العدد الثاني – قضايا الصحة الإنجابية
رقم العدد:
2
التحرير:
التقديم:
ترجمة:
الإخراج الفني:
تقديم
الجريمة والعقاب
في الأساطير الدينية القديمة دفعت المرأة ثمن جرأتها على اقتحام العالم المجهول. ثمرة المعرفة المحرمة فطردت من جنة الرب.. والراحة الأبدية، ليطوف الجنسان في هذا العالم الواسع، يصنعان بالجسد والعقل عالمهم. يجربان.. يخطئان ويصححان أخطاءهما، وينطلقا لمزيد من التجارب والأخطاء والتصحيح، وتحملت المرأة بشجاعة منقطعة النظير عقابًا مضاعفًا، تحملت الأم هموم الإنجاب واستمرار البشرية.
بنى العالم القديم على أساس تقسيم خاص للعمل: للرجال العالم واسع ولهم الأجر، والحقوق، والقدرة على الفعل والاختيار، وللنساء المنازل يربين أجيال متلاحقة بدون أجر. تهدر حقوقهن، ويسلبن قدرتهن على الاختيار حتى فيما يخص صحتهن الإنجابية، وتسبغ عليهن صفات السلبية والاعتمادية والحرام / الحريم.
وفى عالمنا الجديد دفعت النساء لسوق العمل بالأجر. ها قد حانت فرص للتخلص من تقسيم العمل القديم وتحمس المناصرون للعدالة وعدم التمييز.
حققت المرأة خطوات في هذه التجربة، ولكن مهلاً لقد ظهرت الأخطاء والأخطار، وعلينا بالتصحيح.
ماذا كسبت المرأة وماذا خسرت من هذا التغيير الاجتماعي لقد كسبت ما يمنحه العالم الخارجي لمرتاديه من معارف وثقة وقدرة على اتخاذ القرار.. كسبت التقدير لعملها والأمان الذي يوفره المقابل المادي لهذا العمل.. اكتسبت ثقة اجتماعية في قدراتها واستطاعت اتخاذ بعض القرارات الحيوية لها ولأطفالها.
واكتسب الرجل معها شريكة قادرة على الفهم والمشاركة المادية والمعنوية.. أصبح دخل المرأة في كثير من الأسر قيمة صعب الاستغناء عنها وأصبحت المرأة في نسبة عالية من الأسر مسئولة أساسية عن إعالة أسرتها.
ولكن هذا التغيير لم يحمل لها ولا للرجل الرضى الكامل.
فالمشاركة فى اتخاذ القرار، والأعباء المنزلية، ورئاسة الأسرة، والولاية على الأطفال.. ما زالت معارك لم تحسم بعد.
حق المرأة في السيطرة على نفسها وصحتها وجسدها بدون وصاية اجتماعية ما زالت قضية مثارة على مستوى العالم كله.
سقوط هياكل الدعم القديمة مثل الأسرة الممتدة لم تعوضه آليات اجتماعية حديثة.
الطبيعة المزدوجة لعمل المرأة داخل وخارج المنزل.. العمل غير مدفوع الأجر بالريف والمدينة. القوانين التي لم تأخذ فى الاعتبار التغيرات الاجتماعية الهائلة.. العادات والتقاليد التي تقاوم أي محاولة للتغيير وتفرغها من محتواها… قائمة طويلة يصعب رصدها. باختصار كل هذا الميراث التاريخي للعالم القديم فى اشتباكه مع قضايا صحة النساء وهو ما تناقشه أوراق هذا العدد
في بونيس ليرس تعرضت المرأة العاملة / الفقيرة إلى مزيد من الأعباء العائلية : فهي ما زالت مسئولة وحدها عن الأطفال وهى مدر أساسي لدخل الأسرة حيث تتوفر أعمال هامشية للنساء ويتعطل الرجال.
تسعى النساء للتوفيق بين أعبائهن حتى أن سيدة حاصلة على شهادة عليا تفضل العمل كخادمة منزل لمناسبة توقيت العمل ومكانه مع أعبائها المنزلية. ويواجه عمل المرأة بسلبية المجتمع وغضب الأزواج حيث يمارس الزوج العاطل العنف ثم يهرب تاركًا الأطفال لزوجته وتنهار العلاقة الزوجية.
وفي ريف كينيا تترك سياسة التكيف الهيكلي بصماتها على المجتمع فيهاجر الرجال للمدن وتتفكك البنية العائلية التقليدية ” الأسرة الممتدة ” وتجد المرأة الأفريقية نفسها وحيدة تحاول التوفيق بين عملها الزراعي وأطفالها ويضيف التقدم لهمومها همومًا جديدة.
فالأطفال الكبار يذهبون للمدارس، ولا يعتنون معها بالأطفال الأصغر سنًا.. وعليها أن تذهب للوحدات الصحية البعيدة للعناية بتطعيمات أطفالها ن وليس لها معين في الحمل والولادة والأزمات الصحية. كل هذا بعوائد محدودة يرسلها الزوج الغائب. حتى أن بعضهن يتباكى على تعدد الزوجات حين كانت الزوجة الثانية تقدم بعض العون لها..
إن العالم الجديد ما زال يحمل فى أحشائه سمات من العالم القديم فالمرأة ما زالت تقدم الرعاية الصحية والإنسانية لكل أفراد الأسرة ولا تجد من يعتنى بها. إنها تعمل ثلثي وقت العمل في العالم وتحصل على 1 /10 من الدخل العالمى والطابع المزدوج لعملها يهمش كليهما ” العمل المنزلى والخارجي ” وما زال الطابع الطبي يضفى على أحزانها وتوتراتها فتتهم بالهستيريا والجنون رغم ارتباط هذه الأحزان بطبيعة دورها، أن الورقة المعنوية بـــ ” ما وراء الحائط الأصفر” تناقش هذه القضايا وتحاول طرح حلول قد نتفق أو نختلف معها ولكنها ضرورية لإثارة خيالنا وتحفيزنا على التفكير، وها هنا النساء في نيكاراجوا يتجاوزن مرحلة التفكير للعمل. إنهن يفكرن بقضية العنف الأسرى والمجتمعى ضد النساء فيشكلن شبكة ضد العنف لها تجربتها الخاصة وتستخدم أساليب متعددة من الأبحاث التي تحفز النساء لفهم طبيعة العنف ضدهن، إلي الضغط على صناع القرار لتمرير قوانين ضد العنف وإقرارها في البلاد. أما النساء في إندونيسيا فهن يسعين لتطبيق خطة بكين حول صحة المرأة الإنجابية في بلادهن. خلال هذا المسعى يرصدن المشاكل المرتبطة بالتطبيق حيث يزيد وعى النساء بصحتهن وحقهن في الاختيار، ويرتطم هذا الوعي بالجدار الصلب للتقاليد الاجتماعية، ومقاومة الرجال. تطرح النساء التجارب المختلفة لمواجهة هذا العائق، والإشكاليات التي تظهر خلال محاولتهن الدؤوبة وأساليب مواجهتها.
لقد أصبح العالم الجديد حقيقة واقعة لا سبيل للتراجع عنها ولكنها تحتاج لمزيد من التجارب ومزيد من النقاشات حتى يكون هذا التغير الاجتماعي أكثر انسجامًا مع مفاهيم العدالة وحقوق الإنسان.. حتى يكون عالمنا الجديد أكثر إنسانية للجنسين معاً.
مقالات الاعداد
- الناشر: المرأة الجديدة
- الناشر: المرأة الجديدة