقيل أن هذه اللائحة لم تعرض على المجمع المقدس العام والذي له سلطة التشريع عند الأقباط الأرثوذكس، (في حين أن المجلس الملي العام ليس له سلطة التشريع إلا فيما يتعلق باقتراح تعديل لائحته، ونظم العمل به. إلا أن لائحة 1938 اكتسبت صفة الإلزام باعتبارها عرفاً جرى المجلس الملى العام على تطبيقها، والعرف مصدر للتشريع عند عدم وجود النص التشريعي).

وتشتمل هذه المجموعة على عدة مواد (أرقام 45, 46, 47) تتحدث عن عدة ينبغيات (يجب على الزوج حماية زوجته…, يجب على المرأة طاعة زوجها…, يجب أن تسكن معه وتتبعه أينما سار لتقيم معه في أي محل لائق يختاره لإقامته، وعليها أن تحافظ على ماله، وتقوم على خدمته والعناية بأولاده، وملاحظة شئون بيته).

وهي مجموعة مواد لا تعبر عن طبيعة العلاقات الزوجية بمفاهيم الزمان الذي نعيشه اليوم، فما ينزع المجتمع الحديث إليه هو إنشاء علاقات قائمة على الشركة والتعاون بين اثنين في رعاية المنزل والأبناء, وفي إشباع احتياجات الأسرة، أما هذه المواد فهي تعامل المرأة على أنها تابع ينفق عليها الزوج في مقابل خدمته وتربية أبنائه وملاحظة شنون بيته. وعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار كلمات مثل (تقوم بخدمته) ، و (العناية بأولاده)، (وشئون بيته)، فالبيت والأولاد هنا هما تابعين للزوج، أما الزوجة فهي للخدمة فقط.

والغريب أن تتكرر هذه المواد في مجموعة عام 1998، مع تعديلات بسيطة حيث تتغير الصياغة إلى (العناية بأولادهما)

وتعالج المواد من 50 – 58 أسباب الطلاق وهي (الزنا، والخروج عن الدين، وغياب أحد الزوجين، وثبوت غيبته خمس سنوات, والحكم بعقوبة الأشغال الشاقة، أو الحبس لمدة سبع سنوات, والإصابة بالجنون أو الأمراض المعدية، والاعتداء على حياة الآخر، أو اعتياد الإيذاء الذي يعرّض الصحة للخطر، وسوء السلوك وفساد الأخلاق، وإساءة المعاشرة واستحكام النفور بينهما, والفرقة لمدة ثلاثة سنوات متتالية، ورهبنة الزوجان) وهي أسباب إذا شئنا القول فهي من الاتساع والرحابة إلى الحد الذي يجعلها تستوعب كل ما يمكن أن تعاني منه الأسرة حالياً من مشكلات.

وتعالج مادة (84)، ومادة (85) في مجموعة (138) موضوع الجهاز حيث أنه في مادة (84) هو ملك للمرأة، أما مادة (85) فهي خاصة بالمتاع (وإن كان غير واضح ما هو معنى المتاع). ورغم أن حكم هذه المادة غير واضح، إلا أنها جاءت كما هي في مشروع عام 1998.

وتنص مادة (242) في مجموعة قوانين عام (1938) على حكم الزوجة في ميراث زوجها كحكم الزوج سواء سواء، وهذا حكم تقدمي جداً لم يصل الشارع إلى مثله إلا عام 2005 في التعديلات الخاصة بقانون سنة 2000 عندما أقر حق الزوج في معاش الزوجة.

تقول مجموعة (1938) “إذا تعددت الفروع وكان فروع المورث في درجة واحدة قسمت التركة فيما بينهم أنصبة متساوية لا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى، فإذا ترك المورث ابنًا وبنتًا أخذ كل منهما النصف“.

وتعليقي هنا: إذا كان هذا هو حكم الشرع المسيحي فيما يتعلق بالميراث، فلماذا يتعين على المسيحيين أن تطبق عليهم شريعة لها رؤية أخرى باتجاه الميراث؟ ولماذا يفرض ذلك بينما هناك تشريع خاص بالمسيحيين؟

قانون 1955:

تجدر الإشارة إلى أنه تم إعداد مشروع قانون للأحوال الشخصية لطائفة الأقباط الأرثوذكس بعد صدور القانون 462 لسنة 1955 وافق عليه المجلس الملي للأقباط الأرثوذكس، إلا أن إجراءات إصدار هذا القانون لم تدم, وأطلق عليه تسمية مجموعة 1955, ونظراً لأن هذه المجموعة لم يصدر بها تشريع، ولم تطبقها المجالس الملية، حيث كانت قد ألغيت قبل إعدادها فليس لها قوة العرف، ولذلك فقد استقر قضاء محكمة النقض على عدم إعطائها أية قيمة ملزمة.

مذكرة البابا شنوده الثالث في 18/ 6/ 1996

بشأن شريعة الزوجة الواحدة:

بتاريخ 18/ 6/ 1996 أودع غبطة الباب شنودة الثالث بطريرك الأقباط الأرثوذكس مذكرة أشار فيها إلى ما يلي:

1 . أن نصوصاً قاطعة الثبوت والدلالة تحكم الأقباط الأرثوذكس في مسائل أحوالهم الشخصية من بينها شريعة الزوجة الواحدة، ولا طلاق إلا لعلة الزني، وتلك مسائل حسمتها آيات ثابتة في الإنجيل المقدس.

2. أن الزواج وآثاره لا ينظمها ولا ينبغي أن يحكمها إلا شريعة العقد فيما لا يتعارض مع آيات الإنجيل المقدس نصاً ودلالة، فعقد الزواج ما شرَّع إلا لإثبات ما تم من طقس هو صلاة الإكليل (الشعائر الدينية) في أحضان الكنيسة، وتحت إشرافها وسيطرتها, والذي بدونه لا ينعقد الزواج أصلاً.

3 . أن ما ورد بشأنه نص في آيات الإنجيل المقدس، وما جاء بعقد الزواج, سواء نص عليه أو لم ينظم في لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكسي النافذة اعتباراً من الثامن من يوليه عام 1938 هي أمور لا محل للاجتهاد بشأنها حتى من القائمين على الكنيسة.

4 . بالنسبة لمسألة تحديد سن الحضانة على ضوء ما نصت عليه المادة (139) من قانون (138): أوضح غبطة البابا أن تحديد سن الحضانة يحكم على كل أبناء الوطن الواحد هو أمر أقرب إلى الواقع وهو في نفس الوقت لا يخالف نصاً.

أنه لا مانع لدى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية من تحديد سن حضانة الأطفال بالنسبة إلى جميع المصريين توكيداً لقاعدة المساواة بينهم, وبمراعاة أن بقاء الحاضنة على دينها الذي كانت تدين به وقت ولادة الأطفال يعتبر من الشروط الجوهرية لاستمرار الحضانة.

لائحة الأرمن الأرثوذكس:

طائفة الأرمن الأرثوذكس من أصل أرمني، ورئيسهم الديني يتبع بطرك الأستانة. وفي مصر تتبع الكنيسة الأرمنية أحكام الشريعة الإسلامية في كل المسائل الخارجة عن الزواج والطلاق، أما بالنسبة للزواج والطلاق فتتبع الكنيسة الشرقية. وقد وضع لها تقنين خاص في عام 1940 “قانون الأحوال الشخصية لطائفة الأرمن الأرثوذكس بالقاهرة. وكانت أحكام هذا القانون معمولاً بها قبل إلغاء المجالس الملية, وهو ينظم الزواج وما يتصل به, وفسخه وإجراءاته، والطلاق وآثاره، وإثبات النسب والتبني, والنفقات والسلطة الأبوية، والحضانة.

ويشترك الأرمن الأرثوذكس كما هو الحال لدى الأرثوذكس في اعتبار الزواج سر مقدس، ولهذا لا يمكن أن يتم إلا على يد رجل دين مسموح له بذلك.

تقول مادة (14) “يقام سر الزواج علنًا في الكنيسة بواسطة كاهن من طائفة الأرمن الأرثوذكس مسموح له بذلك من وزارة العدل, ومعين في التصريح الذي يصدره الرئيس الديني.

وتتميز هذه اللائحة بكثرة وتعدد الأسباب التي تقبل لإصدار الأحكام بالطلاق وتتناول هذه الجزئية في اللائحة المواد من مادة (38) إلى مادة (52)، وهذه الأسباب هي: (الزنا, مرور ثلاثة سنوات على إصابة أحد الزوجين بجنون لا يشفى، إذا صدر حكم نهائي بعقوبة مقيدة للحرية لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات، شروع أحد الزوجين في قتل الآخر، إذا ارتد الزوج الآخر عن دينه، إذا أبي أحد الزوجين الاختلاط الزوجي، إذا رفض أحد الزوجين الاتصال الجنسي أثناء الزواج لغير مانع شرعي، إذا قصر أحد الزوجين في واجبات المعونة والنجدة والحماية التي يفرضها الزواج عليه نحو الزوج الآخر، إذا رفض أحد الزوجين معاشرة الآخر ما لم يكن لهذا الرفض مبرر، غياب أحد الزوجين مدة لا تقل عن ثلاث سنوات, إصابة أحد الزوجين بمرض سرّي أثناء الزواج، إذا عمل أحد الزوجين على البقاء في حالة عقم وخاصة عند استخدام وسائل للإجهاض، إذا فسدت أخلاق الزوج أو دفع زوجته إلى الرذيلة بقصد المتاجرة بعفافها، إذا تكرر اعتداء أحد الزوجين على شخص الآخر، أو إذا سلك أحدهما سلوكاً معيباً لا يتفق مع الاحترام الواجب للزوج الآخر ولو لم تكن هناك أدلة على الزني، أو إذا أضرّ أحد الزوجين بالمصالح المالية للزوج الآخر ضررًا بليغًا بسوء القصد, إذا وجد تنافر شديد بين طباع الزوجين يجعل اشتراكهما في المعيشة مستحيلاً).

لائحة الروم الأرثوذكس:

يعتبر الروم الأرثوذكس من سكان الجزء الأوربي من الامبراطورية الرومانية، وتتبع هذه الطائفة الكنيسة اليونانية. وفي مصر صدر لهذه الطائفة لائحة للزواج والطلاق في 15 مارس عام 1937 مكونة من ثلاثين مادة عالجت إنشاء الزواج، وموانعه, وأسباب الطلاق ونتائجه، وقد شملت هذه اللائحة تعديلات في 11 فبراير عام 1950، وكانت هذه اللائحة معمولاً بها قبل إلغاء المجالس الملية.

ومن مواد هذه اللائحة:

مادة (5) وهي تتناول الزواج بين الطوائف يصرح بزواج الأرثوذكس بمسيحي من غير المذهب عندما يأخذ الطرف غير الأرثوذكسي عهداً على نفسه كتابياً بأن يقوم كاهن أرثوذكسي بالمراسم، وأن يتم تعميد وتعليم أولاده حسب المذهب الأرثوذكسي, وأن يكون الاختصاص القضائي للكنيسة الأرثوذكسية في حالة وقوع نزاع بين الزوجين.

وفي أسباب الطلاق: تتناول المواد 6 – 12 أسباب الطلاق وتحددها في: (الزنا، التعدي على الحياة، ترك الآخر عن قصد سيئ مدة ثلاث سنوات، اختفاء الآخر لمدة ثلاث سنوات، الإصابة العقلية أو الأمراض مثل الجذام، عدم مقدرة الآخر على استيفاء غرض الزواج واستمرار ذلك لمدة ثلاث سنوات، إذا حكم على الآخر بالأشغال الشاقة المؤبدة، الارتداد عن الدين المسيحي، إذا تزعزعت الحياة الزوجية بسبب الآخر تزعزعاً يستحيل معه استمرار الحياة الزوجية، إذا لم يجدها الزوج بكراً يوم زواجها، إذا كان الزوج يجتهد في الاعتداء على عفافها فيدفعها إلى الزني، وإذا اتهمها أمام سلطة رسمية أو محكمة بارتكاب الزنا، وجود بعض الأمور التي أحدثت في علاقات الزوجية تعكيراً عظيماً لدرجة أصبح معها من المؤكد أن استمرار الحياة الزوجية لا يمكن أن يحتمله الزوجان).

وتنص مادة (56) على: “يجب على المحكمة المرفوع إليها طلب الطلاق أن تسعى في الإصلاح بين الزوجين ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، ويجب عليها قبل نظر الموضوع أن تؤجل الدعوى للصلح بشرط ألا تزيد مدة التأجيلات على ستة أشهر من تاريخ رفع الدعوى“.

وتشتمل اللائحة على مواد من 93 – 99 لتنظيم عملية التبني.

لائحة السريان الأرثوذكس:

السريان في الأصل أهل سوريا، وكانوا تابعين أولاً لبطريرك الروم في أنطاكية، وبعد انفصال الكنيستين الشرقية والغربية انفصل السريان عن بطريرك الروم وأطلق عليهم اسم اليعاقبة، وبعد فتح العرب الشام تم استقلالهم الديني في البلاد.

وفي مصر كان للسريان في القرون الوسطى علاقات كبيرة عملية ودينية مع الأقباط، وكان لرهبانهم أديرة منها دير مشهور في وادي النطرون مازال موجوداً حتى الآن.

ولا يوجد فرق في العقائد الدينية بين السريان الأرثوذكس والأقباط الأرثوذكس، وربما كانوا تابعين في القضاء لطائفة الأقباط إلى أن صدر لهم عام 1913 موافقة بتعيين وكيل بطريرك لهذه الطائفة في مصر. وهم أقل الطوائف عدداً ولهم مجموعة قوانين للأحوال الشخصية أعدها الراهب يوحنا دوكباني على نسق القوانين المصرية طبقت عام 1929، وهي لا تختلف كثيراً عن القواعد الخاصة بالأقباط الأرثوذكس.

لائحة الكاثوليك:

وهي تستند إلى القانون الصادر من البابا يوحنا بولس الثاني بابا الفاتيكان في 18 أكتوبر 1990، وهي تطبق على الطوائف الكاثوليكية الشرقية بما في ذلك مصر. وتصل نصوص هذه المجموعة إلى 91 مادة تختص بالأحوال الشخصية من بين باقي المواد التي تشتمل عليها هذه اللائحة.

من هذه المواد:

مادة 776 بند 3: تتحدث عن الزواج وتنص على للزواج خاصیتان جوهريتان: الوحدة وعدم الانحلال“.

وتشير مادة أخرى رقم (777) إلى مبدأ المساواة بالزواج تنشأ بين الزوجين حقوق وواجبات متساوية فيما يخص شركة الحياة الزوجية“.

مادة (780): “يحكم زواج الكاثوليك الشرع الإلهي والقانون الكنسي أيضاً، مع عدم الإخلال باختصاص السلطة المدنية فيما يتعلق بآثار الزواج المدنية المحض.

مادة (783): وهي مادة لا يوجد لها نظير في باقي اللوائح وتنص على: “يجب على رعاة النفوس أن يعنوا بإعداد المؤمنين للحياة الزوجية“. كما ينص البند (3) من نفس المادة على استمرار الرعاية بعد الزواج حماية للأسرة والعائلة“.

مادة (813) يحرم الزواج بدون سابق ترخيص من السلطات المختصة بين شخصين معمدين أحدهما كاثوليكي والآخر غير كاثوليكي“.

وفي مجال مبدأ الرضى:

مادة (817) تنص على: “الرضى في الزواج هو فعل إرادي من المرأة والرجل, يهب كلاهما ذاته للآخر ويقبله بعهد لا رجعة فيه لإقامة الزواج. وليس في إمكان أي سلطان بشري أن يعوض من الرضى في الزواج“.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه المادة هي المتنفس والمخرج الوحيد الذي تستخدمه هذه الطائفة للطلاق.

