قالت الراوية

طباعة: Promotion Team

رقم الايداع:

99/8949

الترقيم الدولي:

977/5895/02/2

رقم الطبعة:

الثانية

التحرير:

التقديم:

الجمع التصويري:

قالت الراوية

تقديم

هاله كمال

ملتقى المرأة والذاكرة وكتابة حكايات عربية من منظور نسائي

تعتبر الحكايات الشعبية من الفنون التي ترتبط ارتباطا وثيقا بعالم المرأة، إلا إنها في الوقت نفسه تعكس وجهة نظر المجتمع الذكوريالذي يتحكم في سياق النصوص وتفاصيلها، فتصبح عاكسة لهموم المجتمع من جهة وكاشفة عن انحيازاته من جهة أخرى. وهكذا تمثل النصوص الشعبية شكلا من أشكال التأريخ غير الرسمي للمجتمع، كما أنها تعبر أيضا عن إطار قصصي يتسم بالحرية والمرونة يتضمن مواقف الإنسان وجانبا من معارفه وبيئته الثقافية والاجتماعية.

وتقوم مجموعة المرأة والذاكرة بالبحث في التاريخ العربي والتركيز على الجوانب الثقافية التي تمس المرأة المعاصرة مع تبني منهج يأخذ في الاعتبار قضايا الجندر (التشكيل الثقافي والاجتماعي للجنس) (۱) مع توسيع دائرة البحث عبر مختلف التخصصات الأكاديمية والعملية. وكما تشير هدى الصده مراراً فإن الهدف من إعادة قراءة التاريخ الثقافي العربي كوسيلة لتبني قضايا المرأة المعاصرة يتمثل في إعادة التوازن المنشود للذاكرة الجماعية التي تم تشويهها بسبب عملية الإقصاء والاستبعاد التي عانت منها النساء والفئات المهمشة في المجتمع“.

إن قراءة الحكايات العربية من وجهة نظر المرأة تتم في إطار البحث في التاريخ العربي وتناوله من منظور نسائي. ونحن نؤمن(۲) بأن الاهتمام بقراءة نصوص شعبية عربية يستهدف محاولة الالتفات إلى ذلك الجانب من التاريخ الثقافي للمجتمع الذي عادة ما يتم إغفاله في الدراسات التاريخية بدعوى أن الحكايات هي فرع من فروع الدراسات الفوكلورية أو الأدبية في أحسن الأحوال، ولا تمت للتاريخ بصلة حقيقية، ولعل ذلك يتفق مع من يرى التاريخ على أنه يشير إلى التاريخ الرسمي أو تاريخ السلطة، أما وجهة النظر الأشمل للتاريخ فهي التي تتضمن الجانبين الرسمي والشعبي، وهو ما سيتم تناوله لاحقاً بشيء من التفصيل.

ويقوم ملتقى المرأة والذاكرة بعقد سلسلة من لقاءات العمل بعنوان قراءة وكتابة حكايات عربية من وجهة نظر المرأة، وكانت البداية في صورة لقاءات نصف شهرية على مدى أربعة شهور (مارس يونيو ۱۹۹۸)، تم خلالها تناول مفهوم المنظور النسائي وإعادة القراءة والكتابة من وجهة نظر المرأة مع تحليل نصوص شعبية عربية ومصرية ومحاولة كتابة نصوص جديدة من منظور مختلف عما هو، سائد. وقد تبلور العمل على مدى الشهور التالية لنجد أنفسنا أمام كم من النصوص التي نتجت من لقاءات العمل الجماعي، فأصبحت بين أيدينا مجموعة من الحكايات والقصص مستوحاة من نصوص شعبية عربية متنوعة.

وتتم لقاءاتنا بصورة دورية بمعدل يوم عمل كامل شهريا، فنبدأ بقراءة نص من ألف ليلة وليلة وآخر من النصوص الشعبية المصرية، ثم نقوم بتحليلها ونقدها جماعيا من منظور نسائي، ثم ننقسم أفرادا أو مجموعات صغيرة لكتابة حكاية من وجهة نظر بديلة أو مختلفة. وتكون المحصلة مجموعة من النصوص الجديدة منها ما هو من وحي النصوص التي تمت قراءتها ومناقشتها سابقا، ومنها ما هو أقرب إلى حكايات وقصص قصيرة تتبنى منظور كاتبته فتعكس وجهة نظر نسائية. وتضم مجموعة العمل مجموعة متجانسة من المهتمات بقضايا المرأة والجندر، يعملن في مجالات متنوعة كالكتابة الإبداعية، النقد الأدبي ونظرياته، قضايا التاريخ الثقافي والاجتماعي، إضافة إلى المسرح. وقد تكونت مجموعة قراءة وكتابة حكايات عربية من وجهة نظر المرأةمن المشاركات: أمل عمر، أميمة أبوبكر، داليا بسيوني، رانيا عبدالرحمن، سحر صبحي، سحر الموجي، سمية رمضان، منى إبراهيم، منى برنس، منيرة سليمان، نسمة إدريس، هاله سامي، هاله کمال، هدی الصده.

التاريخ والتراث الشعبي(3)

إن محاولة قراءة وكتابة نصوص شعبية عربية من وجهة نظر المرأة تتم في إطار البحث في التاريخ العربي وإعادة قراءته من منظور نسائي. ولكن، لماذا الاهتمام بالتراث الشعبي وما علاقته بالتاريخ؟

إن الاهتمام بالتعرف على نماذج من التراث الشعبي العربي يستهدف أولا محاولة الالتفات إلى ذلك الجانب من التاريخ الثقافي للمجتمع العربي الذي عادة ما يتم إغفاله في الدراسات التاريخية بدعوى أن النصوص الشعبية هي فرع من فروع الدراسات الفوكلورية أو الأدبية في أحسن الأحوال، ولا تمت للتاريخ بصلة حقيقية، ولعل ذلك الرأي يتفق مع من يرى التاريخ على أنه هو التاريخ الرسمي أو تاريخ السلطة، أما وجهة النظر الأشمل للتاريخ فهي تتضمن الجانبين الرسمي والشعبي، وهو ما عبر عنه قاسم عبده قاسم في كتابه بين التاريخ والفولكلور، حيث يشير إلى مدرستين في التاريخ قائلا: الفرق الجوهري بين التسجيل الرسمي للتاريخ، والتسجيل الشعبي، هو أن التسجيل الرسمي قصد به أن يكون تاريخا أي أنه مقصود أن يصل للأجيال التالية على النحو الذي تمت به كتابته أما التسجيل الشعبي فهو تسجيل شفاهي تراثي تتناقله الأجيال، وتزيد عليه وتعدل في مضمونه بما يخدم الجماعة الإنسانية

كذلك ينبغي أن نلاحظ أن الظاهرة التاريخية، سواء كانت اجتماعية أو غير ذلك لا تصلنا كاملة من خلال شهادات المؤرخين والوثائق والتسجيلات التاريخية الرسمية. إذ إن المؤرخين وكتاب الوثائق لا يسجلون سوى جوانب جزئية من الظاهرة التاريخية يعتقدون أنها الجوانب الأكثر أهمية ولا يلحظون الجوانب الأخرى التي تشكل إيقاع الحياة اليومية. هذه الجوانب المهمة من الظاهرة التاريخية (الجوانب الصامتة) هي التي تضمنتها الموروثات الشعبية. (4)

ونجد في هذا القول تأكيدا على أن التاريخ الرسمي قاصر عن التعبير الدقيق عن تاريخ الجماعة لما تتضمنه عملية التاريخ ذاتها من من سيطرة المؤرخ والسلطة إضافة إلى عمليات الانتقاء وبالتالي الإسكات بمعناه الأعم الذي يتضمن كافة عناصر الذاكرة الإنسانية، فإذا تحدثنا عن التاريخ الثقافي أصبحت النصوص الشعبية من صور التعبير والتاريخ غير الرسمي وجانبا جديرا بالبحث.

وأود هنا التوقف عند نقطتين، الأولى هي كون التاريخ الرسمي تسجيلا يتناول جوانب جزئيةمن الظاهرة التاريخية، والثانية هي عن دور التراث الشعبي في الكشف عن الجوانب الصامتةالظاهرة الاجتماعية. فالتاريخ في نهاية الأمر يكتبه أفراد تحكمهم علاقات قوى تربطهم بالسلطة. كما أن عملية التأريخ ذاتها تخضع لقوانين الكتابة –أية كتابةوالتي تقوم على مبدأ الانتقاء. وبذلك يكون تسجيل الظاهرة التاريخية فعلا يقع تحت تأثير رؤية المؤرخ الذاتية من خلال علاقته بالظاهرة من جهة وعلاقاته بالسياق السياسي والثقافي والاجتماعي الذي يعيش فيه، إضافة إلى موقفه من السلطة الحاكمة.

أما الجوانب الصامتةمن الظاهرة التاريخية فتتمثل في العناصر الثقافية والاجتماعية التي تحكم المجتمع بمختلف فئاته، والتي عادة ما لا يلتفت إليها المؤرخون في تركيزهم على الحدث والفرد في إطار زماني ومكاني محدد. أما التراث الشعبي فيعكس جوانب الحياة اليومية التي عادة ما يهملها مؤرخو السلطة عند تجاهلهم لتفاصيل حياة أفراد المجتمع في أبعادها الثقافية والاجتماعية. ويرى قاسم عبده قاسم في دعوته لدراسة الفوكلور كمنهج من مناهج البحث التاريخي أن الرؤية الشعبية تضيف بعدا ثالثا يجسد الرؤية الوجدانية للتاريخ” (ص ٤٢)، ويؤكد على الأهمية التي يلعبها الموروث الشعبي جنبا إلى جنب مصادر التاريخ الرسمي في رسم صورة أكثر دقة وشمولا للظاهرة التاريخية، وهو يشير إلى الموروث الشعبي بصفته حاملا لعناصر ثقافية واجتماعية متنوعة تأخذ شكل تيار اجتماعي/ ثقافي غير مباشريتصف بالتلقائية والاستمرار ويعبر عن نفسه من خلال الفنون والآداب الشعبية والتي تمثل فنون الجماعة وآدابها وما تعكسه من قيم ومفاهيم تسود المجتمع ويخضع لها أفراده، فتحكم سلوكهم الآني وتتناقلها الأجيال (ص ٢٣٢٤).

وأود الإشارة هنا إلى أنه إذا كانت عملية تسجيل التاريخ الرسمي عملية واعية يقوم بها فرد تحكمه علاقات قوى بالسلطة والحدث، فإنه لابد من ملاحظة أن التسجيل الجماعي للتاريخ في صورة نصوص شعبية من حكايات ومواويل وسير وغيرها من المواد الفوكلورية هي أيضا عملية خاضعة لعلاقات قوى وتعكس واقعا قد لا يبدو مرتبطا بالسلطة الحاكمة بصورة مباشرة، ولكنه يخضع لأشكال أخرى من السلطة، وأقصد بذلك علاقات القوى السائدة في المجتمع لا على مستوى الحاكم والمحكوم فحسب وإنما على مستويات أخرى كعلاقات الطبقة والعرق والجنس. والقراءة الواعية للتاريخ مثلها في ذلك مثل كتابة التاريخ هي عملية تنبع وتتشكل تبعا لموقف الباحث أو الباحثة الأيديولوجي والذي يتبلور عند التعامل مع وثيقة أو نص ما.

الفوكلور(5) والقصص الشعبي

إن تعريفات الفوكلور(6) أي المأثورات الشعبية على تعددها تتناول مصطلح الفوكلوربصفته يشير إلى علم إنساني من جهة ومادة ثقافية من جهة أخرى، وهي تتفق في مجملها على أن علم الفوكلور ينتمي إلى العلوم الإنسانية التي تدرس المادة التي تكتسبها وتتناقلها الجماعة الإنسانية تلقائيا من جيل إلى جيل، مع التأكيد على دور الباحث الفوكلوري في جمع مادة بحثه ودراستها ومقارنة المادة الشفاهية بالمدونة ومن ثم تتبع أشكال التغير الثقافي الذي طرأ على مادته. وهو ما يشير إلى الطبيعة التاريخية للفوكلور والتي أكدها مؤسسو علم الفوكلور أمثال ألكسندر هجرتي كراب Alexander Haggerty Krappe الذي يعرف الفوكلور على أنه:

علم تاريخي. فهو تاريخي من حيث أنه يحاول أن يلقي ضوءا على ماضي الإنسان، وهو علم لأنه يحاول أن يصل إلى أغراضه لا عن طريق التأملات والاستنتاجات المبنية على أفکار مجردةبل باستخدام طرائق القياس، التي تحكم عند التحليل الأخير سائر الأبحاث العلمية الطبيعية والتاريخية (7).

كما يشير مصطلح الفوكلور إلى المادة الفوكلورية بما تتضمنه من تراث ومأثور، ويميز صفوت كمال بينهما من حيث أن الممارسة التلقائية والتواتر الشفاهي هما أهم خصائص المأثورات الشعبية، أما ما هو مدون ومحفوظ، فيمكن أن يكون من التراث الشعبي“. (8) ومن هنا كان الفوكلور يشير إلى مادة ثقافية جماعية متراكمة تحفظ عن طريق الذاكرة والممارسة، وتتصف بالمرونة والتطور تبعا لتغير ظروف المجتمع. وكما يذكر أحمد مرسي:

فالفولكلور لاشك جزء من التيار العام للثقافة، وهو يستمد بقاءه وتكامله وقيمته من الاستجابة المباشرة لتجارب أفراد الجماعة ومن الاشتراك العفوي في تجربة الجماعة وخبرتهم وامتزاجهم بذوقها، حيث ينجح الفرد في التوحيد بينه وبين جماعته وتراثها. والحقيقة أنه تنبغي الإشارة إلى أن المسئولية الأساسية في هذا الجانب إنما تقع على عاتق الذوق الجماعي المتراكم للأغلبية، فهو الذي يقوم بالدور الرئيسي في العملية التبادلية للتراثين المدون والشفاهي، والخبرات المتنوعة الثرية، وفي استمرار التغيرات الثقافية، أكثر مما يقع على عاتق ذوق الأقلية.(9)

وأود التوقف هنا عند العلاقة ما بين المادة الفوكورية وعامل الذوق الجماعي المتراكم للأغلبيةالتي تتخذ شكل علاقة تبادلية مستمرة. فالفوكلور هو نتاج لمجموعة القيم السائدة في الجماعة، على القيم ذاتها التي تعود فتشكل المادة الفوكلورية ثم تنعكس من خلالها. كما أنه تجدر الإشارة إلى أن مرونة المادة الفوكلورية وعلاقتها بالجماعة تضمن لها دوام التطور كما تؤكد استمرار التغيرات الثقافية، حيث يحمل الفوكلور قيم المجتمع الثقافية وبالتالي ينطور وتتغير عناصره وأشكاله تبعا للتغيرات الثقافية والاجتماعية والسياسية في المجتمع. كما أن سياسات القوى التي تحكم المجتمع تتبدى بعض ملامحها من خلال المادة الفوكلورية التي تنتجها الجماعة.

 

وإذا أخذنا نموذج الحكايات الشعبية مثالا، لوجدنا أن النص الواحد بصيغه المتنوعة والمتفاوتة يعكس طبيعة الزمان والمكان الذي أضفى عليه خصائصه وقيمه فينعكس من خلال رواته. وهو ما يؤكده وجود صيغ versions متعددة للحكاية الشعبية الواحدة ذات تفاصيل متفاوتة variants من بيئة إلى أخرى. ويذكر صفوت كمال أن الراوي هو مجرد صدى لصوت الشعب نفسه المعبر عن مقولاته الفكرية وقيمه الأخلاقية من خلال ما ينسجه بالكلمات والأحداث من نسيج فني، مصوغا بعبارات بليغة ذات طابع فني خاص يتوافق مع ذوق الجماعة المنصتة له“. (10) وهو ما يؤكد أن العلاقة بين الراوي والجماعة هي علاقة تبادلية الطابع، حيث يمثل صوت الراوي صدىلجماعته، كما أن صوته في الأساس يكون مستقى من الجماعة و يتوافقمع قيمها.

الحكاية الشعبية.. التعبير الشفاهي

يعرف ابن منظور الحكيفي إطار مفهوم المشابهةوالتقليد أي المحاكاةقولا وفعلا، وإذا كان القول حكيت عنه الحديث حكاية يعني لدي ابن منظور قلت مثل قوله سواء لم أجاوزه،(11) فإن تعريف الحكي هنا هو أقرب إلى تكرار القول بصورة تطابق الأصل بلا تجاوزأي بدون تغيير أو تعديل، وهو أمر قد يتحقق في حالة تسميع نص أو حكاية تم حفظها عن ظهر قلب، إلا أن ذلك لا يمكن أن ينطبق على الحكي الشعبيبأية حال من الأحوال.

والحكاية الشعبية هي نوع من القصص الشعبي.(12) وفي كتابه الحكاية الشعبيةيحدد عبد الحميد يونس أهم خصائص ذلك الفن القصصي من حيث كون الحكاية الشعبية تعبر عن إطار قصصي يتسم بالحرية والمرونة ومسايرة العقول والأمزجة والمواقف“.(13) والمقصور بذلك هو أن الحكاية الشعبية لطبيعتها الشفاهية تتنوع تفاصيلها تبعاً للبيئة الاجتماعية التي نبعت منها وتنتمي إليها، فهي تتصف بالحرية والمرونةلأنها تنتقل شفاهة بين الرواة والراويات وتخضع بالتالي لعناصر الذاكرة والخبرة الذاتية والميول الشخصية التي تنعكس بالضرورة على تفاصيلها، فالحكاية الشعبية ليست نتاج إبداع مؤلف واحد معروف ولا ترتبط بزمان أو مكان محدد، وإنما هي إبداع شعبيأي نابعة من الشعبأي المجتمع ككل، فيتم تناقلها بحرية بين أفراده في صورة روايات وصيغ متعددة تتنوع تبعاً لراويتها وظروف حكيها. ومن هنا كانت كل حكاية تروى تمثل في حد ذاتها صيغة جديدة لنص متوارث يتعرض للحذف والإضافة والتعديل سواء تم ذلك بصورة مقصودة واعية أو بشكل تلقائي غير واعٍ من قبل الراوية، بحيث يعكس النص خبرة راويته الذاتية ووجهة نظره/نظرها التي تحمل قيم المجتمع ككل، تلك القيم التي يتمثلها الراوية وينقلها بدوره لتعود وتصب في فكر المجتمع. وهكذا تصبح الحكاية الشعبية وعاء يحمل نصا يتميز بالمرونة ودوام التطور اعتمادا على الراوية وبيئة الحكي. وإضافة إلى التأثيرات التي تقع على الحكاية الشعبية بشكل مباشر بفعل راويتها، هنالك جوانب أخرى تحددها مجموعة المستمعين بحيث يجد الراوية نفسه وقد أخذ في مسايرة العقول والأمزجةمتجاوبا مع المواقفالمختلفة التي تدور الحكاية في سياقها، فلا يخرج عن النسق القيمي للجماعة بل كثيرا ما يتحكم في روايته بحيث تتجاوب مع واقع المجتمع المادي المحسوس والمعنوي النفسي والمعرفي، ماضيه وحاضره، وكذلك مع أماله وأهدافه ومخاوفه.(14)

وإذا كانت الحكاية الشعبية تعتمد على سرد لأحداث ومواقف صادرة عن عملية تراكمية لعناصر من وعي وخيال الجماعة بعيدا عن حقبة بذاتها وغير ملتزمة بالصدق التاريخي، إلا أن كونها صادرة عن الجماعة يجعلها في حد ذاتها تحمل عناصر من النسق الفكري والقيمي الذي يصدر عن المجتمع ثم يتحكم فيه في علاقة تبادلية مستمرة. ويحدد عبد الحميد يونس قيمة الحكاية الشعبية في عدم تقيدها بنص محدد، وإنما تتحقق أهميتها من خلال استمرار ترديدها بما يخرجها من جمود التدوين ومن طابع العبقرية الذاتية إلى التنقل الحر المتسم بالمرونة“.(15) وبذلك تكون الحكاية الشعبية هي بالفعل نتاج عملية استرجاع وبناء يصدر عن الجماعة ويتوجه إليها في نفس الوقت عاكسا أي محاكيالفكر المجتمع والبيئة الاجتماعية في إطار من المرونة والتطور. ومن هنا يمكن القول أن الفضل في دوام فن الحكي وتطور الحكاية الشعبية إنما يرجع إلى الراوية وأفراد المجتمع، لا النص في حد ذاته. فلولا استمرار الحكي لما كانت هناك حكاية.

وفي دراستها المقارنة بين نماذج لحكايات شعبية مصرية وفرنسية تؤكد غراء مهنا على عنصري الحكاية الشعبية الرئيسيين وهما الراوي بما يعكسه من رؤية شخصيةوالذاكرة الجماعيةأي البيئة الاجتماعية ماضيها وحاضرها والمتمثلة في صوت المجتمع، وهي ترى أن وجود الحكاية الشعبية إنما يعتمد على ثلاثة عناصر هي الجماعة والرواة وجمهور المستمعين، وأن النص ما هو إلا نتاج إبداع الجماعة فلا يمثل الراوي سوى وسيط ينقل النص للمستمعين.(16) وأميل إلى القول بأن الجماعة (الذات المبدعة) ليست كيانا منفصلا وإنما هي في رأيي عنصر يتضمن كلاً من الرواة والجمهور، وبذلك تعتمد الحكاية الشعبية في استمرارها على الجماعة بشقيها: الراوية (المؤدي/المؤدية، المبدع/المبدعة) وجمهور المستمعين وما يحملونه من قيم مجتمعهم بما يدفع الراوية إلى مواصلة الحكي مع التحكم في مضمون الحكاية.

والعلاقة التبادلية القائمة بين الراوية والجماعة تتضح أكثر ما تتضح أثناء الحكي، حيث يقوم الراوية بتوصيل الحكاية إلى المستمعين الذين يتحكمون هم بدورهم إلى حد كبير في الحكي من حيث أسلوب السرد ومضمون الحكاية، فهم كما تشير غراء مهنا يملون عليه شروطهموكل راوٍ عند سرده لحكاية ما يستبعد من الأحداث ويضيف تبعاً لمستمعيه، فهو يعدل حكايته وفقاً لذوق المستمع وسنه واهتماماته“.(17) إلا أن ذلك لا ينفي مدى ما يتمتع به الراوية من حرية في اختيار النص الذي يحكيه، وفي الاستعانة بالأسلوب المناسب له في السرد لجذب انتباه مستمعيه وضمان تجاوبهم معه، إضافة إلى تدخل الراوية الشخصي في البناء الشكلي للحكايةوغراء مهنا تقصر ذلك على قيام الراوية ببعض التغييرات والتدخلات البسيطة في بنية الحكاية تذكر منها دمج أكثر من حكاية معاً، ومن حيث ترتيب الأحداث، أو تبادل الشخصيات أدوارها، فهو قد يكرر هذا الحدث أو ينساه، وقد يختار تلك الشخصية أو غيرها” (ص۲۱).

إلا أنه من الملاحظ أن مظاهر التغيير لا تتم مجرد في إطار ترتيب أحداث الحكاية وإنما يتعدى ذلك إلى إضافة أو حذف بعض التفاصيل، لا سهواً بفعل قصور الذاكرة فحسب وإنما لجذب انتباه المستمعين وتقريب الحكاية إليهم، فيقوم بتطعيم الحكاية بعناصر مشتقة من واقع وخيال المستمعين بالاستعانة بأزمنة وأمكنة متنوعة بل وتغيير أسماء شخصيات الحكاية بما يتناسب ويقترب من خبرات الجماعة، وهو ما يؤكده صفوت كمال عند حديثه عن بنية الحكاية الشعبية التي يراها نتاجا لتفاعل الجماعة والراوي في خلق وإبداع الحكاية الشعبية، فيشير تحديدا إلى الراوي الذي يتدخل برؤيته الخاصة في بناء حكايته لتكون النتيجة أقرب إلى معالجة جديدةلحكاية قديمة، وبذلك تصبح عملية الحكي في حد ذاتها مزيجا من الوساطة في النقل والإبداع. وكما يقول المؤلف:

فهو (الراوي) لا يحكي كل قصة سمعها، وإنما يحرص في كل مرة على أن يضيف إليها، ويحذف منها، ويؤكد على بعض الأحداث دون الأخرى، ويزيد الحوار حرارة في مواضيع معينة وهكذا فهو في الواقع يجري معالجة كاملة للقصة التي سمعها قبل أن يرويها. بل إن الأمر لا يقتصر على ذلك فقط، وإنما هو يجدد في الحكاية إضافة وحذفا وتعديلا، في كل مرة يرويها فيها.(18)

وأود التوقف هنا عند أهمية إدراك أن الحكاية الواحدة مع تنوع رواياتها إنما تعكس دور راويتها في معالجةالحكاية التي ينقلها عمن سبقوه وحقه في أن يجددفي روايته لها. قد نتج عن تلك الحرية والمرونةالتي تتمتع بها عملية الحكي أن تعددت الروايات للحكاية الواحدة. فإذا أخذنا في الاعتبار حرية الراوية في استخدام أسلوبه الخاص ورؤيته الذاتية أثناء الحكي لكان من المنطقي أن تتعدد أساليب السرد بل ومضمون الحكاية، لا من راوية إلى آخر فقط وإنما لدي الراوية الواحد بين موقفوآخر. وإذا أضفنا إلى ذلك تدخل الراوية في بناء حكايته لأصبح تعدد الروايات والصيغ للحكاية الواحدة أمرا مفروغا منه، ناجما عن الطبيعة الشفاهية للحكاية الشعبية.

وفي كتابه الشفاهية والكتابية” (19) يتناول والتر أونج الثقافتين الشفاهيةالمنطوقة والكتابيةالمدونة بالتحليل والمقارنة، ويمكن إيجاز أبرز أساليب الفكر والتعبير الشفاهية كما يراها المؤلف في النقاط التالية: 1) إن الأسلوب الشفاهي هو أسلوب عطفييستخدم أسلوب عطف الجمل بدلا من التركيب والتداخل اللغوي، كما تتمتع الشفاهية بخاصية تجميعيةبحيث تتكون من عبارات متصلة وصيغ متكررة؛ ٢) يميل التعبير الشفاهي إلى الإطناب لضمان استمرار العلاقة ب بين المتكلم والمستمعين، فيعين المتكلم بمنحه فرصة للتذكر وترتيب الأفكار ويساعد المستمع على المتابعة؛ 3) إن الفكر الشفاهي يقرب المعرفة وينقلها إلى الحياة الإنسانية حيث ترتبط إلى حد كبير بعناصر الزمان والمكان الذي يتم تداولها من خلاله؛ ٤) قرب الثقافة الشفاهية من حياة الإنسان اليومية يلونها بخصائص الصراع والمشاركة الوجدانية، كما أن الشفاهية ثقافة تقوم على السياق الذي توجد به وهي بالتالي موقفية وقريبة من الواقع (ص٩٧١١٥).

ومن الملاحظ أن هذه الخصائص تكاد تتفق تماما مع خصائص الأسلوب الشفويالتي تطبقها غراء مهنا على الحكاية الشعبية كنص شفوي، والتي يمكن تلخيص أهمها في النقاط التالية:

۱) استخدام القوالب الثابتة البسيطة التي تضمن استمرار العلاقة بين الراوي والمستمعين؛ ۲) الترادف والتكرار نظرا لاعتماد الحكي على الذاكرة والتذكر، سواء بالنسبة للراوي الذي تعتمد روايته على تذكر النص كما سمعه وتناقله من غيره، وكذلك استعانة المستمعين بالذاكرة أثناء عملية الاستماع لتذكر تفاصيل الحكاية ومتابعة أحداثها؛ ۳) الاستعانة بأساليب لغوية متنوعة للتعبير عن الحدث ويرتبط بذلك أيضا أسلوب الأداء من حيث تحكم الراوية في نبرة الصوت من حيث سرعته وارتفاعه، وكذلك في التعبير عن مشاعر وانفعالات الراوية ومظاهر المشاركة الوجدانية مع المستمعين (ص٤٦٥٦).

إن النظرة المتأنية لخصائص الثقافة الشفاهية التي يحددها اونج والأسلوب الشفاهي في الحكاية الشعبية كما تراها غراء مهنا إنما تشير إلى العلاقة الحميمة بين المتكلم/الراوية والمنطوق/ الحكاية والمستمع/ جمهور المستمعين، ويتضح خضوع هذه العلاقة أساساً لعنصر الذاكرة. فالراوية يعتمد من ناحيته على الذاكرة في سرد الحكاية، كما أنه يدرك اعتماد المستمعين بدورهم على ذاكرتهم في متابعة تفاصيل الحكاية المروية. وإذا أخذنا في الاعتبار أن الذاكرة الحافظة لنص مكتوب تلتزم به تمام الالتزام من حيث الحفظ والتسميع، فإن الذاكرة الشفاهية تتمتع بالمرونة حيث يصبح الراوية في حد ذاته صانعا للنص الذي يحكيه بقدر استعانته بالأساليب الشفاهية العديدة التي عادة ما تأتيه بصورة تلقائية أثناء الحكي، فمع التزامه بموضوع الحكاية وعناصر من مضمونها يضيف إلى الحكاية رؤيته الفكرية ويلقي عليها بظلال من أسلوب آدائه الخاص. ومن هنا كان طبيعيا أن تتعدد الروايات الخاصة بحكاية أو نص شفاهي واحدبتعدد الرواة وتغير المواقف.(20)

ألف ليلة وليلة

وبما أن الحكاية الشعبية دائمة التغير والتطور لطبيعتها الشفاهية، فإنها لا تتخذ صيغة ثابتة إلا عند تدوينها وكتابتها لتتحول من حكاية تروى إلى حكاية تقرأ فلا تخضع للمتغيرات التي يفرضها عليها الراوي. وتمثل الف ليلة وليلة مثالا لنصوص شعبية تشكلت في صورة کتاب مدون، وهو ما تشير إليه فريال غزول حين تصف كتاب ألف ليلة وليلة بأنه نص بلا مؤلف، صدر عن الخيال الشعبي ثم تبلور ليتخذ صورته الحالية“.(21).كما أنها تؤكد أن الكتاب كما نعرفه اليوم هو نتاج لعمليات إضافة وحذف وإعادة ترتيب للحكايات تمت عن طريق ناقلي حكايات ألف ليلة وليلة، لا الرواة فحسب وإنما من خلال الترجمة إلى اللغات الأخرى ثم إعادة الترجمة والنقل إلى العربية“.(22)

ويتضح ذلك من رحلة ألف ليلة وليلة التاريخية بين الشرق والغرب، حيث أن الترجمة الأولى للكتاب إلى لغة أجنبية (الفرنسية) تمت على يد أنطوان جالان Antoine Galland في أوائل القرن الثامن عشر، ولم يعتمد فيها على نص كامل للكتاب، كما أنه وكما تذكر سهير القلماوي كان هو نفسه قاصا بطبعهفأضاف إلى ترجمته عديدا من النصوص التي لم تكن ضمن المجلدات العربية الموجودة حينذاك لألف ليلة وليلة، والتي كانت تحتوي بدورها على النصوص المدونة للحكايات الشفاهية ذات الأصول الهندية والفارسية والمصرية والعربية الإسلامية.(23) فحكايات الف ليلة وليلة قد تم جمعها وتدوينها بعد انتشارها شفاهيا بزمن بعيد، ويوصف الكتاب بأنه وعاء يمكن للجماعة أن تضيف إليه أو تحذف منه، فهو ملك لها وخاضع لمتطلباتها، ليكون بالتالي خير مثال على التفاعل الذي يتم بين النص المكتوب والرواية الشفاهية، حيث يبدأ النص الشعبي شفاهيا إلى أن يدون ثم يعود ينتشر ثانية إلى عالم الرواية الشفاهية.(24) ويمكن بالتالي التعامل مع ا الشعبي بصفته يحمل كافة مقومات التغير والتطور سواء في صورته الشفاهية أو المدونة، فهو متغير تبعا لرواته الشفاهيين ثم يعود ويتنوع وفقا لرؤية المؤلف الذي يصوغه نصا أدبيا يعبر عن مؤلفه تعبيرا مباشرا. وقد كانت الحكايات الشعبية وألف ليلة وليلة مصدر إلهام للعديد من الكتاب المصريين الذين ألفوا نصوصا مسرحية وأدبية من وحي التراث الشعبي المصري،(25) كما يتم صياغة نصوص شعبية متنوعة في أسلوب أدبي يناسب الأطفال في مراحل عمرية مختلفة.(26)


الحكايات.. ووجهة نظر المرأة

إن الاهتمام بدراسة التاريخ الثقافي بشقيه الرسمي والشعبي دراسة حرة ومتحررة من وجهات النظر الجامدة والمتحجرة، ليشمل مصادر التاريخ بأنواعها المختلفة وعبر التخصصات يعمل على المساهمة في إلغاء مظاهر أحادية الثقافة من حيث تعبيرها عن فئة واحدة متميزة في المجتمع، بحيث تتبنى دراسة التاريخ الثقافي البحث عن الأصوات المهمشة فتصبح محاولة البحث عن صوت المرأة والإنصات إليه بل وإعلائه حقاً إنسانيا وضرورة منهجية. فالتعددية هي سبيل الموضوعية وهي دليل القراءة وحرية التعبير أي تحرر الفكر.

وحين أتحدث عن وجهة نظر المرأة فانا لا أقصد خلق ثنائية صوت الرجل/ صوت المرأة، أو منظور الرجل/ منظور المرأة. وإنما أقصد الإشارة إلى أن الخطاب السائد في معظم إن لم يكن كافة أوجه الحياة هو الخطاب الذكوري الأبوي بحكم علاقات القوى السائدة أساساً لا الجنس. ولذا فإن تبني وجهة نظر المرأة يمثل محاولة لإقامة توازن بين جميع عناصر المجتمع وتوسيع التمثيل لفئة همشها المجتمع ووضعها في قوالب جامدة فصارت لا ترى إلا في إطار نمطي سائد. كما أن تبني مفهوم الجندر يعمل على دراسة مظاهر القولبة التي يخضع لها كلا الجنسين الرجل والمرأةبحكم كون الذكورة والأنوثة قيما اجتماعية أساساً. وكما تذكر هدى الصده فإن الحديث عن gender يعني الحديث عن المرأة والرجل، يعني البحث في دلالات الأنوثة والذكورة، وهي تؤكد على أن الأنوثة والذكورة هي مفاهيم تتشكل اجتماعيا وبالتالي تتغير من مجتمع إلى آخر جغرافيا وزمانيا تبعا للقيم الاجتماعية والثقافية السائدة، وهكذا يصبح الرجل أيضا ضحية مجتمع يكبله بتعريفات عن الذكورة، مثلما يكبل النساء بتعريفات عن الأنوثة“.(27)

فإذا نظرنا إلى نماذج كتابة الحكايات من وحي التراث الشعبي في مصر نجد أنها قد خضعت وما زالتلعمليات تناول وكتابة تمت على نطاق محدود وفي إطار النص القديم، فلا يمس التطوير سوى بعض التفاصيل اللغوية أو الأسلوبية وقلما يتم تقديم رؤية جديدة مختلفة، فتظل تلك الكتابة مقتصرة على تطويع الحكاية لتتواءم مع الشكل الجديد: حكاية للأطفال، فيلم سينمائي، حلقات إذاعية أو تلفزيونية، ألعاب وملصقات، وغيرها. وهكذا عادة ما يتم تضييق الخناق على النصوص الشعبية وتحجيم تطورها بحيث اقتصر عادة على الشكل دون رؤية متحررة تنعكس على المضمون. أما بالنسبة لكتابة حكايات من وجهة نظر المرأة من وحي نصوص شعبية عربية فلم يتم على حد علمي أي جهد واضح يذكر في ذلك الاتجاه.(28) وعندما أقول جهد واضحفإنما أقصد بذلك أن المكتبة العربية تخلو على حد علميمن كتاب واحد يتضمن مجموعة من القصص أو الحكايات من وحي التراث، يتم تناولها وكتابتها من وجهة نظر المرأة، ناهيك عن أن تتخصص كاتبة أو مجموعة من الكاتبات في إنتاج نصوص من هذا النوع.

كما أود الإشارة سريعا في هذا السياق إلى أن الدراسات العربية تخلو من الاهتمام بتحليل الحكايات من منظور نسائي وأقصد بذلك اتباع منهج ملم بمدارس النقد الأدبي التي تقوم على تبني منظور نسائي feminist أو من منظور الجندر(29) الذي يأخذ في الاعتبار السياق الاجتماعي الثقافي ودوره في تشكيل مفاهيم الذكورة والأنوثة. فلا يتعدى البحث في الدراسات العربية إشارات مقتضبة إلى صورة المرأة في نص ما أو آخر. فعلى سبيل المثال، حينما تتناول سهير القلماوي المرأة في ألف ليلة وليلة (في الفصل الأخير من كتابها حول الف ليلة وليلة)، نجدها تشير إلى أن صورة المرأة هي نتاج خيال القاص من جهة أو تكون اعتمادا على نماذج من حياته الواقعية وتتمثل صور المرأة بالتالي كما تذكر المؤلفةفي أدوار العشق وأدوار الكيد وهي الصورة السائدة إلى جانب الأدوار المرتبطة بالبيت والأمومة والأسرة، أما المرأة العالمة أو المحاربة فتكون بعيدة عن الواقع، فهي إما أجنبية أو جنية.(30) وهذا الفصل على أهميته إنما يتناول وصفا لصور المرأة في الف ليلة وليلة دون تتبع أو تحليل لآليات تنميط صورة المرأة في النص، وهو أمر ينطبق كذلك على غراء مهنا حين تتحدث في كتابها عن أدب الحكاية الشعبية مشيرة إلى ما تحمله الحكاية من عناصر ثقافة المجتمع الذي تصدر عنه، فتتناول بإيجاز شديد صور المرأة من حيث تعبيرها عن قيم الفضولواستخدام الحيلة” (للزواج ممن تحب)، بل والسخرية من سيطرة المرأة وامتلاكها سلطة تماثل سلطة الرجل.(31)

أما أولى المحاولات التي تمت في هذا الإطار، فقد خرجت حسب علميمن إطار عمل مجموعة قراءة وكتابة حكايات عربية من وجهة نظر المرأة، وذلك في الورقة التي قرأتها سحر الموجي (الكاتبة وعضوة المجموعة) بعنوان اختراق دائرة النمط المغلقة: دراسة تطبيقية لإعادة كتابة الحكاية الشعبيةقامت خلالها بطرح قضية الأنماط التي توضع المرأة في إطارها في الحكايات الشعبية، مع تقديم نموذج تطبيقي لاختراق دائرة النمطمن خلال حكاية شعبية مصرية هي ست الحسن والسبع جدعانوتحليل صور الكتابة من وجهة نظر المرأة كما تمثلت في ثلاث صيغ بديلة كتبتها كل من أمل عمر وهدى الصده ورانيا عبدالرحمن من خلال عمل مجموعة النقد والكتابة.(32)

الحكايات.. وصيغها المعاصرة

وإذا تتبعنا الموقف في الثقافة الأنجلوأمريكية نلاحظ تعدد صور تناول الحكايات الشعبية folktales، ولعل ذلك يرجع بداية إلى تمييزهم بين الحكاية الشعبية كنص شفاهي ونص مكتوب، حيث يشير جاك زايبس إلى أن الحكاية الشعبية folk tale هي النص الشفاهي الذي يتم تناقله على مدى قرون من الزمان، ثم تتحول إلى حكاية أو قصة خيالية fairy tale عند تشكيلها في نص مكتوب.(33) كما يعترف المؤلف أن الحكايات بأنواعها المختلفة سواء كانت شفاهية أو مكتوبة تمثل في حد ذاتها معالجات متنوعة تبعا لراويتها/ كاتبها من جهة وحسب الأهداف التي يمكن الاستعانة بالحكايات في سبيل تحقيقها، حيث يشير إلى أنه تتم كتابة حكايات موجهة للأطفال تسعى إلى التأكيد على قيم اجتماعية وسياسية سائدة، كما يؤكد على أن تناول الحكايات ومعالجتها في صيغ معينة من الممكن أن يصير وسيلة غير مباشرة لتوجيه نقد اجتماعي للنسق القيمي السائد.(34)

ويتمثل الاهتمام الذي تناله الحكايات الشعبية كشكل أدبي متميز في مجموعات القصص والكتب التي صدرت بمسميات متنوعة: “حكايات خيالية حديثة و حكايات خيالية للكبارو حكايات خيالية نسائيةوغيرها. وفي مقدمة كتابها الذي يضم مجموعة من الحكايات المكتوبة في إطار معاصر تشير أليسون لوري إلى حقيقة مفادها أن الحكاية الخيالية التقليدية لم تكن تقرأ من كتاب وإنما كان يتم تناقلها شفاهة من جيل إلى الذي يليه، كما أن مجموعة المستمعين لم تكن تقتصر على الأطفال“.

أما مجموعة الحكايات التي يتضمنها الكتاب فهي عبارة عن قصص مستوحاة من الحكايات الشعبية التقليدية وقد كتبت خصيصا بأقلام كتاب وكاتبات معاصرين وموجهة في الأساس إلى قراء بالغين. (35) وفي إشارة إلى المحاولات المختلفة التي تمت لكتابة حكايات خيالية حديثة تذكر اليسون لوري أن البدايات ترجع إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر حينما حاول العديد من الكتاب والكاتبات صياغة بعض الحكايات التقليدية وإعادة كتابتهامع تبني قيم معاصرة أو انتقاد عادات وسلوكيات يرفضها المجتمع. أما محاولات كتابة حكايات حديثة مستوحاة من النصوص القديمة فقد كانت تتم أيضا بهدف التأكيد على قيم أخلاقية معينة تبعا لمؤلفيها وطبقا لطبيعة زمان ومكان إبداعها، وكان الهدف عادة ما يتمثل في التعبير عن الرفض لبعض المعايير الأخلاقية (أو بالأحرى تلك التي كانت تعتبر غير أخلاقية) والممارسات الاجتماعية السائدة، مع الحرص على تأكيد قيم وأفكار بعينها (المقدمة، ص۱۳).

وهناك نموذج آخر لمشروع إصدار مجموعات من النصوص المعاصرة المبنية على الحكايات الشعبية، وهو ما قامت به إيلين دتلو و تيري ويندلينج في سلسلة كتب أمريكية،(36) وتشير مقدمة الكتاب الأول(37) إلى أن الفكرة تحققت من خلال الاتصال بمجموعة من الكتاب والكاتبات المعاصرين ودعوتهم إلى تناول فكرة حكاية خيالية كلاسيكية ثم خلق قصة جديدة للكبارعلى أن تكون مبنية على ذلك النص التقليدي ومستوحاة منه (ص7). ولعله من الجدير بالذكر أن تيري ويندلينج تذكر في مقدمتها للكتاب الفارق ما بين كيفية تعامل الباحثين والباحثات الفوكلوريين مع الحكايات الشعبية وبين أسلوب تناول القصاصين والقصاصات لنفس المادة، فتشير إلى دور باحثي الفوكلور في جمع الحكايات والحفاظ عليهادون السماح بالمساس بها أو التعديل فيها” (ص 5)، أما الرواة والقصاصون فيقومون بتناول الحكايات التقليدية وإعادة إنتاجها بما يتناسب مع اللحظة الراهنة.(38) وهو ما تعود فتؤكده محررتا الكتاب في مقدمتهما المشتركة للكتاب الثاني(39) من السلسلة حيث توضحان مهارة الكاتب والكاتبة المعاصرين والتي تتضح من خلال تحويل وتعديل الحكاية المعروفة بما يعكس رؤية فريدة خاصة بالكاتب والكاتبة تجاه الحكاية من جهة ونحو العالم المحيط بهم من جهة أخرى، وتشير الكاتبتان إلى عملية إعادة الكتابةتلك على أنها أشبه بعملية إعادة خلقلنص جديد (المقدمة، ص5- 6).

إلا أنه من الملاحظ أن الحكايات الحديثة التي تمت الإشارة إليها سابقا لا تتسم بتبني منظور نسائي، فهي نصوص مبنية على حكايات شعبية وخيالية أوروبية قام بصياغتها كتاب وكاتبات محدثون بهدف نقلها إلى سياقات معاصرة. وإذا كانت السمة الأساسية التي جمعت على أساسها اليسون لوري نصوص كتابها هي خاصية كون الحكايات حديثة” (modern fairy tales) أو معاصرة لزمن كتابتها، فإن الحكايات التي ترد في سلسلة إيلين دتلو وتيري ويندلينج يشار إليها على أنها حكايات خيالية أدبية أي أعمال قصصية منها ما هو مستوحى من الحكايات الشعبية التقليدية، ومنها ما هو صياغة جديدة لنصوص حكايات أدبية سابقة.(40)

أما بالنسبة للنصوص التي تجمع ما بين خاصيتي المعاصرة و المنظور النسائي، فلعل رائدة هذا المجال في الكتابة والفكر هي الكاتبة البريطانية أنجيلا كارتر التي أصدرت في عام 1979 مجموعتها القصصية The Bloody Chamber and Other Stories والتي تضم مجموعة من القصص القصيرة المبنية على حكايات شعبية متنوعة تأخذ في الاعتبار وجهة نظر مناصرة للمرأة.(41) وقد واصلت الكاتبة اهتمامها بالحكايات الشعبية مع تبني منظور نسائي عندما

قامت بتحرير كتابين(42) يضمان حكايات شعبية من أنحاء العالم، وتذكر أنجيلا كارتر في مقدمة الكتاب الأول أن أساس اختيارها للنصوص الواردة في الكتاب قائم على الحكايات التي تدور حول شخصية رئيسية نسائية” (المقدمة، ص١٣). كما صدرت عام 1997 مجموعة من الحكايات الخيالية النسائية بقلم الكاتبة الأمريكية باربرا ووكر، وتضم عدة نصوص تتناول حكايات شائعة إلا أن المؤلفة قد حرصت على التعامل مع الشخصيات النسائية فيها بحيث قامت بقلب الصور والأدوار النمطية للمرأة مع تقديم صورة مختلفة بديلة، بحيث تمنح الشخصية النسائية في حكاياتها صوتا خاصا بها وأدوارا جديدة، في إطار يجمع ما بين نقد ما هو سائد من قيم وتصورات ثقافية واجتماعية مع تقديم بديل أقرب إلى الصورة الحقيقية أو المبتغاة.(43)

اللغة.. والكتابة.. وصوت المرأة

عبر أود الإشارة سريعا هنا إلى دور اللغة كأداة تم توظيفها: التاريخ لإسكات صوت المرأة، وهو مجال بدأ يأخذ نصيبه من البحث في العقدين الأخيرين مع تطور الحركة النسائية العالمية ونمو النظرية النسائية، ففي دراستها الرائدة حول اللغة من منظور نسائي تؤكد ديل سبندر العلاقة بين ذكورية اللغة واستبعاد صوت المرأة حيث تقول أنه قد تم استبعاد المرأة تاريخيا من عمليات إنتاج الثقافة، واللغة ما هي إلا شكل شديد الأهمية من أشكال الثقافة. وهو ما يعني أن اللغة هي من صنع الرجل الذي استخدمها بما يحقق أهدافه الشخصية. وتضيف المؤلفة أنه نظرا لعدم إشراك المرأة في إنتاج اللغة السائدة المقننةفقد عجزت عن إنتاج وتناقل تراث لغوي خاص بها.(44)

ولعلنا نستشف أصداء لذلك القول عند رشيدة بنمسعود في كتابها المرأة والكتابة: سؤال الخصوصية/بلاغة الاختلاف حيث تؤكد على أن اللغة ليست أداة حيادية وإنما هي أداة مشكلة للواقع“. وللتدليل على ذلك تقدم المؤلفة متابعة للتحليل المعجمي العربي للألفاظ المرتبطة بالمرأة (المرأة، النسوة، الحريم…)، فتلاحظ أن دور المرأة معجميا يرتبط في اللغة العربية بوظائف الطعام والبطالة والجنس، وهي نستنتج من ذلك ما يلي:

إن اللغة التي يمكن أن نستعملها وسيلة لصياغة خطاب تحرري، تحدد مسبقا موقع المرأة ووظائفها داخل المجتمع، أي أنه قبل وضع القوانين التي تسعف الرجل على تدجين، وفرض الوصاية على الأنثى، هناك سلطة اللغة المستعملة التي حددت هذا التصور، وسهلت هذه المهمة على الرجل.(45)

ولعله من الجدير بالذكر أن العلاقة بين اللغة والثقافة هي علاقة تبادلية. فإذا كانت اللغة حقا تحدد مسبقا موقع المرأةوأدوارها الاجتماعية، فإن اللغة في حد ذاتها هي نتاج للثقافة السائدة في المجتمع الذي يخلق لغته. ومن هنا كانت سلطة المجتمع الذكوري تنعكس في لغته من ناحية فتلونها بقيمه، ثم تعود اللغة فتكرس لعلاقات القوى السائدة في المجتمع بما هي. محملة به من قيم، وذلك في علاقة تبادلية مستمرة.

ومن جهة أخرى يؤكد عبدالله الغذامي في كتابه المرأة واللغة أن المرأة تحتل موقعا هامشيا في اللغة حيث أنها موضوع لغوي وليست ذاتا لغوية (46) أي أن المرأة قد سلبت حق التعبير عن ذاتها من خلال سيطرة الرجل على وسائل التعبير الإنسانية وعلى رأسها اللغة ووسيطها الكتابة. ويضيف المؤلف أن الرجل حين يتيح للمرأة حيزا فهو الذي يتحدث بلسانها وبصفتها مادة لغوية، وفي ذلك يقول:

لم يكتف الرجل بتصوير المرأة حسب ظنونه هو، بل إنه أيضاتولى الحديث بالنيابة عنها، ومن هنا فإن الرجل يكتب المرأة في لغته هو وليس في لغتها ويستنطقها حسب منطقه ويديرها حسب هواه (ص٣٥).

وحينما تتحدث ماري جاكوبوس عن خصوصية لغة المرأة (أو اللغة الخاصة بالمرأة) فهي ترى تحديد موقع لغة المرأة في إطار اللغة لا خارجها، وتبني موقفها من لغة المرأة على أساس الاختلافلا المقابلة مع اللغة الذكورية السائدة.(47) فهي لا تقصد بلغة المرأة کیانا يقع خارج اللغة الذكورية السائدة وإنما تدعو إلى التأكيد على وجود لغة خاصة بالمرأة في موقع داخل اللغة السائدة على أن تتجاوز حدودها. وتؤكد الباحثة أن العلاقة بين اللغة السائدة وخصوصية لغة المرأة لا تخضع لثنائية الرجل مقابل المرأة وإنما تعتمد على فكرة الاختلافبما تحمله من معاني التعددية والتنوع، فتصبح بذلك الكتابة كتعبير لغوي موقعا للمواجهة والاختلاف. ومن خلال التأكيد على وجود صوت خاص بالمرأة داخل الخطاب الذكوري يمكن تفكيك ذلك الخطاب باستمرار وتقويض سيادته. أما فيما يتعلق بمحاولة تحديد طبيعة مظاهر الاختلاف في كتابات المرأة، تقترح ماري جاكوبوس أن تكون نقطة انطلاق النقد النسائي من داخل الخطاب الأبوي نفسه ومن خلال النصوص الذكورية الشائعة، بحيث يتم تتبع صور المرأة كما تقدمها التصورات الأبوية/ الذكورية مع الكشف عن كيفية إسكات صوت المرأة في النص/ اللغة.(48)

هذا عن الموقف النقدي، أما بالنسبة للمحاولات التي تتم في الغرب لكتابة الحكايات بحيث تعبر عن وجهة نظر نسائية فنجد أن عملية إعادة الكتابة/ الكتابة(49) تأخذ في الاعتبار عدة جوانب منها ما يرتبط بالشكل ومنها ما يتعلق بالمضمون، فاستخدام إطار الحكاية للتعبير عن منظور المرأة إنما يمثل في حد ذاته تفكيكاً وقلباً للمفهوم التقليدي للحكاية الشعبية. فالملاحظ أن الحكاية الشعبية التي عادة ما تعكس رؤية ذكورية للحياة، إنما هي فن ينسب أساسا إلى المرأة حين تروي الحكايات في إطار المنزل أي مجال الحيز الخاص ثم ينقلها الرجل عندما ينتقل بها إلى الحيز العام فيلقي ما سمعه برؤيته الذاتية على الجموع عادة من الرجال-.(50) فإذا انتقلنا إلى مجال الكتابة، فتجدر الإشارة إلى رأي مارينا وورنر التي تؤكد على دور إعادة الكتابة في تبديد القداسة التي تحيط بنص الحكاية الشعبية وما يوحي به من كونه أقرب إلى الوثيقة التاريخية، حيث تتداخل عناصر الماضي مع عناصر الحاضر التي تدخلها الراوية/ الكاتبة أثناء إبداعها نصها الجديد. كما ترى المؤلفة في عملية إعادة كتابة الحكايات من قبل النساء فرصة التعبير عن وجهة نظر المرأة في وجه ما تتضمنه الحكايات الشعبية والحكايات الخيالية ذاتها من تجن و امتهانللمرأة.(51)

حكايات عربية من وجهة نظر المرأة

إن مجموعة قراءة وكتابة حكايات عربية من وجهة نظر المرأة قد نجحت في الخروج بصيغ جديدة لنصوص من الحكايات الشعبية المصرية وحكايات من ألف ليلة وليلة في محاولة للكشف عن مواطن تنميط المرأة في النص القديم ثم تفكيك وتقويض تلك الصور النمطية مع تقديم صيغ مختلفة تحمل صورا بديلة للمرأة وأدوارها في المجتمع، وذلك بهدف إنتاج نصوص تأخذ في الاعتبار عامل الجندر بحيث تخرج بالمرأة والرجل من القوالب الجامدة المفروضة عليهما، وهي قوالب يؤدي تكرارها واجترارها إلي تثبيتها في بنية المجتمع بصورة واعية أو غير واعية. وكان الهدف من لقاءات العمل هو النظر في كيفية ورود تلك القوالب في التراث والمأثور الشعبي العربي بما له من ثقل في التعبير عن ثقافة المجتمع وتشكيلها، ثم تحليل تلك النصوص من منظور نسائي، مع تقديم روايات جديدة تتبنى وجهة نظر المرأة وتعكسها.

