قيود استعمال الرأفة في جرائم العرض و الشرف

مقدمة

تأتي هذه الدراسة ضمن أنشطة و فاعليات مشروع مناهضة العنف ضد المرأة و الذي استمر لمدة أربعة سنوات وما زال مستمر بالكثير من الفاعليات التى أثمرت عن عدد من الإشكاليات و القضايا المطروحة من خلال اللقاءات و التدريبات الى تمت خلال هذه الفترة الزمنية و التى جاءت بتوصية عامة قوامها ضرورة مناقشة قضية جرائم الشرف و الاغتصاب و غيرها من القضايا الى تمثل عنفا ضد ضد المرأة باستفاضة من نواحيها المختلفة الاجتماعية و الإعلامية و القانونية كأحد القضايا المسكوت عنها في المجتمع المصري و خاصة عند استخدام المادة 17 من قانون العقوبات و التى تعمل على تخفيف العقوبة عن الجاني في هذه القضايا السابق ذكرها و ما يمثله ذلك من عنف ضد المجني عليها لصالح الجاني و من خلال هذه الدراسة نحاول أن نتبين نقاط الضعف في المنظومة القانونية التى تكرس شكل من أشكال العنف ضد المرأة يتجلى و يصطدم بقيم و عادات بالية يكرسها المجتمع و يؤازره في تكريسها الحصن الأخير للعدالة إلا و هو ساحة القضاء.

و من هنا ومن خلال هذه الدراسة تحاول مؤسسة قضايا المرأة المصرية أن تدق ناقوس الخطر عن ممارسة عنيفة ضد النساء اللاتي يقتلن أو يغتصبن أو ينتهك عرضهن دون حماية من القانون، ساعين إلى دعم حقيقى يمحو هذا العنف الواقع عليهن بعدل يشرعه القانون و يؤكده القضاء.

 

لا شك ان جرائم العرض و الشرف هي من اشد الجرائم خطر في المجتمع و أكثرها أثراً في نفس المجني عليها و أسرتها و الحقيقة أن هذه الجرائم تنتمي إلي ما يعرف في الفقه الجنائي و علم الإجرام – بالجرائم الواقعية أو الطبيعة أي الجرائم التي تتنافيبطبيعتها مع الأخلاق و الأديان و إثارة ضمير الجماعة. لذلك و ضعها المشرع في معظم النظم الجنائية في درجة الجرائم الكبرى وهي الجنايات و تتدرج هذه الجرائم من حيث الشدة من جرائم الخطف المقترن بالاغتصاب و عقوبتها الإعدام إلي جرائم هتك العرض و الفعل الفاضح.

و لقد درج المشرع الجنائي عند تقرير التجريم أن يضع العقوبة التي تناسب فداحة الجرم المرتكب.

و لقد شكلت المادة (17) من قانون العقوبات المصري مشكلة حقيقية في شأن هذا النوع من الجرائم لأنها تعطي القاضي سلطة استعمال الرأفة في أقصي درجاتها عندما ينزل القاضي بالعقوبة درجتين عن العقوبة المقررة أصلا حيث تنص على انه:”ويجوز فى مواد الجناياتاذا اقتضت أحوال الجريمةالمقامة من اجلها الدعوى العموميةرأفة القضاة، تبديل العقوبة علي الوجه الأتي:

  • عقوبة الإعدام بعقوبة السجن المؤبد أو المشدد.

  • عقوبة السجن المؤبد بعقوبة السجن المشدد أو السجن.

  • عقوبة السجن المشدد بعقوبة السجن أو الحبس الذي لا يجوز أن ينقص عن ستة شهور.

  • عقوبة السجن بعقوبة الحبس الذي لا يجوز أن ينقص عن ثلاثة شهور.

و الظروف المخففة هي أسباب متروكة لتقدير القاضي تخوله حق تخفيض العقوبة في الحدود التي عينها القانون. و هي تتناول كل ما يتعلق بمادية العمل الإجرامي في ذاتة و بشخص المجرم الذي ارتكب هذا العمل وبمن وقعت عليه الجريمة و كذلك كل ما أحاط ذلك العمل و مرتكبه و المجني عليه من الملابسات و الظروف بلا استثناء وهو ما اصطلح علي تسميته بالظروف المادية و الظروف الشخصية، و هذه المجموعة المكونة من تلك الملابسات والظروف التي ليس في الاستطاعة بيانها ولا حصرها هي التي تترك لمطلق تقدير القاضي أن يأخذ منها ما يراه هو موجبا للرأفة وهي تشبه الأعذار المخففة لأنها تؤدي مثلها إلي تخفيض العقوبة.