كما تنص مادة (728): “أن الزيجات لا تكون صحيحة إلا إذا تم الاحتفال بها بطقس مقدس أمام الرئيس الكنسي المحلي، أو الراعي المحلي، أو الكاهن الذي منحه أحدهما صلاحية مباركة الزواج, وأمام شاهدين على الأقل“.

ويشير بند (2) من ذات المادة إلى أهمية إشراك الكاهن بحضوره وبركته“.

لائحة الطائفة البروتستانتية:

انتشرت طائفة البروتستانت في مصر في القرن التاسع عشر, واعترفت بها الدولة في عام 1878 حيث صدر في هذا التاريخ أمر عال بتعيين أول وكيل للطائفة الذي أجمعت عليه كلمة الكنائس الإنجيلية، ومجرد الاعتراف بالطائفة تكسبها ولاية القضاء طبقاً للخط الهمايوني.

وعلى الرغم من تعدد شيع المذهب البروتسانتي إلا أنهم اعتبروا في مصر طائفة واحد, سميت بطائفة الإنجيليين الوطنيين، وهي التي صدر بتنظيمها أمر عال سنة 1902. ومما هو جدير بالذكر أن المذهب البروتستانتي يتميز عن المذاهب الأخرى بأنه لا يعترف بمصدر للشريعة الدينية غير الكتاب المقدس. ويشتمل قانون الأحوال الشخصية للطائفة الإنجيلية بمصر على (107) مادة.

في الزواج: تنص مادة (6) على أن الزواج هو اقتران رجل واحد بامرأة واحدة اقتراناً شرعياً مدة حياة الزوجين“.

مادة (11) لا تمنع زواج مختلفي الملة إذ تنص على لأجل أن يكون الزواج صحيحاً يجب أن يكون مستوفياً للشرائط المقررة لدى الكنيسة التابع لها الطرفان، أما إذا كان الطرفان تابعان لكنيستين مختلفتين فيجب أن يكون مستوفياً لكامل شروط الصحة المتبعة في الكنيستين“.

مادة (12): “لا يعقد إكليل الزواج إلا القساوسة المرسومين قانوناً, أو مرشدوا الكنائس الإنجيلية الذين يمنح لهم المجلس العمومي الرخصة بذلك“.

وفي مجال المفارقة:

مادة (14): “المفارقة هي تباعد الزوجين عن بعضهما بسبب تنافر بينهما وتزول المفارقة بالمصالحة بينهما“.

مادة (15): “إذا أصبحت عيشة أحد الزوجين منغصّة ومرّة فوق الاحتمال بسبب سوء المعاملة، ولم تفلح المصالحة بينهما، وطلب أحدهما المفارقة جاز للسلطة المختصة أن تحكم له بها إلى أن يتصالحا، فإن كان الزوج سببها وجبت عليه النفقة لامرأته وأولاده الذين في رضاعتها أو حضانتها باتفاق الزوجين على تقريرها، أو بتقديرها من السلطة المختصة. وإن كانت الزوجة سبب المفارقة فلا تلزمه النفقة عليها إلا إذا كان له أولاد في رضاعتها“.

وفي الطلاق:

مادة (17) تقول الطلاق هو فسخ عقد الزواج بين زوجين“.

ومادة (18) تنص على لا يجوز الطلاق إلا بحكم من المجلس العمومي وفي الحالتين الآتيتين:

1 . إذا زنى أحد الزوجين وطلب الطلاق من الزوج الآخر.

2 . إذا اعتنق أحد الزوجين ديانة أخرى غير الديانة المسيحية.

يخرج هذا العرض السابق للوائح الخاصة بالأحوال الشخصية لدى الطوائف الثلاث بالملاحظات التالية:

اشتركت جميع هذه اللوائح في تنظيم عملية التبني.

أن الزواج لا يتم بدون رجل دين لديه صلاحيات رسمية للقيام بعقد الزواج. وهو سرّ من أسرار الكنيسة لدى الطائفتين الأرثوذكسية والكاثوليكية.

شريعة الزوجة الواحدة، واعتبار الزواج علاقة مستمرة وأبدية.

الزواج بين الطوائف جائز على أن يلتزم الزوجان بطقوس كنيسة واحدة من الكنائس التابعين لها. وعلى كل منهما الانصياع لذلك وتعهد الالتزام به.

هناك أسباب للحكم ببطلان الزواج تجد إجماعاً من الطوائف كلها تقريبًا.

أما أسباب الطلاق فهي تضيق في بعضها إلى سببين فقط هما (الزنى، وترك الدين)، وتتسع لتصل إلى أكثر من عشرة أسباب في بعضها الآخر.

إلا أن ما ينبغي التنويه إليه هنا أن اللائحة التي تعود إليها المحاكم حتى الآن هي مجموعة 1938. واعتبار ما جاء فيها شبه عرف لاسيما إذا لم يوجد قانون آخر يستعين به القضاء.

وحتى عام 1955 كان لكل طائفة جهة قضائية خاصة بها لمسائل الأحوال الشخصية، إلا أن صدور قانون رقم 462 لسنة 1955 ألغى هذه المحاكم الشرعية والمجالس الملية، وفتح هذا القانون الباب من المشكلات التي تعوق تطبيق شرائع الطوائف المسيحية وسنعود إلى ذلك في موضع آخر من هذه الدراسة.

وحتى نستكمل الإطار الذي تتحرك فيه هذه الشرائع يتعين أن نعرض فيما يلي قانون 462 لسنة 1955 سابق الذكر.

قانون 462 لسنة 1955

قضى هذا القانون في مادته الأولى أن تحال الدعاوي التي كانت منظورة أمام المجالس الملية حتى 31/ 12/ 1955 إلى المحاكم الوطنية لاستمرارية نظرها وفقاً لأحكام قانون المرافعات. وتجدر الإشارة إلى أنه مع وجود جهة للقضاء وهي جهة القضاء الوطني, إلا أن القواعد التي ينبغي تطبيقها على منازعات الأحوال الشخصية لغير المسلمين لم تكن موحدة، وتعاني من التشتت والبعثرة, والغموض أحياناً في بعض المواد.

وتنص المادة (6) من هذا القانون على أنه فيما يتعلق بالمنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين، الذين تتحد طائفتهم وملتهم، فإن الفصل فيها أي في هذه المنازعات يتم في نطاق النظام العام طبقاً لشريعتهم. وجعل هذا القانون من اتحاد الطائفة والملة معياراً لتطبيق الشريعة الواجبة التطبيق وشرطاً لازماً لتطبيقها، فإذا اختلفت الطائفة أو الملة بين طرفي النزاع تعين تطبيق الشريعة الإسلامية. هذا رغم صدور المذكرة التي أودعها البابا بتاريخ 18/ 6/ 1996 والتي تنص على: “أن الزواج وآثاره لا ينظمها، ولا ينبغي أن يحكمها إلا شريعة العقد فيما لا يتعارض مع آيات الإنجيل المقدس نصًا ودلالة“.

يثير هذا القانون أهمية وجود تشريع موحد يجمع شتات هذه القوانين لكي يسهل على هذه المحاكم الوطنية الرجوع إليه.

كما يثير مسألة أخرى ترتبط بفض الاشتباك بين (ما هو في نطاق النظام العام) وما هو (طبقاً لشريعتهم)، وتحول دون التضارب والازدواجية التي تعطل أحكام هذه الشريعة الخاصة بغير المسلمين.

ويرصد لهذا التشريع الموحد محاولتين الأولى عام 1980 والأخرى محل هذه الدراسة عام 1998. وفيما يلي ملخص سريع لمجموعة 1980، ثم فكرة عامة عن مجموعة 1998 والتي ستتناولها الدراسة بالتفصيل والتعليق.

تجدر الإشارة إلى وجود مشروع سابق على مشروع عام 1998، تم تقديمه إلى السيد المستشار وزير العدل بتاريخ 29 يونيه 1980. إلا أنه لم يدخل مجلس الشعب لمناقشته وإقراره.

وهو يشتمل على (92) مادة تكاد تقترب في مجموعها من مشروع 1998، سواء في الخطبة، أو أركان الزواج وشروطه وإجراءاته

تنص مادة (9) من هذا المشروع على: “لا ينعقد الزواج إلا بإتمام المراسم الدينية على يد رجل الدين المصرح له بعقده من رياسته الدينية المختصة. ويكون لرجال الدين المشار إليهم صفة الموثق, ويصدر وزير العدل قراراً بتعيينهم“.

وفي الفصل الخاص بموانع الزواج:

مادة (14) تنص على أن الزواج لا ينعقد إذا كان أحد الزوجين مصاباً بعجز جنسي، أو بعلة بدنية غير قابلة للشفاء، ولا يعتبر العقم من قبيل العجز الجنسي ولو كان غير قابل للشفاء“.

مادة (15): “لا ينعقد زواج المجنون أو المعتوه“.

مادة (16): “ليس للمرأة التي انقضى زواجها أو أبطل أن تعقد زواجًا ثانيًا إلا بعد مضي عشرة أشهر كاملة من تاريخ انقضاء الزواج أو إبطاله“.

وفي بطلان عقد الزواج:

مادة (18): “إذا وقع أحد الزوجين في غلط في شخص الطرف الآخر أو في صفة جوهرية متعلقة بشرفه، وكان من شأنه أن تجعل الحياة المشتركة بين الزوجين غير محتملة، جاز له وحده رفع الدعوى بطلب إبطال العقد“.

مادة (19): “يكون الزواج باطلاً إذا أكره أحد الزوجين على عقده, ولا تقبل الدعوى إلا من الطرف الذي وقع عليه الإكراه“.

مادة (20): “يكون الزواج باطلاً إذا كان أحد الزوجين مصاباً بمرض خطير ومعد ومستحكم لا يمكن البرء منه، ويجعله غير صالح للحياة الزوجية، ولم يكن الطرف الآخر يعلم به وقت الزواج“.

وسيتم مراجعة هذه المواد مع مثيلتها في مشروع عام 1998 كل في مكانها، لاسيما ما أشير إليه هنا باعتباره مرض خطير“. والذي يمكن أن يأتي تحته الأمراض النفسية التي ربما تكون أشد خطورة من المرض العقلي.

أما أسباب التطليق فهي واحدة في المشروعين وتقتصر إما على الخيانة أو الزني، وإما ترك الدين.

يعد هذا القانون استعادة لنشاط سابق كان قد انتهى بمشروع القانون الموحد للأحوال الشخصية سنة 1980، هذا الجهد الذي كانت بدايته عام 1978 ، ونظراً لمرور 18 سنة على هذا المشروع الذي لم يرى النور فقد دعا صاحب القداسة البابا المعظم الأنبا شنودة الثالث إلى الاجتماع برؤساء الكنائس وممثليها لإعادة مناقشة المشروع السابق لاسيما وقد تغير كثير من رؤساء الكنائس منذ تم إعداد هذا المشروع. واعتبر قداسته المشروع السابق أساسًا لإعادة المناقشة.

وهكذا تم في عدة اجتماعات متلاحقة إعادة قراءة جميع مواد مشروع القانون الموحد السابق، وبعد إدخال التعديلات اللازمة عليه، تم إقراره من اللجنة العامة، وأوكلت عملية الصياغة النهائية إلى لجنة من المستشارين, قدم بعدها إلى الرئاسات الكنسية، حيث تم إقرارها والتوقيع عليها وإرسالها لوزارة العدل لاتخاذ اللازم نحو عرضها على مجلس الشعب. ورغم مرور سبع سنوات على هذا المشروع إلا أنه لم يعرض على مجلس الشعب حتى الآن:

اشتمل هذا المشروع على 146 مادة موزعة على خمسة أبواب:

الباب الأول: في الزواج وما يتعلق به. ويتضمن ستة فصول تختص بالخطبة (12 مادة), وأركان الزواج وشروطه: مادة (13 – 17)، وموانع الزواج: مادة (18: 27) ، وإجراءات عقد الزواج:

مادة (28 – 31)، وبطلان عقد الزواج مادة (29 – 39)، ثم حقوق الزوجين وواجباتهما: (المادة 40 – 46).

والباب الثاني: في النفقات: ويتضمن ثلاثة فصول: يختص الأول بأحكام عامة مادة (47 – 56)، والنفقة بين الزوجين (المواد من 57 – 65) والنفقة بين الآباء والأبناء ونفقة الأقارب (المواد من 66 – 72).

والباب الثالث: فيما يجب على الولد لوالديه وما يجب له عليها, ويتضمن فصلين حول السلطة الأبوية (المواد من 73 – 75), والثاني في الحضانة المواد من (76 – 89).

الباب الرابع: في ثبوت النسب: ويشتمل على فصلين: الأول في ثبوت نسب الأولاد المولودين حال قيام الزوجية، ويضم المواد من (90 – 98). والثاني في ثبوت نسب الأولاد غير الشرعيين ويشتمل على المواد من (99 – 110).

الباب الخامس: في انحلال الزواج: ويشتمل على المواد من (111 – 128).

هذا بالإضافة إلى إدراج موضوع التبني: وخصص له المواد من (129 – 142)، والمواد (143 – 146) تتناول عدة أحكام عامة.

ويتناول الجزء التالي عرضًا لما دار من مناقشات حول مواد هذا المشروع.

معايير أساسية تقرأ في إطارها مواد المشروع:

وقبل الدخول في تفاصيل مواد القانون كان للمناقشات رأياً متفق عليه في أسس العلاقة بين الرجل والمرأة كما يعبر عنها الكتاب المقدس، وقد اعتبرت هذه النظرة هي المعيار الذي يحتكم إليه في مناقشة أي مادة تنتقص من هذا الفهم وهذه الرؤية.

اتجهت المناقشات جميعاً إلى أن الاحتكام إلى الكتاب المقدس يؤكد لنا المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة ليس الرجل من دون المرأة، ولا المرأة من دون الرجل“. والمساواة في القيمة والكرامة والمسئوليات والواجبات وهذه نصوص لا يختلف عليها أي من الطوائف المسيحية على إطلاقها.

وتؤكد المناقشات على أن المسيحية تقدم فكراً سامياً عن الحياة الزوجية واحترام الإنسان كإنسان، ومن ثم نظرة الرجل إلى المرأة باعتبارها إنسان وليست شيئاً للمتعة، ومراعاة التعامل معها كفكر وليس وكجسد. هذا بالإضافة إلى أن المسيحية لا تتحدث عن رجل وامرأة ولهذا فإن التشريع يستخدم كلمة زوجشاملة الرجل والمرأة ما لم ينص على شيء لصيق بأي منهما منفرداً. ولكن القيمة العليا التي يلتزم بها التشريع هي المساواة كقاعدة لتنظيم العلاقة بين الزوجين.

وبتطبيق هذه المبادئ على مواد التشريع:

فإن: عقد الزواج يتعين أن لا يتضمن أي معنى من معاني الانتقاص من أي من الطرفين أو استخدام كلمات تحمل معنى الملكية من جانب أي طرف للطرف الآخر، أو إلغاء لكيانه.

أن يعبر عقد الزواج وما يحكمه من تشريع عن إرادة حرة بين طرفي العقد، واتفاق كامل على كل ما يجيء فيه.

وأن القانون الذي ينظم هذه العلاقة لا يصح أن يشتمل على نصوص ترتب حقوقاً ليست متاحة لكلا الطرفين كشركاء متساويين.

كما يلزم أن يدخل هذا التشريع في إطار الدولة المدنية الحديثة، وأن يكون مواكباً لمتطلبات العصر الذي نعيشه.

أهمية وجود قانون موحد للطوائف الثلاث:

هناك شبه إجماع بين الطوائف الثلاث والرئاسات الدينية التي تم الالتقاء بها على أهمية وجود قانون موحد للطوائف الثلاث، والأسباب التي تساق لإبراز هذه الأهمية متعددة ويمكن إجمالها فيما يلي:

وجود ارتباط قوي بين الطوائف الثلاث مما يبرر وجود تشريع موحد ينظم العلاقات الأسرية لاسيما ما يرتبط بالزواج في حال قيامه أو انحلاله.