ومما هو جدير بالذكر أن ملتقى المرأة والذاكرة قد قام بعقد أول أمسية حكي يوم ٢٢ يونيو ١٩٩٨ بعنوان قال الراوي.. قالت الراوية، تبعتها أمسيات بعنوان قالت الراوية يتم من خلالها عرض بعض الروايات الجديدة التي تنتج عن لقاءات العمل والكتابة، ولعل من أهم النقاط التي دارت حولها تساؤلات بعض الحاضرين هي الهدف من مشروع إعادة قراءة النصوص الشعبية وتناول التراث وكذلك الخطاب المستخدم والتخوف من استعانة الروايات الجديدة بآليات الخطاب الذكوري، وردا على تلك التساؤلات والتعليقات التي أثارتها النصوص الجديدة أرى توضيح الآتي:

أولا، إن الهدف من لقاءات عمل كتابة حكايات عربية من وجهة نظر المرأةلم يكن مجرد الخروج بنصوص أدبية وأعمال إبداعية من قصائد شعرية أو قصص قصيرة وغيرها مستلهمة من النص القديم، فقد كان الهدف الرئيسي من لقاءات العمل هو الخروج بروايات جديدة ونصوص مقدمة من منظور مختلف بحيث تتبنى وجهة نظر المرأة وتنصفها. وقد كان أملنا وما زال أن تجد القنوات الإعلامية من إذاعة وتلفزيون وسينما ومسرح وصحافة وغيرها في تلك المادة الجديدة موضوعا تتبناه بدلا من اجترار نصوص قديمة، وهي مادة يزدحم بها الإعلام عاما تلو عام يتغير فيه شكل تلك النصوص وتقنياتها الإنتاجية دون أن يطرأ على المضمون تطوير أو تعديل، ونظرا لما تحمله تلك النصوص المتداولة من قيم تقولب المرأة وتنمطها فإن تكرارها يعمل على تثبيت تلك الصور الجامدة في وعي أبناء المجتمع وبناته، بما يعمل على تكريس دونية المرأة بدعوى أنها
طبيعتها منذ الأزل كما وردت فيما يطلق عليه التراث والتقاليد والثقافة السائدة.

ثانيا، إن مجموعة عمل كتابة الحكايات تتضمن مجموعة متجانسة من نساء ذوات اهتمامات متنوعة، وكان التركيز من خلال لقاءات العمل والكتابة على بلورة وجهة نظر المرأة ومفهوم الجندر عند القراءة والكتابة، فكانت النقطة التي اجتمعنا حولها هي المنظور النسائي من حيث مفهومه وآلياته، بحيث نقوم كمجموعة عمل بمناقشة نصوص شعبية مصرية وعربية وتحليلها من وجهة نظر المرأة، ووضع أيدينا على المواضع التي تستفز أيا منا عند قراءة نص نجد فيه تجنيا وتنميطا ومسخا لصورة المرأة ودورها في المجتمع مقارنة بالرجل. وكانت الكتابة هي بمثابة رد الفعل في سبيل إنتاج مادة بديلة تعبر عنا وتمنح المرأة صوتها وتعدل الكفة المائلة لدور النساء وصورة المجتمع.

ثالثا، تجدر الإشارة إلى أن اختيار النصوص التي قامت عليها لقاءات العمل كان يعتمد على انتقاء نصوص تتمتع في حد ذاتها بقدر من متانة البناء بما يتيح مجالا لإعادة تناولها مع التركيز على منظور المرأة. فضمن العشرات والعشرات من نصوص القصص الشعبي لم أجد نموذجا واحدا لحكاية تفرد من وجهة نظري حيزا للمرأة للتعبير عن ذاتها هي، بعيدا عن قوالب المجتمع والطابع الذكوري الذي تصدر تلك النصوص عنه، ذلك إلى جانب العديد من النصوص مخلخلة البناء (نظرا لطبيعتها الشفاهية أساساً) والتي تتطلب إعادة كتابة فنية دبية بصرف النظر عن المنظور الذي تتبناه وتعكسه.

ولعل كلمة السر تكمن هنا في مفهوم النموذج الإيجابيللمرأة. فسيرة الأميرة ذات الهمة(52) مثلا يعتبرها الكثيرون نموذجا إيجابيا للمرأة في التراث، إلا أنهم يتناسون أن الأميرة ذات الهمة هي المرأة الوحيدة التي أفردت لها سيرة شعبية باسمها، ولم تتمتع مع ذلك بالذيوع والشيوع الذي تتمتع به سيرة عنتره أو سيرة أبي زيد الهلالي. أما إذا تعمقنا في تحليل إيجابيةذات الهمة لوجدناها إيجابيةمن منطلق النسق القيمي الذكوري، إذ أن جزءا كبيرا من السيرة يتحدث عن بطولتها وقد ارتدت زي الرجال واشتركت في الحروب وقاتلت في المعارك، أي أنها تكتسب إيجابيتهامن كونها رجلاًشكلاً وفعلاً، أما الجزء الثاني من السيرة فيركز على دورها العظيمبصفتها والدة الأمير عبد الوهاب، أي أنها تستمد قيمتها اعتمادًا على قولبتها في الدور التقليدي للأم التي تصنع رجالاً أبطالاً. أما الأميرة ذات الهمة بصفتها امرأة وذاتا مستقلة فيكاد يكون لا ذكر له، ومن أين له أن يأتي إذا كان رواة السيرة الرجال قد صبغوا سيرتها وحياتها بمفاهيمهم الذكورية وحبسوها في قالب البطولة القتالية والأمومة فقط، تلك القوالب التي ترى المرأة إيجابيةبقدر دورانها في فلك الرجل وتلبيتها لاحتياجاته سواء كانت قتالية أو طفولية!

وإذا نظرنا إلى النصوص التي تم تناولها في لقاءات العمل نجد عند تحليلها من وجهة نظر الجندر أنها في صيغها القديمة متحاملة على كل من الجنسين، وقد كنا كمجموعة على وعي بذلك مما جعلنا نتخير النصوص التي نتناولها في لقاءات العمل بحيث يمكننا كسر صور التنميط وربما محاولة قلب التصورات الثقافية السائدة والمجحفة بالنسبة للجنسين. ففي ألف ليلة وليلة لم نتناول مثلا حكايات كيد النساءفقط وإنما قمنا بتحليل بعض نصوص حكاية الجارية في كيد الرجال، وذلك بغرض تفكيك مفهوم الكيد بشكل عام سواء في علاقته بالرجل أو المرأة، مع الأخذ في الاعتبار إفساح المجال لصوت المرأة، لتصبح إحدى حكايات ألف ليلة وليلة وهي حكاية الجارية في كيد الرجالعلى سبيل المثال بعد إعادة كتابتها هي حكاية الصورةوحكاية المرأة والصورةفي رواية أخرى.

ولعل في ذلك المثال نفيا لدعوى استعانتنا بآليات الخطاب الذكوري، حيث أننا نسعى بقدر من الوعي إلى الاستعانة بآليات الخطاب النسائي والتي تتمثل بوضوح في تعددية الأصوات وتنوعها بدلا من أحادية الصوت الذكوري، وهو ما يتحقق إلى حد كبير من خلال الاعتماد على الحوار في كثير من الأحيان وكذلك عن طريق تعدد الأصوات في السرد، بل ونجد أن فكرة تعدد الروايات والصيغ للنص الواحد هي في حد ذاتها تأكيد للتعددية وكسر لهيمنة النص الواحد والصوت الأوحد، ولكننا لا ننفي في ذات الوقت تركيزنا على منح المرأة فرصة التعبير عن ذاتها، وهو الصوت الذي خضع للإسكات والتشويه مرارا وتكرارا، وما زال. ونحن إذ نتبنى مناهج النقد النسائي إنما نسعى بالفعل إلى الخروج من أحادية المنظور نحو التعددية، لا ثنائية الرجل/ المرأة فحسب، لأننا نرى أن مصطلح الرجلمثله في ذلك مثل مصطلح المرأة لا يشير إلى فرد بعينه أو واقع واحد ثابت مطلق وإنما يحمل كل منهما في طياته تعددية وتباينا يقع في صميم ركائز الخطاب النسائي. وقد نجحنا كمجموعة في الخروج بنصوص تجمع ما بين كونها جديدة من جهة وتتبنى وجهة نظر المرأة من جهة أخرى. وعلى الرغم من أن عملنا الجماعي لم يتناول البحث وقراءة النماذج الغربية من الحكايات النسائيةوالحديثة“. إلا أنه من اللافت للنظر أن النصوص التي نتجت عن لقاءات عمل مجموعة الحكايات تشترك في العديد من خصائصها مع النماذج الغربية للحكايات النسائية والحديثة.

قالت الراوية

لقد كان إقبالنا كمجموعة على قراءة حكايات من التراث الشعبي مبنيا على وعينا بمرونة النص الشعبي من جهة وثرائه كمادة ملهمة إلى الكتابة تمثل بالنسبة إلينا نقطة انطلاق لإنتاج نصوص من الحكايات والقصص التي تتبنى منظورا نسائيا. كما كان لإيماننا بكون الحكي فنا نسائيا في الأساس سواء على مستوى الحكايات الشعبية أو حكايات شهرزاد في ألف ليلة وليلة ما شجعنا على قراءة تلك النصوص قراءة من منظور نسائي ثم استلهامها في نصوص حكاياتنا الجديدة، وتتخذ البداية شكلا أقرب إلى عملية تحديد للنقاط والتفاصيل والظواهر المتكررة في النصوص التي نقرأها والتي تحرك فينا الرغبة للتعامل مع هذه النصوص بإعادة صياغتها من وجهة نظرنا كنساء. وكان مع مواصلتنا عقد جلسات القراءة والنقد الجماعية أن كتبنا نصوصنا الجديدة الخاصة بنا، وهي عملية يمكن تحليلها من جانبين، أحدهما يتعلق بعمليات إعادة الكتابة/ الكتابة تبعا لمدى قرب الكاتبة من النص التقليدي.

فالنسبة لعملية إعادة الصياغة والكتابة، نجد بين نصوص کتاب قالت الراوية مجموعة من الحكايات الجديدة التي تأخذ أشكالا متنوعة في علاقتها بالنص التراثي سواء كان حكاية شعبية مصرية أو إحدى الحكايات الواردة في كتاب الف ليلة وليلة. أولا، قد يكون النص الجديد ملتزما إلى حد كبير بالنص القديم من حيث استخدام مفردات تنتمي إلى لغة السرد والشخصيات الواردة في الحكاية، مع التحرر من تفاصيل الأحداث وأسلوب السرد ووجهة النظر السائدة. وهو ما يتضح بجلاء على سبيل المثال في حكاية الصورةلرانيا عبد الرحمن وحكايتي حكاية المرأة والصورةبناء على حكاية المرأة في كيد الرجالفي ألف ليلة وليلة، وكذلك في الحكاية الشعبية المصرية عروسة راجل بنت راجلالتي تعيد أميمة أبوبكر صياغتها في حكاية ست بحق وحقيقبينما تكتب هاله سامي حكاية عنوانها ست بجدتحتل فيها شخصية الفتاة هادية الدور المحوري الذي تمنحه إياها راوية الحكاية التي تنهيها مؤكدة على أهمية إعمال العقل وحسن التصرف لتحقق المرأة ذاتها بدلا من الاعتماد على الآخرين.

أما المنهج الآخر فهو قائم على أن تكون الكتابة من وحي الحكاية التي تمت قراءتها وتحليلها، فيكون النص الجديد بالتالي نصا مستقلا معتمدا على الاستلهام لا التعديل المباشر، وهو ما حققته سحر الموجي ببراعة في قصتها وسكتت شهرزادحين جعلت شهرزاد تقص حكايتها مع شهريار في صورة خطاب تكتبه لترسله إلى أختها دنیازاد، لتخرج سحر بشهرزاد من إطار الحكي إلى عالم الكتابة، وتبدع نصا أدبيا يحمل صوتا خاصا متميزا.

وأود الإشارة في هذا السياق إلى أن النصوص الجديدة لا يسهل تصنيفها بدقة وقولبتها ضمن أحد المنهجين السابقين، وإنما يلاحظ أن كل نص يحتل موقعا على درجة من القرب/ البعد من أحد هذين المنهجين، أما نقطة الالتقاء دوما فهي اتفاق النصوص في مجملها على تبني وجهة نظر نسائية. وهكذا يضم كتاب قالت الراوية بعض النصوص التي لا علاقة مباشرة بينها وبين الحكايات التي تناولناها خلال لقاءات العمل. فنلاحظ على سبيل المثال أن منى برنس قد اتفعلت بأغنية شعبية قصيرة تصف وقع مولد البنت على من حولها بدءا من الداية فالأم والجدة. فكتبت منى قصة قصيرة بمثابة رد الفعل للأغنية تقدم من خلالها نموذجا حيا لإحساس الأم بالمصيبة حين تنجب ابنة، ويكون إحساسها ناتجا عن الضغوط الاجتماعية التي تواجهها لإنجاب الأولاد الذكور في مجتمع يعلي من قيمة الرجل لما يحمله من قيم العمل والإنتاج. ثم يقدم النص العلاقة بين الابنة ووالدها في صورة إيجابية، مع إشارة غير مباشرة إلى أن ذلك راجع لكون الابنة شبيهةبوالدها!

أما منيرة سليمان حين كتبت حكاية البدايةفإنما قامت بمحاولة العودة بخيالها إلى بدايات الخلق، مع التركيز على نقطة جوهرية ألا وهي تقسيم الأدوار بين الرجل والمرأة على مستوى الحيز الخاص الذي تم تحديد المرأة فيه وأهم خصائصه الحكمة، ومجال الحيز العام الذي انطلق الرجل فيه مغامرا ومكتشفا اعتمادا على القوة، لتشير الحكاية إلى انتصار القوة على الحكمة حين يلقي الرجل بامرأته إلى البحر عقابا لها على عدم قيامها بما اعتبره واجبها في إعداد الطعام. إلا أن الحكاية تنتهي بالتحالف بين المرأة الجديدة ومظاهر الطبيعة المتمثلة في العصفورة ناقلة المعرفة، لتوحي بغلبة الحكمة على القوة آخر الأمر، مع قيام النص أيضا بتفكيك مفهوم القوة“. وهكذا تنهي منيرة حكايتها بقولها: “ولما خرج الرجل نظرت المرأة إلى الشباك وبطرف عينها غمزت لصديقتها العصفورة الصفراء، فضحكنا سوياً على هذا الرجل الغلبان وما ينتظره من…”، واستخدام صفة الغلبان هنا إنما تشير إلى زهو الرجل بقوته البدنية التي تعمي عينيه عما حوله من مصادر الحكمة الكامنة في مظاهر الطبيعة. أما المرأة فنراها في نهاية القصة في موقع القوة المعرفية وقد نجحت في فهم أسرار الكون بأكمله، بما فيه من كائنات وإنسان.

وحكاية الجنيةلنسمة إدريس مستوحاة من المثل الشعبي كل فولة ولها كيالو كل عقدة ولها حلالوتتناول قضية كتابة المرأة وموقعها في المجتمع. فتربط نسمة بين إبداع المرأة والأعمال الخارقة التي تضعها في مصاف الجان، وتصبح الكتابة بالنسبة لها أقرب إلى أعمال السحر أو كما تقول الحكاية: “دا كان سحر على قول أهلها. قال إيه كانت المجنونة بتصطاد الكلام من الهوا وتحوله لحبر على الورق“. وكتابة المرأة كما تقدمها نسمة تقع خارج مقاييس الكيل والميزان السائدة، وفنها يحملها خارج الأطر المعروفة والمقبولة في المجتمع، ولذا تختتم حكايتها بتهميش المرأة الكاتبة خارج إطار الإنس لأن العقدةأصعب من أن تجد لها أي حل أو حلال، إلا أن موقعها خارج السياق المعترف به لا يمثل موقع ضعف وإنما يوحي بالتميز على مستوى عالمي الإنس والجان، فهي جنية ما يقدرش على مكيالها لا إنس ولا جان“. فالحكاية تقوم بتفكيك الثنائيات وتؤكد على احتلال موقع بين البينينربما تعبيرا عن موقع المرأة ككاتبة بين مجال الكتابة الذكورية السائدة وبين أعمال السحر الخارقة.

وأود فيما يلي الإشارة إلى خصائص مجموعة حكايات قالت الراوية التي تتفق مع عناصر الحكايات الخيالية الحديثةكما حددتها اليسون لوري، وكذلك خصوصية الكتابة من منظور نسائي طبقا لروبرتا سیلنجر ترايتس.

۱) حكايات عربية حديثة

في إطار تقديمها لبعض الحكايات الخيالية الحديثة modem تقدم أليسون لوري(53) أهم خصائص تلك النصوص والمستوحاة من الحكايات الشعبية العالمية. وتتمثل تلك الخصائص فيما يلي: أولا، نقل زمان ومكان الحكاية الشعبية التقليدية إلى زمان ومكان معاصرين، ووجود العناصر الخيالية والتقليدية جنبا إلى جنب الاختراعات والاكتشافات العلمية الحديثة والمعاصرة لكاتبي الحكايات، مع التعامل مع الأحداث بما يتيح المجال لتناول القيم والممارسات السائدة في الحاضر. ثانيا، تفاوت نبرة القص ما بين الجدية والسخرية بما يتناسب مع الهدف من الحكاية في صيغتها الجديدة: ثالثا، شهدت السبعينيات زيادة في الوعي بقضايا المرأة مما انعكس على الحكايات الحديثة التي أخذت في تبني منظور نسائي في الكتابة (المقدمة ص 15- 18).

وإذا أخذنا حكاية نعم ونعمة التي كتبتها سحر الموجي وداليا بسيوني مثالا لحكاية عربية حديثة نلاحظ أن بدايتها تنطلق من جو بشكل ألف ليلة وليلة، بل وتكاد تنقلنا إلى داخل إطار حكايات يوحي شهرزاد حيث تستهل الكاتبتان حكايتهما بتحديد الليلة: “وفي الليلة التاسعة والثمانينوهي نفس الليلة التي ترد فيها حكاية نعمفي كتاب ألف ليلة وليلة. بل ويتم التأكيد على هذا الإطار من خلال شخصيتي شهرزاد وشهريار في دوريهما التقليديين، فشهريار هنا أيضا حاكم قد عاد لتوه من جلسته المسائية مع الملوك والأمراء والشرفاء والأعيان، وشهرزاد هي زوجته التي تقص عليه الحكايات كل ليلة، ولكن الحكاية التي تقصها علينا شهرزاد هنا تنتقل بنا إلى الحاضر إذ تدور حول نعمةالرجل الذي يعمل في المصلحة نهارا ثم يقضي بقية يومه جالسا على القهوةمساء، وتعلو نبرة السخرية في النص بالإشارة إلى نعمة ورفاقه الذين هم في القهوة كادحونبتبادل الأخبار والتباري حول علاقاتهم الوهميةمع العمل وساكنات الحي، بعدما قضوا نهارهم في المصلحة حيث الدردشة وتعطيل مصالح العباد بالتليفونات وروتين الأوراق النساء من زميلات والسندوتشات“! وتنجح الحكاية من خلال هذه النقلة إلى زماننا المعاصر في توجيه نقد مباشر لسلوكيات اجتماعية سائدة مع تبني موقف ساخر ورافض تجاه علاقة الرجل بالمرأة التي لا يرى فيها نعمة سوی كونها ذات الجمال والبهاء والحسن والدلالرغم ما نراه نحن من جوانب سعيها هي نحو المعرفة في مشاويرها من وإلى المكتبة حاملة كتبها، وتزداد نبرة السخرية في النص عند الإشارة إلى أوهام نعمة وافتراضاته بانشغال نعم به وذكر عواطفها الجياشة وحبها العظيمله، وهو ما يجعله يفسر تحركاتها بما يتوافق مع أوهامه وتصوراته.

وإذا كانت حكاية نعم ونعمةكما كتبتها سحر وداليا تدور في سياق معاصر إلا أنها تظل داخل حكاية شهريار وشهرزاد، ولكن النص الجديد يخلق حدثين متوازيين يفصلهما البعد الزماني، ومع ذلك يتقاطع خطا الأحداث في العديد من التفاصيل. فهناك صلة واضحة على سبيل المثال بين جلسات شهريار مع وزرائه ورفاقه متحدثا عن فتوحاته في عالم النساء الحسانوبين نعمة وتوفيق ومجموعة الصحاب وجلساتهم في المقهى للتباهي بغزواتهمفي عالم النساء. وفي مقابل شهريار ونعمة وتوفيق، تربط الحكاية بين شهرزاد ورحيبة ونعم، اللاتي تقدم كل منهن وجهة نظرها في الأحداث، بحيث يكشف هذا التعدد عن كذب ادعاءات الرجال، وهو ما يتحقق بالفعل على مستوى السرد حين يواجه الرفاق صاحبهم نعمة بالحقيقة ساخرين. وإذا كانت الحدود بين حكاية شهرزاد/شهريار وحكاية نعم/ نعمة غير ثابتة على مستوى النص فإن النهاية تأتي لتفصل الحدود بين النص والواقع بالاستعانة بأغنية عايشة وحدها بلاك“. ومما يزيد الحدثين تقاريا هو توظيف اللغة في النص ما بين الفصحى والعامية المصرية، حيث تبدأ الحكاية على لسان الراويتين/الكاتبتين بالعربية الفصحى الشبيهة في سجعها بلغة ألف ليلة وليلة، إلا أن شهريار حين يتحدث ينطق بالعامية بداية من آه يا بطنيثم إيه أخبار نعم ونعمة؟“.. وبالتالي تنجح اللغة في تخطي حاجز الزمان الذي يوحي به اختيار الشخصيات والإطار العام للحكاية.

كما تجدر الإشارة إلى حكاية نعم ونعمةتمنح شهرزاد صوتا خاصا بها، وربما يساعد على ذلك وجود راوية خارج النص هي التي تستهل القص حين تحكي لنا حكاية شهرزاد مع زوجها شهريار ثم تتوارى لتفسح المجال لشهرزاد كي تحكي بدورها حكاية نعم ونعمة. كما يلاحظ أن الحكاية تقدم شهريار وشهرزاد في إطار أكثر حيوية وإنسانية من دورهما التقليدي في ألف ليلة وليلة، ويفسح المجال لهما للتعبير عن جوانب خافية في شخصيتيهما، فشهريار يوصف بأنه نشوانبعد سهرته مع رفاقه، وهو معد يدعي التعب والإعياء والدوخة والغثيان“. أما شهرزاد فيكون رد فعلها أمام إحباطاتها المتكررة هو أن دلقت بعضا من الثلج على جسدهاوفي ليلة تالية بلعت شهرزاد غصتها ودارت مرارتها“. كما أنها توجه حديثها إلى زوجها بصيغة تحمل سخرية دفينة قائلة: “بلغني أيها الملك ذو الصولات والجولات..” ثم تخاطبه في الليلة التالية قائلة: “بلغني أيها الملك الممغوص الذي في الحكايا يغوص..” وذلك بديلا عن الصيغة الثابتة بلغني أيها الملك السعيد.. التي ترد في ألف ليلة وليلة ذلك باستمرار. وهكذا يتم تناول الحكاية بحيث يفقد إطار ألف ليلة وليلة إحكامه على بنية النص، وتم خلق حكاية جديدة تتخطى حدود الزمان والمكان وقيود البناء وتحمل رسالة فكرية وفنية في آن.

۲) أصوات نسائية

لعل من أهم الدراسات التي تمت في مجال الكتابة والمنظور النسائي هو كتاب روبرتا سيلنجر ترايتس(54) الذي تتناول فيه أبرز خصائص كتابة القصص من وجهة نظر نسائية، والمتمثلة في التعبير عن أصوات نسائيةعلى مستوى البنية السردية. وتتمثل أبرز أساليب التعبير عن الصوت النسائي في النقاط التالية:

أولا: قلب الصور النمطية للأدوار الاجتماعية المرتبطة بكلا الجنسين، ويتم التعبير عن الصوت النسائي من خلال قيام الشخصيات النسائية بأدوار محورية في القصة، مع منحهن أدوار الانطلاق وإثبات الذات. ومن هنا تحتوي تلك النصوص على بطلة تقوم برحلة أو تخوض مغامرة سعيا وراء تحقيق هدف ما، وذلك كبديل للصور التقليدية السائدة للمرأة والتي تقوم فيها الشخصية بدور هامشي وسلبي.(55) ونلاحظ أن كل الحكايات هنا تقوم على قلب الصور النمطية للأدوار الاجتماعية بالنسبة للجنسين وعلى وجه الخصوص المرأة ومعظم إن لم يكن كل النصوص تدور حول شخصية فتاة أو امرأة تقوم بالدور الرئيسي على مستوى الحدث. فحكاية الشاطر حسنحين تكتبها سحر صبحي تتحول إلى حكاية المنسيه والمحظية وبدر البدور والطيره، فإلى جانب تغيير العنوان بحيث يشير إلى الشخصيات النسائية/ المؤنثة في الحكاية بدلا من البطل الواحد، نجد أيضا أن الحكاية تتحول من متابعة رحلة الشاطر حسن لتمنح المرأة بل وحتى الطيرهالقدرة على ممارسة الفعل، فتتحول الأحداث من وصف لمغامرات الشاطر حسن إلى تتبع لرحلة بدر البدور التي نراها ترفض الحلي والجواهر فتحفر خندقا وتهرب لتقوم بعدها بدور الرحالة والمرشدة للشاطر حسن. فهي حرة في ممارسة اختياراتها بنفسها وقادرة على تنفيذها دون انتظار البطل المنقذ التقليدي. وعلى مستوى مواز لشخصية بدر البدور تقدم لنا الحكاية الطيرة التي ترفض الوليف المفروض عليها والذي يتقرب إليها مستعرضا قوته وجماله، وتعبر هي أيضا عن رفضها لوعيها بحقها في اختيار وليفها وعزمها على ممارسة هذا الحق.

ثانيا: إفراد نصوص تدور حول بطلة(56) مع تتبع مراحل نموها وتطورها،(57) ذلك إلى جانب التأكيد على استقلالية البطلة وذاتيتها وتبنيها وجهة نظر خاصة بها، بدلا من تقديمها في صورة الشخصية التابعة للرجل، فلا يتحدد دورها ولا يرتبط وجودها بالأب أو الأخ أو الزوج وغيرهم.(58) ونحن نرى الشخصيات النسائية في معظم الحكايات التي بين أيدينا هنا في حالة من التمرد على القيود المفروضة عليهن سعيا نحو الاستقلالية، فلا يرتبط مصير المرأة كما تصورها الحكايات هنا على الرجال كالأب والأخ والزوج وغيرهم. بل على العكس من ذلك تسعى كل امرأة إلى التعبير عن ذاتها والتمرد على القهر المفروض عليها. فشخصية ستيتة على سبيل المثال في حكاية أميمة أبو بكر ست بحق وحقيقتتعرض للقهر بحبسها في بيت يطل على البحر في مكان بعيد عن كل الناس، من غير شبابيك وهوا البحر ما يدخلوش.” وحين يجد الزوج نفسه واقعا تحت وطأة القهر الذي مارسه على زوجته ستيتة حين لقي نفسه محبوس في أوضه من الأوضنراه يحاول تحرير نفسه بأن يشخط شخطة الرجال اللي تهد جبالبدون نتيجة. أما ستيتة فلا تقبل بمصيرها ولا تنتظر زوجها كي ينقذها مما هي وهوفيه، وإنما تسعى إلى التعامل مع الموقف وحل مشكلتها لا بالعنف والشخطوإنما بإعمال العقل، فتجعلها أميمة كل يوم تطلع طوبة من الحيط لغاية ما عملت شباك كبير يدخل منه هوا البحر ونور الشمس، بل ولا تكتفي بتخليص نفسها وإنما تمد يد العون لزوجها المحبوس وصنعت له شباكا مثل شباكها.

وحكاية أميمة يمكن قراءتها بصفتها نقدا وتفكيكا لمفاهيم الذكورة والأنوثة، فذلك البيت الكبير هو بمثابة العالم الذكوري الذي خلقه الرجل واستخدمه لتقييد المرأة فيه حتى وجد نفسه هو أيضا مخنوقابقيوده وعاجزا عن تغييره بمنطق القوة والعنف. أما ستيتة فتسعى منذ البداية إلى التحرر من ظلمة هذا البيت الواقعلا بردود أفعال هستيرية كالصراخ والشخطوإنما بإعمال العقل. وبالفعل تنجح في إدخال مصادر الحياة من نور وهواء لتحل محل الظلام والاختناق الذي فرضه الرجل على امرأته ثم وقع هو أيضا في أسره عاجزا عن الفكاك. وحين تمردت ستيتة على واقعها حققت ما هو في صالحها وصالح زوجها في نفس الوقت فأعادت إليه إنسانيته حيث طلع صوته ورجع إنسانبعدما كان قد تحول إلى غول مخيف بس صوته محبوس“.

ثالثا: تجاوز خاصية إسكاتصوت المرأة عن طريق استعادة الشخصيات النسائية أصواتها على مستوى النص، فتحمل كل شخصية صوتا خاصا بها للتعبير عن نفسها ورؤيتها للحياة من حيث كونها ذاتا مستقلة وامرأة. أما الصمت فكثيرا ما يتم توظيفه في السرد لا كخاصية مفروضة على المرأة وإنما نتيجة اختيار شخصي واع بهدف التعبير عن موقف معين كالرفض والتحدي، لا تعبيرا عن الخضوع والخنوع.(59) وكذلك التأكيد على التقارب بين الشخصيات النسائية في النص، وتقديم نماذج يسودها التعاون المتبادل والتواصل بين الأجيال، بدلا من النموذج الفرويدي القائم على عقدتي أوديب وإلكترا، والذي يبرر العداوة بين الأم والابنة من حيث تبادل مشاعر السيطرة والغيرة.(60)

ونجد في حكاية صفية المخفيةهدى الصده تتناول إسكات المجتمع الذكوري لصوت المرأة بل وتهميش دورها إن لم يكن المحو التام لهويتها وذلك من خلال شخصية صفية التي نتيجة لكبر السن على أن صفية. هي أصبحت مخفية في الحواديت والحكايات الشعبية“. وتؤكد الحكاية نفسها ست الحسن والجمال في شبابها التي كانت تفرد لها الحكايات نظرا لأهميتها كمصدر أو موضوع للشهوة“. والحكاية مروية على لسان صفية التي تحمل داخلها صوتا آخر هو صوت ست الحسن والجمال. والصوتان لامرأة واحدة هي صفية الذي تعرف في شبابها لا باسمها وإنما بما تمثله للرجل من أهمية تبعا لشكلها ومظهرها، وحين تفقد تلك المؤهلات تظل فاقدة اسمها ومخفية تقوم بأدوارها دون هوية ذاتية مستقلة. وإنما يعكس ذلك منظور المجتمع الذكوري الذي يتعامل مع المرأة لا من حيث كونها ذاتا وإنما موضوعاللرغبة والشهوة، وحين نستمع إلى صوت ست الحسن والجمالنجدها تؤكد على دورها الطويلالمرسوم لها في الحكايات في موقع الدوران في فلك الرجل ثم محاولاتها كما تقول عن نفسها في الفكاك من سلطته. والرجل الذي تتحدث عنه هو في كل الأحوال مصدر السلطة سواء كان ابن السلطانأو الأخ أو الأب، ويكون مصيرها عادة إما أن تتحول إلى كائن آخر غير المرأة أو ينتهي بها الأمر إلى الانهزام والقبول بالأمر الواقع، وتعبر عن ذلك قائلة: “مره أهرب من ابن السلطان، ومره أنفد بجلدي من أخويا وأبويا، ومره أستسلم لقدري وأقول ما تفرقش“. وتلك المرأة ذاتها في شيخوختها حين تفقد مؤهلات إشباع شهوات الرجال يحولها المجتمع ممثلا في ثقافته الدارجة إلى كيان مخفي“.

والحكاية تؤكد على تهميش المرأة في كل الأحوال سواء كانت امرأة جميلة أو عجوزا غير مرئية، إلا أن المفارقة تكمن في أن صفية المخفية تفضل وضعها الحالي الذي يمنحها حرية للحركة والتصرف حيث تصف ذلك بقولها أنه وضع مريح وله مزاياه الكتيرة، أروح وأجي زي ما انا عايزة، أدخل بيوت وانا في قصوردون تحرش بها. إلا أن ذلك لا ينفي وعيها بتهميش دورها والتلاعب باسمها، حيث تشير الحكاية إلى أن الاسم هو مرأة الهوية، وفي كل الأحوال سواء كانت ست الحسن والجمالأو المخفيةفهي دوما هوية من صنع الآخرين، ومن هنا تنتهي الحكاية بأن تكشف صفية عن هويتها الحقيقية وتؤكد على تلك العلاقة بين الاسم والهوية حين تقول أحب أكون صفيه الحقيقيه. أحب أكون دايما انا زي ما انا . أحب يتقال اسمي، صفيه، والناس تعرفني وتشوفني وتسمع عني…”، ولكن الحكاية تنتهي بالعودة إلى واقع يحرمها من التعبير عن ذاتها لتنتهي الحكاية قبل أن تنجح في التعبير عن كافة آمالها. ولكن مع ذلك تقدمها الحكاية في موقع قوة إذ أنها هي التي تقرر إنهاء حكايتها بقولها أحبكفايه كده، وتنتهي الحدوتة وقد منحت صفية فرصة التعبير عن ذاتها وتدوين اسمها في حكاية جديدة تكشف عن وعي بدور المجتمع الذكوري والثقافة الدارجة في محو شخصية المرأة والتلاعب باسمها وتشكيل هويتها على هواه، وتعود تؤكد هويتها الحقيقيةالتي تعكس عدة جوانب من صنعها هي والتي تشير إلى تعددية أكثر من الثبات والأحادية.

كما تستعيد شخصيات عديدة أخرى صوتها في الحكايات حيث تتحدث الغولة عن نفسها في حكاية رانيا عبد الرحمن بعنوان دموعلتكشف الحكاية بصورة غير مباشرة عن أحادية الصورة النمطية التي تظهر فيها شخصية الغولة في التراث الشعبي، فتمنح رانيا الغولة صوتا خاصا بها تعرف بموجبه نفسها بأنها حنونوأن خوف الناس منها وزوجها إنما يرجع إلى جهل الناس بمشاعرهم فتقول: “فساعات كتير نمص صوابع الصبايا يمكن يحسوا إننا برضه زيهم نحتاج لحنان“. وتمضي الحكاية فتتتبع رحلة حنونفي البلد هربا من نار الانتقام، فتستمع إلى حكايات غيرها من الباكيات ويحدث على مدى الحكاية تضامن بين نساء البلد من الصبايا والستاتحين تحكي كل منهن عن آلامها. وتنتهي الحكاية بتكتل الدموع تعبيرا عن تضامن الباكيات لتغمر دموعهن البلد وتطفئ النار. والحكاية هي رؤية جديدة لإحدى الحكايات الشعبية المصرية المتداولة ويتم فيها تقويض الصور النمطية للمرأة في نص يحمل منظورا نسائيا واضحا على مستوى الحدث والكتابة.

وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن معظم الحكايات في هذا الكتاب تؤكد على قيمة نسائية هامة ألا وهي التعاون والتواصل بديلا عن المنافسة والقتال. فإلى جانب التضامن بين النساء الذي يتضح في حكاية دموعيتم التركيز أيضا على فكرة الحياة القائمة على المشاركة والوئام في حكاية المرأة والصورةحيث حاولت تقديم قصر الفنون والعلوم على سبيل المكان الذي تقطنه مجموعة من النساء ذوات الاهتمامات المتنوعة الرسامة جميلة وسميرة الأديبة ولبيبة الطبيبة وعليمة الفقيهة اللاتي تعاون جميعا للتخلص من تلصص رجل مدع للفن سعى إلى تدبير حيلة ينجح هو بمقتضاها في دخول القصر وإمتاع حواسه بذلك الجمال الموعود“.

رابعا: كثيرا ما يشار إلى وجود أسلوب القص داخل القصوهو ما يعرف أيضا بالبناء الأمومي، حيث تحتوي قصة ما على قصة أخرى بداخلها وفي إطارها، وهي خاصية تتضح في أساليب السرد والبناء عند المرأة.(61) ولعل تلك الخاصية هي من أوضح ما يميز الحكايات الشعبية بشكل عام ويتحقق بصورة تامة في بنية ألف ليلة وليلة التي هي في واقع الأمر أقرب إلى سلسلة من الحكايات المتضمنة إحداها داخل الأخرى. فالحكاية الإطار هي حكاية يرويها صوت غير معروف وتبدأ قبل زواج شهريار بشهرزاد لتبرر نزعة شهريار لقتل زوجاته واحدة تلو الأخرى وتحكي براعة شهرزاد في الحفاظ على حياتها بالاستعانة بموهبتها في فن الحكي، ثم نجد شهرزاد على مدى ليال ألف وليلة تعود فتروي حكاية تلو أخرى لشهريار على لسان شخصية تروي حكايات على لسان شخصية أخرى.. وهكذا، إلى أن يكتمل الإطار بالعودة إلى حكاية شهرزاد مع زوجها شهريار طالبة منه الأمان بعدما أنجبت له من الأبناء ثلاثا على مدى سنوات الحكي، ثم ينتهي الكتاب على لسان ذلك الصوت الذي بدأ به الكتاب لينهي الأحداث بالإشارة إلى كيفية جمع حكايات كتاب ألف ليلة وليلة بعد انتهاء ملك شهريار بردح من الزمان. وهكذا يكتمل الإطار الذي يضم داخلها المئات من الحكايات على لسان شهرزاد.

وتضم مجموعة الحكايات التي بين أيدينا هنا نصوصا تستعين بنفس الشكل، فإلى جانب حكاية سمية رمضان حكاية ملك شهريار وأخيه في رواية أخرى لم تنشر من قبلوالتي تعيد صياغة القصة الإطارمن الف ليلة وليلة، لدينا مجموعة من الحكايات الأخرى تتخذ المحاكاة فيها أبعادا مختلفة مع الاحتفاظ بعنصر القص داخل القص، ففي حكاية نعم ونعمةلسحر الموجي وداليا بسيوني على سبيل المثال نبدأ من موقف يدور حول شهرزاد وشهريار ومنه ندخل إلى حكاية نعم ونعمة. وبداية حكاية همه سموها إيه؟لرانيا عبد الرحمن تقدم حوارا بين مجموعة من النساء يتحدثن عن حواديت أم عاشورأولا، ثم ننتقل بالفعل إلى أحداث الحكاية التي تدور حول هيلانه، في شكل يعكس جو الحكي أو القص داخل القص كممارسة شفاهية.

3) السخرية والمفارقة

وإذا كانت النقاط السابقة تشير تحديدا إلى خواص تتعلق بالشخصيات والبناء، فإنه من الممكن إضافة خاصية أسلوبية وهي استخدام أسلوب الفكاهة humour كأداة تمنح المرأة صوتا حيث توظف كبديل للصمت ولمواجهة محاولات إسكات المرأة عن الحديث فيما يخصها هي تحديدا. ففي دراسة عن خصوصية توظيف المرأة للفكاهة تتناول ريجينا باريكا(62) أهم ما يميز الفكاهة كأداة تستخدمها النساء للتعبير عن قضايا ملحة من جهة وكإستراتيجية لمواجهة مواقف تضعهن في موقع ثانوي، حيث يميل المجتمع الذكوري إلى جعل المرأة دوما موضوعا للفكاهة لا صانعة له.(63) ثم تعود المؤلفة فتؤكد على أن السخرية والأسلوب الفكاهي يمكن أن يستخدم كإستراتيجية للتحول من موقع الموضوع إلى الذات، وذلك عن طريق تملك حق الفعل أي صنع الفكاهة، أرى في هذا السياق الإشارة إلى خاصيتين يتمتع بهما الأسلوب الفكاهي كوسيلة تمكين وتفعيلللمرأة، أولا، تفسح الفكاهة المجال أمام مناقشة موضوعات يسهل استبعادها أو التقليل من أهميتها في إطار المناقشات الجادة، فبدلا من تجاهل قضية ما تماما يصبح من الممكن تناولها على سبيل الدعابة (ص٢٠١). وثانيا، يلعب الأسلوب الساخر دورا كوسيلة لممارسة بعض من السيطرة على المواقف التي يسهل فيها تهميش المرأة أو استغلالها. وتذكر المؤلفة أن السخرية يمكن أن توجه إما إلى النفس أو نحو الغير، وفي كلتا الحالتين يتم ممارسة شيء من السيطرة على الموقف عبر التحكم في اتجاه ومضمون الفكاهة. فحين نتوجه بالسخرية إلى أنفسنا يمكننا ذلك من امتلاك قدر من التحكم في الموقفأي أن المرأة عندها تختار أن تسخر من نفسها بدلا من/ قبل أن يسخر منها الآخرون (ص٢٦٢٧). كما تلاحظ أن المرأة كثيرا ما تلجأ إلى السخرية من الرجل بهدف التشكيك في سلطته عليها” (ص۷۲).

ولعل في ذلك ما ينطبق مع روح الفكاهة ونبرة السخرية التي تتخلل معظم النصوص الموجودة هنا بين أيدينا، فمن ناحية تسود الحكايات نبرة فكاهية قد يبدو عند القراءة السطحية للحكايات أنها تفقد النص جديته ورصانته، إلا أنه من الجدير بالذكر أن نبرة التهكم والسخرية التي تسود معظم الحكايات بدرجات متفاوتة إنما تساهم في إمكانية تناول بعض القضايا ذات الأهمية بالنسبة للمرأة أو بعضنا من النساء، ولكن نظرا لصعوبة أو استحالة تناولها بجدية تصبح الفكاهة هي وسيلة التعبير عنها وأداة إيصالها. وتمثل كتابة أمل عمر نموذجا واضحا لتوظيف الفكاهة بحيث تحمل أصواتا نسائية، ففي حكاية قمر الزمان وحبيبها ابن الطليان ماركو ماستوريانتتناول أمل مشكلة انخداع المرأة بمظهر الرجل من جهة وإعجابها به بينما يخفي هو عليها حقيقته التي يرمز لها من خلال النص بزوجته الإيطالية التي هجرها، لتوحي بذلك بتنوع أشكال استغلال الرجل للمرأة. ولعل اختيار شخصية ماركو الإيطالي تشير إلى تشابه إن لم يكن تكرار عناصر التجربة الإنسانية عبر الثقافات، فاستغلال المرأة من قبل الرجل وخداعها بالمظهر الفتانوالمعرفة أي لغة الطليانهي ظاهرة تتخطى بها أمل حدود المكان لتضعها في إطار أشمل يقارب بين قمر الزمان وسارة بنت الطليان!.

ويمكن القول بأن المحاكاة الساخرة والمفارقة هما من أبرز أدوات الفكاهة، ويتم تعريف المحاكاة الساخرة parody بأنها هي تقليد لكاتب أو كاتبة ما عن طريق استخدام ألفاظ وأسلوب وأفكار خاصة به أو بها وتقديم تلك العناصر في نبرة ساخرة من خلال المبالغة في إحدى خصائص الكتابة. ولا تكون تلك المحاكاة فعالة دون تحقيق توازن بين التقليد بهدف التشابه بين النصين من جهة والتلاعب المقصود في الخصائص الأساسية التي تميز النص الأصلي،(64) أما المفارقة irony فتعرف بأنها تشير إلى إدراك وجود تفاوت أو تناقض بين الكلمات ودلالاتها، أو بين الأفعال ونتائجها، أو بين ما يبدو من الظاهر وحقيقة الواقع، وبذلك يمكن تحديد نوعين من المفارقة: المفارقة في اللفظ التي تحدث عندما يستخدم القول بأن يتناقض مع معناه السطحي، والمفارقة في الحدث حين يؤدي الفعل إلى موقف مخالف لما هو متوقع منه، وهي في كافة أحوالها إنما يستعان بها ويتم توظيفها كأداة تعبر بصورة غير مباشرة عن رؤية خاصة بمستخدميها.(65)

وهكذا تصبح المحاكاة الساخرة والمفارقة بمثابة استراتيجية تستخدمها المرأة في الكتابة لتحقيق غرضين هما التعبير غير المباشر عن الوعي بما يحمله التراث في حالتنا من مظاهر تجن على المرأة من جهة، ومحاولة لتقديم صيغة جديدة مختلفة إن لم تكن بديلة للحكايات التقليدية. وهو ما يتضح على سبيل المثال في حكاية منى إبراهيم ست العقل والكمالالتي تحاكي بداية من عنوانهاالحكاية الشعبية ست الحسن والجمال، ولكنها محاكاة تسخر من المضمون الذي تحمله الحكاية الشعبية مع تقديم رؤية مختلفة. فبطلة الحكاية لها اسمان، اسم ست الحسن والجمال وهو من اختيار أبيها ويعكس قيم المجتمع الذكوري في مقاييس حكمه على النساء، والاسم الثاني هو ست العقل والكمال الذي تطلقه الأم على ابنتها لإيمانها بأن الجمال بيزول وممكن يؤذي صاحبته كمان، ولكن العقل دايما مفيد“. وتتطور أحداث الحكاية في خط مواز للحكاية الشعبية التقليدية ولكن مع التأكيد على المواقع التي تحمل بذور سخرية من البناء القيمي الذكوري، مع إعلاء قيمتي إعمال العقل لحل المشاكل، حتى أن قيمنا الحسن والجمال سرعان ما تتواريان دون نفي لتمتع الفتاة بالجمال أمام ذكائها وحسن تصرفها.

وأود فيما يلي تناول حكاية ملك شهريار وأخيه في رواية أخرى لم تنشر من قبل بقلم سمية رمضان مع التركيز على النص في كونه محاكاة ساخرة للقصة الإطار في ألف ليلة وليلة، تمثل المفارقة فيها أداة أسلوبية أساسية على مستوى الكتابة. وحول تجربة كتابة صيغة جديدة لتلك الحكاية المعروفة تقول سمية رمضان: “اكتشفت أثناء محاولتي تبديد ذكورية النص أني كنت أتعامل معه بنفس مخاوف المترجم المقبل على عمل ما فقد كان النص يمثل لي في باطنه قمة في تاريخ طويل وجميل من القص“.(66) وحكاية سمية تؤكد بداية من عنوانها الفرعي على مفهوم تعددية الروايات، فحكايتها هي رواية أخرى لم تنشر من قبلمما يوحي بوجود العديد من الروايات منها ما هو معروف ومنها ما لم يعرف بعد. وتتطور هذه الفكرة على مستوى النص ذاته بتعدد الأصوات ووجهات النظر، والمفارقة بين الروايات المختلفة تكشف عن زيف القناعة بوجود رواية واحدة بعينها.

ويتم تقديم أسلوب المفارقة الأدبية بصورة بارعة من خلال حكاية امرأة الصندوق، فهي واعية بما سبقها من روايات من جهة كما أنها تشكك في صدقها من جهة أخرى. فنجدها تقص على شهريار وأخيه شاه زمان حكايتها مع الجني مشيرة في ذات الوقت إلى ما ترويه عنها الروايات السابقة. وردا على سؤالهما إن كانت قد انا لت المئات من الرجال الذين كانوا قد طالبوها بجسدها مقابل مساعدتها، تنبههما إلى كذب تلك الروايات قائلة: “لو صدقت ما ترويه عني الحكايات.” وإذا كان النص يوحي بتعدد الروايات من عنوانه ثم بشكل غير مباشر من خلال الحوار الذي يدور بين امرأة الصندوق وكل من شهريار وشاه زمان، فإن المفارقة تبلغ مداها عندما نستمع قرب نهاية الحكاية إلى شاه زمان وهو يقص حكايته وأخاه مع امرأة الصندوق فيقدمها متنافية مع الواقع وقد أضاف إليها الكثير من التفاصيل لتشبع غروره من جهة وتكشف عن أوهامه الذكورية من جهة أخرى ولتأكيد قناعة الرجال بفساد جنس النساء في أي ظرف كان“. وإلى جانب ذلك التوظيف البارع للمفارقة على مستوى حكاية امرأة الصندوق، تتخلل القصة عدة مفارقات منها ما هو متحقق على مستوى القصة ذاتها دون مقارنتها بحكاية امرأة الصندوق الواردة في ألف ليلة وليلة ومنها ما يتخذ أبعادا عبر النص تؤكد على كونها محاكاة ساخرة عند عقد مقارنة بين نص ألف ليلة وليلة ونص سمية رمضان. وفي كلتا الحالتين يتضح استخدام المفارقة كأداة أسلوبية تعبر عن صوت نسائي مخفي، سواء أكان ذلك بصورة مباشرة عن طريق منح امرأة الصندوق صوتها المستقل، أو من خلال التعبير عن منظور نسائي في فن الكتابة.

خاتمة

رأينا فيما سبق أن النصوص الشعبية تتميز في تنوعها بكونها نتاجا للذاكرة الجماعية، فلا تخضع لسلطة حاكمة بقدر صدورها عن فكر وسلوك الجماعة. ومن هنا توصف بالحرية حيث لا ترجع إلى فرد واحد يكون له فضل روايتها فتخضع لوجهة نظره المحدودة. ونظرا لما تتمتع به من تطور مستمر تبعا لراوياتها/ رواتها وناقليها فهي تمثل مجالا رحبا للتناول من وجهات نظر متعددة. ومن هنا كانت عملية تناول النصوص الشعبية العربية من وجهة نظر نسائية تمثل في رأيي عملا مشروعا في إطار دراسة التاريخ الثقافي العربي، نظرا لعوامل متعددة منها: ۱) ثراء النصوص الشعبية بصور من أوضاع الإنسانية عبر التاريخ دون الإشارة في أغلب الأحيانإلى عصر أو زمان بعينه، بما يسمح بتتبع وتحليل ما يرد من إشارات حول دور النساء في المجتمع، إضافة إلى الكشف عن دور المجتمع الذكوري في طمس صوت المرأة وتجاهل وجهة نظرها وأشكال مشاركتها في الحياة. وتتيح إعادة قراءة تلك النصوص جنبا إلى جنب مصادر التاريخ الرسمي فرصة التوصل إلى تصور أفضل للتاريخ الثقافي العربي. ٢) تمتع النصوص الشعبية بالحرية والمرونة والتعدد بما يسمح الأخذ في الاعتبار صوت المرأة ودورها الإيجابي كذات فعالة ومستقلة في الحياة، والتعبير عن وجهة نظرها بتناولها والتعامل معها مع على مستوى مضمون النص وأسلوب السرد، وبحيث تكون مصدر وحي لإنتاج مادة ثقافية مختلفة عما هو سائد، فلا يتم قولبة المرأة ووضعها في إطار المجتمع النمطية لدورها في الحياة.