قبل أن نعرض لموقفنا من مشكلة التوسع في استخدام المادة 17 من جرائم العرض و الشرف ينبغي بداءة أن نعرض للحقائق الآتية:

أولاً: ضرورة احترام مبدأ شرعية الجرائم و العقوبات المنصوص عليه في المادة (66) من الدستور و لن يتحقق ذلك إلا بعدم التوسع في الالتجاء إلي القياس في مجال القانون الجنائي، ومن ثم فإن القاضي له مطلق السلطان في استخدام الرأفة في الحدود المقررة بالمادة 17 إلا إذا وجد نص تشريعي يقيد هذا الحق في بعض الجرائم.

ثانياً: أن القاضي الجنائي عليه ان ينزل حكم الواقع المستمد من جوهر القاعدة الجنائية ذاتها و الذي يلتمس الحقائق الواقعية التي تحكم ماديات الواقعة المطروحة عليه في الدعوى الجنائية ذلك لأن القاضي الجنائي في حالة استخدامه للمادة (17) لا يكون ملزما بإبداء الأسباب التي دعته إلي استخدامها و إنما تقدير العقوبة و تقدير موجبات الرأفة هو من اطلاقات محكمة الموضوع دون معقب و دون ان تسأل حسابا عن الأسباب التي من اجلها أوقعت العقوبة بالقدر الذي ارتأته. و لذلك فقد استقر قضاء النقض على ان الأصل هو اقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه، و عليه في سبيل الوصول إلي الحقيقة، ان يمحص الأدلة المطروحة عليه بجميع كيوفها و أوصافها و أن يطبق نصوص القانون تطبيقا صحيحاً و أن يبني حكمه على أسباب سائغه لا يشوبها التناقض أو التضارب أو القصور.

ثالثاً: لا تملك النيابة العامة أو المدعي بالحق المدني (و هو المجني عليه أو ذويه ) و المسؤل بها ان يطعن على الحكم الصادر بإدانة المتهم مهما كان مقدار العقوبة المحكوم بها ولو كانت مشمولة بوقف التنفيذ إلا إذا كان الحكم مبنياً على مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو تأويله أو إذا شابه ثمة بطلان.

وتكمن المشكلة إذن في اختلاف التقدير لدى القضاة في مدى استعمال الحق المقرر لهم بالمادة (17) سيما و أن هذه المادة تسمح بالنزول بالعقوبة درجتين فمن الممكن ان ينزل احد القضاة بالعقوبة في واقعة معاقب بالسجن المشدد لمدة خمسة عشر عاما فيصل بها إلي الحبس لمدة ستة اشهر فقط. و في هذه الحالة يستطيع القاضي فوق ذلك ان يحكم بوقف تنفيذ العقوبة و يطلق سراح المتهم فوراً بينما قد يري قاضي آخر في واقعة مشابهة عدم استخدام هذا الحقبل و يقضي بأقصى العقوبة المقررة وهي السجن المشدد لمدة خمسة عشر عاما. و فى كلتا الحالتين لايمكن الطعن على أي من الحكمين بأي طعن قانوني.

ومما يزيد هذه المشكلة عمقا ان القاضي الذي يستعمل الرأفة في أقصى درجاتها لا يذكر غالباً أسباب سائغة و كافية لاستعمال الرأفة في مدونات حكمه سوى عبارة مقتضبة لا تسمن و لاتغني من جوع درجت الأحكام الجنائية على ذكرها في هذه الحالة و هي حيث أن المحكمة ترى من ظروف و ملابسات الواقعة مايدعوها إلي استعمال الرأفة في حق المتهم ومن ثم فإنها تنزل بالعقوبة إلي الحد المبين بالمنطوق“.

و مع ذلك لا تملك النيابة العامة الطعن على هذا الحكم مهما كانت العقوبة متدنية و لا تتناسب مع فداحة و جسامة الجرم ولو كانت مشمولة بوقف التنفيذ ما دام الحكم ـ من ناحية القانونية ـ قد صدر بإدانة المتهم.