وجود قانون واحد للأحوال الشخصية هو تعبير عن الوحدة المسيحية، وليس هناك مشكلة في أن تتوحد الطوائف الثلاث حول قانون كهذا حيث أنه لا توجد اختلافات بين الطوائف حول هذا الموضوع تحديدًا.

تعدد اللوائح ومشروعات القوانين الخاصة بالأسرة جعل من العسير الإلمام بقواعدها، فاللوائح قديمة ومبعثرة، ولهذا فهو أمل يراود الجميع أن يكون للمسيحيين تشريع موحد في هذا الصدد يجمع شتات تلك القوانين.

مواجهة مادة 6 من قانون 462/ لسنة 1955، حيث أن هذه المادة تجهض مبدأ تعدد الشرائع، وتجعل غير المسلمين لا تسري عليهم شريعتهم، بل أصبح الاختصاص العام بنص هذه المادة – هو للشريعة الإسلامية، الأمر الذي لم يكن مطبقاً في أي وقت من الأوقات قبل صدور هذا القانون. وسريان العمل بهذه المادة يقلل من القيمة التي قصدها الشارع بأن الأحكام تصدر في نطاق النظام العام طبقاً لشريعتهم“. ولهذا فإن أحد أهداف اتفاق جميع الطوائف على قانون موحد هو مواجهة هذه المادة.

عدم ترك القضايا المسيحية دون ضابط أو رابط بين أيدي قضاة ليس لديهم دراية كافية بالأسس التي يقوم عليها التشريع المسيحي.

وضع حد لاستخدام تغيير الطائفة مبررًا لتطبيق الشريعة الإسلامية ومن ثم الطلاق ووجود تفاهم بين الطوائف بحيث لا يتم التغيير دون موافقة الكنائس على ذلك.

الاتفاق بين الطوائف على قانون واحد هو في حد ذاته يعطي قوة أمام المحاكم، ويسهل عمل القاضي، ويقضي في نفس الوقت على التحايل الذي يمكن أن يستغله أحد أطراف العلاقة الزوجية في تغيير الملة.

في أركان الزواج وشروطه

الخصائص العامة للزواج في المسيحية:

تتفق الطوائف الثلاث على أن الزواج لا يجوز أن يتم إلا عن طريق الكنيسة، وبواسطة كاهن (أو قسيس)، يقوم بدور الموثّق لهذا الزواج أمام السلطات الرسمية.

وتنص مادة (13) من مشروع القانون الموحد (1998) على أن الزواج المسيحي رباط ديني مقدس دائم، ويتم علناً، بين رجل واحد وامرأة واحدة، مسيحيين, صالحين للزواج لتكوين أسرة تتعاون على شئون الحياة في معيشة واحدة.

وتنص مادة (14): “لا ينعقد الزواج صحيحاً إلا إذا تم بمراسيم دينية على يد رجل دين مسيحي مختص، ومصرح له من رئاسته الدينية“.

ومادة (15) تنص على: “لا ينعقد الزواج إلا برضاء الزوجين“.

هذه المواد الثلاث توضح الخصائص العامة لهذا الزواج:

فهو أولاً رباط ديني مقدس، وهو لدى الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية سر مقدس، وبهذه القداسة فهو يتعين أن لا يتم إلا عن طريق الكنيسة، ووفقاً للطقوس التي تحددها، وعلى يد رجل دين مصرح له بذلك.

وهو لا يجوز إلا بين مسيحيين، وكل عقد يقع مخالفاً لذلك يعتبر باطلاً ولو رضى به الزوجان. هذا الشرط الوارد فيما سبق من تشريعات في مادة (42) – على سبيل المثال من مجموعة الأقباط الأرثوذكس لعام 1938 ينص على وحدانية الملة وليس فقط أن يكون الطرفان مسيحيان، ثم أجري عليه تعديل في المشروع الأخير محل الدراسة.

وسنعود في موضع آخر من هذه الدراسة إلى مناقشة موضوع اتحاد الزوجين في الملة أو الطائفة، أو قبول الاختلاف والأخذ فقط بالطائفة التي تم العقد في إطارها وهي قضية هامة وتحتاج إلى إفراد موضع خاص بها.

والزواج حسب نصوص مواد المشروع الموحد هو زواج يتم علناً، وهو زواج دائم، أي أنه يتميز بعدم الانحلال، فهو علاقة أبدية لا تنحل إلا بأسباب محددة وثابتة.

وهو زواج بين رجل واحد وامرأة واحدة. وشريعة الزوجة الواحدة أمر مسلم به عند جميع المسيحيين في العالم كله مع اختلاف مذاهبهم من أرثوذكسي إلى كاثوليكي إلى بروتستانتي. فلم يكن هذا الأمر في يوم من الأيام موضع خلاف، وإنما سلمت به جميع المذاهب المسيحية وآمنت به كركن ثابت بديهي من أركان الزواج المسيحي.

هذا المبدأ لم يختلف عليه يوماً أحداً من رجال الفقه المسيحي أو الإسلامي بل توجته أحكام القضاء المصري بمباديء قاطعة (نجيب جبرائيل ص 45).

وهي علاقة يجب لصحتها توافر الرضا، وانتفاء الموانع.

ويعد الشكل الديني للزواج من الشروط الرئيسية لانعقاده، أي أنه لا يتم إلا عن طريق الكنيسة، وصلاة الإكليل هي التي تحلّ النساء للرجال، والرجال للنساء، وإلا كان الزواج باطلاً. وقد أكدت ذلك محكمة النقض في حكم حديث لها. (أشرف جابر ومدحت صموئيل، ص 54).

ورغم هذا التأكيد على الدور الأساسي لعقد الزواج في الكنيسة وبحضور رجل دين، واعتبار أن الصلاة التي تتم هي ركن أساسي لإقامة علاقة زوجية مشروعة، فإن التاريخ يحدثنا عن أن بداية تدخل الكنيسة على هذا النحو لم يبدأ إلا في القرن الخامس الميلادي, حيث كان الزواج قبل هذا التاريخ عملاً مدنياً محضاً، ولم تتدخل الكنيسة إلا بعد القرن الخامس الميلادي. وكان ما هو متبع. أن يمر موكب العروسين أمام الكنيسة ويخرج الأسقف محيياً العروسين كرمز من الرموز الدينية، ثم تدرج الأمر إلى دخول الموكب بالعروسين لكي يأخذ البركة، ثم قيَّد الكهنة هذا الزواج وأصبح لا يتم إلا بمعرفة الكنيسة (د. ق. صفوت البياضي في المقابلة التي أجريت مع سيادته).

وقد أثارت جملة (صالحين للزواج) الواردة في مادة 13 من المشروع مناقشات كثيرة حولها وحول معنى الصلاح هنا، ومن الذي يحكم علي هذا الصلاح، وما هي معاييره، ومن الذي يحدد هذه المعايير.

وقد أثيرت مناقشات متعددة تعبر في النهاية عن عدم وضوح المعنى مما يستأهل وضع شرح تفصيلي لها في المذكرة التفسيرية للقانون.

وقد أشار البعض إلى أن (صالحين) تعني الصلاح نفسياً واجتماعياً وصحياً، كما تعني من وجهة نظر الكنيسة خلو الطرفين من الموانع الشرعية للزواج والتي تتضمن السن، ونقص الأهلية والإدراك الكافي للتمييز والحكم على الواجبات الزوجية. ويرون أن القبول والرضا في الزواج يتضمن اعترافاً ضمنياً من الزوجين بصلاح الطرف الآخر من وجهة نظره. إلا أن من الحاضرين (لاسيما من يخدمون وسط الشباب والأسرة) من كان لهم رأي مخالف, حيث رأوا أن الصلاح قد يكون شكلياً أي أنه لا توجد موانع, غير أن العلاقات الزوجية يحكمها سلوكيات الطرفين إزاء كل منهما للآخر. وهذه قد تكون من السوء والبعد عن الصلاح على الإطلاق، وهذا ما لا يظهر إلا من خلال العشرة بين الطرفين. وتساءل هذا الفريق في حالة حدوث هذه السلوكيات التي يصعب قبولها أو التعايش معها فما هو موقف الكنيسة من هذه الحالة؟“.

واتفقت أغلب المناقشات على أن تتضمن المذكرة التفسيرية للقانون شرحاً تفصيلياً حول هذا المفهوم، وإلا أصبح هذا النص عقيماً.

في موانع الزواج:

من بين المواد التي تناقش موانع الزواج أثير نقاش حول مادة (27) وهي تنص على أن : “العقم لا يحول دون صحة انعقاد الزواج حتى ولو كان غير قابل للشفاء“.

أجمعت المناقشات على أن إخفاء حالة العقم لأي من الزوجين عن الطرف الآخر يعتبر غشًا، وفي هذه الحالة تكون سببًا مقبولاً للحكم ببطلان الزواج كما أشار رجال الدين إلى أن الزواج بنية عدم الإنجاب يبطل الزواج، ولكن ليس معنى ذلك أن الإنجاب هو الهدف الوحيد للزواج، ولكنه هدف من أهدافه.

وأجمع الكل على أهمية أن تعاد صياغة هذه المادة ليكون العقم غير حائل دون صحة انعقاد الزواج إذا كان معلومًا لدى الطرفين قبل الزواج“. وهذا يقتضي أن يكون الفحص قبل الزواج ليس اختيارياً بل وجوبيًا، وأن يكون وثيقة لا ينعقد الزواج بدونها, وأن يُنص على ذلك في أحد مواد القانون.

ورغم أهمية النص على ذلك إلا أن من التحفظات الواردة في المناقشات أيضًا أن من أنواع العقم ما لا يمكن الكشف عنه طبيًا, وهي الحالات التي يكون فيها طرفي العلاقة لديهما القدرة على الإنجاب ولكنهما لا ينجبان.

في إجراءات عقد الزواج:

يتناول هذا الجزء إجراءات عقد الزواج من إثبات بيانات في العقد، وأهمية وجود رجل دين مختص لديه دفتر لعقود الزواج, وعند إتمام العقد يتم توثيقه لدى الموثق المنتدب المختص، ويمتنع التوثيق إلا إذا قدم طالبًا التوثيق عقد الزواج الديني المثبت لإتمام المراسيم الدينية.

وقد أثارت مادة (29) مناقشات حول رجل الدين المختص لاسيما ما جاء على لسان رجال القانون الذين حضروا في اللقاءات البؤرية حيث أثاروا مشكلات عديدة مرتبطة بموقف رجل الدين هذا من السلطة الدينية، وإذ يؤدي شلحهأي تجريده من رتبة الكهنوتية ورفضه من قبل السلطات الدينية إلى تجريده بالتبعية من سلطة التوثيق رغم وجود دفتر توثيق معتمد لديه. وهذا ما يجعل كل الزيجات التي يتممها غير قانونية. وقد حدث ذلك بالفعل، ووقعت مئات من حالات الزواج في مشكلات رهيبة إلى الحد الذي دفع بعضهم إلى النظر إلى زواجه باعتباره عرفياً وليس رسميًا.

وهي مشكلة أخرى يتعين أن ينظر التشريع في أسلوب آخر للتوثيق غير هذا الوارد بالمشروع المقدم تلافياً لهذه المواقف القابلة الحدوث. لاسيما وأن النظام الموضوع هو : “أنه على كل مطرانية أو أسقفية أو كنيسة إنجيلية أن ترسل إلى رئاستها الدينية في آخر كل شهر كشف بعقود الزواج التي تمت في دائرتها“. وهي مسافة زمنية كافية لعقد مئات الزيجات في كل الدائرة قبل أن يتم التصرف مع هذا الكاهن أو القسيس الذي لديه الدفتر المعتمد لتوثيق الزواج. ويجدر التنويه هنا مرة أخرى أن الأهمية في هذا ترجع إلى أن الزواج لو تم دون توثيق رجل الدين فهو زواج باطل ولا يعتد به، وبالتالي فإن ما بني على باطل فهو باطل، فإذا كان توثيق رجل الدين المخول له هذه المسئولية قد أخليت عنه مسئوليته، فإن الزواج هنا يصبح أيضًا باطلاً.

في بطلان عقد الزواج:

أثارت مادة (32) في المشروع والتي تتناول أسباب بطلان الزواج مناقشات متعددة ترتبط بمشكلات التطبيق وتنازعها مع تطبيق الشريعة الإسلامية وما يترتب على ذلك من تعطيل للعمل بمواد هذا القانون. ولهذا سنتركها إلى جزئية أخرى عند مناقشة المشكلات التي يعاني منها التشريع المسيحي في التطبيق, ونكتفي هنا بمناقشة نصوص المواد من حيث الصياغة والوضوح, والقدرة على تلبية الاحتياجات, والتعبير عن واقع العلاقات الأسرية في المجتمع في وقتنا الحالي.

واستوقفت المشاركين في اللقاءات جميعاً مادة (34) التي تنص على: “إذا عقد الزواج بغير رضاء الزوجين أو أحدهما رضـاء صحيحاً صادراً عن حرية واختيار فلا يجوز الطعن فيه إلا من الزوجين أو الزوج الذي كان رضاؤه معيباً. وإذا وقع غش أو غلط في شخص أحد الزوجين أو في صفة جوهرية فيه، فلا يجوز الطعن في الزواج إلا من الذي وقع عليه الغش أو الغلط. وكذلك الحكم فيما إذا وقع غش في شأن بكارة الزوجة إذا ادعت أنها بكر وتبين أن بكارتها أزيلت بسبب سوء سلوكها، أو في خلوها من الحمل وتبين أنها حامل“.

وبداية فإن البطلان يترتب على تخلف الشروط اللازمة لانعقاد الزواج أو صحته، وهو يختلف عن الانحلال بالتطليق, فالبطلان هو الجزاء على عدم استجماع الزواج شروط قيامه, وهو ينسحب على الماضي بحيث يعتبر الزواج لم يقم أصلاً، وهو بهذه المثابة يفترق عن انحلال الزواج بالتطليق الذي يفترض قيام الزواج صحيحاً مستوفياً أركانه وشرائطه القانونية, فيعد إنهاء للزواج بالنسبة للمستقبل مع الاعتراف بكل آثاره في الماضي” (أشرف جابر، ومدحت صموئيل ص71).

– “والرضا هو قوام الزواج في جميع الشرائع، فإذا لم يوجد الرضا الحقيقي فلا زواج، ولا يغني عنه أبداً ركن الشكل ولو أعقبه اختلاط جنسي. ويجب أن يصدر الرضا من شخص له القدرة القانونية على إصداره، وترتبط هذه القدرة بالسن التي يبلغها الزوجان، ولا يعتبر الرضا موجوداً إذا ما صدر من مجنون حتى ولو كان قد بلغ سن الرشد (نجيب جبرائيل: ص 8).

وتعتبر الإرادة الرسولية عند الكاثوليك أكثر الشرائع الخاصة إفصاحاً بصدد عيب الإكراه، أما غير الكاثوليك فقد تضمنت شرائعهم نصوصاً ليست مفصلة أو غير مباشرة” (نجيب جبرائيل: ص 10).

ولعله من المهم أن تشتمل مشروعات القوانين الموحدة على تفسير واضح ومحدد لشروط عدم الرضاء التي يتعين أن تتسع لتشمل ظروف والزمان، وتطور المجتمع، وعادات وطبائع الأفراد.