وأود في الختام الإشارة إلى بعض الملاحظات السريعة المتعلقة بتجربتنا في كتابة حكايات من وجهة نظر المرأة من وحي نصوص شعبية عربية. ولعل أهم ما يميز هذه التجربة هي خاصية التعددية. في وجهات النظر، فلم نكن نتعامل مع النص على أنه يحمل معنى فعلى مستوى قراءة النص وتحليله، كانت قراءاتنا قائمة على تعددية واحدا، وإنما كانت كل منا تقرأ الحكاية ثم تنطلق بفكرها متجاوزة الحدود لتقرأ ما بين السطور في محاولة لإعادة بناء النص مع عبر الأخذ في الاعتبار بما هو مسكوت عنه وما تم طمس معالمه عبر تاريخ طويل من التناقل الشفاهي. هذا على مستوى القراءة، أما الكتابة فهي الدليل الملموس المقروءعلى خاصية التعددية، ويتمثل ذلك عند النظر إلى كون النص الجديد دليلا على تجاوز سلطة النص الواحد. ولعل مما هو جدير بالذكر أن لقاءات النقد والكتابة قد نتج عنها مجموعة من الروايات والصيغ المختلفة والمتنوعة للنص الواحد، وهي تعددية يجمعها الاشتراك في الموقف من المادة التي بين أيدينا، وهو موقف يسمح لنا بالتعددية والاختلاف في وجود مرجعية مشتركة.

وعلى مستوى المجموعة الموجودة بين أيدينا في هذا الكتاب، نلاحظ أن التعددية تجاوزت مضمون النصوص لتنعكس على شكل الكتابة. فالنصوص تتنوع ما بين شكل أقرب إلى الحكايات الشعبية التي تتبنى عناصر الحكي كفن شفاهي، ونصوص هي أقرب إلى شكل القصة القصيرة كفن أدبي كتابي. وبين هذه وتلك العديد والعديد من النصوص التي تتجاوز الأطر المحددة جامعة بين عناصر الحكي والقص. كما يتضمن الكتاب حكايات ما بين العامية والفصحى، فمنها ما هو مكتوب بعامية أقرب إلى عامية النص القديم، ومنها ما يتحول إلأى عامية رواية الحكاية – كاتبتها – لتكون أقرب إلى العامية القاهرية أو ما يطلق عليه أحيانا فصيح العامية. أما فيما يتعلق بالجمهور المتخيل، فنجد أن الحكايات في مجملها موجهة للكبار وتحمل فكرا يعكس اهتماما بقضية المرأة على وجه التحديد، إلا أننا نلاحظ أن بعض الحكايات مثل فرحهو ليه…. هو کده.. ده كلام فارغلهدى الصده تبدو موجهة للأطفال. وفي كل الأحوال تتفق كل الحكايات في سعيها لتقديم نماذج أكثر صدقا وتوازنا تتجاوز القوالب النمطية التي يميل المجتمع إلى حصر أدوار الجنسين في إطارها.

ولعل مما أثرى هذه التجربة هو أن أهم ما يميزنا كمجموعة هو التنوع والاختلاف في مواقفنا من مفهوم الكتابة النسائية، بينما يجمعنا هم مشترك ونتفق على الهدف العام لعملنا الجماعي. ونحن نرى في نقاط التلاقي بيننا مواقع انطلاق، في حين نختلف في تفاصيل الكتابة مما يضيف أبعادا إلى التجربة، ويحميها من أحادية الرؤية. وقد كانت لقاءاتنا المنتظمة منذ مارس ۱۹۹۸ لقراءة نماذج الف من التراث الشعبي ومحاولاتنا كتابة نصوص جديدة من وحي ليلة وليلة وبعض الحكايات الشعبية المصرية هي بمثابة تجربة دائمة التطور، حيث كانت البداية أقرب إلى محاولات لإعادة كتابة الحكايات التي بين أيدينا، ثم أخذت تتخذ أشكالا أخرى متنوعة حتى اجتمعت لدينا مجموعة من النصوص التي تتميز لا بتنوع أسلوب كتابتها ومواقف كاتباتها فحسب وإنما تعكس وعينا بقدرة هذه التجربة على استيعاب التعددية والاختلاف، وهو وعي يغذيه إحساسنا الدائم بحرية التعبير والتجريب.

  1. تتم ترجمة مصطلح gender في إطار الدراسات التنموية بكلمة النوع بحيث يشير إلى عملية التشكيل الثقافي والاجتماعي للجنسين، بحيث تحدد الأدوار والتوقعات والمسئوليات وأنماط السلوك للرجل والمرأة، في سياق ثقافي واجتماعي معين، وقد ورد هذا التعريف ضمن هوامش بحث هبة الخولي بعنوان علام البنت كنز: آليات التفاوض بين الجنسين في هاجر: كتاب المرأة، العدد 5- 6، (القاهرة: دار نصوص، ۱۹۹۸)، ص۱۰۸. بينما يقترح ع 19 من مجلة ألف الجنوسة ترجمة لمفهوم ال gender. كما تذكر هدى الصده أن مصطلح الـ gender الذي تمت استعارته من علم اللغويات على يد الباحثات النسائيات الأنجلوأمريكيات ليشير إلى التشكيل الثقافي والاجتماعي للجنسين، وهو بالتالي رغم كونه مصطلحا جديدا إلا أنه يعتبر صياغة حديثة لهموم قديمة، كما ورد في المرأة والذاكرة: مقابلة مع هدى الصده في مجلة ألف، الجنوسة والمعرفة: صياغة المعارف بين التأنيث والتذكير، ع 19 (القاهرة: الجامعة الأمريكية بالقاهرة، ۱۹۹۹)، ص ۲۱۷۲۱۸.

  2. استخدم ضمير المتكلم في صيغة الجمع للإشارة إلى أفراد المجموعة ككل، لا كصيغة مجازية للدلالة على المفرد.

  3. عادة ما يستخدم مصطلح التراث الشعبي للإشارة إلى ما هو مدون، والمأثور الشعبي للدلالة على ما هو شفاهي، فيشتركان في مفهوم التوارث والتناقل جيلا بعد جيل، ويختلفان في طبيعة المادة الموروثة من نصوص مدونة مكتوبة وممارسات متناقلة غير مدونة.

  4. قاسم عبده قاسم، بين التاريخ والفولكلور، (القاهرة: الهيئة العامة لقصور الثقافة، يناير ۱۹۹۷)، ص۲۲۲۳.

  5. جرت العادة على نقل لفظ Folklore من الإنجليزية إلى العربية على أنه فولكلور، وقد رأيت استخدام المقابل اللفظي بالعربية للكلمة الإنجليزية فوكلور، وهي الترجمة التي استخدمها أيضا حسن سعيد الكرمي في قاموسه المنار: قاموس إنكليزيعربي (لونغمان: مكتبة لبنان، ۱۹۷۰)، ص٢٤٤.

  6. للمزيد حول تعريفات الفوكلور في إطار الدراسات الفوكلورية العربية من حيث مفهوم المأثورات الشعبية والتراث الشعبي والأدب الشعبي والفنون الشعبية الرجاء الرجوع على سبيل المثال إلى: عبد الحميد يونس، معجم الفولكلور، ص ۱۷۲۱۷۳؛ صفوت كمال، الحكايات الشعبية الكويتية: دراسة مقارنة، ص 93-94؛ أحمد علي مرسي، مقدمة في الفولكلور، ص٤٤٦٤.

  7. ألكزاندر هجرتي كراب، علم الفولكلور، ترجمة رشدي صالح، (القاهرة: دار الكاتب العربي، ١٩٦٨)، ص۱۸۱۹.

  8. صفوت کمال، سبق ذكره، ص93.

  9. أحمد علي مرسي، سبق ذكره، ص٥٤.

  10. صفوت کمال، سبق ذكره، ص١٤.

  11. ابن منظور، لسان العرب، ج۲، (القاهرة: دار المعارف، د. ت.)، ص٩٥٤. (۲) وفي كتابها الموقف من القص في تراثنا النقدي تشير ألفت الروبي إلى أن القصص يتضمن أخبارا نثرية تتنوع في غالبيتها ما بين الخطابة والوعظ، منها ما هو شفاهي ومنها ما هو مكتوب. وحين تتناول المؤلفة الموقف النقدي للتراث تذكر أن موقف النقاد العرب القدامي يتمثل في تمييزهم بين الثقافة الرسمية والثقافة الشعبية، بحيث تشير الأولى إلى قصص الخواص الصادرة عن الفقهاء والعلماء وأصحاب السلطة الدينية/ السياسية، بينما تتضمن الثقافة الشعبية قصص العوام من مفتقدي المعرفة الفقهية وغيرها. يمكن الرجوع إلى: ألفت الروبي، الموقف من القص في تراثنا النقدي (القاهرة: مركز البحوث العربي، ١٩٩١)، ص۹۸ وما يليها.

  12. عبد الحميد يونس، الحكاية الشعبية، (القاهرة: الهيئة العامة لقصور الثقافة، مایو ۱۹۹۷)، ص۱۹.

  13. تشير نبيلة إبراهيم في كتابها أشكال التعبير في الأدب الشعبي (القاهرة: دار نهضة مصر، ١٩٧٤) إلى أن سمات الحكاية الشعبية تتمثل في الارتكاز على الواقع الذي يعيشه الشعبمن ناحية والتعبير عن وجهة نظره تجاه حوادث عصره” (ص١١٣). ولعل ذلك ينطبق على السير الشعبية وأشكال أخرى من الإبداع الشعبي الذي يعكس أبعاد الزمان والمكان المحدد والمرتبط بأحداث وشخصيات تاريخية معينة، إلا أنه يصعب تطبيقه على الحكايات الشعبية كالحكاية الخيالية والأسطورية وغيرها من الحكايات الأقرب بطبيعتها إلى التجريد والتي تخلو من إشارات إلى زمان ومكان بعينه وشخصيات تاريخية معروفة أو محددة.

  14. عبد الحميد يونس، الحكاية الشعبية، سبق ذكره، ص۲۰.

  15. غراء مهنا، أدب الحكاية الشعبية، (القاهرة، دار النشر المصرية العالمية لونجمان، ۱۹۹۷)، ص۱۷.

  16. المصدر السابق، ص21.

  17. صفوت کمال، سبق ذكره، ص۳۸.

  18. ترجمه إلى العربية حسن البنا عز الدين، الشفاهية والكتابية، ع ١٨٢، سلسلة عالم المعرفة، (الكويت: فبراير ١٩٩٤)، عن كتاب:

Walter J. Ong, Orality and Literacy The Technologizing of the Word (London and New York: Methuen, 1982).

  1. والتر أونج، ص١٤٠؛ غراء مهنا، ص۱۰؛ سبق ذكرهما.

  2. Ferial Jabouri Ghazoul, Nocturnal Poetics: the Arabian Nights in Comparative Context, (Cairo: AUC Press, 1996), p. 9.

  3. المصدر السابق، ص ٤٥.

  4. تشیر سهير القلماوي إلى التعديلات التي تمت على حكايات الف ليلة وليلة على أيدي المترجمين الأوروبيين الذين قاموا بها لتناسب الذوق والعقلية الأوروبية، الف ليلة وليلة، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، ۱۹۹۷)، ص ١٩ وما بعدها.

  5. (۲) هشام عبد العزيز وعادل عبد الحميد في مقدمة كتاب ألف ليلة وليلة بالعامية المصرية: ليالي الحب والعشق، (القاهرة: دار الخيال، ۱۹۹۷)، ص١٦١٨.

  6. على سبيل المثال: نجيب سرور وطاهر أبوفاشا وفاروق خورشيد وسامح مهران وغيرهم.

  7. أبرز كتاب أدب الأطفال في مصر: كامل الكيلاني وعبد التواب يوسف ويعقوب الشاروني وإسماعيل النقيب.

  8. المرأة والذاكرة: مقابلة مع هدى الصده، ص ۲۱۷۲۱۸

  9. قامت فاطمة قنديل بكتابة نص بعنوان الليلة الثانية بعد الألفعرض مسرحيا منذ عدة سنوات، إلا أنه غير متوفر ولم يتم نشره في صورة كتاب.

  10. الرجاء الرجوع إلى تعريف الجندر كما ورد في ص 7- 8.

  11. سهير القلماوي، سبق ذكره، ص٣۰۲٣٢٥.

  12. غراء مهنا، سبق ذكره، ص۱۰۸۱۱۰ .

  13. ورقة بحث القتها سحر الموجي يوم الثلاثاء 10 نوفمبر ١۹۹۸ في مؤتمر المرأة العربية والثقافة في مطالع الألفية الثالثة، (أندية الفتيات بالشارقة في الفترة 7- 11 نوفمبر ١٩٩٨)، كما تقوم هالة سامي بإعداد رسالة دكتوراه حول تأثير الحكايات الخيالية على الأدب المعاصر، (قسم اللغة الإنجليزية، كلية الآداب، جامعة القاهرة).

  14. Jack Zipes, Breaking the Magic Spell: Radical Theories of Folk & Fairy Tales. (NY: Routledge. 1992; e. 1979). p. 2.

  15. المصدر السابق، من١٥.

  16. Alison Lurie, The Oxford Book of Modern Fairy Tales, (Oxford Uni- versity Press, 1994; c.1993).

  17. Snow White, Blood Red (1993); Black Thorn, White Rose (1994): Ruby Slippers, Golden Tears (1997).

  18. “White as Snow: Fairy Tales and Fantasy” in Snow White, Blood Red (N.Y.: Avon Books, 1993), pp.1-14.

  19. للمزيد يمكن الرجوع إلى المصدر السابق، ص 5 وما يليها.

  20. Black Thorn, White Rose (N.Y.: Avon Books, 1994). pp. 1-6

  21. تشير مقدمة كتاب Ruby Slippers, Golden Tears إلى أن النصوص الواردة في الكتاب تجمع ما بين كونها حكايات خيالية أدبية ” (literary fairy tales) وحكايات خيالية للكبار” (adult fairy tales)، ص 1 وما يليها.

  22. قامت أنجيلا كارتر كذلك بتحرير كتاب يتبني منظورا نسائيا ويشتمل على مجموعة قصص قصيرة لكاتبات من مختلف أرجاء العالم تقدم نماذج لشخصيات نسائية مغامرة ومتمردة وثائرة، رافضة للأدوار التقليدية التي يفرضها المجتمع على المرأة بصفتها امرأة“.:Angela Canter (ed.). Wayward Girls & Wicked Women An Anthology of Stories (London: Virago Press, 1986).

  23. والجدير بالذكر أن الكتابان صادران في لندن عن دار النشر النسائية فيراجو“:

Angela Carter (ed.), The Virago Book of Fairy Tales (Virago Press, 1991( The Second Virage Book of Fairy Tales (Virago Press, 1992).

  1. للمزيد حول أسلوب باربرا ووكر في كتابة حكايات نسائية من وحي الحكايات الشعبية والخيالية، يمكن الرجوع إلى ورقة قيد النشر تم تقديمها في مؤتمر عقد بالقاهرة في مارس 1998:

  2. Hala Kamal, “Feminising Aladdin: The Interplay of Gender and Culture in Re/Writing the Text” in The Arabs and Britain: Changes and Exchanges (Cairo: The British Council, forthcoming(

  3. تتناول المؤلفة قضية إسكات صوت المرأة في الفصل الثاني من كتابها:

Dale Spender, Man Made Language (Routledge & Kegan Paul, 1980).

  1. رشيدة بنمسعود، المرأة والكتابة: سؤال الخصوصية/بلاغة الاختلاف، (الدار البيضاء: أفريقيا الشرق، ١٩٩٤)، ص٨٣٨٤.

  2. عبد الله الغذامي، المرأة واللغة، (الدار البيضاء وبيروت: المركز الثقافي العربي، ۱۹۹۷: ما: ١٩٩٦)، ص8.

  3. Mary Jacobus. “The Difference of Voice”, Reading Woman: Essays in Feminist Criticism, (N.Y.: Columbia UP. 1986), pp. 27-40.

  4. المصدر السابق، ص۲۹۳۰.

  5. يستخدم مفهوم إعادة الكتابة rewriting للإشارة إلى المعالجات التي تتم بصورة واعية ومقصودة لنصوص معروفة في سبيل التعبير عن فلسفة أو رؤية مختلفة.

  6. للمزيد حول دور تأثر النص برؤية الراوي الذاتية وطبيعة المتلقين، يمكن الرجوع إلى Jack Zipes، سبق ذكره، ص١٢ وما يليها.

  7. Marina Warner, From the Beast to the Blonde: on Fairy Tales and Their Tellers. (London: Chatto& Windus. 1994), p. Xix.

  8. شوقي عبدالحكيم، الأميرة ذات الهمة، (القاهرة:الدار المصرية اللبنانية، ١٩٩٤).

  9. Alison Lurie, The Oxford Book of Modern Fairy Tales، سبق ذكره.

  10. Roberta Seelinger Trites. Waking Sleeping Beauty: Feminist Voices in Children’s Novels (University of lowa Press, 1997(

  11. المصدر السابق، ص١٠ وما يليها.

  12. المصدر السابق، ص٦٣ وما يليها.

  13. وهو ما تطلق عليه المؤلفة مصطلح Feminist Kunstlerroman موازيا لمفهوم Bildungsroman. المصدر السابق، ص٦٣

  14. (3) المصدر السابق، ص٢٦ وما يليها.

  15. المصدر السابق، ص 47 وما يليها.

  16. المصدر السابق، ص١٠٠ وما يليها.

  17. المصدر السابق، ص١١١ وما يليها.

  18. Regina Barecca. They Used to Call Me Snow White… But I Drifted (Penguin Books. 1992; c.1991(

  19. بل وتضيف المؤلفة أنه قد جرى العرف على الادعاء بأن المرأة تفتقد إلى روح الدعابة ولا تتمتع بحس فكاهي، وترجع المؤلفة ذلك إلى أن جعل المرأة موضوعا الضحك من وعلى أنفسهن بينما يضج صاحب للفكاهة يدعو بعض النساء إلى عدم الدعابة الرجلبالضحك، المصدر السابق، ص7 وما يليها.

  20. J.A. Cuddon. A Dictionary of Literary Terms (N.Y.: Doubleday & Co.. 1976), p.483.

  21. المصدر السابق، ص۲۳۸۳۳۹.

  22. جرجس شكري، صور من الهامش في مجلة أدب ونقد، العدد ١٦٤، ص ۱۲۹، (القاهرة، إبريل ١٩٩٩).

۱) ابن منظور، لسان العرب، ج۲، (القاهرة: دار المعارف، د.ت.)، ص٩٥٤.

۲) أحمد علي مرسي، مقدمة في الفولكلور، (القاهرة: عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، ١٩٩٥).

3) ألف: مجلة البلاغة المقارنة، المرأة والذاكرة: مقابلة مع هدى الصده، ع 19، الجنوسة والمعرفة: صياغة المعارف بين التأنيث والتذكير (القاهرة: الجامعة الأمريكية

بالقاهرة، ١٩٩٩).

4) ألف ليلة وليلة، إعداد: رشدي صالح، الجزء ۱۲، (القاهرة: دار الشعب، ١٩٦٩).

5) ألف ليلة وليلة، مقابلة وتصحيح: الشيخ محمد قطة العدوي، (بیروت: دار صادر، د.ت.).

6) ألفت الروبي، الموقف من القص في تراثنا النقدي، (القاهرة: مركز البحوث العربي، ١٩٩١).

7) ألكزاندر هجرتي كراب، علم الفولكلور، ترجمة رشدي صالح، (القاهرة: دار الكاتب العربي، ١٩٦٨).

۸) جرجس شكري، صور من الهامشفي مجلة أدب ونقد، العدد 164، ص۱۲۸ ۱۳۰، (القاهرة، إبريل ١٩٩٩).

۹) حسن سعيد الكرمي، المنار: قاموس إنكليزيعربي، (لونغمان: مكتبة لبنان، ۱۹۷۰).

۱۰) رشيدة بنمسعود، المرأة والكتابة: سؤال الخصوصية/بلاغة الاختلاف، (الدار البيضاء: أفريقيا الشرق، ١٩٩٤).

۱۱) سحر الموجي، اختراق دائرة النمط المغلقة: دراسة تطبيقية لإعادة كتابة الحكاية الشعبية ورقة بحث القيت في مؤتمر المرأة العربية والثقافة في مطالع الألفية الثالثة، (أندية الفتيات بالشارقة في الفترة 7-11 نوفمبر ۱۹۹۸).
۱۲) سهير القلماوي، الف ليلة وليلة، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب،1997).
۱۳) شوقي عبد الحكيم، الأميرة ذات الهمة، (القاهرة: الدار المصرية اللبنانية. ١٩٩٤).
١٤) صالح ابومسلم إبراهيم سليمان، الحكايات الشعبية في ريف محافظة الشرقية. بحث دبلوم الفنون الشعبية، المعهد العالي للفنون الشعبية، أكاديمية الفنون، القاهرة، ۱۹۹۲.

١٥) صفوت كمال، الحكايات الشعبية الكويتية، دراسة مقارنة، (الكويت: وزارة الإعلام، ١٩٨٤).

16) عبد الحميد يونس، الحكاية الشعبية، سلسلة مكتبة الدراسات الشعبية، ١٧٤. (القاهرة: الهيئة العامة لقصور الثقافة، مايو ١٩٩٧).

17) —- معجم الفولكلور، (بيروت: مكتبة لبنان، ۱۹۸۳).

۱۸) عبد الله الغذامي، المرأة واللغة، (الدار البيضاء وبيروت: المركز الثقافي العربي ۱۹۹۷)، ط 1: ١٩٩٦.

۱۹) غراء مهنا، أدب الحكاية الشعبية، (القاهرة: الشركة المصرية العالمية للنشر

لونجمان، ۱۹۹۷).

۲۰) فتوح أحمد فرج، القصص الشعبي في الدقهلية، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، ١٩٧٥).

۲۱) قاسم عبده قاسم، بين التاريخ والفولكلور، سلسلة مكتبة الدراسات الشعبية ١٣٤، (القاهرة: الهيئة العامة لقصور الثقافة، يناير ۱۹۹۷)، ط۱: ۱۹۹۳.
۲۲) مجلة الفنون الشعبية، الأعداد ٣٩/٣٨، ٤٦، ٤٩، ٥١، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب).

٢٣) نبيلة إبراهيم، أشكال التعبير في الأدب الشعبي، (القاهرة: دار نهضة مصر 1974).

٢٤) هبة الخولي، علام البنت كنز: آليات التفاوض بين الجنسينفي هاجر: كتاب المرأة، ع 5-6، (القاهرة: دار نصوص، ۱۹۹۸).

٢٥) هشام عبد العزيز وعادل عبد الحميد، ألف ليلة وليلة بالعامية المصرية: ليالي الحب والعشق، (القاهرة: دار الخيال، ۱۹۹۷).

٢٦) والترج. أونج، الشفاهية والكتابية، ترجمة حسن البنا عز الدين، سلسلة عالم المعرفة، ١٨٢٤، (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، فبراير ١٩٩٤).

1)Barecca . Regina. They Used to Call Me Snow White …But I Drifted (Penguin Books, 1992; c. 1991).

2) Certer , Angela (ed ). The Second Virago Book of Fairy Tales (Virago Press, 1992).

3) ………… The Virago Book of Tales (Virago Press, 1991).

4) ………… wayward girls & Wicked Women: An An-thology of stories (London: Virago Press. 1986 ) .

5) Cuddon , J. A. A Dictionary of Literary terms (N. Y.: Doubleday & Co., 1976).

6) Daltow, Ellen and terri Windling (eds.). Snow White, Blood Red (N. y.: Avon books, 1993).

7) ………… Black Thorn, White rose (N .Y.: avon Books, 1994).

8) ……….. Ruby Slippers, Golden Tears (N. Y. : Avon Books , 1997 ) .

9) Ghazoul , Ferial Jabouri . Nocturnal Poetics: the Arabian Nights in comparative Context (Cairo: AUC Press , 1996 ).

10) Jacobus, Mary . “The Difference of Voice in Reading Women: Essays in Feminist Criticism ( N .Y .: Columbia UP , 1986) .

11) Kamal , Hala . “ Feminising Aladdin : The Inteplay of Gender and Culture in Re/Writing the Aladdin : The Arabs and Britain : Changfe –es and Exchanges ( Cairo : The British Council , forthcoming ) .

12) Lurie , Alison . the Oxford Book of Modern Fairy Tales (oxford University Press, 1994 ; c . 1993 ) .

13) Spender , Dale . Man Made Language ( Routledge & Kegan Paul . 1980 ) .

14) trites , Roberta Seeinger . Waking Sleeping Beauty: feminist Voices in children’s Novels ( University of Lowa Press . 1997 ).

15) Walker, Barbara g . Feminist Fairy tales ( Harper SanFrancisco , 1997; c. 1996 ) .

16) Warner, Maina . From the Beast toi the Blonde : on fairy Tales and Their . ( Landon : Chatto & Windus , 1994 ).

17) Zipes, Jack . Breaking the Magic Spell: Radical Theories of Folk & Fairy Tales ( NY : Routledge , 1992 : c. 1979 ) .

حكاية ألف ليلة وليلة*

هاله كمال

كنت وأنا أقرأ ألف ليلة وليلة أتعجب من بعض ما فيها من تناقضات وأعجب أن ترد بعض حكاياتها على لسان امرأة هي شهرزاد. فما كان مني إلا أن بدأت أقرأ ألف ليلة وليلة فيما بين السطور سعيا إلى التعرف على ما هو خفي مخفي من حكايات شهرزاد.

قالت لی شهرزاد:

وفي الليلة الحادية بعد الألف يذكر كتاب ألف ليلة وليلة أن الملك شهريار أتى بالمؤرخين والنساخ وأمرهم أن يكتبوا جميع ما جرى له معى من أوله إلى آخره، فكتبوا ذلك وسموها سيرة ألف ليلة وليلة.

فسألت شهرزاد عن مصير تلك السيرة وهل هي تلك التي بين أيدينا في هذا الزمان، فأجابتني أن الكتاب كان شهريار قد حفظه في خزانته بقصره إلى أن جاء هادم اللذات ومفرق الجماعات، فلما تساءلت عن أصل كتاب ألف ليلة وليلة أجابتني شهرزاد قائلة:

طبقاً لما هو مذكور هنا وما هو شائع بين الناس أن ملكاً أديباً في حكم البلاد بعد شهريار بالمئات من السنوات، وكان محباً لأخبار الملوك والسلاطين، فوجد تلك السيرة القديمة فتعجب مما قرأه فيها من حديث وحكايات، فأمر الناس أن يكتبوها وينشروها في جميع الأقاليم والبلاد، فشاع ذكرها وسموها عجائب وغرائب ألف ليلة وليلة.

وعندها لم أتمالك نفسي وسألت شهرزاد متعجبة: وهل انت بالفعل صاحبة كل الحكايات الواردة في ألف ليلة وليلة مع ما تحمله من تصوير لأدوار النساء؟

ورأيت في عيني شهرزاد ابتسامة وهي ترد على قائلة:

إن حقيقة الأمر يا عزيزتي هي أن سيرة ألف ليلة وليلة التي بين يديك والشائعة بين الناس ليست سوى مجموعة الحكايات التي أخذ شهريار يرويها بعدما تعلم منى فنون الحكى وقص الأخبار، فكان يعيد بعض حكاياتي على مسامع شاهان وشيرين ونورهان بعد تعديلها بما يتلاءم مع وجهة نظره ورأيه فيما يرويه.

فسألتها على الفور: وماذا عن حكاياتك انت یا شهرزاد؟ فقالت شهرزاد:

أما حكاياتي أنا فلم يدونها أحد وإنما حفظتها دنيا زاد التي كانت تختبئ كل ليلة في ركن من أركان الحجرة تنصت باهتمام ثم تعيدها على مسامع الأطفال وقد سمعتها مرارا شيرين ونورهان ثم تم تواترها شفاهة عبر الأزمان.

وهكذا أمكنني التعرف على عناصر من حكايات شهرزاد الدفينة في بعض شخصيات كتاب ألف ليلة وليلة وكذلك في الحكايات الشفاهية التي تتناقلها ذاكرة البشر، ولكن ما إن تدونها أقلام المؤرخين والنساخ حتى تتبدل معالمها وتتنوع تفاصيلها.

وقد أوحت لي شهرزاد أن سعادتها بالغة لعدم تدوين حكاياتها، لأنها بذلك تتحرر من الحدود والقيود وتظل مصدر خيال ووحي لكل فكر لماح وروح حساسة تتحدى الإطار وتنفذ إلى الأعماق، فتتحول حكاية شهرزاد إلى حكاية تعبر عن كل امرأة وفتاة، كما تمثل الحكايات التي تخلقها ظروف الأزمنة والأمكنة الجديدة والمتنوعة امتداداً لحكاياتها، فتظل حكايات شهرزاد تنبض بالحياة عبر العصور والنصوص والأجيال.

* من وحي كتاب ألف ليلة وليلة، إعداد: رشدى صالح، الجزء ٢، (القاهرة: دار الشعب، ١٩٦٩)، ص ١٥٤٢، ١٥٤٣.

حكاية ملك شهريار وأخيه

في روايةٍ أخرى لم تنشر من قبل*

سمية رمضان

قد حكى والله أعلم بغيبه وأعز وأكرم وألطف وأرحم أن ملكاً من ملوك بني ساسان بجزائر الهند والصين في قديم الزمان وسالف العصر والأوان كان له ولدان الأكبر واسمه شهريار والثاني وكان اسمه شاه زمان، وكان كلاهما فارساً بطلاً وكان كل منهما يحكم مملكة عظيمة من الممالك التي اغتصبها واستعمرها أبوهما، ولكنهما والعهدة على الراوي الأصيل، كانت لهما زوجتان خبيثتان خائنتان. وكانت بالطبع صدمة عنيفة لهما عندما تأكدا بشكل قاطع من خيانة زوجتيهما ولكنهما سريعاً ما وجدا العزاء في ازدواج الخيانة وراحا يواسي أحدهما الآخر بما أن الأمر أصابهما هما الاثنين، ولكن بعد حين فقد ذلك الاشتراك في الفم قدرته على تغذية الشفقة على أحوالهما ولم يعد يكفيهما أن يتبادلا كلمات الحسرة على هناء العيش الذي لا يكتمل. كما هداهما حديثهما المتصل عن الخيانة إلى نتيجة مؤداها أن خيانة زوجتيهما لا تعنى أن النساء جميعاً خائنات، ولكنهما وعلى نفس غرار الطريقة الموضوعية العلمية في التفكير تشككا في قدرة أية امرأة على الوفاء أيما كانت الظروف. فهما مثال على الرجال اللذين اجتمعت لهم الدنيا وكل عطاياها، السلطان والمال والقوة والأصل النبيل، وإن لم تكن تلك هي الأمور التي تقدرها النساء كل تقدير فما بال من لم يكن نصيبه منها سوى النذر والقليل؟ فكان أن قررا الرحيل لتدارس أحوال النساء في باقى الأمصار والبلدان وأسعفهما القدر سريعاً بتجربة ما كانا يحلمان بها وما لبثا بعدها أن تأكدا تماماً أن العيب، كما توقعا سلفاً، إنما هو في جنس النساء الذي لا يؤمن شره وإن قيد وسلسل وحبس في قاع البحر.

كانا قد أدركهما التعب بعد ترحال يوم واحد فجلسا بجانب شاطئ البحر في ظل شجرة سامقة، فإذا البحر يخرج منه عامود دخان رهيب يستوى بعده في هيئة جنى عظيم الجثة قدماه في البحر ورأسه في السماء، فخافا وارتعدا وأسرعا بالصعود إلى أعلى الشجرة وراحا يراقبان الجنى الذي خرج من البحر وتمدد أسفل الشجرة وبعد قليل أخرج من جيبه صندوقاً فتحه فإذا بداخله علبة فتحها، فخرجت منها فتاة يبدو على ملامحها التمرد والغضب وكانت مسلسلة اليدين والقدمين. أخذ الجني يفك أغلالها ثم طلب منها أن تجلس ليريح رأسه في حجرها وأطاعت الفتاة. وبعد قليل راح الجني يغط في نوم عميق فأزاحت الفتاة رأسه ولمحت في حركتها الملكين شهريار وأخاه شاه زمان، وأخذت تترجاهما أن يخلصاها من الجني الذي كان قد يوم اختطفها عرسها ولكنهما راحا ينظران الواحد إلى الآخر، فلما رأت ترددهما أخرجت لهما سلسلة رأيا فيها خمسمائة وسبعين خاتما وسألاها عن معنى إشارتها فقالت:

هذا هو عدد الرجال الذين طالبوا بجسدي في سبيل مساعدتي.

وأنلتهم مرادهم؟ سألها شهريار في تهكم.

قالت الفتاة:

لو صدقت ما ترويه عنى الحكايات.

وماذا تروى عنك الحكايات يا جميلة؟ قال شاه زمان.

فردت الفتاة في حسرة:

تقول الحكاية إنى كنت أغافل الجني وأراود كل من يمر بي عن نفسه وأهددهم أنهم لو لم يفعلوا معى الفاحشة أيقظت الجنى فكانوا يفعلون، بعدها أطالبهم بخاتم احتفظ به للذكرى.

يبدو أن الحكاية لم تكذب، قال شهريار وعيناه تتفحصان جسدها النحيل.

فراحت الفتاة تتحسس فتحة ثوبها عند الرقبة لتتأكد أنه لا يبين شيئاً ثم أجابت في نبرة وقورة وإن كان علق بها الأسى:

أنا لست في وضع يسمح بالدفاع عن نفسي ضد الحكاية فهي تكذيبها بعد كل قديمة قدم الأزل وقد انتشرت على نحو يصعب معه هذه السنين، ثم أضافت في كبرياء:

ماذا قلتما؟ تنقذائي ارجع لأهلي وعشيرتي، فلو أنني حاولت الهرب وحدى كما حاولت من قبل سوف يلحق بي الجني في غمضة عين، فليس لي فرس مثل فرسييكما هذين.

وأشارت إلى الحصانين الأسيلين الذين راحا يتمشبان على مهلٍ بحذا الشاطئ ولما لم تجئها إجابة كاد ينفلت منها الأمل فقالت دون تفكير:

ليس معى زاد ولا أملك درهماً ينفعني.

ولكنها فوجئت بالأخوين اللذين كانا يرتعدان منذ لحظة وقد أخذا يتغامزان، ثم خلع كل واحد منهما خاتمه ورماه في اتجاهها وشرعا في النزول من الشجرة وهما مازالا يتلامزان ويتغامزان عليها، وفهمت المسكينة مرادهما فراحت تؤتى بأصوات وحركات توقظ بها الجنى فجرى الملكان ووثبا على حصائيهما وأسرعا بالفرار.

بعد رحلة قصيرة وصلا مدينة تحيط بها الحقول من كل جانب وسألا فدلهما أهلها على الخان. ربطا الفرسين وحملا أمتعتهما وصعدا إلى غرفتهما يزيلان عن جسديهما المتعبين عناء السفر. ولما استوفيا حقهما من الراحة نزلا الحانة وكان المساء قد حل وكان الرجال يتبارون في سرد الحكايا. كانت الخمر تلعب برأس شاه زمان وتأهل خياله للحكي فدخل عباب المباراة وبادر القوم بقوله:

انا أحكي لكم حكاية لم تسمعوا مثلها قط ثم أنها ليست مثل الحكايا التي يختلفها أصحابها، بل هي حكاية صحيحة حدث كل ما سأرويه لكم بالحرف ويشهد على أخي هذا.

وأشار إلى شهريار الذي بدا عليه أنه لا يرى غضاضة في أن يحكى أخوه حكاية على جمع كهذا بما أن أحداً من الموجودين لم يكن ليعرف صفتهما الحقيقية وإن كان وجل بعض الشيء من أن يحكى شاه زمان قصة خيانة زوجته له مع العبد، لكن خوفه سرعان ما تبدد عندما بدأ شاه زمان في قص حكاية الفتاة والجني.

قال شاه زمان:

وإذا بجني طويل القامة عريض المهامة واسع الصدر وعلى رأسه صندوق أخرج منه علبة ثم فتحها فخرجت منها صبية بقامة هيفاء كأنها شمس مضية كما قال الشاعر عطية:

أشرقت في الدجي فلاح النهار……..وأنارت من فوقها الأشجار

قال ذلك ونظر إلى أخيه متوجساً من مقاطعته فقد كان شاه زمان يعلم أنه مبالغ بعض الشيء، فالفتاة كما سبق كانت لها ملامح قوية كان هو ذاته قد علق عليها وهما يتغامزان بأنها أشبه إلى غلام على وشك أن يفقد أنثوية ملامحه. ولما لم يعلق شهريار اطمان شاه زمان وراح يكمل الحكاية، قال:

كانت في منتهى الصراحة والوضوح، تقدمت منا وحكت لنا حكايتها مع العفريت الذي قالت إنه اختطفها في ليلة عرسها وأنها تنتقم منه كل يوم عندما يغفو فتدعو أيا كان أن يضاجعها على قرب منه ثم تطلب من صاحب يومها خاتماً تضمه إلى سلسلة أصبح لها منها ألف وخمسمائة خاتماً حتى الآن.

ما أن فرغ شاه زمان من وصفه الدقيق لكل عضو من أعضاء المرأة ما خفى وما وضح وكيف أسكرها بعنفوان فحولته وكيف كانت تطلب المزيد وكيف رمي لها خاتمه بعد أن انتهى منها وكم حزنت وهي تضم الخاتم إلى سلسلتها، حتى راح شهريار وقد بدأ الخمر يلعب برأسه هو الآخر يستشعر إحساساً مكثفاً بأنه واقع أو كاد على جوهر فلسفة وأسس مبدأ يهديه في حياته ويبدل إحساسه بعبث هذه الحياة ويضفى عليها المعنى والجدوى، فراح ينشد أبياتا وضع في إلقائها كل حسه الجديد بالحكمة، قال:

لا تأمنن على النساء …ولا تثق بعودهن

فرضاهن وسخطهن …معلق بفروجهن

يروين وداً كاذباً …والغدر حشو ثيابهن

بحديث يوسف فاعتبر …ستجده بعض خدوعهن

أو ما ترى لأبيك آدم ……..……خروجه من أجلهن

وهنا علت أصوات القوم حق.. حقو صحیحو أي والله، فطاب له ذلك وامتلأت نفسه زهواً ودفئاً. وكان بين الجمع رجل وقور تبدو عليه المهابة والحنكة يهز رأسه مصدقاً بين الحين والآخر فالتفت إليه أحدهم وسأله:

ما رأيك؟

قال الرجل وكان تاجراً تبدو عليه إمارات الثراء:

رأيي مثلما جاء في حكاية الكلب والديك مع صاحبهما وزوجته. فرد نفر في صوت واحد:

وما حكاية الكلب والديك؟

اعتدل التاجر في جلسته ونظر حوله يتأكد أن الكل يسمع له، فشعر شاه زمان أن الجمع على وشك سماع حكاية أفضل من حكايته لكنه اضطر والظرف كما هو عليه أن يصغر هو الآخر لقوة حضور التاجر ونظر إلى أخيه فوجده شارد الذهن فراح يصفى بلا اهتمام كبير.

بدأ الرجل كلامه في نبرةٍ ممتلئة واثقة وراح يروى قصة قال إنه حضرها في كل تفاصيلها ولم يتبادر إلى ذهن أحد من الحضور أنها قد تكون قصته هو ذاته إلا لشهريار الذي كان لا يرى إلا ما هو شخصی ذاتي فكان لا يستطيع تصور حكاية تدور إلا عن الراوي نفسه، لكنه أصغى على أي حال لعله يجد في كلام الرجل ما يؤكد له مرة أخرى قناعته بفساد جنس النساء في أي ظرف كان. إلا أن بداية الحكاية فاتته لأنه لاحظ أن الساقية التي كانت تقوم على خدمتهم دقيقة القد وبها استدارات بديعة كما أن وجهها كان لطيفاً ينبئ بسهولة القياد. لما أفاق من أحلام يقظته كان الشيخ قد أنهى حكايته وبدأ الجمع يفترق، وكان أخوه بجانبه يثرثر. كان ذهن شهريار مازال شارداً فلم يسمع من كلام أخيه سوى جملة واحدة:

أرأيت يا أخى لسنا وحدنا في هذه المصيبة، لا تدرى امرأة ما العفة حتى عندما تنتفى السبل إلى الرذيلة، فلما بدا لشهريار أن أخاه انتهي من الكلام هب واقفاً وقد عقد عزمه:

سوف أقتلهن جميعاً وابتر الدنس الذي يشعنه في العالم، سوف أخلص الدنيا من دنسها.

كانت الساقية تروح وتجيء بين الطاولات تزيل القوارير الفارغة والكؤوس التي تركها بعضهم على الأرض تنشف ما انسكب على المناضد وتعيد الكراسي إلى أماكنها عندما اعترضها شهريار في طريقه إلى خارج الحانة وبادرها:

هه ما قولك؟ ثم أتى بإشارة من يديه تنبئ بمقصده.

ابتسمت الساقية ابتسامة متعبة وقالت:

ليس لدي وقت لمثل هذا.

فمضى شهريار يتبعه شاه زمان وهما يتلمسان الطريق إلى غرفتهما.

* من وحي كتاب ألف ليلة وليلة، مقابلة وتصحيح الشيخ محمد قطة العدوى، الجزء الأول، (بیروت: دار صادر، د. ت.)، ص ٢ – ٤.

حكاية الفهد في عالم النساء*

سحر الموجى

داليا بسيوني

في الليلة الثالثة والسبعين بعد المائة الخامسة

قالت شهرزاد:

بلغني أيها الملك ذو القوة والجلال وفحولة الرجال أنه كان هناك ملك من الملوك الماضية اسمه الملك الليثله ولد اسمه الأمير فهد“. صوته في قوة الرعد، فيه جلال الفتوة والشباب وجمال الغزال. فلما بلغ الأمير فهدمبلغ الرجال قرر أن أوان الزواج قد حان ليتم نصف دينه وينجب ذرية تعينه وتكون له جيشاً من الأعوان. فخطب له أبوه أفضل ما في الأفق من أميرات. اسمها جميلة، ذات حسن وبهاء، عيونها بلون المراعي الخضراء، شعرها كذهب شمس الصحراء، وجهها كلبن الصباح وشفتاها كالنبيذ المباح.

وكان للأميرة جميلةابن عم قد خطبها من أبيها ولم تكن راضية بزواجها منه، فلما علم ابن عمها حازمبأمر خطبتها من الأمير فهدثارت غيرته وأخذ يفكر في طريقة للانتقام لكرامته، فأرسل إلى وزير الملك الليثهدايا عظيمة وأنفذ إليه أموالا كثيرة وسأله أن يحتال علي قتل الأمير الفهدبمكيدة عظيمة.

فلما وصلت الهدايا إلى الوزير قبلها وأرسل يقول:

طب نفساً وقر عيناً عندى ما تريد. وكان أن أن أوان الزفاف، فحمل الأمير الفهدالجمال بالجواهر والهدايا والمال، وأخذ يفكر لابد أنها أميرة ذات حظ وفير كي يهديها الله زوجاً مثلى لديه الغنى والجمال“. وذهب في صحبته الوزير المحتال، فلما سارا في الصحراء، ترجل الوزير عن جواده ثم قال لأميره:

هل لك أن تروح معى نتفرج على عين ماء في هذا المكان؟

فسارا بين الجبال حتى وصلا إلى عين الماء، فغسل الأمير يديه، وما أن مس الماء شفتيه حتى صار امرأة، فلما شعر بتغير جسمه ورأى ما جرى لحاله، صار يصرخ ويبكى ويندب سوء حظه. وعندما التفت يستنجد بالوزير لم يجد حوله من يجير. أخذ الأمير الفهديتأمل بروز نهديه ونعومة جلده واستدارة ردفيه واختفاء عضوه من بين رجليه. صدمته المصيبة. وكان أن غشي عليه.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الرابعة والسبعين بعد المائة الخامسة

قالت شهرزاد:

بلغني أيها الملك الفحل القلوق، أن الأمير الفهدفتح عينيه عندما شعر بشيء يداعب قدميه، فزع الأمير لرؤية رجل ضخم الجثة، كثيف الشارب يتودد إليه.

قال الرجل:

ماذا تفعلين في ملابس الرجال وانت في الخلاء وحدك يا ذات الحسن والجمال؟ أنا دخانابن ملك الجان، هيا اتبعيني إلى قصرى وسط الحدائق والجنان.

سار الأمير الفهدوراء الرجل في حالة من الذهول، ينظر إلى نفسه كالمهبول. وكان أن بدأ دخان في مداعبة شعر الأمير الفهدفي رقة وحنان، والأمير لا يملك رده كأنه يسير في منام.

وأدخل الأمير الفهدإلى جناح حريم الجان في قصر الأمير دخانتسلمته الجوارى فحممنه بالعطور ودققن على صدره وكتفيه وشم الطيور. شددن حوله بحزام كي يبين الخصر الفتان فتألم من ذلك أشد الآلام، وضغطن على صدره بحزام. فكاد أن يغشى عليه من قلة الهواء النافذ إلى رئتيه.

وبدأت الجواري في تضفير جدائل شعره الليلي العميق، فراح الأمير الفهديصرخ من وجع رأسه وقال:

كفاكم ما أحدثتموه في من قهر وعذاب وأوجاع.

ضحكت الجوارى من سذاجة الجارية الجديدة. وقالت كبيرتهن سلسبيل“:

أيتها الجارية البلهاء. تضفى عليك الجدائل وهذا الرداء المظهر الفتان كي تلتقي بالأمير دخانابن ملك الجان.

وجعلن في إلباسه قلائد كبيرة من الياقوت والمرجان مما أثقل على رقبة الأمير الغلبان. تضاحكت الجواري على الجارية الجديدة وهي تتعثر في طول ذيل الرداء وارتفاع كعب الحذاء.

ولما آن الأوان، استدعيت الجارية هيفاءكما أسماها الأمير دخانفي جلسة من الأنس والخمر والصحاب من أعيان الجان. جرجر الأمير دخان جاريته الجديدة كالشاة، وطاف بها المكان متباهيا بآخر من اقتني من الحسان. وبرقت في عينيه لمعة غرور وكبرياء أمام الصحاب والأقران.

وكان أن رجا الأمير الفهدابن ملك الجان أن يتحدث معه، بعيدًا عن: باقي الخلان. انشرح قلب الأمير دخانوظهرت في عينيه نظرة افتتان، وقال:

هل اشتعلت في جسدك النار فلم يعد يمكنك الانتظار؟!

وكان أن أخبره الأمير الفهدبقصته راثياً حالته وباكياً مصيبته منذ أن فقد رجولته.

وأدرك شهرزاد الصباح فكان لابد أن تسكت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الخامسة والسبعين بعد المائة الخامسة

قالت شهرزاد:

بلغني أيها الملك ذو الفضول العظيم أن الأمير دخانابتسم ابتسامة خبث ودهاء وقال:

لك ما تريدين أيتها الهيفاءبعد أن نقضي سوياً ليلة ليلاء.

انتفض جسد الأمير الفهدعندما تسللت يد دخانداخل الرداء لتعبث بنهديه دون انتظار موافقة منه. وتذكر لحظتها ما كان يأتي به مع جواريه في قصر أبيه، وشعر بالخزى من نفسه ومن سابق فعاله، وكان أن أسرع الأمير الفهدإلى بهو الحريم بعد أخبر الأمير دخانأنه يريد الاستعداد. وهناك استنجد بالجواري. وقال:

انا لا أريده.

ضحكت الجواري وقالت كبيرتهن سلسبيل“:

لا ينتابك قلق ولا يصيبك أرق، لطالما هربنا من رائحة العرق. فلنا طرقنا في الإفلات.

شعر الأمير الفهدبالامتنان عندما ذهبت الجواري إلى الأمير دخانبكؤوس الخمر والمداعبات والكثير من الكلام والحكايا والغناء حتی نام كطير اليمام.

وقضى الأمير الفهدليلته بعد أن راق له البال مع الجواري الحسان وكبيرتهن في ضحك ولعب وغناء. وكان أن أخذ الأمير يتأمل حياة النساء. فرغم ما فيها من آلام، هناك حب ورأفة وهناء، وفكر أنه لأول مرة يشعر بهذه الراحة والتحنان بعد أن انحنى ظهره تحت وطأة السيوف والحراب والتنافس في عالم الرجال.

وفي ثاني أيامه في قصر ابن ملك الجان، أحاطت كبيرة الجواري سلسبيلالأمير الفهدبالأمومة والحنان الغزير عندما علمت منه بقصته، ولم تزل تتأمله مع الجواري في حدائق الجنان. وكان أن شعر الفهدأنه. للمرة الأولى. يرى أخضر الأشجار وألوان الزهور، صفراء وأرجوانية وبيضاء، وأزرق مياه الأنهار.

وكان أن شعر أنه. للمرة الأولى يسمع صوت زقزقات الطيور ورفرفات أجنحتها فوق سماء القصور. وعندما كان يجرى معهن وسط الحقول، شعر كأن لديه جناحين وقلباً نابضا ورثتين من الهواء الطازج الندى يعبان. وفي هذه الحالة من النشوة والجنان، أخذهن الجرى والضحك حتى دمعت من الأمير العينان. وفي هذه الحالة من النشوة والفرح وبهاء الحس والوجدان، شعر الأمير من بين فخذيه بدم يسيح. أسقط في يده ولم يفهم كيف له أن يصير كالانا ء المشروخ منه دم يسيل.

فهمت كبيرة الجواري سلسبيلأزمته ولكى تفك كربته سحبته من يده وفي ماء النهر حممته، وقالت:

أترين هذه البراعم فوق الأشجار لا تلبث أن تتحول إلى فاكهة وثمار. انت أيضاً شجرة حُبلى بالحياة، مثلما يسقط ماء المطر فوق الأرض فيخضر النبات، يسقط منا هذا الدم فتخضر الأرض أولاداً وبنات.

ذهب الهلع عن الأمير الفهدوجرى مع تيار المياه عندما فهم سر الممات والحياة. وبينما هو على هذا الحال لاحظ على جسده تغيراً كان قد ظنه من المحال. ذهب النهدان واستدارة الردفين وعادت الأعضاء. قالت سلسبيل“:

كانت هذه عين الرجال. لم نكن لندعك تعود إلى أول حال قبل أن تدرك وتعى وتفهم فتمنح مفتاح الحياة.

كان أن أحس الأمير الفهدللحظات ببعض الارتباك. لكن عندما هدأ به الحال شمر كانه. الفهد. يحتضن بين جنبيه هيفاء“. وإلى عروسه بدأ يشد الرحال يحدوه الأمل أن تقبل به زوجاً رؤوفاً حنوناً فتورق شجرة الأيام.

* من وحي حكاية الجارية في كيد الرجال” -1، في ألف ليلة وليلة، إعداد: رشدي صالح، الجزء ٢، (القاهرة: دار الشعب، ١٩٦٩)، ص ٨٨٤، ۸۸۷.

عين الحياة *

منى إبراهيم

بلغنى أيها الملك أنه كان لملك من الملوك ولد، ولم يكن له من الأولاد غيره، فلما بلغ الولد أراد أن يزوجه بابنة ملك آخر، وكانت فتاة ذات صيتٍ ذائع لرجاحة عقلها وقوة شخصيتها. وكان لها ابن عم قد خطبها من أبيها ولم تكن راضية بزواجها منه، فلما علم ابن عمها أنها وافقت على مقابلة ابن الملك الذي يريد خطبتها أخذته الغيرة. واتفق أن رأى ابن عم الفتاة أن يرسل الهدايا إلى وزير الملك الذي يريد ابنه الزواج بها، فأرسل إليه هدايا عظيمة، وأنفذ إليه أموالاً كثيرةً، وسأله أن يحتال على قتل ابن الملك بمكيدة تكون سبباً لهلاكه، أو يتلطف به حتى يرجع عن زواج الفتاة، وبعث يقول له:

أيها الوزير لقد حصل عندي من الغيرة على ابنة عمى ما حملني على هذا الأمر.

فلما وصلت الهدايا إلى الوزير قبلها وأرسل إليه يقول:

طب نفساً وقر عيناً فلك عندي كل ما تريد.