إن جوهر المشكلة يكمن في الذوق القضائي وهو أمر لا يحكمه نص تشريعي بل يترك على إطلاقه لتقدير القاضي و هو ما يثير في الواقع العملي كثيرا من المشاكل خصوصا عندما يستخدم هذا الحق بصورة تتجافي مع مقتضيات العدالة سيما إذا أدي استعمال الرأفة إلي التهاون مع متهمين يرتكبون جرائم فادحة ضد العرض و الشرف كالخطف و الاغتصاب و هتك العرض و هي جرائم تصدم ضمير الجماعة و تثير الاشمئزاز من الجناة و الرغبة في الثأر منهم ومن ثم يكون الحكم بالعقوبة المخففة بمثابة تحد للشعور العام كما تمثل حيفا بحقوق المجني عليهم.

خاصة عندما تحرم النيابة العامة و المجني عليهم من الطعن علي هذه الأحكام انها قضت بالإدانة.

و سوف نسوق أمثلة لبعض الأحكام التي قضت بعقوبات مخففة على الجناة في جرائم فادحة ارتكبوها ضد أعراض المجني عليهن.

أفي الحكم في الدعوى رقم4415 لسنة 1990 جنايات قسم أول الزقازيق و الصادر بجلسة 2/12/1990 انتهت المحكمة إلي إدانة الجاني و هو زوج خالة المجني عليها و هي طفلة لم تتجاوز ثماني سنوات و تكرر و قاعها بل أولج فيها فى فترات متفاوتة و ثبتت الجريمة بشهادة الشهود و القرائن و اطمأنت المحكمة إلي أدلة الثبوت و مع ذلك قضت بحبسة سنتين فقط عن هذا الجرم الشديد و المعاقب عليه بالمادتين 2/267 و 269 و عقوبتها السجن المشدد الذي يصل إلي خمسة عشر عاما مستخدمة الرأفة في أقصى درجاتها دون أي مبرر و مع ذلك جاء بأسباب حكمها أن المحكمة ترى من ظروف و ملابسات الدعوى، ما يدعوها إلي استعمال الرأفة؟؟!!

بو في حكم آخر في الدعوى رقم 16314 لسنة 2004 جنايات قسم ثان طنطا قام المتهم بخطف المجني عليها بالتحايل و توجه بها إلي شقة أحد أصدقاء السوء و اقتادها كرها عنها إلي أحد غرف النوم و قام بمواقعتها كرها عنها رغم بكائها و استعطفاها له أن يتركها و لا يغتال شرفها و رغم ذلك قام باغتصابها كرها عنها وفض بكارتها فأصاب المجني عليها من جراء هذه الصدمة بانفعال شديد أدى إلي فشل فى القلب و فاضت روحها – و بالرغم من اطمئنان المحكمة إلي إدانة المتهم طبقا للمادة 1/290 ،2 عقوبات و التى تقضى بمعاقبة المتهم بالإعدام عن هذا الجرم الجسيم و بالرغم من ثبوت التهمة قبل المتهم ثبوتا يقينيا و اطمئنان المحكمة إلى إدانته فإنها مع ذلك نصت بمعاقبته بالسجن المشدد لمدة ثلاثة سنوات فقط بعد استعمالها الرأفة طبقا للمادة (17) عقوبات و نزلت بالعقوبة درجتين و اكتفت أيضا بقولها حيث أنه نظرا لظروف الدعوى و ملابساتها فإن المحكمة تأخذ المتهم بقسط من الرأفة في حدود المادة (17) عقوبات بالرغم من أن الواقعة – حسب ظروفها و ملابساتها لا تدعو مطلقاً لاستخدام أي قدر من الرأفة مع هذا المتهم الذي تجرد من كل مشاعر الإنسانية و نشأ عن جريمته و فاة المجني عليها.

1- في قضية النيابة العامة رقم ( 14351 لسنة 99ج عين شمس و رقم 943 ك) الضحية بنت تعاني من ضعف في قدرتها الذهنية و مرتكبي الجريمة ستة أشخاص استغلوا مرضها و قامو باحتجازها وتم اغتصابها بالتناوب من قبلهم وفض غشاء بكارتها وهددوها بالأسلحة البيضاء و قد تأكد للمحكمة حجم الجريمة و أكد الطب الشرعي ذلك و خاصة أن الضحية عندما تم اختطافها كانت تنتابها حالة صرع، ورغم ذلك رأت المحكمة نظرا لظروف الدعوى و ملابساتها أخذ المتهمين بقسط من الرأفة عملا بما خولتة لها المادة (17) ؟!!!!!