أما المناقشات التي أثيرت فقد ربطت بين هذه المادة رقم (34) وبين السبب الثامن لمادة (32)، حيث تقول هذه الأخيرة أن أحد أسباب بطلان الزواج هو إذا قام لدى أحد الزوجين مانع من الموانع المنصوص عليها في مادة (25) من هذا القانون بشرط أن يكون ذلك قبل الزواجومادة (25) هذه تقول لا يجوز الزواج في الأحوال الآتية: إذا كان لدى أحد طالبي الزواج مانع طبيعي أو مرضي لا يرجى زواله يمنعه من الاتصال الجنسي كالعنة أو الخنوثة أو الخصاء. وإذا كان أحدهما مجنوناً، وإذا كان أحد الطرفين مصاباً بمرض قتَّال يجعله غير صالح للحياة الزوجية ولم يكن الطرف الآخر يعلم به وقت الزواج.

وقد أبرزت المناقشات القضايا التالية:

1 . إذا كانت هذه الأسباب تجعل الزواج باطلاً فما هو الفرق بين أن تحدث قبل الزواج أو بعده، ولماذا يقتصر الأخذ بها على أن تكون قد حدثت قبل الزواج.

2 . إذا كان الجنون مانعاً أيضًا فما هو الموقف من الأمراض النفسية وهي في بعض حالاتها أشد خطراً وأكثر تأثيراً في استحالة استقامة العلاقة الزوجية ربما من المرض العقلي. وهي أيضًا قد لا تفصح عن نفسها بوضوح مثل الأمراض العقلية، مما يجعل من الصعوبة بمكان معرفتها قبل الزواج.

3 . وإذا كان هناك إقرار عام بأن سمة الزواج الأساسية هي إشباع كل من الرجل والمرأة غريزته الجنسية، فإن إثبات ذلك قبل الزواج في أحيان كثيرة يكون مستحيلاً لارتباطه بالظروف النفسية، والقبول بين الطرفين، والمكان والزمان، وبالتالي فوجوده بعد الزواج أمر وارد حتى لو لم يثبت الكشف الطبي ذلك قبل الزواج. ومن ثم فليس هناك مبرر للضغط على الطرفين لقبول الاستمرار في الزوجية، إلا إذا وافق الطرفان على ذلك، ودون اشتراط أن يتم إثبات ذلك فور عقد الزواج.

وفي هذا المجال صدر نقض بتاريخ 23/ 5/ 1979 رقم 33 لسنة 48 يقول الحكم يجب أن لا ننسى أن الأسباب النفسية من أسباب العنة وأكثرها شيوعاً، وليس في مقدور الطب أن يثبت أو ينفي وجودها كما ذكر الطبيب النفسي” (نجيب جبرائيل ص 40)

وتجدر الإشارة إلى أن كل الشرائع تقر هذه المادة (مادة 16 من لائحة الأرثوذكس 1938، ومادة 12 من لائحة الأرمن, ومادة 12 من لائحة السريان, ومادة 7 من لائحة الإنجيليين) (نجيب جبرائيل: ص 23).

4 . أثارت جزئية (صفة جوهرية فيه) أيضًا ملاحظات عدة، فهي لم ترد في أي مادة سابقة حتى يمكن الوقوف على معناها، وهي أيضًا من الغموض الذي لا يجعل معناها محدداً في مادة قانونية.

5 . الجزئية الخاصة ببكارة الزوجة وما إذا كان قد وقع غش فيها، رأت أغلبية الآراء أن الحديث عن بكارة المرأة يملي في إطار مبدأ المساواة المنصوص عليه كمبدأ عام أن نتحدث أيضًا عن بكارة الرجل وهو أمر يصعب إثباته بالطبع. بالإضافة إلى أن وجود مثل هذه المادة في القانون إنما هو امتهان للمرأة وتقليل من شأنها لاسيما وأن هذا الموضوع حوله آراء علمية كثيرة تجعله محل خلاف وليس بالضرورة أن يكون وجوده من عدمه دليل فساد الأخلاق أو الغش كما هو وارد بالنص, وهناك طرق كثيرة للتحايل على إثباته، ولهذا يكون من الأفضل في رأي الجميع أن لا يكون هذا النص موجوداً أصلاً، أو أن يكون للطب وحده الرأي فيه إذا كان هناك إصرار عليه.

في حقوق الزوجين وواجباتهما:

تناولت المناقشات المواد من (40 – 46)

حيث تنص هذه المواد على:

مادة (40): “يجب لكل من الزوجين على الآخر الأمانة والاحترام والمعاونة على المعيشة والخدمة عند المرض، والمساندة في مجابهة الحياة“.

مادة (41): يجب علي الزوج حماية زوجته ومعاملتها بالمعروف ومعاشرتها بالحسنى، ويجب على المرأة إطاعة زوجها فيما له عليها من حقوق الزوجية, والمحافظة علي ماله, وملاحظة شئون بيته, وعليها العناية بتربية أولادهما.

والمادة الأولى والثانية في أغلبها تمثل أخلاقيات عامة، أكثر منها صياغة قانونية، وهي موضوعة بصيغة وعظية نظراً لأن القانون يتعين أن تكون مواده ترتب حقوقاً وتملي واجبات يلتزم بها طرفي العلاقة وترتب جزاءات واضحة تجعل الخروج عليه موجباً للتعرض لعقاب. أما كلمة يجبفهي كلمة مطاطة.

وقد آثار البعض التساؤل حول مدى ملاءمة مادة 41 للتغير في أدوار كل من الرجل والمرأة، فلازالت التقسيمة الموجودة تقليدية إلى أبعد الحدود.

وإلى جانب ما تثيره عبارات مثل (المحافظة على ماله), (وملاحظة شئون بيته) من امتعاض الكثيرين لاسيما المشاركات من النساء، وذلك لما فيها من انتقاص من شأن المرأة فالبيت بيته هو وعليها ملاحظته, والمال ماله وعليها المحافظة عليه، بالإضافة إلي تربية الأبناء والتي أصبحت الآن وفي كل أنحاء العالم مسئولية مشتركة بين الزوجين، وتجدر الإشارة إلى أن نص المادة المقابلة في مجموعة 138 تقول أن من مسئولياتها رعاية أولادهوليس أولادهما كما في النص الحالي. وهذا التعديل يذكر لصالح المشروع الجديد.

وتنص مادة (41) أيضًا أن على الزوج معاشرة الزوجة بالحسنى“. والسؤال المثار هنا ما هو معنى الحسنيهذه؟ وماذا يحدث لو أنه أساء لها وعنفها وكال لها كل ما لا يدخل تحت بند الحسنى بأي حال من الأحوال. ماذا في القانون يُجرّم العنف الذي استفحل وأصبح أحد الأسباب القوية وراء انهيار العلاقات الزوجية؟ ألا يصح أن ينص على تجريم العنف في اللائحة بل وجعله أيضًا سبباً جوهرياً لانقضاء العلاقة الزوجية، لاسيما وأن الفكر المسيحي المعلن في الكتاب المقدس يأمر الأزواج أن يعاملوا النساء بكل رقة واحترام وحب.

ويوضح المشاركين والمشاركات لا سيما العاملات في حقل خدمة الأسرة أن هناك مشكلة حقيقية في الأسر التي لا يتعامل فيها الطرفان على أساس هذا الإيمان المسيحي، فما هو موقف القانون في هذه الحالات، وهو ما ينبغي أن ينص على ما نحتكم إليه في حالة الخلاف أو عدم الالتزام بما ورد فيه. وتجدر الإشارة إلى أن مادتي 40, 41 موجودتان بذات النص تقريبًا في مجموعة 138.

وتنص مادة (42) “على الزوجين أن يعيشا في محل إقامة الأسرة الذي يختاره الزوج“.

وتنص مادة (47) من مجموعة 138 على يجب على الزوج أن يسكن زوجته في منزله، وأن يقوم بما تحتاجه من طعام وكسوة على قدر طاقته“.

وهو تعديل محمود في إعادة صياغة هذه المادة في مجموعة 1998 لتصير على الشكل الوارد ذكره ، إلا أن المادة بشكلها الحالي أيضًا ربما لا تساير متطلبات العصر الذي نعيشه إذ تقول أن يعيشا في محل إقامة الأسرة الذي يختاره الزوجوالتساؤل لماذا الذي يختاره الزوج وحده؟ وإذا كنا ننادي بتغيير الفكر نحو مفهوم المشاركة والمسئولية والإرادة المشتركة أليس من الأوفق أن يكون نص المادة الذي يختاره الزوجين أو يتراضيان عليه؟

أما مادة (43) تنص: “على الزوجة إطاعة زوجها فيما لا يخالف وصايا الله. وهو التزام روحي وأدبي، لا يجوز إكراه الزوجة بالقوة الجبرية على الإقامة في منزل الزوجية عند حصول خلاف بين الزوجين“.

والمادة بشكلها الحالي ليس فيها اتساق بين جزئيها الأول والثاني، فالجزء الأول يتحدث عن الطاعة والجزء الثاني يتحدث عن إكراه الزوجة على الإقامة في منزل الزوجية. ولا توجد علاقة منطقية بين شقي المادة.

وإن كان محتوى هذا الشق الثاني مهم وجيد لأنه يؤكد علي عدم إكراه الزوجة على الإقامة مع الزوج إذا ما اختلفا.

وتعد مادة (45) من أهم ما أضافه مشروع 1998 وذلك لأنها تتحدث عن أن الدراسة والاستمرار فيها بعد الزواج، والعمل حق للزوجة ما لم يتفق على غير ذلك عند الزواج“.

إلا أن النص يفتقر إلى التصرف القانوني إذا لم يلتزم الطرف الثاني بأداء هذا الحق لاسيما وهناك الآن عقد للزواج يقبل الشروط، فلماذا لا يضاف وتوضح هذه الشروط في عقد الزواج“.

كما تنص مادة 46 على أن الارتباط الزوجي لا يوجب اختلاط الحقوق المالية، بل تظل ذمة كل من الزوجين المالية منفصلة“.

وهذه أيضًا مادة جيدة في هذه المجموعة التي يتضمنها التشريع المقدم لعام 1998، وهي أيضًا كانت موجودة في مجموعة (1938).

في النفقة

تمحورت المناقشات في موضوع النفقة حول المواد 58، 61, 62, 63 تنص مادة 58: “يسقط حق الزوجة في النفقة إذا تركت منزل الزوجية أو أبت بدون سبب مقبول السفر مع زوجها إلى الجهة التي نقل إليها محل إقامته، أو منعت زوجها من دخول منزل الزوجية بدون مبرر“.

وقد تساءل البعض عما هو المقصود بمسوغ مقبولوما هو معيار المقبول أو غير المقبول، واعتبروها كلمة مطاطة لا تفي بالغرض، غير أن بعض المستشارين أشاروا إلى أن هناك مساحة حرية تترك للقاضي في تحديد جدّية السبب (السلطة التقديرية للقاضي) ويراعي فيها موقع الزوجة العائلي، وتعليم الزوجة ومهنتها. ومع قبول هذا المنطق القانوني إلا أن المحاذير تبقى قائمة من ترك الأمر لسلطة القاضي التقديرية التي تكون في غالب الأحوال في صف الرجل.

أما المادة (61) فهي تنص على يلزم الزوج بنفقات المعيشة المشتركة، وعليه أن يوفر لأسرته حياة تتفق مع مقدرته ومركز الأسرة الاجتماعي، فإذا كان دخل الزوج لا يفي بذلك جاز للقاضي أن يلزم الزوجة للإسهام في هذه النفقات مراعيًا في ذلك مصلحة الأسرة، والحدود المالية لكل من الزوجين.

وقد أجمعت المناقشات على عدم اتساق هذه المادة مع الفكر المسيحي الذي لا يجعل أمر الإنفاق حكراً علي الرجل، بل أن مسئولية الأسرة المشتركة ورعايتها هو أمر يقوم به الزوجين كل بقدر استطاعته ولا يصح أن يكون ذلك إجازة للقاضي بإلزام الزوجة، بل تنص المادة من الأساس على قيام الزوجة العاملة أو الميسورة الحال بمشاركة الزوج نفقات المعيشة كل بقدر استطاعته.

وينسحب ذات التعليق على مادة (62) التي تنص على يجوز إلزام الزوجة بالنفقة لزوجها المعسر العاجز عن الكسب وذلك متى كانت قادرة على الكسب، حيث يتم تعديلها إلى تلزم الزوجة بالنفقة لزوجها المعسر أو العاجز عن الكسب متى كانت قادرة على الكسب“.

وهذه القيم هي قيم مسيحية أصيلة يتعين أن يبرزها الشرع وينص عليها كقواعد منظمة لعلاقات الأسرة، إضافة إلى كون هذه القيم هي قيم الاستنارة والتحديث التي ينادي بها ويسعى إلى تبنيها العالم المتقدم.

ويعلق بعض القانونيين من المشاركين على مادة (63) التي تنص على تصالح الزوج مع زوجته لا أثر له على حكم النفقة الصادر لها ضده، إلا إذا دام الصلح سنة كاملة مستمرة ، فإذا عاد الزوجان للنزاع قبل فوات هذه المدة تسقط نفقة الزوجة عن مدة الصلح السابقة فقط متى ثبت أن الزوج هو الذي كان يتولى الإنفاق خلالها“.

واعتبر رجال القانون هذا النص معوقًا لاستمرار الصلح وهو يفتح المجال أمام مخاصمات جديدة بسبب استمرار هذا الحكم في الوقت الذي تصالح فيه الزوجان.

وتجدر الإشارة إلي وجود هذه المواد بنصها تقريباً في مجموعة 1983.

في السلطة الأبوية:

باستعراض المواد الخاصة بالنفقة بين الآباء والأبناء استوقفت المشاركين المواد (70 و73 و75) حيث رأوا أنها في مجملها مواد وعظية أكثر منها قانون .

فالمادة (70) تقول يجب على الولد الموسر نفقة والديه وأجداده الفقراء ولو كانوا قادرين على الكسب“.

ومادة (73) تنص على يجب على الولد في أي سن أن يحترم والديه…”.

ومادة (75) تنص على يجب على الوالدين العناية بتربية أولادهما وتعليمهم وفقاً للقيم الروحية والوطنية …”.

والواقع أنها جميعها نصائح وإرشادات أكثر منها قوانين ترتب حقوقاً وتفرض واجبات يكون الإخلال بها محلاً لعقاب من نوع ما.,

في الحضانة:

تنص مادة (77) “حضانة الصغير تكون للأم حتى بلوغ العاشرة من عمره إن كان ذكراً والثانية عشر إن كان أنثى، وحينئذ يسلم إلى أبيه أو عند عدمه إلى ولي نفسه“.

وواضح هنا أن هذه المادة تحتاج إلى تعديل لتواكب آخر التعديلات التشريعية والمستجدات على هذه الساحة حيث ارتفع سن الحضانة إلى 15 سنة، ويمكن أن تظل الفتاة مع الأم حتى تتزوج مع إتاحة الاختيار أمام الولد أن يظل مع الأم أو أن يذهب للأب.

في ثبوت النسب:

جرت مناقشات حول مادة 108 التي تنص على:

لا تقبل دعوى ثبوت الأبوة:

أولاً: إذا كانت الأم في أثناء مدة الحمل مشهورة بسوء السلوك أو كانت تعاشر رجلاً آخر.

ثانيًا: إذا كان الأب المدعي عليه في أثناء تلك المدة يستحيل عليه ماديًا أن يكون والدًا للطفل“.

والتحفظ على هذه المادة يأتي من الالتفاف حول الموضوع دون النص تحديداً في القانون على استخدام معطيات العلم في هذا المجال وهو استخدام اختبارات DNA، وجعله وجوبيًا وليس اختياريًا, وذلك حتى تُفوّت الفرصة على من يريد التلاعب، أو توجيه اتهامات باطلة أو لا سند لها، مثال: “أنها مشهورة بسوء السلوك، فمن الذي سيثبت ذلك؟ وما مدى إمكانية أن يكون الشهود على مستوى من الأمانة والصدق حتى يؤخذ بشهادتهم في حكم شديد القسوة كهذا.

الميراث

خلا مشروع القانون من أي مواد تتناول موضوع الميراث. والمعمول به الآن أن ما لم تذكر فيه قاعدة كتابية فإن ما يطبق هو شرع الدولة، إلا إذا التجأوا إلى الكنيسة وهنا فإن القاعدة الكنسية هي التساوي الكامل بين أفراد الأسرة، ويحكم العلاقات في الأسرة قانون واحد هو الحب الذي يوزع الميراث بالتساوي بين جميع الأطراف“. كان هذا هو تعليق الأبنا مرقص على موضوع الميراث.

ويرى د. القس صفوت البياضي أن موضوع الميراث يمكن حلة بالهبة والتنازل بدلاً من اللجوء إلى قانون“.

وبالعودة إلى مجموعة 1938 مادة 245 في باب الميراث فإن هذه المادة تنص على فروع المورث مقدمون على غيرهم من الأقارب في الميراث فيأخذون كل التركة أو ما بقى منها بعد استيفاء نصيب الزوج أو الزوجة، فإذا تعددت الفروع وكانوا من درجة واحدة قسمت التركة فيما بينهم أنصبة متساوية لا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى، فإذا ترك المورث ابنًا وبنتًا أخذ كل منهما النصف, وإذا ترك ثلاثة من أبناء الدرجة الثانية كابن ابن, وبنت بنت, وابن بنت أخذ كل منهم الثلث.

وهذا تشريع غاية في التقدم حيث يساوي بين الذكر والأنثى في الميراث. وإذا كانت هناك مادة في مجموعة قوانين يتم الرجوع إليها حتى الآن فلماذا لا تأخذ بها المحاكم؟ وإذا كان لدينا مثل هذه المادة فلماذا أغفلناها في المشروع الجديد؟ ولماذا نسمح بإغفالها هذا أن تطبق علينا شريعة أخرى، وأن يكون موقفنا هو إما أن نتحدث عن قانون الحبكما يقول الأنبا مرقص، أو اللجوء إلى الهبة والتنازل كما يقول الدكتور القس صفوت البياضي، وهي مبادئ على روعتها إلا أنها تخاطب مثاليات، بينما يخاطب القانون قواعد ملزمة التطبيق سواء كان الإنسان مؤمنًا أو غير مؤمن بها.

ومرة أخرى يتضح مدى تجاوب مجموعة 1938 بصورة أكبر مع متطلبات كثيرة، بدلاً من هذا البتر الذي حدث لمثل هذه القوانين في مشروع 1998.

في انحلال الزواج:

احتلت المناقشات حول مواد مشروع القانون الموحد التي تناولت هذا الموضوع أكبر مساحة منها قياساً لباقي الموضوعات نظر لما يرتبط بها من مشكلات كثيرة أصبحت تواجه الأسرة المسيحية في هذه الآونة الأخيرة، وقد حاول المشروع الجديد أن يتلافى بعض المشكلات التي ترتبت على تطبيق مادة 426 من قانون 1955.

تنص مادة (112): “لا يجوز الطلاق بين المسيحيين بإرادة أحد الزوجين المنفردة ولا باتفاقهما، ومع مراعاة المادة السابقة يجوز طلب الحكم بالتطليق في الحالات الواردة في المواد 113 ، 114, 115.

وتجدر الإشارة إلى أن مادة (111) تنص على أن انحلال الزواج لا يتم إلا بموت أحد الزوجين أو التطليق، وبالنسبة للكنيسة الكاثوليكية فهو يتعين أن يتم بموافقة الرئاسة الدينية إذا وجد سبب قوى يوجبه.

وتنص مادة (113): “يجوز لأي من الزوجين طلب التطليق إذا ترك الزوج الآخر الدين المسيحي إلى الإلحاد أو إلى دين آخر، أو مذهب لا تعترف به الكنائس المسيحية بمصر كالسبتيين, وشهود يهوه، والبهائيين والمرمون“.

وتنص مادة 114: “يجوز لكل من الزوجين أن يطلب التطليق بسبب زنا الزوج الآخر“.

وتنص مادة 115: “ويعتبر في حكم الزنا كل عمل يدل على الخيانة الزوجية لأي من الزوجين في الأحوال الآتية:

1 – هروب الزوجة مع رجل غريب ليس من محارمها، أو مبيتها معه بدون علم زوجها أو إذنه، كذلك مبيت الزوج مع أخرى ليست من محارمه.

2 – ظهور أوراق صادرة من أحد الزوجين لشخص غريب تدل على وجود علاقة آثمة بينهما.

3 – وجود رجل غريب مع الزوجة بحالة مريبة أو وجود امرأة غريبة مع الزوج في حالة مريبة.

4 – تحريض الزوج زوجته على ارتكاب الزنا والفجور.

5 – إذا حبلت الزوجة في فترة يستحيل معها اتصال زوجها بها لغيابه أو مرضه.

6 – الشذوذ الجنسي.

وبداية فإن هناك فرق بين الطلاق في الإسلام والتطليق في المسيحية، الطلاق في الإسلام يتم بإرادة منفردة من الرجل، بينما التطليق في المسيحية هو فصل بين الزوجين بناء على حكم محكمة, ولأسباب تقررها الكنيسة، وليس بإرادة منفردة، بينما لا يوجد النوع الأول في المسيحية أي بالإرادة المنفردة، ومن ثم فإن اعتناق الزوج أي مذهب آخر من المذاهب المسيحية أو انضمامه إلى أي ملة أخرى لا يبيح له بتاتاً أن يطلق زوجته بالإرادة المنفردة، ولهذا فإنه يجب في هذا الموضوع أن تحترم شريعة العقد (نجيب جبرائيل ص 53)

وهذا ما دعا المشروع الجديد إلى النص على أن تغيير الملّة لا يعتّد به، بل الاعتداد بالشريعة التي تم العقد في إطارها.

وفيما يلي شرح لوجهات النظر التي أثارتها المناقشات حول هذا الجزء الهام من مشروع هذا القانون:

حول أسباب التطليق: حصر المشروع الجديد أسباب التطليق في سببين فقط وهما الزنى أو تغيير الدين، وتجدر الإشارة إلى القرار البابوي رقم (7) لسنة 1971 والذي ينص على أن الزواج وأثاره لا ينظمها ولا ينبغي أن يحكمها إلا شريعة العقد، وإقرار شريعة الزوجة الواحدة، وأن لا طلاق إلا لعلة الزنى.

وقد رفضت المحكمة المدنية هذا القرار وقالت: إن مواد 1938 لا تتأثر بالقرار البابوي وتجدر الإشارة إلي أن مجموعة 1938 والتي مازال القضاء يأخذ بها حتى الآن هذه المجموعة تشتمل على تسعة أسباب للتطليق وهي المواد من 50 : 58:

مادة (50): تنص على يجوز لكل من الزوجين أن يطلب الطلاق لعلة الزنا“.

مادة (51): ” إذا خرج أحد الزوجين عن الدين المسيحي وانقطع الأمل من رجوعه إليه جاز الطلاق بناء على طلب الزوج الآخر“.

مادة 52: “إذا غاب أحد الزوجين خمس سنوات متوالية بحيث لا يعلم مقره ولا تعلم حياته من وفاته، وصدر حكم بإثبات غيبته جاز للزوج الآخر أن يطلب الطلاق“.

مادة 53: “الحكم علي أحد الزوجين بعقوبة الأشغال الشاقة أو السجن، أو الحبس لمدة سبع سنوات فأكثر يسوغ للطرف الآخر طلب الطلاق“.

مادة 54: “إذا أصيب أحد الزوجين بجنون مطبق، أو بمرض معد يخشى معه على سلامة الطرف الآخر يجوز للزوج الآخر أن يطلب الطلاق إذا كان قد مضى ثلاث سنوات على الجنون أو المرض وثبت أنه غير قابل للشفاء“.

ويجوز أيضًا للزوجة أن تطلب الطلاق لإصابة زوجها بمرض العنة إذا مضى على إصابته به ثلاث سنوات، وثبت أنه غير قابل للشفاء, وكانت الزوجة في سن يخشى فيه عليها من الفتنة“.

مادة 55: “إذا اعتدى أحد الزوجين على حياة الآخر، أو اعتاد ايذاءه ايذاء جسيماً يعرض صحته للخطر، جاز للزوج المجني عليه أن يطلب الطلاق“.

مادة 56: “إذا ساء سلوك أحد الزوجين وفسدت أخلاقه وانغمس في حمأة الرذيلة ولم يجدي في إصلاحه توبيخ الرئيس الديني ونصائحه، فللزوج الآخر أن يطلب الطلاق“.

مادة 57: “يجوز أيضًا طلب الطلاق إذا أساء أحد الزوجين معاشرة الآخر، أو أخل بواجباته نحوه إخلالاً جسيماً مما أدى إلى استحكام النفور بينهما وانتهى الأمر بافتراقهما عن بعضهما واستمرت الفرقة ثلاث سنوات متوالية“.

مادة 58: “كذلك يجوز الطلاق إذا ترهبن الزوجان، أو ترهبن أحدهما برضا الآخر“.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الحكم برفض مجموعة 1938 يرجع إلى أن من وضعها كانوا من العلمانيين، بينما يحسب ذلك في الواقع لهذه المجموعة ولا يحسب عليها، وذلك لأنها تتفهم أوجه المعاناة التي تعاني منها بالفعل الأسرة المصرية، والتي ازدادت بصورة أكبر في الوقت الحالي ربما أكثر مما كانت عليه عام 1938 عندما صدرت هذه اللائحة. وتساءل المشاركون في الحوار عما إذا كان قد تم طرح هذا المشروع على القيادات الكنسية من العلمانيين والخبراء والمتخصصين في التربية وعلم النفس على مستوى كل طائفة أم أن وضعها اقتصر على عدد قليل من رجال الدين وبعض من المستشارين.

وقد رأى البعض أن هذا المشروع ربما لا يعلم به أو بوجوده جمهرة المسيحيين على كل مستوياتهم وطوائفهم. ويقول بعض المشاركين في المناقشات البؤرية: إذا كان من تسن من أجلهم القوانين ليسوا على علم بها وليسوا من المسئولين عن إبداء الرأي فيها؟ فلمن توضع؟ ومع أي قضايا تتجاوب؟ ولماذا لم يتم إجراء دراسات مستفيضة قبل وضع هذا التشريع تتناول تاريخ الكنائس في التعامل مع مشكلات الأسرة؟ وهل هذه المشكلات بنت يومنا هذا، أم أنها موجودة منذ الأزمنة البعيدة. ومع تطور المجتمع والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فمن حق الشعب المسيحي أن توضع له تشريعات تتحدث عن مشاكله وتعالجها برؤية تجمع بين وجهة النظر الدينية والتفهم للأوضاع المجتمعية سواء كان ذلك على مستوى الكنيسة أو على مستوى الدولة أو على مستوى العلاقات بين الدولة والكنيسة، كما يرى البعض الآخر أنه يتعين عند تناول قضية الزواج والطلاق أن نتعرف على تجارب الشعوب الأخرى دون أن يقتصر الأمر على مجتمعنا المحلي. وقد أخذ موضوع الطلاق ومنع زواج المطلقة مناقشات كثيرة وأبعادًا كثيرة انتهت في أوروبا إلى أن أصبح الموضوع مدنياً فقط، دون تدخل من الكنيسة، أما في أمريكا وهي أكثر تديناً فقد ظهرت حركات إحيائية، وأخرى تقف ضد التشدد والالتزام الحرفي بنص الكتاب المقدس ويرى البعض أن صعوبة وجود تشريع موحد ترجع إلى عدم الاتفاق بين الطوائف على كيفية النظر إلى النص الكتابي، وما إذا كان بالإمكان فهمه بشكل أرحب وأوسع. وقد أثار البعض تساؤل حول مفهوم الجسد الواحد، بمعنى هل كل زوجان مسيحيان هما بالفعل جسد واحد، وهل كل زواج مسيحي جمعه الله؟ ويرى البعض أن سلطة الزواج يمكن أن تتركها الكنيسة, ويكون البديل هو الزواج المدني. وسنعود إلى هذا الاقتراح لاحقاً عند مناقشة صور الإصلاح التي أفرزتها هذه المناقشات والتي يرونها لازمة في مجال الأحوال الشخصية للمسيحيين.

والسؤال الرئيسي الذي طرح في المناقشات وأخذ وقتاً طويلاً في مناقشته والتعليق عليه هو: هل من الصالح تضييق الأسباب التي تعطي أو تبرر انقضاء العلاقة الزوجية, أم أن هناك اعتبارات كثيرة يتعين أخذها في الاعتبار لتوسيع هذه الدائرة.

على سبيل المثال: ما هو موقف هذا المشروع الجديد من العنف الموجه من أي من الطرفين باتجاه الآخر؟ سواء كان عنفاً نفسياً أو معنوياً أو جسدياً؟ وهل يمكن للعلاقة الزوجية أن تستمر في إطار هذا النوع من العلاقات؟ وهل يمكن للمرأة الآن وهي تتعلم وتعمل وتتبوأ أرفع المناصب، أن تقبل هذا النوع من المعاملة؟ وما هو موقف أي من الزوجين الذي يقهر الطرف الآخر ويسلبه إنسانيته؟ ربما كانت المرأة بالأمس تتقبل وتتحمل هذه الإهانات والمعاملة غير الآدمية، إلا أنها الآن تنتظر وتتوقع معاملة أخرى من الطرف الآخر. وهل يمكن أن يناقش ذلك باستفاضة في إطار الفكر المسيحي الذي لا يعّبر إلا عن ضرورة إكرام المرأة وإعلاء شأنها وامتداح عقلها وحكمتها؟ وأين مكان هذا الإكرام من القوانين والتشريع؟

يعلق الدكتور القس إكرام لمعي على هذا التناول أنه يتعين أن عند تناول الشريعة التي أتي بها السيد المسيح أن نناقش: هل يتعين أن نفهمها حرفياً أم أن نتفهم المعنى الروحي والرمزي لها؟ ويرى أن المشكلة الحقيقية هي في تفسير الكتاب المقدس حرفياً، كما يتساءل أيضًا (هل ما قاله الرسل نصوص أم تشريع؟) ويرى د. إكرام أن من المفترض أن الكنيسة وفقاً لتعاليم الكتاب تحدد الخطأ والصواب, ولكنها لا تتدخل لمحاكمة المذنب وعقابه, وبالتالي فالسؤال هنا هل يترك أمر الطلاق في يد الكنيسة؟ وهل هذا من سلطانها أن تمنع وتبيح؟ وإلى أي حد لها هذا السلطان؟. من المفترض أن عدم الالتزام بما حددته الكنيسة يعتبر من قبيل ارتكاب خطية, ومن المفترض أيضًا أن الفرد له حرية في التصرف فمن يريد ارتكاب خطية فلا سلطان للكنيسة عليه. ويستطرد قائلاً: في أمريكا المراسم الدينية تكميلية وليست أساسية فعقد الزواج عقد مدني ويتم الزفاف كنسياً لمن يريد وعند الطلاق لا تتدخل الكنيسة بل يترك أمر الناس لأنفسهم وفي أوروبا هناك فصل تام ما بين الزواج المدني والكنيسة. وهناك من يعلون من قيمة النظرة الإنسانية على الشريعة حسب قول الكتاب وضع السبت لأجل الإنسان وليس الإنسان لأجل السبت، وقوله أيضًا أريد رحمة لا ذبيحةفأيهما له الأولوية, وأيهما له السلطان, وأيهما يخضع للآخر.