ثم أن الملك أبا الفتاة أرسل إلى ابن الملك بالحضور إلى مكانه حتى ترى فيه الفتاة أمراً، فلما وصل الكتاب إلى ابن الملك أذن له أبوه في المسير، وبعث معه الوزير الذي جاءت له الهدايا، وأرسل معهما هدايا ومحامل وخياماً. فسار الوزير وابن الملك وفي ضميره أن يكيده بمكيده، وأضمر في قلبه السوء، فلما صاروا في الضحى تذكر الوزير أن في هذا الجبل عيناً جارية من الماء تعرف بالزهراء، وكل من شرب منها إذا كان رجلا عاد امرأة، فلما تذكر الوزير أنزل المعسكر بالقرب منها وركب الوزير جواده ثم قال لابن الملك:

هل لك أن تروح معى نتفرج على عين ماء في هذا المكان؟

فركب ابن الملك وسار هو ووزير أبيه وليس معهما أحد، وابن الملك لا يدري ما قد جرى له في الغيب، ولم يزالا سائرين حتى وصلا إلى تلك العين، فنزل ابن الملك من فوق جواده وغسل يديه وشرب منها بينما انصرف الوزير ليقضى حاجة له وإذا بالفتى يشعر بقلبه يرق فجأة ويمتلئ بحب الحياة وأخذت نظرته للأشياء تتغير، فرمال الصحراء ذهب يضوى في ضوء الشمس والماء سلاسل من فضة تتلألأ، وتحسس جسده متعجباً من هذا الشعور المفاجئ فأدهشته نعومة جلده الأملس ورقته كما شعر بنشوة عارمة عندما رأى له ما تعود أن يحسد النساء عليه. فرأى جسداً تتنوع تفاصيله من نهدين مرتفعين وخصر نحيل منخفض، ولمعت في ذهنه الحقيقة كشعاع شمس في يوم بارد، لقد عاد امرأة. ولبالغ دهشته وعلى عكس ما كان بوسعه أن يتخيل، لم تزعجه الفكرة بل ملأته بسعادة من اكتشف كنزًا كان يبحث عنه من قديم الزمان. هنا حضر الوزير يصرخ ويولول قائلاً:

ما الذي أصابك؟

فأخبرته الفتاة، التي كانت ولداً، مندهشة لما يبديه من انزعاج أنها قد عادت امرأة، فلما سمع الوزير هذا الكلام توجع وبكى ثم قال:

يعيذك الله تعالى من هذا الأمر، فكيف قد حلت بك هذه المصيبة، وحطت عليك تلك الزرية، ونحن سائرون بفرحة لك حيث تخطب بنت الملك، والآن لا أدرى هل نتوجه إليها أم لا، والرأي لك فما تأمر به؟

هنا تذكرت الفتاة والدها الملك الشرقي ومدى فخره بولده الذي أصبح رجلاً يخطب فتيات الملوك، وبقلبها الجديد الرقيق المليء بالرأفة والتعاطف خشيت على والدها من هول الصدمة فقالت للوزير:

ارجع إلى أبي وأخبره أنك جئت لتطمئنه أنني قد وصلت إلى بيت عروسي وأنني سأقضي معها بعض الوقت حتى أقنعها بأنني جدير بأن أكون زوجاً لها.. ففعل.

ثم أن الوزير أرسل إلى ابن عم الفتاة يبشره بما حصل لابن الملك، فلما وصل إليه الكتاب فرح فرحاً شديداً وطمع في زواج ابنة عمه وأرسل إلى الوزير هدايا عظيمة وأموالاً كثيرة وشكره شكراً زائداً، وأما ابنة الملك، التي كانت ابنه، فقد أقامت على تلك العين مدة ثلاثة أيام بلياليها لا تأكل ولا تشرب من فرط حيرتها فيما أتت به عودتها إلى كونها امرأة من سعادة وبين ما قد يسببه هذا لأبيها من تعاسة، وبينما هي على هذه الحالة من الحيرة في أمرها، سمعت صوت حوافر خيل تقترب وإذا بفارس على رأسه تاج، وهو في صفة أولاد الملوك، فقال لها الفارس:

من أتى بك أيتها الفتاة إلى هنا؟

فأعلمته الفتاة بقصتها وبمشاعرها التي تجمع بين السعادة والتعاسة في نفس الوقت. فلما سمع الفارس هذا الكلام، أبدى تعاطفاً شديداً معها وقال:

إن وزير أبيك هو الذي تسبب لك في كل هذه الحيرة لأن هذه العين لم يعلم بها أحد من البشر إلا رجل واحد. ثم طلب منها الفارس أن تركب معه، فركبت، وقال لها الفارس:

امضى معى إلى منزلي فانت ضيفتي في هذه الليلة.

فقالت الفتاة:

أعلمني من انت حتى أسير معك. فقال:

انا مثلك ابن لأحد الملوك، وأعدك أن أحاول أن أزيل عنك ما انت به من حيرة واضطراب.

فسارت معه الفتاة من أول النهار، ومازالت سائرة معه إلى نصف الليل.

وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فأطفأت المصباح.

وفي الليلة الرابعة والسبعين بعد المائة الخامسة

قالت شهرزاد:

بلغني أيها الملك أن المرأة قالت:

ولم يزل ابن الملك وابنة الملك سائرين إلى أن أصبح الصباح وإذا هم بأرض مخضرة نضرة، ذات أشجار باسقة، وأطيار ناطقة، ورياض فائقة، وقصور رائعة، فنزل ابن الملك عن جواده، وأمر الفتاة بالنزول وأخذ بيدها ودخلا في بعض تلك القصور، فنظرت ابنة الملك إلى ملك عال وسلطان له شأن، فأقامت عنده ذلك اليوم إلى أن أقبل الليل، فقام ابن الملك وركب جواده وركبت ابنة الملك معه، وخرجا تحت الليل مجدين السير إلى أن أتى الصباح، وإذا هما بأرض سوداء، ذات صخور وأحجار سود، كأنها قطعة من جهنم، فقالت ابنة الملك:

ما يقال لهذه الأرض؟

فقال لها:

يقال لها الأرض الدهماء لملك من ملوك الجن اسمه ذو الجناحين، لم يقدر أحد من الملوك أن يسطو عليها ولا يدخلها أحد إلا بإذنه فقفي مكانك حتى نستأذنه. فوقفت الفتاة، ثم غاب عنها ساعة، وعاد إليها وسارا. ولم يزالا سائرين، حتى انتهيا إلى عين تسيل من جبال سود فقال الشاب: انزلی.

فنزلت الفتاة من فوق الجواد، فقال لها:

إذا شربت من هذه العين فستصبحين بقدرة الله تعالى ذكراً، لوقتك وساعتك فانظرى ماذا ترین؟

ففكرت الفتاة ملياً في حال أبيها وما قد يكون فيه من حزن وكمد، وفكرت في العالم الجديد السعيد الذي تفتح أمامها ثم قالت بصوت ضعيف:

سأشرب من العين، سأضحى بسعادتي من أجل ابي ويكفيني ما تعرفت عليه من مشاعر السعادة التي حصلت عليها في الأيام الماضية. وأظن أنه يمكنني الآن أن أستعيد نفس المشاعر حتى عند عودتي لذكورتي، ثم اغرورقت عيناها بالدموع.

وأقبلت على العين فشربت وعادت لوقتها وساعتها ذكراً بقدرة الله تعالى، وهنا خلع الفارس غطاء رأسه وظهرت فتاة في كامل بهائها ذات عيون تبرق بذكاء وابتسامة تنم عن قلب تملؤه الطيبة والحنان، وكشفت عن شخصيتها فإذا هي ابنة الملك الذي كان ذاهباً لخطبتها خرجت على جوادها لتتعرف على القادم من بلاده البعيدة لخطبتها وترده إلى بلاده إن لم يرق لها كما فعلت مع سابقيه، حتى لا تتعرض لضغط أبويها اللذين يكادان يموتان كمداً وحسرة عند رفضها لخاطب من خطابها، حيث يشغل ذهنهما عكوفها عن الزواج. وهنا أقبل عليها الشاب قائلاً:

قد جئت إليك خاطباً ولم أكن قد رأيتك، أما الآن فإن جل أماني أن تقبلي الزواج منى، فالشيء الوحيد الذي يعوضني مشاعر السعادة التي غمرتني وأنا امرأة هي أن أتزوج بامرأة يبدو في عينيها كل هذا الدفء والحب، فهل تقبلينني زوجاً لك؟ فابتسمت الفتاة قائلة:

نعم، وأتمنى الزواج بك، فقد كنت أخشى الزواج من رجل غليظ القلب، بليد الحس ممن تعرفت عليهم من قبل، أما انت فقد مررت بتجربة أضافت إليك كل ما أتمناه في رجل.

* من وحي حكاية الجارية في كيد الرجال” – ۱، سبق ذكره.

الصورة *

رانيا عبد الرحمن

قالت شهرزاد:

بلغنى أيها الملك السعيد أنه كان هناك رجل صائغ مولعاً بالتصوير وشرب الخمر، دخل يوماً من الأيام عند صديق له فرأى على حائط صورة جارية منقوشة لم ير الراءون أحسن ولا أجمل منها فأكثر الصائغ النظر إليها وتعجب من حسنها. أخذ يسأل عن تلك الصورة ومن صورها حتى عرف أنها صورة صورت على شكل جارية لبعض الوزراء وأنها بمدينة كشمير بإقليم الهند، فدعا الصائغ ربه أرجوك يا رب مدني بالحياة وأعنى على السفر لبلاد الهند، وكان هو ببلاد الفرس.

وقد وصل الصائغ بعد جهد جهيد إلى بلاد تغطى أراضيها أعشاب خضراء لم ير في خضارها، وتتلألأ مياه أنهارها الفضية الناعمة تحت أشعة شمس من ذهب لم يقع بصره على أسحر منها، وتتخلل المساحات الخضراء زهور ذهبية فضية حمراء صفراء بيضاء زرقاء بديعة، فريدة اللون والرائحة والملمس، أسرته الروائح والألوان التي بدت وكأنها تفوح وتزهر حتى في باطن الأرض. تعجب لهذا الجمال الغامرأينما يذهب بصره تقابله فاكهة روعتها روعة الورد وورد لذته لذة الفاكهة وزرع ملمسه ملمس مياه فضية ناعمة.

بلغني أيها الملك السعيد أن الصائغ عندما دخل تلك المدينة أخذ يفتش عن قصر الوزير الذي يمتلك الجارية فلما وجده، ذهب الصائغ ذات ليلة وعلق في قصر الوزير سلماً ثم طلع إلى أعلى القصر، فلما وصل إليه نزل إلى ساحته، فرأى جميع الجواري نائمات كل واحدة على سريرها، وكل سرير من المرمر. وكل جارية كأنها جمعت ذهبية شمس هذه البلاد، عذوبة وفضية ونعومة مياه أنهارها، بريق أغصانها، بهجة ألوان وردها، وزكاء رائحة فاكهتها.. صوت أنفاسهن كأنه تفريد رقيق يبعث الطمأنينة في النفوس.. أخذ في تفحص كل واحدة لكي يجد جاريته.. صورته.. حبيبته المنشودة، ولكنه يئس فكلهن متشابهات.. قال في نبرة مرتعشة متوترة:

كلهن صورتي! كلهن جاريتي.. صورتي التي لم ير الراءون أحسن ولا أجمل ولا أظرف منها!

لقد تخيل أن الإرادة الإلهية ستعضده! ألم ير في المنام أن صورته هي وحدها النائمة على سرير من المرمر، هي وحدها التي يكسوها ستر من ذهب، هي وحدها التي على رأسها شمعة وعند رجليها شمعة، كل شمعة منهما في شمعدان من الذهب الوهاج؟!

وخرَّ الصائغ على الأرض في ساحة القصر من هول الصدمة، ثم قرر أن يعدل في خطته حيث كان ينوي أن يجرح صورته بسكين في ذراعها فيميزها عن غيرها، ثم يزعم لملك هذه البلاد أنها ساحرة كان يتعارك معها فأصابها أثناء الشجار، فيلقيها الملك خارج البلاد، فيتحين الصائغ الفرصة ويأخذها معه.

ولكن بما أنه عجز عن تمييز واحدة فيهن، فكلهن واحدة، قرر أن يأخذ أية واحدة منهن وكيف تمانع وهو الذي جاهد كل هذا الجهاد من أجل جمال صورتها؟! اقترب من واحدة وهم بأن يعلمها بشروعه في أخذها معه إلى بلاد فارس. لمسها كي يوقظها فإذا به يجد محاصراً بباقى الجاريات اللاتي قمن من نومهن بمجرد أن لمس نفسه واحدة منهن.

من أنت؟“.. “لم انت هنا؟سألن كلهن في آن واحد، أحس برهبة في حضورهن ذكرته برهبة شمس وزرع وورد ومياه هذه البلاد.. أراد أن يغازلهن، يحتضنهن، يقبلهن أو حتى أن يلمس ذيل قمصانهن الفضية ولكنه أحسن بهيبة شديدة تجاههن أجبرته على الإجابة. فحكي لهن حكايته، فأشرن كلهن إلى واحدة منهن على أنها هي الصورة التي يبحث عنها وعندما سألته عن سبب كل هذه المشقة التي تحملها من أجلها قال لها إن صورتها لم ير الراءون أحسن ولا أجمل ولا أظرف منها“.

إذن فحسني هو الذي دفعك إلى المجيء. انا لست التي تبحث عنها.

ولكن انت هي.

– “إنها صورتي فقط ليست نفسى.. إقتربفاقترب، إلمسنيفلمسها.

فإذا بالصورة تتلاشى ويرى امرأة قبيحة ولكنها محتضنة طفلاً…. أو رجلاًفي رقة وقوة.. في ثقة وخوف.. في حب وغيرة. ذكرته بصورة العذراء محتضنة المسيح، فبكيلكنه تدارك نفسه وذكر نفسه برجولته: يجب أن يتماسك. صاح في فزع وقد تقهقر في ركن بعيد في الساحة كأنه فأر مذعور: “أنتن جاريات مسحورات.. سحرتكن الساحرة.. شريرة شيطانة.. تسحر جاريات بريئات جميلات.. أضاعت صورتيوأخذ يبكي. عندها أقبلت واحدة منه في رقة شديدة وكان جمالها فائقاً فانفرجت أسارير وجهه:

هل انت صورتی؟

نعم انا هي.

لمسته فرأى ساحرة تنظر في مرآة منعكسة فيها صورة فتاة جميلة.

ما هذا! صرخ في ذهول: من أنتن؟

ضحكن كلهن: ألا تعرف أين أنت؟؟

آه. أراكن الآن حوراً.. حور عين.. إذن انا .. أانا في.. أأبشر؟ هل انا في.. هل اختارني ربي؟

اندفع في لهفة نحوهن باسطاً ذراعيه كأنما سيرتمين كلهن في أحضانه.. تتلألأ دموع السعادة الغامرة في عينيه.. “تعالين يا حبيباتيوهو يهز رأسه في تأثر. ولكنه فوجئ بواحدة منهن تصيح في استنكار: “رجل ساذج، ثم اندفعت في ثورة نحوه وفي عصبية قالت: “ألا تفهم بعد؟ انا أيضاً أنت، وانت أيضاً انا . لكنك اكتفيت بصورتك: محب مغامر

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

* من وحي حكاية الجارية في كيد الرجال” -2، في ألف ليلة وليلة، إعداد: رشدی صالح، الجزء ۲، (القاهرة: دار الشعب، ١٩٦٩)، ص ۸۸۸، ۸۹۱.

حكاية المرأة والصورة *

هالة كمال

بلغنى أنه كان رجل صائغ مولعاً بالتصوير وشرب الخمر، فدخل يوماً من الأيام عند رسام صديق له فنظر إلى حائط في بيته فرأى صورة امرأة منقوشة لم ير الراءون أحسن ولا أجمل ولا أدق صنعة منها، فأكثر الصائغ النظر إليها وتعجب من حسن الصورة وقال: ما صورها المصور إلا على مثال امرأة جميلة يتمناها أي رجل، بل لعله اخترعها من رأسه. فقال له صديقه: بل هي صورة رسمتها الفنانة البارعة جميلة للطبيبة النجيبة لبيبة، فقال الصائغ: وأين هما؟ فأجابه الفنان: تعيشان في قصر فنون الجمال وعلوم الدنيا في مدينة كشمير.

فلما سمع الصائغ بالخبر وكان ببلاد فارس، تجهز وسار متجهاً إلى تلك المدينة حيث وصل بعد جهد جهيد. فلما دخل المدينة واستقر فيها ذهب إلى رجل عطار من أهل البلد، فسأله الصائغ عن مدينتهم وحاكمها، فأجابه قائلاً: أما حاكمنا فعادل حسن السيرة، محسن لأهل دولته ومنصف لرعيته، وما يكره في الدنيا إلا السحرة، فإذا وقع في یده ساحر أو ساحرة ألقاهما في جب خارج المدينة.

ثم سأله عن قصر الفنون والعلوم ومن به من نساء حسان. فأخبره أن القـصـر ملك لغـانيـة تدعى جميلة وقد أتاحت المكان للغـانيـات من مـدعـيـات العلم والفن والثـقـافـة، كل تفـعـل مـا بدا لهـا دون رقيب من الرجال أو حسيب! ثم أخبره بمحاولته الفاشلة في استقطاب الطبيبة لبيبة بل ومحاولته إصلاح حالها بالزواج منها، إلا أنها في عتهها لاذت بالقصر وهجرت الدنيا وما فيها من مباهج رعاية الزوج وثواب إنجاب الأولاد! وأضاف أنها الآن تعيش هناك فـوق الربوة برفقة العديد من الحسان، وقد امتلأ القصر بصـور للنساء اللاتي ترسمهن ناقصة البصر والبصيرة جميلة حيث تدعى أنها لا ترى في الرجال أي جـمـال، ذلك بالإضافة لمدعيات المرض المترددات على لبـيـبـة، وأخريات سـاعـيـات لحضور مجالس العلم والأدب أو بالأحرى جلسات الفجور والجنون. وقد أحطن القصر بأسوار عالية ونقشن عند مدخله عبارة نصها الجمال جمال النفس والعقل والحس، ولا يسمحن للدخـول سـوى لأهل العلم والفن والأدب، وقد فشلت في الدخول مراراً رغم حسن نوایای، ورغبتی في إمتاع الغانيات من ذوات الحسن والجمال بصحبتي دون رقيب أو حسيب.

فأخذ الصائغ في تدبير حيلة ينجح هو بمقتضاها في دخول القصر وإمتاع حواسه بذلك الجمال الموعود . فلما كان في ليلة ذات مطر ورعد ورياح عاصفة توجه نحو القصر حاملاً زاداً من الطعام والشراب، وكان أن وصل هناك قرب منتصف الليل فـدق الأبواب دون الحـصـول على جواب، ولما حاول القـفـز عـبـر الأسـوار تزحلق بفعل الأمطار، فـقـرر أن برتاح ويتناول شيئاً من الطعام وقدحاً من الشراب، وما لبث أن تبع القدح بأقداح حتى لعبت الخمر برأسه فنام وتوالت عليه الأحلام.

وقد رأى فيما يرى النائم أهل القصر من النساء نائمات كل واحدة على سريرها، ورأى سريراً من المرمر عليه جميلة كأنها البدر إذا أشرق في ليلة الرابع عشر، فقصدها وقعد عند رأسها، فإذا عليها ستر من ذهب وعلى رأسها شمعة وعند رجليها شمعة، كل شمعة منهما في شمعدان من الذهب الوهاج، وهاتان الشـمـعـتـان من العنبـر، وتحت الوسادة علبة من الفـضـة فـيـهـا كل حليـهـا والمرأة مغطاة عند رأسها. فحاول الاستلقاء إلى جانبها والنوم في حضنها، وعندما انتبهت فزعة من وجـوده المفاجئ معها خطف علـبـة الـجـواهـر وهرب. فلمـا أدركـه الصباح قام من نومته وقد عقد العزم على تحقيق حلمه واستكماله بقضاء يومه في أحضان غانيات القصر.

فعدل من هيئته ودق باب القصر مزهواً برجولته، حيث فتحت له الباب جميلة، ولما سألته عن مقصده وسبب زيارته أخبرها أنه زميل فنان أتى من بلاد فارس سعياً وراء فنها البديع ليتأمل أسلوبها الفريد في فن التصوير. وما كان منها إلا أن رحبت به وأدخلته إلى بهو فسيح امتلأت حوائطه بلوحات عديدة لوجوه مختلفة، منها ما هو منقوش ومنـحـوت وملون بالزيت ومرسـوم بالـفحموإذا بالرجل يقف أمـام الصـور مـشدوهاً ومحملقاً ومحدقاً، ثم ما لبث أن أخذ يتأمل جميلة ويقترب منها حتى كاد يلتصق بها، وانهال عليها بأسئلة حول أصل كل امرأة مصورة ومقر إقامتها، وقد استرعي انتباه جميلة أن أسئلة الرجل كانت أبعد ما تكون عن تساؤلات فنان واع بالفن أو حتى مهتم به لذاته. حيث أخذ يركز على التفاصيل الجسدية لكل امرأة أمامه وعن موطنها وكيفية الوصول إليها والتمتع برفقتها، ثم ما لبث أن مد ذراعيه ليحتضنها وقد تملكه حلم الليلة السابقة وجاريته المرمرية، وعندها أيقنت جميلة بكذب ادعاءاته ودناءة أغراضه، فنادت على رفيقاتها لبيبة الطبيبة وعليمة الفقيهة وسميرة الأديبة، فهرعن إليها وساعدنها في تأديب الرجل بحلق شاربه ولحيته وشعره ثم حملنه خارج الأبواب بعد أن نجح في إصابة جميلة بسكين كان في جعبته.

فلما وجد الرجل نفسه في الخارج وقد فشل في تحقيق أي من أغراضه عزم على الانتقام من هؤلاء الغانيات الرافضات للنعم والناكرات للجميل، وقرر الكيد لهن عند الحاكم. فدخل على حاكم المدينة وقال له:

أيها الحاكم إنى رجل ناصح لك، وانا من أرض خراسان وقد أتيت مهاجراً إلى حضرتك لما شاع من حسن سيرتك وعدلك في رعيتك فأردت أن أكون تحت لوائك. وقد وصلت إلى هذه المدينة آخر النهار وقصدت الخان أعلى الربوة، فوجدت الباب مغلقاً فنمت خارجه، وبينما انا بين النائم واليقظان إذ رأيت نسوة إحداهن راكبة مكنسة والأخرى راكبة مروحة وثالثة تطلق من عينيها شراراً وأخرى تنفث من فمها ناراً، فعلمت أيها الملك أنهن سحرة يقمن في مدينتك. ودنت إحداهن منى ورفستنى برجلها وضربتنى أخرى بذنب ثعلب كان في يدها فأوجعتني فأخذتني الحدة من الضرب وضربتها بسكين كان معى أصاب كتفها وهي مولية شاردة. وقد رأيت أن أخبرك بما آل إليه الحال في مدينتك کي تتمكن بحكمتك من إنقاذ البلاد من أذى السحر وشرور الساحرات

وأدرك الرجل الصباح فأفاق من حلمه المباح.

* من وحى حكاية الجارية في كيد الرجال” –۲، سبق ذكره.

حكاية نعم ونعمة*

سحر الموجى

داليا بسيوني

وفي الليلة التاسعة والثمانين

أنهى شهريار جلسته المسائية مع الملوك والأمراء والشرفاء والأعيان. وكان قد تحدث باختصار على مدى سبع ساعات عن فتوحاته وغزواته في عالم النساء الحسان. كم من القلوب قد غزا، كم من الجواري قد اقتني. كم من الفتيات قد فتح، وكم من الرؤوس أطاح.

دخل إلى غرفته نشوانا . استقبلته شهرزاد بالأحضان وبقبلة ذات حرارة ومغزى. قلق شهريار واستراب، فأبدى الكثير من التعب والإعياء، والدوخة والغثيان. وقرر أن وقت النوم قد حان. كظمت شهرزاد غيظها ودلقت بعضاً من الثلج على جسدها وقالت:

بلغني أيها الملك ذو الصولات والجولات وعظمة النبلاء أن نعمة قد دار في البلد بطولها وعرضها يحكي عن عشقه، ويتغنى بهيامه بنعم ذات الجمال والبهاء والحسن والدلال. وكيف أنها من الشباك تلقى إليه بالغمزات والهمسات كلما مر في الشارع أو فات.

كان نعمة ينهى عمله في المصلحة حيث ينتهي من الدردشة وتعطيل مصالح العباد بالتليفونات وروتين الأوراق والسندوتشات. ويعود متعباً إلى داره، يغير ملابسه ويتعطر، ويجلس على القهوة مع أمثاله من الكادحين من كد اليوم الطويل.

قال صاحبه توفيق بعد أن شد نفساً طويلاً من النارجيلة:

النهارده بقى كان حتة يوم ماحصلش.

ارتفعت رؤوس الرجال من طاولات المشاريب وألعاب الورق. واجتمع نفر غير قليل ليسمعوا بالتوفيق الذي أصاب صاحبهم توفيق.

بستها.

وكان أن ارتفعت الهمهمات وأصوات التهاني وقاموا بالتربيت على كتف توفيق وقرص ركبته وتقبيل جبهته وسألوه في صوت واحد عما في جُعبته. فقال:

على سلم المصلحه شنكلتها. اتكعبلت، لقفتها.

حملقت عيون الصحاب، وفي صوت جماعي:

ها…!

نفش توفیق ریشه، فبدا ضعف حجمه. وقال:

لقفتها. وبين إيديا كتفتها. وبستها.

تغلب نعمة على حسده. وكان أن فرد جسده وقال متهكماً:

هو ده اللي قدرت عليه يا فالح. إنتوا عارفين البت نعم اللي ساكنه

. بلغني أيها الملك الحبيب أن الرفاق الكادحين قد اجتمعوا في الدور الثاني في البيت ده؟

آه. دی قمر. إيه اللي حصل؟!

هأقول لكم.

وسكتت شهرزاد عن الكلام المباح. وهي ترى في عيني شهريار لمعة فضول جبار.

وفي الليلة التسعين

دخل شهريار إلى غرفته بعد أن جلس جلسته التي استمرت من الساعات سبعاً، وكان فيها كالسبع، فوجد شهرزاد في كامل زينتها تكتب خطاباً لدنيازاد أختها وصديقتها، أظهرت اللامبالاة وهي تطوى الورقة وتضعها في الدولاب. وبعد أن خفتت من ضـوء المصباح، مشت في اتجاهه بخطوات واثقة وعيناها عن عينيه لا تحيدان. ارتعدت فرائصه وصرخ:

آه يا بطني.

نظرت شهرزاد إليه بنصف ابتسامة، وأتت إليه بالبرشامه. وقالت تطمئنه:

أكمل لك حدوتة نعمه.

لو سمحت!

قالت:

بلغني أيها الملك الممغوص الذي في الحكايا يـغـوص أن نعـمـه بدأ يحكى للصحاب الذين هم في القهـوة كـادحون أنه لاحظ كثرة نظرات نعم له مما يكشف عن عميق اهـتـمـامـهـا به. فكان أن تبـعـهـا بعـد أن خرجت من بيتها ظل يتبع خطواتها حتى وصلت إلى المكتبة الكبيرة في ساحة المدينة. وعندما حاول الدخول استوقفه الحراس؛

الكارنيه يا بيه.

فخرج في الحال. ووقف ينتظرها موقناً أنها تتعمد التأخير حتى تثير شوقه واللهيب. ومما زاد من يقينه أنها عند خروجها سلكت الدرب المظلم. فمد خطوه حتى لحقها، وسبقها. وقال لها :

على فين يا جميل!

وكان أن أسهب نعمة في وصف اللقاء المثير. وصف لهم جسد نعم الجميل، وعـواطـفـهـا الـجـيـاشـة وحـبـهـا العظيم، وكيف انهالت عليـه بالأحضان والقبلات. وثبت باليقين أن شـوقـهـا كـان أعظم من شـوقـه بكثير.

ارتفعت الهـمـهـمـات وأصـوات الـتـهـاني، وقام الـصـحـاب الفـالحـون بالتربيت على كتف نعمة وقرص ركبته وتقبيل جبهته. وحملقت العيون طلباً للمزيد من أخبار غزواته.

وأدرك شهرزاد الصباح فنظرت إلى شهريار النائم كالطفل الوديع. فشدت الغطاء عليه وقبلت في حنان وجنتيه.

وفي الليلة الواحدة بعد التسعين

دخل شهريار إلى غرفته بعد أن ألقي باختصار على الرفاق والوزراء خطبته. وكان قد قرر أن يباغت شهرزاد :

إيه أخبار نعمه ونعم؟

بلعت شهرزاد غصتها، ودارت مرارتها . وقالت:

بلغني أيها الملك الحبيب أن الرفاق الكادحين قد اجتمعوا في القهوة كعادتهم ولم يكن نعمة معهم، قال توفيق:

أما الواد نعمه ده طلع فشار.

اجتمعت الرؤوس في همهمات فضول مستريب وطلبوا بشدة وإلحاح من توفيق المزيد أخبرهم أن زوجته رحيبهصديقة نعمالصدوقة قد قصت عليه قصة نعم التي خرجت إلى المكتبة كعادتها، وأثناء عودتها فاجأها شاب هايف طويل، قطع عليها الطريق بكلام فاضح لا يليق، فتجاهلته وسارت في طريقها. فحاول اعتراضها بأن جذبها من ذراعها. فما كان منها إلا أن خبطته على أم رأسه بكتابين كبيرين، فاصطكت أسنانه وغامت الدنيا في عينيه، وبان الذهول على وجهه. وقبل أن يفهم ما به لحقته نعم بضربة قوية في صدره. فالتصق بالحائط، وانزلق على ظهره.

وقالت نعم لرحيبه:

مش فاهمه إيه رجالة اليومين دول. أفتح الشباك أبص على البحر، ألاقيهم قاعدين كل يوم ع القهوه. شيشه وطاوله وكلام، إلا ما بالاقى حد منهم في المكتبه!

وقبل أن يكمل توفيق قصته دخل نعمة القهوة يتبختر في خطواته. وهو نافش كل ريشه. وبدا عليه أنه كان متأهباً لاستكمال قصة غزوته. قال:

أما نعم دي طلعت حكايه!

وبدلا من الهمهمات وجمل التهاني والتوقعات لاحظ على وجوههم ابتسامة غير متوقعة وهم يتابعون بعيونهم توفيق يضع شريطاً في الكاسيت وما أن بدأت الموسيقى تصيح حتى انفجروا في نوبة ضحك مصاحبين الأغنية:

عايشه وحدها بلاك

وبلا حبك يا ولد

حاجه تحكى عن هواك

ضحكت عليك البلد

بتحبها؟ إيه بتحبها

لكن هي فيك يا اما بلاك

عايشه وحدها بلاك

وعايفه الله وسماك

شو الله بلاك يا وله

عايشه وحدها ومرتاحه

قولوا له شو مرتاحه بلاك..*

* من وحى نعم ونعمة، في ألف ليلة وليلة، إعداد: رشدي صالح، الجزء ۲، (القاهرة: دار الشعب، ١٩٦٩)، ص ٤٨١، ٤٨٥.

* أغنية وردت في مسرحية عم بكره.. شو؟تأليف وتلحين زياد رحباني.

وسكتت شهرزاد*

سحر الموجي

دنیا زاد

اشتقت إليك كثيراً. اشتقت إلى أحاديثنا الطويلة، التافه منها والعميق. اشتقت إلى حضنك الدافئ. فيه رائحة جدتنا وملمس الزمن المتسرب من بين أصابعي. ولكن ما يصبرني ويخفف لهفتى أن كل يوم يمر عليك في البلاد البعيدة يزيدك من غذاء الروح. وأننى أنتظر عودتك حتى تعلميني ما تعلمت، فانا أحتاج هذا الزاد أكثر من أي وقت مضى.

تسألينني في مرسالك الأخير عن أخبار السفاحكما سميته انت بقسوة لا ألومك عليها. لكنها قسوة دفعت بغشاوة من الملح إلى عيني. عندما سألت نفسى لم أبكى. وجدت مشاعری تجاه شهریار مزيجاً من الحب المؤلم والشفقة المدهشة. وجدتني أتلمس له العذر في قساوته الماضية على جنسنا من النساء. لا، انا لا أتلمس، بل بالفعل اتفهم لم فعل ما فعل فأطاح برأس السر بعد ليلة واحدة مع كل عذراء.

دنیا

افهمی ما سأقوله. استوعبيه ثم احرقي هذا الخطاب كما نفعل دوماً. إن قسوة شهريار الثابتة بلا جدال ما هي إلا ستر لعورته هو وليس كما أقنع الجميع نتيجة خيانة زوجته الأولى التي أفقدته الثقة في كل النساء. كان الأمر مفاجأة يا دنيا. لكن الغريب أن لحظة مواجهة الحقيقة هي لحظة تضاعف حبي له.

بدأت منذ الليلة الأولي لزواجنا تنفيذ الخطة التي اتفقنا عليها.الحكايا. ما إن فردت له طرف الخيط حتى بدأ يلاعبه مثل قط شقى، وما لبثت خيوط الحكايا الملونة أن ابتلعته داخل شرنقتها فلم يستطع الفكاك. لماذا أحسست وقتها أن هذا لم يكن قوة منى بقدر ما هو قرار منه أن يستسلم لمغناطيس الحكايا. ربما لأنه لم يبد مقاومة تذكر. لم يصح مسرووور“. لم يهدد أو يتوعد. بل إننى عندما نظرت في عينيه عميقاً قبل أن يهرب بهما بعيداً كعادته، رأيت شرخاً لم أفهمه. انطفاء لبريق يظهر فقط عندما يكون في الديوان وسط الولاة والقضاة والتجار وغيرهم من رجال الدولة الذين تهتز شواربهم عندما يصرخ فيهم. فيرج صوته أنحاء القصر وأنحاء المدينة وأركان الكون الأربع.

كنت مع انتهاء اليوم الثلاثين لزواجنا قد أحببته. أحببت استكانته كالقط الوديع فوق كف حكاياي، وجدتني أداعبه. أدلله. وأتدلل عليه. وقتها كنت أرغب في احتضانه. كنت أحتاج احتواءه، لكنه دأب على طلب المزيد من الحكايا وهو يتشاغل عني باستكمال ما كنت قد بدأت بالأمس. عندما كان يصدني، لم أكن أستمر. كان كبرياء أنوثتي يستوقفني. وكان عقلي يوجهني أن شهريار لا يرغب في فعل الحب معی لأنه قد بدأ يتعلق بي ويريد أن يجنبني مأزقه النفسي. ارتباط فعل الحب بالموت لديه مثلما فعل مع كل سابقاتي. لكن مقاومته لتدللي بدأت تخفت كل يوم وانا ألين عريكته مرة بالحكايا. ومرة بالغناء. ومرات بالتعامل معه على أنه طفل شقى لا يسمع الكلام. كبر اشتیاقی مثلما زاد فهمى أنني يجب ألا أدفعه إلى ما هو غير مستعد له.

وعندما انهارت كل قلاعه، واحدة تلو الأخرى، تلقيته بين يدي، في حضنی، داخلی. تحققت. أصبحت المرأة التي لم أكنها. لكن بعد انتهاء رعشتي. بعد أن عادت النجوم إلى قبة السماء وانحسر مد المحيط، أدركت والخدر يلف جسدى جنيناً بين ذراعيه، أن شهريار صامت، محنى. وجدته يقول لي: “هل ستخبرينني بعد أيام قليلة أن لم تعودي تحبينني؟!” لم يا شهريار أفعل هذا وانا فوق قمة العالم. أنك في قلب الاكتمال.

كنت غرة يا دنيا. لم تكن لي خبرة تفهمني أنه هو لم يكتمل مثلى. أنه لا يكتمل إلا بعد ساعات من المحاولة المضنية. يمتزج فيها هدير الرغبة المكتومة بتتبعه لما تعكسه عيناي في كل لحظة متخوفًا من لمحة تأفف أو ربما استعلاء. وجدتني في منتصف الليلة التالية لبدء اجتماعنا أحتويه جنيناً بين ذراعي. يدارى وجهه عنى في. ربت على ظهره. مسحت على شعره مرددة: “لا بأس. ستكون كل الأشياء على ما يرام“. وأشده في ذات اللحظة إلى قلب حكاية جديدة. لا تفتأ تلف خيوطها حوله. فيتلهي بها وينسى.

* من وحى كتاب ألف ليلة وليلة، إعداد: رشدي صالح، (القاهرة: دار الشعب، 1969).

ذات الرداء الخفى*

نسمة إدريس

الكلمه كلمتى والشوره شورتي، والقول قولي يا حبيبتي. الكلمة بدعتها ونسقتها ولما حبيت نطقتهاورثت عن أمى الخيال وأبويا الجلال والفضول. لبستني أمي لبس ولد، وقدمتني على أنى أجدع ابن بلد، مع أني أرق من الريحان.

خافت أمي على يكون مصيرى زى مصيرها وأقضي حياتي في رعب وحرمان وتخفى. لكنها كانت لازم تفهم إن الخوف لا يمكن يولد خير وانتصار حرمتني أمي من جنسی زى ما اتحرمت هي من الحنان والأمان. خبتنى وسط الزحام والرجال علشان أعيش، بس ما فكرتش هاعيش إزاى مع نفسي وانا خايفه منها وعليها.. الموت أهون على من عيشتي الخفيه.

لسه برضه ماعرفتوش انا مين؟ الحق مش عليكوا، اللوم على اللي يعيش ولا يسألش على الحقيقه، يوم ما أمى قدمتني لأبويا على إنى صبي من التلات صبيان اللي ولدتهم علشان يفك حصارها، ماحدش يومها كان عايز يعرف الحقيقه مع إنها بسيطه بساطة المزيكا، كلمه بدل کلمه، بنت بدل ولد، إنما النهارده الكل لازم يعرف، النهارده الكلمه كلمتي والشوره شورتي والقول قولي

انا بنت أمي البنت ذات الرداء الخفى، اللي ماظهرتش ليلتها قدام السلطان، بنت شهرزاد التالته، وأبويا ملك الملوك شهريار وخالتي اللي كانت صديقتي الوحيده في البلاد دنیازاد. متشوقين تسمعوا قصتى اکید، دی موش حكايه جديده من حكايات ألف ليله وليله، بالعكس دى الحكايه الحقيقيه لقصة لم تنقال ولم تنحكى قبل النهارده.

تسألوني أشمعنى النهارده بالذات؟ النهارده باحتفل بيوم ميلادي الحقيقي، يوم ميلاد وبعث للقصه الحقيقيه لكتاب أمي شهرزاد، أو کتاب الألف حكايه اللي انا جمعتهم واللي كنت باسمعهم وانا متخبيه تحت سرير أبويا وأمي. كل ليله أسمع الحكايات وأجمع القصص واكتب اللي يعجبني وأسيب اللي ماحبوشوبعد ما تخلص أمي الحكايه، البس العبايه والعقال وأمشي في البلاد على إنى ابن السلطان، لحد ما تميت العشرين وفاجئت الجميع إنى بنت السلطان اللي مالهاش مكان وسط الرجال، ويومها بالذات تركت البلاد وهم ولا هم داريين إنى معايا الحكايات.

تسألوني ليه عشت كل ده في البلاد على إنى غلام؟ دى حكايه يطول شرحها، تلاقوها في قصص ألف ليله. المهم إنى كنت وقتها أدوق طعم الدنيا وتجاربها أحسن وانا غلام، يعني كنت أقدر أجوب البلاد وأركب الخيل وأسبح في الوديان وأكلم الأغراب وأنظر في عين الرجال. لكن لو كانوا عرفوا إنى صبيه كان زماني دلوقتي أم لتلات عيال وقاعده في البيت أعد سنابل القمح وأشكي همي للشجر والنجوم. المهم بعدها سافرت بلاد وبلاد وقابلت حكايات أغرب من حواديت الجن والعفاريت، يبقالى تلات سنوات سايبه بلد أهلي وأخوالي وأحبابي. في الغربه باكتب حكايات وأفتكر حواديت أمي وحنانها إلى أن وصلت بلد اسمها مصر ورسيت. ولما رضيت بحالي واطمأنيت، كتبت حكايتي وحكايتها ليكو في يوم ميلادي علشان تبقوا شاهدين على إن من يوم ورايح الكلمه كلمتي والشوره شورتي والقول قولي يا حبيبتي.

* من وحي كتاب ألف ليلة وليلة، إعداد: رشدي صالح، الجزء ٢، (القاهرة: دار الشعب، ١٩٦٩)، ص ١٥٤٢١٥٤٣.

ست بحق وحقيق

أميمة أبوبكر

نقول إيهأول ما نقول

بسم الله تعالى اللي خلق الخلق وسوانا زي أسنان المشط

وسبحان اللي ح يجازي كل كويس وكل ردی.

كان زمان فيه ست تاجرة قماش في السوق، كسيبه وحقانيه واسمها نبيهه، وجوزها كمان كان راجل بياع في نفس السوق قلبه رقيق وواقف جنب التاجره نبيهه وقفه كلها إنسانيه ومعشش على بيتهم سوا، واسمه عم حليم.

جه يشتغل عندهم في السوق شاب شايف نفسه شويه، لما سألوه انت مين، قال لهم:

انا راجل ابن راجل يعني أقدر أتاقل أي عروسه بذهب وآخد وش الصبايا واشخط شخطة الرجال تهد الجبال. وبأدور على عروسه تكون زیی عروسه راجل بنت راجل“. الناس دلوني إن عندكم بنتين أختار منهم عروستی؟

نبيهه قالت له:

تختار اللي تختارك، وتاخد اللي تقول إنها عايزاك.

اختارته البنت الكبيره ستيتهواتجوزته. نبيهه يومها قالت لبنتها:

يا بنتي دا عايز عروسه راجل بنت راجل.

ردت وقالت:

هو مش عارف يعني إيه راجل ولا يعني إيه عروسه، مصيره يا أمي عقله ينور ويعرف الدنيا.

قولوا معايا تاني..

سبحان اللي خلقنا كلنا وسوانا زي بعض،

وح يجازي كل كويس وكل ردی.

وراحت بنت نبيهه وحليم مع جوزها لبيتهم اللي على البحر، بيت بعيد عن كل الناس، من غير شبابيك وهوا البحر مايدخلوش. ليه من غير شبابيك؟ علشان جوزها الراجل ابن الراجلسمع مره من عمه المراكبي العجوز إن هوا البحر هنا خطر وشر، بيخللي العروسه تفضل دايما عروسه، عمرها ما تبقى زى جوزها راجل بنت راجل“.

لكن اللي حصل شيء غريب. الشاب وهم يوم في بيتهم. اللي من غير شبابيك. لقى الأبواب واحد بعد واحد بيتقفلوا ومش بيتفتحوا ولقي نفسه محبوس في أوضه من الاوض وبيصرخ، حد ينجده، مفيش حد سامعه ولا شايفه، مفيش ناس، جه يشخط شخطة الرجال اللي تهد جبال، مفيش حاجه إتهدت.

أما ستيته فكانت كل يوم تطلع طوبه من الحيط لغاية ما عملت شباك كبير يدخل منه هوا البحر ونور الشمس راقات راقات، ويومها بالذات كمل الشباك وسبحت للمولى فاطر كل المخلوقات. جريت لجوزها الراجلتقول له:

انا من سكات عملت شباك، لازم أشوف الشمس والمس الهوا علشان أفضل زي ما انا ستيته بنت نبيهه وحليم.

لكن لقيته محبوس في أوض من غير أبواب ولا شبابيك، مخنوق ومش لاقى النفس يتنفسه، وقلة الهوا خلته غول مخيف بس صوته محبوس. طلعت من شباكها الكبير وشالت طوبه من اللي كانت يم في الحيط وضربت بيها الحيطه عند جوزها وعملت له شباك زي شباكها. دخل الهوا، ولف ودار حواليهطلع صوته ورجع إنسان، وفتح عينيه وشاف قدامه إيه؟ست بحق وحقيق.

ومن يومها بقى إنسان عايش وسط الخلق يقول سبحان اللي خلقنا بشرزي أسنان المشط.

ولما يسألوه:

انت مين؟

يقول لهم:

انا واحد من مخاليق الرحمن.

* من وحي عروسة راجل بنت راجل، في القصص الشعبي في الدقهلية، فتوح أحمد فرج، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، ١٩٧٥)، ص ٣١٤۳۲۲.

راجل صُنع مره*

أمل عمر

كان ياما كان في زمن من الأزمان، شاب خيبان فلتان اسمه محمد العريان. أبوه الحاج عريان فات له من الأطيان قول يیجی ۱۲۰ فدان. لكن الواد الفلتان ضيع ورثه فدان ورا فدان، إيشى ع السكر وإيشى ع الدخان. وبكده صبح على حق عريانوكحيان. وإكمنه ماكانلوش لا شغله ولا مشغله، قوام طب في مشكله. ح ياكل منين ويعيش إزاي؟ قام فكر يشحت بعد إيه؟ بعد العز اللي كان. وفي يوم من الأيام، دخل دكان بتاع تاجر أقطان. دخل يشحت، فالراجل صاحب الدكان قال له: يا ابني ليه الشحاته والتناحه والتباته وانت ما شاء الله جته وشباب وسحنتك سكر نباته. إيه رأيك تشتغل عندي في الدكان وتكسب من الكد والعرقان. قام الواد محمد الصدمان إتكسف من روحه وبقى خالص خزيان. وقال في عقل باله: نجرب!! بس الحقيقه اللي شجعه ولين عقله الفولاز، إنه عرف إن الحاج عرفان اللي هو صاحب الدكانعنده بنتين في سن الجواز، قالك إيه؟ انا أضحك ع الراجل واتجوز واحده من البنات والهفلى القرشينات وأتهنى في تبات ونبات. وعشان ينفذ الخطه الجهنميه، جه على روحه شويه وبقى يروح الشغل كل صبحيه وآخر النهار يتلايم ع الماهيه.

وفي يوم من ذات الأيام، بعد الحاج ما اتطمن له، وبقى كله تمام سأل الحاج: إلا قوللى يا عم الحاج بما إني شاب ونفسى أتأهل يكون لى كل الشرف أخطب واحده من بناتك الست أصفهان أو أختها أسمهان. ضحك الحاج وقاله: شوف يا ابني، سيبك من أصفهان لإنها اتخطبت الأسبوع اللي فات لابن عمها عثمان. يعني مفيش قدامك غير أسمهان ودى ياما اتقدم لها عرسان وهي راكبه دماغها، بعيد عنك طققان. بس أقولك إيه؟ انت واد كويس وثبت لي إنك من الجدعان. إيه رأيك تيجى تسهر معانا الليله دى، وكل اللي أقدر أقوله: ربنا الهادي!

راح الوله متقمع وعلى سنجة عشره، وبص لروحه في المرايه وقال: هاح تقع في دباديبي من أول نظره. لكن اللي ما كانش في الحسبان إن الحاج عرفان أول ما رجع م الدكان نده لبنته أسمهان وفاتحها في أمر العريس محمد العريان. ويا لطيف ع اللي كان. البت انفجرت تقولش بركان، قالت لأبوها: يابا انا مش رايداه ولا رايده حد كمان من العرسان. يا بنتي بس شوفيه. قالت بصراحة يابا ومن غير لف ولا دوران، انا رايده محسن ابن الجيران بس هو مسافر لحد طهران وراجع يخطبني منك في بحر شهر من الزمان. فكرشويه الحاج عرفان وقال: والله يا بنتي محسن ولد زين، مؤدب وابن ناس ومتعلم ومنظره يسر العين. ياريتك قلتيلي الحكايه دى قبل ما أقع في الورطه دي. قالت: ولا ورطه ولا حاجه، سیب لي انا الموضوع وكله ح يبقى ألاجه.

وفعلاً دخل العريس الأبهه، منظر فخامه ومنجهه، منفوش زی الطاووس، على إيه ده لا جاه ولا فلوس، دخلت عليه أسمهان بصينيه وعليها فنجان وكان أبوها الحاج حاضر كمان. دخلت قمر اسم الله. وعلى طول بدأ مخه في التوهان بس قبل ما يتوه في خياله حصل اللي ما خطر على باله. قالت أسمهان على قصتها مع محسن ابن الجيران اللي عشانه رفضت كل العرسان، وإن الخطوبه ح تتم بعد شهر م الزمان.

راح وشه يا عيني اصفر واخضر ونسي الكلامحتى حروف الجر. ولما حلمه نزل على مافيش، خرج قفاه يقمر عيش. ولما روح وفكر في اللي جرى فيه، نقحت كرامته عليه وقرر يسيب الدكان باللي فيه. وفعلا طفش في اليوم اللي تاليه. لكن غلبه الإحساس بالمراره وأبى يقبل بالخساره، ففكر يتربص لمحسن ابن الجيران ويخلص عليه في الكتمان، قوم يخلا له الجو مع أسمهان ذات الجمال الفتان. ابن الشيطان!

أخد البلد دواره، لف كل كهف فيها ومغاره يدور على عصابه قداره تقوم له بالمهمه الجباره. لحد ما عتر في جماعه فدائيه قالوا له إنها أقدر جهه تصطاد له فريسته وتتاويها. قام ألف الجبان قصه عن الوطنيه والعفه، راح لرئيس الجماعه وقاله: محسن ده ملعون، جاسوس لحملة نابليون وأجداده كانوا من نفس اللونما هو أصله من أحفاد فرعون بتاع نبي الله موسى. خدت الشهامه الريس، وللوطنيه اتحمس وقاله: إمتى ح يرجع بس من طهران وانا راح اخلص. بس مادمت كده وطنی تیجی معانا بقى يا ابنى. تخلص الوطن الثاير من كل جنس عدو غادر. آدى المصحف ياللا بيمينك هنا احلف لتكون لوطنك ده فدائى وتهب لما يعلا ندائي. وكده دارت أيام والواد محمد العريان صبح فدائي مش أي كلام. دبت فيه روح الوطنيه وآمن إن فيه قضيه تهون عشانها التضحيه.

قرب ميعاد رجوع محسن، قاله الزعيم دلوقتي أحسن، نترقبه وهو عايد، نضرب في صدره عيار نافد ونخلص منه زى أمثاله. في الوقت ده كان العريان نسي محسن على أسمهان. صار له قضيه حاسس بيها. صحصح ضميره بعد الغفيان. وبعد ما كان عاطل وجبان دلوقتى صار راجلإنسان. قام في التو وصارح الزعيم بالقصه م الألف للميم، واستسمحه يغفر له الأمر وياريت يحرص على التكتيم. ولولا اللي كان ما كنت صبحت من الفرسان.

لمعت عينين الزعيم وقال بنبره فيها تصميم: انا دلوقتى حقيقى فخور إنك صبحت إنسان وجسور، شجاع كفايه عشان تقول إنك كنت جبان مغرور. انا كنت عارف من أول يوم إن الفتى محسن كان مظلوم لإنه في الحقيقه يا ولد دراعى انا اليمين، وفهمت إنك مش مظبوط. فقلت أجربك وأشوف إيه ميتك وإيه حقيقة نيتك وكنت حاسه إن معدنك أصيل بالرغم من سوء تصرفك. قال العريان: تقصد يا زعيم إنك كنت حاسس، قاله: لأ حاسه. انا الزعيمه مايسه. شالت مایسه اللاسه، بنعومه وبملاسه نزل شعرها الجميل، طويل طويل واسود زی الليل. راح الفتى عریان شعر ناحيتها بميل، وماكانش السبب بس الشكل الجميل لكن إعجاب مؤصل بشجاعة الزعيمه، والتصميم والعزيمه وذكائها وقوة الحيله.

وبعدها بقليل الأيام، رجع محسن مشتاق فرحان وكتب كتابه على أسمهان. أما بقى سيد العرسان اللي صبح فارس وهمام إتجوز الزعيمه مايسه والفرح عم في كل مكان وجابوا لبلدهم بنات وصبيان لاجل ما يكبروا يحموا الأوطان. أمال دهمه ولاد فرسان.

* من وحي عروسة راجل بنت راجل، سبق ذكره.

ست بجد*

هالة سامي

كان ياما كان في القريه اللي إحنا عايشين فيها راجل جارنا تاجر صاحب محل قماش إسمه الحاج عبد الجبار، وكانت تجارته ماشيه عال، ولكن كان نفسه رزقه يوسع أكتر من كده، وكان له بنت واحده قدى اسمها هاديه. لكن انا كنت دايماً أقول لأمي إن مشكلة هاديه إنها ما بتتكلمش مع أبوها في حاجه، اللي يقول عليه تعمله من غير ما تفكر ولا تقول رأيها، وكل ما أروح لها وأحاول أغير لها فكرها ألاقى مافيش فايده، البنت اتربت على كده.

وفي يوم جه المحل بتاع الحاج عبد الجبار راجل يظهر من قريه تانيه وكان قاصد الحاج في خدمهكان عايز يلاقي شغل، قام سأله الحاج: انت مين وإيه حكايتك؟ فقال له الراجل: انا اسمى شديد المسطول، جی من البلد اللي حداكم والدنيا ضاقت بي فقلت أدور على حظى في حته تانيه، وفيه ناس دلوني عليك يا حاج وقالوا إنك هاتساعدني، انا أبويا فات لي خمستاشر فدان مافضلش منهم حاجه، صرفتهم على السهر والكيف، ولكني عايز أغير من حالي، ممكن تديني فرصه؟

فرد عليه الحاج عبد الجبار وقال له: انا هاديك فرصه شهر تورینی شغلك، مطلوب منك تشوف طلبات الزباين تقف تبيع لهم وهاتاخد نسبه على كل لفة قماش تبيعها، ولو اشتغلت كويس هاخليك تمسك الحسابات. ومرت الأيام والأسابيع وفات الشهر وأثبت شديد إنه بياع كويس فمسكه الحاج الحسابات زي ما وعد. وبعد كده الحاج لقى إن الوقت بقى مناسب عشان يفاتحه في موضوع مهم فقال:

شوف يا شديد انت أثبت إنك راجل جدع وكسيب، وانا هادخل في الموضوع على طول، انا ماليش غير بنت واحده هي اللي طلعت بيها من الدنيا فانا عايز أجوزك بنتى هاديهدى حتى شاطره قوىتغسل وتمسح وتكنس وتطبخ ومش هاتسمع لها حس أبداً، يعنى تسمع دبة النمله وهي لاقلت إيه؟

قام شديد المسطول ما اترددش كتير ووافققال لك مصير الهيلمان ده كله يبقى بتاعيبعد عمر طويل طبعاً.