فقضت بمعاقبة كل من الثالث و الرابع والخامس بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات لما نسب إليهم وكل من الأول والسادس بالسجن لمدة سبع سنوات لما نسب آلية ألزمتهم المصاريف الجنائية و بإحالة الدعوى المدنية ألي المحكمة المدنية المختصة بلا مصاريف.

2- في الجناية رقم 1398 لسنة 1998 الهرم (المقيدة بالجدول الكلي برقم 142 لسنة 1998.

تتلخص وقائع الدعوى في ان المتهم خطف بطريق التحايل المجني عليها وذلك بأن اصطحبها في سيارته بحجة توصيلها لمسكن شقيقتها و إعطائها أسئلة امتحان مادته العلمية التي تدرسها علي يديه في كلية آداب القاهرة وقد تمكن من الوصول ألي مكان خالي من المارة بطريق مصر إسكندرية.

ثم شرع في مواقعه المجني عليها سالفة الذكر بغير رضاها وجردها من ملابسها عنوة وخلع عنها ملابسها ثم جثم فوقها بالقوة قاصدا مواقعتها وخاب اثر جريمته لسبب لا دخل في إرادته فيه هو مقاومتها حال كونه ممن لهم سلطة عليها

وقد قضت المحكمة حضورياً مع تطبيق المادة 17 من ذات القانون بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات.

3- القضية رقم 71777 لسنة 2004 جنايات المعادي.

المقيدة برقم 3435 لسنة 2004 كلي جنوب القاهرة.

كانت الضحية تسير برفقة شقيق زوجها و طفلها و قام كلا من المتهمين بإشهار السلاح الأبيض في وجهها و إجبارها علي السير معهم تحت تهديد السلاح وتم احتجازها بمنزل المتهم الثاني و اغتصابها من قبل المتهمين و بالإضافة إلي ذلك قيام المتهمين بسرقة احد المارة في الطريق وذلك بإشهار السلاح الأبيض في وجهه وسرقة مبلغ من المال أي ان المتهمين كانوا يحرزون السلاح بدون ضرورة شخصية أو حرفية.

وقد جاء حكم المحكمة كالأتي: و حيث انه نظرا لظرف الدعوى وملابستها تري المحكمة اخذ المتهمين بقسط من الرأفة في نطاق ما خولتة المادة 17؟؟

حكمت المحكمة بمعاقبة كلا من المتهمين بالسجن المشدد عشر سنوات

4- قضية النيابة العامة رقم 468 لسنة 1997 ورقم 4 لسنة 97 كلي.

الضحية في هذه القضية مصابة بحالة مرضية وهي انفصام عقلي مزمن و هذا ما اثبته تقرير الطبيب الشرعي حيث انها قبل حدوث الواقعة و أثناء وجودها بمنزلها طرأ علي فكرها طارئ هو النزول إلي الطريق العام و التنزه علي كورنيش النيل و أثناء سيرها بهذا الطريق وعند كوبري إمبابة تقابل معها المتهم الأول و بعد الحديث معها تبين له انها في حالة نفسية مضطربة فاخبرها علي غير الحقيقة انه من رجال الشرطة و سوف يقوم بتوصيلها إلي المنزل نتيجة للوقت المتأخر من الليل وصحبها ثم تقابل مع المتهم الثاني ثم قام الاثنان بتهديدها بالسلاح الأبيض واجبراها علي النزول معهم في منطقة على كورنيش النيل مليئة بالأشجار وتحت تهديد السلاح ووضع المطواة فوق رقبتها قام المتهم الأول بمواقعتها و فض غشاء بكارتها ثم واقعها المتهم الثاني وتناوبا بعد ذلك مواقعتها

وجاء حكم المحكمة كالأتي وحيث انه ولظروف الواقعة تري المحكمة اخذ المتهمين بقسط من الرأفة عملا بالمادة 17 عقوبات؟؟؟؟؟

حكمت المحكمة حضورياً بمعاقبة كلا منهما بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنه عما اسند اليهما.

هذا هو وضع المشكلة لذلك تعين مواجهاتها بوضع قيود على سلطات القاضي باستعمال الرأفة فى هذا النوع من الجرائم و سوف نسوق المبررات التي تدعو المشرع إلي وضع هذه القيود:

أولاً: إن جرائم الشرف لا تقتصر آثارها على المجني عليها فقط و إنما تنصرف إلي عائلتها و أقربائها فيلتصق العار بها و بذويها و يصيبهم جميعا بآثار نفسية و معنوية سيئة بسبب نظرة المجتمع لهم و ما يترتب على ذلك من إحساس الضحية و أهلها بالعزلة و الاحتقار – أو حتى الإشفاق – و ما يؤدي ذلك إلي عزوف الناس عن مصاهرتهم أو الارتباط بهم.

ثانياً: غالبا ما تؤدي جرائم العرض إلي جرائم أخرى نتيجة لها فقد تكون الجريمة الأخرى مرتبطة و معاصرة مع جريمة العرض كان يقوم الجاني بقتل ضحيته بعد اغتصابها خشية قيامها بالإبلاغ عنه وافتضاح أمره – و قد تكون المجنى عليها نفسها ضحية لجريمتين الأولى اغتصابها وهنك عرضها و الثانية جريمة الإجهاض التى قد تفضي إلي موتها و قد يصل الأمر أيضا إلى حد قتلها علي يد ذويها بدافع تخلصهم من العار.

ولقد أتيح لى نظر الدعوى رقم 1300 لسنة 2001 جنايات المحمودية (258ك دمنهور ) و كانت المجني عليها ضحية علاقة جنسية غير مشروعة و أسرت بذلك إلي أمها (المتهمة الثانية) و أشارت إلي الفاعل و هو احد فتيان القرية فأبلغت الأم أحد أعمامها الذى تصرف بحكمة و ذهب إلى والد الفاعل و اتفقا على تزويجه من المجنى عليها سترا للعار و إصلاحا للخطأ وتم بالفعل عقد القران على يد مأذون القرية إلا أن ذلك كله لم يصادف قبولا لدى عمها الأخر (المتهم الأول) فأفتى بضرورة قتلها و التخلص منها رغم تمام زواجها رسميا، فأتفق مع زوجته (المتهمة الثالثة) وزوجة أخيه (المتهمة الثانية و الدة المجنى عليها) و التى تجردت من مشاعر الأمومة فقام المتهم الأول بشراء كبسولات مخدرة و قامت المتهمة الثانية بدورها بإعطائها لابنتها المجنى عليها موهمة انها حبوب للتخلص من اي حمل محتمل – و ما ان تناولتها حتى غابت عن الوعى فقام ثلاثتهم بخنقها حتى فاضت روحها ثم قامت الأم من ذلك بنقل ابنتها الضحية إلى المستشفى زاعمة أنها تناولت مادة سامة أدت إلى وفاتها.

فأصدرت الحكم بجلسة 21/10/2001 بمعاقبة كل من المتهمين الأول الثانية بالسجن المشدد لمدة خمسة عشر عاما و المتهمة الثالثة بالسجن المشدد لمدة عشر سنوات.

ثالثاً: ان جرائم العرض التى تكون ضحيتها الإناث قد تؤدى إلى ظهور نماذج من العاهرات السيكوباتيات المعاديات للمجتمع و اللاتى يعمدن إلى نشر الفسق بين الشباب و قد تزداد خطورتهن إذا كانت العاهرة تحمل فيروسات لأمراض خطيرة ومميتة كالإيدز أو الزهرى فتقوم عمدا بمضاجعة ضحايا لنقل هذه الأمراض الفتاكة إليهم انتقاما لنفسها من المجتمع فى أشخاص ضحاياها.

رابعاً: من أهم أغراض العقوبة هو تحقيق العدالة من ناحية و تحقيق الردع العام من ناحية أخرى فإذا أغفلت العدالة بأن كان العقاب اقل كثيرا من جسامة الجريمة فان ذلك يخلق إحساسا لدى المجنى عليها أو ذويها بعدم جدوى القانون فى الانتقام من الجاني ومن ثم قد يقوم باستئداء حقه بيده وهو ما يخلق نوعا من الفوضى الاجتماعية و الشعور بعدم احترام القانون أو جدوي أحكام القضاء.

