تمثيل المرأة وحرية الانتحابات
فكرة “التمييز الإيجابي للطبقات الضعيفة قاعدة معروفة في الفقه الدستوري في كثير من بلاد العالم، فقد جرى تطبيقها لصالح المرأة في بلاد عديدة بما في ذلك عدد من الدول الأوروبية المتقدمة, وساعد هذا التمييز الإيجابي في هذه البلاد في تقدم المرأة وتحقيق المساواة بينها وبين الرجل وزيادة نسب تمثيلها في المجالس المنتخبة عن الحد الأدنى المخصص لها بالقانون.
وقد مارست الدولة المصرية قاعدة التمييز الإيجابي للطبقات الضعيفة بعد ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ ، عندما نصت في دستور ١٩٦٤ على ٥٠% على الأقل من مقاعد المجلس التشريعي للعمال والفلاحين, وهو النص الذي مازال معمولاً به حتى الآن، ومن ثم فتعديل المادة ٦٢ من الدستور لتنص على جواز تخصيص حد أدنى لمشاركة المرأة في مجلس الشعب والشورى، يأتي متوافقًا نع القاعدة المستقرة في الدستور الحالي والدساتير المصرية منذ ما يقرب من نصف قرن التي ميزت العمال والفلاحين.
ولكن التعديل الأخير لقانون إنتخابات مجلس الشعب الذي تقدمت به الحكومة لمجلس الشعب ووافق عليه المجلس، والذي يضيف الدوائر الانتخابية لمجلس الشعب وعددها ۲۲۲ دائرة و ۳۲ دائرة جديدة يقتصر الترشيح فيها على النساء ويتم انتخاب ٢ في كل دائرة أحدهما على الأقل عاملة أو فلاحة، جاء ناقصًا ومعيبًا ومقصودًا به زيادة أغلبية حزب الرئيس في مجلس الشعب، وقد حرص الحزب الحاكم والحكومة على عدم إجراء أي مناقشات أو حوارات حول التطبيق للمادة ٦٢ من الدستور فيما تمثيل المرأة في البرلمان، سواء الأحزاب أو منظمات المجتمع المدني أو عبر أجهزة الإعلام والصحافة لضمان الوصول إلى هذه النتيجة المستهدفة سلفًا.
ولو كان هناك أي نية حقيقية لدى الحكم للوصول إلى تمثيل حقيقى للمرأة وتوافق وطني حول ذلك لبدأت بدراسة ومناقشة مشاريع القوانين والاقتراحات التي سبق للأحزاب ومنظمات المجتمع المدني المصرية أن طرحتها وناقشتها في ندوات علمية ومؤتمرات, وفي مقدمتها مشروع القانون تقدم به خالد محي الدين لمجلس الشعب( ۱۹۹۰ – ۱۹۹5) باسم أحزاب المعارضة والإخوان المسلمين بتعديل بعض أحكام القانون رقم ۳۸ لسنة ١٩٧٢ في شأن مجلس الشعب، ومشروع قانون جديد في شأن تنظيم مباشرة الحقوق الانتخابية ليحل محل القانون رقم ٧٣ لسنة ١٩٥٦ بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية والمتضمن مادة تنص على مايلي:
ينتخب أعضاء مجلس طبقًا لنظام مقاعد القوائم بحيث يعطي لكل قائمة عددًا من مقاعد الدائرة بنسبة عدد من الأصوات الصحيحة التي حصلت عليها ، وتوزع المقاعد المتبقية بعد ذلك على القوائم التي لديها أكبر بواقي أصوات غير مستغلة.
وعلى الجهة المختصة أن تلتزم في إعلان نتيحه الانتخاب بترتيب الأسماء طبقًا لوروده بالقوائم، مع مراعاة الخمسين في المائة المقررة للعمال والفلاحين عن كل دائرة ، وأن يكون ثلاثون في المائة على الأقل من كل من الجنسين.
وتلتزم القائمة الحاصلة على أكبر عدد من الأصوات باستكمال نسبة العمال والفلاحين طبقًا للترتيب الوارد بها“.
النية مبيتة سلفًا لاغتصاب مقاعد المرأة المضافة لصالح لحزب الوطنيين
ولكن النية كانت مبيتة سلفًا لاغتصاب مقاعد المرأة المضافة إلى مجلس الشعب لصالح الحزب الوطني.
وهكذا أضيفت ۳۲ دائرة إلى دوائر مجلس الشعب خصصت لانتخاب ٦٤ امرأة طبقًا لقواعد وترتيبات تفتقد للموضوعية والمنطق. فوزارة الداخلية ستنفرد بتحديد الدوائر وأحجامها .
وطبقًا لما نشر حتى الآن فستكون لكل محافظات مصر دائرة واحدة باستثناء عدد محدود من المحافظات الكبرى – كمحافظة القاهرة – فسيتم تقسيم كل محافظة إلى دائرتين، وهناك تفاوت كبير في عدد المقيدين في جداول الانتخابات بين المحافظات المختلفة، فعلى سبيل المثال طبقًا لإحصاءات ٢٠٠٥ فإجمالي المقيدين في محافظة المنوفية مليون و ٥٣٥ ألفا و ۹۳۲, وفي محافظة بني سويف مليون و ٦٢ ألفًا و ٧٦٥ ، وفي مرسى مطروح ١٩١ ألفًا و ٤٥٧، والإسماعيلية ٣٦٤ ألفًا و ٩٥٥ ، والغربية ٢ مليون و ١٧٥ ألفًا و ٣٦٤ ، والإسكندرية ٨٦٨ ألفًا و ۸۸۹ ، وأسوان ٥٩٢ ألفًا ۳۷۲، والبحر الأحمر ١٩٤ ألفًا و ٨٣٦، وشمال سيناء ١٥١ ألفًا و٢٢٦ ، وجنوب سيناء 3٧ ألفًا و٣٧٦ ، ذلك فستنتخب امرأتان عن كل من هذه المحافظات التي يتراوح عدد الناجحين فيها ٣٧ ألفًا بین مليون!
ومطلوب من المرأة التي ستخوض الانتخابات أن تتحرك في دائرة من الاتساع بحيث تضم عددًا كبيرًا من الدوائر الانتخابية العادية تصل إلى تسع دوائر في بعض المحافظات! وستجرى الانتخابات في الدوائر المخصصة للمرأة طبقًا لنظام الانتخاب الفردي المطبق حاليًا في مصر ، لقد عرفت مصر هذا النظام منذ دستور ۱۹۲۳ وانتخاب مجلس النواب عام ١٩٢٤ ، باستثناء تطبيق نظام الانتخاب بالقائمة المطلقة في انتخابات مجلس الشورى عام ۱۹۸۰، والمجالس المحلية عام ١٩٨١. ونظام الانتخاب بالقائمة النسبية الحزبية المشروطة عام ١٩٨٤ والجمع بين القائمة النسبية الحزبية المشروطة ومقعد فردي في كل دائرة انتخابية عام ۱۹۸۷ وهو أقدم نظام انتخابي عرفه العالم وأكثرها شيوعًا، ورغم تميزه بمعرفة الناخبين لشخص المرشح النائب، وقربه لهم وقدرتهم على الاتصال المباشر به في أغلب الأحوال وعرض مشاكلهم عليه وقدرته على الإلمام بها، فإن عيوبه كثيرة خاصة في التجربة المصرية – فالنظام الفردي يعطي السبق للعوامل الشخصية والذاتية للمرشح وللعوامل التقليدية مثل الإنتماء لعائلة أو قبيلة أو عشيرة، أو كونه ابن قرية أو ابن مدينة معينة، وكذلك للقدرات المالية ومدى نجاحه في تقديم الخدمات الشخصية والمحلية وعلاقاته بأجهزة الدولة وعلى حساب البرامج والأحزاب والمشاكل العامة والقومية والمصلحة العامة للمواطنين جميعًا التي تتراجع إلى الخلف وتكاد تختفي, وقد طالبت أحزاب المعارضة الرئيسية أخرى بتغيير نظام الانتخاب في مصر إلى نظام الانتخاب بالقوائم النسبية غير المشروطة والمفتوحة والمنقوصة، كما تطبق في الدول الديمقراطية وذلك خلال ما سمي بالحوار الوطني في مارس ٢٠٠٥, ولكن الحزب الوطني تمسك بنظام الإنتخاب الفردي باعتباره الأنسب له، فالحزب الوطني الديمقراطي يحتكر الحكم منذ بدء التعددية الحزبية المقيدة عام ١٩٧٦ تحت اسم “حزب مصر العربي الاشتراكي” ، ثم تحت اسمه الحالي، ويتولى رئيس الجمهورية رئاسة الحزب منذ عام ۱۹۷۸ وينضم إليه رؤساء مجلس الوزراء المتعاقبون والوزراء والمحافظون بمجرد توليهم مناصبهم ورؤساء المدن والقرى وكبار الموظفين، وأيضًا رجال الأعمال الذين تتشابك مصالحهم مع السلطة التنفيذية في النظام السائد في مصر، وبالتالي يتوفر للحزب الشخصيات التي تملك عوامل القوة التقليدية والمساندة الحكومية المؤثرة في نظام الانتخاب الفردي، وإمكانية اللعب في تقسيم الدوائر بما يضمن لمرشحي الحزب الحاكم الفوز عن طريق نقل الموالين من دائرة إلى أخرى حتى تزيد عدد الدوائر التي يكون لهم فيها الأغلبية وتشتيت ناخبي دوائر متعددة، حتى تقلل من عدد الدوائر التي يمكن لمرشحي أحزاب المعارضة والمستقلين الفوز فيها، ناهيك عن استخدام التزوير المباشر البلطجة والمال وهي الظاهرة التي تميز الإنتخابات البرلمانية في مصر في ظل التعددية الحزبية عدا انتخاب البرلمان عامي 1924, 1950 فقط!
وستجرى الانتخابات القادمة لمجلس الشعب في ظل ترسانة من القوانين التي تفرض القيود على الحريات العامة وفي ظل حالة الطوارئ المعلنة منذ ٦ أكتوبر ۱۹۸۱ وحتى الآن أي لمدة تزيد على ٢٧ عامًا متصلة (!!), وهيمنة الحزب الحاكم من خلال اغتصابه للسلطة التنفيذية على أجهزة الإعلام المملوكة للدولة وعلى المؤسسات الصحفية والقومية.
وفي ضوء هذه الحقائق يتأكد احتكار الحزب الوطني للمقاعد التي خصصها القانون للمرأة، وهو أمر يجب رفضه ومقاومته وذلك عن طريق عمل مشترك بين الجمعيات الأهلية الخاصة بالمرأة ومنظمات المجتمع المدني الحقوقية والأحزاب الديمقراطية لتعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية وقانون انتخابات مجلس الشعب وقانون انتخابات مجلس الشورى وقانون المجالس المحلية, لتجرى جميع الانتخابات العامة في مصر بنظام القائمة النسبية غير المشروطة والمفتوحة والمنقوصة طبقًا للأسس والمبادئ المتبعة في الدول الديمقراطية، بحيث يطلق القانون حرية تكوين القوائم الانتخابية سواء كانت قوائم لحزب واحد، أو قوائم مشتركة من حزب أو أكثر، ومستقلين, بما يضمن المساواة التامة بين المواطنين، ودون إلزام بالترشيح في جميع الدوائر أو الحصول على حد أدنى من الأصوات على امتداد الجمهورية أو التقدم بقوائم كاملة في جميع الدوائر، وينص التعديل أساسًا على أن لا تقل نسبة كل من النساء والرجال في كل قائمة وفي عضوية المجالس المنتخبة عن ٣٠%، وفي الوقت نفسه العمل على إلغاء حالة الطوارئ والقوانين والمواد القانونية التي تنتهك الحريات العامة وحقوق الإنسان, وإطلاق حق إصدار الصحف للمصريين وتحرير الإذاعة والتليفزيون من هيمنة السلطة التنفيذية والحزب الحاكم.