وقبل ما تتجوز هاديه حاولت أحط لها عقلها في راسها وأخليها تفكر قبل ما تتجوز ولكنها إفتكرتني غيرانه منها عشان لسه ما اتجوزتش، فلما لقيت مافيش فايده قلت أسيبها للأيام تبين لها اللي كان قصدي عليه.

واتجوزت هاديه الشديد المسطول اللي افتكرت إنه بكده كملت سعادتها، ومافكرتش في أخلاق الراجل ولا شخصيته. وقام شديد خط هاديه في قلب شقه قصادنا بس بتبص على البحر وقفل عليها بالضبه والمفتاح لا تشوف الشارع ولا تخطيهلا تشوف البحر ولا تشم هواه. وفي يوم لمح راجل غريب وش هاديه الجميل من ورا الشباك فاعجب بها وطلب من بياع عنب فايت إنه يجيب له البنت اللي ورا الشباك وقال له: آدی خمسين جنيه آهمشايف البنت اللي ورا الشباك؟ لو عرفت تنزلها في الشارع هاديك خمسين جنيه تانيين.

فجرى بياع العنب في الحال ينفذ المطلوب عشان خاطر يكسب مائة جنيه وفلح في إنه يجيب هاديه اللي ماحطتش منطق للغريب، وقام الغريب مدي للبياع بقية الفلوس وتنه ماشي واخد هادية في عربية وسايق على ميه.

قمت انا بسرعة لابسه ملايه لف لقيتها عندنا ومغطيه نص وشى عشان ماحدش يعرفني وواخده عربية أبويا وسايقه وراه لغاية ما عرفت إنه أخدها في بطن الجبل اللى بعد بلدنا على طول. ورجعت بسرعة أبلغ شديد المسطول باللي حصل لمراته، وركبته معايا في العربيه وسوقت به لحد بطن الجبل. لما وصلنا لقينا هاديه متكتفه والغريب اللي خطفها سكران طينة، ومن ورا صخرة ناديت بالراحة على هاديه: ما تخافيش يا هاديه إحنا هانخلصك إنشاء الله.

واتعرفت هاديه على صوتي واتجهت بنظراتها إلى جوزها المسطول اللي ما فتحش بقه بكلمه واحده وقالت لي: انا مش عارفه مصيري هايكون إيه يا فايقه؟ وفجأة لقينا الغريب اترمى على الأرض ما حطش منطق، فروحت بسرعة مطلعه سكينه وقاطعه الحبل اللي كانت هاديه متكتفه بيه، وقلت لها هي وجوزها: يللا بسرعه تركب العربيه قبل ما يفوق من سكره.

وركبت أنا والمسطول العربيه ولكن اكتشفنا إن هاديه ماركبتش ورانا، قعدنا نبص حولينا وننده عليهاإنها ترد ما فيش فايده، فقلت للمسطول: يللا نركب العربيه وندور عليها، وساعتها حسيت إن هاديه هربت من جوزها الشديد المسطول. وفعلاً قعدنا ندورندورمن غير فايدهوما عرفناش نعتر عليها، لما عرف أبوها بالموضوع بلغ البوليس وعمل إعلانا ت في الجرايد بمكافآت كبيره للي يلاقي بنتهوآدى تلات أشهر فاتوا وهاديه ما ظهرتش من ساعتها.

وفي يوم الباب خبط على انا وأمى واللي استأذن عشان يدخل كان جوز هاديه الشديدقال إيه؟ جي يطلب إيدى. ساعتها أمى ما عرفتش تقول إيه وقررت إن القول قولى، فانا قعدت فكرت شويه ويمكن تستغربوا لما تعرفوا إني مارفضتوش ولكن كمان ماقبلتوشورديت عليه وقلت له: إديني يومين أفكر

ورجع جوز هاديه فعلاً بعد يومين عشان يتلقى الرد مني. فقلت له: شوف يا أفندى انا ما أعرفكش ولازم أدرس تصرفاتك قبل ما أوافق على جوازك. قال: عداكي العيب. ومشيوبعد يومين روحت له المحل وكان أبو هاديه مش موجود وقلت له: هاطلب منك طلبعندنا كام فدان في بلد حدانا فيها أنفار بيزرعوها ويبيعوا المحصول بتاعها وما أقدرش لا انا ولا أمي نروح نلم أجرهاتقدر تقوم انت بالمهمة دى؟. فقال: آه طبعاًبس كده؟ دى سهله قویبكره يكون أجر الفدادين عندك يا فايقه.

وراح وغاب الأخ شديد ورجع بعد أسبوع. وقال: أدى يا ستى حقكم في المحصولإيه قولك بقى؟. قلت: متشكرين على تعبك معانا بس عندي طلب ثاني لمهمة ما يقومش بيها غير راجل جدع زيكإيه رأيك؟. فقال: قولى يا ستىانا تحت أمرك، فقلت: عندنا بيت ملك على الزراعية وعايزين نبيعه عشان مش قادرين على مصاريف صيانته، تقدر تدور لنا على مشترى وتبيعه؟، قال: بس كده؟حاضر.

وغاب الأستاذ شديد وبعد فترة رجع ومعاه حق البيت اللي اتباع. وقال: آديني نفذت طلبك الثاني يا فايقهإيه ردك بقى على موضوع الجوازة. قلت: عندي طلب تالت وأخير، لو نفذته هاكون حتماً لكقال: خير؟ هاتي ما عندك. قلت: فيه ست غلبانه قريبتنا من بعيد شويه في بلد قرب طنطا بنبعت لها اللي فيه القسمه كل شهرواليومين دول أمي تعبانه وما أقدرش أسيبها لوحدهاتقدر توب عنى وتقوم بالمهمة دى؟. قال: آه طبعاً أقدر. واديت له الفلوس ووعد إن بكره هايكون قام بالمهمة وخلصها ورجع بلدنا كمان.

وغاب أسبوع وبعدها جه خبط على الباب. وقال: انا قمت لك بكل اللي طلبتيه وكنتي محتاجاه، أظن آن الأوان إننا نعلن خطوبتنا. فقلت: مش لما تعرف انا رأيي فيك إيه الأول؟. قال: وهايكون رأيك في إيه يعني؟ انا راجل باكسب كويس وعندي شقه كبيره بتطل على البحر، وهاعيشك عيشه مستريحه، هي البنت هاتكون عايزه إيه أكتر من كده؟. قلت: هاتكون عايزه راجل يحترمها وتحترمه، ويعاشرها بالمعروف، ولما يوعد بحاجة يوفيها في ميعادها، وما ياكلش مالها خصوصاً لما يكون مال واحدة يتيمة زيئقال: قصدك إيه بالكلام ده؟. قلت: قصدي إن ولاد الحلال كتير وبلغوني باللي انت عملته: حق المحصول جبته لي ناقصوأكلت على ربع البيت اللي بيعته ونص المبلغ اللي انا بعته للست الغلبانة حطيته انت في جيبك، انا كنت شاكه فيك من الاول بس حبيت أختبرك بنفسي لأني شكيت فيك لما لقيتك اتجوزت هاديه جارتي بسرعة علشان تاخد فلوسها وتسيطر على تجارة أبوها، تفتكر بعد كل ده ممكن أتجوز واحد زيكبينصب على الناس ويستولى على مالهم ويقعد بالليل على القهاوى يصرف فلوسه على كيفه؟

وخرج الشديد المسطول من البيت من غير ما يفتح بقه بكلمه واحده، قفاه يقمر عيشودى كانت آخر مره أشوفه فيها.

ساعات قرب الغروب بأحب أختلي بنفسي.. وأدركت إني كتير فكري بيروح لهاديه.. يا ترى إيه أحوالها.. يا ترى هي عامله إيه؟ بأحاول أطمن نفسي وأقول: هاديه بنت طيبة وربنا هايسترها معاها.. ولو شغلت مخها هاتقدر تصرف أمورها وتعيش.. تعيش الدنيا اللي أبوها وجوزها منعوها منها.. دنيا تقدر تلاقي فيها نفسها.. تلاقي هاديه اللي عمرها ما عرفتها وآن الأوان إنها تدور عليها وتتعرف عليها.

* من وحي عروسة راجل بنت راجل، سبق ذكر.

مليحة*

منى برنس

عندما تحققت أم البنات من آلام الوضع صرخت، فهرعت نسوة البيت والبيوت المجاورة إليها. دخلت الداية تحمل وعاء من الألومنيوم به ماء ساخن. بسملت وهي تبتهل إلى الله بألا يخذلها هذه المرة أيضاً: هي التي ساعدت أم البنات في الولادة في المرات السابقة فصار اسمها مقترناً بتوليد البنات رغم أن الأمر ليس بيدها. تمنت ألا تخيب ظنها هذه المرة فيضيع حقها تماماً وتستغني عن خدماتها النسوة الأخريات. كان الجميع يدعو الله أن يمن عليها هذه المرة بالولد. كانت أم البنات، وهذا هو اسمها الذي أطلقته عليها جاراتها، تبكي وتشد الملاءة البيضاء وهي تتمتم بكلمات بعضها مفهوم وبعضها غامض مجهول.

تحاول النسوة المتحلقات حولها تهدئتها لكنها لا تنقطع عن التمتمة والابتهال. وفجأة صرخت الصرخة الكبرى، قامت الداية بواجبها وهي وجلة، سحبت وليداً يصرخ. بتوجس وقلق رفعت الوليد تنظر إلى علامة ذكورته.

بنت.

تلعثمت وهي تقول بصوت خافت خجلان.

يا نهار أسود.

لطمت أم البنات خدودها. خلعت المنديل وشدت شعرها وهي تردد:

يا خيبتي ياني مش عارفه أجيب حتة واد. يا فرحة العدوين في. الراجل هيلوف على واحده تانيه.

مصمصت النسوة الأخريات الشفاه ما بين حسرة ومواساة وشماتة مستترة. عندما سمعت البنات صوت الصرخة اندفعن إلى غرفة أمهن. ست الحسن، ست الجمال، ست البنات. تسمرن في مكانهن عندما اتضح لهن أن الوليد بنت. لكمتها الأخت الصغرى في بطنها فصرخت الوليدة. نهرتها الجدة التي سارعت بحمل الوليدة بعيداً أما الأختان الكبيرتان فقد أشاحتا عنها بوجهيهما. وانصرفتا قائلتين:

مش عايزين دى إحنا عايزين ولد.

ظلت المناحة بضعة ساعات أخرى تبادلت فيها الأم وبقية النسوة الآراء حول كيفية إبلاغ الأب، الذي اقتربت عودته من السفر، بهذا النبأ الحزين الشؤم. إنه يحب بناته الثلاثة لكنه يرغب في الولد أيضاً.

وهتسميها إيه إن شاء الله.

كلها السم الهاري. اسمها نايبه. نايبه وحطت علينا.

ستغفرى ربك يا وليه لا ياخدها منك.

ياخدها، ياخدها أحسن، أحسن ما ياخد أبوها مني، خدوها بعيد عني.

حملت الجدة الوليدة التي ترددت أصداء صراخها في أنحاء الدار، بعيداً عن أمها وأخذت توشوش لها في أذنها ببعض آيات القرآن حتى هدأت ولانت ملامحها. تفحصت الجدة الجبين العريض، والعينين السوداوين الواسعتين، الأنف المستقيم والفم الصغير المستدير.. كلها أبوها. تنهدت وهي تدعى أن يهدى الله ابنها ويحنن قلبه على البنية.

غفت الوليدة بين ذراعي الجدة فوضعتها في فراشها وخرجت إلى ساحة الدار تبحث عن عنزة بعينها. وجدتها ترضع صغيرتها التي وضعتها قبل أيام. نظرت إليها وهي تفكر ماذا سيفعل أبو ست الحسن عندما يعلم بخبر النايبة. جلست على عتبة الدار ترسم. خطوطاً ودوائر متداخلة بعصا من الخوص كانت ملقاة وسط كومة من الرمل بجوار المدخل. رفعت رأسها عن الأرض. كانت العنزة الصغيرة قد فرغت وانطلقت تهز ذيلها الصغير. نهضت وأخذت قسط الحليب الفارغ، وضعته أسفل العنزة وأمسكت بضرعها تحلب ما تبقى.

عندما عاد الأب استقبلته زوجته بوجه غائم وصوت مكروب. أدرك الرجل على الفور..

بنت.

نايبه.

استغفر بالله.

دخل الرجل غرفة الجدة ونظر إلى ابنته وهاله الشبه الكبير بينهما.

ابتسمت الجدة وهي تقول:

الخالق الناطق انت وانت صغير.

فأطلق عليها اسم مليحه.. ثم أضاف يحدث نفسه.. “وماله البنت زى الولد“.

كانت أمها وأخواتها ينادينها نايبهوأبوها وحده بـ مليحهوعندما كبرت البنت وسألت. تنهدت الجدة ومصمصت شفتيها وقالت:

من يوم ما جيتى يا بنتى ما فرح بيكي قلبي.. أمك لطمت على الفرشه والدايه لزقت في الأرض.. والمعدله أمك طول عمرها كانت عايزه واد تتباهى وتتفاخر به وسط النسوان وفي نفس الوقت تربط به أبوكي وتسلسله. لكن ربك مارادش ففضلت تلف على المشايخ واحد واحد ومافاتتش ولى إلا وزارت مقامه لكن برضه ربك مارادش، وسبحان العاطي.. ولو إنهم برضه بيقولوا:

أجيب ولد ليه، أكبره وأربيه عشان ياخدوه منى النسوان.

كانت أم البنات تهتم ببناتها الثلاث الأخريات، تعلمهن كل ما يجب أن تتعلمه البنت من طهى وكنس وغسيل وخبيز كي تصبح كل واحدة منهن ست بيت ممتازة تملا بيتها وعين جوزها. أما نايبه فلم تولها أي اهتمام. وكانت نايبه إن حاولت أن تصنع شيئاً ولم تحسن صنيعه تسمع كلمات التوبيخ والاستهجان من أمها وأخواتها، فأضيف إلى اسمها (الخايبه) أيضاً. لذلك لم تعارض الأم عندما اقترح الأب أن يلحقها بالمدرسة.

في الفصل كانت المدرسة تناديها بـ مليحهأما زميلاتها اللواتي يعرفن الحكاية فكان يحلو لهن أن ينادينها بـ نايبه“. وكل مرة تقول المدرسة مليحهتقاطعها إحدى التلميذات:

اسمها نايبه يا أبلة.

وتصيح أخرى:

وشعرها أكرت وسمرا.

فترد ملیحه:

بس أشطر واحده في الفصل.

لكن هذا الرد لم يمنع البنات من السخرية منها فقررت أن تثأر لكرامتها بالفعل، فضربت إحداهن وشدتها من ضفيرتها الطويلة حتى صرخت البنت وهي تقسم أنها لن تقول نايبهمرة ثانية. نظرت إلى الأخريات نظرة تهديد ووعيد فلم يكن منهن إلا الانسحاب والتمتمة بأصوات خفيضة حذرة.

منذ ذلك الوقت والبنات يعملن لها ألف حساب، يتجنبنها أحيانا ويلاطفنها ويتوددن إليها في أحيان أخرى.

عندما حصلت مليحه على المركز الأول في المدرسة سألها أبوها:

ماذا تريدين؟ فأجابته:

أريد مكتباً مثل مكتب أبلة الناظرة.

تعجب الأب ومازحها قائلاً:

لماذا؟ هل تريدين أن تكوني ناظرة؟ فقالت:

لا.. أريد أن أكون محامية.

لم يرد الأب طلبها. فجاء بأحد النجارين ليصنع لها مكتباً فخماً وزيادة على طلبها، طلب من النجار أن يصنع لها عدة أرفف خشبية في أحد أركان الغرفة تكون بالقرب من المكتب واشترى لها بعض الكتب الدينية والقصص الملونة. كانت مليحه تشعر بالزهو وبأنها ليست كباقي أخواتها اللاتي لا يعرفن القراءة أو حتى الجلوس على مكتب كمكتبها. صحيح هي لا تعرف الطهي جيداً ولكنها الأولى على مدرستها ولها مكتب.

يوم فاجأها الحيض، جلست على مكتبها تبكي. وكانت تلك هي المرة الأولى التي يراها أبوها تبكي. أخذها بين ذراعيه وقبل جبينها وسألها ما بها فأخبرته بأنها قد بلغت. فرفع الأب رأسها ونظر إليها بحب وفخر..

وهل يحزنك ذلك.. لقد أصبحت امرأة وسيطلبك عرسان كثيرون. خفضت مليحة رأسها ونظرت إلى جانب من الغرفة وقالت بصوت مجهد:

لكنني لا أريد أن أكون امرأة.. أريد أن أكون محامية.

وماذا ستفعلين بالمحاماة؟

سأدافع عن نفسي.

وهل انت متهمة؟

نعم انا متهمة.. ألم أصبح امرأة؟

واجهشت بالبكاء..

انزعج الأب لكلام ابنته وطلب من الجدة أن ترقى ابنته سبع مرات وتبخرها ببخور هندى وتقرأ القرآن في أذنها.. لم تستجب مليحه فاضطرت الجدة بمساعدة بقية البنات أن تقيدها وتربطها في قوائم السرير المعدني حتى تقوم برقيها. لم تتحرك مليحه من مكانها وظل بصرها مثبتاً على الشباك المغلق، تتسقط بصيصاً من النور يتسلل من شقوق صغيرة في باطن الشباك. تعافر روحها كي تنفذ منها وتحلق بعيداً في الفضاء الملون الرحب.. بعيداً بعيداً بعيداً حيث تعانق أرواحاً أخرى.. أكثر شفافية، أكثر دفئاً، أكثر عمقاً.. وفجأة انتفضت في مكانها، وزاغ بصرها. مزقت أربطتها واندفعت إلى الخارج تركض في المراعي، عندما رآها أبوها على ذلك الحال، تيقن من ظنونه وقرر أن يتركها وشأنها.

* من وحي أغنية من يوم ما جيتي يا بنتىفي الأغنية الشعبية: مدخل إلى دراستها، أحمد على مرسى، (القاهرة: دار المعارف، ۱۹۸۳)، ص ۰۲۱۷

حكاية ست العقل والكمال*

منى إبراهيم

مساء الخير عليكم

أنا اسمي ست الحسن والجمال.. ده الاسم اللي اختاره أبويا، لكن أمي كانت دايما تناديني ست العقل والكمال.. أصلها كانت شايفه إن الجمال بيزول ويمكن يؤذي صاحبته كمان، لكن العقل دايما مفيد. المهم أحكي لكم بقى حكايتي

انا اتولدت في بطن واحده مع اخويا سبع البرمبه. وأول ما اخويا صوته تخن وشنبه اخضر، أهلي حبوا يجوزوه، وفكروا في بنات كتير، لكن كل مره كان بيضرب لخمه قدام العروسه والموضوع يبوظ. لحد ما طلعت في دماغه الأهطل ده إنه لازم يتجوزني انا، وراسه وألف سيف ما هو متجوز حد تاني، قال إيه انا أحلى واحده شافها في حياته ومش كانت لاقي واحده زيي، لكن انا بقى حاقولكم ع السر..

السر إن سي سبع البرمبه كان بيعتمد علي في كل حاجه، انا كنت بادافع عنه لما العيال يضربوه، وباحفظه دروسه.. باعمل له كل حاجه.. كل حاجه، وطبعا حس إنه مش ممكن يستغني عني، وعلشان كده فكر في حكاية الجواز دي. المصيبه بقى إني لقيت أبويا لاين ومستعد ينفذ طلبه زي العاده.. أمي لما حست بده كانت حتتجنن، لكن هي ؟ ضعيفه قوي قدام أبويا. قعدنا نفكر سوا حنعمل إيه، وأخيرا أمي قررت تهريني.. لبستي فروة خروف العيد اللي فات، وجريت بيها ف طريق الجبل.

مشيت مشيت.. وفجأه لقيت قدامي شابين بيلعبوا مع بعض بالعصيان، وأول ما عينيهم وقعت علي كل واحد فيهم حب ياخدني لنفسه، واكتشفت من كلامهم إن واحد فيهم ابن الملك والثاني ابن الوزير بناعه. وأخيرا طقت في دماغ واحد فيهم طريقه يخلوني انا أختار بيها، كل واحد قلع بنطلونه وخط فيه شوية علف من علف الحصنه بتاعتهم، وقالوا إن انا حأكون من نصيب صاحب البنطلون اللي حاكل من فوقه. فكره غبيه زي اصحابها. المصيبه هي إني كنت حاتكشف.. أول ما قلعوا هدومهم كنت حاضحك، أصل منظرهم كان يفطس من الضحك. وبعدين مسكت نفسي علشان كمان اعرف أفكر، وقلت في عقل بالي ما دام الاتنين أهيف من بعض يبقى أختار ابن الملك، على الأقل زريبته حتكون أنضف، لحد ما أشوف طريقه أخلص نفسي بيها. وفعلا رحت على بنطلون ابن الملك.. وطبعا فرح قوي واخدني معاه على القصر، ووصاهم يأكلوني كويس ويبقوا يعملوا علي فته لما يدبحوني. ساعتها بس حسيت بالخطر الكبير، لكن الحمد لله دبرت أموري بسرعه. حاقولكم عملت إيه..

ربطت مع الطباخ اللي كان مسؤول عن اختيار الخرفان للدبح. اتفقت معاه يسيبني وانا أطبخ بداله كل يوم.. أصل انا كمان كنت شاطره قوي في الطبيخ. لكن تصدقوا ابن الملك طلع نبيه، لاحظ إن الأكل بتاعهم طعمه اختلف ودور على السر. اتجسس على المطبخ وكشف سرنا، وطبعا كان حيطير من السعاده لما اكتشف إن الخروف طلع بنت حلوه زئي. وجري جري على ابوه يطلب منه يجوزهولي. أبوه طبعا رفض في الأول، قاله: يا ابني انت ابن ملك، إزاي تتجوز واحده ما نعرفش أصلها.. يا ابني الجمال مش كفايه. مفيش فايده أبدا. يا دي الخيبه، هو انا اطلع من نقره أقع في دحديره. وبعدين رجعت وفكرت.. انا نفسي أجيب بنوته شطوره زي أمها.. حاجيبها منين دي بقى. بيقولوا قدام شويه الستات ممكن تجيب عيال من غير ما تحتاج لرجاله.. حاجه كده مش فاهماها اسمها الاستنساخ.. لكن دلوقتي الجواز هو الطريقه الوحيده. واسمه ده برضه ابن ملك، ولما حاتجوزه حابقى ملكه، وديك الساعه أول حاجه حاعملها أولي الستات كل المراكز المهمه. خللي الدنيا يتصلح حالها شويه، وهو على فكره طيب وحنين.. وإذا تعبت من الجوازه دي، حالبس فروة غناميتي واسرح ثاني.. بلاد الله لخلق الله.

لكن طبعا قبل ما أتجوزه طلبت إنه يجيب لي أهلي يبقوا حوالي. وفعلا جابهم.. لقيت أمي المسكينه كبرت عشرين سنه من الحزن على فراقي، وأبويا أول ما شافني قاللي كده برضه يا ست الحسن.. بصيت له كده وما رضتش أتكلم، أصل مهما كان ده أبويا برضه. أما أخويا سبع البرميه يقى فاتجوز واحده ممشياه ع العجين ما يلخبطوش.. أدي الستات والا بلاش.. إنشاء الله حامسكها مركز كبير قوي في مملكتي.

وتوته توته.. استنوا بقية الحدوته

* من وحي حكاية ست الحسن والجمالفي مجلة الفنون الشعبية، العدد ٤٩، أکتوبر ديسمبر 1995، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب)، ص ٥٤٥٧.

همه سموها إيه *

رانيا عبد الرحمن

ما فيش زي حواديت أم عاشور!

أيوه مافيش زي تربيعة العصريه تحت مصطبتها!

رايحة النهارده؟

آه رایحه.

بس هي كات قالت سموها إيه؟

كات بتقول سموها هيلانه.

صلوا ع النبي

كان فيه إيهسلطان ومراته، سلطان غنی، غنى قوى. خلفوا بنت كانت أملهم وده لأنها جت بعد انتظار كان طال. إتمنولها أحسن أماني. إتمنولها دوام العز، دوام الجاه، ودوام جمال. إتمنولها أمير ابن أمراء، عزة نفسه عاليه عشان يعرف يقدرها ويهنيها، وعشان كده سموها هيلانه!

ومن صغرها فكرولها وخططولها قصر عالى أعلى من قصر جدودها ودنيا أحلى ومهر أغلى. أما أبوها فمن صغرها ضفر لها ضفيره دهب وضفيره فضه. أغلى الهدوم جاب لها من بلاد الهند والعجم ومن الشرق ومن الغرب جمعلها من الحلى والزينه ما ندر. أشرف كتير على لبسها وكان دايماً يوجهها ويقولها: “جنس الرجال ما يصحش يشوف لا كتير ولا قليل“. لو تلبس توب طويل يكشفه ولو كشف توبها عن مفاتن جسمها غطى اللى انكشف بتوب تاني.

الا هي كانوا سموها إيه يا أم عاشور؟

هيلانه. وبيقولوا إن من حبها لأهلها ومن اعتزازها بنسبها وباسمها كات دايماً وهي بتتمشى في جنينة قصرها تقول وتعيد في اسمها:

هيلانه

هيـ لا نه

هي لا انا

انا لا هي

انا هي.. انا هو

هو انا

أما أمها فكانت حريصه دايماً إن بنتها لا تقول كتير ولا تقول قليل. لا تعمل كتير ولا تعمل قليل. وكان دعاها وكل مناها لربها: “يا رب يا رباني إن بنتي ما يعرف حد عنها كل حاجه“! حتى جه اليوم المنتظر، وزينوا المدينة، ولعلع القصر، واشترى السلطان لبنته أحلى فستان جواز، وحست الأم إن حمل تربيتها انزاح. وانتظر جميع المعازيم في ساحة القصر دخول العروسه هيلانه، حتى وصلت ومشت ناحية عريسها في الكوشه وهي بتقول:

انا هيلانه

هيـ لا نه

هي لا انا

انا هى

انا هو

هو انا .. هي انا

لكن هيلانه مالبستش أجمل فستان شراه السلطان، وما رفعتش شعرها رفعة أميرات، ولا حطتش ريحة أزكى وردات ومالبستش أغلى تيجان. لكن هيلانه أطلقت شعرها زي الغابات ولبست لبس بتاع جاريات أما ريحتها فكانت ريحة صابون حمامات نساء عاديات، وعرفت عريسها بنفسها بقولها:

أنا هيلانه

اسمي لست أنا

* من وحي هيلانه، مجلة الفنون الشعبية، العدد ۳۸۳۹، ديسمبر ۹۲. مارس ۱۹۹۳، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب)، ص ٦٠ – 63.

فرحَة*

هدى الصده

ليه يا جدعانبقي دي تصرفات الجدعان

بدل ما تساعدوا أمكم تسيبوها زي الغربان

هم فين دول الجدعانهم فين دول الجدعان

كان ياما كان، في سالف العصر والزمان، سبع تيران، رايحين جايين، جايين رايحين، يلفوا بلاد ويعدوا جبال، ياكلوا حشيش ويصوموا أيام، ناس تأكلهم، وناس تطردهم وناس تمسكهم علشان تاكلهم.

تعبوا من عيشة الترحال وقالوا نرتاح في البلد دى واللي يكون يكون. وقفوا في غيط أخضر جميل فيه زرع كتير ومليان ورد

وياسمين، وجنب الغيط بيت أبيض صغير، لقوا قدامهم بنت اسمها فرحة بتضحك، طويله وشايله على رأسها سبت مليان بيض وجبنه ورايحه تبيعهم في السوق، شافت السبع تيران واقفين قدامها، التراب معطيهم والتعب باين في عينيهم، قامت اديتهم ميه وعلف ومشيت علشان تلحق السوق. رجعت فرحه من السوق وراحت تطل على التيران، فسمعتهم بيرددوا في نفس واحد:

ليه يا جدعانبقي دي تصرفات الجدعان…

بدل ما تساعدوا أمكم تسيبوها زي الغربان

هم فين دول الجدعانهم فين دول الجدعان

جريت فرحه لأمها حكيمه في البيت وقالتلها: ياما فيه سبع تيران عندنا بره في الغيط بيتكلموا زى الإنسان وبيرددوا كلامك اللي بتقوليه كل يوم ساعة المغرب. راحت حكيمه مع فرحه وسمعت بنفسها التيران وهما بيرددوا الكلام.

قعدت تعيط ومسكت إيد فرحه ورجعت البيت وقالت: تعالى هنا يا فرحه علشان احكي لك حكاية السبع تيران. هم اخواتك، يعني ولادي. سابونا ومشيوا من 15 سنه ومن ساعتها ولا حس ولا خبر. سألت فرحه: ومشيوا ليه يا اما؟ قالت: ابوك كان دايماً مسافر، يجي ويروح من غير معاد، جالي سبع جدعان كنت باحبهم زي عيني، حطيت فيهم الحنان والقوه. كانوا زينة الجدعان. يخدموا نفسهم ويشيلوا المسئوليه، ولا عندهم الدلع المرق بناع الأولاد. وكان لنا جار حقود له أولاد مدلعين تاعبين أهلهم، لا يعرفوا يأكلوا ولا يشربوا نفسهم. طايحين في العالم ومنفوخين نفخه گدابه، يتأمروا على اخواتهم البنات ويزهقوهم في عيشتهم، قال علشان هما أولاد، قام جه جارنا الحقود وز ولادی الجدعان إن أمكم لازم تجيب لكم أخت علشان تخدمكم وتبطلوا تعملوا شغل النسوان، ويكون لكم مقام الجدعان، وفضل وراهم، يقف لهم قدام الدار يعايرهم علشان بيجيبوا الميه ولا علشان بيغسلوا هدومهم. ومره ف مره، الزن على الودان زى السحر، وسوس الشيطان للجدعان قاموا قالوا: إحنا عايزين بنت.. إن ماكنتيش هاتجيبي بنت الدور ده، هانطفش وهانسيبكوما عدتيش تشوفينا تاني.

قمت جيت حبلت وجه يوم الوضع. الجدعان كانوا في الغيط وجم لقوني ولدت، قام الجار مقابلهم على الباب وقال لهم: أمكم وضعت ولد، والجدعان مادخلوش على ومشيوا. أستناهم ييجوا ما يجوشوكانت ساعة مغربيه.

ولما ولدتك سميتك فرحه. فرحه تعوضني عن اللي راح. كنت فرحه بجد بس فراقهم قطع في نفسي.

ليه يا جدعانبقى دى تصرفات الجدعان

بدل ما تساعدوا أمكم تسيبوها زي الغربان

هم فين دول الجدعانهم فين دول الجدعان

قامت فرحه رجعت للتيران وقالت لهم: هو إيه اللي كان؟ قالوا: كنا سبع جدعان لنا أم اسمها حكيمه، كانت ست الستات. ربتنا وكبرتنا وخلتنا أحسن الجدعان. لكن جار السوء وقع بينا وخلانا نمشى، قال علشان نبقى جدعان. رحنا نطيح في البلاد وفي خلق الله. وصلنا على بلد فيها راجل طيب له سبع بنات، كل واحد فينا اتجوز بنت علشان تخدمه، ونثبت إننا جدعان. رحنا نشخط ونتأمر عليهم من غير أدب ولا عرفان، نرجع من الغيط بهدومنا الوسخه ونرميها في أي مكان. نزعل لو أكل اتأخر ونطيح لو خرجوا بدون استئذان.

بقينا مش جدعان، بقينا تيران. طايحين هايجين من غير اتزان. ناكل من غير عرفان، وبالتدريج طلعت لنا قرون، وبعدين كبرت الودان، وبعدينوبعدينبقينا فعلا تيران. في البدايه خافوا مننا البنات، وبعدين زهقوا، وبعدين طفشوا منا. أصل الحاله كانت صعبة الاحتمال. ومن ساعتها واحنا هايمين على ملا وشنا، خجلانين نرجع لأمنا، أرض تشيلنا وأرض تحطنا، سامعين بكا أمنا ومش عارفين ننام.

ليه يا جدعانبقى دى تصرفات الجدعان

بدل ما تساعدوا أمكم تسيبوها زي الغربان

هم فين دول الجدعانهم فين دول الجدعان

سمعت فرحه الحكايه وفكرت لوحدها، إزاى تسعد أمها، ترجع إخواتها بنى آدمين وجدعان زی زمان. لما شقشق نور الفجر راحت لهم وقالت لهم: تقدروا تعيشوا في المكان ولكن فيه حتة أرض بور جنب البستان عايزه اللي يحرثها ويرعاها قوموا اشتغلوا بلا كسل بلا طيحان. مفيش حد حيخدمكم، انا ورايا مهام. في الأول كسلوا التيران، ما هو غلب عليهم طبع التيران، وبعدين شافوا فرحه رايحه جايه، تزرع الغيط وتشوف البيت، وطلبات السوق كمان. قاموا اتكسفوا من روحهم، وحبوا يوروا فرحه معدنهم. وهموا يشتغلوا ويخدموا روحهم. فبالتدريج اختفت القرون، وبعدين صغرت الودان، وبعدين وبعدينبقوا جدعان.

شافتهم أمهم قلبها طار من الفرحه، جريت عليهم تبوسهم وتحضنهم. وقفوا على الأرض يبوسوا رجليها، يستسمحوها. مش عارفين غلو الضنا عنديها.

* من وحى ست الحسن والسبع جدعان، مجلة الفنون الشعبية العدد ٤٦، يناير. مارس ١٩٩٥، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب)، ص 83- 87.

دموع*

رانيا عبد الرحمن

صلى ع النبي

كان فيه مره وراجلالمره تبقى انا . بيسموني الغوله مراة الفول، مع إن اسمي الحقيقي حنون“. معرفش حتى يعنى إيه غول؟؟ بس أهل البلد اتعودوا يسمونا كده فمش قادرين نقطع عادتهم. طبعاً خوف أهل البلد منا ساعات يخلينا نعمل تصرفات مش مفهومالهم، فساعات كتير نمص صوابع الصبايا يمكن يحسوا إننا برضه زيهم نحتاج لحنان.

وأنا طالعه ع الزراعيه أدور على جوزي الغول لقيت نار قايده. سألت: “النار دى إيه؟؟قالوا لي: “دى نار انتقامجوز ست الحسن هيشوى فيها الغوله ومراته ضرة ست الحسن اللي سحرتها حمامه، وكتير غيرنا كمان.

دنیتني ماشيه في البلد يمكن ألاقى حد يخفف عني خوفي من النار.

مشيت ع الزراعيه أسأل الصبايا والستات: “احكي لي عن قصتك من نهار أمك ما ولدتك!” فيحكوا لي ع اللي بيحصل لهم.

جيت لأم بتبكي، قالت لي: “خلفت سبع جدعانهددوني لو ما جبتش بنت «هنطفش، هنسيبك، ما عدتيش تشوفينا تاني»، ومن ساعتها مارجعوش“… ومن ساعتها وهي بتبكي.

جنب الأم الباكيه ع الجدعان واحده تانيه بتبكي، بس بدون دموع. مع إني واثقة إنى لمحت دموع قربهامن حولهاجوه بيت ولدهامعرفش؟! سمعت بعدها إنها جارة أم الجدعان اللي غارت منها عشان هي نفسها ماجابتش جدعان.

مشيت كمان فسمعت صوت بكا. التفتت ورا مشفتش غير حمامه، الدموع جواها بتجاهد للخروج، بتتوسل لكل اللي حولها: نبات وطير وبشر، لسماع بكاها المكبوت. قلتلها: “احكي لي عن قصتك من نهار أمك ما ولدتك!”

قالت لي: “انا ست الحسن، كل ما أحاول أجفف دموع أمي، أرجعلها الجدعان السبعه، يقولوا لي تتجوزينا. حتى اخواتي الجدعان كل واحد منهم نسى أمه وقال لي تتجوزيني“.

دنيتي ماشيه في البلد أسمع وألمح الدموع في كل ركنجحرمكان يخافه ويحتقره أهل البلد. فشفت الدمعه بتشد الدمعه زى حتت مغناطيس جواها قوه بتحن على بعضها، كأنها أم بتحضن ضناها. واست الدموع بعضهااتكتلتوشويه وغمرت مية الدموع الزراعيه الأول وبعدين البلد كلها. فانطفت النار، وعاشت الباكيات في تبات ونبات.

وتوته توته فرغت الحدوته.

* من وحي ست الحسن والسبع جدعان، سبق ذكره

ست الشطار*

منيرة سليمان

كان ياما كان زمان كان فيه راجل طيب ومراته ست طيبه كانوا عايشين مع بعض على الخير والشر يحبوا بعض ويحبوا الناس كلهم، وربنا كمان كان راضي عنهم ورزقهم ببنت قاموا سموها ست الشطار. أمها قالت انا نفسي بنتي تبقى أشطر واحده في الدنيا…. شطوره کده تقرا وتكتب، تساعد نفسها وتساعد الناس، تخيط وتطبخ ليها وللي حواليها. تسمع كلام أبوها وأمها والناس كمان يسمعوا لها.

وأبوها راخر قال أشطر واحده في الدنيا حتبقى بنتی، تجرى تقط وتلعب وتركب خيل كمان، طيبه وواعيه زى أمها تمام، تساعدني واعتمد عليها ولما تكبر وتسافر لبلاد قريبه وبلاد بعيده ترجع تقوللي وتحكيلي على اللي شافته واللي عرفته.

وسنة ورا سنه وست الشطار بتكبر وتحقق أمنية أبوها وأمل أمها. والراجل الطيب ومراته قالوا نجيب ولدين شاطرين كمان. وربنا رزقهم بالأمين والعنيد، الأمين كان أكبر شويه صغيرين من العنيد، والأمين كان روحه في أخته ست الشطار إكمن أمه وأبوه من يوم ما جابوه وصوه عليها ووصوها عليه: — – اسمع يا أمين، شايف ست الشطار إحنا كمان جبناك علشان تبقى شاطر زيها ولما تحبها حتبقى شاطر زيها.

والأمين بقى يمشى ورا ست الشطار طول الليل والنهار، يخلى باله عليها وتخلى بالها عليه وإكمن ست الشطار كانت شطوره، الأمين كان يبصلها ويتعلم منها الشطاره. بس يا خساره أخوه بقى العنيد اللي أصغر منه بشويتين كان عنيد، عنيد، عنيد، من يوم ما جه للدنيا وهو اللي أمه وأبوه يقولوله عليه يعمل عكسه تمام:

اسمع يا عنيد، شايف ست الشطار، إحنا كمان جبناك علشان تبقى شاطر زيها ولما تحبها حتبقى شاطر زيها.

والعنيد قلب وشه وقال:

يعنى إيه بقى زيها؟ لأ انا طبعاً أحسن منها.

وإكمنه كان عنيد يبص يشوف أخوه الأمين ماشي ورا ست الشطار، يقوم واخد بعضه وماشي قدامها لا يخلى باله عليها ولا حتى شايف شطارتها.

وبعد سنين وسنين ما عدت وكبروا التلاته وشدوا حيلهم، كان في البلد اللي همه عايشين فيها ملك له أخ ثاني ملك برضه في بلد بعيده تانيه، بعتله وقاله:

إلحقني بلادي غلبانه فقيره والناس حتموت من قلة الأكل والميه. الملك بتاعنا كان عنده فلوس كتيره وبلاده غنيه ومرتاحه قام قال:

خلاص انا حبعت لأخويا الأكل والفلوس والميه اللي هو عاوزهم. وقعد يفكر بينه وبين نفسه طب بس یا ربی حبعت الحاجات دي كلها مع مين وانا لا ليا لا بنت ولا ولد شاطرين ولا غير شاطرين، قام جه الوزير بتاعه وقاله:

يا مولاي انا سمعت والله أعلم إن فيه راجل طيب ومراته ست طيبه وعندهم من البنات والولاد تلاته، بنت شاطره وإخوتها الاتنين، إيه رأيك تبعتلهم نديهم الأكل والفلوس والميه والمركب كمان يحملوا عليها الحاجه ويتكلوا على بركة الله، ولو هم فعلاً شاطرين حيوصلوا الحاجه كلها من غير خساره.

الملك وافق على طول وبعت الحراس يجيبوا ست الشطار وإخوتها الاتنين. أمهم لمت هدومهم التقيله وقالتلهم ده بحر والمطره يمكن تكون كتيره، وأبوهم واقف على باب البيت يشاور لهم مع السلامه، وروني بقى شطارتكم“.

وراحوا لحد الملك، العنيد ماشي قدام قالب وشه وراه ست الشطار عين على أخوها قدامها وبطرف عينها تلمح الأمين ماشي وراها يخلي باله عليها. وصلوا لحد الملك قام قال:

التلاته دول ماشيين ورا بعض ليه؟

الوزير قاله:

ملناش دعوه يا مولاي، إحنا حنديهم الأكل والفلوس والميه ونسلمهم المركب يمشوا بقى ورا بعض، يمشوا جنب بعض، المهم يودوا الحاجه قبل الناس ماتموت من الجوع.

الملك قاله:

طيب، يلا إتكلوا على الله واملوا المركب، وتعالي انت يا ست الشطارمش ده برضه اسمكتعالى لما أقولك.

قالتله:

حاضر یا مولای.

أخوها الأمين باصص عليها من بعيد مفتح عينيه ومخلى باله، والعنيد راخر باصص عليها من بعيد يقول في نفسه إشمعنى بقى ست الشطار اللي الملك نداها من وسطنا؟

الملك خد ست الشطار على جنب وقالها:

إسمعى يا ست الشطارإنتى طبعاً عارفه إنك واخده الأكل والفلوس لحد أخويا ملك البلاد الغلبانه، بس برضه فكرت ولقيت إن الأكل والفلوس والميه مصيرهم في يوم من الأيام برضه حيخلصوا طب حتعمل إيه ساعتها الناس الغلبانه؟ إسمعي يا ست الشطار، خدی الخاتم ده، خاتم الملك بتاع أمي سابتهولي وقالتلي: “يا إبنى لما تيجى عوزه الخاتم ده حيعرف شغله، شيليه يا ست الشطار جوه عينيكي لحد ما توصليه لأخويا ملك البلاد الغلبانه، ومتقوليش لحد عليه ولا حتى إخواتك الاتنين“.

قالتله ست الشطار:

ماتخفش يا مولاي سرك في بير والخاتم ححطه في مكان أمين. ويلا يا أمين انت وعنيد قدامنا سفر لمكان بعيد.

الجو يوميها كان حلو، سما زرقه وشمس منوره فيها وحمام ونورس أبيض على المركب وحواليها، وست الشطار قالت:

خير، ده ربنا والله كريم والرحله إن شاء الله تتم على خير.

المركب مشيت في البحر تميل شمال وتميل يمين، والسمك عايم قدامها يوريها السكه ويدلها على الطريق وست الشطار على المركب قاعده تفكر وتفكر كتير أشيل يا ربي خاتم الملك فين؟ لو علقته في رقبتي تشوفه الناس ويضيع منى وإن حطيته في شوال أو زلعه وجيت أدور عليه يبقى إبره في كومة قش“.

وهي قاعده تفكر كده، حيرانه في حيص بيص، الدنيا بدأت تشتیهوا جامد، وشمس مفيش. أم بصت على يمينها لقت الأمين بردان وعلى شمالها ولا على باله العنيد. وفي نفسها ست الشطار قالت: “بس لقيتها، عرفت حخبي الخاتم فين، طبعاً جوه الهدوم ودى ولا حتضيع ولا حتتوه، الدنيا إكمنها برد الناس متكلفته ومحدش باصص لحد، أما أشيله جوه هدومي“.

وافتكرت ست الشطار إن الخاتم ميعرفش عنه حد ولو تاهت أو جرالها حاجة حيروح معاها الخاتم. قعدت ست الشطار تفکر تانی، طب أشيله مع الأمين ولا العنيد؟ لو شلته مع الأمين وعرف سره العنيد يبقى عليه العوض ولو شلته مع العنيد وشافه الأمين برضه حيفضل في أمان“. ونادت ست الشطار على أخوها، هي عارفه طبعه وفاهمه عنده:

اسمع يا عنيد، أخوك أمين بردان وانت شاكلك مش بردان، إيه رأيك تديله عبايتك يتكلفت فيها ويدفا؟

والعنيد طبعاً رد وقال:

مين قال إن أنا مش بردان، دي عبايتي وحتكلفت فيها لحد آخر المشوار.

وست الشطار إطمنت وقالت: “الخاتم كده في أمان“.

ومن غير ما حد ياخد باله شبكت الخاتم جوه هدوم العنيد ولا من شاف ولا من دری.

وعلى ده الحال فاتت أيام وأسابيع والمركب ماشيه في سكتها موج يشيلها وهوا يتمرجح بيها لحد ما في يوم من الأيام صحيت ست الشطار وإخوتها الاتنين على صوت شيخ بيأدن ويقول يا رب فرجك قريب“. قاموا من نومهم يقولوا معقولة آدان وسط الموج والبحر؟ ست الشطار فهمت على طول، قالت:

هناك قدام، ناس غلبانه مستنيانا.

وفي لمح البصر بانت أرض وبلد. رسيت المركب والناس حواليها فرحانين مبسوطين يزغردوا مره ويعيطوا مره، ومعاهم واقف كمان الملك والوزير بتاعه ومعاهم حراس كتير. وست الشطار على المركب لسه قالت لإخوتها الاتنين:

يلا بينا نسلم على الملك ونديله الأكل والميه والفلوس الكتير.

نزلوا التلاته من المركب، العنيد طبعاً ماشى قدام وورا منه ست الشطار وبخفة إيديها من جوه هدومه سلتت الخاتم ووراها الأمين عينه عليها يضحك ويقول ما هي ست الشطار أشطر واحده في البلاد“.

وصلوا لحد الملك خدهم بالأحضان وقال:

أهلاً بالشطار انا مش عارف أشكركم إزاى.

الملك بص للوزير وقاله:

بسرعة تأكل الناس الغلبانه وتشربهم كمان وخلي الحراس ينقلوا الفلوس وبقية الأكل لحد القصر وإتفضلى يا ست الشطار انت وإخواتك الاتنين عندي تقابلي ابني وبناتي الاتنين.

ست الشطار وافقت وقالت أهى تبقى فرصه أدى الملك الخاتم الأمانه“. ركبوا الخيل وفضلوا ماشيين لحد مالاقوا قصر واقف على بابه واد جدع وإخواته الاتنين. الملك بسرعه قال:

تعالوا يا ولاد سلموا على الشطار.

جم البنتين وورا منهم الجدع، الملك قال:

أدى بقى ست الحسن بنتى، أمها قالت نسميها كده علشان مكنش فيه حد في أخلاقه أحسن منها، والتانيه دي برضه بنتی ست الجمال، أمها برضه هي اللي سمتها لما لقت مفيش حد أجمل منها، والواد الجدع ده الناس بقى هي اللي سمته لما شافت جدعنته ووقفته وسط الناس الغلبانه.

ردت ست الشطار على الملك وقالتله:

إحنا زدنا شرف.

الجدع رد وقال:

مش أد الشرف اللي إحنا زدناه، إتفضلوا جوه القصر ترتاحوا وتاكلوا وتحكولنا عن رحلتكم وبلادكم اللي انتم جايين منها.

دخل الملك وورا منه السته وقعدوا كلهم على ترابيزه كبيره، الملك على راسها وعلى يمينه ست الشطار والجدع قدامها وقاعد جنبها الأمين وقدامه ست الحسن وبعد منه العنيد عينه على ست الجمال اللي قدام منه.

الملك بعد ما سمى بدأ الكلام وقال:

يا إخوانا إحنا زمان كان عندنا المال والجاه وكنا من أغنى البلاد..

امال إيه اللي حصل يا مولای؟

أعمل إيه يا بنتى قلة عقل ووسوسة شيطان، انا أصل حكايتي تبتدى من زمان من يوم ما أبويا جوزني من بنت عمى وجبتلى سبع أولاد، مش أشكر بقى ربي وأكفى خيري شرى؟ لأ، رحت أدور على البنات وشرطت على مراتى يا تجيبلي البنت يا مش عايز السبع ولاد. مراتي كانت حامل ساعتها ومن خوفها لما جابت ولد كمان لمت عيالها وسابت البلاد. خرجت أدور عليها وعلى الولاد، صرفت اللي قدامی واللي ورايا ولا لقيتها ولا لقيت الولاد وكأنه فص ملح وداب. وقعدت سنين وسنين على دا الحال ماشي من بلد للتانيه أدور على الأهل وأدور على الولاد، وفي آخر المشوار لما غلب غلبي خدت بعضی ورجعت لبلدي. بس يا خساره ساعتها الحال بقى غير الحال، راح المال والجاه وفضل الغلب والجوع والفقر. ومن يومها وانا قاعد أتحسر على اللى كان واللي راح. ولما شافني وزيرى على دا الحال شار عليا أتجوز تاني يمكن أجيب ذريه صالحه وربنا يرضى على. وآدى اهمه الولاد يا ست الشطار بنتين على واد جدع.

ست الشطار من طيبة قلبها. ما هي زي أمها. تسمع حكاية الملك وتعيط على السبع أولاد اللي تاهوا في البلاد وحال الملك الغلبان اللي ضاع منه المال والجاه وتقول في سرها دلوقتي بقى أنسب الأوقات، أقول للملك على الخاتم بتاع أمه اللي وقت عوزه بيعرف شغله“. وست الشطار ما هي واعيه برضه زى أمها وعينها كمان على الغلابه، رجعت تقول في سرها الملك ده مش حكيم وأكيد أمه كانت عارفه عنه إنه مش حکیم علشان كده سابت خاتم الملك لأخوه، إكمنها خافت منه من قلة عقله“.

وردت ست الشطار على نفسها لو خد الخاتم ده ملك البلاد الغلبانه عليه العوض ومنه العوض حيضيع ويتوه منه زى أولاده تمام وتفضل البلاد برضه في الآخر غلبانه والناس جعانه. بس يا ربی دی أمانه ولازم توصل لصاحبها وإلا تبقى خيانه“.

وهي كده في أفكارها سرحانه سألها الجدع:

مالك يا ست الشطار؟ تعبانه ولا حزنانه؟

سكتت ست الشطار وبعد شويه قالتله:

أصله كان سفر بعيد وانا عايزه انا م.

وفي المنام والناس كلها نيام شافت ست الشطار، اللهم اجعله خير، نفسها وأمها وأبوها كمان راكبين حنطور بتجره خيول، وعلى باب القصر وقف الحنطور ومد إيده شخص يساعد ست الشطار في النزول، مدت إيدها ست الشطار وقبل ما تقوم من النوم لقته منور في صباعها خاتم الملك.

ولما جه الصبح نوت ست الشطار والنيه لله تدى خاتم الملك بنفسها للجدع، أحسن واحد يصونه الجدع، حيخلي باله عليه زى ما خلى باله على الناس الغلبانه أصله طيب وشهم وجدع، وكده تبقى الأمانه برضه وصلت لصاحبها.

وهي ماشيه في طريقها قابلها الجدع:

صباح الخير يا ست الشطار.

صباح الخير يا جدع، اسمع لما أقولك، لما الواحد تكون معاه أمانه يعمل بيها إيه؟

– “يردها طبعاً لصاحبها، ده الجدع هو اللي بيقول.

طب امسك بقى الخاتم ده حرز عليه وشيله جوه عينيك. ده أصله خاتم الملك بتاع جدتك، سابته لعمك وقالتله يا ابنى لما تيجى عوزه الخاتم ده حيعرف شغله، الملك بتاعنا قال العوزه جت وإداني الخاتم أوصله لأبوك الملك بتاعكم. بس انا من أبوك ملك البلاد الغلبانه خايفه وقلقانه، إكمنه أد كده مش حكيم، يضيع الخاتم منه ولا يتوه وتفضل برضه البلاد في الآخر غلبانه. أحسن واحد حيصونه هو انت يا جدع، وانا كده خلصت ذمتی قدام ربنا. خلى بالك على الخاتم.