و من ناحية أخرى فان استعمال الرأفة فى جرائم العرض – رغم ثبوتها في حق المتهم لن يؤدى إلي الردع العاموهو من أهم أغراض العقوبة إذ أن التساهل مع الجناة فى هذا النوع من الجرائم باستعمال الرأفة في حقهنقد يغري غيرهم على ارتكاب هذه الجرائم مع ضحايا أخريات اعتمادا على استعمال الرأفة معهم و تدنى العقوبة المقضي بها رغم فداحة الجريمة.

خامساً : إن الله سبحانه و تعالى – وهو أحكم الحاكمين – قد أمر أولى الأمر فى كتابه الكريم بعدم استعمال الرأفة في هذا النوع من الجرائم بقوله تعالى في سورة النور: “الزانية والزاني فاجلدو كل واحد منهما مائة جلدة و لا تأخذكم بهما رأفة فى دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر“(آية 2)

سادساً: ان جرائم الشرف تدخل غاليا فى نطاق ما يعرف بالمنطقة المظلمة أو الرقم الأسود بمعنى أنه بالرغم من و قوع الجريمة بالفعل فإن المجنى عليها أو ذويها يمتنعون عن الإبلاغ عنها فى الغالب حرصا على سمعتهم وخشية الفضيحة ومن ثم فان هذا النموذج من الجرائم لا يسجل في الإحصائيات الرسمية للجرائم ولا يحرر عنها محاضر بالشرطة ولا يرفع بشأنها قضايا بالمحاكم بالرغم من و قوعها بالفعل ومن ثم تدخل فيما تعرف بالرقم الأسود. ومن ثم فإن الضحية التي تجازف وتقوم بالإبلاغ تعرض نفسها للمخاطرة بسمعتها وبالتالي يجب على المحكمة أ، تضع ذلك في اﻻعتبار فإذا ماثبتت الجريمة لا يجب مكافأة الجاني باستعمال الرأفة.

سابعاً: ان إثبات هذه الجرائم يتسم بالصعوبة البالغة و ذلك لحرص الجناة على ارتكابها خفية أو فى أماكن منعزلة ومن ثم يندر فيها الإثبات بشهود الرؤية و يعتمد الإثبات في الغالب على القرائن و الشهادة النقلية التى تكون غالبا محل طعن من الدفاع وفوق ذلك فان جرائم العرض قد لاتترك آثارا تدل على ارتكابها فغالبا ما يأتى تقرير الطب الشرعى خاليا من آثار الإكراه أو يقرر ان غشاء البكارة من النوع اللحمى القابل للتمدد بحيث يمكن الإيلاج دون إحداث تمزقات به. و بالتالي يجب الاعتداد بأى دليل تطمئن له المحكمة في ثبوت الجريمة فى حق المتهم.

ثامناً: غالبا مايدفع محامو المتهمين فى جرائم العرض برضاء المجنى عليها و قبولها الوقاع الجنسي و استسلامها له كدليل على انتفاء الإكراه فى جريمة الاغتصاب المنصوص عليها فى المادة 267 عقوبات وللرد على مثل هذه الدفوع يتعين التفرقة بين حالة الإكراه التى تسبق الوقاع الجنسي مباشرة و بين الوقاع ذاته فمما لا شك فيه أن اى درجة من الإكراه قبل الوقاع الجنسى تؤثر فى الرضا و تنفيه أما فى حالة الوقاع ذاته فلا يمكن الادعاء بوجود الرضا إذ أن الأمر في هذه الحالة تحكمه مقتضيات الغريزة وحدها بعيدًا عن الرضا الذي كان قد انعدم ابتداء بالإكراه الذي سبق الوقاع الجنسي ذاته إذا أن المجني عليها في هذه الحالة تكون قد خارت قواها تماما فلا يكون إمامها غير الاستسلام و هذا الوضع ابعد ما يكون عن الرضا.

تاسعاً: ان المجنى عليه فى جرائم العرض هى الأنثى غاليا – وهى دائما الطرف الأضعف فتكوينها الجسمانى لا يمكنها من المقاومة طويلا أمام الجاني الذي تمكنه قوته الجسمانية من ارتكاب جريمته كما أنه من السهل إيقاع الرعب فى نفسها عند أى قدر من التهديد فضلا عن أن تكوينها العضوي يؤدى الى ظهور أعراض هذه الجريمة عليها كالحمل وتمزق غشاء البكارة – أما الرجل فلا تظهر عليه هذه الأعراض و هو ما يمكنه من الإنكار و الإفلات من العقاب.

أولاً: يجدر بالمشرع النص صراحة على تقييد سلطات القاضي فى استخدام الرأفة من جرائم العرض – لا سيما جرائم الجنايات منها و ليس ذلك بدعا من القول فقد سلك المشرع ذات المسلك فى قانون مكافحة المخدرات رقم 162 سنة 1960 المعدل بالقانون 122 سنة 1989 حيث نص صراحة فى المادة 36 على انه.

استثناء من أحكام المادة 17 من قانون العقوبات لا يجوز فى تطبيق المواد السابقة ( وهى الجنايات المنصوص عليها فى المواد 33،34،35) و المادة 38 و النزول عن العقوبة التابعة مباشرة للعضوية المقررة للجريمة

فإذا كان المشرع قد قيد سلطة القاضي فى استعمال الرأفة فى جرائم المخدرات باعتبارها خطرا على المجتمع و تستحق التشدد مع الجناة الذين يحوزون المواد المخدرة أو يتاجرون فيها أو يزرعونها أو يجلبونها فان هذا التشدد مطلوب أيضا فى جرائم العرض للأسباب التى سبق ذكرها؟

و قد ذهب المشرع الجنائي المصري إلي ابعد من ذلك فنص علي حرمان المحكمة كلية من أعمال المادة 17 – وليس فقط تقييدها – و ذلك فى جرائم الجنايات و الجنح المضرة بالحكومة من جهة الداخل و المنصوص عليها في القسم الأول من الباب الثاني من قانون العقوبات. فنص فى المادة 88 مكرر (ج) على انه:-

(لا يجوز تطبيق أحكام المادة 17 من هذا القانون عند الحكم بالإدانة في جريمة من الجرائم المنصوص عليها هي هذا القسم عدا الأحوال التي يقرر فيها القانون عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد فيجوز النزول بعقوبة الإعدام إلي السجن المؤبد و النزول بعقوبة السجن المؤبد إلي السجن المشدد التي لا تقل عن عشر سنوات ) ومعني ذلك ان جميع الجنايات المنصوص عليها بعقوبة السجن المشدد أو السجن – فلا يجوز للمحكمة مطلقا استخدام المادة 17 في حق المتهم الذي يرتكب هذا النوع من الجرائم – و إلا اعتبر الحكم مخالفا للقانون و يتعين نقضه.

ثانياً: يسرى القيد فى استعمال الرأفة أيضا على الجرائم المترتبة على جرائم العرض كقتل الضحية المجنى عليها سواء من جانب الفاعل أو من جانب شخص آخر من ذوى المجنى عليها و يمتد القيد ايضا الى من يرتكب جريمة إجهاض للمجنى عليها إذا أفضى الإجهاض الى الوفاة

ثالثاً: يتعين على القاضي عند استخدام الرأفة (لدرجة واحدة فقط ) أن يبين فى مدونات حكمه الأسباب التى دعته الى استعمال الرأفة بحيث تكون هذه الأسباب محل طعن من النيابة العامة أو المدعى بالحق المدنى إذا اتسمت بالقصور أو التضارب فلا يكفى أن يذكر القاضي فى مدونات حكمهإن المحكمة ترى من ظروف و ملابسات الدعوى ما يدعوها الى استعمال الرأفة فعلية ان يبين بالتفصيل هذه الظروف و تلك الملابسات التى دعته لاستعمال الرأفة فان كانت أسباب استعمال الرأفة فى غير موضعها أو غير سائغة أو كانت متناقضة مع ماديات الدعوى و ما انتهي إليه حكمه فإن الحكم يكون مشوبا بعيب القصور أو التناقض فى الأسباب مما يستوجب إلغاؤه أو تعديله.

و بهذه الوسائل يتحقق الذوق القضائي فى الأحكام الصادرة بالإدانة فى جرائم العرض بما يحقق التوازن المطلوب بين فداحة الجريمة و العقوبة المقضي بها بصورة لا تتنافى مع مقتضيات العدالة أو مبدأ شرعية الجرائم و العقوبات.

المستشار الدكتور شكرى الدقاق

أستاذ القانون الجنائي

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات