وفيات الأمهات:هل يتحقق هدف الحمل الآمن؟

رقم الايداع:

12761/2006

رقم العدد:

12

تاريخ النشر:

2008

الإخراج الفني:

افتتاحية العدد

وفيات الأمهات مأساة يمكن منعها

تعتبر وفيات الأمهات من أهم القضايا فى مصر والعالم، لما تتركه من عواقب وخيمة على الأسرة والمجتمع ككل. حيث تموت حوالي ١٦٠٠ امرأة كل يوم من مضاعفات الحمل والولادة ومحاولات الإجهاض. وتحدث حوالي 90% من هذه الوفيات في آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء وحوالي 10% فى الأقاليم النامية الأخرى وأقل من 1% في البلدان المتقدمة. وتمثل “نسبة وفيات الأمهات” “مؤشراً حساسا” من مؤشرات قياس الصحة في البلدان، وذلك لارتباطه المباشر بمنظومة الخدمات الصحية المقدمة للأمهات. ولذا فإن خفض نسب هذه الوفيات، تمثل أيضًا الهدف الخامس من الأهداف الإنمائية للألفية التى تم التصديق عليها من ۱۸۹ دولة عام ۲۰۰۰ ، ويهدف إلى خفض وفيات الأمهات بنسبة ثلاثة أرباع النسبة الحالية بحلول عام ٢٠١٥. إن الحمل والولادة وظيفة اجتماعية وليست مرضًا، ولذلك فإن العمل لتقليل وفيات الأمهات، هو التزام أخلاقي يفوق مجرد الالتزام بمنع الوفاة من مرض من الأمراض. إذ أننا نتعامل مباشرة مع قضية حقوق إنسان وهي الحق في الحياة. فكم يستحق تأمين حياة امرأة في مقتبل عمرها مسئولة عن أسرة وعن أطفال آخرين، تدخل مرحلة الولادة مُثقلة بعبء اجتماعي كبير بسبب غياب العدالة الاجتماعية والاقتصادية لمجموعات النساء. وتناقش لين فريدمان، هذا المفهوم: “أن معدل موت الأمهات مؤشر صحة السكان الذى يكشف بصورة كبيرة عدم المساواة العميقة السائدة في وقتنا هذا. وتستشهد بهذا الرقم الصادم عن الفجوة بين النساء فى أفقر البلدان وأغناها؛ ففى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، تعانى النساء على امتداد العمر خطر الموت أثناء الحمل والولادة بنسبة ١: ١٦ ، بينما تخضعن في أوروبا إلى هذا الخطر بنسبة أقل بشكل مثير، تصل إلى ١: 2.400 “. وتكشف الأبحاث والمسوح المختلفة أن كل المحددات التى تؤدى إلى وفيات الأمهات وبالتالي الجهود التي يجب أن تبذل لخفض هذه الوفيات تعمل من خلال ثلاثة مخرجات:
  •  خفض معدلات الحمل
  •  خفض احتمال حدوث المضاعفات أثناء الحمل
  •  تحسين نتائج التعامل مع النساء ذات المضاعفات ورعاية الحمل الطارئة
ومن التدخلات التى تم تعزيزها عن طريق برنامج الأمومة الآمنة: برامج تنظيم الأسرة ورعاية الحمل. ولكننا على حاجة أيضًا إلى الطريق الذي يبدأ بالخلفية الاجتماعية والاقتصادية ويستمر ليشمل المؤشرات الديموجرافية لتقوية النساء وتعليمهن. ومن أهم عناصر المخاطرة التي تساهم فى وفيات الأمهات هي: عمر الأم أثناء الحمل وعدد مرات الحمل السابقة، وهي التي ترتبط بشكل مباشر بالمحددات المجتمعية من مستوى تعليمى ثقافي وقدرة المرأة على أخذ القرار. ودعنا ننظر لواقع الحال لدينا كما سجلته الأرقام تم عمل مسح قومى لوفيات الأمهات فى مصر عام ١٩٩٣، وكانت نسبة وفيات الأمهات فى مصر: ١٧٤ لكل ١٠٠.٠٠٠ مولود حى. وحدث خفض واضح لهذه النسبة في مسح عام لتصبح ٢٠٠٠، ٨٤ لكل 100.000 مولود حى. وتشير أيضًا مقارنة نتائج المسح الصحى الديموجرافي منذ عام ١٩٩٥ حتى عام ٢٠٠٥، إلى زيادة فى استخدام الحوامل للخدمات الصحية. فعلى سبيل المثال؛ زادت نسبة اللاتى يتابعن الحمل من ٣٩% تقريبا إلى 69.6% والاستعانة بالهيئة الطبية للولادة من ٤٦،٣% إلى 74.2% وتطالعنا مقالة لإقبال شاه: “وفيات الأمهات ورعاية الأمومة من عام ۱۹۹۰ إلى ۲۰۰5″ بمراجعة مهمة للقياسات المختلفة والبيانات المتاحة لوفيات الأمهات ودلالة كل منها، وقد صنفت هذه المقالة مصر ضمن البلدان التي تمكنت من خفض نسبة وفيات الأمهات في وقت قصير نسبيًا”. وعرضت أن الإستراتيجية التى تبعتها مصر بهذا الصدد هى رعاية القبالة، في مقابل استراتيجيات مختلفة اتبعتها العديد من البلدان الأخرى. ولكننا بالرغم من هذا التقدم لا نزال بعيدين عن مقابلة الهدف الخامس من الأهداف الإنمائية للألفية، ونحتاج إلى مضاعفة الجهود. ولكن هذا ليس كل شيء، فماذا عن الخدمة التي تتلقاها هؤلاء النسوة فى المرافق الطبية وماذا عن توافر الإمكانات اللازمة لتأمين الحياة ومنع حدوث المضاعفات والمراضة، ماذا عن الأطباء المهرة ونسبة وجودهم، لدينا أرقام مؤسفة عن ذلك أعلنها المسح القومى لوفيات الأمهات عام ٢٠٠٠. فبعد عمل مراجعة طبية لأسباب الوفاة فقد تبين أن ۸۱% من وفيات الأمهات كانت مصاحبة بسبب أو أكثر من الأسباب التي يمكن تجنبها. فكانت ٣٠% من الحالات، ناتجة عن التأخر في الذهاب الى المرافق الصحية، سواء لعدم إدراك وجود مشكلة أو عدم وجود وسيلة مواصلات. وشاركت سوء الرعاية في ٥٦% من كل الوفيات، أخطاء الأطباء أو قلة تدريبهم شاركت بنسبة ٥٤%. واالنسبة لباقية كانت للدايات والمولدات. وقد حدثت 62% من الوفيات فى مرافق الرعاية الصحية، %% أثناء النقل و ۲۹% حدثت بالمنزل. وقد قامت سحر حسن بيطار في مقال: “استحضار الملاك الحارس: “رعاية الأطفال فى مستشفى فلسطينى” بعرض بحثهدف إلى تقويم نوعية رعاية الأمومة فى مستشفى إحالة عام فلسطيني رئيسى، كخطوة أولى فى تطوير التدخلات لتحسين سلامة ونوعية رعاية الأمومة. وربما نحتاج إلى مثيل له فى مصر التي تعد ٧٤ من ضمن ۱۱۱ دولة في حرز تقييم حالة الأمهات. التي اعتمدت على مجموعة من المؤشرات لتحديدها. وجدير بالتذكرة أن موت الأم يصحبه موت ٥٧% من المواليد أيضًا. وبالرغم من نجاح مصر فى تقليص وفيات الأمهات بشكل هائل توجد العديد من أنماط الخطورة المرتفعة الخاصة بالإنجاب فى مصر. فنسبة الزواج المبكر لا تزال مرتفعة، مما يعقبها من حمل وولادة مبكرين. ولايزال متوسط نسبة خصوبة السيدات 2.3، والفترات الفاصلة بين المواليد قصيرة، بالإضافة إلى الإجهاض وخطورته، وقد أشار المسح الصحى الديموجرافى لعام ۲۰۰5 إلى وجود نسبة 20% من السيدات فقدن أجنتهن ولم يكملن الحمل. وأقرت ٣% من السيدات أنهن لجأن إلى الإجهاض المتعمد. وأشارت أرقام البحث الذى تم عمله فى مستشفيات مصر عام ۱۹۹۸ ، إلى وجود 5% من حالات رعاية ما بعد الإجهاض متعمدة. وكانت نسبة ٥٨% من الحالات قد تم تصنيفها على أنها احتمال أن تكون متعمدة. وبالطبع فإن هذه الأرقام لا تعبر بحال من الأحوال عن الواقع، نظرًا لحال القوانين المحددة للإجهاض في مصر، وسرية الإجراء، ويوجد العديد من الدلائل التى تؤيد وجهة النظر هذه، ومنها ارتفاع الحاجات غير الملباة للنساء بصدد وسائل تنظيم الأسرة التى تصل إلى نسبة ١٦% من النساء المتزوجات في مصر كما أشار البحث الصحي الديموجرافي ۲۰۰5. هذا بالإضافة الى التغيرات الاجتماعية التي أدت إلى زيادة حالات الزواج العرفى وأطفال الشوارع مما يؤدى الى زيادة حالات الإجهاض التي تُجرى فى السر في أماكن مرتفعة الخطورة، مما يُضيف إلى رصيد وفيات الأمهات في مصر. خاصة وأن مسوح وفيات الأمهات لا تحسب فقط إلا السيدات المتزوجات رسميًا ” ، مما يقلل من مصداقية الأرقام المعلنة. مع العلم بأن البحث القومى لوفيات الأمهات لعام ۲۰۰۰، قد أفاد بأن الوفيات الناتجة عن الإجهاض مثلت 4% من مجموع وفيات الأمهات. واليسير من المعلومات التي لدينا من خلال بحث مجلس السكان الدولي عام ١٩٩٨ يشير إلى أن نسبة الوفيات الناتجة عن الإجهاض بعد دخول المستشفيات العامة في المحافظات الحدودية تصل إلى ٢٣% ، و مابين 3.2% و ۱۱% فى بعض المستشفيات العامة والمركزية في الوجهين البحرى والقبلي و3.1% في أحد المستشفيات الجامعية. ولدينا فى هذا العدد مقالتان شديدتا الصلة بما نعنيه هنا، واحدة ليونيفاس أويي “مضاعفات الإجهاض غير الآمن: دراسة حالة” و “الحاجة إلى إصلاح قانون الإجهاض في نيجيريا” والثانية ليونس بروكمان أميسا: “إصلاح قانون الإجهاض فى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى: لا تراجع”. ومع كل ما ذُكر عن وفيات الأمهات، فهى تمثل مجرد قمة جبل الجليد لمعاناة النساء المتعددة ومراضتهن الناتجة عن الحمل والولادة والتى تؤثر على حياتهن. والتى قد تشكل بالنسبة للمجتمع ككل الحجم الأكبر من سنوات العمر المفقودة بسبب اعتلال الصحة. ويصعب الحصول على بيانات المراضة بشكل عام لما نعانيه من قصور في نظم التسجيل، فضلاً”، عن عدم تمثيل المترددات على المستشفيات لمجموع النساء فى المجتمع ، وقد أجريت في مصر دراستان مهمتان في مطلع التسعينيات للتعرف على حجم المراضة الإنجابية، واحدة في قرى الجيزة لهند خطاب والأخرى فى سوهاج وقنا أجرتها الجمعية المصرية للخصوبة، وتنقصنا الدراسات التي ترصد المضاعفات الحادة التي تقترب بالأم من الموت. وتشير مقالتان في هذا العدد الأولى.. الخوسيه جيلهيرم تيكاتي: “الأبحاث التي أجريت على مراضة الأمهات الحادة والإشراف على الموت فى البرازيل: ماذا تعلمنا ؟ وتناقش هذه الورقة، عدة مقاربات لمفهوم مراضة الأمهات الحادة والإشراف على الموت، والعلاقة بينهما وبين وفيات الأمهات. والثانية “لفداى بين كيكانا وباريرا ماكبيك “تحسين صحة الأمهات: السعى لتطبيق أفضل الممارسات” حيث يرجع انخفاض نسبة وفيات الأمهات في العديد من الدول إلى توافر التدخلات الفعالة رخيصة التكلفة التى تعتبر جزءًا من السياسة الرسمية. ينقصنا في مصر معرفة العديد من الممارسات التى تتم أثناء الولادة ولها درجة عالية من الخطورة، فعلى سبيل المثال، وكما أشار مقال باتريشيا جيفرى “الاستخدام العشوائى لعقار الأوكسيتوسين أثناء الولادات بالمنزل، والذي يطرح تساؤلاً: إذا كان الاستخدام غير السليم للأوكسيتوسين يشارك فى وفيات ومراضة الأمهات والأطفال حديثى الولادة يستحق المزيد من البحث أم لا؟ ولا يزال أمامنا الكثير من المعوقات (مما تمت مناقشته في مقالات العدد العاشر عن الموارد البشرية في الصحة الجنسية والإنجابية) وهي: ضعف النظم الصحية، وعدم دعم العاملين في مجال الصحة، وعشوائية وعدم دقة نُظم الإحالة، وعدم ربط رعاية ما قبل الولادة برعاية ما بعد الولادة. وكما تستخلص مقالات العدد أن الرعاية الجيدة خلال الحمل علاوة على توافر مقدمى الخدمة المهرة وسرعة الوصول إلى الرعاية الطارئة فى حالات الولادة عند الضرورة، وتوافر الدم والأدوية اللازمة فى حالة الطوارئ / فالتشخيص السريع والإدارة السليمة هما العامل الحاسم في اختلاف معدلات وفيات الأمهات بين الدول والمناطق. إن السيناريوهات التي تثير غضب الضمير الإنساني ومدافعو حقوق الإنسان متعددة ولكن طريق النجاة واضح، ومعالمه واضحة، ولا توجد أعذار مقابل التقاعس في انجازه على أكمل وجه، فلا يوجد شيء أثمن من تأمين حياة الأمهات.

مقالات الاعداد

تقوية النظام الصحى: آفاق جديدة للتعاون بين الصحة العامة وحقوق الأنسان
استحضار الملاك الحارس: رعاية الأطفال في مستشفى فلسطيني
مراضة الأمهات الحادة والإفلات من الموت في البرازيل
الاستخدام العشوائى لعقار الأوكسيتوسين أثناء الولادات بالمنزل
الوفيات بسبب مضاعفات الأجهاض غير الآمن
مضاعفات الأجهاض غير الآمن
استعمال الحق في الحياة لمواجهة الأجهاض غير الآمن في أفريقيا
إصلاح قانون الأجهاض في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى: لا تراجع
اعتلال صحة الأمهات ووفياتهن هل أصبح الحمل أكثر أمانًا للنساء ؟
وفيات الأمهات ورعاية الأمومة ۱۹۹۰ - ۲۰۰5 إنجازات متفاوتة ولكنها هامة
قائمة مصطلحات
تحسين صحة الأمهات: السعى لتطبيق أفضل الممارسات
شارك:

اصدارات متعلقة

وسائل التواصل الاجتماعي ترسخ العنف ضد النساء
نصائح للمصورة الصحفية بشأن الوقاية من "كوفيد" 19" أثناء التصوير الصحفي
نصائح بشأن السلامة النفسية للنساء في أوقات الأزمات
ورقة قانونية بشأن مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد
كيف تحررين محضر تحرش
عيد الأم ما بين الاحتفاء بقيمة الأمومة و ترسيخ الدور النمطي للنساء
خدمات الصحة الجنسية فيما بعد سن الإنجاب ضرورة لتمكين النساء
ختان الإناث في مصر... جريمة تعذيب ضد الإنسانية
حقوق النساء من اجل العدالة والتنمية
الإيدز خطر صامت يهدد حياة النساء في ظل جائحة كورونا