وقعد يفكر في اللي جبتله الأمانه. دخل عليه الملك قاله:

مالك يا جدع؟

بفكر يا والدي في ست الشطار..

ونعم التفكير يا ابني.

إيه رأيك يا والدي في بنات وولاد شاطرين وجدعان؟

على بركة الله يا ابني، بس إلحقها ست الشطار قبل ما ترجع لبلادها.

جرى الجدع على الحصان وطيران على مركب ست الشطار. لقى شراع وقلوع مرفوعه وناس بتشاور للماشيين. نده الجدع بأعلى حسه:

استنى يا ست الشطار.

خير يا جدع، فيه حاجه نقصاك؟

قال:

آه ناقصني الشطاره، تتجوزيني يا ست الشطار؟ أهو نبقى بنكمل بعض ونجيب كمان بنات جدعان وولاد شاطرين. ضحكت ست الشطار وقالتله:

ده منام واتحقق.

من بعيد واقف يبص عليهم ملك البلاد الغلبانه، يضحك في سره ويقول الله يرحمك يا أمى أهو الخاتم أهه عمل شغله“.

وفي يوم الفرح الكبير وصل ملك البلاد المرتاحه ومعاه الراجل الطيب ومراته الست الطيبه يحضروا فرح بنتهم ست الشطار على جوزها الجدع، وابنهم الأمين على ست الحسن وابنهم العنيد على ست الجمال. وبعد الفرح والزيطه ما خلصم وعدت سنين وسنين، فضلوا السنه عايشين في القصر الكبير وخلفوا صبيان وبنات كتير: الشاطر والجدع والطيب والعنيده والجميل والأمينه والشرير، وفي الآخر إتلخبطوا كلهم على بعض ولا عرفنا حد من حد ولا ده من دي.

وتوته توته فرغت الحدوته وسبحانك يا رب يا مسبب الأسباب.

* من وحي ست الحسن والسبع جدعان، سبق ذكره.

المنسيه والمحظيه

وبدر البدور والطيره*

سحر صبحی

كان ياما كان في سالف الدهر والأوان، زى ما هو الحال الآن، كان فيه ملك وما ملك إلا الله وكان متجوز اثنين واحده اسمها المحظيه والثانيه اسمها المنسيه، والمحظيه كان لها ولدين وكان جوزها باني لها سرايه كلها بنور في بنور محاوطها سور دهب عالى. وكان كل يوم يقعد في الجنينه متداري في ظل العنبايه يتفرج على المحظية وهي قاعده جوه البنور ومتحاوطه بجواهره. أما المنسيه فكانت قاعده في كوخ صغير مع ابنها حسن لا جوزها بيشق عليها ولا حد بيسأل فيها. وفي يوم قالت لابنها:

يا حسن عهد على أربيك وأكبرك لحد ما تبقى أشطر واحد في الدنيا.

وقعدت تزرع حوالين كوخها لحد ما بقى عندها جنينه ولا في الجنة، إشى تفاح، وإشي برتقان، وإشي برقوق وكل ما الشجر يكبر طول حسن كمان يكبر.

أما أولاد المحظيه فكانوا شايفين كيفهم شويه ومعاهم بارود بيصطادوا طير من الجبل. وفي يوم اصطادوا طيره وروحوها السرايه عند أمهم وحطوها في قفص ذهب جنبها، لكن لقوها زعلانه لا بتنبس ولا بتتكلم فقالوا نجيب لها وليف. ونادي المنادي في البلد ينادي على الناس علشان يطلعوا يجيبوا وليف لطيرة المحظيه. وطلعت الناس كلها تصطاد لكن أولاد المحظيه اللي هم كانوا معاهم بارود ضحكوا على الناس وقالوا ماحدش هيعرف يصطاد إلا إحنا وطلعوا هم كمان يصطادوا الوليف.

أما المنسيه فلما سمعت المنادي قالت لحسن:

اطلع انت كمان يا حسن هات وليف الطيره علشان ينفك كربها ويزول حزنها.

فطلع حسن زى بقية البلد. وهو في الطريق قابل اخواته قالوا له:

رايح فين يا حسن؟

قالهم:

رايح أجيب وليف الطيره.

فقالوا له:

تعالي معانا انت أخونا وأولى تخدمنا.

وقاموا مشيلينه حاجتهم ومشيوا التلاته سوا لحد ما لقوا قدامهم تلات طرق: سكة السلامه، وسكة الندامه، وسكة اللي يروح ما يرجعش.

قام الأولاني قال:

انا هروح من سكة السلامه.

والثاني قام لوى بوزه وقال:

وانا بقى هروح من سكة الندامه وانت يا حسن تروح من سكة اللي يروح ما يرجعش. ومشيوا.

الشاطر حسن جه ماشي، وهوه ماشي في السكه لقى واحد عبد کده نایم، فقام قال له:

السلام عليكم.

قال له:

عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

قال له:

إيه تعنى اللى تودي ما تجيبشي، انا عاوز أروح بلد الطير.

قال له:

يا بنى بلد الطير بعيد، إيه اللي يوديك لها.

قال له:

انا عاوز أوصل لها.

قال له:

هيه في السكه دي، وهيقابلك عون فاتح حنكه وهايكلك، هاتروح إزاي؟

قال له:

انا عاوز أوصل لها وبس.

قال له:

طيب انا لسه عن ما أموت نص ساعه، بعد ما أموت، كفنى وادفني واقرا عليه سورة، وخد صفيحة السمنه ديه وكيلة الدقيق دى على ضهرك، ومد ع السكه اللي تودى ما تجيبش، هايقابلك العون، يقولك رايح فين؟ قل له رايح بلد الطير، وقل له طب وديني، هايقولك لأ انا هاكلك، قول له طب لما آكل لي لقمه وبعدين كلني، وقول له آكل حتة العجين دى بس، وأول لقمه تبدأ تاكلها تقول له تاخد لك لقمه؟ يقول لك مش واكل، قول له لا تعالى كل دى بسيسه حلوه، وساعة ما يدوق طعمها ها يكلها ويوديك مطرح ما انت عاوز.

هوه خلص الكلمتين دول وقام ميت، قام مغسله، وقام فحر له، وفرش له ودن، وغطاه بودن وردم عليه، وقرا عليه سورة، وأخد الشوال على كتفه بالسمنه والدقيق وقال بلاد الله لخلق الله“.

قعد ماشي على الطريق، قام قابله العون، قال له:

رايح فين يا بني؟ انا عاوز أكلك.

قال له:

انا رايح بلاد الطير.

قال:

دی بعیده قوی یا بني.

قال له:

انا عاوز أروح وبس.

قال له:

هاكلك الأول.

قال له:

لا. لما أكل لقمه وبعدين كلني.

قام عجن العجين في السمنة، وبدأ ياكل كده مقدرشی، مالوش نفس. قال له:

خد كل لقمه.

قال له:

انا مابكلش انا باكل بني آدمين وبس.

قال:

طيب بس كل لك لقمه، دى لقمة بسيسه حلوه.

قام واخد لقمه، وداق طعمها كده، لقى طعمها حلو، قام مطوحها.

قال له:

رايح فين يا بني؟

قال له:

رايح بلاد الطير.

قال له:

طيب إركب.

قام راكب على ضهره وطار بيه لغاية شط البحيره بتاع الطير، وقام منزله، وقام ماشي، أما مشى شويه لقى فلوكه جايه في البحر صغيره، قام مشاور لها، قامت جايه، قام نازل من قلبها:

رايح فين يا بنی؟

رايح بلاد الطير.

قال له:

دا بلاد الطير بعيده يا بني.

قال له:

وديني.

دنه ماشي في البحر معاه، موجه تشيله وموجه تحطه، لما قابله قصر، القصر ده بتاع بدر البدور اللي هيه أبوها باني لها قصر في البحر علشان لا تشوف رجاله ولا تتجوز ولا حاجه، قعد يهابش لغاية ما طلع القصر، قام مخبط ع الباب، قامت بدر البدور باصه:

– “الشاطر حسن؟

قالت له:

تعالى يا شاطر حسن أهلا بالشاطر حسن.

وراحت حبته، قام طلع لها وقال لها:

انا عاوز أروح بلاد الطير.

قالت له:

ليه؟

قال لها:

انا عاوز طير يعني إيه وليفته عندنا، وهيه زعلانة علشانه، وعاوز أجيبه لها.

قالت له:

طيب ياله.

قاموا ماشيين، حلت الغليون وخدت حاجتها وطلباتها وقامت طلعه على بلد الطير، وهم في الطريق قابلوا اخوات الشاطر حسن تاني ولما شافوا اخوهم ومعاه بدر البدور، بهرهم حسنها واستخسروها في ابن المنسيه راحوا واخدينها منه ورموه هو في البير. أخدوها وكل ما يبصوا عليها يبهرهم جمالها وحسنها وكل ما يشوفوها حلوه يكايلوا من الكنوز ويحطوا فوقها، كل يوم يبصوا عليها ويقولوا:

إحنا فزنا بالقمر الكامل، فزنا بأحلى بدر منور.

ويقوموا مكايلين جواهر وحطينها فوقها وبقوا يأكلوها بدل الأكل جواهر ويشربوها من دهب، يوم ورا يوم وجل الجواهر يعلا هي تصغر من قلة الأكل والميه، لحد ما يوم لقت نفسها صغرت ومش باينه من كتر الجواهر اللي فوقها ففكرت قالت: “انا أحفر خندق من تحت الجبل ده وأخرج منه“. وقعدت تحفر تحفر تحفر لحد ما حفرت لنفسها خندق ضيق وطلعت من تحت الجواهر اللي حطوها فوقها. طلعت بدر البدور معفره، مجفره، وتعبانه، وعدمانه من قلة الأكل والتعب. أول ما وقفت قدامهم نحيفه وضعيفه لكن لها عينين بتبرق وشفايف بتتحرك خافوا وجريوا يصرخوا ويقولوا:

إلحقونا يا خلق هوه، بدر البدور اللي كنا فاكرينها حته من السما العالية طلعت إنسيه زيها زى بنات جنسها. والناس تسمع الحكاية وتقول:

أما صحيح إنسيه بنت جنيه.

ومشيت بدر البدور تدور على الشاطر حسن.

أما الشاطر حسن اللي إخواته سابوه في البير، أما حدفوه بقى، لقي واحد إستلقاه من تحت، خاف، وقال:

مين؟ إنس ولا جن؟

رد عليه قال له:

أنا العبد اللي انت دفنته وقريت عليه سورة. وأنا زي ما ساعدتني هاساعدك.

وراح مطلعه من البير، طلع الشاطر حسن يدور على وليفته ويدور على وليف الطيره الحزينه.

وكان في الوقت ده أهل البلد اللي طلعوا يجيبوا وليف للطيره كل يوم يصطادوا واحد. وكل مرة يمسكوا طير يحزن ويقول:

يا ريتني إتخلقت كبير كنت غلبت أولاد آدم.

وأول ما يحطوه في القفص مع الطيره يفرح ويقول:

أتارى ولاد آدم دول شاطرين، لهم عقل زى ما فيهم قوة، أهم جابوني هنا أكل وأشرب وأوالف أحلى طيره وانا اللي كنت فاكرهم ناويين على أذيه.

ويبريش الطير ويقرب من الطيره ويرفرف يوريها قوته وجماله وكل ما يقرب كل ما هي تبعد ولما تتزنق في القفص تقوم نقراه لما تنتف له كل ريشه. يحزن الطير وينده على أصحابه بني آدم ويقول لهم:

إلحقوني دي هتموتني.

يضحكوا عليه ويقولوا له:

يا خيبتك. تستاهل اللي جرى لك مش قادر على حتة طيره مرميه؟!

جابوا لها ألف وليف وميه وكل مرة تتكرر الحكاية هي هيفي الآخر قالوا:

دی نفریه، سيبوها تطلع وتعيش مخزيه.

فرحت الطيره وطارت في العالي وقالت:

أخيراً هرجع لوليفي اللي ماتعوضنيش عنه الدنيا.

وطارت الطيره وأول ما شافت جنينة المنسية بهرتها فوقفت على شجره تتأملها. جت لها المنسيه وقالت لها:

أهلاً وسهلاً يا طيره انت حكايتك إيه رايحه فين وجايه منين؟

حكت لها الطيره حكايتها واللي شافته في سراية المحظيه، ومن بعدها بقت المنسيه كل يوم تستنى جوزها أول ما يخرج من سراية المحظيه ساعة مغربيه وتروح لها تحدثها وتونسها وتخفف عليها بلوتها التقيله دهيه.

وتوته توتهولا بتفرغ الحدوته.

* من وحي حكاية الشاطر حسنفي مجلة الفنون الشعبية، العدد 51، إبريل. يونيو ١٩٩٦، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب)، ص ۱۱۳ ١١٦.

حكاية ندى الورد *

أميمة أبوبكر

كان ياما كان فيه أخين، واحد خلفته صبيان والثاني خلفته بنات. وفي يوم من الأيام رجع أبو الصبيان لداره زعلان، قال له أصغر ولاده:

يا أبويا إحنا لا نحب النكد ولا الهم، نحب الفرفشه وخفة الدم، إحنا خارجين لغاية ما تروح كُربتك.

الأب نادى عليهم وزعق:

عنده حق عمكم لما كل يوم وانا باصبح عليه وأقول له صباح الخير يا أبو سبع وردات، يرد على، صباح الخير يا أبو سبع شوكات. بيعايرني بخلفتی.

الولد الصغير إتسمر في مكانه، ورجع من الباب وقال لأبوه:

خللى عمى يجيب أجدع بناته ونطلع إحنا الاتنين في الدنيا الواسعـه، ونشـوف مين فينا اللي ح يكون شـوكـه في جنب أمه وأبوه، ومين الندى الحنين اللي يمسح على جبينهم وقت تعبهم؟؟

ولبس الصبي لبس بنيه لجل ما يورى الناس إن حنية البنات اللي بيقولوا عليها ضعف وخيبه وقلة حيله، ولازم لهم صبيان جامدين ما بيتهز لهم رمش ولا تنزل منهم دمعة بكا. وسمى نفسـه ندى الورد. طلعوا هما الاتنين في الخلا، ومشيوا لغاية لما قابلوا مفرق تلات طرق، وعند المفرق ست صالحه قاعده لوحدها بتتعبد لربها وكافيه خيرها شرها. سألوها عن الطرق الثلاثه قالت:

دى سكة العقل، ودى سكة الحنيـه، والتالته سكة اللي فيكم سليم النيه.

البنت الحقـيقيه اختارت السكه التالته، وندى الورد اختـار سكة الحنيـه وقـال: دى حتبقى رحله سهله. مشي في السكه كتير لما تعب وقعد يستريح جنب حيطة بيت، طلع إنه بيت قاضي عجوز وحدانی وطى وسأله: انتي مين يا بنيه؟ رد وقال:

انا نـدیندى الورد، أتحط على الجـرح (كـتـم ضـحـكة استخفاف) يطيب وأمسح جبين التعبان.

قال القاضي:

طيب يا بنتي، والنبي تقعدي معايا، تاخدى بالك منى وتونسيني في وحدتي، تاخدى وتدي معايا في وقت كربتي.

قعد/ قعدت ندي الورد في بيت القاضي الطيب، لكن لا عـرفت تونسته ولا تخفف عنه وحدته، مسكها الزهق وما قدرت تدى حاجه من عندها. في يوم خرجت وما رجعت، قالت لنفسها:

انا ماليش في حنية الصبايا دي، ح أرجع وأسافر في سكة العقل، انا في الأصل صبي والعقل ده شيمتي وخلقتى.

رجع مرجوعه، ومشى في السكه الثانيه كتير لما تعب، وقعد يستريح جنب حيطة بيت، أتاريه برضه بیت قاضی عجوز وطيب، وطى وسأله:

انتي مين يا بنيه؟ رد وقال:

انا نديندى الورد، قلت أمشي في السكة دي، لكن هي ليه السكه خاليه مهويه، انا قلت حلاقى هنا صبيان وبنين ياما.

إندهش القاضي وقال:

غريبه.. الشكل شكل بنيه، والسؤال سؤال صبي.. ما تعرفيش يا ندى الورد إن العقل لا بتاع صبى ولا بنيه، وإن الحنيه ويا العقل دايما تلاقيهم في سكة حسن النيه؟

ندى قال:

الله !! دي السكه اللي مشيت فيها بنت عمى، دانا لازم ألحقها.

رجع مرجوعه، ومشي في السكة التالته، لقاها كلها نور ونسمه تشرح القلب، ومليانه ناس: بنات وصبيان.. بنين وصبايا، وبنت عمه هناك.. هناك وسط النور والنسمة. ندى الورد قال:

لازم أرجع لأبويا أورى له إنى فعلا حاكون ندى يطرى على قلبه وقت كبره وحزنه، وأقول له لقيت بنت عمى ورده مفتحه.. ثابته ومصحصحه.. أريجها طاير مع النسيم يشفى كل عليل، والنور اللى هنا حته صغيره قوى من نور خالقنا كلنا.

لمحته بنت عمه.. قربت.. هلت وصبحت:

صباح الخير يا أخو الست شوكات.. والا أقول ست وردات؟

خلع الولد لبس الصبيه وقال:

لا وردات ولا شوكات. انت بنيه وانا صبى، سوا.. فينا الندي وفينا الشوك، فينا العقل وفينا البكا.. فينا الحنيه وفينا الجموديه، المهم.. مين فينا اللي سليم النيه.

* من وحي حكاية أبو السبع بنات، بحث: صالح أبو مسلم إبراهيم سليمان، الحكاية الشعبية في ريف محافظة الشرقية، المعهد العالي للفنون الشعبية، أكاديمية الفنون. القاهرة، ۱۹۹۲، ص ١٤٣ ١٤٤.

صفيه المخفية*

هدى الصده

نهاركم سعيد.

انا صفيه المخفيه. اسمي الحقيقى صفيه، لكني مخفيه. قصدى طبعاً مخفيه في الحواديت والحكايات الشعبيه. مخفيه لا لى اسم ولا هويه.

انا الست العجوزه اللي بتظهر في الحواديت وحكايات ألف ليله وليله، وتحتال على نعم مرات نعمه وتخرجها من بيت جوزها وتبيعها في سوق الجواري. انا برضه الداده اللي بتساعد ست الحسن والجمال على الهرب من مصير كثيب لا يرضاه عدو ولا حبيب. دوری صغير وقصير. أظهر واختفى على طول. لكنه دور سامي في تعقيد الأمور. لكن، لا يمكن أبدأ أكون بطله أو ألعب دور كبير في الحدوته.

إيه اللي بيميزني وليه انا مخفيه؟ أهم حاجه هو كبر السن، أو العجز، أو الحكمه أو كتر التجربه، أهم شيء هو أن عمرى الافتراضي انتهى. عمرى الافتراضي كمصدر أو موضوع للشهوه.. انتهى.

زمان كنت برضه ست الحسن والجمال، لي دور طويل، مره أهرب من ابن السلطان، مره انفد بجلدي من أخويا وأبويا، ومره أتسخط كلبة، ومرة استسلم لقدرى وأقول ماتفرقش. كنت برضه مخفيه، من غير اسم ومن غير شخصيه. أتشال واتحط واتحط وأتشال. على رأى الناس الفهمانه، كان حالي عباره عن تنويعات على لحن واحد. أهم حاجة في كانت الجمال. يعني كنت ظاهره لكن حقيقي مخفيه.

دلوقتي وبعد ما انتهى عمرى الافتراضي، بقيت بجد مخفيه. وضع مريح وله مزاياه الكتيره. أروح وأجي زي ما انا عايزه. أدخل بيوت وانا م في قصور.

أحب أكون صفيه الحقيقيه. أحب أكون دايما انا زي ما انا . أحب يتقال اسمي، صفيه، والناس تعرفني وتشوفني وتسمع عني. أحب أكون موجوده في الدنيا. أحبكفاية كده. وخلصت الحدوته.

إمسكوها

سمية رمضان

بدأ الحكى وجاء صوت رانيا:

– “كان فيه مره وراجل“.

صوتها مرتعش يتهدج ويبعثر نهايات العامية المصرية كأنها تزوره من فوق صخرة وسط أمواج بحر الشمال الرمادية الموحشة. ساحرة غضبي جاءت تحمل البحر والسحب والريح والزيد ذنوب النساء والرجال. لا تنتظر مغفرة.

– “كان فيه مره وراجل“. إلى أن يبلغ الصوت ذروة متوترة.

لما أنهت عملها هدأت الأمواج وكفت الرياح وتجمعت في الأفق دموع السحب تسكب مطراً ناعماً على الكون فسكن وهدأ كل شيء دموع ولكن بقى صوتها:

انا المره دى.. انا المره دي.

دوامة الصوت تشرب المعاني ولا يبقى سوى الصوت، يجذب افكاري نحو مركز الدوامة، يبتلعها وينمحى أثر التذكر فقط يبقي صوت رانيا ترنيمة وثنية مؤرقة؛ رجع صدى لعالم وأدته ولم يمت.. انا المره دى.. انا المره دي.

من زمن موغل في القدم.

أنوثتي لا تبرح ذهني لحظة. أراقبها مراقبة صارمة، فلا تبين إلا من الوجه الذي يعاندني، صورته في المرأة تغويني ونرجسيتي تجذبني إلى دائرة الرغبة المغلقة. أمضى ساعاتي أمام المرأة أنتظر، مرة كل شهر عندما يكتمل القمر أراها هناك. غولة شعرها محنى وأظافرها طويلة، لا يضيء ظلام الحجرة حولها سوى شمعة رفيعة على التسريحة أمام المرآة. يلمس ضوء الشمعة أطراف الاحمرار في الشعر الطويل فيتطاير الشرر من حولها، وتعوى الذئاب. ترفع يدها نحو القمر تقضمه وتلوك وتبلع والدم ينسال من جانبي فمها ولما تأتى على القمر تبكي وهي تمسح آثار فعلتها الشريرة. أمسح الدم والدموع بعناية من على المرآة وأمشط شعرى وأعقصه وأعود أنتظر وجه نرجسيتي العذراء.

فتحتُ الباب وكان الوقت متأخراً، وقفت أمامي امرأة شبه عارية. كانت تلبس شورتضيق وبلوزة مفتوحة الصدر لها أكمام طويلة لاصقة، انا أيضاً ألبس الشورت أحيانا وارتدى بلوزات لاصقة، لكنى أبدأ لا أبدو عارية. الفارق بيني وبين تلك التي أراها الآن تحمل كرتونة مربعة بها حلوى في الغالب، هو الأشياء المكملة للشورت والبلوزة؛ تلك الأشياء وليس الشورت والبلوزة هي سبب العري.

وزنها أكثر من اللازم لكنها تحركه بلا أدنى وعى بالمساحة التي يحتلها وكأنه حقها المفروغ منه في الفضاء، بشرتها تلمع وصوتها قوى مقتحم، في فمها شيء تلوكه في حركة لدنه فتتحرك شفتاها المحددتان بروج لامع ببطء يوحي أنها امتداد للبانه، بدا لي أنها تتعمد استفزازي.. فالمتعارف عليه أن تلويك اللبان في فم النساء فعل مستفز. أول الأمر ظننتها أجنبية: إيطالية أو يونانية مطعمة بتراخي بنات البلد، لكنها قالت في لهجة قاهرية متعلمة:

أنا آسفة جداً. نسيت أن سوزان نقلت فوق.

وقفت أحملق فيها فرفعت عقيرتها بضحكة وقحة من ضحكات غواني حسن الإمام متحدية عوالم الرغبة المكبوتة في المحاكاة فلفظتني إلى سراديب الغيرة والجدب والاحترام. مضت وتخيلت أنها ربما ظنت أنها أصابتني في مقتل.. أختى وغريمتي.. ربما.

مدام خاندریس زوجة صاحب المراكب اليوناني الشهير راحت تتملى أبي وهي تمد له يدها بالولاعة الديبون الذهبية، أنظر إلى أمي ولا يبدو عليها أنها تلحظ أن مدام خاندريس عارية، فستانها أسود ذو ياقة عالية، شعرها خصلات طويلة متناثرة، بشرتها لامعة وأسنانها بيضاء وراء شفتين ممتلئتين على فم واسع. حاجباها خفيفان ووجهها مستدير ممتلئ.

أمي شعرها أسود قصير، حاجباها كثيفان ومستقيمان على أنف دقيق وفكاها مربعان، فتحة بلوزتها على هيئة سبعة عميقة تصل إلى خصرها الذي شدت عليه حزاماً عريضاً، في الصباح كانت عيناها محمرتين. ونحن نشرب الشاي في بلكونة حجرتها في الفندق في أثينا وضع أبي يده في جيب سترته وأخرج الولاعة الديبون الذهب وأعطاني إياها:

خذى، انت تدخنين أليس كذلك؟

ثم وضع يده على كتف أمى لكنها ظلت شاردة. كانت أختى تقول:

خانها.. خانها مع المره الـ

يومها انتقمنا بالكتابة.

لا أذكر إلا مشهد المحاضر يقول في صوت رخيم:

البنات المهذبات بالذات لو كن جميلات الوجه يذهب بهن لمدارس الراهبات.

لو كان يتحدث عنى وأختى لقال:

وينجحن بمجموع كبير ثم يحصلن على الماجستير والدكتوراه ويصبحن أستاذات محترمات وهكذا نرتاح جميعاً من ضرورة مراقبة سلوكهن الجنسي قبل الزواجأو بعدهفكلما نما العقل وامتلأ انكمشت أعضاء الأنوثة وضمر البظر وإن كان ذلك يترتب عليه خطر أن يكففن عن مراعاة مظاهر الأنوثة في الملبس والحركات ولكن في النهاية يظل هذا شراً أخف من شر، كما أن تلافيه ممكن ويكون بتصدير الصور المناسبة في الإعلام عن مظهر الأنثى المرغوبة للزواج، على أن يتبدل هذا المظهر من عام لعام حتى تظل البنات والنساء من بعدهن مشغولات بمظهرهن المرتبط بالملابس والمكياج ومن ثم الحجاب والسفور فلا يتحسسن أجسادهن العارية أمام المرآة وما يترتب على مثل ذلك من انشغال عن أمور المجتمع الحيوية أي الولادة والحملوما إلى ذلك. ولكن حتى هذا يمكن تلافيه لو أقررنا قاعدة ثابتة فيما يخص وزن الجسد بحيث يكون انحساره وانكماشه أرق ومن ثم أكثر احتراماً وبذا يصبح هدفهن النحافة التامة أو التلاشي والشبحية؛ بحيث كل وعزيمتها، كل وقدر توقها إلى عوالم الروح الخالصة، على أن يذكرن بانتظام أن الجنة تحت أقدام الأمهات.

يومها علقت صورة تويجيعارضة الأزياء الإنجليزية على ضلفة الدولاب الداخلية ونذرت الصوم كل اثنين وخميس.

وزني لا يزيد عن سبعة وأربعين كيلو جراماً، أفطس صدري في سوتيان ضيق وأشد البلوزة من فتحة رجل لباسي كي أمحو أي نتوء ممكن. كان من المفترض أن يكفل لى ذلك القضاء على كل رغبة وكل حاجة إلى جسد يكمل فجواتي، لكنه عندما بدأ يزيح عنى ملابسي الصيفية القليلة وقفت مسلوبة الإرادة استمتع بلمسه يخدر عضلاتی المشدودة على الاحترام يلينها ويرخيها يعيد تأهيلها. لما وقعت يده على الكورسيهضحك:

إيه ده؟

ولم أرد بما تبادر لذهني وكان الحقيقة.

حتى لا أهتز وانا أمشي.

ابتسم فبدت لي حاجتي عورة ذليلة تتسول الستر. ارتديت ملابسي في خزى وخرجت.

في الطريق لمحتها مدام خاندريس تلبس شورتاً ضيقاً وتمسك في يدها كرتونة مربعة؛ كان الدم يسيل من جانبي فمها وهي تسرع نحو النهر عندما بدأ المطر يهطل وارتفع صوت رانيا مسبحاً للأمواج، ناثراً تحديه على عروفها يسكب الدموع على احتدام سخونة الغضب ورعد الانتقام فرحت أتمتم معها، صوتي خفيض مرتعش بداية ثم ملتمس الثقة من الهدوء المنتشر رويداً فزعقت:

انا المره دىانا المره دى!

– “إمسكوها!”.

البداية*

منيرة سليمان

يحكي أنه في بداية الزمان وسالف العصور والأوان خلق الله السماء والأرض والوديان وجبال وبحور ونجوم وأجواء، فكان هذا الكون كون الله وأضفاه الله بصفاته فجعله مهيباً عظيماً، فيه من القوة والكرم مثل ما فيه من الحكمة والعلم. وأراد الله أن يتمتع بهذا الكون كل من يحيا فيه، فخلق ملائكة ونبات وطير وحيوان يسبحون بحمده ويشكرون نعمه، فكانوا جميعاً مثلما أراد لهم الله أن يكونوا جزءاً من أسرار هذا الكون. وأراد الله أن تدب في هذا الكون الحياة فخلق الإنسان وزوده بالقوة والحكمة، فكان من نصيب الرجل القوة وكانت الحكمة من نصيب المرأة. وانطلق الرجل يتسلق الجبال ويعدو عبر الوديان، يشق البحر ويفلق الأحجار، وفي آخر النهار علم من أين يأتي بالرزق والمال. وانطلقت المرأة هي الأخرى تمشى بين خضرة وأشجار، تتلمس الورود وتحدث الطيور فسرعان ما ألفت المكان. وعندما جاء الليل نادت عليها النجوم وعلمت منها أسرار الكون.

وعلى هذا الحال وجدها الرجل حين عاد، وقبل أن يطرق الباب فتحت له، وحين سألها عرفت إزاى إنى جيت؟، أجابت: “العصفوره قالتلي“.

امتعض قليلاً ولكن سرعان ما نسى لأنه كان يريد أن يقص عليها مغامراته في تسلق الجبال ويستعرض بطولاته في صيد الحيوانا ت المفترسة، وانطلق يحكي ويروى عن قوته التي لا مثيل لها في الأكوان، والمرأة شغوفة تستمع باهتمام عن هذا الكون المليء بالأسرار. ولما انتهى الرجل من الكلام، استدار لها وقال هيه بقى عملالنا أكل إيه النهارده؟“. فنظرت إليه المرأة بدهشة شديدة ولم تدر بماذا تجيب، فلم يخبرها أحد أنه كان يجب عليها أن تحضر الطعام، وهي لا تدرى من أين جاء هو بهذا الكلام الغريب. فردت عليه ببساطة ماعملتش أكل النهارده“. فكشر الرجل عن أنيابه وقال ليه بقى يا ست هانم؟“.

شعرت المرأة بتغير نبرة الصوت، ولم يعجبها هذا الكلام، فردت عليه بسؤال وهو مين بقى إن شاء الله اللي قال إنى مفروض أحضر لك الأكل؟، وانقضت عليه بسؤال آخر قبل أن يتفوه بكلمة أخرى إشمعنى انا ماسألتكش جبت أكل معاك وانت جاى ولا لأ؟، وتحسباً لأى هجوم آخر من طرفه استطردت في الكلام الناس تخش تقول إزاى الحال وعملت إيه النهارده، يعني انت مثلا ماسألتنيش عن العصفوره اللي قالتلي إنك جاي في السكه“. فرد عليها الرجل مشدوهاً عصفورة إيه؟“.

فقالت المرأة باهتمام اسكت، مش انا النهارده نزلت أتمشى وسط الشجر والخضره، وانا ماشيه وسط الجمال ده کله، طارت جنب منی عصفوره لونها أصفر وقالتلي شاكلك كده جديده ع المكان، تعالى أفرجك واحكيلك عن أصل كل حاجه“.

وبينما المرأة منهمكة في الكلام، تحكى للرجل عن العصفورة التي أخبرتها بأسماء الورود وأنواع الأعشاب: الشافى منها والضار، كان الرجل قد اتخذ القرار. وانتهت المرأة من الكلام بس يا سيدي، وقبل ما تيجي انت بخمس ثواني، العصفوره كانت قايلالي“.

فهز الرجل رأسه وقال علشان كده بقى مفيش أكل، وأضاف متهكماً ما انت طبعاً ماكنش عندك وقت“. فردت عليه المرأة بعصبية برضه ح يقوللى الأكل. انا بأقول إيه وانت ف إيه“. فرد الرجل عليها بهدوء لا أقول ولا تقولي، خلاص بقى اللي حصل حصل، المهم دلوقتي تعالى بينا نروح لحد البحر نصطاد اللي نصطاده، نشويه وناكله ويبقى ده عشانا “.

وافقت المرأة على الفور وأحست أن الرجل قد عدل عن موقفه وأنه يدعوها لمشاركته، فذهبت معه بعد أن أخذا أدوات الصيد من شباك وسنانير. وما أن وصلا إلى البحر حتى بانت نية الرجل، فعلى غفلة، أخذ المرأة بعد أن ربط يديها ورجليها وألقى بها في وسط البحر وهو يقول إبقى خلى العصفوره بقى تنفعك“.

وفي صباح اليوم التالي حين تساءل الكون عن المرأة، رد الرجل الحمد لله ربنا خلصنا منها أصلها طلعت ساحره“. وعندما رزق الله هذا الرجل بامرأة أخرى كان قد تعلم الدرس، فقبل أن يخرج في الصباح ليغزو أرض الله قال لها اعملى حسابك الساعه خمسه لما ارجع البيت تبقى طابخه وغاسله وماسحه، فردت المرأة حاضر يا سیدی“.

ولما خرج الرجل نظرت المرأة إلى الشباك وبطرف عينها غمزت لصديقتها العصفورة الصفراء، فضحكتا سوياً على هذا الرجل الغلبان وما ينتظره من…

* استخدام اللغة دون تعديل مقصود.

مسك الليل*

نسمة إدريس

صدق اللي قال إن الستات سبب كل السهاد، ما يقدر على القدره إلا الله، والله ما كان على البال ولا كان في النيه، اصطبحت على صبيه نديه منديه، وشها بدر وجسمها عنبر وشعرها فجر وشمس وقمر، شفتها عقلى احتار وقلبي ولع نار. قلتلها: – إيه اللي جابك حينا يا زينة الستات؟

قالت: مات.

مين هو اللي مات؟

جوزی مات وسابني صبيه، ما قدرش على المداويه. اسمى مسك الليل وما أظهرش غير بالليل.

خدتها عندي في الدوار ومنعتها تظهر لا ليل ولا نهار، ما انا اللي لقيتها تبقى مسكى انا وحدى. مسكتها من إيدها وحبستها في بيتها، وكنت أسيبها طول الليل وأرجعلها بالنهار، ترفضني وتنهرني وتقولي:

انا بأكره النهار وأذوب في الليل.

في يوم من ذات الأيام فاجأتها بالليل وما مصدق حتى الآن ما رأيت. النور اللي مالي البيت، والمسك فايح من كل حيط، دی لازم الجنه موش بيت. الخاينه لازم فيه حد معاها سبب كل هناها. رحت بسرعه جريت وفي إيدي فاس كبير علشان أقطع رقبته. هبيت عليه وقطعت، ويا ريتني ما أتسرعت. أتريني قطعت فرع من فروع مسك الليل. أتريها شجره متظهرش ريحتها إلا في جوف الليل.

* استخدام اللغة دون تعديل مقصود.

ليه.. هو كده.. ده كلام فارغ

هدى الصده

قالوا الشعر شعر غزلان

والفم مسك ورمان

والخد وردات بستان

واللون حليب صفيان

والقد غصن بان

نبيه ونبيهه اخوات. ولدوا توأم وعاشوا توأم. يلعبوا ويذاكروا دروسهم ويتشاجروا دائماً مع بعض. لكن، ليس هذا هو المقصود. كان بينهم في الأساس حاجتين اثنين: كلمة ليه، وجملة ده كلام فارغ“.

كل الأولاد والبنات بيسألوا ليه“. الشمس بتطلع بالنهار والقمر بالليل، ليه؟ الكلب مابيحبش القطه ليه؟ الناس في الشارع زهقانين من إيه؟ والكبار دايما يحاولوا يردوا، ويفهموا وساعات يزهقوا. لكن نبيه ونبيهه، كانت لهم أسئله تحير الكبار، أو تضايقهم أو تغضبهم. وكل مرة يتكرر نفس المشهد.

الرجاله ما تعيطش ليه؟

رد الكبار: هو كده.

ينظر نبيه إلى نبيهه، يتذكر اليوم الذي وقع فيه من على الكرسي، وآلمته رجله ألماً شديداً، بكي من شدة الألم وسمع أهله بكاه، فجاءوا ليخففوا عنه. ويتساءل: هم الرجاله مابيحسوش لما يتوجعوا؟ يتذكر أيضاً اليوم الذي بكى فيه من شدة الفرح، عندما عادت أمه من غياب طويل: هما الرجاله مابيتأثروش؟

وفي كل مرة يقول فيها الكبار هوكده، يتبادل نبيه ونبيهه النظرات، ثم يحيدان بنظرهما إلى السماء ويقولان في صوت خفيض:

ده كلام فارغ“.

في المدرسة، تحكى المدرسة حكاية سندريللا. بنت جميلة ورقيقة، تعيش حياة تعسة وشاقة مع زوجة أبيها وابنتيها. تساعدها الجنية الطيبة، وفي حفلة بهيجة يعجب بها أمير الأحلام ويتزوجها وينقذها من عيشتها الكئيبة. ليه؟

تتذكر نبيهه يوم تاهت من أهلها في المولد وجاء الليل، وانفض الناس ورأت أمامها شلة من الشباب الضايعين بدأوا يضايقوها ويخوفوها. لم تجد الجنية الطيبة ولا الأمير فارس الفرسان، ولكنها وجدت ذكاءها وقوتها هي أفضل وسيلة للتغلب على الصعاب. وكما هي عادتهم، تبادلت مع نبيه نظرات الشك والاستغراب، وقالوا في نفس واحد: ده كلام فارغ.

وفي يوم من أيام الشتاء، جلس نبيه ونبيهه مع بقية أفراد أسرتهم يستمعون إلى حكايات شعبية في الراديو. كانت حكاية حسن البهبهاني، أو حكاية بنت تنكرت في زي ولد لتستطيع السفر والبحث عن الرزق في البلاد. شك فيها قاضي القضاة، فقالت له زوجته: “نعزمه على الغدا، إن كل كتير يبقى بنيه، وإن كل لقمتين وقام يبقى راجل“.

ليه؟

لأن الراجل وراه مشغوليات.

طب ما الست وراها مشغوليات!

هو کده.

يتأمل نبيه ما يحدث في بيته، أمه كثيرة المسئوليات، عادة تكون أول من يغادر مائدة الطعام. وفي بعض الأحيان، يضطر أبوه إلى الانتهاء من طعامه بسرعة والعودة إلى شغله. لم يلاحظ قاعدة. لا يفهم كيف يخترع الناس مثل هذه الأقوال. ينظر إلى نبيهه ويحرك شفتيه: ده كلام فارغ. يركز مرة ثانية في صوت الراوي، وهو يحكى عن زوجة قاضي القضاة، بعد أن فشلت في خطتها الأولى، لاكتشاف هوية حسن البهبهاني. نحط تحت المرتبه ورق ليمون أخضر، لو دبل يبقى بنيه وإن فضل يبقى راجل. وقف نبيه ونبيهه في نفس اللحظة وبصوت عالی صرخا:

ده كلام فارغ.

بنى آليين

منيرة سليمان

يحكى أنه في زمن تاني غير الزمان وفي سالف العصر والأوان وبالتحديد في قرن كان رقمه تقريباً عشرين، كان فيه ناس رجاله وستات. بيتقال عليهم خلق الرحمان وكانوا سبحان الله من أبدع ما صور الخلاق، ولأجل ما يكرمهم الرحمان نادي ملايكه وجان وقال اسجدوا لعباد الله.

ومن فوق، فوق فوق فوق من سابع سما، طلت الملايكه بلهفه وشغف على الناس اللي طرد علشان خاطرهم الرحمان ابن عمهم الشيطان، ومن تحت سمعوا طرطشة كلام:

قال إكفى القدره على فمها تطلع البنت لأمها“.

والثانية ترد تقول اللي يغلبك بالمال اغلبيه بالعيال“.

وده راح فتي لوحده وقال إدبحلها القطه في ليلة عرسها“.

والتالتة ردت عليه خدى لك راجل أهو يبقالك بالليل غفير وبالنهار أجير“.

ومرت الأيام والسنين وطرطشة الكلام بقت صدى صوت واضح وأكيد، رجاله تقول الراجل ابن الراجل عمره ما يشاور مره، وستات ترد عليهم بره وجوه فرشت لك وانت مايل وإيه يعدلك، ولما وصل الكلام لجاتك داهيه يا مره، قالت على راسك يا راجل، سدت الملايكه ساعتها الودان، وقاموا بسرعه للرحمان:

شفلك صرفة في عبادك دول.

قال:

نديهم فرصة كمان.

وفضل يبعت لهم في نبي ورسول لعلها تنصلح الأمور ولا فيش في الآخر فايده ولا فيش تغيير في القول، ولما وصل الحال لطاعه ومحاكم وسكاكين وأكياس قرر ساعتها الرحمان إن دوام الحال لابد يكون محال.

وفي يوم من الأيام صحيت الملايكه والناس النايمين على صوت تزييء والمنيوم بيخبط في صفيح. رجاله تدور على نصها مش لاقيين وستات بإيد واحده ورجل وبس. يا سبحان الله خبطت الملايكه كف بكف، معقوله؟ بني آليين؟. مواسير وسلوك كهربا وزيت تشحيم ونص المنيوم والثاني صفيح؟ وكمان إيد شمال ورجل يمين. إتلخبطوا البني آليين، رجاله تمشي شمال وستات تجرهم يمين، وفي الآخر اتكعبلوا البني آليين، ولما ليل الليل كانوا من الجوع واقعين، قال ساعتها النص الشمال للنص اليمين:

انا جعان.

ردت عليه نصه اليمين:

رجل جنب رجل نوصل بسرعه لشجرة التفاح هناك.

ومن ساعتها والبنى آليين عايشين في تبات وسلام وخلفوا عيال كتير نصهم بنات والنص الثاني بنين.

ومرت قرون وقرون كتير ولا عاد فيه طرطشة كلام ولا عاد فيه تزییء.

حكاية قمر الزمان

وحبيبها ابن الطليان ماركو ماستوريان

أمل عمر

كانت قمر الزمان أميرة مصرية يشار إليها بالبنان لاطلاعها وحسن البيان، ولم تكن أبدأ مهما استزادت من العلوم تصل إلى حد الشبعان. فكان أن رطنت بكل لسان ولم ينقصها إلا لغة الطليان. فبلغ الأمر شاباً يافعاً في بلاد الطليان يدعى ماركو ماستوريان ففكر وقال: مين عارف يمكن حظى يكون كون كان لو أحبتني مثلما أحبت كليوباترا مارکو انطونيو بتاع كان ياما كان.

وبالفعل ضحى ماركو بمتابعة مباريات المونديال، بالرغم من أن فريق بلاده كان ماشى عال العال ودخل دور ال 8 بجدارة بعد طول فتال. شد ماركو الرحال وسافر على استعجال قبل أن يلهف الفرصة واحد من أولاد ال.. حلال. وما أن وصل، حتى بقصرها اتصل، وأخبر وصيفها بأنه على أتم استعداد أن يمكث في البلاد حتى تتقن أميرة العباد لغة بلاده حيث أنه من المعلمين العتاد، فتم تحديد ميعاد.

ولما هل بطلعته عليها، نزل سهم كيوبيد عليها فهو طويل عريض، قوى البنيان، ننا عينيه العسليتين كبيران ومستديران، وشعره بني بلمعة الساتان، أما جلده فبرونزي رائع بفعل السن تان، فلما رأته قالت لنفسها: إنه جدا فتان، بالضبط الشكل الذي يعجبني، جنان! وكان ماركو من الذكاء أن لاحظ على وجهها انعكاس البهاء، وتيقن أنهما سريعاً سيصبحان أحباء. فشرع فوراً أن يعاكسها على خفيف وهو يدرسها، وكان أن وجدته قمر ظريف، فقد كان دمه – ابن الإيه خفيف، كما أبدى من حسن الخلق والطباع ما زاد من شوق قلبها الملتاع، وكانت تقبل على الدروس بينما قلبها في حبه يوماً بعد يوم يغوص، ولكنها شعرت دوماً أنه على سر يدوس. ولما غمزت السنارة، أدرك هو ذلك بمهارة، فصارحها بحبه وطلب منها الزواج. فطار قلبها من الفرحة كالطيارة. ولكنها توجست خوفاً خفياً فصلت صلاة استخارة.

وفي اليوم التالي كان أن إتخذت قراراً. أرسلت سرًافاكساً إلى السفارة طالبة منح عائلة ماركو تأشيرة بالزيارة، ليحضروا زفافهما الذي تقرر أن يقام في القاهرة المنارة. وما هي إلا أيام، حتى جاءتها الأخبار الشؤام. فكان رد السفارة أنه متزوج وأن زوجته سارة تلقت خبر زواجه كصاعقة جبارة. ولما كانت تسكن في نابولي، لمت طفليها من الحارة وركبت أول طيارة.

وبالرغم من صدمة قمر الزمان الشديدة، لم تصبح كليوباترا الجديدة بل لبستها روح حتشبسوت – القوية العنيدة وقالت أملي في حب حقيقى لن يموت، وسأنتظر مهما طال الزمان، واللي يطق يموت.

الجنيّه

نسمة إدريس

كل فوله ولها كيال، وكل عقده ولها حلال. بس العقده لازم لها منشار علشان الفوله تخرج من جلدها للنهار. نوضح الحكايه ونقرب المسافات، علشان يحلو الكلام. لكن كل شيء بالمقدار لأن زى ما انتوا عارفين، ما بين الجنه والنار يدوب دوار.

الفوله في حكايتي جنيه والكيال إنسى من صنف البنى آدمين، وده يخلى عقدتنا مالهاش حلال، ومشكلتنا قريبه من المحال، لأن مكيال الإنس لا يمكن يقدر يوزن ويوازن جنيه مسحوره.

فولة النهارده قصتها عجب وحكايتها أغرب من البدع. قال إيه كانت بنت عاديه مش جنيه ولا حاجه، ولكن من صغرها كانت تكره اللعب والدهب وترفض كل المكاييل والأوزانمش قلتلكم حكايتها أعجب من العجب، وهوايتها كانت أغرب من الخيال. لأ دى مكانتش هوايه دا كان سحر على قول أهلها. قال إيه كانت المجنونه بتصطاد الكلام من الهوا وتحوله لحبر على الورق، كانت بتسحر الحروف وتبدلهم، وتخلى ليهم تأثیر تمام زى السحر الأسود. قال من ضمن ما كتبته قصيده اسمها بين البينين، تحبوا تسمعوها، إيه مش سامعه كويس، علوا صوتكوا شويه. طيب.

بين البينين

بين السما والأرض.. قمر

بين الليل والنهار.. شفق

بين الصدق والخديعه.. كدب

بين الحقيقه والخيال.. وهم

بيني وبينك.. حروف

بيني وبين نفسي.. انا

ومرت السنين والأيام وكبرت الفوله وبقت زهره مفتحه جميله لكنها فضلت رافضه المكاييل، وكل ما ييجى لها كيال عايز يتاقلها بالدهب تقول له: الأوزان الحقيقيه في سحر الحروف والكلمات اللي تطير الألباب وتحرك الجبال.

ومن يومها وأهلها وأهل بلدها سموها الجنيه، اللي مايقدرش على مكيالها لا إنس ولا جان.

والسلام ختام.

أ

ألف ليلة وليلة*

بسم الله الرحمن الرحيم

فقد حكى والله أعلم، وأحكم وأعز وأكرم، إنه كان فيما مضى وتقدم، من قديم الزمان، وسالف العصر والأوان، ملك من ملوك ساسان بجزائر الهند والصين، صاحب جند وأعوان وخدم وحشم وكان له ولدان أحدهما كبير والآخر صغير وكانا فارسين بطلين وكان الكبير أفرس من الصغير وقد ملك البلاد وحكم بالعدل بين العباد وأحبه أهل بلاده ومملكته وكان اسمه الملك شهريار وكان أخوه الصغير اسمه الملك شاه زمان وكان ملك سمرقند العجمولم يزالا على هذه الحالة إلى أن اشتاق الملك الكبير إلى أخيه الصغير فأمر وزيره أن يسافر إليه ويحضر به فأجابه بالسمع والطاعة وسافر حتى وصل بالسلامة ودخل على أخيه وبلغه السلام وأعلمه أن أخاه مشتاق إليه وقصده أن يزوره فأجابه بالسمع والطاعة وتجهز للسفروخرج طالباً بلاد أخيه فلما كان في نصف الليل تذكر حاجة نسيها في قصره فرجع ودخل قصره فوجد زوجته راقدة في فراشه معانقة عبدأ أسود من العبيد فلما رأى هذا اسودت الدنيا في وجهه وقال في نفسه إذا كان هذا الأمر قد وقع وانا ما فارقت المدينة فكيف حال هذه العاهرة إذا غبت عند أخي مدة ثمر إنه سل سيفه وضرب الاثنين فقتلهما في الفراش ورجع من وقته وساعته وأمر بالرحيل وسار إلى أن وصل إلى مدينة أخيه ففرح أخوه بقدومهوجلس معه يتحدث بانشراح فتذكر الملك شاه زمان ما كان من أمر زوجته فحصل عنده غم زائد واصفر لونه وضعف جسمه فلما رآه أخوه على هذه الحالة ظن في نفسه أن ذلك بسبب مفارقته بلاده وملكه فترك سبيله ولم يسأل عن ذلك ثم أنه قال له في بعض الأيام يا أخي أني أراك ضعف جسمك واصفر لونك فقال له يا أخي انا في باطني جرح ولم يخبره بما رأى من زوجته فقال أني أريد أن تسافر معى إلى الصيد والقنص لعلك ينشرح صدرك فأبى ذلك فسافر أخوه وحده إلى الصيد وكان في قصر الملك شبابيك تطل على بستان أخيه فنظر وإذا بباب القصر قد فتح وخرج منه عشرون جارية وعشرون عبدأ وامرأة أخيه تمشى بينهم وهي في غاية الحسن والجمال حتى وصلوا إلى فسقية وخلعوا ثيابهم وجلسوا مع بعضهم وإذا بامرأة الملك قالت يا مسعود فجاءها عبد أسود فعانقها وعانقته وواقعها وكذلك باقي العبيد فعلوا بالجوارىفلما رأى ذلك أخو الملك قال في نفسه والله إن بليتى أخف من هذه البلية وقد هان ما عنده من القهر والغم وقال هذا أعظم مما جرا لى ولم يزل في أكل وشرب وبعد هذا جاء أخوه من السفر فسلما على بعضهما ونظر الملك شهريار إلى أخيه الملك شاه زمان وقد رد لونه واحمر وجهه وصار يأكل بشهية بعدما كان قليل الأكل فتعجب من ذلك وقال يا أخى كنت أراك مصفر اللون والوجه والآن قد رد إليك لونك فاخبرني بحالك فقال له أما تغير لونى فأذكره لك وأعف عنى من إخبارك برد لونى فقال له أخبرني أولا بتغير لونك وضعفك حتى اسمعه فقال له يا أخى اعلم أنك لما أرسلت وزيرك يطلبني للحضور بين يديك جهزت حالى وقد برزت من مدينتي ثم أنى تذكرت الخرزة التي أعطيتها لك في قصری فوجدت زوجتى معها عبد أسود وهو نائم في فراشي فقتلتهما وجئت إليك وانا متفكر في هذا الأمر فهذا سبب تغير لوني وضعفي وأما رد لونى فاعف عنى من أن أذكره لك. فلما سمع أخوه كلامه قال له أقسمت عليك بالله أن تخبرني بسبب رد لونك فأعاد عليه جميع ما رأه فقال شهريار لأخيه شاه زمان مرادي أن أنظر بعيني فقال له أخوه شاه زمان إجعل إنك مسافر للصيد والقنص واختف عندي وانت تشاهد ذلك وتحققه عيانا وخرج الملك ثم إنه جلس في الخيام وقال لغلمانه لا يدخل على أحد ثم إنه تنكر وخرج مختفياً إلى القصر الذي فيه أخوه وجلس في الشباك المطل على البستان ساعة من الزمان وإذا بالجواري وسيدتهم دخلوا مع العبيد وفعلوا كما قال أخوه واستمروا كذلك إلى العصر فلما رأى الملك شهريار ذلك الأمر طار عقله من رأسه وقال لأخيه شاه زمان قمر بنا نسافر إلى حال سبيلنا وليس لنا حاجة بالملك حتى ننظر هل جرى لأحد مثلنا أو لا فيكون موتنا خيراً من حياتنا فأجابه لذلك. ثم أنهما خرجا من باب سرى في القصر ولم يزالا مسافرين أياماً وليالي إلى أن وصلا إلى شجرة في وسط مرج عندها عين ماء بجانب البحر المالح فشربا من تلك العين وجلسا يستريحان فلما كان بعد ساعة مضت من النهار وإذا هم بالبحر قد هاج وطلع منه عامود أسود صاعد إلى السماء وهو قاصد تلك المرجة قال فلما رأى ذلك خافا وطلعا إلى أعلى الشجرة وكانت عالية وصارا ينتظران ماذا يكون، وإذا بجنى طويل القامة عريض الهامة واسع الصدر والقامة على رأسه صندوق فطلع إلى البر وأتى الشجرة التي هما فوقها وجلس تحتها وفتح الصندوق وأخرج منه علبة ثم فتحها فخرجت منها صبية غراء بهية كأنها شمس مضيئة كما قال الشاعر:

أشرقت في الدجى فلاح النهارواستنارت بنورها الأشجار

من سناها الشموس تشرق لما…….. تتبدى وتنجلى الأقمار

تسجد الكائنات بين يديها………حين تبدو وتهتك الاستار

وإذا أومضت بروق حماها……..…..هطلت بالمدامع الأمصار

قال فلما نظر إليها الجني قال يا سيدة الحرائر التي قد اختطفتها ليلة عرسها أريد أن انا م قليلا ثم أن الجنى وضع رأسه على ركبتها ونام فرفعت الصبية رأسها إلى أعلى الشجرة فرأت الملكين وهما فوق الشجرة فرفعت رأس الجني من فوق ركبتها ووضعتها على الأرض ووقفت تحت الشجرة وقالت لهما بالإشارة إنزلا ولا تخافا من هذا العفريت فقالا لها بالله عليك أن تسامحينا من هذا الأمر، فقالت لهما بالله عليكما أن تنزلا وإلا نبهت عليكما العفريت فيقتلكما شر قتلة فخافا ونزلا فقامت لهما وقالت إرصعا رصعاً عنيفاً وإلا أنبه لكما العفريت فمن خوفهما قال الملك شهريار لأخيه الملك شاه زمان يا أخى إفعل ما أمرتك به فقال لا أفعل حتى تفعل انت قبلى وأخذا يتغامزان على نيكها فقالت لهما مالي أراكما تتغامزان فإن لم تتقدما وتفعلا والا نبهت لكما العفريت فمن خوفهما من الجنى فعلا ما أمرتهما به فلما فرغا قالت لهما أفيقا وأخرجت لهما من جيبها كيساً وأخرجت لهما منه عندأ فيه خمسمائة وسبعون خاتماً فقالت لهما أتدرون ما هذه فقالا لها لا ندرى فقالت لهما أصحاب هذه الخواتم كلهم كانوا يفعلون بي على غفلة من هذا العفريت فأعطياني خاتميكما أنتما الاثنان الأخوان فأعطياها من يديهما خاتمين فقالت لهما إن هذا العفريت قد اختطفنى ليلة عرسى ثم إنه وضعني في علبة وجعل العلبة داخل الصندوق ورمى على الصندوق سبعة أقفال وجعلني في قاع البحر العجاج المتلاطم بالأمواج ولم يعلم أن المرأة منا إذا أرادت أمراً لم يغلبها شيء كما قال بعضهم:

لا تأمنن على النساء…ولا تثق بعهودهن

فرضاؤهن وسخطهن…….معلق بفروجهن

يبدين وداً كاذباً………والغدر حشو وثيابهن

بحديث يوسف فاعتبر…متحذراً من كيدهن

أو ما ترى إبليس أخرج………آدماً من أجلهن

فلما سمعا منها هذا الكلام تعجبا غاية التعجب وقالا لبعضهما إذا كان هذا عفريت وجرى له أعظم مما جرى لنا فهذا شيء يسلينا ثم أنهما انصرفا من ساعتهما عنها

* في: ألف ليلة وليلة، مقابلة وتصحيح الشيخ محمد قطة العدوى، الجزء الأول، (بیروت: دار صادر، د. ت)، ص 2- 4.

حكاية الجارية في كيد الرجال -1 *

بلغني أيها الملك أنه كان ملك من الملوك الماضية له ولد، ولم يكن له من الأولاد غيره، فلما بلغ ذلك الولد زوجه أبوه بابنة ملك آخر، وكانت جارية ذات حسن وجمال. وكان لها ابن عم قد خطبها من أبيها ولم تكن راضية بزواجها منه، فلما علم ابن عمها أنها تزوجت بغيره أخذته الغيرة، فاتفق أن رأى ابن عم الجارية يرسل الهدايا إلى وزير الملك الذي تزوج بها ابنه، فأرسل إليه هدايا عظيمة، وأنفذ إليه أموالاً كثيرة، وسأله أن يحتال على قتل ابن الملك بمكيدة تكون سبباً لهلاكه، أو يتلطف به حتى يرجع عن زواج الجارية، وبعث يقول له:

أيها الوزير لقد حصل عندي من الغيرة على ابنة عمى ما حملني على هذا الأمر.

فلما وصلت الهدايا إلى الوزير قبلها وأرسل إليه يقول:

طب نفساً وقر عيناً فلك عندي كل ما تريد.

ثم أن الملك أبا الجارية أرسل إلى ابن الملك بالحضور إلى مكانه لأجل الدخول على ابنته، فلما وصل الكتاب إلى ابن الملك أذن له أبوه في المسير، وبعث معه الوزير الذي جاءت له الهدايا، وأرسل معهما ألف فارس وهدايا ومحامل وسرادقات وخياماً، فسار الوزير مع ابن الملك وفي ضميره أن يكيده بمكيدة، وأضمر له في قلبه السوء، فلما صاروا في الصحراء تذكر الوزير أن في هذا الجبل عينا جارية من الماء تعرف بالزهراء، وكل من شرب منها إذا كان رجلا يعود امرأة، فلما تذكر ذلك الوزير أنزل العسكر بالقرب منها وركب الوزير جواده ثم قال لابن الملك:

هل لك أن تروح معى نتفرج على عين ماء في هذا المكان؟

فركب ابن الملك وسار هو ووزير أبيه وليس معهما أحد، وابن الملك لا يدرى ما قد جرى له في الغيب، ولم يزالا سائرين حتى وصلا إلى تلك العين، فنزل ابن الملك من فوق جواده وغسل يديه وشرب منها، وإذا به قد صار امرأة، فلما عرف ذلك صرخ وبكى حتى غشى عليه، فأقبل عليه الوزير يتوجع لما أصابه ويقول له:

ما الذي أصابك؟

فأخبره الولد، فلما سمع الوزير كلامه توجع ويكي، لما أصاب ابن الملك ثمر قال له:

يعيذك الله تعالى من هذا الأمر، فكيف قد حلت بك هذه المصيبة وعظمت بك تلك الرزية، ونحن سائرون بفرحة لك حيث تتزوج ببنت الملك، والآن لا أدرى هل نتوجه إليها أم لا، والرأى لك، فما تأمرني به؟

فقال له الولد:

إرجع إلى أبي وأخبره بما أصابني، فإني لست أبرح من ههنا حتى يذهب عنى هذا الأمر أو أموت بحسرتي.

فكتب الولد كتاباً لأبيه يعلمه بما جرى له، ثم أخذ الوزير الكتاب وانصرف راجعاً إلى مدينة الملك، وترك العساكر والولد ومن معه من الجيش عنده وهو فرحان في الباطن بما فعل بابن الملك.

فلما دخل الوزير على الملك أعلمه بقضية ولده وأعطاه كتابه، فحزن الملك على ولده حزناً شديداً، ثم أرسل إلى الحكماء وأصحاب الأسرار أن يكشفوا له عن هذا الأمر الذي حصل لولده، فما أحد رد عليه جواباً.

ثم إن الوزير أرسل إلى ابن عم الجارية يبشره بما حصل لابن الملك، فلما وصل إليه الكتاب فرح فرحاً شديداً وطمع في زواج ابنة عمه، وأرسل إلى الوزير هدايا عظيمة وأموالاً كثيرة، وشكره شكراً زائداً، وأما ابن الملك فإنه أقام على تلك العين مدة ثلاثة أيام بلياليها لا يأكل ولا يشرب، واعتمد فيما أصابه على الله سبحانه وتعالى الذي ما خاب من توكل عليه، فلما كان في الليلة الرابعة وإذا هو بفارس على رأسه تاج، وهو في صفة أولاد الملوك، فقال له الفارس:

من أتى بك أيها الغلام إلى ههنا؟

فأعلمه الولد بما أصابه، وإنه كان مسافراً إلى زوجته، وأعلمه أن الوزير أتى به إلى عين الماء فشرب منها فحصل له ما حصل، وكلما تحدث الغلام يغلبه البكاء فيبكي.

فلما سمع الفارس كلامه رثى لحاله وقال له:

إن وزير أبيك هو الذي رماك في هذه المصيبة، لأن هذه العين لم يعلم بها أحد من البشر إلا رجل واحد.

ثم إن الفارس أمره أن يركب معه فركب الولد، وقال له الفارس:

إمض معى إلى منزلى فانت ضيفي في هذه الليلة.

فقال له الولد:

أعلمنى من انت حتى أسير معك.

فقال له:

أنا ابن ملك الجان وانت ابن ملك الإنس، فطب نفساً وقر عيناً بما يزيل همك وغمك فهو على هين.

فسار معه الولد من أول النهار، وأهمل جيوشه وعساكره، ومازال سائراً معه إلى نصف الليل، فقال له ابن ملك الجان:

أتدري كم قطعنا في هذا الوقت؟

فقال له الغلام:

لا أدرى.

فقال له ابن ملك الجان:

قطعنا مسيرة سنة للمجد المسافر

فتعجب ابن الملك من ذلك وقال له:

كيف العمل والرجوع إلى أهلى؟

فقال له:

ليس هذا من شأنك، وإنما هو من شأني، فحيث تبرأ من علتك تعود إلى أهلك أسرع من طرفة العين، وذلك على هين.
فلما سمع الغلام من الجنى هذا الكلام طار من شدة الفرح، وظن أنه أضغاث أحلام وقال:

سبحان القدير على أن يرد الشقى سعيداً.

وفرح بذلك فرحاً شديداً.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الرابعة والسبعين بعد المائة الخامسة.

قالت شهرزاد

بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية قالت:

ولم يزل ابن ملك الإنس وابن ملك الجن سائرين إلى أن أصبح الصباح وإذا هم بأرض مخضرة نضرة، ذات أشجار باسقة، وأطيار ناطقة ورياض فائقة، وقصور رائعة، فنزل ابن ملك الجن عن جواده، وأمر الولد بالنزول وأخذ بيده ودخلا في بعض تلك القصور، فنظر ابن الملك إلى ملك عال وسلطان له شأن، فأقام عنده ذلك اليوم في أكل وشرب، إلى أن أقبل الليل، فقام ابن ملك الجن وركب جواده وركب ابن ملك الإنس معه، وخرجا تحت الليل مجدين السير إلى أن أصبح الصباح، وإذا هما بأرض سوداء غير عامرة، ذات صخور وأحجار سود، كأنها قطعة من جهنم، فقال له ابن ملك الإنس:

ما يقال لهذه الأرض؟

فقال له:

يقال لها الأرض الدهماء لملك من ملوك الجن اسمه ذو الجناحين، لم يقدر أحد من الملوك أن يسطو عليه ولا يدخلها أحد إلا بإذنه، فقف في مكانك حنی نستأذنه.

فوقف الشاب، ثم غاب عنه ساعة، وعاد إليه وسارا ولم يزالا سائرين حتى انتهيا إلى عين تسيل من جبال سود فقال للشاب:

إنزل.

فنزل الشاب من فوق جواده ثم قال له:

إشرب من هذه العين.

فشرب منها الشاب، فعاد لوقته وساعته ذكراً كما كان أولاً، بقدرة الله تعالى، ففرح الشاب فرحاً شديداً ما عليه من مزيد شعر قال له:

يا أخي ما يقال لهذه العين؟

فقال له:

يقال لها عين النساء لا تشرب منها امرأة إلا عادت رجلاً، فاحمد الله واشكره على العافية واركب جوادك.

فسجد ابن الملك شكراً لله تعالى، ثم ركبا وسارا يجدان السير بقية يومهما حتى رجعا إلى أرض ذلك الجنى، فبات الشاب في أرغد عيش ولم يزالا في أكل وشرب إلى أن جاء الليل، ثم قال له ابن ملك الجن:

أتريد أن ترجع إلى أهلك في هذه الليلة؟

فقال:

نعم أريد ذلك، لأني محتاج إليهم، فدعا ابن ملك الجان بعبد له من عبيد أبيه اسمه راجز وقال له:

خذ هذا الفتى من عندي واحمله على عاتقك ولا تخل الصباح يصبح عليه إلا وهو عند عمه وزوجته.

فقال له العبد:

سمعًا وطاعة، وحباً وكرامة.

ثم غاب العبد عنه ساعة وأقبل وهو في صورة عفريت، فلما رأه الفتى طار عقله واندهش، فقال له ابن ملك الجن:

لا بأس عليك اركب جوادك وأعل به فوق عاتقه.

فقال الشاب:

بل أركب أنا وأترك الجواد عندك.

ثم نزل الشاب عن الجواد وركب على عاتقه فقال له ابن ملك الجن:

أغمض عينيك.

فأغمض عينيه وطار به بين السماء والأرض، ولم يزل طائرأ به ولم يدر الشاب بنفسه، فما جاء ثلث الليل الأخير إلا وهو على قصر عمه، فلما نزل على قصره قال له العفريت:

إنزل.

فنزل وقال له:

افتح عينيك فهذا قصر عمك وابنته.

ثم تركه ومضى، فلما أضاء النهار وسكن الشاب من روعه، نزل من القصر، فلما نظره عمه قام إليه وتلقاه وتعجب حيث رآه فوق القصر ثمر قال له:

إنا رأينا الناس تأتى من الأبواب وانت تنزل من السماء.

فقال له:

قد كان الذي أراده الله سبحانه وتعالى.

ثم تعجب الملك من ذلك وفرح بسلامته، فلما طلعت الشمس أمر عمه وزيره أن يعمل الولائم العظيمة، فعمل الولائم واستقام العرس وأقام مدة شهرين مع زوجته ثم ارتحل بها إلى مدينة أبيه.

أما ابن عم الجارية فإنه هلك من الغيرة والحسد، لما تزوج بها ابن الملك، ونصره الله سبحانه وتعالى عليه وعلى وزير أبيه، ووصل إلى أبيه بزوجته على أتم حال وأكمل سرور

* في: الف ليلة وليلة، إعداد: رشدی صالح، الجزء ۲، (القاهرة: دار الشعب، ١٩٦٩)، ص ٨٨٤ – ۸۸۷.

حكاية الجارية في كيد الرجال ۲*

بلغنى أيها الملك السعيد أنه كان رجل صائغ مولعاً بالتصوير وشرب الخمر، فدخل يوماً من الأيام عند صديق له، فنظر إلى حائط من طبقات بيته فرأى فيه صورة جارية منقوشة لم ير الرائون أحسن ولا أجمل ولا أظرف منها فأكثر الصائغ في النظر إليها وتعجب من حسن هذه الصورة وقال:

ما صورها المصور إلا على مثال امرأة جميلة.

فقال له صديقه:

لعل الذي صورها اخترعها من رأسه.

فقال له:

إن كان لهذه الصورة شبيه في الدنيا فانا أرجو الله تعالى أن يمدنى بالحياة إلى أن أراها.

فلما قام الحاضرون سألوا عمن صورها فوجدوه قد سافر إلى بلد من البلدان، فكتبوا له كتاباً يشكون له فيه حال صاحبهم، ويسألونه عن تلك الصورة، ما سببها هل هو اخترعها من ذهنه، أو رأى لها شبيها في الدنيا؟

فأرسل إليهم يقول:

إنى صورت هذه الصورة على شكل جارية مغنية لبعض الوزراء، وهى بمدينة كشمير بإقليم الهند.

فلما سمع الصائغ بالخبر وكان ببلاد الفرس، تجهز وسار متوجها إلى بلاد الهند، فوصل إلى تلك المدينة بعد جهد جهيد.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت – عن الكلام المباح.

وفي الليلة السابعة والسبعين بعد المائة الخامسة.

قالت شهرزاد:

بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية قالت وهي تحكى حديث الصائغ:

فلما دخل تلك المدينة واستقر فيها، ذهب يوماً من الأيام عند رجل عطار من أهل تلك المدينة، وكان ذلك العطار حاذقاً فطناً لبيباً، فسأله الصائغ عن ملكهم وسيرته. فقال له العطار.

أما ملكنا فعادل حسن السيرة، محسن لأهل دولته، ومنصف لرعيته، وما يكره في الدنيا إلا السحرة، فإذا وقع في يده ساحر أو ساحرة ألقاهما في جب خارج المدينة ويتركهما بالجوع إلى أن يموتا.

ثم سأله عن وزرائه، فذكر له سيرة كل وزير وما هو عليه إلى أن أنجز الكلام إلى الجارية المغنية فقال له:

عند الوزير الفلاني.

فصبر بعد ذلك أياماً حتى أخذ في تدبير الحيلة، فلما كان في ليلة ذات مطر ورعد ورياح عاصفة، ذهب الصائغ وأخذ معه عدة من اللصوص، وتوجه إلى دار الوزير سيد الجارية، وعلق فيه السلم بكلاليب، ثم طلع إلى أعلى القصر، فلما وصل إليه نزل إلى ساحته، فرأى جميع الجواري نائمات كل وحدة على سريرها، ورأى سريراً من المرمر عليه جارية كأنها البدر إذا أشرق في ليلة الرابع عشر، فقصدها وقعد عند رأسها، فإذا عليها ستر من ذهب وعلى رأسها شمعة، وعند رجليها شمعة، كل شمعة منهما في شمعدان من الذهب الوهاج، وهاتان الشمعتان من العنبر، وتحت الوسادة علبة من الفضة فيها جميع حليها وهي مغطاة عند رأسها، فأخرج سكيناً وضرب بها كتف الجارية فجرحها جرحاً واضحاً، فانتبهت فزعة مرعوبة، فلما رأته خافت من الصياح، فسكتت وظنت أنه يريد أخذ المال فقالت له:

خذ العلبة والذي فيها وليس لك بقتلى نفع وانا في جيرتك وفى حسبك.

فتناول الرجل العلبة بما فيها وانصرف.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثامنة والسبعين بعد المائة الخامسة.

قالت شهرزاد:

بلغني أيها الملك السعيد أن الجارية قالت:

فلما تناول الرجل العلبة بما فيها وانصرف وأصبح الصباح، لبس ثيابه وأخذ معه العلبة التي فيها الحلى ودخل على ملك المدينة، ثم قبل الأرض بين يديه وقال له:

أيها الملك أني رجل ناصح لك، وانا من أرض خراسان، وقد أتيت مهاجراً إلى حضرتك لما شاع من حسن سيرتك وعدلك في رعيتك، فأردت أن أكون تحت لوائك، وقد وصلت إلى هذه المدينة آخر النهار فوجدت الباب مغلقاً فنمت خارجه، فبينما انا بين النائم واليقظان إذ رأيت أربع نسوة إحداهن راكبة مكنسة، وإحداهن راكبة مروحة، فعلمت أيها الملك إنهن سحرة يدخلن مدينتك، فدنت إحداهن منى ورفستنى برجلها وضربتني بذنب ثعلب كان في يدها فأوجعتنى، فأخذتني الحدة من الضرب فضربتها بسكين كانت معى فأصابت كتفها وهي مولية شاردة، فلما جرحتها انهزمت قدامي فوقعت منها هذه العلبة بما فيها فأخذتها وفتحتها فرأيت فيها هذا الحلى النفيس، فخذه فليس لي به حاجة لأنى رجل سائح في الجبال، وقد رفضت الدنيا عن قلبي وزهدتها بما فيها وأنى قاصد وجه الله تعالى.

ثم ترك العلبة بين يدى الملك وانصرف، فلما خرج من عند الملك فتح الملك تلك العلبة وأخرج جميع الحلى منها، وصار يقلبه بيده، فوجد فيه عقداً كان أنعم به على الوزير سيد الجارية، فدعا الملك بالوزير، فلما حضر بين يديه قال له:

هذا العقد الذي أهديته لك.

فلما رأه الوزير عرفه وقال للملك؛

نعم وانا أهديته إلى جارية مغنية عندى.

فقال له الملك:

أحضر لي الجارية في هذه الساعة.

فأحضرها، فلما حضرت الجارية بين يدى الملك قال له:

أكشف عن كتفها وانظر هل فيها جراح أم لا.

فكشف الوزير عنها فرأى فيها جرح سكين.

فقال الوزير للملك:

نعم يا مولاى فيها جرح.

فقال الملك للوزير:

هذه ساحرة كما قال لي الرجل الزاهد، بلا شك ولا ريب.

ثم أمر الملك أن يجعلوها في جب السحرة، فأرسلوها إلى الجب في ذلك النهار، فلما جاء الليل وعرف الصائغ أن حيلته قد تمت جاء إلى حارس الجب وبيده كيس فيه ألف دينار وجلس مع الحارس يتحدث إلى ثلث الليل الأول، ثم دخل مع الحارس في الكلام وقال له:

أعلم يا أخى أن هذه الجارية بريئة من هذه البلية التي ذكروها عنها، وانا الذي أوقعتها.

وقص عليه القصة من أولها إلى آخرها ثم قال له:

يا أخى خذ هذا الكيس فإن فيه ألف دينار، وأعطني الجارية أسافر بها إلى بلادى، فهذه الدنانير أنفع لك من حبس الجارية، واغتنم أجرنا ونحن الاثنين ندعو لك بالخير والسلامة.

فلما سمع حكايته تعجب غاية العجب من هذه الحيلة وكيف تمت، ثم أخذ الحارس الكيس بما فيه وتركها، وشرط عليه أن لا يقيم بها في هذه المدينة ساعة واحدة، فأخذها الصائغ من وقته وسار، وجعل يجد في السير إلى أن وصل إلى بلاده وقد بلغ مراده

* في: ألف ليلة وليلة، إعداد: رشدي صالح، الجزء ٢، (القاهرة: دار الشعب، ١٩٦٩)، ص ۸۸۸–۸۹۱.

حكاية نعم ونعمة*

ذكروا والله أعلم، أنه كان بمدينة الكوفة رجل من وجهاء أهلها يقال له الربيع بن حاتم وكان كثير المال مرفه الحال، وكان قد رزق ولداً فسماه نعمة الله فبينما هو ذات يوم بدكة النخاسين إذ نظر جارية تعرض للبيع وعلى يدها وصيفة صغيرة بديعة في الحسن والجمال فأشار الربيع إلى النخاس وقال له:

بكم هذه الجارية وابنتها؟

فقال: بخمسين ديناراً.

فقال الربيع:

اكتب العهد وخذ المال وسلمه لمولاها.

ثم دفع للنخاس ثمن الجارية وأعطاه دلالته، وتسلم الجارية وابنتها ومضى بهما إلى بيته. فلما نظرت ابنة عمه إلى الجارية قالت له:

يا ابن العم ما هذه الجارية.

قال:

اشتريتها رغبة في هذه الصغيرة التي على يديها، وأعلمي أنها إذا كبرت ما يكون في بلاد العرب والعجم مثلها ولا أجمل منها.

فقالت لها ابنة عمه؛

ما اسمك يا جارية؟

فقالت:

یا سیدتی اسمي توفيق.

قالت:

وما اسم ابنتك؟

قالت:

سعد

قالت:

صدقت لقد سعدت وسعد من اشتراك.

ثم قالت:

با ابن عمی ما تسميها؟

قال:

ما تختارينه أنت.

قالت:

نسميها نعم.

قال الربيع:

لا بأس بذلك.

ثم إن الصغيرة نعم تربت مع نعمة الله بن الربيع في مهد واحد إلى حين بلغا من العمر عشر سنين، وكان كل شخص منهما أحسن من صاحبه وصار الغلام يقول لها:

يا أختي.

وهى تقول له:

يا أخي

ثم أقبل الربيع على ولده نعمة حين بلغ هذا السن وقال له:

يا ولدى ليست نعم أختك بل هي جاريتك وقد أشتريتها على اسمك وانت في المهد فلا تدعها بأختك من هذا اليوم

قال نعمة لأبيه:

فإذا كان كذلك فانا أتزوجها. ثم إنه دخل على والدته وأعلمها بذلك فقالت له:

يا ولدى هي جاريتك.

فدخل نعمة بن الربيع بتلك الجارية وأحبها ومضى عليهما تسع سنين وهما على تلك الحالة ولم يكن بالكوفة أحسن من نعم ولا أحلى ولا أظرف منها وقد كبرت وقرأت القرآن والعلوم وعرفت أنواع اللعب والآلات وبرعت في المغنى وآلات الملاهي، حتى أنها فاقت جميع أهل عصرها.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثانية والأربعين بعد المائة الثانية

قالت شهرزاد:

بلغني أيها الملك السعيد أن نعم فاقت أهل عصرها، وبينما هي جالسة ذات يوم من الأيام مع زوجها نعمة بن الربيع في مجلس الشراب قد أخذت العود وشدت الأوتار وأنشدت هذين البيتين:

إذا كنت لي مولى أعيش بفضله….. وسيفاً به أفنى رقاب النوائب

فما لى إلى زيد وعمرو شفاعة…سواك إذا ضاقت على مذاهبي

فطرب نعمة طرباً عظيماً ثم قال لها:

بحياتي يا نعم أن تغنى لنا على الدف وآلات الطرب.

فأطربت بالنغمات وغنت بهذه الأبيات:

وحياة من ملكت يداه قيادى…..لأخالفن على الهوى حسادي

ولأعصين عواذلي وأطيعكم…….ولأهجرن تلذذى ورقادى

ولأجعلن لكم باكناف الحشا…….قبراً ولم يشعر بذالك فوادي

فقال الغلام:

لله درك يا نعم.

فبينما هما في أطيب عيش وإذا بالحجاج في دار نيابته يقول:

لابد لي أن أحتال على أخذ هذه الجارية التي اسمها نعم وأرسلها إلى أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان لأنه لا يوجد في قصره مثلها ولا أطيب من غنائها. ثم إنه استدعى بعجوز قهرمانة وقال لها:

امض إلى دار الربيع واجتمعي بالجارية نعم وتسببي في أخذها لأنه لم يوجد على وجه الأرض مثلها

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الثالثة والأربعين بعد المائة الثانية

قالت شهرزاد:

بلغنى أيها الملك السعيد أن العجوز قبلت ما قاله الحجاج، ولما أصبحت لبست أثوابها الصوف ووضعت في رقبتها سبحة عدد حباتها ألوف، وأخذت بيدها عكازاً وركوة يمانية وسارت وهي تقول:

سبحان الله والحمد لله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.

ولم تزل في تسبيح وابتهال، وقلبها ملآن بالمكر والاحتيال، حتى وصلت إلى دار نعمة بن الربيع عند صلاة الظهر فقرعت الباب ففتح لها البواب وقال: قالت:

ماذا تريدين؟

قالت:

انا فقيرة من العابدات وأدركتني صلاة الظهر وأريد أن أصلي في هذا المكان المبارك.

فقال لها البواب:

يا عجوز إن هذه دار نعمة بن الربيع وليست بجامع ولا من مسجد

فقالت له:

انا أعرف أنه لا جامع ولا مسجد بل دار نعمة بن الربيع وانا قهرمانة من قصر أمير المؤمنين خرجت طالبة العبادة والسياحة.

فقال لها البواب:

لا أمكنك من أن تدخلي.

وكثر بينهما الكلام فتعلقت به العجوز وقالت له:

هل يمنع مثلى من دخول دار نعمة بن الربيع وأنا أعبر إلى ديار الأمراء والأكابر؟

فخرج نعمة وسمع كلامها فضحك وأمرها أن تدخل خلفه فدخل نعمة وسارت العجوز خلفه حتى دخل بها على نعم فسلمت عليها العجوز بأحسن سلام، ولما نظرت إلى نعم تعجبت من فرط جمالها ثم قالت:

يا سيدتي أعيذك بالله الذي ألف بينك وبين مولاك في الحسن والجمال.

ثر انتصبت العجوز في المحراب وأقبلت على الركوع والسجود والدعاء إلى أن مضى النهار وأقبل الليل بالاعتكار فقالت الجارية:

يا أمي أريحى قدميك ساعة.

فقالت العجوز:

يا سيدتي من طلب الآخرة أتعب نفسه في الدنيا ومن لم يتعب نفسه في الدنيا لم ينل منازل الأبرار في الآخرة.

ثم أن نعم قدمت الطعام للعجوز وقالت لها:

كلي من طعامي وادعي لي بالتوبة والرحمة.

فقالت العجوز:

يا سيدتي إني صائمة وأما انت فصبية يصلح لك الأكل والشرب والطرب والله يتوب عليك وقد قال الله تعالى:

إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا“.

ثم باتت العجوز ليلتها تصلى وتقرأ إلى الصباح، فلما أصبح الصباح جاءت إلى نعمة ونعم وصبحت عليهما وقالت لهما:

أستودعتكما الله

فقالت لها نعم:

إلى أين يا أمى وقد أمرني سيدي أن أخلى لك مجلساً تعكفين فيه للعبادة؟

فقالت العجوز:

الله يبقيكما ويديم نعمته عليكما، ولكن أريد منكما أن توصوا البواب ألا يمنعني من الدخول إليكما وإن شاء الله تعالى أدور في الأماكن الطاهرة وأدعو لكما عقب الصلاة والعبادة في كل يوم وليلة.

ثم خرجت من الدار والجارية نعم تبكي على فراقها وما تعلم السبب الذي انت إليها من أجله.

ثم أن العجوز توجهت إلى الحجاج فقال لها:

ما وراءك؟

فقالت له:

إني نظرت إلى الجارية فرأيتها لم تلد النساء أحسن منها في زمانها.

فقال لها الحجاج:

إن فعلت ما أمرتك به يصل إليك منى خير جزيل.

فقال له:

أريد منك المهلة شهراً كاملاً.

فقال لها:

أمهلتك شهراً.

ثم أن العجوز جعلت تتردد على دار نعمة وجاريته نعم.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الرابعة والأربعين بعد المائة الثانية

قالت شهرزاد:

بلغني أيها الملك السعيد أن العجوز صارت تتردد على دار نعمة ونعم وهما يزيدان في إكرامها ومازالت العجوز تمسى وتصبح عندهما ويرحب بها كل من في الدار حتى أن العجوز اختلت بالجارية يوماً من الأيام وقالت:

يا سيدتي والله أني حضرت الأماكن الطاهرة ودعوت الله وأتمنى أن تكوني معى حتى ترى المشايخ الواصلين، وندعو الله بما تختارين.

فقالت لها الجارية نعمة:

بالله يا أمي أن تأخذيني معك.

فقالت لها:

أستأذني حماتك وانا آخذك معى.

فقالت الجارية لحماتها أم نعمة:

يا سيدتى اسألى سيدي أن يسمح لى أن أخرج انا وانت يوماً من الأيام مع أمى العجوز إلى الصلاة والدعاء مع الفقراء والمساكين في الأماكن الشريفة.

فلما أتى نعمة وجلس تقدمت إليه وقبلت بديه فمنعها من ذلك ودعت له وخرجت من الدار.

فلما كان ثاني يوم جاءت العجوز ولم يكن نعمة في الدار فأقبلت على الجارية نعم وقالت لها:

قد دعونا لكم البارحة ولكن قومي في هذه الساعة تفرجي وعودي قبل أن يجيء سيدك.

فقالت الجارية لحماتها:

سألتك بالله أن تأذني لي في الخروج مع هذه المرأة الصالحة لأنفرج على أولياء الله في الأماكن الشريفة وأعود بسرعة قبل مجىء سيدي.

فقالت أم نعمة:

أخشى أن يعلم سيدك.

فقالت العجوز:

والله لا أدعها تجلس على الأرض بل تنظر وهي واقفة على أقدامها ولا تبطئ.

ثم أخذت الجارية بالحيلة وتوجهت بها إلى قصر الحجاج وعرفته بمجينها بعد أن أجلستها في مقصورة فأتى الحجاج ونظر إليها فرأها أجمل أهل زمانها ولم ير مثلها.

فلما رأته نعم سترت وجهها فلم يفارقها حتى استدعى بحاجبه وأركب معه خمسين فارساً وأمره أن يأخذ الجارية على هجين سابق ويتوجه إلى دمشق ويسلمها إلى أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان وكتب إليه كتاباً وقال له:

أعطه هذا الكتاب وخذ منه الجواب وأسرع إلى بالرجوع.

فتوجه الحاجب وأخذ الجارية على هجين وسافر بها وهي باكية العين من أجل فراق سيدها حتى وصل إلى دمشق واستأذن على أمير المؤمنين فأذن له فدخل الحاجب عليه وأخبره بخبر الجارية فأخلى لها مقصورة ثم دخل الخليفة على حريمه فرأى زوجته فقال لها:

إن الحجاج قد اشترى لى جارية من بنات ملوك الكوفة بعشرة آلاف دينار وأرسل إلى هذا الكتاب وهي صحبة الكتاب.

فقالت له زوجته:

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الخامسة والأربعين بعد المائة الثانية

قالت شهرزاد:

بلغني أيها الملك السعيد أن الخليفة لما أخبر زوجته بقصة الجارية قالت له زوجته:

زادك الله من فضله.

ثم دخلت أخت الخليفة على الجارية فلما رأتها قالت:

والله ما خاب من انت في منزله ولو كان ثمنك مائة ألف دينار.

فقالت لها الجارية نعم:

يا صبيحة الوجه هذا القصر لمن من الملوك؟ وأي مدينة هذه المدينة؟

قالت لها:

هذه مدينة دمشق وهذا قصر أخى أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان.

ثم قالت للجارية:

كأنك ما علمت هذا؟

قالت:

والله يا سيدتي لا علم لي بهذا.

قالت:

والذي باعك وقبض ثمنك ما أعلمك بأن الخليفة قد اشتراك؟

فلما سمعت الجارية ذلك الكلام سكبت دموعها وبكت وقالت لنفسها:

لقد تمت الحيلة علىّ.

ثم قالت في نفسها:

إن تكلمت فما يصدقني أحد ولكنى أسكت وأصبر لعلمي أن فرج الله قريب.

ثم إنها أطرقت برأسها حياء وقد احمرت خدودها من أثر السفر والشمس فتركتها أخت الخليفة في ذلك اليوم وجاءتها في اليوم الثاني بقماش وقلائد من الجوهر وألبستها. فدخل عليها أمير المؤمنين وجلس إلى جانبها فقالت له أخته:

انظر إلى هذه الجارية التي قد كمل الله فيها من الحسن والجمال.

فقال الخليفة لنعم:

أزيحى القناع عن وجهك.

فلم تزل القناع عن وجهها وإنما رأى معاصمها فوقعت محبتها في قلبه وقال لأخته:

لا أدخل عليها إلا بعد ثلاثة أيام حتى تستأنس بك.

ثم قام وخرج من عندها فصارت الجارية مفكرة في أمرها ومتحسرة على افتراقها من سيدها نعمة. فلما أتى الليل مرضت الجارية بالحمى ولم تأكل ولم تشرب وتغير وجهها ومحاسنها فعرفوا الخليفة بذلك فشق عليه أمرها ودخل عليها بالأطباء وأهل البصائر فلم يقف لها أحد على طب.

هذا ما كان من أمرها.

* في: ألف ليلة وليلة، إعداد: رشدي صالح، الجزء 1، (القاهرة: دار الشعب، ١٩٦٩)، ص ٤٨١٤٨٥.

الليلة الأخيرة*

وكانت شهر زاد في هذه المدة قد خلفت من الملك ثلاثة أولاد ذكور فلما فرغت من هذه الحكاية قامت على قدميها وقبلت الأرض بين يدى الملك وقالت له:

يا ملك الزمان، وفريد العصر والأوان، أنى انا جاريتك ولى ألف ليلة وليلة وانا أحدثك بحديث السابقين ومواعظ المتقدمين، فهل لي في جنابك من طمع حتى أتمنى عليك أمنية.

فقال لها الملك:

تمنی تعطی یا شهرزاد.

فصاحت على الدادات والطواشية وقالت لهم:

هاتوا أولادى.

فجاؤوا لها بهم مسرعين وهم ثلاثة أولاد ذكور، واحد منهم يمشى وواحد يحبو، وواحد يرضع، فلما جاؤوا بهم أخذتهم ووضعتهم قدام الملك وقبلت الأرض وقالت:

يا ملك الزمان هؤلاء أولادك، وقد تمنيت عليك أن تعتقني من القتل إكراماً لهؤلاء الأطفال، فإنك إن قتلتني يصير هؤلاء الأطفال من غير أم. ولا يجدون من يحسن تربيتهم من النساء، فعند ذلك بكى الملك وضم أولاده إلى صدره وقال:

يا شهرزاد والله إني قد عفوت عنك من قبل مجيء هؤلاء الأولاد لكوني رأيتك عفيفة نقية، حرة نقية، فبارك الله فيك، وفي أبيك وأمك، وأصلك وفرعك، وأشهد الله على أنى قد عفوت عنك من كل شيء يضرك.

فقبلت يديه وقدميه، وفرحت فرحاً زائداً وقالت له:

أطال الله عمرك وزادك هيبة ووقاراً.

وشاع السرور في سراية الملك حتى انتشر في المدينة وكانت ليلة لا تعد من الأعمار، ولونها أشد بياضاً من وجه النهار، وأصبح الملك مسروراً. وبالخير مغموراً، فأرسل إلى جميع العسكر فحضروا، وخلع على وزيره أبي شهرزاد خلعة سنية جليلة وقال له:

سترك الله حيث زوجتنى بنتك الكريمة التي كانت سبباً لتوبتي عن قتل بنات الناس، وقد رأيتها حرة نقية، عفيفة زكية، ورزقني الله منها بثلاثة ذكور، والحمد لله على هذه النعمة الجزيلة.

ثم خلع على كامل الوزراء والأمراء وأرباب الدولة، وأمر بزينة المدينة ثلاثين يوماً، ولم يكلف أحداً من أهل المدينة شيئاً من ماله، بل كامل الكلفة والمصاريف من خزانة الملك، فزينوا المدينة زينة عظيمة لم يسبق مثلها، ودقت الطبول، وزمرت الزمور، ولعبت كامل أرباب الملاعب، وأجزل لهم الملك العطايا والمواهب، وتصدق على الفقراء والمساكين، وعم باكرامه سائر رعيته وأهل مملكته، ثم أن الملك شهريار أحضر المؤرخين والنساخ وأمرهم أن يكتبوا جميع ما جرى له مع زوجته من أوله إلى آخره، فكتبوا ذلك وسموها سيرة ألف ليلة وليلة، فجاءت ثلاثين مجلداً فوضعها في خزانته، وأقام الملك مع دولته في ألذ عيش وأهناه، وقد بدل الله حزنهم فرحاً، وأقاموا على ذلك حتى أخذهم هادم الملذات، ومفرق الجماعات، ومخلى الديار ومعمر القبور، فانتقلوا إلى رحمة الله تعالى، وخربت دورهم وهدمت قصورهم، وتوارثت الملوك أموالهم.

ثم ملك من بعدهم ملك عاقل عادل لبيب أديب محب للاخبار خصوصاً سير الملوك والسلاطين، فوجد هذه السيرة العجيبة المطربة الغريبة وهي ثلاثون مجلداً فقرا فيها أول كتاب، وثاني كتاب، والثالث إلى آخرها، فصار كل كتاب يعجبه أكثر من الأول إلى أن انتهى إلى آخرها، فتعجب مما سمعه من حديث وحكايات، ونوادر ومواعظ، وآثار وتذكار، فأمر الناس أن يكتبوها وينشروها في جميع البلاد والأقاليم، وشاع ذكرها وسموها عجائب وغرائب ألف ليلة وليلة.

وهذا ما انتهى إلينا من هذا الكتاب والله أعلم.

* في: ألف ليلة وليلة، إعداد: رشدي صالح، الجزء 1، (القاهرة: دار الشعب، ١٩٦٩)، ص ١٥٤٢ – ١٥٤٣.

عروسة راجل بنت راجل*

رواية: الشيخ عرفه شلوفه **

تدوين: فتوح أحمد فرج

صلى ع النبي

كان فيه راجل، زى ما تقول أبوه ترك له ييجى عشرة اتناشر فدان.

قام لاف بالجماعة الزلنطحية، يقعد داع القهوة يجيبوا ازازة بيرة دا حتة حشیش، دا مش عارف إيه؟ فباع فدان ورا فدان العملية صفصفت.

فلما العملية صفصفت يعمل إيه؟ قام خد بعضه وراح على إيه؟ على كسب زي كمب أبو سنة لمؤاخذه، وواخد أوضه بتاع تلت اربع برايز وراح قاعد فيها، يستنظر واحد من إخوانه ييجى له يعبره أو يبص عليه، محدش جاله ولا عبرة.

قام يعمل إيه؟ قام خد بعضه وراج نازل على إيه؟ على مدينة زى مصر، وراح واقف قدام محل بتاع راجل اسمه الحاج إبراهيم بيبيع قماش، والراجل ده عنده يطلع خمسة ستة صنايعية وهو واقف، وقع على ضهره، قام بص صاحب المحل وقال للعامل اللي تحت إيده هات الجدع ده قام جابه. تعالى يا جدع أنت، انت مين؟

قام قال له والله انا مثلاً من مدينة السنبلاوين، قام قال له وايه حكايتك؟ قال له والله انا أبويا كان تارك لي اتناشر فدان وراحوا منى وبتاع.

قام قال له اسمع قال له نعم قال له تقدر تيجي هنا تشتغل عندي؟ انا هشغلك في المحل ده. البياع عندما يبيع توب قماش تلف التوب وتحطه مكانه، وهتاخد في اليوم عشرة صاغ.

فاشتغل عنده. الراجل بعد ما كان في اليوم بيبيع بتلت اربع برايز ولا باتنين تلاتة جنيه، ولا بخمسة ستة جنيه، بقى في اليوم بيبيع له بايه؟ بمتين تلتميت جنيه.

قول إيه: الحسنة جت على قدم الشاطر محمد ده، فشوية في شوية بعد ما كان بيشتغل صنايعي ويلف التوب، عاد هو بيبيع زى إخوانه البياعين اللي جنبه.

شوية شوية تعد على المكتب، البيعة اللي تطلع هو اللي يقيدها.

الصنعة اتدورت، وخش في مزاج الراجل قوى، قام بعمل إيه؟ قام قال له: لازم أجوزك بنتي. اسمع يا شاطر محمد، قام قال له: نعم، قال له:

انا عندي بنتين أهم، تتجوز فتحية أو نبوية.

قال له: انا أتجوز فتحية فكتب كتابه على فتحية، مهرها بأد كده من كتر الفلوس وياه، عمل له فيلا على البحر، وقعد فتحية على البحر في قلب الفيلا، الهواده ميشوفهاش، متفتحش الشباك ليه؟ أصلها جميلة جداً. والشباك ده متفتحوش.

ففي يوم من ذات الأيام، كانت فتحت الشباك بتبص كده فايت واحد إسرائيلي، في لنش، قام وقف، وبص لها، عايز يتصل بيها بأي طريقة. كان زمان اليهود بيخطفوا المصريين من بر مصر، ويطلعوا بهم، فراح على وليه بتبيع ترمس لمؤخذة أو بتبيع. عجور أو بتبيع خيار في الشوارع، قال لها: اسمعى، قالت له: نعم، قال لها: تقدرى تجيبي لي الست اللي قدامك دي؟ قالت له: أجيبها.

قال لها: أنى هديكي مائة ورقة. آدى خمسين ورقة ولما تجيبيها هديلك الخمسين ورقة التانيين. قالت: طيب.

فجريت صاحبتنا بتاعة العجور، عملت عليها حيلة، لما خشت لها، واتكلمت معاها كلمتين، ومش عارف إيه، سحبتها وسلمتها لمين؟ لليهودي، فاليهودى خدها في اللنش وطلع

فصاحبنا جه جوزها من المحل يدور عليها في البيت ملتقهاش. فيعمل إيه؟ قام بص لقى واحد مراكبي، قام قال له: يا مراكبى قام قال له: نعم .

قال له: مشفتش واحدة. است نازلة من العمارة دى؟ قال له: واحدة ست خدها واحد يهودى وطلع بها كدا هه. فقال له: تقدر توصلنى لها؟ قال له:

ارکب.

راح مركبه، فضل المراكبي ماشي ماشي ماشي، لما فات بلاد كتيرة قوى، بص لقى جبل، والجبل ده قدامه اللنش موجود، قام بيبصوا على اليمين، بصوا اتلقوا واحد من المصريين، آسره اليهودي، وموقفه بخمسين ستين غنمة في الجبل، والمصرى المأسور ده اللي هو اليهودي أسره دقنه تطلع شبرين، وضفره يطلع عشرة سنتي، مبيشفشی بنى آدميين فعندما شافهم، قام قال لهم، أهلا وسهلا، يا مرحبا بالمصريين، قالوا له مشفتش واحدة ست هنا؟ قال لهم، واحدة ست فوق مع اليهودي، قالوا له تقدر توصلنا له؟ قال لهم أوصلكم. بس تاخدوني معاكم بر مصر لاجل اسمع الأدان الشرعي بيقول الله أكبر الله أكبر على مدنة بلادى فقالوا: طيب. هتدخلنا إزاى؟

قال لهم: الغنم دى بتخش في قلب اللنش بالعدد، اليهودي قاعد فوق وقدام منه حاجة زى منبه بيلف، كل ما تخش واحدة المنبه بيلف. يخشوا بالعدد وانا بخش من ضمن العدد.

طيب هنعمل ايه؟ قال لهم أنى هدخلكم وخلاص. صليت بناع النبي قام راح دابح غنميتين وراح رامي اللحم بتاع الغنم، وراح مدخل بني آدم في قلب الفروة بناعتهر، وراح بني أدم على إيديه ورجليه، من ضمن العدد بتاع الغنم، وخشوا الثلاثة بقوا في قلب اللنش.

صليت ع النبي.

قام رد جوزها وقال للمراكبي إيه؟ اطلع بقى لها فوق وانا لما اتلقيك غبت فوق. انا هطلع لك. قام رد المراكبي قال له، لا دا انت جوزها، انت تطلع لها انت الأول، وانا لما اتلقيك غبت انت فوق، انا هطلع لك، دا مين دا المراكبي، قال له كده؟ قال له آه قال له طيب. فصاحبنا جوزها راح طالع لها على فوق، وقال لها فتحية قامت قالت له: الله! إيه اللى جابك هنا.

قال لها: إيه يا بنت الحاج إبراهيم. ما يا الله ننزل.

كان اليهودي شارب خمرة، وقاعد على الكرسي، والشباك مفتوح وجاى له طراوة ومركون بقى عامل إيه! واد سكران مهوش سامع حاجة ورايح في النوم.

قال لها: قومى بنا، فتحبة قالت له: انت هتنزل ولا أصحى لك الخواجة، قال لها: عيب يابنت الحاج إبراهيم. قالت له: ياخواجه قام راح صاحی الخواجه، اليهودي قامر بص اتلقاه. قال له: إيه اللى جابك هنا، قال له: دا….. قال له: مفيش هنا دا ولا ده ولا مراتك ولا حاجة. إيه اللي جابك هنا! راح مكتفه على عامود في قلب اللنش، كتفه بحبل، وراح صلبه، وراح مادد إيده، جاب الكرباج ونزل على جنته سلخه. وبعد كده جاب إزازة الخمرة، شربها واتركن.

وبص له كده واتركن. صاحبتنا قاعده، صاحبنا اللي تحت قلق، المصرى والمراكبي الاتنين تحت، فلما العملية خدت مسافة وغابوا، فطلع المراكبي على فوق. لقى اليهودى قاعد مركون، وصاحبنا متكتف بالحبل، قام مخدش باله اليهودي. قام راح جاى بمطوة أو سكينة معاه، وراح دابح رقبة الإسرائيلي، وراح ماسك دماغه حدفها من الشباك في قلب البحر وراح جاى على صاحبه اللي هوه إيه؟ جوز صاحبتنا وراح فاكك الحبل بالسكينة وراح واخدهم الاتنين وقال لهم: يالله.

قام المصرى اللي كان تحت، اللي هو كان مأسور، قال له: استنى قال له إيه. قال له هنا الخزنة، بناعة اليهودي أهي، دى مليانه فلوس، يالله نحملها. قام راحوا محملينها في قلب المركب، وحملوا الغنم في قلب المركب وراح طالع بهمر، المراكبي.

هنا المصرى اللي كان مأسور جه نص المسافة وسمع الآدان الشرعي بتاع العصر، قام قال لهم انتم مادام جبتوني في المدينة دي، وانا سمعت الأدان ده، المال مبروك عليكم والغنم ده مبروكة عليكم وانا هنزل البلد دي اللي هي فيها الآدان الشرعي، وراح سايبهم وراح نازل هنا بقى المراكبي راخر وصله لغاية البيت، البيت بتاع الشاطر محمد اللي على شط البحر، وقال له: آدى الغنم وأدى المال وأدى مراتك وانا راجل ابن راجل. أنى مش لازم لى حاجة من المال. انا كفاية على إن انا قتلت لك اليهودي، انا راجل ابن راجل وخد بعضه، المراكبى ومشى.

فصاحبنا نسيبه كان رح له يوم واتنين مايلقهوش في قلب البيت في قلب العمارة. فراح ثاني لقاهم في قلب البيت، الله. أمال انت كنت فين يا شاطر محمد الغيبة دى كلها.

قال له: اسكت يا حاج إبراهيم لحسن حصل كذا وكذا وكذا من بنتك قال له: مش معقول إزاى؟ تعالى وانا أسمعك وأعرفك بنتك عملت كده أو لا! قال له: كده! قال له: آه. قال له: طيب.

فيعمل إيه؟ قام خده بالليل وخباه ورا الباب، قام جوزها جه وهو بيشاغلها قال لها إيه؟ طيب بذمتك يا فتحية انا ساعة ما طلعت في اللنش والخواجة قاعد مش قلت لك بالله، قلتي لي أصحى اليهودي، طيب أهو كل شيء راح وانتهى، حصل ولا محصلش ماتكدبيش، قامت قالت له حصل قام التفت لابوها وقال له إيه: انت سمعت يابا! فأبوها طلع من الباب، راح مازع رقبتها بسكين، وراح زقلها في البحر كمثل مانحدف الايه؟ اليهودي، واتلفت له وقال له يا شاطر محمد، قام قال له نعم، قال له نقى لك عروسة من أي مدينة، وإن كنت عايز تاخد اختها خدها، أو تنقى أي عروسة من أي مدينة وانا اللي هساعدك، وانا هخطب لك بنفسي وأنا كل حاجة.

قال له طيب، فمشى الشاطر محمد في قلب المداين يدور على عروسة كويسة. فبص لقى قصر، مكتوب على القصر يافطة: ده قصر فيه العروسة راجل وبنت راجل واللي يحب يتجوزها يتاقلها بالمال قام يعمل إيه؟ راح داخل القصرده وخد الراجل اللي هو الحاج ابراهيم وباه، وخش على الراجل اللي في القصر وقال له: إحنا عاوزين نتجوز بنتك اللي هي راجل بنت راجل قال له: بنتى، قال له: أه قال له: بنتى غالية واللي يحب يتجوزها يتاقلها بالمال. قال له حتاقلها، المال عندنا. فين المال؟ قاموا رايحين جايبين المال بتاع اليهودي وتقلوها في الميزان وراح متجوزها.

خشت عليه وكل حاجه، وجابوا عزال وكل شيء، قعد نايم وياها. ليلة في ليلة في شهر في بتاع، ييجى ينام وياها عشان ياخد وشها، ميعرفش ساعة ما ييجي الليل تقوم تقول له إيه؟ أوعى يا أخى إتاخر كده وانت زي الحملة، تزقه لا يعرف ينام وياها ولا حاجه الله. فخد بعضه، قرفان شهر واتنين مخدش وشها ولا نام معاها، نايمه وياه كده. اكنه ميعرفش. يعنی مفيش حاجه.

فخد بعضه وطلع في ليلة من ضمن الليالي على القهوة وراح قاعد. زهقان كده وراح قاعد. جه في وسط الجماعة الحلنجية دول وراح قاعد. بیسقف جه القهوجي، تشرب إيه، قال له: هات لي قهوة. فالقهوجي جاب له قهوة وراح صببها له على الترابيزة قدامة، بعد ما القهوة اتحطت قعدت يطلع ساعة قدام منه، صاحبنا نسي، قام جه القهوجي قال له: انت يا جدع انت قال له نعم قال له انت عندك فكر. ولا إيه؟ دماغك شرخ في إيه؟ القهوة قدام منك بقى لها ساعة. انت عندك فكر؟ قال له يعني انت اللى هتضيع فکری.

قال له: إيه فكرك، إشرب القهوة قام سقاه القهوة. بعد ما شرب القهوة، راح جايب له كرسي دخان في كرسي دخان وقال له: إيه حكايتك، قال له حكايتي إن انا داخل على واحدة ست بقالي شهرين تلاته مخدتش وشها، قال له: طيب الست بتاعتك دي بتعمل معاك إيه؟ قال له بعد العشا بتديني كباية شاى وبعد ما اشربها ألاقى كبس على النوم نمت، قال له كده قال له آه، قال له طيب بعد ما تتعشى تديك كباية الشاى، خد كباية الشاى وأعمل إنك انت بتشربها وروح كببهاع الأرض، وبعد ما تكبهاع الأرض بص شوف هي هتعمل إيه وصحصح لها قوى يظهر إن مراتك دي رئيسة عصابة، قال له كده، قال له آه، قال له طيب. فصاحبتنا جت بعد العشا ادت له كباية الشاي، خد كباية الشاي، راح كببها وراح نايم صاحي، شوية إلا وقبل الفجر بساعة راحت إيه؟ اللي جالها وراحوا داخلين على جوه. عندها جوه زى ما تقول إيه، خندق فيه سلاح وراحت ملبسه ده جلابيه وده جلابيه، وده بندقية وده بندقية ومش عارف ايه، وخدت بعضها ولبست وبقت في وسطهم.

صاحبنا خش ع الخندق ده راح لابس جلابيه. واتعمم بتلفيعة وبقى في وسطهم، في وسط العصابة واقف. كانت دکھی فرقت العصابة، أنتوا الاتنين تروحوا الحنة الفلانية وتعملوا كذا، وأنتم تعملوا كذا، وأنتم تعملوا كذا. وصاحبنا هو اللي فضل واقف، قالت له انت اللي واقف لسه يا متنبل! قال لها: آني، طيب تعالى معايا، فخدته وجريت على محل زى ما تقول محل خردواتي أو صابغ ولا حاجة. سرقت الايه الخزنة بتاعته فلما سرقت الخزنة. صاحبنا ماشي وراها وهي ماشية قدام. في الوقت ده دورية فايته قام راحوا ماسكينها.

جايبه ده منين؟ صاحبنا واقف من بعيد وراح ضارب طلقة، سابوها هي وجريوا ورا اللي بيضرب الطلقة، فلما. جريوا ورا اللي بيضرب الطلقة، كانت دکھی جریت بقت ع الباب. قبل ما تخش م الباب، كان صاحبنا جوزها جرى وراح قالع هدومه وراح نايم في قلب الأيه؟ في قلب السرير. كانت دکھی جت وراحت عاينه الخزنة، وراحت قالت له إتاخر شويه كده يا أخى كده وانت نايم زى الجردل، قام اتلفت كده وقال لها انا جردل قالت له آه فقال لها بقى انا جردل. وانا متجوزك ومتقلك بالمال. قالت له وايه المال ده! طزع المال بتاعك. قال لها مش عيب عليكي! انا الليلة یعنی دي كنت في وسط العصابة وانا اللي عملت كذا وكذا وكذا وانا ضربت الطلقة، جريت البوليس وانا كل حاجة.

دی قامت قالت له: أكنك انت كنت في وسط العصابة، الليلة دي! قال لها آه وبتقولى إيه ع المال بناعي. قالت له: طزع المال بتاعك، المال مالي وانا اللي جايباه. انا اللي كنت مراكبي، انا اللي قلت لك اليهودي، ونا اللي جيبه المال المال مالى وانا اللي جيباه. قال لها بس انا عملت الليلة دي كذا وكذا وكذا.

قالت له: حيث إنك انت عدت واد راجل كده وبقيت في وسط العصابة وعملت كذا. يبقى حاجة قبال حاجة.

وهب لازم تنام في حضني الليلة وبقى راجل ابن راجل زيها.

* في: القصص الشعبي في الدقهلية، فتوح أحمد فرج، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، ١٩٧٥)، ص 314- 322.

** اسم الراوى: الشيخ عرفه شلوفه، السن: ٥٢ سنة، يقرأ ويكتب، المهنة: حداد وشيخ الطريقة الأحمدية بالسنبلاوين، عدد الأولاد: 9، يحفظ المئات من الموال والحكايات والأزجال.

من يوم ماجيتي يا بنتي..*

من يوم ماجيتي يا بنتي..

ما فرح بیکی قلبی..

وأمك اتخضت ع الكرسي

والدايه لزقت في الأرض..

وأبوكي من قلة عقله..

جاب الموس وحلق شعره..

جات الناس تبارك له..

قال يا ناس ما جأناش حد

* في: الأغنية الشعبية: مدخل إلى دراستها، أحمد على مرسى، (القاهرة: دار المعارف، ۱۹۸۳)، ص ۲۱۷.

حكاية ست الحسن والجمال *

رواية: حسين عبد العاطى **

جمع وتدوين: محمد حسن عبد الحافظ

كان ياما كان، كان فيه واحد على خمس بنات، ولما كبر اتجوز واحدة، وكان نفسه يخلف ولد. حملت مراته، وجه تاسع شهرها ياللي قاعدين وتسمعونا صلاة النبي، ففي التاسع ربنا عطاله ولد وبنت البنت سماها ست الحسن والجمال، والولد سماه الشاطر على الدين، والولد يما كبر قاله يابا، قاله نعم، قاله شوف اختى، قاله مالها أختك، قاله شايف الجمال بتاع أختى، قاله ماله يابني، قاله أختى جل الله ما خلق في كامل الزين محمد، قاله ايوه، قاله شايف الشعر بتاعها الشقة اليمين دهب، والشقة الشمال مرجان، قاله ايوه، قاله انا الشاطر على الدين، قاله إيوه، وأختى ست الحسن والجمال، قاله عاوز أخذ أختى، قاله غير يا شاطر على الدين، إيه اللي بتقوله ده، فيه واحد بياخد اخته؟ قاله بابا اخبز زاد وزواد وابرم السبع بلاد واللي لقيت زى ست الحسن والجمال أخدها. الراجل خبز زاد وزواد وبرم السبع بلاد، بلد تشيل وبلد تحط، يلقى الجمال والمرجان؟ لع، يلقى المرجان والذهب؟ لع، لبلد تالته، لقى كل حاجه إلا الجمال، رجع الراجل، قالها يا ام الشاطر على الدين، قالتله نعم يابو ست الحسن والجمال، قالها إيه رأيك، نعمل إيه؟ قالتله العمل عمل ربنا، روح تانى يا شيخ العرب، قاله خبر إيه يابا، لقيت؟ قاله والله يابنى مالقيت، قاله طيب ياباا تغير تبدل ماخدش إلا اختى، فجات الداده بتعتها قلتلها هاتي حتة لباته يا ست الحسن والجمال من بقك النبقايه وانا أقولك، قلتلها ها تقولى على إيه؟ على الشاطر على الدين لما شرط على أبوكي وامك يخبروا زاد وزواد ويبرموا السبع بلاد على دمت يلاقوا جمالك ما جل الله ما خلق في كامل الزين محمد، ست الحسن قالت: عشان يجوز، ومرات اخويا جايه بكره؟، قالتلها لا يا شاطرة ادينى حتة لبان وانا اقولك، قالتلها خدى بإداده اللباته كلها، قالتلها اخوكر الشاطر على الدين شارط على بوكي يخبز زاد وزواد ويبرم السبع بلاد يلقى جمالك مالقيش وبكره الدخله بتاعتك على خوكى، فقالت ست الحسن والجمال ازای یا داده قالتلها زي ما بقولك كده، قالتلها اسحبى الكلبه الرومي، هي مولفه عليك، ادبحيها والبسي التوب بتاعها وانزلي لبلاد الله، والستار ربنا فلبست ديحث الكلبه ونزلت ست الحسن والجمال بتوبها، بلاد تشيل وبلاد تحط عدت ترع وبحور، قابلها فلان وعلان، قابلها واد الوزير وواد السلطان اتخانقوا مع بعض، قاله الكلبه دى كلبتي، قاله لع إحنا بنرعى الغنم، وانت راكب هجينه، الشاطر حسن ولد السلطان قبال الشاطر محمود ولد الوزير، قاله لع الكلبه دى بتاعتى، قاله كيف، قاله ايوه بتاعتي، قاله ادى رغيفك للرأجل الغلبان وخذ منه بتاوه، بحتوا نقره، باللى عليكم ما تصلوا ع النبي، وكل واحد حط فيها مصلحته، جابوا الكلبه نخرت نخرت نخرت وطلعت البتاوه، بتاوة مين الشاطر محمود ولد الوزير، قاله يبقى كليبتي قاله لع دى مش كليبتك، قاله لاماخذه نقلع الكلتات، اللي تاخذ كلته يبقى كليبته، قلعوا الكليات وحطوها برضه في الفحره دى طلعت الكلت بتاغ مين الشاطر حسن ابن السلطان، قاله حلال عليك كليبتك، قاله حلال على خد الكلبه وروح، ف اليوم ده كان رمضان، عليكم ما تصلواع النبي، الشاطر حسن قال يا داده، قالتله نعم يا سيدي، قال لها حدى الكلبه دى دخليها دوا الحمام حميها وسرحيلها شعرها، وأول ما يادن أدان المغرب هاتيها جنبنا ع السفرة، الشاطر حسن مفيش غيره مع أبوه وأمه، أبوه قاله ليه كده يا شاطر حسن، قاله بابا زي ما خلقنا الله. في المعاد ما تصلوا ع النبي، قعدت الكلبه سبع تيام الشاط سبع تيام الشاطر حسن أبوه يقول للداده يا داده، إيوه، النهارده إعملى كذا في السحور، إدبحى جوز حمام واعملي فطرتين، تقوم هي تقلع توب الكلبة جل الله ما خلق ف كامل الزين محمد، تدبح وتعمل كل حاجة وتتسحر وتشرب كباية الشاي، وتلبس التوب بتاعها وتنام، يفوت بتاع السحورة، الدادة م الشقا النهار كله اعملى دى وهاتی دی وودی دی نامت محستش، حست بایه بالأدان طالع بتاع السحوره، قالت ياه ياه أقوم أعمل إيه دلوقت، أعمل إيه لسيادي يسحروا بيه، دخلت المطبخ لقت خيرات الله جاهزهطلعت بره قالتلها يا ستى، قالتلها نعم، قالت يا ستى يا ستنا، ياللى قصرك أعلى من قصرنا، إدينا عنقود عنب للوحمانه عندنا، وانا أقولك على الخبر، قالتلها قولى، قالتلها يا ستى بلا مأخذه من ساعة ما سيدى جاب الكلبه دى وانت تقوليلى على طعام السحوره، وأقوم القاه جاهز، فهو جاى من بره وسمع قالها ايه يا داده، قالتله لولا خوفي منك تاخذ رقبتى بالسيف، دى مش كلبه، لما بنقولى على طعامات الليل بقوم بلقاها جاهزه، قالها طيب انا الليلادي هاستخبى واشوف بعيني، جه ورا الستاره واستخبى بعد ما قال للداده اعمليلنا النهاردة شوية شربه على دكر وز، قالتله حاضر يا سیدی، بعد ما كده سمى باسم الله ومسكها، قالتله أستر على ياسيدى زی ماسترت عليك، قالها بيني وبينك حد الله، البسى التوب بتاعك، وانا السيف منقلد بيه، وزى ما انت خليك، قاله يابا، قاله نعم، قاله عاوز اتجوز قاله تاخذ بت الوزير فلان، قاله لع، قاله بت الملك فلان قاله لع، قاله عروستي في بيتي، قاله فين يابني، قاله الكلبه، الكلبه! إيه يا شاطر تتجوز کلبه! قاله بابا دى مش كلبه، دا جل الله ما خلق في كامل الزين محمد قاله یعنی قصدك ايه يا ولدى، قاله دور المنادي في المدينة إن الشاطر حسن هيتجوز فلانة بنت فلان، قاله ايش علمك، قاله انا بقولك كده يا با دور المنادي إن الشاطر حسن هياخد فلانة بنت فلان، الصوان عاد والدبايح اشتغلت، وهي نازله من فوق فاكه شعورها، شعر ذهب والثاني مرجان، وجل الله ما خلق في كامل الزين محمد، قالها يا امي تقولك اديني بشکیر اديني حاجة اديها بلا قطعان وفكي الهجينة بتاعني، وخليها تطلع في الشارع، تطلع وراها، علشان الناس تتفرج على جمالها، وطلع الشاطر حسن بالفرسة ورمى عليها محرمة الملوك، اللي عليكو ما تصلوا على النبي، وخدها قدامه وهي راكبه الهجين على القصر بتاعه، وأول ما روح قالها عاوزه إيه يا ست الحسن والجمال، قالتله نجيب أبويا وأمى واخويا الشاطر على الدين، قالها حاضر، جاب القاضي، وكتب عليهم، قالها كفيلك مين، قالتله كفيلي اللي خلقك وخلقني، وبعد ما كتب دارت الزغاريد، طلعت أمه، بصت من خرم الباب لقت الراس راسين، والرجل رجلين والشعر الدهب والمرجان على الفرشه مبعزقة، ولقت ست الحسن والجمال، جل الله ما خلق في كامل الزين محمد، في حضن ابنها الشاطر حسن، ونت بالزغاريد، قالها لسه يا امه، هي مش راضيه غير لما أجبلها أبوها وامها واخوها، قالت هي بيني وبين ابنك حد السيف، يروح يجبلى أبويا وامي واخويا الشاطر على الدين وانا أخليه يتكشف على بالحلال.. راح الشاطر حسن، بلد تشيل وبلد تحط، بلد تشيل وبلد تحط، أتسط في دادة ست الحسن، وسألها قالتله دى فلانه لبست ثوب الكلبه وطلعت في بلاد الله، عشان اخوها ملقيش جمالها وكان عاوز ياخدها، وبعد ماراحت قعد اخوها الشاطر على الدين على شط البحر وطلعتله ملكة البحر، جل الله ما خلق في كامل الزين محمد، واسمها ست الحسن بنت الملك سرحان ملك البحار، وأتجوزوا وعاشوا ف تبات ونبات، وابوه خبز زاد وزواد، وبرم السبع بلاد يدور على بنته ست الحسن والجمال ولف كد ما لف ورجع بلاها قالها انا الشاطر حسن ابن السلطان عز الدين واتجوزت ست الحسن والجمال، ودينى على أبوها وامها وصفتله الدوار وخدهم معاه، وشافوا بنتهر قاعده ف قصر مدور فوق التل، ما عليكم ما تصلوا ع النبي وجل الله ما خلق في كامل الزين محمد.

* في: مجلة الفنون الشعبية، العدد 49، أكتوبر ديسمبر 1995، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب)، ص ٥٤٥٧.

* * الراوي: حسين عبد العاطي، ولد في قرية البطاخ، المراغة. سوهاج عام ١٩٤٣، ثم انت قل إلى أبو تيج. أسيوط حيث يحيى أفراح القرى. تم جمع هذا النص عام ١٩٩٣.

هيلانه*

رواية: أم عاشور**

جمع وتدوين: أحمد محمد عبد الرحيم

صلى على النبي

كان يا سيدى فيه واحد سلطان، سلطان غنى قوى، وبعدين مراته مايتخلفش. قالت: يا رب يا ربانی تديني بنت أولدها وأبوها ما يعرف عنها أي حاجه. قام إيه حملت وولدت البنت دى وسلمتها للمربيه، سمتها هيلانه“. جت سفريه لأبوها.. أبوها سافر قعد مده طويله لما هيلانه كبرت.. كبرت وبقت عروسه جت في يوم من ذات الأيام قالت لها: ياماما انا نفسى أشوف جنينة بابا. قالت لها: خديها يا داده ووديها. البنت دى ضفيرة دهب وضفيره فضه، قامت قالت لها، يا داده انا نفسى أركب شجره من جنينة بابا. قالت لها، إركبي، قامت هي فوق الشجره وجاى أبوها راكب الحصان لمحها من بعيد، البنت لما شافت أبوها جای راكب الحصان راحت نازله من على الشجره، شبكت ضفيره منها دهب في عود من الشجره.. خش هو، انت يا راجل یا جناینی، قال له: نعم يا سعادة السلطان. قال له: مين البنت اللي كانت هنا دى. قال له: ما اعرفش حاجه يا بيه، كانت الداده قالت للجنايني أوعى تقول لباباها واحد جه هنا، قال له: انا ماعرفش حاجه يا بيه، قال له: لازم تقوللي البنت دي مين هي قال له: دى من بيتك يا سعادة البيه، انا ما عرفش عنها حاجه. روح السلطان قال للست بتاعته لازم تقوليلى على البنت دى مينقالت له: طيب أقول لك الصراحة.. دى بنتك.. قال لها: بنتى!! قالت له: آه. قال لها: طيب، بننی حلالی بلالی لازم أتجوزها. قالت له: يا راجل فيه حد يتجوز بنته. قال لها: انا قلت كلمة وهي كلمة. قالت له: خلاص.. إتجوزها. قام البنت إيه قاعده في وسط الزفة وبتتلبن.. في بقها لبانه، جاتها بنت من الجواري.. جاريه، قالت لها: يا ستى تدینی حتة لبانه وأقول لك مين اللي هيتجوزك. قالت لها: اتفضلي يا جاريه. قالت لها: اللي هيتجوزك أبوكي قالت لها، يا جاريه غيرى الكلام ده قالت لها: هى كلمة، اللي هيتجوزك أبوكي قامت البنت خلت المعازيم غنو له كده، وراحت هربانه.. جات فوق شجره وقعدت.. فين هيلانه؟ فين هيلانه؟ دوروا على هيلانه مالقيوهاش، وبعدين بصوا فوق الشجره، لقيوها. قام قال لها أبوها، واه يا هيلانه، قالت له: بعد ما كنت أبوى تصبح جوزی، أعلى بي يا شجره، كل ما تقول كده تعلى، جاتها أمها: واه يا هيلانه، تقول لها: بعد ما كنت أمي بقينى ضرتي أعلى بی یا شجره، كل واحد ينده عليها تقول أعلى بى يا شجره، لما الشجره عليت بقيت طول.. طويله خالص لفوقوبعدين يا سيدي ليل عليها الليل فوق الشجره نزلت، تروح فوق سن الجبل وقعدت.. صبح الصبح وراحت لها أمها: واه يا هيلانه، قالت لها: بعد ما كنت أمي بقيتي ضرتي أعلی بی با جبيله، يعلى الجبل، يجبها أبوها، راه با هیلانه، تقول له: بعد ما كنت أبوى طلعت جوزي أعلى بي يا جبيله يعلى الجبل، يجيلها خالها، واه يا هيلانه، تقول له: بعد ما كنت خالی بقیت أخو ضرتي أعلى بي يا جبيله. لما سابوها في الجبل ومشيوا.. مشيت بدهبها بحالها بمحتالها، راحت للنجار قالت له: يا نجار، قال لها: نعم يا ست، قالت لها: تاخد كام وتعمل لي توب كلبه. قال لها: يا ستى زى ما تقولى. قالت له: طب اتفضل، تعمل لى صندوق كلبه.. توب كلبه ألبسه. قال لها: طيب. إداتله اللي هو طلبه منها وعمل لها توب خشب بهيئة كلبه، ومشيت ف الجبل، قابلها ابن السلطان وابن الوزير، ابن السلطان في إيده لقمه رغيف وابن الوزير في إيده لقمة إيه.. فينو قال: انا أخد الكلبه دى، وابن السلطان قال وانا أخد الكلبه دي. راح إيه ابن السلطان قال: طب أقول لكم.. اللي تاكل لقمته تبقى كلبته، دا حدف اللقمه الفينو، وابن السلطان رمى اللقمة المعطنه، راحت كلت اللقمه بتاعته.. ابن السلطان قال، بس تبقی کلبتی حلالی، خد الكلبه وروح بيها، أمه قالت له: يا ابنى جايب لي الكلبه يا ابني علشان تاكلك، قال: خلاص انا لقيتها في الجبل، وكلبتى حلالی، بس حطبها. قام خدوا الكلبه وحطوها في البيت. قام قال لها: يا ماما. قالت له: نعم، قال لها، بكره جيينا ضيوف، تعملي وتعملي وتعملي وتسوى إيه الطعام حلو. قالت له حاضر يا ابنی، هیلانه سمعت، قامت بالليل قلعت توب الكلبه وطبخت ووضبت الواجب للمعازير، وقامت أمه من النوم لقيت الطبيخ والطعام كله متوضب ومحطوط ومرصوص الله!! إيه ده.. إيه ده يا ماما؟ قالت له: من يوم ما خشيت ويانا الكلبه ما حدش بيجينا حتى. قال لها: طب خلاص يا أمه. المقصود جه الضيوف واتغدوا واتبسطوا ومشيوا. جه قال لها: يا أمه بكره جبينا ضيوف، زى ما عملت النوبه اللي فاتت عملت النوبه دی، صبح الصبح لقبوا كل حاجه متوضبه الله!! يا ابني من يوم ما جاننا الكلبه مافيش حد بيجينا. قال لها: يا ماما تكون جتك أختك. قالت له: يا ابنى ما فيش حد بيخش بيتنا. قال لها: طيب خلاص.

ابن السلطان جه في يوم من ذات الأيام قال لها: يا ماما بكره جيينا ضيوف. قالت له: طيب يا ابنى. جه هو بالليل وزى ما يكون لزق في ركن کده. جات هي بالليل قلعت توب الكلبه، وبقى الجمال ما وصفش، وايه واشتغلت بقى في إيه.. في توضيب الطبيخ. هو شافها مارضيش لا يتكلم ولا يتحدث، صبح الصبح لقوا الطعام متوضب زي النوبه اللى فاتت، الوليه قالت: یا اختی، يا ربی، اللي ما حد اما بخش بيتنا، ولا حد بيجينا من يوم ما جات الكلبه. هو شافها مارضيش يقول لأمه، قال لها: يا ماما. قالت له نعم. قال لها: انا هتجوز الكلبه، يالهوى يا ابنی، علشان الكلبه تاكلك وتنام في جوفك. قال لها: انا قلت كده، انا هتجوز الكلبه. قالت له: يالهوى يا ابنى ما أقدرش. قال لها: انا قلت كلمه وخلاص. راح جه بالليل، قال لها: اقلعی توب الكلبه. قالت له: هو هو. اقلعي توب الكلبه هو هو.. حتقلعي توب الكلبه ولا أقطع رقبتك بالسيف، راحت قالعه توب الكلبه بقيت جل الله فيما خلق، في الجمال. وناموا للصبح.. قالت لها: يا جاريه ما تروحي تشوفى سيدك لتكون الكلبه كلته ونامت في جوفه، راحت الجاريه لقيت صلاة النبي، نايمين، مماليك، قالت لها يا سنى الراس راسين، والرجلين أربعه، والضفاير على الحصيره مشحتره، الخوف منك يا ستى أقول أحسن يا جاريه انت ى الثانيه شوفى سيدك، راحت السبع جوارى كلها.. ييجوا يقولو لها نفس الكلام ده، خشت الست بنفسها، عادوا الفرح سبع تيام، بس إيه كل الدنيا بره تقول ابن السلطان خد كلبه.

البنت دي خلفت تلات صبيان، كل ما يطلعوا أولادها يلعبوا، يقولولهم يا أولاد الكلبه شوفوا أولاد الكلبه، يخش العيال يعيطوا لأمهم.. ماما العيال أما يقولو لنا أنتوا أولاد الكلبه. قالت لجوزها، قال لها: طيب. جه لم كبارات البلد كلهم، وعمل لهم صوان كبير، وقال لهم انا عازمكم عندي، جميع البلد معزومه عندى ف الصوان ده. نصبوا الصوان، واتلمت جميع البلد، وجاب حصان وركب عليه الست بتاعته وأولادها وراها، ومشاها وسط الصوان وراح شايل من عليها الغطا بقيت براسها.. ملاك.. كل الناس سقفت لها وخشت بيتها.

جه في يوم ابن السلطان وابن الوزير ماشي في الجبل، ما هو ابن عمه. لقى كلبهقال بس.. أخد الكلبه، زى ما ابن عمى. ما خد الكلبه، انا أخد الكلبه دى. قام ايه خدها، خدها وراح لامه.. قال لها، يا ماما انا هتجوز الكلبه دى، قالت له: يا ابنى تتجوز الكلبه علشان تأكلك وتنام في جوفك. قال لها: انا قلت كلمه حتجوز الكلبه دى یعنی حتجوز الكلبه دى. خد الكلبه، وقال لها بالليل اقلعي توب الكلبه. قالت عو، عو، قال لها: اقلعي توب الكلبه، راحت الكلبه هابه فيه طلعت مصارينه خشت تشوف الخدامه لقيت مصارينه في ناحيه، وهي واقفه عليه وبتأكل فيه بقى بيت الوزير فيه الصوات، وبيت السلطان فيه الزغاريد، جات في يوم قالت لجوزها: دلوقت بقى هي من يوم ما خرجت من البلد، على ما ظهروا العمم، وجاموسهم بعيد عنك لا حلب، وأبوها عمى، وأمها عميت، وخربت البلد. جات في يوم قالت له: انا عاوزه أخدك وآخد كبارات البلد وأوريهم بلدى وأوريهم بابا وبيت بابا. قال لها: خلاص. عزم جميع البلد. وهى ركبها وركب ولادها قدامها وراحت إيه.. على بلدهم. أول ما قابلها قابلها بتاع الجاموس، بتاع أبوها. قالت له: يا عمى يا جماس ما عندكش حبة لبن للرضيع ده؟ قال لها: والله يا ستى من يوم ما مشيت هيلانه لا جاموس حبل عندنا ولا حلب حدنا. دلوقت جميع البلد وراها، راحت لبتاع البقر، قالت له: يا عم يا بقار ما عندكش بق لبن للرضيع ده؟ قال لها: والله يا ستى من يوم ما مشيت هيلانه لا بقر حبل عندنا ولا حلب حدانا . راحت للغنام، قالت له: يا عم يا غنام ماعندكش بق لبن للرضيع ده؟ قال لها: والله يا ستى من يوم ما مشيت هيلانه لا غنم حبلت عندنا ولا حلب حدانا . راحت للمعاز، قالت له: يا عم يا معاز ماعندكش بق لبن للرضيع ده؟ قال لها: يا ستى من يوم ما مشيت هيلانه لا معيز حبلت عندنا ولا حلبت حدانا. خدت بعضيها وخبطت على بيتهم قالت لها: مين؟ قالت لها: افتحى يا أمه، دانا هيلانه. قالت لها: يا بنتى من يوم ما مشيت هيلانه لا حد بيجينا ولا بخش حدانا . قالت لها: يا ماما دانا هيلانه. تقول لها: ما قلت لك يا بنتى من يوم ما مشيت هيلانه لا حد بيجينا ولا يخش حدانا، وبعدين الوليه. سمعت صوت هيلانه.. الوليه قايمه تفتح راحت حاجه خابطاها كده فتحت عينيها، الجاموس كل اللي تفوت عليه ينعر، ماكانش حاجه بتنعر عند بيت أبوها بقى. البلد كلها دريت، عمامها ظهروا العمر وظهروا الشيلان، وخيلانها دقوا الفرح سبع تيام وبعدين كل واحد معزوم عيل معاه أدوله مثلاً فرسه، وده أدوله حصان، وده أدوله جاموسه، وكل المعازيم اللى جايه معاها تشوف بلد أبوها، كله خد حصان، واللي خد فرسه، واللي خد لا مؤاخذه خروف، واللي خد جمل، واللي خد بقره، واللى خد جاموسه، وروحت يا سيدى هيلانه، وعاشوا في تبات ونبات، وخلفوا صبيان وبنات.

* في: مجلة الفنون الشعبية، العدد ٣٨ ۳۹، ديسمبر ۹۲. مارس ۱۹۹۳، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب)، ص 60 -63.

**الراوية: أم عاشور، وتم جمع النص في مصر القديمة في شهر يناير ١٩٧١.

ست الحسن والسبع جدعان*

رواية: أم السيد ياسين **

جمع وتدوين: إبراهيم عبد الحافظ

صلى ع النبي

كان فيه مرة وراجل.. المرة خلفت سبع جدعان.. فقاموا لما كبروا نفسهم ربنا يبعت لهم أخت، فأمهم حبلت.. فقالوا لها إحنا عايزين بنت.. إن ما كنتيش هاتجيبى بنت الدور ده.. هانطفش، هانسيبك ماعتيش تشوفينا تاني.. فقامت واحده جارتهم سمعتهم وهمه بيقولوا لأمهم، والست دى كانت بتغير منها إنها معاها سبع جدعان وهي ممعهاش خلف.. أمهم تم حبلها وجات توضعالجدعان كانوا في الغيط وجم لقوا أمهم ولدت..فقامت جارتهم مقابلاهم ع الباب وقالت لهم: أمكم وضعت ولد..

فالجدعان مادخلوش على أمهم ومشوا.. أمهم تنتظرهم ييجوا مايجوش .. فالبنت دنتها لما كبرت وأصبحت حوالي اتناشر سنه كده.. فجات يوم تخبز هي وأمها.. فهي قاعده تحكى لأمها.. تقول لها: يامه انتى ماخلفتيش إلا انا ؟.. فأمها قعدت تعيط، وتبكي، وقالت لها، انتى بتبكي ليه يامه؟، قولى لى على الصراحة.. قالت لها، انا ربنا بعت لي سبع جدعان، ولما حبلت فيكي.. فقالوا لي إن ماجبتيش بنت الدور دهإحنا هانطفش، وهانسيبك.. فانا ولدتك.. فجارتنا سمعتهم، وهي اللي قابلت اخواتك، وقالت لهم إني ولدت ولد.. فمشوا ولحد النهارده ماحدش عارف طريقهر.. قالت لها: طيب اخبزى لى كحكهفخبزت لها كحكه وسوتها في الفرن.. وقامت واخده الكحكه، وقالت لأمها: انا راحة أدور على اخواتي.. قالت لها: يا بنتى مش هاتعرفي طريقهمقالت لها: أني هادني ماشيه لما أعرف طريقهم.

قامت البنت خدت الكحكه ومشت.. طلعت ع الزراعيه.. فقامت مدحرجه الكحكه، والكحكه تجرد تجرد، والبنت وراها، فجات دنتها لما جات عند بيت وقامت الكحكه واقفه.. وقامت البنت قاعده فطول البيت.. فلقت واحد طالعفشاف البنت دى قاعده.. فراح قال لاخواتهقام نده لها.. قامت طالعه وياه.. راحت وياه فقالوا لها: انتي منين يا صبيه؟ وكل واحد يقول انا هاتجوزها، فقالواء الأول نسالها هي رحلتها منين.. فسألوها انتى يا صبيه منين؟ وراحه فين؟ قالت لهم: انا لي سبع جدعان هربانين من أمى وبدور عليهم.. قالوا لها، انتى بنت مين؟ قالت لهم على اسم أبوها وأمهافقاموا وخدينها بالحضن.. وعرفوا إنها أختهم.

قالوا لها تقعدي في البيت تعملى لنا لقمننا.. وكانوا إيه بيصطادوا طير م الجبل.. فبقوا يروحوا يصطادوا الطير وييجوا آخر النهار.. تطبخ لهم وياكلوا.. فطول منهم واحد غول.. بينهم وبين الغول طاقة

فهى ندهت عليه وقالت له هات المقلايةاعطاها المقلاية قال لها: مدى صوابعك.. فمدت صوابعها مصها، وإدور من الباب.. قال لها: إغرفي ليقال لها، إعرفي كمان قالت له: إخواتي ييجوا يقاتلوني.. فهو قام محموق وقام محمر عينيه، ورايح يفر عليها.. ويأكلها.. فاخواتها كانوا واقفينقطعوه بالكواريك حتت حتت.. ولقوا حمارة الغول ماشية بخرج.. عليها.. جابوا اللحمه بتاعته وحطوها في الخرج وبعتوها على بيت الغول.. فجات الحمارة خشت على الغوله.. فمرات الغول قالت لأولادها، أبوكم جايب لنا لحمه، ولسه ماجاش.. فطبخت اللحمه وقعدوا ينتظروا الغول ييجى مايجيش، لما لبعد السهره، فجات تبص كان في صبعه دبله هي عرفتها.. قالت لهم: ده أبوكم اللى مدبوح، ودى دبلته.. وقالت والله ضرورى أعرف اللي دبح أبوكم مين؟

قامت جابت شوية إبر وخيط ولبان وغوايش وحلقان.. ومشت في البلد تبيع.. فكل واحده قدامها تشترى.. تقول لها إيه: إحكى لى على قصتك من نهار أمك ما ولدتك.. فهمه يحكوا لها على اللي بيحصل لهم.. فجات للبنت دى قالت لها: تعالى يا خاله لما أشترى منك قالت لها قولى على قصتك من نهار أمك وأبوكي ماولدوكي.. هي قالت لها قصتها وقصة إخوانها الأول

في جية السبع جدعان مروحين.. فجابت شوية تراب من على الأرض وسفختها في وش السبع جدعان.. وقالت لهم تصبحوا سبع تيران.. فصبحوا الصبح أختهم شافتهم سبع تيران.. قعدت تعيط.. وقامت راحت لواحد جارهم في السكن وقالت له: إفتل لى سبع رواوويس.. فتل لها سبع رواوويس. فحطت كل رواسيه في تور وأخدتهم ومشت.

دنها ماشيه وتعيط علشان إخواتها.. فعدت فطول بيت.. فجا الخدام بيرمى الصينية.. الكناسة اللي همه متغديين فيها.. فلقى ست الحسن، صبيه معاها سبع تيران وبتنفض اللقمة الحلوة تعطها لهم ياكلوها.. وهي تأكل اللقمة المحروقة.. فراح قال لسيده.. فيه واحده قاعده فطول البيت، ومعاها سبع تيران.. فقام جاى سيده وقال لها، يا صبيه.. قالت له: نعم. قال لها إسمك إيه قالت له: ست الحسن. قال لها تتجوزيني.. قالت له أتجوزك بس لى شرط.. قال لها، شرط إيه؟ قالت له تأخد التيران دول.. وتربطهم على حوض خشب وياكلوا سمسم، ويشربوا مية ورد ماوردقال لها أنى ماعنديش إلا تبن ودريس.. خدهم يا كلاف.. إعلفهم تبن ودريس.. قالت له: لاوقامت واحدة السبع تيران ومشت.. دنتها ماشيه.. وقعدت فطول بيت.. فبرده جات الخدامة ترمي صينية الأكل لقتها بتنفض اللقمة الحلوة تعطيها للتيران.. وهي تأكل الوحشة. وقاعدة تعيط.. فطلعت قالت لستها، يا ست فيه صبيه قاعده ومعاها سبع تيران، وتنفض اللقمة، وتنفخ فيها وتعطيها للتيران.. بس جميلة قوى.. قالت لها إسكتى ماتعليش صوتك: لحسن سيدك يسمعك.. قام سيدها قال لها، إندهى لها يا بنت.. قالت له دى معاها سبع تيران، وقاعده تحت.. قام نازل لها.. قال لها: إنتى أسمك إيه يا صبيه.. قالت له اسمى ست الحسن“.. قال لها: تتجوزيني.. قالت له أتجوزك بس لي شرط.. قال لها قولى لى على شرطك.. قالت له تاخد التيران تربطهم على حوض خشب وتأكلهم سمسم وتشربهم ميه وردقال لها، حاضر.. بس كده.. ياواد يا كلاف.. خد السبع تيران إربطهم في الجنينة، واملالهم الطواله سمسم.. واسقيهم ميه ورد.. فجا الكلاف خذهم وراح رابطهم. وعلفهم سمسم وبقى يسقيهم ميه ورد. والراجل ده إتجوز ست الحسن.

فجا يوم من الأيام.. ست الحسن حبلت، وولدت ولد.. فضرتها غارت منها.. قاعدين يوم في الجنينة فبتقول لها تعالى يا ست الحسن أما أفليكي وطت قدامها وقعدت تفليها.. فبقت تشيل من دماغها الشعر إيه وتحط ریشه.. وقالت لها طيرى مع الحمام.. فطارت مع الحمام.. فابنها دنه لما كبر وكان بيروح المدرسة.. يبقى يطلع من المدرسة.. يقوم جاى قاعد قدام التيران في الجنينه ويملا الكلبوش سمسم ويبص يلقى الحمام جای إصفف إصفف.. يقول لهم: “يا حمام يا يمام أمى ورا ولا قداميقولوا له أمك ورا بتلم حصا ويتبكي على الشاطر محمد وأكثر بكاها على السبع جدعان“.. كل يوم يقول للحمام الكلام ده وييجي الحمام يرجع وتيجي هي ورا.. تقعد تلقط السمسم من الكلبوش.. وتأخذ منه بوسه من الصدع ده وبوسه من الصدع ده وتطير كل يوم على الحال ده.. فضل كده حوالي شهر يقول لهم كل ما ييجوا يا حمام يا يمام أمي ورا ولا قدام.. يقولوا له: “أمك ورا بتلم حصا وبتبكي على الشاطر محمد واكتر بكاها على السبع جدعان“.. تقوم جايه إيه تلقط في السمسم وتقوم واخده من الصدع ده بوسه.. والصدع ده بوسه.. فمره إيه مرات ابوه شافته.. فقالت لأبوه: اينك بياخد السمسم من قدام التيران.. وبيعلفه للحمام فهو بيقول لابنه ليه يا شاطر محمد؟.. ليه بتاخد السمسم من قدام التيران وتعلفه للحمام؟.. قال لابوه، دا انا باعلف أمي.. قال له هي أمك فين؟.. قال له أمي طايره مع الحمام.. قال له طيب: تعرف تمسكها.. قال له آه.. قام جاى أبوه إيه إداري في الجنينة.. والواد ملا الكلبوش سمسم في جيت الحمام أصفف يقول لهم: “يا حمام يا يمام أمي ورا ولا قدام“.. الحمام رد وقال له أمك ورا بتلم حصا وبتبكي على الشاطر محمد واكثر بكاها على السبع جدعان“… فانتظر شويه ولقى أمه جايهفقعدت تنقض تنقض وأخذت بوسه.. وجات تطير.. قام الواد مسكها.. فقال لابوه إمسك يابه. قال لها إيه يا ست الحسن، اللي عمل فيكي كده؟.. قالت له مراتك، فجاب مراته.. وقال لها: انا عايزك ترجعي لها شعرها زى ما كان وتحوشي الريش ده.. فقامت خلعت الريش. وحطت الشعر زي ما كان.. قال لها: طيب الشاطر محمد إبنك يا ست الحسن طيب والسبع جدعان دول مين؟.. قالت له السبع جدعان دول إخواتى.. قال لها: إيه اللى عمل فيهم كده؟.. إيه.. قالت له: مرات الغول.. فجاب مرات الغول.. وقال لها: زى ما انت سحرتي الجدعان دول سبع تيران.. إسحريهم سبع جدعان.. سحرتهم سبع جدعان.. قال لأهل البلد لموا حطب وتار.. فحرق مراته والغوله في النار وعاش مع ست الحسن واخوتها والشاطر محمد في تبات ونبات.

وتوتة توتة فرغت الحدوتة.

* من: مجلة الفنون الشعبية، العدد 46، يناير. مارس ١٩٩٥، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب)، ص ۸۳ – 87.

** الراوية: أم السيد ياسين، السن 65 سنة، كفر أبو زاهر، مركز شربين. الدقهلية. تاریخ جمع النص: يوليو ١٩٩٠.

الشاطر حسن*

رواية: نبوية فرج شريف **

جمع وتدوين: إبراهيم عبد الحافظ

وحدوا الله

كان فيه ملك، وما ملك إلا الله، والملك ده متجوز مرتين، واحدة اسمها المحضية، وواحدة اسمها المنسيه، المحضيه ديه مقعدها في سرايه وعز وحاجه حلوه، والمنسية في خزانه في آخر البلد، وتاركها يعنى، ومخلف منها حسن، ودكها ومخلف منها ولدين، بعدين الولدين دول شايفين كيفهم شويه، ومعاهم بارود وبتاغ، وييصطادوا طير في الجبل، فقاموا إيه اصطادوا من الجبل.. الطيره دى روحوها الدار، فلقوها زعلانه، لا تنبش ولا تتكلم، فكانوا إيه معجبين بالطيره، وعاوزين يجيبوا الوليف بتاعها، فقالوا لبعضهم اللي ما يجيب الوليف مين يا جماعه؟ قالوا الولدين إحنا اللي هانجيب الوليف بتاعها، قاموا ماشيين خدوا البارود يصطادوا طير م الجبل، والشاطر حسن مشى وراهم، يرجعوه ويشتموه، ارجع يابن (…). ارجع يابن انته ها تعرنا ومستعرين منه، وبعدين قاموا ماشيين لغاية ما حصلوا مفرق طرق تلت سكات، سكة السلامه، وسكة الندامه، وسكة اللى تودى ما تجيبش (اللي يروح ما يرجعش).

قام ايه واحد منهم قال: انا هاروح سكة السلامة، والتاني قال: انا هاروح سكة الندامة، وسابوا للشاطر حسن السكة اللي تودى ما تجيبش الشاطر حسن جه ماشي، وهوه ماشي في السكه لقى واحد عبد كده نايم، فقام قال له: السلام عليكم، قال له السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، قال له: السكه دى بتاع إيه يا عم؟ قال له دى سكة السلامه ودى سكة الندامه، ودى السكة اللي تودي ما تجيبش، قال له: إيه تعنى اللي تودى ما تجيبش، انا عاوز أروح بلد الطير، قال له: يا بنى بلد الطير بعيد، إيه اللي يوديك لها، قال له: انا عاوز أوصل لها، قال له هيه في السکه دی، وهايقابلك عون فاتح حنكه، وهايكلك، هاتروح ازاى؟ قال له انا عاوز أوصل لها وبس، قال له طيب انا لسه عن ما اموت نص ساعه، بعد ما اموت، کفنى، وادفني، واقرا عليه سوره، وحد صفيحة السمنه ديه وكيلة الدقيق دى على ضهرك، ومد ع السكه اللي تودي ما تجيبش، ها يقابلك العون، يقول لك: رايح فين؟ قل له: رايح بلد الطير، وقل له طب وديني، ها يقول لك لا. انا هاكلك، قول له، طب لما أكل لى لقمه، وبعدين كلني، وقول له، أكل حنة العجين دى بس، وأول لقمه تبدأ تأكلها تقول له: تخذ لك لقمة؟ يقول لك مش واكل، قول له: لا تعالى كل دى بسيسه حلوه، وساعة ما يدوق طعمها مايكلها، ويوديك مطرح ما انت عاوز هو خلص الكلمتين دول، وقام ميت، قام مغسله، وقام فحر له، وفرش له ودن، وغطاه بودن، وردم عليه، وقرا عليه سوره، وأحد الشوال على كتفه بالسمنه وبالدقيق، وقال بلاد الله لخلق الله.

قعد ماشي، ماشي على الطريق، قام مقابله العون، قال له: رايح فين يا بني؟ انا عاوز أكلك، قال له: انا رايح بلاد الطير، قال: دي بعيده قوى يا بني، قاله انا عاوز اروح وبس، قال له: هاكلك الأول، قال له: لا، أما أكل لى لقمة وبعدين كلني، قام عجن العجين في السمنه، وبدأ يأكل كده مقدرشی، مالوش نفس، قال له: خذ كل لك لقمة، قال له انا مايكلش انا باکل بنى آدمين بس، قال، طيب بس كل لك لقمه، دى لقمة بسيسه حلوه قام واحد لقمة، وذاق طعمها كده، لقى طعمها حلو، قام مطوحها، قال له رايح فين يا بنى؟ قال له رايح بلاد الطير، قال له طيب إركب، قام راكب على ضهره وطار بيه لغاية شط البحيرة بتاع الطير، وقام منزله وقام ماشي، أما مشى شويه لقى فلوكه جايه في البحر صغيره، قام مشاور لها، قامت جايه، قام نازل في قلبها، رايح فين يا بني؟ قال له رايح بلد الطير، قال له دا بلد الطير بعيده يا بني، قال له: وديني، دنه ماشي في البحر معاه، موجه تشيله وموجه تحطه، لما قابله قصر، القصر ده بتاع بدر البدور اللي هيه أبوها بأني لها قصر في البحر علشان لا تشوف رجاله ولا تجوز ولا حاجة.

قعد يهابش لغاية ما طلع القصر، قام مخبط ع الباب، قامت بدر البدور باصه الشاطر حسن؟ قالت له تعالى يا شاطر حسن أهلاً بالشاطر حسن وراحت له وحبته، قام طلع لها، وقال لها، انا عايز أروح بلد الطير، قالت له ليه؟ قال لها، انا عاوز طير يعنى إيه وليفته عندنا، وهي زعلانه علشانه وعاوز أجيبه لها، قالت، طيب يالله، قاموا ماشيين، حلت الغليون وخدت حاجتها وطلباتها وقامت طالعة على بلد الطير، قامت نازله جابت الطير وقفص ملان كمان، وقامت جايه.

رجعوا تاني، موجه تشيلهم وموجه تحطهم، على الملك أبوه، الشاطر حسن إيه هو اللي جايبها وهي جايه معاه، دنهم ماشيين لما لنص الطريق، قال لها إيه، قام رابط الغليون، وقال لها: انا طالع هنا في مصلحه وراجع قام راح يقرأ سورة على الراجل اللي هو إيه قال له (العبد ده اللي دله ع الطريق)، وهو ماشي راجع لها، لقي اخواته الاثنين، واحد منهم شغال قهوجي، والثاني بيبيع فطير، كان اللي مشغلهم معلمهم (يعنى حاطط لكل واحد علامه على ضهره علشان مايهربوش)، نده عليهم ياولاد، قالوا: نعم هو عارفهم طبعا، ياولاد انت بتشتغلوا فين؟ قالوا له احنا بنشتغل عند واحد هنا، واحد مننا في قهوه، والثاني بيبيع فطير، قال لهم طيب ما تيجوا عندي، وانا أشغلكم، وأعمل لكم ماهيه حلوه، قالوا له: وماله قام وأخذهم ونزل الغليون، وبعد ما مشى شويه، وعرفوه إنه الشاطر حسن أخوهم، فقالوا لبعضهم، طيب احنا هانروح لابونا نعمل إيه؟ أبونا الوقتي متفشخر بنا، واحنا قلنا هانروح بلد الطير نجيب الطير ويركب علينا كده، لازم نموته قبل ما نروح.

قالوا له باله نطلع نسطح شويه، واربط الغليون هنا وقاموا طالعين فوق البر، وأخدوه وجم في بير كده وحدفوه، أما حدفوه بقى، لقى واحد إستلقاها من تحت، خاف، وقال، مين؟ إنسى ولا جن؟ رد عليه قال له: انا العبد اللى انت دفنتني وقريت عليه سوره، وانا مش هاخليهم يقدروا ياخدوا بدر البدور معاهم ولا ياخدوا الطير ابدًا إلا لما انت تطلع م البير، وهاتبقى لك. هر بقى ساقوا الغليون، ومشوا وسابوا الشاطر حسن فقام الراجل العبد ده طلعه بره البير، وسابه يمشى على رجليه، وهمه وصلوا قبله بتلات أيام، عملوا زينه وهيصه والناس قابلتهم بالمزيكة، أولاد الملك جم وجابوا الطير، وهم انبسطوا، وخبرهم بقى انتشر، ولاد الملك إيه، عملوا إيه، جم يطلعوا بدر البدور من الغليون، مارضيتش تطلع ابداً، يتحايلوا عليها، قالت لهم: لا لما ييجي الشاطر حسن وبعدين أبقى أطلع يقولوا لها: إحنا اللي جايبينك تقول لهم لا، انا ما اعرفكوش ولا شفتكو دا هوه جايبكم م الطريق، أنى هو اللي جايبينك وانا جايه معاه علشان أتجوزه، وانا موعودة به، وجاني في قلب البحر علشان أتجوزه، قاموا جايين تلت ايام، وقام واصل، لعندما وصل الشاطر حسن قامت طالعه معاه وخدها وقام داخل المدينه، وخش القصر بتاع المحضية، وأبوه قام واخد المحضية وموديها مكان المنسية، وطرد الولدين، والشاطر حسن عاش مع بدر البدور في تبات ونبات وخلفوا صبيان وبنات.

* من: مجلة الفنون الشعبية، العدد 51، إبريل يونيو 1996، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب)، ص ۱۱۳١١٦.

* * الراوية: نبوية فرج شريف، فلاحة، السن 69 سنة، مواليد شربين، محافظة الدقهلية، تقيم بقرية أبو بصل بلقاس الدقهلية. تم جمع النص في يناير ١٩٩٦.

أبو السبع بنات *

رواية فريدة محمد أبو زيد **

جمع وتدوين: صالح أبو مسلم

كان يا ما كان في سالف العصر والأوان وما يحلا الكلام إلا بذكر المصطفى عليه الصلاة والسلام

كان فيه مدينة فيها اتنين اخوات عايشين في خير وسلام، واحد منهم عنده سبع أولاد والثاني عنده سبع بنات. كل يوم يصبحوا على بعض: صباح الخير يا أبو السبع أولاد، يرد عليه صباح الخير يا أبو السبع بناتكل يوم على دا الحال – والدنيا ما بتمشي على حال العيال كبروا، قام اللي عنده سبع أولاد الغرور خده لأن عياله بتشتغل وتكسب وبقى غني، وما غني إلا الله، وأخوه الثاني فقير ورزقه على الله على قد البنات.

قام جه في يوم وقال له: صباح الخير يا أبو السبع بلوات، قام زعل وراح لبيته حزينقامت البنات سألت أبوهم على حزنه، قال لهم إن عمهم معدش زي زمان والنهارده قال له صباح الخير يا أبو السبع بلوات. قامت البنات قالت له ولا تحمل هم، بكره نشوف مين أشطر وأحسن من الثاني، وراحوا لعمهم وقالوا علشان نثبت لك إن إحنا أحسن من ولادك كل واحد منا يطلع بتجاره واللي يكسب أكتر يكون هو الأحسن

طبعا عمهم عنده مال كتير، راح جاب الجمال وحمل عليها بضاعة من كل لون، وسرح عياله السبعة للتجارةالبنات علشان أبوهم فقير طلبوا منه جمل واحد وعليه شولة ملحراح جاب لهم الجمل بالملح وطلعوا على باب الله

ولاد عمهم قعدوا يتجاوروا من بلد لبلد لحد ما طلع عليهم حرامية سرقوا كل اللي معاهموالبنات مشيوا من بلد لبلد ومن مدينة المدينة لحد ما راحوا المدينة وحبوا يرتاحوا فيها.

قاموا اشتروا الأكل لقوا الأكل دلع، قالوا لصاحب المطعم، اللي يضبط الأكل ده تعمل له إيه؟ قال لهم أحسن من كده.. هو ده أكلنا ومفيش أحسن منه، قالوا له لازم تجرب، وحطوله الملح على الأكل. صاحب المطعم كل، لقى الأكل جميل

خدهم وراح على ملك المدينة، الملك فرح قوي وقال انتم معاكم كثير من البتاع ده – قالوا معانا يا مولانا وهو اسمه ملحالملك قال يا وزير حط لهم شوال دهب ومرجان مكان كل شوال، وزود عليهم عشره كمان. ولازم يطلع معاهم حراس يوصلوهم لبلدهم

رجعوا البنات البلد لقوا عمهم بقى فقير وولاده فقرا. المدينة عرفت الموضوع خرجت بالطبل والمزمار تستقبل السبع بنات، وأكرموا الحراس وحملوهم بالملح

راحت البنات الصبح لعمهم: صباح الخير يا أبو السبع أولاد، قال لهم: صباح الخير يا سبع بنات. وقال لهم سامحوني، قاموا إدوا عمهم المال وكل ولد اتجوز من بنت عمه، وخلفوا صبيان وبنات، ورجعوا يصبحوا على بعض زي زمان.

* صالح أبو مسلم إبراهيم سليمان، الحكايات الشعبية في ريف محافظة الشرقية، بحث دبلوم الفنون الشعبية، المعهد العالي للفنون الشعبية، أكاديمية الفنون، القاهرة، ۱۹۹۲، ص ١٤٣١٤٤.

** السن ٦٢ عاما، أمية، ربة بيت، متزوجة ولها 6 أبناء، وهي من قرية بني قريش منيا القمح محافظة الشرقية.وقد تم الجمع في نوفمبر 1991

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات