ورقة قانونية حول تطور الفقة القضائي في قضايا المرأة
تاريخ النشر:
2019
اعداد بواسطة:
تطور الفقه القضائي في قضايا المرأة
“إثبات النسب – جرائم التعدي على الزوجات – قضايا الشرف” نموذجًا
بالرغم من التطور الذي يشهده مجال حماية حقوق النساء علي مستوي التشريعات والاتفاقيات الدولية وبعض التدابير المحلية بالرغم من التقدم الذي أحرزته العديد من الدول في هذا الإطار إلا أنه يبقي أن المرأة المصرية ما زالت تعاني من بعض الممارسات التمييزية ضدها سواء علي المستوي التشريعي أو فيما يتعلق بتطبيق الأحكام القانونية في قضايا المرأة ، ولا تخلو أروقة المحاكم المصرية من بعض الأحكام التي تواكب التطور التشريعي الحاصل فيما يتعلق بقضايا المرأة إلا أنها لا تخلو أيضًا من بعض الأحكام الشاذة سواء فيما يتعلق بتطبيق النص القانوني أو تفسيره أو تحكم الثقافة المجتمعية والعادات والتقاليد فيما يتعلق بصدور مثل هذه الأحكام.
وبالرغم من الأثر الإيجابي لاستثناء بعض قضايا المرأة من درجة التقاضي عن طريق الطعن بالنقض علي مستوي سرعة الفصل في هذه القضايا إلا أن ذلك كان له أثر سلبي متعلق بغياب أحكام المحكمة العليا في مثل هذه القضايا وهي الأحكام التي من شأنها توحيد المبادئ وتشكل مرجعًا للمحاكم الأدني باعتبارها سوابق قضائية لها قيمة قانونية كان من شأنها معالجة اللغط والتخبط في تعامل المحاكم الدنيا المختلفة مع بعض القضايا الخاصة بالمرأة وعلي رأسها قضايا إثبات النسب.
ومن ناحية أخري وبالرغم من حظر التمييز نهائيًا بسبب الجنس أو النوع سواء بموجب التزامات مصر الدولية أو بموجب الدستور والقانون إلا أنه ما زال هناك بعض النصوص في قانون العقوبات تتيح لبعض المحاكم أن تجد طريقًا لمخالفة هذه القواعد تحت تأثير الثقافة المجتمعية عليها أو العادات والتقاليد ومنها تلك النصوص التي تعطي للمحاكم سلطة تفسير معني “الحق المقرر بمقتضي الشريعة” كوسيلة لإعفاء بعض الجناة من العقاب في جرائم التعدي علي الزوجات وكذا المادة 17 من قانون العقوبات المصري التي تعطي للمحاكم الجنائية الحق في تخفيف العقاب علي الجناة الذين ثبتت إدانتهم في بعض قضايا التعدي علي الزوجات أو القضايا المعروفة بقضايا الشرف، وهي الأمور التي من شأنها مجتمعة أن تحرم النساء من حقهم في مجتمع آمن وتحمهم من ارتفاع ظاهرة العنف ضد المرأة وتحيل النصوص التي تكفل لهم تلك الحقوق إلي مجرد عبارات رنانة لا محل لها من التطبيق.
واستمرارا لعمل مؤسسة قضايا المرأة المصرية في محاولة فهم هذه الظواهر وهذه الاتجاهات القضائية ومحاولة إيجاد آليات وحلول تكفل وبحق محاصرة بعض الانتهاكات التي تتعرض لها النساء في مصر والعمل علي إيجاد آليات تشريعية من شأنها الحد من تلك الانتهاكات كخطوة أولي لمواجهة الإرث المجتمعي المتصالح مع قضايا العنف ضد المرأة أو وضع حلول عملية من شأنها حماية أصحاب المصالح الأولي بالرعاية (الأطفال في قضايا النسب مثالا) فإننا نحاول من خلال تلك الورقة البحثية الوقوف علي أبرز المشاكل التي تواجه المرأة في نوعين من القضايا وهي قضايا إثبات النسب، وقضايا العنف ضد المرأة، وتحليل القواعد القانونية المنظمة فلهذه القضايا وعرض اتجاهات قضائية مختلفة في التعامل معها، ولقد آثرنا في هذه الورقة أن يكون مرجعنا الأساسي هو أحكام محكمة النقض المصرية قديمًا وحديثًا والسوابق القضائية التي أقرت من قبلها لمحاولة فهم مصدر التضارب في بعض الأحكام القضائية من المحاكم الدنيا فيما يتعلق بالقضايا محل الورقة، وعلي جانب آخر فإننا نحاول فهم القصور التشريعي الذي يتيح مجالاً لإعمال أية عقيدة أو أفكار نابعة من الإرث المجتمعي المتصالح مع بعض الانتهاكات وذلك في إطار مقارن ببعض الأنظمة القانونية الأخري التي حرصت علي تجاوز تلك العقبة
وتنقسم الورقة إلى قسمين يتناول أولهما “قضايا إثبات النسب” وثانيهما “جرائم التعدي علي الزوجات، جرائم الشرف” من خلال عرض التطور التشريعي للنصوص الخاصة بتلك القضايا وكذا تحليل لما وقع تحت أيدينا من أحكام باستخدام النصوص القانونية وشروحها وبعض الآراء الفقهية القديمة والحديثة وكذا الآراء العلمية.
علي مدي سنين عديدة سبقت وتلت لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة بالأمر العالي في 27 مايو 1897 والمعدلة بالقانون رقم 25 لسنة 1909 و القانون رقم 31 لسنة 1910 ثم القانون 25 لسنة 1920 الخاص بأحكام النفقة وبعض مسائل الأحوال الشخصية والمعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 والمرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 والمعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 ولائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة بالقانون رقم 78 لسنة 1931 والقانون رقم 1 لسنة 2000 بإصدار قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية والقانون 10 لسنة 2004 بإصدار قانون إنشاء محاكم الأسرة وقانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 كانت دعاوي إثبات النسب من المسائل التي لاقت جمودًا تشريعيًا في التعامل معها، حيث لم تتغير القواعد الحاكمة والمنظمة لدعاوي إثبات النسب تغييرًا ملحوظًا إلا بموجب التعديل الذي طرأ علي قانون الطفل بموجب القانون رقم 126 لسنة 2008 بشأن تعديل بعض أحكام قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996 وقانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937 والقانون رقم 143 لسنة 1994 في شأن الأحوال المدنية والذي سمح علي استحياء باستخدام الوسائل العلمية بدون إلزام في إثبات نسب الطفل لوالديه.
– لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة في 1897:
ونصت تلك اللائحة الصادرة بالأمر العالي في مادتها 16 علي : ” تحكم محاكم المراكز في المواد المتعلقة بالنكاح والمهر والجهاز والحضانة وانتقال الأم بالصغير من بلد إلى بلد والصلح بين الزوجين وحفظ الولد عند محرمه والطلاق والخلع والمبارأة والفرقة بين الزوجين بأسبابها الشرعية حسب المقرر في المذهب وتقدير النفقات بما فيها من نفقة الأقارب والتوكيل بين الزوجين وثبوت النسب ونحو ذلك مما يتعلق بأمور الزوجية وذلك في غير الوقف وفي غير الإرث الذي تزيد قيمة التركة فيه عن خمسة وعشرين جنيهًا. أما محاكم سيوه والعريش والقصير والواحات الثلاث فتحكم فيما ذكر وفيما تحكم فيه المجالس الشرعية على الوجه الآتي ولكل من رؤساء المجالس الشرعية أن يحكم بانفراده أو يأذن أحد أعضاء محكمته بالحكم في المواد المذكورة في المدينة الكائن بها مركز المحكمة وفي الجهات الداخلة في دائرة مجلسه الشرعي وليست داخلة في دائرة إحدى محاكم المراكز.”
ثم تم تعديل هذه اللائحة1 بموجب القانون رقم 31 لسنة 1910 واستحدثت المادة رقم 100 والتي نصت علي: ” لا تسمع عند الإنكار دعوى الوصية أو الإيصاء أو الرجوع عنها أو العتق أو الإقرار بواحد منها وكذا الإقرار بالنسب بعد وفاة الموصي أو المعتق أو المورث في الحوادث السابقة على سنة ألف وتسعمائة وإحدى عشرة الإفرنكية إلا إذا وجدت أوراق خالية من شبهة التصنع تدل علي صحة الدعوي وأما الحوادث الواقعة من سنة ألف وتسعمائة وإحدى عشرة الإفرنكية فلا تسمع فيها دعوى ما ذكر بعد وفاة الموصي أو المعتق أو المورث إلا إذا وجدت أوراق رسمية أو مكتوبة جميعها بخط المتوفى وعليها إمضاؤه كذلك تدل على ما ذكر“.
ونصت المادة 124 علي “الحجج الشرعية ثلاث الإقرار والشهادة والنكول عن الحلف“
ونصت المادة 280 منه علي ” يجب أن تكون الأحكام بأرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة وبما دون بهذه اللائحة وبمذهب أبي يوسف عند اختلاف الزوجين في مقدار المهر“، وبموجب المادة 327 من تلك اللائحة كان من أحد أسباب التماس إعادة النظر: ” إذا لم يصادف الحكم قولاً في المذهب“.
– القانون 25 لسنة 1929 الخاص بأحكام النفقة وبعض مسائل الأحوال الشخصية والمعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985:
حيث نصت المادة 15 منه علي: ” لا تسمع عند الإنكار دعوي النسب لولد زوجة ثبت عدم التلاقي بينها وبين زوجها من حين العقد ولا لولد زوجة أتت به بعد سنة من غيبة الزوج عنها ولا لولد المطلقة والمتوفي عنها زوجها إذا أتت به لأكثر من سنة من وقت الطلاق أو الوفاة“.
– لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة بالقانون رقم 78 لسنة 1931:
ونصت المادة 98 منها علي: ” لا تُسمع عند الإنكار دعوى الوصية أو الإيصاء أو الرجوع عنها أو العتق أو الإقرار منها وكذا الإقرار بالنسب أو الشهادة على الإقرار به بعد وفاة المُوصي أن المُعتق أو المورّث في الحوادث السابقة على سنة ألف وتسعمائة وإحدى عشرة الإفرنكية إلا إذا وجدت أوراق خالية شبهة التصنَع تدل علي الدعوى. وأما الحوادث الواقعة من سنة ألف وتسعمائة وإحدى عشرة الإفرنكية فلا تُسمع فيها دعوى ما ذًكر بعد وفاة المُوصي أو المُعتق أو المورّث إلا إذا وجدت أوراق رسمية أو مكتوبة جميعها بخط المتوفى وعليها إمضاؤه كذلك تدل على ما ذكره.”
ونصت المادة 123 منها علي ” الأدلة الشرعية هي ما يدل على الحق ويُظهره من إقرار وشهادة ونكول عن الحلف وقرينة قاطعة “.
وتنص المادة 280 علي ” تصدر الأحكام طبقًا للمدوّن في هذه اللائحة ولأرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة ما عدا الأحوال التي ينص فيها قانون المحاكم الشرعية على قواعد خاصة فيجب فيها أن تصدر الأحكام طبقاً لتلك القواعد “. وبموجب المادة 329 من تلك اللائحة كان من أحد أسباب التماس إعادة النظر: ” إذا لم يصادف الحكم قولاً في المذهب“.
– القانون 1 لسنة 2000 بإصدار قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية:
وتنص المادة الثالثة من مواد إصدار القانون علي ” تصدر الأحكام طبقًا لقوانين الأحوال الشخصية والوقف المعمول بها، ويعمل فيما لم يرد بشأنها في تلك القوانين بأرجح الأقوال من مذهب الإمام أبي حنيفة، وذلك عدا قواعد الإثبات فيعمل في شأنها بأرجح الأقوال في المذاهب الفقهية الأربعة..…” وتنص المادة 7 علي ” لا تقبل عند الإنكار دعوي الإقرار بالنسب أو الشهادة علي الإقرار به بعد وفاة المورث إلا إذا وجدت أوراق رسمية أو توافرت أدلة قطعية تدل علي صحة الادعاء“.
– القانون 10 لسنة 2004 بإصدار قانون إنشاء محاكم الأسرة:
وأعاد هذا القانون ما كان معمولاً به منذ أكثر من مائة عام بموجب لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة بالأمر العالي 1897 من حيث عدم قابلية الطعن علي الأحكام الصادرة في مواد الأحوال الشخصية أمام المحكمة العليا النقض (حاليًا) حيث كانت تنص المادة 19 من تلك اللائحة علي أنه لا يجوز الدفع (الطعن) أمام المحكمة العليا في الأحكام الصادرة من المجالس الشرعية في المواد المتعلقة بالنكاح والمهر والجهاز والحضانة وانتقال الأم بالصغير من بلد إلى بلد والصلح بين الزوجين وحفظ الولد عند محرمه والطلاق والخلع والمبارأة والفرقة بين الزوجين بأسبابها الشرعية حسب المقرر في المذهب وتقدير النفقات بما فيها من نفقة الأقارب والتوكيل بين الزوجين وثبوت النسب ونحو ذلك مما يتعلق بأمور الزوجية، وذلك بموجب المادة 14 من القانون 10 لسنة 2014 التي تنص علي ” مع عدم الإخلال بأحكام المادة 250 من قانون المرافعات المدنية والتجارية، تكون الأحكام والقرارات الصادرة من الدوائر الاستئنافية غير قابلة للطعن فيها بطريق النقض“.
وبالنظر إلي كافة النصوص التي أتت في تلك التشريعات فيما يتعلق بقضايا إثبات النسب نجد أنه لا يمكن ملاحظة ثمة تطور تشريعي فيما يتعلق بالمعالجة التشريعية لتلك القضايا، إضافة إلي أن غلق باب الطعن في هذه الأحكام أمام محكمة النقض (بالرغم من أهميته الشديدة في تقصير مدد التقاضي في بعض الأحوال) قد أفقدنا رافدًا هامًا من روافد التراث القضائي أو الثوابت القضائية التي كان يمكن لها أن تشكل نبراسًا للمحاكم الأدنى في التعامل مع تلك القضايا أو تستحدث مبادئ وسوابق قضائية تساعد في تطوير قواعد إثبات النسب أو تساعد في تماشيها مع التقدم العلمي الحاصل في القرن الواحد والعشرين.
– قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 والمعدل بقانون رقم 126 لسنة 2008:
إلا أنه وبموجب تعديل المادة 4 من هذا القانون والذي نص على ” للطفل الحق في نسبه إلى والديه الشرعيين والتمتع برعايتهما.
وله الحق في إثبات نسبه الشرعي إليهما بكافة وسائل الإثبات بما فيها الوسائل العلمية المشروعة. وعلى الوالدين أن يوفرا الرعاية والحماية الضرورية للطفل، وعلى الدولة أن توفر رعاية بديلة لكل طفل حرم من رعاية أسرته، ويحظر التبني.”
فقد فتح المشرع بابًا جديدًا فيما يتعلق بالمعالجة التشريعية لقضايا إثبات النسب بإقراره لحق الطفل في إثبات نسبه بكافة وسائل الإثبات بما فيها “الوسائل العلمية المشروعة” بعد أن كان ذلك قاصرًا فقط على الأدلة والقواعد الشرعية، ولكن يبقي أن هذا التعديل وإن كان قد استحدث قاعدة جديدة إلا أنه جاء خلوًا من أي إلزام بها سواء للمحاكم أو للمدعي عليه المطلوب إثبات النسب إليه،
أولاً: أحكام المحاكم العليا:
بالرغم من استثناء هذا النوع من القضايا من الطعن بالنقض منذ العام 2004 إلا أنه يظل تراث محكمة النقض في هذه القضايا كاشفًا عن عدد من المبادئ التي ما زال يتردد صداها في أروقة المحاكم الابتدائية والاستئنافية:
حيث أقرت محكمة النقض في عدد من أحكامها بعضًا من المبادئ التي إن دلت علي شئ فإنما تدل علي حرص تلك المحكمة علي إثبات النسب بكافة وسائل الإثبات المقبولة بل والتي يشكل بعضها استثناء من الأصل العام، ومن أمثلة ذلك:
– النسب كما يثبت بالفراش يثبت بالبينة، فإذا ادعت امرأة علي رجل أنها ولدت منه ولم تكن “فراشا له” فلها إثبات مدعاها بالبينة الكاملة أي بشهادة رجلين عدلين أو رجل وامرأتين عدول، والبينة في هذا المجال أقوي من مجرد الدعوة أو الإقرار، والشهادة المنصبة علي النسب لا يشترط فيها معاينة واقعة الولادة أو حضور مجلس العقد إن كان.
(الحكم في الطعن رقم 3 لسنة 45 ق “أحوال شخصية” جلسة 29 ديسمبر سنة 1976)
– دعوي النسب باقية علي حكمها في الشريعة الإسلامية، ويجوز إثباتها بالبينة، وأنه إذا احتملت العبارة إثبات النسب وعدمه صرفت للإثبات، وأجيزت فيها الشهادة بالشهرة والتسامع واغتفر التناقض فيها وأنه إذا تعارض ظاهران في النسب قدم المثبت له.
(الحكم في الطعن رقم 85 لسنة 75 ق “مدني” جلسة 5 مايو (2008)
– ليس بلازم في دعوي النسب أن يكون الشهود أحياء أو معاصرين لما يشهدون إنما يكفي في شهادتهم التسامع …… وأن الحنفية أجازوا الشهادة بالتسامع في مواضع منها النسب
(الحكم في الطعن رقم 13 لسنة 33 ق “مدني” جلسة 4 يناير 1967)
– أن دعوي النسب متميزة عن إثبات الزوجية وأن إثباتها لا يخضع لما أورده المشرع في المادة 99 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية المقابلة للفقرة الثانية من المادة 17 من القانون رقم 1 لسنة 2000 بتنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية من قيد علي سماع دعوي الزوجية أو الإقرار بها مما مفاده أنه لا يشترط لإثبات النسب وجود وثيقة زواج رسمية كما أنه ولئن كان من المقرر أنه لا تقبل عند الإنكار الدعاوي الناشئة عن عقد الزواج ما لم يكن الزواج ثابتًا بوثيقة رسمية إلا أن دعوي النسب مستثناة من هذه الدعاوي ولا تخضع – وفقًا لما سلف بيانه – من قيد علي سماع دعوي الزوجية ولا تأثير علي ذلك في دعوي النسب
(الحكم في الطعن رقم 585 لسنة 73 ق “مدني” جلسة 6 يونيو 2006)
– النسب حق للولد فلا يصدق الزوجان في إبطاله ولو تعاونا علي أنه لم يحصل وطء
(الحكم في الطعن رقم 22 لسنة 35 ق “أحوال شخصية ” جلسة 15 مارس (1967)
– وفي حكم حديث لمحكمة القضاء الإداري لم يتم الطعن عليه قررت المحكمة بأن:
الدستور مستظلاً بأحكام الشريعة الإسلامية قد عني بالأسرة باعتبارها أساس المجتمع ولما كان الطفل هو أضعف حلقات الأسرة وثمرة قيامها فإن المشرع قد عني بإثبات نسبه إلي والديه حماية له ولبنيان المجتمع مستندًا فيها إلي أن الإسلام دين يقوم علي الفطرة السليمة واستخدام لعاطفة الأبوة في حفز الهمة للتربية السليمة للأطفال حرصًا علي بقاء النوع الإنساني، وإعلاء لقول الله تعالي ” ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ” وقال رسوال الله (ص) ” الولد للفراش وللعاهر الحجر” فإن ثبوت وجود فراش قائم عند ولادة الصغير كاف لإثبات النسب، وإذا كانت القاعدة الأصولية تقوم علي وجوب اتخاذ كافة الطرق لإثبات النسب مع الاحتراز في إثبات الفراش حتي يقوم عليه الدليل الشرعي، فإن طرق إثبات النسب تتمثل في ثبوت الزوجية والإقرار والبينة الشرعية ولم يشترط المشرع لإثبات النسب وجود وثيقة زواج رسمية لأن المنع الخاص بعدم سماع دعوي الزوجية أو الإقرار بها والمنصوص عليها في المادة 17 من القانون رقم 1 لسنة 2000 بتنظيم إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية لا يمتد إلي دعوي النسب بل إنه قد استقر بشأنها علي أنه لا يشترط في إثبات عقد الزواج العرفي تقديم العقد بل يكفي أن تثبت بالبينة حصوله وحصول المعاشرة الزوجية في ظله باعتبار أن البينة الشرعية هي إحدى طرق إثبات النسب علي ما هو مستقر عليه في هذا الخصوص“.
(حكم محكمة القضاء الإداري بالقاهرة – الدائرة الأولي – الدعوي رقم 19735 لسنة 59 ق – جلسة 23/ 2/ 2007)
هذه العينة الموجزة من أحكام محكمة النقض والقضاء الإداري والتي تحتوي على بعض أحكام حديثة نسبيًا إن دلت فإنما تدل على أن تراث تلك المحاكم إنما أحاط قضية “إثبات النسب” بعناية خاصة وتوسع في تفسير وقبول ما يعد دليلاً على ثبوت النسب وأفرد لأهمية ثبوت نسب الطفل لوالديه مساحات إن دلت فإنما تدل علي خصوصية وأهمية تلك القضية وعدم جمود وسائل إثبات النسب وأنها تقبل التطور وتقبل التوسع والإضافة حتي.
والغرض من استعراض هذه العينة الموجزة ليس إلا لقياس مدي إعطاء المحاكم الأدني في ظل قوانين الأحوال الشخصية الحديثة نفس الاهتمام لهذه القضية وتطورها أو جمودها من عدمه.
وبمراجعة عينة أخري من أحكام المحاكم الاستئنافية في قضايا ثبوت النسب يتلاحظ أن أحكام تلك المحاكم في الغالب الأعم منها ما هي إلا ترديد لما سبق وقررته المجالس الشرعية ثم المحاكم الشرعية ثم المحاكم العليا، وأحيانًا قد يتلاحظ أن بعض أحكام المحاكم العليا قديمًا هي في واقع الأمر أكثر تطورًا من بعض الأحكام الحديثة الصادرة من المحاكم الاستئنافية (ثبوت النسب بالتسامع علي سبيل المثال)،
وفي إطار النظر في تعامل الفقه القضائي مع قضايا إثبات النسب وتطوره فإننا مازلنا نواجه اشكاليتين: أولاهما هو إثبات نسب الأطفال المولودين من واقعة اغتصاب، ودور تحليل الحامض النووي في إثبات النسب،
أولاً: الأطفال المولودين نتيجة واقعة اغتصاب:
حيث ترفض كافة المحاكم المصرية علي اختلاف درجاتها إثبات نسب الطفل الذي حملت فيه أمه بسبب واقعة اغتصاب مستندين في ذلك إلي أن النسب لا ينشأ إلا بالزواج سواء كان زواجًا رسميًا أو عرفيًا، موثقًا أو غير موثق، بل إن المحاكم تنزل قاعدة أن “الولد للفراش وللعاهر الحجر” علي وقائع طلب إثبات نسب الأطفال المولودين نتيجة واقعة اغتصاب وهو أمر شديد الغرابة، ولم يضع له المشرع حلاً حتى الآن ولم يجتهد الفقه القضائي في أن يضع له حلاً أيضًا وهو ما يمكن اعتباره عقابًا للضحية ومكافأة للمغتصب، فيساوي المشرع ومنصات القضاء بين الزنا وبين الاغتصاب، الأولي جريمة تنتج بناء علي تلاقي إرادة طرفيها بينما الثانية جريمة تقع من طرف علي طرف، وبالتالي فإنه من المستغرب أن تسود فكرة المساواة بين الأمرين، وهو ما يمكن اعتباره خروجًا علي قواعد العدالة ومصلحة الطفل التي هي “أولي بالرعاية” ويشكل تضاربًا بين الالتزامات الدولية والنصوص القانونية وبين القواعد الشرعية التي هي بطبيعة الحال في مرتبة أعلي من النصوص القانونية، ونجد أن المشرع لا يعطي للطفل الحق في إثبات نسبه إلا ” لوالديه الشرعيين” وهو ما ينتج أمرين: قنبلة موقوتة عبارة عن الأطفال الذين ولدوا نتيجة جرائم اغتصاب، ثم وصمة لضحية تلك الجريمة (الأم) التي لا تستطيع أن تثبت لولدها نسبًا فتظل محملة بعبء جريمة هي في الأساس ضحيتها إلي ما شاء الله.
وبالرغم من وجود آراء فقهية تسمح بنسبة الطفل الناتج عن جريمة اغتصاب لأبيه إلا أن الفتوي الحديثة علي سبيل المثال لدار الإفتاء المصرية تري: ” الشرع الشريف يَتَشوَّف إلى ثبوت النسب بأقرب طريق مهما أمكن ذلك، بشترط قيام الزوجية الصحيحة أو الفاسدة أو وطء الشبهة، أما عند عدم وجود الفراش الصحيح؛ بأن يكون الولد ثمرة زنًا (سواء باغتصاب أم بغيره) فلا يثبت بذلك نسبٌ؛ فماء الزنا ،هدَرّ، وفي هذه الحالة يثبت النسب إلى الأم فقط، وعليها إسكانه وحضانته ونفقته وكل أوجه الرعاية التي تستلزمها تربيته. وفي الميراث يحصل التوارث بينه وبين أمه وأقاربها فقط؛ لأنه ولدها يقينًا ومنسوب إليها ، وهو مَحْرَمٌ لها ولسائر محارمها.” 2
وهو ما تسايرها فيه المحاكم علي اختلاف درجاتها ، ومن ذلك علي سبيل المثال :
حكم محكمة استئناف القاهرة الصادر في الدعوي رقم 14943 لسنة 131 ق بجلسة 24 سبتمبر 2014 والذي قضي بأنه : ” لما كان ما تقدم وهديا به وكان الثابت للمحكمة من سائر أوراق التداعي أن حمل المستأنفة ووضعها للصغير ………….. كان نتيجة اعتداء المستأنف ضده عليها وهتك عرضها بدون تهديد أو قوة حسبما قررت المستأنفة في المحضر رقم 29462 لسنة 2011 جنح قسم شرطة إمبابة3 ولم يكن نتيجة زواج صحيح أو فاسد وإنما نتيجة فعل في ذاته لا شبهة مطلقًا في أنه زنا – وكونه زنا في حقيقته لا يثبت به نسب، ومن ثم يكون الحكم المستأنف قد صادف صحيح الواقع والقانون لابتنائه علي أسباب سليمة وسائغة تقرها هذه المحكمة وتأخذ بها الأمر الذي تقضي معه هذه المحكمة برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف لأسبابه وللأسباب التي أنشأتها هذه المحكمة علي نحو ما سيرد بالمنطوق” ، وهذا الحكم لا يعدو ترديدًا لأحكام عديدة تقرر نفس القاعدة التي سنوضح تاليًا مخالفتها لبعض الآراء الشرعية باعتبارها ليس مما هو متفق عليه، والدستور والمواثيق الدولية.
– بعض الآراء الشرعية في مسألة الحاق ابن الزنا بالزاني:
نقل عن الحسن وابن سيرين وعروة والنخعي وإسحاق وسليمان بن يسار، أنه ينسب إليه واختار هذا القول ابن تيمية رحمه الله ، ونقله ابن قدامة عن أبي حنيفة ، قال : ( وروى علي بن عاصم، عن أبي حنيفة، أنه قال : لا أرى بأسًا إذا زنى الرجل بالمرأة فحملت منه، أن يتزوجها مع حملها ، ويستر عليها ، والولد ولد له ) المغني9/ 122
وقال ابن قدامة: ( وولد الزنى لا يلحق الزاني في قول الجمهور وقال الحسن وابن سيرين : يلحق الواطئ إذا أقيم عليه الحد ويرثه. وقال إبراهيم: يلحقه إذا جلد الحد، أو ملك الموطوءة . وقال إسحاق : يلحقه . وذكر عن عروة، وسليمان بن يسار نحوه).
وسابقا في فتوي من دار الإفتاء المصرية قالت أنه لما كان من القواعد الشرعية المستقرة المتفق عليها في الفقه الإسلامي أن الضرر لا يزال وأن الضرورات تبيح المحظورات وأصلها التشريعي الحديث الشريف لا ضرر ولا ضرار، وكان من تطبيقاتها ما استنبطه الفقهاء من أنه ما تعارضت مفسدتان رؤي أعظمها ضررًا بارتكاب أخفها، وإذا تعارضت مفسدة ومصلحة قدم دفع المفسدة أو بعبارة أخري رفع المفاسد مقدم علي جلب الصالح، ولما كانت القاعدة التنظيمية المقررة أنه لا يثبت نسب الحمل الذي كان ثمرة اعتداء المتهم واتصاله بالمجني عليها باعتبار أن هذا الحمل قد نشأ عن زنا وكان في هذا أبلغ الضرر بذلك الجنين بل وفيه تشجيع علي العلاقات الجنسية غير المشروعة، فإنه بمقتضي القواعد الشرعية يجب دفع الضرر بالمعايير الواردة في الشريعة الإسلامية، ولما كان إثبات النسب إنما يتبع انعقاد زواج المتهم من المجني عليها ليقبل منه شرعًا هذا الإقرار بنسب هذا الحمل إليه واكتسابه أبوته. وهذه الفتوي صدرت من المرحوم الشيخ جاد الحق علي جاد الحق بتاريخ 27/10/1980 ونشرت في مجموعة الفتاوي الإسلامية المجلدات الثامن والتاسع والعاشر من 2940 وما بعدها4
وورد في زاد المعاد لابن قيم الجوزية : ” إن قيل : فقد دل الحديث علي حكم استلحاق الولد، وعلي أن الولد للفراش، فما تقولون لو استلحق الزاني ولدًا لا فراش هناك يعارضه، هل يلحقه نسبه، ويثبت له أحكام النسب؟
قيل: هذه مسألة جليلة اختلف أهل العلم فيها، فكان إسحق بن راهويه يذهب إلي أن المولود من الزني إذا لم يكن مولوًدا علي فراش يدعيه صاحبه، وادعاه الزاني، أُلحق به، وأوّل قول النبي (ص) : “الولد للفراش” علي أنه حكم بذلك عند تنازع الزاني وصاحب الفراش، كما تقدم، وهذا مذهب الحسن البصري، رواه عنه إسحاق بإسناده في رجل زني بامرأة فولدت ولدًا فادعي ولدها فقال: يجلد ويلزُمه الولد، وهذا مذهب عروة بن الزبير وسليمان بن يسار ذكر عنهما أنهما قالا: أيما رجل أتي إلي غلام يزعم أنه ابن له، وأنه زني بأمه ولم يدَّع ذلك الغلام أحد، فهو ابنه واحتج سليمان بأن عمر بن الخطاب كان يليط أولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام وهذا المذهب كما تراه قوة ووضوحًا، وليس مع الجمهور أكثر من “الولد للفراش” وصاحب هذا المذهب أو لقائل به، والقياس الصحيح يقتضيه، فإن الأب أحد الزانيين، وهو إذا كان يلحق بأمه وينسب إليها وترثه ويرثها ويثبت النسب بينه وبين أقارب أمه مع كونها زنت به، وجد وجد الولد من اء الزانيين وقد اشتركا فيه واتفقا علي أنه ابنهما فما المانع من لحوقه بالأب إذا لم يدَّعِه غيره؟ فهذا محض القياس وقد قال جريج للغلام الذي زنت أمه بالراعي: من أبوك يا غلام؟ قال: فلان الراعي5 ، وهذا إنطاق من الله لا يمكن فيه الكذب6“
وإذا كان الحال كذلك فيما يتعلق بنسبة ولد الزنا لأبيه ووجود آراء شرعية قديمة وحديثة تجيز سبه لأبيه، فإن إعمال رأي الجمهور فيما يتعلق بنسبة ولد المغتصبة لأبيه هو من قبيل الإجحاف والقياس الفاسد لسبب رئيس هو أنه لا يمكن قياس فعل الاغتصاب علي فعل الزنا علي الأقل من جانب المرأة. وذلك مع مراعاة أنه إذا كانت المحاكم تلتزم بالمذهب الحنفي طبقًا للقانون فإننا وحتى الآن لم نجد رأيًا للمذهب الحنفي في نسبة ولد المغتصبة (للمغتصب) … أي أنه مسألة تستلزم اجتهادًا وحكمًا جديدًا ولا يجوز القياس بشأنها علي فعل الزنا، لأن الأصل والفرع هنا مختلفين ، وهما شرعًا وقانونًا جريمتين مختلفتين سواء من حيث العقاب المقرر لكليهما أو من حيث تعريف الجاني فيهما، والقياس هنا هو من قبيل القياس الفاسد الذي يقابل أصلاً ثابتًا ، فإذا سلمنا بفهم المحاكم ودار الإفتاء تحديث ” الولد للفراش وللعاهر الحجر ” ، فهل ينطبق وصف العاهر علي المغتصبة التي هي بالأساس ضحية كفل لها القانون الحماية والحق في التعويض ؟؟
الدستور والمواثيق الدولية :
تنص المادة 11 من الدستور المصري الصادر في 2012 والمعدل في 2014 علي : ” تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقًا لأحكام الدستور …….. وتلتزم الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف وتكفل تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل.
كما تلتزم بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة والنساء الاشد احتياجا.” وتنص المادة 51 علي : ” الكرامة حق لكل إنسان ولا يجوز المساس بها وتلتزم الدولة باحترامها وحمايتها“
وتنص المادة 53 علي: ” المواطنون لدي القانون سواء وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة لا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو اللغة أو الإعاقة أو المستوي الاجتماعي أو الانتماء السياسي أو الجغرافي أو لأي سبب آخر.
التمييز والحض علي الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون.
تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض“.
وتنص المادة 80 علي: ” ………. ولكل طفل الحق في اسم وأوراق ثبوتية وتطعيم إجباري مجاني ورعاية صحية وأسرية أو بديلة ……….. وتعمل الدولة علي تحقيق المصلحة الفضلي للطفل في كافة الإجراءات التي تتخذ حياله“.
وتنص المادة 3 من اتفاقية حقوق الطفل7 علي :
1- في جميع الإجراءات التي تتعلق بالأطفال، سواء قامت بها مؤسسات الرعاية الاجتماعية العامة أو الخاصة، أو المحاكم أو السلطات الإدارية أو الهيئات التشريعية، يولى الاعتبار الأول لمصالح الطفل الفضلى.
2- تتعهد الدول الأطراف بأن تضمن للطفل الحماية والرعاية اللازمتين لرفاهه، مراعية حقوق وواجبات والديه أو أوصيائه أو غيرهم من الأفراد المسؤولين قانونًا عنه. وتتخذ، تحقيقًا لهذا الغرض، جميع التدابير التشريعية والإدارية الملائمة.
3- تكفل الدول الأطراف أن تتقيد المؤسسات والإدارات والمرافق المسؤولة عن رعاية أو حماية الأطفال بالمعايير التي وضعتها السلطات المختصة ولاسيما في مجال السلامة والصحة وفي عدد موظفها وصلاحياتهم للعمل، وكذلك من ناحية كفاءة الإشراف.
وتنص المادة 7 فقرة 1 علي : ” يسجل الطفل بعد ولادته فورًا ويكون له الحق منذ ولادته في اسم والحق في اكتساب جنسية، ويكون له قدر الإمكان، الحق في معرفة والديه وتلقي رعايتهما.”
وتنص المادة 9 فقرة 1 علي : ” تضمن الدول الأطراف عدم فصل الطفل عن والديه على كره منهما. إلا عندما تقرر السلطات المختصة. رهنًا بإجراء إعادة نظر قضائية، ووفقًا للقوانين والإجراءات المعمول بها، أن هذا الفصل ضروري لصون مصالح الطفل الفضلى. وقد يلزم مثل هذا القرار في حالة معينة مثل حالة إساءة الوالدين معاملة الطفل أو إهمالهما له، أو عندما يعيش الوالدان منفصلين ويتعين اتخاذ قرار بشأن محل إقامة الطفل.”
وتنص المادة 16 علي :
1- لا يجوز أن يجري أي تعرض تعسفي أو غير قانوني للطفل في حياته الخاصة أو أسرته أو منزله أو مراسلاته، ولا أي مساس غير قانوني بشرفه أو بسمعته
2- للطفل الحق في أن يحميه القانون من مثل هذا التعرض أو المساس
وتنص المادة 18 فقرة 1 علي : ” تبذل الدول الأطراف قصارى جهدها لضمان الاعتراف بالمبدأ القائل أن كلا الوالدين يحتملان مسؤوليات مشتركة عن تربية الطفل ونموه وتقع على عائق الوالدين أو الأوصياء القانونيين حسب الحالة المسؤولية الأولى عن تربية الطفل ونموه. وتكون مصالح الطفل الفضلى موضع اهتمامهم الأساسي.”
وتنص اتفاقية القضاء علي كافة أشكال التمييز ضد المرأة8 في مادتها الأولي علي:
“لأغراض هذه الاتفاقية يعنى مصطلح “التمييز ضد المرأة” أي تفرفة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس ويكون من آثاره أو أغراضه، توهين أو إحباط الاعتراف للمرأة بحقوق الانسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية أو في أي ميدان آخر، أو توهين أو إحباط تمتعها بهذه الحقوق أو ممارستها لها، بصرف النظر عن حالتها الزوجية وعلى أساس المساواة بينها وبين الرجل.”
وتنص في المادة الثانية منها علي:
تشجب الدول الأطراف جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وتتفق على أن تنتهج، بكل الوسائل المناسبة ودون إبطاء، سياسة تستهدف القضاء على التمييز ضد المرأة، وتحقيقًا لذلك تتعهد بالقيام بما يلي:
(أ) إدماج مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في دساتيرها الوطنية أو تشريعاتها المناسبة الأخرى، إذا لم يكن هذا المبدأ قد أدمج فيها حتى الآن، وكفالة التحقيق العملي لهذا المبدأ من خلال التشريع وغيره من الوسائل المناسبة،
(ب) اتخاذ المناسب من التدابير، تشريعية وغير تشريعية، بما في ذلك ما يناسب من جزاءات، لحظر كل تمييز ضد المرأة،
(ج) فرض حماية قانونية لحقوق المرأة على قدم المساواة مع الرجل، وضمان الحماية الفعالة للمرأة، عن طريق المحاكم ذات الاختصاص والمؤسسات العامة الأخرى في البلد، من أي عمل تمييزي،
(د) الامتناع عن مباشرة أي عمل تمييزي أو ممارسة تمييزية ضد المرأة، وكفالة تصرف السلطات والمؤسسات العامة بما يتفق وهذا الالتزام؛
(ه) اتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة من جانب أي شخص أو منظمة أو مؤسسة،
(و) اتخاذ جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريعي منها، لتغيير أو إبطال القائم من القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزًا ضد المرأة،
(ي) إلغاء جميع الأحكام الجزائية الوطنية التي تشكل تمييزًا ضد المرأة.
وتنص المادة الخامسة علي :
تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لتحقيق ما يلي:
(أ) تغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة، بهدف تحقيق القضاء على التحيزات والعادات العرفية وكل الممارسات الأخرى القائمة على الاعتقاد بكون أي من الجنسين أدنى أو أعلى من الآخر، أو على أدوار نمطية للرجل والمرأة.
(ب) كفالة تضمين التربية العائلية فهمًا سليمًا للأمومة بوصفها وظيفة اجتماعية الاعتراف بكون تنشئة الأطفال وتربيتهم مسؤولية مشتركة بين الأبوين على أن يكون مفهومًا أن مصلحة الاطفال هي الاعتبار الأساسي في جميع الحالات
وتنص المادة 16 فقرة “ح“9 علي ” نفس الحقوق والمسؤوليات بوصفهما أبوين بغض النظر عن حالتهما الزوجية في الأمور المتعلقة بأطفالهما وفى جميع الأحوال، يكون لمصلحة الأطفال الاعتبار الأول“
ومما لا شك فيه أن كافة ما أقره الدستور والمواثيق الدولية الملتزمة بها مصر من كون حقوق الطفل هي الفضلي وكونه أولي بالرعاية وحمايته والحفاظ علي كرامته ….. إلخ يتعارض كليًا مع عدم الاعتراف بنسبته لأبيه إذا كان الطفل نتاج جريمة اغتصاب لا سيما إذا ثبت نسبه إليه، استنادًا إلى قاعدة شرعية واجبة الانطباق علي حالة مختلفة تمامًا وهي حالة الزني، ولا شك أن وضم المرأة كونها ضحية وتحميلها وحدها مسؤولية الطفل الناتج عن جريمة اغتصاب سواء المسؤولية تربويًا أو ماديًا لا شك أن ذلك يتعارض أيضًا مع ما كفله الدستور وتلك المواثيق للمرأة من حقوق.
ثانيًا: دور تحليل الحامض النووي في إثبات النسب
لوحظ الحمض النووي لأول مرة من قبل عالم الكيمياء الحيوية الألماني فريدريش ميشر في عام 1869، ولسنوات عديدة لم يدرك العلماء أهمية هذا الجزئ حتى العام 1953 حين اكتشف جيمس واتسون وفرانسيس كريك وموريس وبلكينز وروزاليند فرانكلين هيكل الحمض النووي10 ، منذ اكتشف العلماء دور الحمض النووي كوعاء الشفرة الوراثية، بدأ السعي لاستغلال هذا الاكتشاف في تقنيات تحديد النسب وذلك اعتمادًا على قاعدة بسيطة تقول: كل طفل لديه 46 كروموسوم ، 23 من الأب . و 23 من الأم؛ أي أن الطفل يحصل على نصف حمضه النووي من أبيه، والنصف الآخر من أمه. لكن السؤال الأول الذي ظهر هو كيف تحدد نصف الحمض النووي الخاص بالأب والخاص بالأم، ومن هنا ظهرت القاعدة الثانية التي تقول: كل جين موجود في موقع معين من الحمض النووي لدى الطفل يوجد منه نسختين، واحدة من الأب وواحدة من الأم. بعد ذلك بدأت اختبارات النسب بتحاليل بسيطة مثل تحاليل فصائل الدم، حيث يوجد جينات مسئولة عليا وبمقارنة فصائل دم الأب والأم والطفل يمكن التبوء بأبوة شخص من عدمها، لكن هذا الاختبار كان فعال فقط في نفي الأبوة وليس إثباتها، وذلك نظرًا لوجود مجموعة ضيقة من فصائل الدم لدى البشر، واحتمالات حدوث تشابه بين فصيلة دم شخص وطفل لا تعني بالضرورة أنه أبوه، بينما عدم وجود التشابه الصحيح بين فصيلة الشخص والطفل تؤكد عدم أبوته له. اختبار الأنساب عن طريق الحمض النووي مع تقدم الاكتشافات الخاصة بالحمض النووي، تمكن العلماء من اكتشاف مواقع في الحمض النووي على الكروموسومات المختلف. هذه المواقع توجد في صورة تتابع تكراري من الوحدات البنائية الخاصة بالحمض النووي، ويختلف من شخص لآخر في طوله – معدل التكرار – وتتمثل ميزة هذا الاكتشاف في قدرته على تحديد الهوية من خلال اكتشاف العلماء حوالي 13 موقع لهذه التتابعات التكرارية. يوجد نطاق واسع من معدلات التكرار يختلف من شخص لآخر. يوجد لدى كل شخص نسختين من هذه التتابعات التكرارية. ينتقل لكل شخص نسخة من هذه التتابعات التكرارية من الأب، ونسخة من الأم المعادلات الرياضية الخاصة باحتمالات اشتراك شخصين في نفس التتابعات الكاملة تشير إلى أن هذا شبه مستحيل من الناحية العلمية الإحصائية11
وعقب ازدياد اللجوء لتحليل الحمض النووي لبعض الأغراض المتعلقة بالأدلة الجنائية وإثبات السبب أصدر المجمع الفقهي الإسلامي (رابطة العالم الإسلامي) قرارًا بشأن البصمة الوراثية12 وكيفية الاستفادة منها نص ضمن ما نص علي:
(البصمة الوراثية هي البنية الجينية (نسبة إلى الجينات، أي المورثات)، التي تدل على هوية كل إنسان بعينه. وأفادت البحوث والدراسات العلمية أنها من الناحية العلمية وسيلة تمتاز بالدقة، لتسهيل مهمة الطب الشرعي. ويمكن أخذها من أي خلية (بشرية) من الدم، أو اللعاب، أو المني، أو البول، أو غيره). وبعد الاطلاع على ما اشتمل عليه تقرير اللجنة التي كلفها المجمع في الدورة الخامسة عشرة بإعداده من خلال إجراء دراسة ميدانية مستفيضة للبصمة الوراثية، والاطلاع على البحوث التي قدمت في الموضوع من الفقهاء، والأطباء، والخبراء، والاستماع إلى المناقشات التي دارت حوله، تبين من ذلك كله أن نتائج البصمة الوراثية تكاد تكون قطعية في إثبات نسبة الأولاد إلى الوالدين، أو نفيهم عنهما، وفي إسناد العينة (من الدم أو المني أو اللعاب) التي توجد في مسرح الحادث إلى صاحبها، فهي أقوى بكثير من القيافة العادية ( التي هي إثبات النسب بوجود الشبه الجسماني بين الأصل والفرع). وأن الخطأ في البصمة الوراثية ليس واردًا من حيث هي، وإنما الخطأ في الجهد البشري أو عوامل التلوث، وقرر المجمع عدة قرارات ترتيبًا على ذلك منها:
” …………………………………………………….
ثانيًا: إن استعمال البصمة الوراثية في مجال النسب لابد أن يحاط بمنتهى الحذر والحيطة والسرية، ولذلك لابد أن تقدم النصوص والقواعد الشرعية على البصمة الوراثية.
ثالثًا: لا يجوز شرعًا الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب، ولا يجوز تقديمها على اللعان.
رابعًا: لا يجوز استخدام البصمة الوراثية بقصد التأكد من صحة الأنساب الثابتة شرعًا، ويجب على الجهات المختصة منعه وفرض العقوبات الزاجرة؛ لأن في ذلك المنع حماية لأعراض الناس وصونًا لأنسابهم.
خامسًا: يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات التالية:
أ– حالات التنازع على مجهول النسب بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء، سواء أكان التنازع على مجهول النسب بسبب انتفاء الأدلة أو تساويها، أم كان بسبب الاشتراك في وطء الشبة ونحوه.
ب – حالات الاشتباه في المواليد في المستشفيات، ومراكز رعاية الأطفال ونحوها، وكذا الاشتباه في أطفال الأنابيب.
ج – حالات ضياع الأطفال واختلاطهم، بسبب الحوادث أو الكوارث أو الحروب، وتعذر معرفة أهلهم، أو وجود جثث يمكن التعرف على هويتها، أو بقصد التحقق من هويات أسرى الحروب والمفقودين
………………………………………………….…”
والمتتبع لما جري عليه قضاء الأحوال الشخصية في مصر سيستوقفه مبدأين جري عليهما هذا القضاء حال أخذه بتحليل الحمض النووي كوسيلة لإثبات النسب وهما:
أولاً: تقرير الخبير يخضع لتقدير محكمة الموضوع وهي ليست مقيدة بما خلص إليه:
حيث قررت محكمة استئناف القاهرة / الدائرة 100 أحوال شخصية في القضية رقم 10246 لسنة 125 في أحوال شخصية وهو طعن بالاستئناف علي حكم بنفي نسب صغير لأبيه استنادًا إلي فحص الحمض النووي تبين استحالة نسب الصغير له :
” وحيث أنه عن الموضوع فإن من المقرر أن النسب يثبت من الفراش بالزواج الصحيح وبالبينة والإقرار والزواج الفاسد والوطء بشبهة عملاً بحديث رسول الله (ص) “الولد للفراش وللعاهر الحجر“. والنسب حق الله تعالي وحق للأسرة والمجتمع ويتشرب المجتمع إلي إثباته ومن ثم يفتقر التناقض في دعواه لأن سبب المعلومة وهو الحمل مما يخفي علي غير المرأة ويحتاط في إثبات النسبة مالا يحتاط في غيره أحياء للولد ولا يلزم لثبوت النسب أن يكون هناك عقد رسمي أو عربي مكتوب لثبوت الزوجية ويكون فيه أمرًا شفويًا، كما أن لا ينسب لساكن قول إلا في مسألة النسب وتجوز فيه الشهادة السماعية، ومن المقرر أن الولد للفراش فمتي تبنت الزوجية والطلاق وجاءت بالولد لأقل من سنة من تاريخ الطلاق كان الولد ثابت النسب لصاحب الفراش، ومن المقرر أن عمل الخبير لا يعدو أن يكون عنصرًا من عناصر الإثبات الواقعية وفي الدعوي يخضع لتقدير محكمة الموضوع وهي ليست مقيدة بما خلص إليه ومن المقرر أنه لا عبرة بتقرير الخبير إذا عارض صريح النص“
ومثل هذا الحكم وإن كان يتعرض لمسألة قانونية قطعًا للقواعد القانونية الدور الحاسم فيها إلا أنه من المستغرب أن تخضع المحاكم لسلطتها التقديرية طائفة معينة من الأدلة وعلي رأسها بالقطع اختبار الحمض النووي الذي تقرر حتي من قبل رجال الدين أن الخطأ في البصمة الوراثية ليس واردًا كما أسلفنا من خلال قرار المجمع الفقهي، لا سيما ونحن هنا بصدد إثبات علمي، وتجاوزه والحال كذلك لا يمكن أن يعكس بأي حال من الأحوال تحقيق عدالة من نوع ما لا في نفس المجتمع ولا في نفوس المتقاضين، فمن المستقر عليه أن تقدير الأدلة من قبيل شهادات الشهود، والأدلة الورقية، وأقوال المدعين أو المدعي عليهم وتقارير الخبراء الحسابيين والهندسيين … الأخ كل ذلك يمكن قبول منطق أنه لا يلزم المحكمة لا سيما وأن العنصر الحاسم في الدعوي هو القاعدة القانونية المجردة (الملكية – الإيجار – الانتفاع – قواعد الضبط – الإجراءات الجنائية – المطالبات المالية ودعاوي الاستحقاقات .. إلخ) إلا أن ذلك لا يستقيم عملاً في دعوي أقيمت بالطريق القانوني وسند المدعي فيها دليل علمي لا يقبل الدحض علي الإطلاق، ولن نخوض هنا في الأسانيد الشرعية وعمل النبي (ص) والصحابة وآراء الفقهاء ولكننا هنا نضع رأي علمي شديد الوضوح والدلالة في مقابل أدلة ظنية تحت قاعدة أن للمحكمة سلطة تقدير قوة الدليل، وهو ما يجعلنا بطبيعة الأمر نطرح مسألة إفراد مثل هذا النوع من الأدلة في تلك القضايا بحماية تشريعية تخرجه من نطاق تقدير محكمة الموضوع التي ليس لها أية مكنة علمية أو منطقية في قبوله أو نفيه.
وحتي في إطار مسائل الخبرة التي قد يكون لمحكمة الموضوع مكنة طرحها أو الأخذ بها باعتبار وجود ما يعضدها أو ينفيها ضمن عناصر الدعوي فقد استقر قضاء محكمة النقض علي “أن عمل الخبير لا يعدو أن يكون عنصرًا من عناصر الإثبات الواقعية في الدعوى يخضع لتقدير محكمة الموضوع التي لها سلطة الأخذ بما انتهى إليه إذا رأت فيه ما يقنعها ويتفق وما ارتأته أنه وجه الحق في الدعوى ما دام قائمًا على أسباب لها أصلها في الأوراق وتؤدي إلى ما انتهى إليه“13 وهنا فقد ربطت محكمة النقض بين سلطة المحكمة وبين ضرورة أن يكون ما ورد بتقرير الخبير يتفق وما ارتأته المحكمة بشرط أن يكون ذلك قائمًا علي أسباب لها أصلها في الأوراق تؤدي إلى ما انتهي إليه.
أما فيما يتعلق بالدليل الفني الذي لا يمكن للمحكمة الخوض فيه بدون أهل الخبرة فقد قررت محكمة النقض: “متى كانت الحقائق العلمية المسلم بها في الطب الشرعي الحديث تفيد أن تحليل فصائل الدماء قد تقطع نتيجته في نفي نسب الطفل عند المنارعة فيه. وإن كان من غير اللازم أن تقطع في ثبوته، واتحاد الفصائل أو اختلافها بين الأصول والفروع أيًا كان الرأي العلمي فيه، هو اعتبار عام لا ينهض في وجه ما تمسك به المتهم في خصوص دعواد من أن الطفل لا يمكن نسبته إليه ولو بدليل محتمل، محتكمًا إلى الخبرة الفنية البحت التي لا تستطيع المحكمة أن تشق طريقها فيها إلا بمعونة ذويها، وكان لا يعرف حاصل ما كان ينتهي إليه رأي المحكمة لو ثبت لها بيقين من نتيجة تحليل الفصائل أن الطفل لا يمكن أن يعزي إلى المتهم، وكان رد الدفاع يحدث في وجدان القاضي ما يحدثه دليل الثبوت، فإنه كان يتعين على المحكمة أن تحقق هذا الدفاع الجوهري عن طريق المختص فنيًا وهو الطبيب الشرعي، أما وهي لم تفعل اكتفاء بما قالته من أنه ليس من اللازم أن تتحد فصائل دماء الأصول والفروع. فإيما بذلك تكون قد أحلت نفسها محل الخبير الفني في مسألة فنية، ويكون حكمها معيبًا بالإخلال بحق الدفاع يتعين معه نقضه.”14 وهو ما يعني تسليم المحكمة بعدم أحقية القاضي في الخوض في المسائل الفنية البحتة بدون أهل الخبرة ولا يمكنها أن تحل نفسها محلهم ، وهو ما يعني بمفهوم المخالفة أن المحكمة لا يمكنها طرح الدليل الفني استنادًا علي عناصر أقل منه قوة في الإثبات أو بمعني آخر ليس لها ذات القيمة العلمية، فإذا وضعنا فترة الحمل من تاريخ حدوث الطلاق في مقابل نتيجة فحص الحمض النووي فلا يستقيم عقلاً ولا علميًا أن نطرح نتيجة مما فحص الحامض النووي.
ثانيًا: عدم وجود ما يلزم أطراف التداعي قانونًا بإجراء فحص الحمض النووي:
حيث أنه وحتى الآن وبالرغم من نص المادة 4 من قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 والتي تعطي للطفل الحق في إثبات نسبه الشرعي إلى والديه بكافة وسائل الإثبات بما فيها الوسائل العلمية المشروعة إلا أنه لا يوجد ما يلزمهما قانونًا بالخضوع لفحص الحمض النووي، وللمحكمة أن تعد امتناع أيهما قرينة ضده وحتى إذا استندت المحكمة إلي هذا الامتناع في اعتباره دليلاً على صحة نسب الطفل فإنه يظل إثباتًا ظنيًا، في حين أنه يمكن بدون أن يعد ذلك انتهاكًا – إلزام من تري المحكمة من طرفي التداعي لزوم خضوعه لفحص الحمض النووي، وذلك قياسًا علي ما جري عليه العمل في التحقيقات الجنائية علي سبيل المثال، وذلك إذا ما وضعنا نصب أعيننا قاعدة أن الطفل هو صاحب المصلحة الفضلي وأن القانون أعطي له الحق في إثبات نسبه بكافة وسائل الإثبات المشروعة وهو الحق الذي أطلقه المشرع من كل قيد لكنه في ذات الوقت لم يضع من القواعد الملزمة ما يجعله قابلاً للتطبيق وهو الأمر المستغرب والذي يمكن إلحاقه بمناحي القصور التشريعي وعدم مجاراة التطور العلمي الحاصل فيما يتعلق بقضايا إثبات النسب والتي إذا ما أصبح العمل بها إلزاميًا فإن من شأنها أن توفر الكثير من الوقت والجهد . بل إنه واعتمادًا علي اختبار الحمض النووي يمكن تحويل مسألة إثبات النسب في بعض الحالات إلى مسألة فنية بحتة مما من شأنه إفساح المجال في ساحات القضاء لقضايا أخري تستأهل وقت وجهد المحاكم.
ونظرًا لأهمية اختبار فحص الحمض النووي فإنه وعلي سبيل المثال في عديد من الولايات الأمريكية فإن امتناع من تري المحكمة لزوم إجراؤه لهذا الاختبار قد يواجه عواقب قانونية على رفضه، مثل اتهامه بازدراء المحكمة، ويمكن رفع دعاوى جنائية أو يمكن فرض غرامة عليه، وفي كثير من الحالات، يجوز للمحكمة ببساطة أن تصدر حكمًا ضد الرجل وأن تأمره بدفع إعالة الطفل 15
ولا يفوتنا في هذا الصدد أن مثل هذه الإشكالية وإن كان يمكن قبولها على مضضن أو النقاش بشأنها فيما يتعلق بحالات الإنجاب الطبيعية إلا أنه لا محل لإثارتها إذا ما تعلق الأمر علي سبيل المثال بإثبات نسب أطفال الأنابيب أو الأطفال الذين يتم إنجابهم عن طريق التلقيح المجهري، ولا نعلم إلام ستتطور الوسائل العلمية في مثل هذه الأمور وهو ما يجعل الحاجة إلى تطوير التشريعات المنظمة لمسائل إثبات النسب بما يواكب التطور العلمي أكثر إلحاحًا.
1- ادخل على هذه اللائحة تعديلات أخري بموجب القانون رقم 12 لسنة 1914 والقانون رقم 33 لسنة 1920 وهما تعديلان يرتبط أولهما بتشكيل المحاكم والثاني بتعديل بعض الأحكام المتعلقة بالأوقاف والقانون 18 لسنة 1927 والخاص بتشكيل المحكمة العليا
2ـ الفتوي رقم 3168 بتاريخ 27 يوليو 2015 – منشورة على موقع دار الإفتاء على الإنترنت http://dar- alifta.org.eg/AR/ViewFatwa.aspx?ID=12557&LangID=1
3- تم الاعتداء على المستأنفة حال كونها قاصر دون السابعة عشرة عامًا
4- مشار إليها في جريدة الأهرام 8 أغسطس 2007 السنة 132 – العدد 44074
5- مشار في المرجع الأصلي إلي أنها قطعة من حديث مطول أخرجه البخاري 6/ 344 ، 348 ، ومسلم (2550) واحمد2/ 436 من حديث أبي هريرة
6- زاد المعاد في هدي خير العباد – الإمام ابن قيم الجوزية – تحقيق شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط – الجزء الخامس – ص 381 ، 382
7- أقرت مصر هذه الإتفاقية وفقًا للقرار الجمهوري 260 لعام 1900 في يوم 24 مايو/ آيار 1990. ونشرت في الجريدة الرسمية المصرية العدد 7 في 14 فبراير/ شباط 1991 خلت دير النفاذ في 2 سبتمبر / أيلول 1991.
8- أقرت مصر هذه الاتفاقية وفقًا للقرار الجمهوري 434 لعام 1981 وصدقت عليها في 18 سبتمبر/ أيلول مع إبداء التحفظات على بعض موادها ومنها نص المادة 16
9- متحفظ عليها من جانب جمهورية مصر العربية
10- https://www.livescience.com/37247-dna.html
11- http://www.dailymedicalinfo.com/view-
12- قرار المجمع الفقهي الإسلامي رقم 16 في دورته السابعة المنعقدة بمكة المكرمة في 8 أكتوبر 2012 – منشور على
http://www.islamtoday.net/bohooth/artshow-32-4627.htm
13- مدني – الطعن رقم 3542 لسنة 61: فضائية بتاريخ 26 فبراير 1996
14- محكمة النقض–جنائي الطعن رقم 1217- لسنة 38 قضائية بتاريخ 21-10-1968
أولاً: جرائم التعدي علي الزوجات:
ينظم قانون العقوبات المصري رقم 58 لسنة 1937 وتعديلاته جريمة التعدي بالضرب على آحاد الناس بموجب المواد التالية:
مادة 240:
“كل من أحدث بغيره جرحًا أو ضربًا نشأ عنه قطع أو انفصال عضو أو فقد منفعته أو نشأ عنه كف البصر أو فقد إحدى العينين أو نشأ عنه أي عاهة مستديمة يستحيل برؤها بعاقب بالسجن من ثلاث سنين إلى خمس سنين، أما إذا كان الضرب أو الجرح صادرًا عن سبق إصرار أو ترصد أو تربص فيحكم بالأشغال الشاقة من ثلاث سنين إلى عشر سنين.
ويضاعف الحد الأقصى للعقوبات المقررة إذا ارتكبت الجريمة تنفيذًا لغرض أرهابي. “
مادة 241:
“كل من أحدث بغيره جرحًا أو ضربًا نشأ عنه مرض أو عجز عن الأشغال الشخصية مدة تزيد على عشرين يومًا يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سننين أو بغرامة لا تقل عن عشرين جنيهًا مصريًا، ولا تجاوز ثلاثمائة جنيه مصري.
أما إذا صدر الضرب أو الجرح عن سبق إصرار أو ترصد أو حصل باستعمال أية أسلحة أو عصي أو آلات أو أدوات أخري فتكون العقوبة الحبس.
وتكون العقوبة السجن الذي لا تزيد مدته علي خمس سنوات إذا ارتكبت الجريمة تنفيذًا لغرض إرهابي.”
مادة 242:
” إذا لم يبلغ الضرب أو الجرح درجة الجسامة المنصوص عليها في المادتين السابقتين يعاقب فاعله بالحبس مدة لا تزيد علي سنة أو بغرامة لا تقل عن عشرة جنيهات ولا تجاوز مائتي جنيه مصري.
فإن كان صادرًا عن سبق إصرار أو ترصد تكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد علي سنتين أو غرامة لا تقل عن عشرة جنيهات ولا تجاوز ثلاثمائة جنيه مصري.
وإذا حصل الضرب أو الجرح باستعمال أية أسلحة أو عصي أو آلات أو أدوات أخري تكون العقوبة الحبس.
وتكون العقوبة السجن الذي لا تزيد مدته علي خمس سنوات إذا ارتكبت أي منها تنفيذًا لغرض إرهابي. “
وفي إطار هذا التنظيم التشريعي المحكم فيما يتعلق بجرائم التعدي بالضرب والجرح علي آحاد الناس بتلاحظ أن عددًا من المحاكم المصرية في إطار تطبيق هذه النصوص قد درجت على إفراد هذه الجريمة بمعاملة استثنائية إذا كانت هذه الجريمة قد وقعت من زوج علي زوجته، فقد درج عدد كبير من هذه المحاكم علي تخفيف العقوبات علي الجاني وأحيانا تبرئته من جريمته حتى وإن كانت ثابتة ضده استنادًا إلى حق المحكمة في تخفيف العقوبة بموجب نص المواد 17، 55، 60 من قانون العقوبات، ونحن هنا نحاول البحث عن إجابة لسؤال مفاده:
لماذا جري العمل في عدد المحاكم المصرية علي التفرقة في العقوبة بحسب مركز المجني عليه وجنسه ؟؟ هل هناك سند قانوني أم أنه مجرد سلوك يعكس هوي أو ثقافة مجتمعية أو مزاج ما؟؟ هل هناك ضوابط لحق المحكمة في استخدام سلطتها لتخفيف العقوبة في حق الجاني في هذه الحالة ؟؟ وما هو تراث المحاكم العليا في هذا الشأن ؟؟ ما مدي اتفاق هذا المسلك مع الدستور والقانون ومبادئ العدالة ومبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ؟؟ وما أثر ذلك علي مكافحة هذا النوع من الجرائم ؟؟ وهل يتوافق هذا المسلك مع النظريات العقابية وما قصده المشرع ؟؟
حق التأديب:
حق التأديب هو سبب من أسباب الإباحة لمن يخول له القانون استعمال هذا الحق، وأساسه المادة 60 من قانون العقوبات التي تنص علي ” لا تسري أحكام هذا القانون علي كل فعل ارتكب بنية سليمة عملاً بحق مقرر بمقتضي الشريعة” وقد أدخل هذا النص في قانون العقوبات الصادر سنة 1904 بناء علي اقتراح مجلس شوري القوانين وجاء بمحضر جلسة هذا المجلس عن سبب إضافة هذا المادة ما يأتي: “إنما زيدت هذه المادة في القانون حتى يخرج من العقوبة من له حق التأديب مثلاً كالوالد والوالدة والوصي والأستاذ ونحوهم، فإن لهم هذا الحق بمقتضي الشريعة” 16
وما ورد بنص تشريعي قديم : المادة 209 من قانون الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية التي نصها ” يباح للزوج تأديب المرأة تأديبًا خفيفًا على كل معصبة لم يرد في شأنها حد مقرر. ولا يجوز له أصلاً أن يضربها ضربًا فاحشًا ولو بحق“
وبمراجعة عدد من الأحكام الصادرة في هذه النوعية من القضايا يتضح أن محكمة النقض قد سلكت مسلكًا من شأنه الحد من الارتكان إلي حق “التأديب” المشار إليه في مواجهة جرائم التعدي علي الزوجات وجرائم الشرف عمومًا باستنادها إلى ما قررته في غير قليل من أحكامها بأن:
“من المقرر أن التأديب حق للزوج ولكن لا يجوز أن يتعدي الإيذاء الخفيف فإذا تجاوز هذا الحد فأحدث أذي بجسم زوجته كان معاقبًا عليه قانونًا 17
ولكن شروط استعمال هذا الحق بصفة عامة وتوافر وصف الإباحة له تقتضي الآتي:
أولاً: أن يكون الفعل قد ارتكب عملاً بحق مقرر بمقتضي الشريعة
ثانيًا: أن يكون الفعل قد ارتكب بنية سليمة، والمقصود سلامة النية هنا هو أن يكون الفاعل قد ارتكب الفعل استعمالاً لحقه، ولا يعتبر الفعل أنه ارتكب بسلامة نية إذا كان الفاعل يستتر بالحق في الظاهر ليخفي قصدًا إجراميًا لا يمت لحقه بصلة18
وفيما يتعلق بما يسمي “تأديب الزوج لزوجته” استنادًا إلى إباحة الشريعة الإسلامية لذلك فهو أيضًا مقيد بقيدين 19:
أوليهما: ألا يتجاوز الاعتداء الحق المقرر شرعًا للتأديب والمتفق عليه هو أنه ليس كل ضربًا مباحًا وإنما المباح هو الضرب غير المبرج
وثانيهما: أن يكون الضرب مقصودًا به تحقيق الغاية التي من أجلها شرع التأديب وهو إصلاح حال المرأة وأن يكون لسبب شرعي ولا يجوز إذا كان مقصودًا به غرض آخر كأن كان انتقامًا مها أو لمجرد الإيذاء
وقد عرفت محكمة النقض الضرب الفاحش بأنه ” الضرب الذي يؤثر في الجسم ويغير لون الجلد“
وبالرغم من أن القانون وأحكام محكمة النقض بل والأحكام الشرعية قد وضعت حدًا واضحًا وفاصلاً لكي يكون تعدي الزوج علي زوجته هو استعمال لحق مقرر بمقتضي الشريعة إلا أننا نفاجأ أنه في غير قليل من الأحكام الصادرة من المحاكم الجنائية فإن المحكمة تستخدم حقها في استعمال الرأفة لتخفيف العقوبة بحق المتهم / الزوج المدان بالتعدي بالضرب علي زوجته، وباستعراض عدد من هذه الأحكام فإن مسلك المحاكم في هذا الشأن حقًا هو مسلك متبوع بعلامة استفهام تقودنا إلى ضوابط استعمال الرأفة في حق المتهم. وأثر هذا المسلك في محاصرة ظاهرة العنف ضد المرأة
ولا يفوتنا في هذا الصدد الإشارة إلى وجود أزمة حقيقية في الحصول علي بيانات وإحصاءات حديثة من الجهات المختصة إلا عن طريق ما تسمح تلك الجهات بنشره كالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ووزارة العدل، وهو ما حدا بنا إلى اللجوء إلى بعض البيانات والدراسات المنشورة والحديثة نوعًا ما لكي تحصل منها علي مؤشر متعلق بمدي نجاح الأجهزة أو الهيئات المسؤولة في محاصرة أو التقليل من تلك الظاهرة من عدمه.
ويمكننا هنا من خلال مدونات محكمة النقض استعراض بعض الأحكام ( حديثة وقديمة) في عدد من القضايا المتعلقة بالتعدي على الزوجات:
– اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه ضرب زوجته عمدًا بجسم صلب راض (قطعة من الطوب) في بطنها فأحدث إصاباتها المبينة بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصد من ذلك قتلاً ولكن الضرب أفضي إلى موتها وأحالته إلى محكمة جنايات كفر الشيخ لمعاقبته طبقًا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
والمحكمة قضت حضوريًا عملاً بالمادة 236/ 1 من قانون العقوبات مع إعمال المادة 17 من ذات القانون بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل لمدة سنتين20
– وحيث أن المحكمة تطمئن إلي ما شهد به شهود الإثبات في التحقيقات وإلى جدية التحريات التي قام بها الشاهد الرابع واقتنعت بتصويرهم لواقعة ضرب المتهم للمجني عليها (زوجته) بيده علي أذنها اليسري والتي تأيدت بالدليل الفني المستمد من تقرير الطب الشرعي المرفق والذي انتهي إلى أن إصابتها بأذنها اليسري تخلف لديها من جرائها عاهة مستديمة متمثلة في ضعف سمعي توصيلي بسيط، وأنها تحدث من التعدي بالضرب باليد وفي توقيت معاصر لتاريخ الواقعة المعطي وذلك علي نحو ما أتاه المتهم بالمجني عليها …………. وحيث أنه وإزاء ما تقدم يكون قد ثبت في عقيدة المحكمة علي وجه القطع واليقين أن المتهم …………. في يوم 9 مارس 2007 بدائرة قسم ميت غمر – محافظة الدقهلية أحدث ضربًا بالمجني عليها …… علي أذنها اليسري بيده فأحدث إصابتها المدينة بتقرير الطب الشرعي المرفق والتي تخلف لديها من جرائها عاهة مستديمة يستحيل برؤها متمثلة في ضعف سمعي توصيلي بسيط تقدر نسبته بنحو 5% على النحو المبين بالتحقيقات وهو الأمر المؤثم بالمادة240 / 1 عقوبات ويتعين معاقبته بالمادة 304 / 2 إجراءات جنائية ………….. وحيث أنه لظروف الدعوي وملابساتها تري المحكمة أخذ المتهم بقسط من الرأفة في حدود سلطتها المقررة بالمادة 17 من قانون العقوبات مع إلزامه بالمصاريف الجنائية عملاً بالمادة 313 إجراءات جنائية …….. فلهذه الأسباب وبعد الاطلاع علي المواد سالفة الذكر حكمت المحكمة حضوريًا أولاً في الدعوي الجنائية بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل لمدة ثلاثة أشهر عما نسب إليه وألزمته بالمصاريف الجنائية
ثانيًا وفي الدعوي المدنية بإلزام المتهم بأن يؤدي للمدعية بالحق المدني مبلغ خمسة آلاف جنيه وواحد علي سبيل التعويض المدني المؤقت وألزمته بمصروفات الدعوي المدنية وبلغ مائتي جنيهًا مقابل أتعاب المحاماة.21
– اتهمت النيابة العامة الطاعن المذكور بأنه قبض علي………. وحجزها في غير الأحوال التي تصرح فيها القوانين واللوائح بالقبض بأن حبسها داخل غرفة وأغلق بابها بالقفل ووضع في قدميها قيدًا حديديًا أعده لذلك وعذبها بالتعذيبات البدنية فأحدث بها الإصابات الموضحة بالتقرير الطبي وطلبت من قاضي الإحالة إحالته علي محكمة الجنايات لمحاكمته بالمادتين 280 و 282/ 2 من قانون العقوبات فقرر بذلك، ومحكمة جنايات المنيا قضت عملاً بمادتي الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة…. بالحبس سنة مع الشغل.22
– اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه في يوم 28 يناير 1973 بدائرة مركز الباجور محافظة المنوفية أحدث عمدًا الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي والتي تقرر لعلاجها مدة لا تزيد علي عشرين يومًا وطلبت من قاضي المحكمة إصدار أمر جنائي بمعاقبة المتهم بالمادة 242 / 1 من قانون العقوبات. وقاضي محكمة الباجور الجزئية أمر عملاً بمادتي الاتهام بتغريم المتهم مائة قرش. فاعترض المحكوم عليه علي هذا الأمر وقضي في اعتراضه بسقوط الأمر الجنائي واعتباره كأن لم يكن وبراءة المتهم من التهمة المنسوبة إليه. فاستأنفت النيابة العامة هذا الحكم ومحكمة شبين الكوم الابتدائية – بهيئة – استئنافية قضت غيابيًا بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض ………..
وحيث أن من المقرر أن التأديب حق للزوج من مقتضاه إباحة الإيذاء ولكن لا يجوز أن يتعدي الإيذاء الخفيف، فإذا تجاوز الزوج هذا الحد فأحدث أذي بجسم زوجته كان معاقبًا عليه قانونًا حتي ولو كان الأذي الذي حدث بجسم الزوجة لم يزد عن سحجات بسيطة، لما كان ذلك وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المطعون ضده قد اعتدي بالضرب علي زوجته وأحدث بها الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي وكان البين من هذا التقرير المرفق بالمفردات المضمومة أن بالمجني عليها كدمات بالرأس وكدمات بالفخذ الأيسر، فإن هذا كاف لاعتبار ما وقع منه خارجًا عن حدود حقه المقرر بمقتضي الشريعة ومستوجبًا للعقاب عملاً بالفقرة الأولي من المادة 242 من قانون العقوبات. واذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه والإحالة. 23
ولا يقتصر استعمال المحاكم قديمًا وحديثًا لحقها في إعمال الرأفة بحق المتهم المدان علي قضايا التعدي علي الزوجات وفقط بل يتجاوز ذلك إلى الأبناء والتلاميذ أيضًا بل وفي بعض الأحيان تعمل المحاكم المادة 60 من قانون العقوبات باعتبار ذلك حقًا مقررًا بمقتضي الشريعة وهو ما تصدت له محكمة النقض باعتبار أن تراثها القضائي دائم التأكيد علي أن “التأديب المباح شرعًا لا يجوز أن يتعدي الضرب البسيط الذي لا يحدث كسرًا أو جرحًا ولا يترك أثرًا ولا ينشأ عنه مرض “24 وهو ما حاولت محكمة النقض مسايرته دائمًا حتي فيما يمكن اعتباره أحكامًا شاذة عن هذا الاتجاه :
– وحيث أن حاصل الطعن المقدم من النيابة العامة أن الأمر الصادر من قاضي الإحالة إذا قضي بأن لا وجه لإقامة الدعوي علي والد المجني عليها بمقولة أن ما وقع منه من وضع قيد جديدي في قدمها يدخل في سلطته لأنها قاصر وهو وليها، ولأنه لم يكن يقصد إلا إصلاحها والمحافظة عليها، فأمر تقدير وسيلة تأديبها المرجع فيه إليه وفقًا لما يهديه إليه تفكيره – إذ قضي بذلك يكون أخطأ لأن التأديب المباح هو الذي يقبله العقل، وهو الذي لا يتعدي حد الوسائل التهذيبية البسيطة، كالضرب الذي لا يترك أثرًا والحجز الذي ليس فيه ضيق أو حرج أو مساس بحرية المحبوس مساسًا بليغًا، أما وقد تجاوز الأب بفعلته التي فعلها كل حدود تأديب معقول فإنه يكون مستحقًا للعقاب خلافًا لما ذهب إليه قاضي الإحالة.
وحيث أن قاضي الإحالة حين أصدر أمره المطعون فيه قال “إن الوقائع تتضمن أن ……… سمع وهو بدكانه بناحية القبابات صوت استغاثة ينبعث من منزل ….. ولما حاول فتح الباب وجده مغلقًا فنظر من فرجة فيه فوجد ابنة صاحب المنزل والنار مشتعلة فيها وعاجزة عن فتح الباب له فتسلق من الأسطح المجاورة ونزل إلى المنزل فوجدها تحاول إطفاء النار بالماء فساعدها، ولاحظ أثناء ذلك وجود قيد برجلها، وحيث إن المجني عليها ترددت في اتهام زوجة أبيها أولاً بوضع القيد ثم ثبتت أخيرًا بأن أباها هو الذي وضعه وقد علل وضعه بأنه تزوج بالمتهمة الأولي وكانت المجني عليها تقيم عند خالها …….. إلى ما قبل الحادثة بنحو شهر إذ رأي أن يطلبها منه، فلما تمت له حضانتها لاحظ كثرة خروجها إلي منزل خالها فرأي خشية من أني يصيبها مكروه في عرضها أو خلقها أن يقيدها كلما هو غائب عن المنزل، وأنه يتغيب عنه في الصباح إذ يقصد فابريقة السكر للعمل فيها، فإذا عاد في المساء فك القيد، وكان يلاحظ في القيد أن لا يمنعها عن الحركة ولا يؤلم بدنها، وحيث أن النيابة نسبت إلى المتهم الثاني ارتكابه جريمة تعذيب بوضع هذا القيد تطبيقًا للمادة 282 / 2 عقوبات فيتعين البحث فيما إذا كان وضع القيد في الظروف المتقدمة عملاً يدخل في مدى ولاية الأب على صغيره أو لا يدخل، وحيث إن ولاية الأب علي الصغير في الشريعة الإسلامية لا تبيح وضع القيد ولو كان عبدًا آبقا (جامع الفصولين) وهذا في الأصل، ويدخل علي هذا الأصل الاستثناء بمنع الصغير من الخروج أن خشي الأب ضررًا، كما للأب أن يعين حارسًا أو حارسة، ومفهوم المخالفة لهذا الرأي أن المنع من الخروج والعجز عن تعيين الحارس أو الحارسة أو عجز الحارسين عن حراسة الصغير كما هو الحال في هذه القضية يجيز للأب أن يقيد الصغير وفي فرنسا يرون ذلك (جارسون فقرة 31 صحيفة 932) ومفهوم هذا الرأي أن الأمر موكول للأب لتقدير ما يري اتخاذه من إجراء لتربية الصغير وإسكانه في المحل الذي يري إسكانه فيه، فإن كانت الحراسة والمراقبة تصلحان الإلزامه المسكن المخصص له كان حتمًا عليه أن لا يزيد عن هذه الإجراءات، فإن وحدهما غير كافيين لجأ إلى إجراء أشد كإقفال الأبواب. فإن لم يستطع منع الصغير من الهرب ووجد الأب نفسه مجبرًا بين أن يقعد عن مواصلة كسب عيشه أو حراسة الصغير كان له بلا شك أن يلجأ إلى الإجراء الذي أعده المتهم الثاني علي أن لا يكون فيه تعذيب أو منع من الحركة أو إيلام البدن، فإن تجاوز هذه الحدود كان عمله جريمة معاقبًا عليها. (جارسون نبذة 32) وقد أعطي المؤلف أمثلة تجاوز فيها التعذيب حد التأديب الإنساني المعقول، وبمقارنتها بحالة هذه القضية يتضح الفرق بعيدًا بين الحالتين.
وحيث أنه يتضح مما تقدم أن لا جناية في جريمة التعذيب المنسوبة للمتهم الثاني كفاعل أصلي وللأولي كشريكة فيها ويتعين التقرير بأن لا وجه، وحيث إن هذا الذي أثبته قاضي الإحالة علي الوجه المتقدم يتضمن أن المتهم الثاني وهو ولي أمر المجني عليها القاصر كان حسن النية فيما وقع منه في سبيل حملها علي إطاعة أوامره التي ترمي إلي تقويمها وتهذيبها ولم يتجاوز الحدود الموضوعة لحق التأديب المخول له قانونًا.
وحيث إنه لذلك يكون الأمر المطعون به قد طبق القانون كما جاء به نصه في المادة 60 عقوبات تطبيقًا صحيحًا علي الواقعة التي أثبت وقوعها من المتهمين ويكون الطعن علي غير أساس متعينًا رفضه.25
وبالرغم من أن محكمة النقض قد وضعت حدودًا ثابتة لاستعمال “حق التأديب” وشروطه وبالتالي اعتباره سببًا من أسباب الإباحة فيما يتعلق بجرائم التعدي علي الزوجات إلا أننا دائمًا ما نجد المحاكم الدنيا المختلفة تستعمل سلطتها في استعمال الرأفة مع المتهمين المدانين في مثل تلك الجرائم بالرغم من أنها لا تقع تحت مظلة استعمال الحق المقرر بمقتضي الشريعة، فهل ذلك يتوافق مع المبادئ الدستورية أو مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ومع الهدف من العقاب بالأساس وهو الردع أو محاصرة الظواهر الإجرامية المختلفة وتحديدًا ظاهرة العنف ضد النساء؟
دستور 2014:
تنص المادة 11 من الدستور المصري علي:
” تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقًا لأحكام الدستور.
وتعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلاً مناسبًا في المجالس النيابية. على النحو الذي يحدده القانون، كما تكفل للمرأة حقها في تولي الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا في الدولة والتعيين في الجهات والهيئات القضائية، دون تمييز ضدها.
وتلتزم الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف، وتكفل تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل.
كما تلتزم بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة والنساء الأشد احتياجًا “
وتنص المادة 59 منه علي :
” الحياة الآمنة حق لكل إنسان، وتلتزم الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها، ولكل مقيم على أراضيها “
وتنص المادة 60 علي:
” لجسد الإنسان حرمة، والاعتداء عليه، أو تشويهه أو التمثيل به، جريمة يعاقب عليها القانون ويحظر الاتجار بأعضائه، ولا يجوز إجراء أية تجربة طبية، أو علمية عليه بغير رضاه الحر الموثق، ووفقًا للأسس المستقرة في مجال العلوم الطبية، على النحو الذي ينظمه القانون“
وتنص المادة 92 علي:
” الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلاً ولا انتقاصًا.
ولا يجوز لأي قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها“
وبالنظر إلى جماع تلك النصوص يتضح لنا أن المشرع الدستوري قد أحاط مسألة الحياة الآمنة وسلامة الجسد عمومًا برعاية خاصة وتحديدًا مسألة حماية المرأة ضد كافة أشكال العنف بنص خاص بها لا يحتمل تأويلاً، وهو النص الذي يفرض على المشرع قيدًا مفاده: ضرورة العمل علي تنقية التشريعات التي يمكن استعمالها كمعوق في إطار حماية النساء من كافة أشكال العنف، وأيضًا في إطار نظرية الردع العام يضع على المحاكم قيدًا غير مكتوب فيما يتعلق بحقها في استعمال الرأفة فيما يتعلق بقضايا العنف ضد المرأة.