وأمام هذا الرأي هناك رأي آخر يرى أن الزواج موضوع إلهي إنساني في ذات الوقت, ومن ثم لابد لقياس الحكم على الأوضاع أن يكون إنسانياً أيضًا وذكر مثال الزنا فالقانون يحكم بطلاق الزاني، أما إذا أذل أحد طرفي العلاقة الزوجية الطرف الثاني فالقانون لا يحكم للطرف الآخر بالطلاق وأشار البعض الآخر إلى أهمية التفريق ما بين المباديء العامة والقانون، فالموعظة على الجبل على سبيل المثال مثل الدستور تضع مباديء عامة، أما القانون فلابد أن يراعي واقع الحياة.

ورغم رحابة ومرونة هذه الآراء إلا أن الموقف لم يكن كذلك بالنسبة لعدد آخر من الحاضرين الذين رأوا أن إتاحة الطلاق بيسر سيؤدي إلى مشكلات مع الأبناء وأنه ليس في صالح الأسرة فحينما نضيق من أسباب الطلاق فإن الدافع هنا هو الحفاظ على الأسرة وكيانها، والدليل على ذلك أن الدولة نفسها قد سعت في وقت إلى تطبيق شريعة الزوجة الواحدة. ورأى بعض رجال الدين تعليقًا على ذلك بأن المجلس الإكليريكي يبذل فيه محاولات جادة للصلح بين الزوجين وإذا لم يتم الصلح يدرس للمجلس الأمر بعناية لتحديد المجني عليه وهو الذي يأخذ تصريحًا بالزواج وهذا في حالة من يحصل على طلاق من المحكمة وبالإضافة إلى ذلك فإن للمجلس لا يتقيد بعلة الزنا ولكنه ينظر نظرة متطورة إلى كل حالة حسب ظروفها وأن للمجلس سلطة تقديرية في الحكم على الأمور.

وتعقيبًا على هذا الرأي فقد أشار البعض إلى أن مفهوم السلطة التقديرية التي تمنح للمجلس الإكليريكي هي بمثابة هروب من وضع قاعدة يتم الالتزام بها, ومن ثم يعفي الكنيسة من الحرج.. وهذا الاختلاف في معايير الحكم يجعل بعض القضايا يتم الفصل بسرعة بينما تستمر قضايا أخرى لفترات طويلة.

وحول التشدد أو المرونة كان للقيادات الدينية رأي في هذا الموضوع يحسن عرضه فيما يلي:

يقول الأب يوحنا قلته أنه لا يرى أن الكنيسة تكون وصية على أمر من أمور الإنسان المسيحي ولا جسده ولا خصوصياته ولكن الكنيسة عليها أن تكون منارة تقول كلمة الحق، وللإنسان أن يقبلها أو يرفضها ولكن ليس للكنيسة أن تستعين بالدولة لإرغامي على قانون كنسي، كما أنه ليس من حق الدولة أن ترغمني على دين غير ديني.

والموضوع كما يرى الأب يوحنا قلته ليس في إقرار تسامح أو تشدد ولكن المرونة واجبة ولما سئل السيد المسيح لماذا تمنع الطلاق وقد أمر موسى أن يعطي كتاب طلاق؟ أجاب: لأجل قساوة قلوبكم، ويرى نيافة الأب يوحنا قلته أننا نعيش أصعب الأوقات التي ينطبق عليها قساوة القلب وفي ذات الوقت فإنه يجب ألا تكون المشكلات المرتبطة بالزواج سبباً لتغير الدين.

ويستطرد قائلاً أن الزواج المسيحي يرتكز على أساس الحب والقبول، غير أن الواقع يشهد أن نسبة كبيرة من الزيجات تتم لأسباب غير الحب ومن ثم يصبح هذا الزواج عقداً وليس زواجاً بالمفهوم المسيحي ويرى أيضًا أن أغلب حالات التفكك الأسري تعود إلى الأسباب الاقتصادية والثقافية وفي إطار التشدد لا يكون أمام طرفي النزاع إلا اللجوء إلى تغيير الدين.

ويعلق د. القس صفوت البياضي على موضوع التشدد أو المرونة قائلاً إن لائحة 1938 غير منفذة في عرف الكنيسة الآن في ظل القرار الذي أصدره البابا شنودة، والمشروع المقدم يغلق الباب أمام تغيير الملة أو الطائفة (رغم ما كان يترتب عليها من مشكلات) وأسباب الطلاق هي في هذا المشروع الزنى فقط، وليس في الصالح على الإطلاق ولا من حيث حقوق الإنسان, ولا إنسانية الإنسان لأن الله لا يريد للإنسان أن يتعذب.

ويقول الدكتور القس صفوت البياضي رئيس الطائفة الإنجيلية: إن القرار رقم 7 لسنة 1971 يقضي بعدم تزويج المطلقة والقول بأنه إذا طلق واحد لغير الأسباب الواردة بالإنجيل لا تعترف به الكنيسة ولا تعتد به ومن ثم فإن الزواج يعتبر قائماً وهذا يعني أن حدوث الطلاق يمنع المطلق أن يتزوج والنتيجة وجود ما يقرب من 40 ألف حالة طلاق لا يوجد لها حل, لأن الكنيسة لا تقبل أن يكونوا مطلقين.

ويرى الأنبا مرقص أن بطلان الزواج يحل الكثير من المشكلات وهو يرتكن إلى أسباب متعددة من بينها (فارق السن الكبير، أو الأمراض النفسية والعقلية أو الأمراض المعدية، أو الشذوذ الجنسي…) وهي تعطي الفرصة للحكم ببطلان الزواج. وهذا إلى جانب الحكم بالتطليق لعله الزني.

هذه المساحة المتسعة التي تشمل الأمراض النفسية والأمراض المعدية ربما يعوقها النص الوارد في المشروع الجديد والذي لا يأخذ لهذه الأسباب إلا إذا تم اكتشافها قبل الزواج.

الخلع والزواج العرفي

الشرائع المسيحية لا يوجد فيها هذا النوع من الزواج وهو الزواج العرفي، لأن الزواج في المسيحية هو ليس مجرد عقد أو اتفاق يبرم بين رجل وإمرأة يريدان العيش معاً، وأن يشارك كل منهما الآخر. وهو رباط مقدس يجمعها معاً في واحد على الرغم من تمايزهما، ويتم بمراسيم دينية، لهذا لا وجود للزواج العرفي في المسيحية.

وينظر الأب يوحنا قلته، إلى الزواج العرفي على أنه كارثة، يزيد من خطورتها أن المعلومات عنه ليست متوفرة لا للدولة ولا للكنيسة.

أما الخلع فيقول الدكتور القس صفوت البياضي أن الخلع في إطار تطبيق الشريعة الإسلامية عند اختلاف الملة أمر وارد حيث تجيز الشريعة الإسلامية للرجل أن يطلق زوجته بالإرادة المنفردة، وفي المقابل فإن من حق المرأة بتطبيق الشريعة الإسلامية أن يصبح لها حق الخلع في المقابل.

وتجمع المناقشات على أن المسيحية لا تعترف بالخلع، إلا أن هناك حالات خلع لمسيحيين معروضة أمام المحاكم، ويشير أحد الحاضرين إلى وجود حوالي 45 حالة في الفترة من 2000 – 2004، ويرى البعض أن المرأة المسيحية التي تلجأ إلى طلب الخلع هي في الواقع تطلب تطبيق الشريعة الإسلامية التي تجيز للمرأة ذلك. أما الزواج العرفي فهو مرفوض، لأن الزواج في المسيحية يعني الثبات والاستمرار، وهذان الشرطان لا يتوافران في الزواج العرفي، بالإضافة إلى أنه زواج غير موثق ومن ثم فإن الكنيسة لا تعترف به، ويدخل الزواج العرفي تحت مظلة العلاقات غير الشرعية.

في التفريق بين الزوجين

وتحت هذا العنوان تناولت المناقشات المواد أرقام 123 – 126

تنص مادة 123: إذا ستحكم الخلاف بين الزوجين أصبحت معيشتهما المشتركة مستحيلة أو متعذرة لمثلهما، ولم تفلح المصالحة الكنسية فيجوز الحكم بالتفريق بينهما، ويصدر الحكم بناء على طلب الزوجين أو أحدهما ويجوز أن يكون التفريق مؤبدًا أو لحين زوال السبب المسوغ.

وبالنسبة للزوجين الكاثوليكي المذهب الذين لا يدينان بالتطليق إذا زنا أحدهما يجوز للطرف البريء أن يطلب التفريق بين الزوجين لسبب الزنا إذا كان قد وقع بعلم الطرف البريء أو بتحريض منه.

مادة 124: يترتب على الحكم النهائي بالتفريق وقف آثار الزواج دون الإخلال بالتزام كل من الزوجين بالأمانة والمعاونة قبل الآخر (مع بقاء الزواج قائماً) ويجوز الحكم بالنفقة بناء على طلب أحد الزوجين إذا كان في حاجة إليها.

ومع ذلك يجوز للزوج الذي صدر حكم التفريق لمصلحته أن يطلب من الزوج الآخر العودة إلى الحياة المشتركة، فإذا رفض سقطت نفقته.

مادة 125: إذا حكم بالتفريق بين الزوجين تكون حضانة الأولاد للزوج البريء إلا إذا تعارض ذلك مع مصلحتهم.

مادة 126: إذا اتفق الزوجان على إعادة الحياة الزوجية المشتركة زالت آثار الحكم بالتفريق، وتسرى الإجراءات المشار إليها في المادة 119 على الأحكام الصادرة بالتفريق بين الزوجين، وعلى الاتفاقات الخاصة باستئناف الحياة الزوجية المشتركة.

وقد أثارت المادة الأولى تحفظات لاسيما من جانب القيادات العلمانية على هذا الحل المقترح بالتفريق الذي قد يكون أبدياً كما يقول نص المادة وذلك إذا أصبحت الحياة مستحيلة، ولم تفلح جهود المصالحة، والتحفظ حول مدى إمكانية أن يكون ذلك حلاً مقبولاً لطرفين قد يكون استحكام الخلاف قد أصبح واقعاً من سنوات الزواج الأولى، فهل من المتوقع أن يعيش كل منهما هكذا طوال حياته؟ وتساءل البعض: ألا يفتح هذا الحكم الأبواب على مصراعيها لترك الدين حلا لهذا الموقف الذي لا يقبله إلا طرفين شديدي الالتزام والإيمان بمبرراته؟

أما المادة (124) فقد أثارت أيضًا عدة تعليقات منطقية، إذ كيف يمكن تصور فعلى لتطبيق هذه المادة في حالة زوجين استحكم الخلاف بينهما؟ وعن محتوى المادة 125 فإن مفهوم البريء الواردة فيها تثير التساؤل حول معناها، فالزوجان لهما دور مشترك في استحكام الخلاف، ومن الصعب تحديد أيهما مذنب وأيهما بريء، ومن ثم فإن هذه المادة أيضًا تفتح باب كيل الاتهامات التي ربما يصعب إثباتها.

وهنا يجب الإشارة مرة ومرات إلى استيفاء مجموعة 1938 للكثير من الأسباب التي تواجه العديد من المشكلات فهي تستوعب في الأسباب انقضاء العلاقة الزوجية إساءة المعاملة التي يستحيل معها العشرة.

في الجهاز

اشتمل مشروع القانون على مادتين هما 127 و 128. تنص مادة 127 على أن الجهاز هو ما تأتي به الزوجة إلى منزل الزوجية من ملابس ومصاغ وأمتعة. وأن من حقها امتلاك كل ما تأتي به الزوجة بيت الزوجية من ملابس ومصاغ وأمتعة من مالها الخاص أو من مال أبيها.

وتنص مادة 128 على أنه إذا اختلف الزوجان حال قيام الزوجية أو بعدها على متاع غير الجهاز الموضوع في مسكن الزوجية فما يصلح للنساء عادة يكون للزوجة إلى أن يقدم الزوج الدليل على أنه له وما يصلح للرجال أو للرجال والنساء معاً فهو للزوج ما لم تقدم الزوجة الدليل على أنه لها.

وقد أجمع الكل على عدم وضوح هاتين المادتين، لأن المادة الأولى تتحدث عما تأتي به الزوجة التي بيت الزوجة من ملابس ومصاغ وأمتعة وهذا تعريف كلمة الجهاز كما هو وارد بنص المادة 127 ولكن الجهاز كما نفهمه جميعاً هو عفش البيت الذي قد يعده الزوج منفرداً بمشاركتهما معاً حسب ما يتم الاتفاق عليه. ولكن هاتين المادتين تتحدثان عن كلام مبهم وغير واضح وغير مفهوم لاسيما المادة (128) أيضًا والتي تقول ما يصلح للنساء يكون للزوجة وما يصلح للرجال يكون للزوج وهذا بالفعل كلام غريب ولا معنى محدد له يمكن أن يعطي للقاضي أي حدود للتعامل معها، فما معنى ما يصلح للنساء هذه وما معنى ما يصلح للرجال؟

أحكام عامة

مادة 143: وتنص على تظل الزوجية وما ينشأ عنها من آثار خاضعة للأحكام المبينة بهذا القانون والخاصة بالشريعة التي تمت المراسيم الدينية وفقاً لطقوسها. ولا يعتد بتغيير أحد الزوجين طائفته أو ملته أو ديانته أثناء قيام الزوجية، وكذلك تسري هذه الأحكام على المنازعات الخاصة بالطلاق والتطليق والانفصال وبطلان الزواج وانحلاله والتفريق بين الزوجين.

مادة 144: يجب على المحكمة في دعاوى التطليق والتفريق ندب مكتب المصالحات بالكنيسة التي انعقد فيها الزواج وفقاً لطقوسها، والذي تحدده الرئاسة الدينية لمحاولة التوفيق بين الطرفين ليقدم تقريراً بما انتهى إليه خلال الأجل الذي تحدده.

مادة 145: يلغي كل نص يخالف أحكام هذا القانون.

هذه المادة وضعت لإغلاق الباب على ما جاء بنص المادة (462) لسنة 1955 ويطالب الأب يوحنا قلته في تقرير غير منشور مقدم إلى المجلس القومي للمرأة أن يتعرف القاضي المسلم على صحة الرغبة في التحول إلى الإسلام وألا يكون السبب من أجل الحصول على الطلاق وذلك كما يقول نيافته احتراماً للإسلام من جانب، وحفاظاً على ما يترتب على الطلاق من حقوق خاصة بالأبناء، والتلاعب بمستقبلهم نتيجة لذلك من جانب آخر.

ويقول الدكتور القس صفوت البياضي رئيس الطائفة الإنجيلية

أن اختلاف الزوجين في الملة يؤدي إلى تطبيق الشريعة الإسلامية ويرى أن التطبيق العملي للزيجات بين مختلف الطوائف جائز لاشتراكهم جميعاً في الديانة، ودليل ذلك اتفاق كل الطوائف على قانون موحد لمواجهة هذه المادة السادسة من القانون 462 لسنة 1955 إذ أن هذه الفقرة تقلل من القيمة التي قصدها الشارع بأن الأحكام تصدر في نطاق النظام العام طبقاً لشريعتهم ويرى القس صفوت البياضي أن هذه الفقرة تجهض مبدأ تعدد الشرائع وأن غير المسلمين لا تسرى عليهم شريعتهم. إذ يصبح الاختصاص العام هو للشريعة الإسلامية، الأمر الذي لم يكن مطبقاً في أي وقت من الأوقات قبل هذا القانون. وما لم تتغير هذه المادة والتي تسمح بتغيير دين الشخص إلى الدين الإسلامي لمجرد الرغبة في الحصول على الطلاق، فلن يكون هناك خصوصية لتشريع لغير المسلمين، طالما أن الشريعة الإسلامية ستتطبق في أي حالة من حالاته“.

وفي المناقشات التي تمت مع القيادات الدينية العليا أعاد الأب يوحنا قلته عرض وجهة نظر نيافته قائلاً إن التحول إلى الإسلام أمام أي مشكلة في المحكمة يقضي بعدم وجود أي حقوق للزوجة, ويستطيع الزوج أن يضم الأولاد بهذا الحكم، وأن يتزوج على الزوجة المسيحية، ويستطيع أن لا يطلقها لأن الإسلام يعطيه حق الزواج من مسيحية“. ويرى أيضًا أنه بدون جرح لأي من العقيدتين فإن الشخص يحاكم حسب عقيدته وقت الزواج حتى لا يتم التلاعب بالأديان“.

أما بالنسبة إلى إغلاق باب التحول إلى طائفة أخرى للحصول على الطلاق فهو يرى أن هذا ما يلجأ له البعض الآن، وهو التحول إلى طائفة مسيحية تسمح بالطلاق مثل السريان الأرثوذكس, والكنيسة الأسقفية، ولكن كل هذا سيغلقه المشروع الجديد.

أ . المشكلات:

1 – مشكلات مرتبطة بما اشتمل عليه مشروع قانون 1988: يخلص العرض السابق لمحتوى مشروع قانون 1988 إلى عدة تحفظات نجملها فيما يلي:

جاءت بعض النصوص غير معبرة عن الفكر والثقافة المسيحية مثل المواد التي تناولت مسئوليات الإنفاق على الأسرة، ومكان المعيشة.

عدم الأخذ بمعطيات العلم في بعض النصوص مثل إثبات البنوة.

عدم مواكبة التطورات في التشريعات العامة لاسيما ما يتعلق بسن الحضانة.

مواد فضفاضة، استخدمت فيها تعبيرات غير محددة، وأحيانًا غير واضحة مثل سبب مقبولو صالحين للزواج، والمواد التي تعرضت للجهاز

مواد تتحدث عن أخلاق عامة أو عموميات أكثر منها نصوص قانونية أو قواعد موضوعية مما يعوق القاضي عن مراقبة تطبيق القانون مثل المواد التي استخدمت كلمة (يجب)

الإفاضة في شرح تفاصيل مظاهر الزنى أمر يحسب لهذا المشروع، غير أن قصر حالات التطليق على الزنا وترك الدين يجعل الأمر أكثر تعقيداً، ومع إغلاق باب تغيير الملة، يصبح الأمر شائكاً ويجعله متروك دون حلول أو مواجهات متفهمة لأسباب الشقاق الحالي، مما يؤدي إلى تراكم حالات الطلاق أو الأحكام التي لا ينفذ منها سوى عدد قليل جداً.

مواد ضعيفة في صياغتها وغير محددة مثل مواد المهر والشبكة.

لم يطرح هذا المشروع للمناقشة في الأوساط المسيحية، ولم يؤخذ رأي المتخصصين في مسائل الأحوال الشخصية، وربما حتى لم يسمع به أغلب المسيحيين.

لم يقدم هذا المشروع جديداً بل زاد الأمور تعقيداً، ولم يراعي البعد الاجتماعي ومتطلبات العصر الذي نعيشه بمشكلاته المعقدة وتغيراته المتسارعة.

وبدلاً من علاج التحايل على مسألة تغيير الطائفة أغلق هذا الباب دون أن يحل المشكلات التي تدفع إلى هذا التحايل وهكذا فتح الباب على مصراعيه لتغيير الدين حلاً للمشكلات.

خلا المشروع من النص على أن يكون للمجالس الإكليريكية المختصة بالأحوال الشخصية رأي استشاري تستعين به المحاكم أسوة برأي نيابة الأحوال الشخصية، وأسوة بما تطلبه المحاكم في كثير من الأحوال من رأي مفتي الديار المصرية.

خلا المشروع من المواد التي تتناول المواريث رغم وجودها في مجموعة 1938. ورغم أهميتها في التعبير عن صحيح الفكر المسيحي في المساواة بين الأبناء الذكور والإناث على السواء.

رغم وجود العنف كسمة الآن في العالم كله، ورغم أنه لا يحظى بأي تأييد من أحد سواء في المسيحية أو غيرها من الأديان، إلا أن وجوده لاسيما في الأسرة من الأمور الواردة والحادثة بالفعل. ورغم استجابة مجموعة 1938 لهذا الفهم المتسع منذ ما يقرب من سبع وستون سنة، ورغم كل ذلك فإن المشروع الجديد لم يتضمنه سبباً للطلاق. والمفروض مع احترام قدسية الزواج والعمل على صيانة الأسرة والإبقاء عليها ألا نغلق الباب تماماً أمام هذه الأسباب سواء كانت العنف والإيذاء أو استحكام النفور لاسيما والعلم يثبت أن هناك من الحالات التي لا يجادل فيها أحد تكون استحالة استمرار العلاقة الزوجية فيها بادية لكل إنسان. ومن المعلوم طبيًا أن القبول للآخر في العلاقات الحميمية تحكمه جوانب سيكولوجية لا علاقة لها بالجوانب المادية الظاهرة من قريب أو بعيد. ويمكن أن يقيد ذلك بدراسة لكل حالة على حدة بحيث لا يكون قاعدة تطبق على الجميع دون تثبت علمي منها.

2 – مشكلات تطبيق التشريعات المتباينة على قضايا الأحوال الشخصية للمسيحيين:

يرى فريق من المشاركين بأن مكمن الخطورة هو في تطبيق مادة 426 لسنة 1955. وأننا ما دمنا نتحدث عن زواج مسيحي فلا يمكن فصله عن عقيدة الكنيسة. وربما أن اقتراح القانون الموحد هو لمواجهة المشكلات التي ترتبت على هذه المادة المشار إليها، والمطلوب هنا أن يترك المسيحيين لكي يحكموا بشريعتهم كما تشكل مشكلة اعتبار الشريعة الإسلامية هي القاعدة وتطبيق الشريعة المسيحية هو الاستثناء، وأن جميع القوانين يتعين أن تكون في سياق الشرع العام (أي الشريعة الإسلامية) وقد أدى ذلك إلى إعاقة الكثير من القواعد التي تضبط العلاقات وتنظمها في الشريعة المسيحية، وفرضت أوضاعًا لا وجود لها في الفكر المسيحي مثل قواعد الميراث، والنفقة ، هذا بالإضافة إلى ما تنص عليه المادة المذكورة والتي تقضي بتطبيق الشريعة الإسلامية على الزوجين المسيحيين في حالة اختلاف الملة بينما الأقرب إلى الموضوع أن يطبق القاضي شريعة أي من الطرفين المسيحيين (سواء كان الأرثوذكسية أو الكاثوليكية، أو الإنجيلية)، إلا أن القاضي ينحيها جميعاً ويطبق الشريعة الإسلامية.

ويسجل الأنبا مرقس أسقف أبرشية شبرا الخيمة وتوابعها اعتراضاً على تطبيق الشريعة الإسلامية أو قبول من يريد التحول إلى الإسلام دون بحث الأسباب ويقول كيف يقبل الإسلام أن يتحول إنسان إلى الدين الإسلامي لأنه يريد الطلاق، ويتساءل أليس الأصل في التحول إلي دين ما هو الإيمان بهذا الدين الجديد؟

وفيما يلي عدة مشكلات طرحها جمهور المشاركين وأيضًا المستشارين القانونيين، والقيادات العليا الدينية التي تم عقد اللقاءات المتعمقة معها.

ترفض الكنيسة تنفيذ الأحكام القضائية التي تقضي بالطلاق لأسباب لا تتصل بعلة الزنى، والمشكلة هنا أن الكنيسة ليست طرفاً في النزاع حتى تمتثل إلى هذه الأحكام. هذا فضلاً عن أن الحكم بالطلاق لا ينطوي على النص بضرورة منح تصريح زواج جديد لمن قام برفع الدعوى القضائية. والتصريح بالزواج يظل رهن موافقة الكنيسة على ذلك، وهناك قضايا مرفوعة تطالب الكنيسة بأن تعطى تصريح زواج لمن حصل على حكم بالطلاق (نجيب ميخائيل: مذكرة غير منشورة)

والمشكلة هنا هي عدم وجود توافق بين أحكام القضاء والقواعد المعمول بها في المجلس الإكليريكي. ويتعين كما تقول المذكرة سابقة الذكر لحل هذه المشكلة أن توجد صيغة من التوافق بين أحكام القضاء وهذه القواعد على نحو يجعل من يحصل على حكم بالطلاق في المحكمة مؤهلاً للحصول على تصريح بالزواج.

تنص مواد مشروع القانون الموحد وأيضًا مجموعة 1938 على: “بطلان الزواج لعنة الزوج متى كانت الزوجة قد مكنته من نفسها لمدة أربعين يومًا“. إلا أن هذا التشريع موقوف عن العمل، ولا يمكن رفع دعوى قضائية به إلا بعد مرور عام كامل، نظراً لأن التشريع الإسلامي يترك الحكم على ذلك مدة سنة كاملة استنادًا إلى أن الرجل قد يؤتى الزوجة في فصل دون آخر من فصول السنة.

كما يتعطل التشريع المسيحي أيضًا في حالة الحق في طلب الطلاق للضرر إذا ترك الزوج الآخر الدين المسيحي، وذلك لأن الشريعة الإسلامية تعطي الحق الرجل أن يتزوج مسيحية, وبالتالي لا تعتبر المحكمة أن ضرراً وقع على الزوجة المسيحية إذا أثر الزوج الاحتفاظ بها.

رغم أنه لا يجوز للمسيحي أن يطلق زوجته بإرادته المنفردة، إلا أن تغيير الملة الذي يفتح المجال لتطبيق الشريعة الإسلامية يبطل هذا التشريع لأن محكمة النقض في حكم لها قررت: “أن الشريعة الإسلامية تبيح للزوج أن يطلق زوجته بالإرادة المنفردة وهي على ما جرى به قضاء هذه المحكمة القانون العام الواجب التطبيق في مسائل الأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين المختلفي الطائفة أو الملة وتصدر الأحكام فيها طبقاً لما هو مقرر في لائحة ترتيب المحاكم الشرعية (أشرف جابر ومدحت جمال: ص 55).

في حال إسلام الزوج فإنه قد يلجأ إلى رفع دعوى يطلب فيها ضم الأبناء الصغار في سن الحضانة القانوني وحرمان الأم الحاضنة منهم، علماً بأن سن الحضانة موحّد بين المسلمين والمسيحيين, وأن العبرة فيه أساساً هو مراعاة مصلحة الصغير وليس الوالدين. وهذا فيه تعطيل للقوانين المنظمة لسن الحضانة، وإيقاع ضرر بالغ بالطفل ربما قبل الأم الحاضنة. وما يتعين التنويه له هنا أن الإسلام يعتبر كتب المسيحيين حجة عليهم، ويحاكمون بها, ويمكن للمحاكم أن يقضي فيها للمسيحيين قضاة مسيحيين وفقاً لشرائعهم الدينية الخاصة بما فيها نظام الأسرة.

وإذا كان من المتفق عليه أن يكون للمسيحيين تشريعهم الخاص بهم فلماذا لا يتضمن هذا التشريع أيضًا كل ما يتعلق بالمواريث والقوامة والولاية والتبنيالخ. ولماذا يعمد المشرع إلى تجاهل هذا التشريع الخاص إلى قواعد عامة تحكم كل المصريين.

إن مبدأ تغيير الطائفة لا يستفيد منه إلا الزوج، فالرجل يستطيع أن يغير طائفته أو ملته ويطلق زوجته بإرادته المنفردة، وفي الوقت نفسه لا تستطيع الزوجة أن تستفيد من هذا النص لأن تغيير طائفتها أو ملتها لا يعطيها الحق في تطليق الزوج مما يجحف بحق المرأة ويفقدها مبدأ العدالة والمساواة، ولا يكون أمامها إلا طريق واحد هو تغيير الدين للتخلص من سوء المعاملة. وإذا أراد الرجل الإصرار على إذلالها فإنه يتحول بدوره إلى الإسلام وبالتالي يكون هو الممسك بزمام الأمور، إلا إذا لجأت الزوجة إلى رفع دعوى تطليق للضرر وهي ليست من الأمور السهلة أو السريعة، أو الالتجاء إلى الخلع الذي يفقدها كل حقوقها.

ب حلول مطروحة وإصلاحات مرجوة:

من المعروف أن الجهة أو الهيئة المختصة لبحث مشاكل الأحوال الشخصية في الكنيسة هي المجلس الإكليريكي عند كل من الأرثوذكس والكاثوليك، ويرى الدكتور القس صفوت البياضي أن هناك ضرورة الآن لكي يكون للطائفة الإنجيلية مجالسها الملية لمناقشة أسباب الطلاق شأن باقي الطوائف.

يقول الأب يوحنا قلته إن هناك محكمة كنسية مكونة من كاهن وقاضي ومعاونين ومحامي سر تفصل في كل القضايا (ابتدائي واستئناف)، وحكمها يعتبر نهائي، وبناء عليه تعطى البطريركية إذن الزواج“.

وفي وظيفة المجلس الإكليريكي عند الأرثوذكس يقول أحد المستشارين (نجيب ميخائيل: مذكرة غير منشورة) أن للمجلس الإكليريكي دوران: دور قبل لجوء أطراف المشكلة إلى المحكمة ودور بعد صدور الحكم القضائي النهائي.

ومن المعوقات أمام الدور الأول عدم إلمام الكهنة والعاملين في هذا المجلس بمسائل وقوانين الأحوال الشخصية بالإضافة إلى قلة عددهم بالقياس إلى حجم القضايا المعروضة، وغياب دور العلمانيين، وانحصار دور المجلس في مجرد تلقي الشكاوي وتدوينها واستدعاء أصحابها لمجرد أخذ أقوالهم. ومن المشكلات الهامة في أداء الدور البطء القاتل في اتخاذ القرارات, حيث يستغرق اتخاذ قرار في أي قضية ما بين عامين إلي ثلاثة أعوام وربما لا ينتهي الأمر إلى أخذ قرار فيها. وتؤدي مركزية اتخاذ القرار إلى فقدان المجالس الإكليريكية الفرعية صلاحياتها، وعدم وجود تعاون واضح بين هذه المجالس ومحاكم ونيابات الأحوال الشخصية بحجة أنها لا تخاطب المحكمة.

ويقتضي الحال في إطار تعاظم المشكلات وتكدسها بهذا الكم الهائل أن يؤخذ إصلاح هذه المجالس بعين الاعتبار، وأن يطور المجلس نفسه. ومن المقترحات في هذا المجال أن يزداد عدد الكهنة العاملين بالمجلس بما يتناسب وحجم القضايا, وزيادة عدد الأساقفة المختصين للتوقيع على تصاريح الزواج.

كما يستدعي حجم القضايا المرفوعة إنشاء عدة مجالس فرعية يربط فيما بينها شبكة معلومات، وأن تنعقد أكثر من مرة في الأسبوع، وأن يكون ضمن تشكيلها نخب من العلمانيين المتخصصين في علوم النفس والاجتماع أسوة بما هو متبع في مكاتب تسوية النزاع التابعة لوزارة العدل قبل عرض القضايا على المحاكم طبقاً لما جاء في قانون 10 لسنة 2004 (قانون الأسرة).

وللإعداد الجيد للآباء الكهنة أو الرعاة العاملين في هذه المجالس يقترح أن تعقد لهم دراسات وحلقات بحثية. ويجدر التنويه هنا إلى ما ذكره الأنبا مرقص عن وجود معهد المشورةالذي يتعلم فيه الكهنة كيف يتعاملون مع كل المشاكل الأسرية.

وكما تتم متابعة إنجازات وأداء أي مشروع أو مؤسسة فإنه يتعين متابعة الأداء الكمي والكيفي لهذه المجالس، وأن يصدر عنها إحصائيات ودراسات يتم وضعها في متناول يد من يحتاجها من القانونيين والدارسين.

وأسوة بهذا المعهد السابق الذكر فإن لجاناً ودورات تدريبية يتم عقدها في كل من الكنيسة الإنجيلية والكاثوليكية، وأيضًا الأرثوذكسية لتدريب المقبلين على الزواج، وأيضًا لرعاية المتزوجين حديثاً وإعطائهم كل ما يفيد في بناء حياتهم الأسرية على أسس سليمة. والمطلوب أن يكون اجتياز هذه الدورات مطلباً أساسياً، تقدم عنه وثيقة تعد أساسية لإتمام عقد الزواج.

طرحت فكرة العقد المدني بشدة من جانب عدد كبير من المشاركين، وأيضًا من بعض القيادات الدينية العليا. وفي نفس الوقت لم يجد ترحيباً من جانب آخر من الحضور. يستند هذا الفريق الأخير إلى أن العقد المدني يزوّج الناسبينما العقد الكنسي يُوحّدهم“. وأن الزواج المدني سيؤدي إلى حرمان من يقوم به من المشاركة في أداء الطقوس الدينية في الكنيسة.

أما الرأي الآخر وقد دعمه فريق كبير فهو يرى أنه السبيل الوحيد للخروج من المشكلات الحالية. ويقول الأب يوحنا قلته أطالب بلسان كثير من المسيحيين أن يكون هناك قانون مدني واحد للمسلمين والمسيحيين. فلا تعترض الكنيسة إذا تزوج الفرد مدنياً، ولو تزوج الفرد كنسياً فليس على الدولة أن تعترض. نحتاج إلى قانون واحد يعترف بالزواج الديني والزواج المدني، ويضع قواعد وقوانين في حالات الطلاق تسري على الجميع مسلمين ومسيحيين على السواء. ويكون أمام المسيحي المؤمن أن يلتزم بالزواج الديني“.

ويقول الدكتور القس صفوت البياضي لا يحل هذه المشكلات إلا الزواج المدني، وقد سبق أن أعلنت هذا الرأى من فوق المنابر الإعلامية“.

ومن المناقشات في مجموعات العمل الثلاث خرجت عدة آراء مؤيدة وبشدة لهذا الاقتراح. حيث ترى هذه الآراء أن اقتراح زواج مدني توافق الكنيسة عليه هو الذي يرتب العلاقات سواء أثناء العلاقة الزوجية أو انقضائها. أما المؤمن المسيحي الذي يفهم ومستعد أن يختار شريك الحياة على أسس مسيحية وأن يؤسس أسرة أبدية تسودها المحبة والاحترام والبذل والتضحية، فبإمكانه أن يتمم زواجه بعقد كنسي. وفي هذه الحالة لا يكون العقد الكنسي شرطاً للاعتراف بهذا الزواج، أو مرتباً لأي من تبعاته، بل هو مكمل لمن أراده فقط. ولا يترتب على عقد الزواج المدني حرمان أو استبعاد كنسي لرغبة كل منهما في أداء الطقوس الكنسية أو التمتع بالوجود فيها. ويرى هذا الفريق أن مسألة الزواج المدني هو أمر مطبق في دول العالم التي تعيش فيها أغلبيات مسيحية، حيث الزواج المدني هو الشكل العام، على أن يكون هناك زواج كنسي لمن يرغب.

وحول مسألة أسباب الطلاق:

فإن المناقشات حولها قد أفرزت مقترحات متعددة وهي:

أهمية شرح وتدقيق الكثير من المبادئ الواردة في الكتاب المقدس, حيث يمكن أن يتسع الفهم للنص ليشمل تأويلات أخرى. وهناك الكثير من القضايا التي وردت في الكتاب جاءت معبرة عن قواعد عامة أو مبادئ أخلاقية أكثر منها قوانين مثل زنا العين وزنا القلب، والسيد المسيح بهذا يعطي تفسيراً يتجاوز التعريف الحرفي. ويرى القس صفوت البياضي أن مفهوم الزنى ليس بالضرورة جسدياً، فليس بالضرورة أن يقترف الإنسان شيئاً مادياً، فالكراهية هي أيضًا زنى, ونحن إما أن نتقيد بالنص حرفياً، أو نجتهد في فهمه بعقل مفتوح يراعي متغيرات الزمن الذي نعيشه“. ولقد أعطى السيد المسيح لتلاميذه سلطاناً روحياً وتفويضاً وصلاحيات ليستخدموها في الكنيسة. واستخدم أيضًا السيد المسيح أسلوباً عقلانياً يدعو إلى التفكير والاستنتاج، وهو يدعو إلى تقديم الأولويات على التفسير الحرفي الضيق للوصية السبت لأجل الإنسان.. لا الإنسان لأجل السبت، ودعا إلى تغليب المصلحة وأن الضرورات تبيح المحظورات حين قال إن داود النبي حين جاع أكل خبز التقدمةليتجنب الضرر.

ويقول الأب يوحنا قلته إن الدين في خدمة الإنسان، ويتعين دراسة كل حالة على حدة ومحاولة تفهم الحالات التي يستحيل فيها العشرة“.

– “اعتمدت لائحة 1938 الاتجاه إلى التوسع في الأسباب التي تنهار معها أسس الزواج، أو التي تحدث فيها مشاكل تؤذي شريك الحياة وبشكل لا يقل فداحة عن الزنى. إلا أن المجتمع أخذ بها على مدى 33 سنة (حتى صدور مذكرة البابا عام 1971)، وفي عهد أربعة بطاركة، ونحن نحتاج اليوم إلى دراسات موسعة تقارن بين مدرستي 1938 والموقف الحالي في مشروع 1998، مع الاعتراف بنبل الغايات في الحالتين، وبحيث تتجه الدراسة إلي حل المشكلات الحالية” (راجي شوقي: 2005).

وبناء على هذه المقترحات المتعددة جاءت بعض الحلول الرائعة التي وردت من جانب المناقشين, ومن جانب بعض القيادات الدينية العليا. وهي تقول: بأن الخلاف إذا كان صادراً من أحد الزوجين دون الآخر، ولم يكف المخالف عن فعله لا بالنصح ولا بالتوبيخ ولا بالتأديب الروحي مدة محددة من الزمن ولتكن (ثلاث سنوات) على سبيل المثال، وتوسط رجال الدين في ذلك وبذلوا الجهد الكافي لتعديل السلوك دون أن يجد ذلك استجابة لدى هذا الطرف، فإن من حق الكنيسة أن تحسب هذا الطرف كالوثني أو العشار، وتحكم بفسخ الزواج، والسماح للطرف الثاني بالزواج.

هذا الرأي لاقى ترحيباً كثيراً من الحاضرين والقيادات الدينية ورجال القانون، ودعوا إلى أن تأخذ الكنيسة به حلاً للكثير من المشكلات. ويرى البعض أنه وكما تطالب الدول بوضع تشريعات, تتيح لمواطنيها حل المشكلات بشكل ميسر, فإن المؤسسات الدينية أيضًا مطالبة بدورها بالتيسير على أتباعها لتساهم في تقديم مشروعها الحضاري العصري، وتثبت صلاحية تعاليمها واتساقها مع حقوق الإنسان في التطبيق الاجتماعي في مختلف الظروف.

وهناك عدة إصلاحات تشريعية خرجت بها المناقشات حول مواد مشروع القانون قيد الدراسة وهي:

من الهام جداً وضع لائحة تنفيذية للمشروع المقدم يتناول ما ورد به من مفاهيم وأحكام على النحو الذي يسمح بالتطبيق. هذا في حالة إقرار المشروع.

أن يتدخل المشرّع بإلغاء مادة 462 لسنة 1955، على أن يحاكم الشخص حسب طائفته أثناء الزواج مهما حاول أن يغيرها بعد ذلك. ويمكن إصلاح هذا النص بالقول لا تقبل دعوى الطلاق بين الزوجين إلا إذا كانت شريعتهما تجيزه

ويطالب الدكتور القس صفوت البياضي بتعديلات وإصلاحات على النحو التالي:

تسري على غير المسلمين أحكام شريعتهم الدينية إذا كانت لهم جهة قضائية ملية معترف بها من الدولة وقت صدور القانون 462 لسنة 1955، وعند اختلاف الطائفة أو الملة قبل رفع الدعوى تطبق أحكام شريعة العقد أو أي الشريعتين تحقق صالح الطرف الضعيف أي المرأة، وهذا متروك للقضاء.

أما تطبيق الشريعة الإسلامية، على غير المسلمين فيعطي للزوج الحق في تطليق زوجته بالإرادة المنفردة دون اللجوء إلى القضاء وإن كانت جهة التسجيل تشترط إثبات الطلاق أمام المحكمة للتأكد من أن تغيير الطائفة أو الملة تم صحيحاً، ويمكن على هذا النسق أن يعدد الرجل زوجاته في حدود الشريعة الإسلامية، وأن يكرر طلاقه لهن لأي عدد دون الرجوع إلى القضاء، طالما ثبت أنه غيَّر طائفته، وأن الزيجات المتعددة تمت من طائفة أو ملة تختلف عن طائفته أو ملته.

ولما كانت القاعدة المسيحية لا تسمح بتعدد الزوجات ولا الطلاق بالإرادة المنفردة، فإن بعضاً منهم تسري عليهم شرائعهم والبعض الآخر تسري عليهم الشريعة الإسلامية مع بقائهم مسيحيين مختلفي الطائفة أو الملة“.

وينهي دكتور القس صفوت البياضي الحديث في هذه الجزئية بالقول: “إنه أمر حائر يحتاج حقاً إلى إصلاح وتعديل تشريعي ويتوجه بنداء إلى المجلس القومي للمرأة كي يتخذ خطوة لنصرة المرأة المسيحية وهو بها جدير وقدير“.

يشارك الدكتور القس صفوت البياضي الرأي في ضرورة إلغاء هذه المادة كل من الأنباء يوحنا قلته، والأنبا مرقص.

ويستكمل الدكتور القس صفوت البياضي هذه الحزمة من التشريعات فيضيف لها: “يتعين العودة مرة أخرى إلى ما كان ساريًا من قبل وهو أن يفصل في قضايا الأحوال الشخصية للمسيحيين قاضي مسيحي، وهذا ما ألغته مادة 6 من قانون 1955، والآن هذا الشرط لم يعد ساريًا، ولم يعد من الضروري أن يكون القاضي مسيحيًا، وهو عادة ما لا يكون متفهمًا لأي فكر مسيحي، وأمامه مواد ينفذها أحيانًا بتعسف، وأحيانًا يماطل فيها ربما عن عمد“.

ويرى سيادته أنه يتعين المطالبة مرة أخرى أن يكون القاضي مسيحياً، على أن يعرض الأمر على أحد القساوسة المنتدبين لمحاولة الصلح بين الأطراف المتنازعة، على أن يقدم تقريره في وقت مناسب قبل إصدار الحكم.

ويرى الفاضل الدكتور القس صفوت البياضي أن رفض عودة محاكمنا الملية مشكلة، يتعين أن نسعى جاهدين وأن نطالب بعودتها مرة أخرى.

وعن مستقبل هذه المشروعات التي تقدم ولا تجد طريقها إلى النور: يرى الأنبا مرقص أن العلاج هو في استمرار المطالبة, ويمكن للطوائف الثلاث أن تتقدم بمذكرة إلى السيد رئيس الجمهورية، مدعومة برأي عام مسيحي يطالب بهذا التشريع، لاسيما ونحن الآن في عهد الحرية والتطبيقات الديموقراطية، ومن ثم فإن المجال مفتوح للمطالبات المشروعة التي يقرها الدستور“. ويرى الأب يوحنا قلته رغم بعض القصور الوارد في هذا المشروع إلا أن إقراره أمر لازم، لأن عدم اعتراف الدولة بهذا تعبير عن عدم اعتراف بقيمة الزواج المسيحي، ودليل ذلك أن إسلام زوجة وزواجها من مسلم وهي متزوجة من مسيحي لا يعتبر سلوكاً مجرماً قانوناً“.

ويرى المستشار نجيب جبرائيل: “أهمية طرح المشروع بكامله على كافة طبقات الشعب القبطي من خلال الكنائس، وإشراك منظمات المجتمع المدني، وحقوق الإنسان والجمعيات الأسرية العاملة في هذا الشأن وكذا المهتمين بقضايا الأحوال الشخصية من رجال القانون“.

كما يرى أنه ليس هناك مانع من تشكيل لجنة من تلك المنظمات تمثل فيها طوائف مختلفة لمقابلة السيد رئيس اللجنة التشريعية لمجلس الشعب وربما مقابلة رئيس مجلس الشعب نفسه لتقديم هذا المشروع.

كما يتعين رفض أي شريعة تخالف الشريعة الخاصة بالطوائف المسيحية اتساقاً مع مواد الدستور المصري.

ولا شك أن هذه المقترحات والتوصيات إنما تعبر عن احتياج حقيقي وملح، ورغبة عارمة لدى المسيحيين في مصر لأن يكون لديهم تشريعهم الذي يلقى الاحترام اللازم في التطبيق، لاسيما والمناخ العام المتاح الآن مهيئاً للإصلاح، وقبول التطبيقات الديمقراطية وإقرار حقوق الإنسان.

عبد الفتاح إبراهيم بهنسي: الأحوال الشخصية في تشريعاتها المتعددة، الجزء الثالث, الإسكندرية، مكتبة الإشعاع للطباعة والنشر والتوزيع، 1997، أماكن متفرقة من الكتاب كله.

أشرف جابر ومدحت صموئیل: مشكلات تطبيقية في مسائل الأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين، تقرير غير منشور، مقدم إلى المجلس القومي للمرأة.

نجيب جبرائيل: بطلان الزواج وأسباب التطليق في الشرائع المسيحية، القاهرة، دار عقل للطباعة 1989.

عصام المليجي: الزواج والطلاق وفقاً لشريعة الأقباط الأرثوذكس, ورقة غير منشورة.

نجيب جبرائيل: دراسة علمية عن مشاكل الأحوال الشخصية لغير المسلمين وضرورة تعديل قوانينهم، ورقة معدة خصيصاً لهذه الدراسة.

راجي شوقي ميخائيل، متى يجوز الطلاق في المسيحية, مجلة روز اليوسف في فبراير 2005

مشروع قانون الأحوال الشخصية الموحد، 1998.

نادية حليم: ورقة نقاش مقترحة لقانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين (مشروع القانون الموحد 1998)، ورقة غير منشورة مقدمة إلى مركز قضايا المرأة، 2005.

المجلس القومي للمرأة، تقرير عن الاجتماع الثاني لرجال الدين الإسلامي والمسيحي، لمراجعة المحتوى القانوني لمشروع: مشروع حقوق المرأة القانونية, 4 أبريل 2005 تقرير غير منشور.

الدكتور القس إكرام لمعي, الطلاق في المسيحية: وجهة نظر إنجيلية، ورقة مقدمة لمؤسسة قضايا المرأة المصرية في ديسمبر 2005.

المجلس القومي للمرأة, أسئلة وأجوبة على الأقراص المدمجة مشروع حقوق المرأة القانونية، تقرير غير منشور, 2005.

شارك:

اصدارات متعلقة

وسائل التواصل الاجتماعي ترسخ العنف ضد النساء
نصائح للمصورة الصحفية بشأن الوقاية من "كوفيد" 19" أثناء التصوير الصحفي
نصائح بشأن السلامة النفسية للنساء في أوقات الأزمات
ورقة قانونية بشأن مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد
كيف تحررين محضر تحرش
عيد الأم ما بين الاحتفاء بقيمة الأمومة و ترسيخ الدور النمطي للنساء
خدمات الصحة الجنسية فيما بعد سن الإنجاب ضرورة لتمكين النساء
ختان الإناث في مصر... جريمة تعذيب ضد الإنسانية
حقوق النساء من اجل العدالة والتنمية
الإيدز خطر صامت يهدد حياة النساء في ظل جائحة كورونا