والظروف المخففة هي ما يعطي للمحاكم الحق في استعمال الرأفة في بعض الجرائم حيال المتهمين المدانين، وهي تتناول كل ما يتعلق بمادية العمل الإجرامي في ذاته وبشخص المجرم الذي ارتكب هذا العمل وبمن وقعت عليه الجريمة وكذلك كل ما أحاط ذلك العمل ومرتكبه والمجني عليه من الملابسات والظروف بلا استثناء، وأنشئ هذا النظام حتي يتسنى للقاضي مراعاة درجة إجرام الفعل وإجرام مرتكبه وجعل العقاب متفقًا مع حالة المتهم الخاصة ولهذا الغرض نفسه أنشأ القانون نظامًا للعقوبات ذا حد أقصي وحد أدني26، ونظرية الظروف المخففة هي نظرية اقتبسها القانون المصري من القانون الفرنسي، حيث كان قانون العقوبات الأهلي الصادر في 1883 يعين حدًا أقصي وحدًا أدني للعقوبة في كل جريمة وكان يبيح قبول الظروف المخففة في أنواع الجرائم الثلاثة حتي يتسني للقاضي تخفيض العقوبة عن الحد الأدني المقرر قانونًا إذا رأي أنه لا يزال عاليًا ونص علي آثار هذه الظروف في المادة 352 التي استمد أحكامها من المادة 463 من قانون العقوبات الفرنسي، ولما عُدِّل هذا القانون في سنة 1904 استبقي المشرع نظام الظروف المحققة في الجنايات ونص علي آثارها في المادة 17 ع ولكنه ألغي هذا النظام في مواد الجنح والمخالفات نظرًا لحذف الحد الأدني للعقوبات المقررة لها فأصبح للقاضي بدون حاجة للالتجاء إلى الظروف المخففة أن ينزل بهذه العقوبات إلى الحد الأدني العام وهو 24 ساعة حبسًا أو خمسة قروش غرامة، ثم عدلت المادة 17 ع بمقتضي مرسوم بقانون في 19 أكتوبر 1935 تعديلاً من شأنه توسیع سلطة القاضي في تقدير العقوبة التي يري تطبيقها في حالة اقتران الجريمة بظروف مخففة ونقل نص المادة 17 ع معدلاً علي هذا الوجه إلى قانون العقوبات الحالي الصادر في 1937 وأدخل عليها تعديل بالاستبدال بتاريخ: 19-6-2003 بواسطة المادة 2 من قانون رقم 95 لسنة 2003 بشأن إلغاء القانون رقم 105 لسنة 1980 بإنشاء محاكم أمن الدولة وبتعديل بعض أحكام قانوني العقوبات والإجراءات الجنائية. ليصبح النص النهائي لها:
“يجوز في مواد الجنايات إذا اقتضت أحوال الجريمة المقامة من أجلها الدعوي العمومية رأفة القضاة تبديل العقوبة على الوجه الآتي:
عقوبة الإعدام بعقوبة السجن المؤبد أو المشدد
عقوبة السجن المؤبد بعقوبة السجن المشدد أو السجن
عقوبة السجن المشدد بعقوبة السجن أو الحبس الذي لا يجوز أن ينقص عن ستة شهور
عقوبة السجن بعقوبة الحبس التي لا يجوز أن تنقص عن ثلاثة شهور“
وعلي عكس عدد من القوانين في دول أخري والتي وضعت بيان بالظروف المخففة علي سبيل الحصر مثل القانون الإيطالي الصادر سنة 1930 مادة 62 والقانون الدانمركي الصادر سنة 1933 مادة 84 والقانون النمساوي والقانون الأسباني فإن المشرع المصري قد ترك الأمر تمامًا لقاضي الموضوع ولم يلزمه حتي بتسبيب استعماله لنص المادة 17 وتخفيف العقاب علي المتهم بعكس المشرع المغربي مثلاً والذي نص في المادة 146 من ظهير شريف رقم 413 لسنة 1959 بشأن المصادقة علي مجموعة القانون الجنائي:
” إذا تبين للمحكمة الزجرية بعد انتهاء المرافعة في القضية المطروحة عليها أن الجزاء المقرر للجريمة في القانون قاس بالنسبة لخطورة الأفعال المرتكبة أو بالنسبة لدرجة إجرام المتهم فإنها تستطيع أن تمنحه التمتع بظروف التخفيف، إلا إذا وجد نص قانوني يمنع ذلك، ومنح الظروف المخففة موكول إلى تقدير القاضي مع التزامه بتعليل قراره في هذا الصدد بوجه خاص، وآثار الظروف المخففة شخصية بحته فلا تخفف العقوبة إلا فيما يخص المحكوم عليه الذي منح التمتع بها ومنح الظروف المخففة ينتج عنه تخفيف العقوبات المطبقة ضمن الشروط المقررة في الفصول التالية“
بل إن أحكام محكمة النقض قد استقرت علي:
“للقاضي مطلق الحرية في قبول الظروف المخففة أو استبعادها عند تقديره العقوبة المناسبة لحالة كل متهم حسبما يتراءي له من ظروف الدعوي وليس لمحكمة النقض مراقبته في ذلك“27
واستقرت أيضًا علي أن :
“قاضي العقوب إذا أراد استعمال الرأفة والنزول عن درجة العقوبة المنصوص عليها قانونًا إلى درجة أخف منها لا يكون ملزمًا ببيان موجب هذا العدول، بل كل المطلوب منه هو مجرد القول بأن هناك ظروفًا مخففة والاكتفاء بالإشارة إلى النص الخاص بها بها“28
وبالرغم من أن المشرع المصري لا يتبع نظرية إطلاق يد القاضي في استعمال الظروف المحققة فيما يتعلق بتطبيق بعض القوانين العقابية مثل التعديل الذي أصدره بالاستثناء بتاريخ 15 أغسطس 2015 بواسطة المادة 10 من القانون رقم 94 لسنة 2015 بشأن إصدار قانون مكافحة الإرهاب:
” استثناء من أحكام المادة 17 من قانون العقوبات لا يجوز النزول بالعقوبة المقضي بها في إحدى الجرائم المنصوص عليها بالمواد (12 / 1، 15 / 1، 16 / 1، 17 / 1، 18 / 1، 30) من هذا القانون إلا لدرجة واحدة“
وكذا المادة 36 من القانون رقم 182 لسنة 1960 والمعدل بالقانون 122 لسنة 1989 بشأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والإتجار فيها والتي تنص علي:
“استثناء من أحكام المادة 17 من قانون العقوبات لا يجوز في تطبيق المواد السابقة والمادة 38 النزول عن العقوبة التالية مباشرة للعقوبة المقررة للجريمة فإذا كانت العقوبة التالية هي السجن المشدد أو السجن فلا يجوز أن تقل المدة المحكوم بها عن ست سنوات “
إلا أنه لا توجد سوابق أخري اتبعها المشرع المصري في مكافحة ومحاصرة أنواع أخرى من الجرائم الشائعة كجرائم العنف الأسري
ولا شك فيه أنه بمتابعة الإحصاءات والدراسات الحديثة نسبيًا التي تمكننا من الحصول عليها والصادرة من هيئات مختلفة بخصوص تنامي ظاهرة العنف ضد النساء يمكن أن نصل إلى نتيجة مفادها أن المواجهة القضائية والتشريعية عمومًا لظاهرة العنف ضد النساء في أحد أركان تنامي تلك الظاهرة:
وحيث أن مصر قد صدقت علي عدد من الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي تناولت قضية العنف ضد النساء؛ وقد أقرت الأمم المتحدة بتضمين العنف ضد النساء في إطار مبادئ المساواة بين الجنسين وتدابير مناهضة التمييز في ميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة كما تناول كل من إعلان الأمم المتحدة حول القضاء على العنف ضد النساء، ومنهاج عمل مؤتمر بكين قضية العنف بصفة خاصة.
يشير الأمين العام للأمم المتحدة في مقدمة دراسته المتعمقة حول العنف ضد النساء التي أعدها وفق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 581 / 85) إلى أنه “مادام قد استمر العنف ضد النساء، لا يمكن الادعاء بأننا نحقق تقدمًا حقيقيًا نحو المساواة والتنمية والسالم“، كما يذكر الدول “بالتزامها بتوفير الحماية للنساء ضد العنف، ومحاسبة مرتكبيه ، وحصول الضحايا على العدل والمداواة“29
إلا أن أيًا من ذلك لم ينعكس علي السياسات التشريعية التي من شأنها تقويض مثل تلك الظاهرة.
ويشير المسح السكاني الصادر سنة 2014 تحت إشراف وزارة الصحة المصرية إلى أن النساء الذين سبق لهن الزواج في الفئة العمرية من 15 إلي 49 سنة تعرضن لحوادث عنف موزعة كالتالي:
– 30% تعرضن الي عنف بدني أو جنسي أو عاطفي
– 19% تعرضن إلى حوادث عنف عاطفي
– 4% تعرضن إلي حوادث عنف جنسي
– 25% تعرضن إلي حوادث عنف بدني
ويشير المسح إلي أن واحدة من بين كل 4 سيدات ذكرن تعرضهن للعنف الجسدي من قبل أزواجهن، من ثلث السيدات تعتقدن أن ضرب الزوجة مبرر أحيانًا
وارتفعت جرائم العنف الأسرى خلال عام واحد إلى مليون و 500 ألف جريمة “عنف” بمعدل 2741 حالة كل شهر30
وأثناء إعداد هذه الورقة فوجئنا أن المسوح الخاصة بالعنف ضد المرأة قد اختفت تمامًا من المسح الصحي والديمغرافي لمصر 2015 بالرغم من أنها جزئية لم تختف طوال فترة إجراء تلك المسوح31
وذلك بالإضافة إلى أنه بالنظر مثلاً للمسح الذي تم إجراؤه لعام 2005 فإن 36% من المستجوبات من العينة البالغ عددها 5613 سيدة أفدن بأنهن عانين من شكل من أشكال العنف الزوجي (بدني / نفسي / جنسي) وأفادت 24% منهن أنهن تعرضن لذلك خلال العام السابق للمسح وقد بلغت معدلات العنف الجسدي والجنسي فقط خلال العام السابق للمسح نسب 15.34%32 وهو ما يشي بأن النسبة تتراوح بين 36% إلي 30% خلال عشر سنوات. وهي نسبة نشي بغياب المواجهة الفعالة لظاهرة العنف ضد النساء، وهو ما جعل جمهورية مصر العربية ضمن أكثر الأقاليم تضررًا من ظاهرة عنف الشريك الحميم تجاه المرأة من خلال بيانات مجمعة من مصر، فلسطين، الأردن، العراق، إيران (إقليم شرق المتوسط) بنسبة وصلت إلى 37% وفقًا للتقرير الصادر عن منظمة الصحة العالمية في 2013 33، تلك النسبة التي لم يفد تقرير منظمة الصحة العالمية الصادر في 2015 عن تراجعها بشكل ملحوظ، حيث أفاد التقرير أن العنف الجسدي والجنسي الواقع علي النساء من الشريك الحميم بلغ نسبة 30% وبحسب معامل الثقة فإن النسبة تتراوح من 27.8% إلي 32.2% وهي من النسب الأعلي بالنسبة للمنظمة في إقليم شرق المتوسط مقارنة بباقي أقاليم المنظمة 34
– غياب المواجهة القانونية لظاهرة العنف الجنسي والنفسي الواقع علي الزوجات وفئات أخري:
حيث لا يجرم القانون المصري بأي شكل من الأشكال العنف الجنسي والنفسي تجاه الزوجات ولا يضع له تعريفًا، وهو الأمر المستغرب عدم حدوثه حتى الآن بالرغم من التقارير التي تحذر من هذا النوع من العنف ضد النساء الواجب حمايتهن منه نظرًا لآثاره الخطيرة عليهن والتي تتراوح من الحمل غير المرغوب فيه إلى الإصابة بالأمراض المنقولة جنسيًا، اضطرابات ما بعد الصدمة، الاكتئاب، اضطرابات الأكل والنوم، الإحساس بالدونية، الخمول الجسدي وغيرها من الآثار التي رصدها تقرير المجلس القومي للمرأة عن تلك الظاهرة والصادر عام 2005 35
– وفي إطار ما تناولته تلك الورقة يتضح أن هناك عدة عوامل يؤدي غيابها إلى ضعف مواجهة ظاهرة تحذر منها الهيئات المتخصصة والتقارير العلمية مثل ظاهرة العنف ضد المرأة، وتحديدًا ظاهرة العنف الأسري، وظاهرة جرائم الشرف التي سنتناولها لاحقًا وما يعنينا هنا بالمقام الأول بالإضافة إلى دور الوزارات والمجالس المتخصصة ومنظمات المجتمع المدني هو:
– أولاً: القصور التشريعي:
حيث تخلو التشريعات المصرية من ثمة نصوص كفيلة بالمواجهة الحاسمة لبعض مظاهر العنف الأسري مثل العنف الجنسي والعنف النفسي وهو ما لا يقل خطورة عن العنف الجسدي
– ثانيًا: المسلك القضائي:
حيث يعطي القانون للمحاكم المصرية مكنة تخفيف العقاب بموجب المادة 17 من قانون العقوبات بدون أية ضوابط واضحة أو محددة وهي الأداة التي درجت الكثير من المحاكم على استعمالها لتخفيف العقاب علي الجناة في قضايا العنف الأسري، ولا يمكن الوقوف على وجود اتجاه حقيقي داخل المحاكم المصرية أو استراتيجية واضحة لتغيير ذلك المسلك، حيث أن تلك المكنة الممنوحة للمحاكم هي مكنة بلا أية ضوابط واضحة وتعتمد علي عوامل داخلية تتنوع من عوامل دينية إلي اجتماعية إلى ثقافية وبالتالي تنعكس آثارها علي بعض الظواهر المجتمعية وكيفية التعامل معها اعتمادًا على الثقافة المجتمعية السائدة، وهو ما دفع الدولة سابقًا إلى اعتماد سياسة التدابير الإيجابية في بعض القضايا الخاصة بالمرأة إعمالاً لالتزامات مصر بموجب اتفاقية القضاء على كافة أشكال العنف ضد المرأة فيما يتعلق بالمشاركة السياسية.
ثانيًا: جرائم الشرف:
يعتبر قتل النساء على خلفيه الشرف من أبشع أنواع العنف الممارس بحق المرأة، وهذا العنف ناجم عن خلل في مراكز القوى المجتمعية وثقافة التمييز القائمة على النوع الاجتماعي والتي نمود بشكل واضح في المجتمعات التقليدية والريفية، وينظر إلى المرأة على أنها تقع في مرتبة أدنى من الرجل وهذا يستند إلى الثقافة المشوهة والتقاليد والأعراف البالية التي تعزز من هذه النظرة، ويعتبر قتل النساء على خلفيات اجتماعية أحد أبرز أشكال التمييز وانتهاك حقوق الإنسان ضد المرأة بشكل خاص، فهي مشكلة اجتماعية موجودة في معظم المجتمعات منها المجتمع العربي. وهي لا تعدو کونها ردة فعل لعدة عوامل اجتماعية ونفسية وبيئية وتربوية واقتصادية وثقافية وغيرها. وقتل النساء على هذه الخلفية هو جريمة يرتكبها رجل بحق امرأة تربطة بها صلة قرابة من الدرجة الأولى، ويكون الدافع للجريمة كما تعرفه المفاهيم الاجتماعية سواء كانت قتلاً أو إيذاء الدفاع عن الشرف 36
وفيما يتعلق بجرائم الشرف بحسب التعريف الذي تداوله الشراح، فإن القانون لم يتعامل معها بنص خاص سوي في حالة وحيدة وهي ما نصت عليه المادة 237 من قانون العقوبات المصري:
“من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا وقتلها في الحال هي ومن يزني بها يعاقب بالحبس بدلاً من العقوبات المقررة في المادتين 234، 236″.
وهو عذر خاص بالزوج فقط، فالزوجة التي تقتل زوجها حال تلبسه بالزنا لا عذر لها في نظر القانون وهذه التفرقة غير مفهومة لأنه مع التسليم بأن نتائج زنا الزوجين ليست واحدة وهي ما يبرر من الوجهة الاجتماعية التفريق بينهما في العقوبة فإنه من المحقق فيما يختص بالعلاقة بين الزوجين أن الإهانة التي تلحق كلا منهما بسبب الزنا هي واحدة وأن تأثر الزوجة التي تفاجئ زوجها متلبسًا بالزنا ليس أقل من تأثر الزوج الذي يفاجئ زوجته، ومن ثم لا يوجد أي سبب معقول من حيث الاستفزاز للتفرقة بين زنا الزوجة وزنا الزوج37، ولا وجود لهذه التفرقة في القوانين الحديثة كالقانون الإيطالي (مادة587) والقانون البلجيكي (مادة 413) والقانون البرتغالي (مادة 372)
وبالرغم من الاعتراضات الوجيهة المثارة في هذا الشأن فإن هذا النص قد قصر العذر وهو عذر الاستزاز في جريمة الشرف تلك علي الزوج دون الزوجة أو أقاربها ولو كانوا ألصق بها وهي تفرقة غير مفهومة أيضًا (ويذكر أن القانون الإيطالي علي سبيل المثال ينص علي العذر بالنسبة لأي من الزوجين وللأب والأخ38)، ولا يعذر الزوج إلا إذا ارتكب القتل في الحال فإذا انقضي زمن كاف لزوال أثر التهييج والغصب سقط العذر وعوقب الزوج طبقًا للأحكام العامة، وتقدير الزمن الكافي لتهدئة ثائرة الروح مسألة تقديرية يترك أمرها للقاضي ويعاقب الزوج في هذه الحالة بالحبس فقط وتعتبر جريمته جنحة ولا عقاب علي الشروع فيها39.
وبالرغم من أن تلك هي الجريمة الوحيدة المنتمية إلى طائفة جرائم الشرف التي أفردها القانون بأحكام خاصة إلا أن بعض الباحثين في العلوم الاجتماعية والحقوقيون يرون أن هناك بعض المحاكم والاتجاهات القضائية التي وسعت من تلك الطائفة ودرجت علي استخدام المكنة الممنوحة لها بموجب المادة 17 من قانون العقوبات لاستعمال الرأفة مع المتهمين40 وهو ما يمكن اعتباره عاملاً محفزًا علي زيادة هذا النوع من الجرائم باعتبار أن هناك محاكم تنظر إليها علي أنها جرائم ذات طبيعة خاصة ولا تتعامل معها بطريقة رادعة كافية، ويكفينا هنا أن نعيد ما ورد بإحصائية سابق الإشارة إلها صادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية41 ورد فيها أن 92% من الجرائم الأسرية تندرج تحت ما يسعى بجرائم الشرف 70% منها ارتكبها الأزواج ضد زوجاتهم و20% ارتكبها الأشقاء ضد شقيقاتهم بينما ارتكب الآباء 7% فقط من هذه الجرائم ضد بناتهم والنسبة الباقية وهى3% ارتكبها الأبناء ضد أمهاتهم، واتضح أن 70% من هذه الجرائم اعتمدت على الشائعات، وكشفت تحريات المباحث في 60% منها أن السبب سوء ظن الجاني بالضحية، وأنها ليست فوق مستوى الشبهات ومما لا شك فيه أن التشريعات في حد ذاتها مهما كانت درجة إحكامها أو حرصها علي حماية بعض الحقوق ليست كافية لصون تلك الحقوق أو تحقيق الردع الكافي في إطار الاعتداء عليها وإنما ذلك يرتبط ارتباطًا وثيقًا بعدة عوامل يأتي علي رأسها الطريقة التي تطبق بها تلك التشريعات، ونحن هنا نتحدث عن طريقة تعاطي بعض المحاكم الجنائية مع طائفة معينة من الجرائم ودرجة الحزم في إنزال العقوبات المناسبة بمرتكبيها.
والحزمة الأخرى من هذه العوامل تأتي من الاتجاهات الاجتماعية التي تتحكم في المرأة وحياتها، والتي منها العادات والتقاليد ونصوص الأمثال الشعبية التي تستمد قوة قانونية وتشريعية من ثقافة المجتمع المتوارثة وتعتبر بمثابة قوانين غير مكتوبة تعطي العديد من المظاهر الاجتماعية التي تهمش دور المرأة وتعزلها، وهذا يتناقض مع مفهوم القانون الذي يقوم على حرية التصرف ضمن معايير المجتمع، ومن هذه القوانين ما يقوم على المنع كإقصاء المرأة ومنعها من المشاركة في الحياة السياسية والتنمية، ومنها ما يقوم على التبعية من خلال علاقات الأسرة والزواج، ومنها ما يقوم على فكرة عدم الثقة بالمرأة، ومنها ما يقوم على تجسيد ذكورية المجتمع 42
16- الموسوعة الجنائية – المستشار جندي عبد الملك – المجلد التاسع – صـ 362 – الطبعة الأولى
17- الطعن رقم 18555 لسنة 73 ق – جلسة 27 نوفمبر 2008
18– شرح قانون العقوبات – محمد كامل مرسي باشا، د. السعيد مصطفى السعيد – ج 1 صـــ 415 – مشار إليه في الموسوعة الجنائية – المستشار جندي عبدالملك – صــــ 363
19- الموسوعة الجنائية – المستشار جندي عبد الملك – صــــ 363 – المجلد التاسع
20- الطعن رقم 6848 لسنة 63 ق – جلسة 22 ديسمبر 1994
21 الطعن رقم 754 لسنة 2007 ق – جلسة 10 فبراير 2008
22 الطعن رقم 501 لسنة 22 ق – جلسة 2 يونية 1952
23 الطعن رقم 1132 لسنة 45 ق – جلسة 2 نوفمبر 1975
24 الطعن رقم 16767 لسنة 60 ق – جلسة 11 فبراير 1992
25- الطعن رقم 2286 لسنة 13 ق – جلسة 4 يناير 1943
26 الموسوعة الجنائية – المستشار جندي عبد الملك – المجلد السابع – 364 وما بعدها
27 نقض 19 أبريل 1913 – مج 14 ص 219 و 6 ديسمبر 1928 الطعن رقم 54 لسنة 46 ق – مشار إليه في الموسوعة الجنائية – مرجع سبق ذكره – صـــ373 – المجلد السابع
28 الطعن رقم 191 لسنة 4 ق جلسة 8 يناير 1934 – رقم 2421 لسنة 2 ق جلسة 5 ديسمبر 1932 – مشار إليه في الموسوعة الجنائية – مرجع سبق ذكره – صـــ373 – المجلد السابع
29 مشار إليه في دراسة ” العنف ضد النساء” الصادرة عن المجلس القومي للمرأة – 2009 – صــــ 7
30-منشورة على الموقع الإلكتروني لجريدة اليوم السابع بتاريخ 24 ديسمبر 2014 http://www.youm7.com/story/2014/12/24/
https://dhsprogram.com/pubs/pdf/FR313/FR313.A.pdf – 31
32-
http://www.smceg.com/uploader/upload/file/%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A9%20%D8%B9%D9%86%
20%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%86%D9%81%20%D8%B6%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%
A7%D9%87%20%D9%81%D9%89%20%D9%85%D8%B5%D8%B1.pdf/
http://www.who.int/mediacentre/news/releases/2013/violence_against_women_20130620/ar -33
http://apps.who.int/iris/bitstream/10665/85239/1/9789241564625_eng.pdf?ua=1 -34
35- ص 17 – تقرير سبقت الإشارة إليه
http://samanews.ps/ar/post/202450/%D8%AC%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9% -36 د.حنا عيسي – 85
%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%A8%D8%A7%D8%A8-
%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%84%D9%88%D9%84- %
D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%B1-%D8%AD%D9%86%D8%A -37-
%D8%B9%D9%8A%D8%B3%D9%89-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D8%B0-
%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86-
%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A
38- الموسوعة الجنائية – مرجع سبق ذكره – المجلد السابع – ص 350
39- الدفوع الجنائية في قانون العقوبات – المستشار مصطفي مجدي هرجة – المجلد الأول – 659 وما بعدها
40 – هناك أمثلة عديدة لتلك الأحكام مذكورة في دراسة عن جرائم الشرف أعدها المستشار د. سامح البلتاجي – رئيس المحكمة بقطاع التشريع بوزارة العدل – صارة عن مؤسسة قضايا المرأة المصرية
41 – منشورة علي الموقع الإلكتروني لجريدة اليوم السابع بتاريخ 24 ديسمبر 2014- http://www.youm7.com/story/2014/12/24
42- –نشوان حسين المرأة في المثل العربي في الأردن وفلسطين، الطبعة الأولى، أزمنة للنشر والتوزيع، عمان، 2000، صـــ 83
بالنسبة لقضايا إثبات النسب :
– يتضح من خلال العرض السابق أنه لا يوجد اتجاه فقهي مستقر أو نص واضح وقاطع الدلالة فيما يتعلق بالتعامل مع تلك القضايا وأن هناك آراء متباينة لعدد من الفقهاء القدامي بل والمحدثين أيضًا، وأن هناك إمكانية لمعالجة جنوح بعض المحاكم إلى رفض إثبات نسب الطفل الناتج عن جريمة اغتصاب لمرتكب تلك الجريمة بإقرار نص تشريعي واضح يلزم المحاكم بإثبات نسب هذا الطفل لوالد البيولوجي درءًا لمضرة وصم المرأة المغتصبة وعدم مساعدة الجاني علي الإفلات من آثار جريمته وحرصًا علي حماية مصلحة الطفل الأولى بالرعاية.
– وفيما يتعلق بإثبات نسب الطفل في حالة الشك أو الإنكار فإنه يتضح أن هناك قبول علمي وشرعي واسع لوسيلة تحليل الحامض النووي في إثبات نسب الأطفال المجهولين، وهو ما من شأنه الحد من الوقت المستهلك في إثبات نسب هؤلاء الأطفال باتباع الإجراءات المعتادة، وهو ما لن يتأتي إلا بأحد أمرين: إما إلزام أطراف الدعوي بإجراء تحليل الحامض النووي بموجب نص تشريعي واضح يترتب علي مخالفته أن يخسر الدعوي من يخالفه، وإما بإحالة الأمر برمته من أمام المحاكم إلى النيابة العامة أو هيئة علمية متخصصة يكون لقراراتها في هذا الشأن قوة السند التنفيذي، بمراعاة إتاحة الحق في المطالبة بالتعويض ووضع حد أدني رادع له للمتضررين منعًا لإستعمال مثل هذا الطريق للإبتزاز أو بدوافع الكيدية.
بالنسبة لقضايا التعدي على الزوجات وقضايا الشرف:
يتضح من العرض السابق أن السبيل الوحيد لمحاصرة هذه الظاهرة وردع مرتكبيها هو عدة أمور:
أولها: يتعلق بإعادة صياغة نص المادة 237 من قانون العقوبات لكي يكفل للزوجة نفس الحق أيضًا عملاً بمبدأ المساواة المقرر بنص الدستور والتزامات مصر الدولية ولعدم وجود نص شرعي يحول دون ذلك
ثانيها: تعديل نص المادة 17 من قانون العقوبات لكي تلزم المحاكم بتسبيب استعمالها لسلطتها في تخفيف العقوبة المقضي بها لكي يكون ذلك تحت رقابة محكمة النقض عملاً بما يجري في بعض التشريعات المقارنة أو استثناء تطبيق هذا النص في قضايا العنف ضد النساء كما هو الحال فيما يتعلق بتطبيق قانوني مكافحة المخدرات والإرهاب علي سبيل المثال