العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة

الشركاء: نحو وعي نسوي

تاريخ النشر:

2022

سبتمبر 13, 2022 نحو وعي نسوي   من خلال النص التالي أحاول التركيز على الانتهاكات الجنسية التي تتعرض لها عاملات المنازل المهاجرات إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالتحديد في دول الخليج. أتحدث لأنني وكثير من النسويات في الخليج نؤمن أن قضية عاملات المنازل هي قضية نسوية. تعرض العاملة المنزلية للاعتداء الجنسي ظاهرة مُتفشية يمكن رصدها من خلال تجارب عاملات المنازل حيث نجدها في التقارير الصحفية التابعة لمنظمات حقوق الإنسان وفي أبحاث ذات طابع أكاديمي ( بحث ماجستير أو رسائل دكتوراه) . إن أول سؤال يخطر على بالي عند التفكير في الانتهاكات الجنسية لعاملات المنازل في الشرق الأوسط هو: لماذا تُستباح أجساد عاملات المنازل من قِبل ذكور العائلة؟ دائماً ما تروي نساء قريتي في الزيارات الأهلية عن تحرش الجد أو الأب أو الأخ أو الابن بِعاملة المنزل. أكاد أجزم لو قمت بِعمل إحصائية للنساء في قريتي فقط، سأجد أن لا بيت يخلو من امرأة شهدت اعتداءً جنسياً على عاملة المنزل. كيف تتصرف النسوة في قريتي ؟ هنا مصدر ألمي. من الذي جعل نساء قريتي يتحدثن عن الاعتداءات الجنسية على عاملات المنازل وكأنه أمر مستباح؟ لماذا تحثُ الأم عاملة المنزل على الصمت؟ لماذا تخبر الأم ابنتها أن الشيطان أغوى أبيها أو أخيها؟ لماذا حين تتناقش نساء قريتي عن الاعتداء الجنسي أرى في أعينهن اللامبالاة؟ من أخبرهن أن العاملة المنزلية تقوم بأعمالهن المنزلية وتقدم خدمات جنسية إجباراً وإكراهاً؟ لكي أكون منصفة توجد نساء تحاول مساعدة عاملات المنازل, وتختلف مساعدتهن تبعاً  لشدة السلطة المتواطئة على إخراسهن عن التبليغ. فقد تملك امرأة وعياً كافياً أن ما يحدث اعتداء جنسي لكنها تعلم إن حاولت التبليغ ستُقمع من سلطة الذكر والقبيلة, وقد تُبلغ في مركز الشرطة لكن تتواطأ هذه المؤسسة مع سلطة الذكر والقبيلة ولا تأخذ البلاغ بِجدية. قد تواجه أيضاً سلطة المجتمع الذي يبارك فعل الاعتداء جنسياً على عاملات المنازل. فلا توجد فضيحة أو سمعة اجتماعية للذكر في الاعتداء الجنسي على عاملة المنزل. جسدها مُستباح ليجدد الأب “طاقته الجنسية” وليكتشف الابن رغباته الجنسية وليمارس ذكرٌ آخر سلطة عليه. هذه السلطات – سلطة الرجل والقبيلة والمجتمع- ليست بمنأى عن سلطة الدولة. ما زالت ممارسة العمل المنزلي في دول الخليج تحت وطأة نظام الكفالة. تهاجر امرأة للقيام بالعمل المنزلي تحت تأشيرة كفيل. قد تختفي عاملة المنزل لأنه تم تسفيرها فور وصولها. لماذا؟ لأنها حاولت التحدث إلى الشرطة أو إلى السفارة عن الاعتداء الجنسي ستسفر لإسكات صوتها لا لتحقيق العدالة. تتواطأ مؤسسات الدولة مع العائلة في عدم إنصاف عاملات المنازل. لا توجد قوانين وإجراءات صارمة من الدول التي تقوم بإرسال عاملات المنازل وأيضاً لا توجد قوانين عمل تحمي عاملات المنازل في بلد المهجر بل يجثم نظام كفالة على أجساد عاملات المنازل ويستخدم هذا الظلم الممنهج للاعتداء جنسياً علىهم. في بحث لها عن العمالة المنزلية تطلق كاثرين وييس* مصطلح الاستغلال الجنسي ( sexual exploitation) للانتهاكات الجنسية. يُعرف الاستغلال الجنسي على أنه “الحصول على الاستخدام الجنسي لجسد الشخص من خلال عدم التساوي في السلطة. عدم التساوي في السلطة بين الذي يقوم بالاستغلال الجنسي والذي يتعرض للأمر يكمن في عدة وسائل منها: التهديد، استخدام القوة، استغلال نقاط الضعف ( كانعزال وانعدام خصوصية عاملات المنازل)، التلاعب العاطفي، أو الدفع المالي. يتضمن الاستغلال الجنسي: التحرش، الابتزاز، الاغتصاب. التي تعتبر جميعها مظهر من مظاهر عنف الرجال الممنهج ضد النساء”. تجادل أيضاً كاثرين وييس في بحثها بأن التنظير النسوي هو الأفضل في تحليل هذه القضية ( مصدر ١). ذلك أن النظريات المختلفة التي تم استخدامها في فحص انتهاكات عاملات المنازل تضمنت ” الانتهاكات الجنسية ” كانتهاك آخر من بين الانتهاكات الكثيرة. مثال على ذلك، نظرية حقوق المواطنة للعمالة المنزلية التي تنص على حماية عاملات المنازل وتوفير الاستقرار المادي وضمان الحقوق السياسية والاجتماعية. ناقشت هذه النظرية انتهاكات كساعات العمل الطويلة والأجور المنخفضة وأيضاً الانتهاكات الجنسية. لكن لم تحلل الانتهاكات الجنسية. ولم تثبت افتراضاً أن إعطاء عاملة المنزل حقوق مواطنة سيمنع تعرضها للاستغلال الجنسي. في بحث آخر استخدمت نظريات طبية لتتبع المشاكل الصحية التي تعاني منها عاملات المنازل المهاجرات من سريلانكا إلى الشرق الأوسط. تم اعتبار الابتزاز الجنسي أحد المشاكل الصحية الشائعة والمقلقة. وذلك بسبب الأمراض الجنسية والإنجابية والآثار النفسية التي تتولد بعد الاعتداء. أعتقد أن مناقشة الابتزاز الجنسي من الناحية المرضية فقط غير كافي. لا أعتقد أن أي اعتداء جنسي مشكلة صحية. يجب أن ننتبه إلى طبقة النساء التي تتعرض للانتهاك – عاملات منازل من طبقة عاملة مهاجرة- ، أيضاً طالما نظام الكفالة موجود ستبقى هذه مشكلة قضية سياسية. أمّا بالنسبة للتنظير النسوي فقد استخدمت كاثرين وييس نظريات العديد من النسويات الفرنسيات. هذه النظريات فسرت العلاقات الأبوية السلطوية الغير متساوية اجتماعياً واقتصادياً في المنازل. اختلفت هذه النظريات بين من تنص أن الرجل يسيطر على عمل المرأة، وبين من تنص أن الرجل لا يسيطر فقط على عمل المرأة وإنما يسيطر على المرأة وجسدها. تكمن السيطرة على عمل العاملة المنزلية أنها تعتمد مالياً على “الكفيل”. أمّا السيطرة على العاملة المنزلية ككل تتمثل في فكرة اختيار العاملة ليس فقط ” لعملها الجيد” ولكن بالنظر إلى مظهرها وشكلها وعرقها. على الرغم من الاختلاف اتفقت هذه النظريات أن عاملات المنازل يعملن في منازل أصحاب العمل- صاحب العمل هو الكفيل هو المتحكم في مستندات ورواتب عاملة المنزل- ويوجدن في انعزال كامل وانعدام الخصوصية مع عدم التوافق في السلطة مما يعطي الرجال الحق الكامل في ” الاستخدام الجنسي” لأجساد عاملات المنازل.  تأتي عاملة المنزل من طبقة أقل إلى منازل طبقات أعلى مع أفراد يملكون  “رفاهية” إحضار عاملة منزلية. تأتي عاملة المنزل بِدافع الفقر الذي يعيق توفير وجبة غذائية لأسرتها بينما يوفر الكفيل كل احتياجاته من وجود زوجة وربما أكثر وأكل ثلاث وجبات في اليوم وربما أكثر وصرف مبلغ يساوي راتب العاملة المنزلية الشهري في يوم وربما أكثر.   في منتصف الليل حين يكون أقصى هموم هذه العاملة المنزلية كيف ستنقل المال لعائلتها، يكون أحد هموم الكفيل متى ستنام نساء البيت وأطفاله ليختلي بِجسد عاملة المنزل. وفي بداية الصباح بينما الجميع نيام سيصلي الفجر ثم يغتصب عاملة المنزل كأحد طقوسه التي لن يتخلى عنها. في إحدى المنازل في قريتي كتبت عاملة المنزل على جدران الغرفة رسالة بُلغتها. كانت تلك الرسالة تحذيراً للعاملة المنزلية التي ستأتي بعدها أن صاحب هذا البيت مُغتصب،  اغتصبها مرات عديدة، وتريدها أن تنجو من هذه اللعنة.   كتبت منى كريم* قصيدة بعنوان كوماري جزء منها يقول : ” كوماري… لربما ستضطرين لمساعدة الابن في اكتشاف رغباته الجنسية، أو حتى التضحية من أجل خيبات الأب الجسدية. في الحالتين، لا تركضين إلى مركز الشرطة، من هناك يأتي كل الآباء والأبناء” . أؤمن أن من واجب النسوية الخليجية في نضالها في قضايا عاملات المنازل أن تكون على إطلاع بأحوال مجتمعات عاملات المنازل. لا يمكن أن نخلق مساحات لعاملات المنازل للتحدث عن معاناتهن دون وعينا بثقافة ومعتقدات مجتمعاتهن. إن أهل ومعارف عاملات المنازل على دراية بِاحتمالية وقوع اعتداء جنسي على عاملات المنازل في حال تم إرسالهن للعمل المنزلي في الشرق الأوسط. ومن المثير للاهتمام معرفتي أن في بعض المدن في إثيوبيا يقوم الأهل بتزويج بناتهم قبل إرسالهن للعمل المنزلي في الدول العربية. يُذكر في أحد الأبحاث أن ” الزواج جسر الهجرة للعمل المنزلي“. ذلك أن “عذرية ” النساء شرف العائلة. وهذه العذرية مُرتبطة فيما يعرف مجتمعياً “بِغشاء البكارة” فيتم تزويج النساء “لِفض إكليل المهبل” قبل إرسالهن للعمل المنزلي في الشرق الأوسط. لكن في مدن أخرى في إثيوبيا ودول أخرى مثل تنزانيا لا تستطيع عاملات المنازل التحدث عن أي تحرش جنسي أو اغتصاب بسبب وصمة العار التي تلاحقهم. وبدل ذلك تذكر هذه العاملات انتهاكات أخرى عدا الاعتداءات الجنسية. وجود خرافة “غشاء البكارة” ووجود وصمة العار المرتبطة بالتعرض للاعتداء الجنسي يشبه تمامًا الحال في مجتمعاتنا. نحن نعلم أن بناء حلول على “غشاء البكارة” هي حلول زائفة فَحل تزويج الفتاة قبل إرسالها للعمل المنزلي لا يُدين إجرام الاعتداء الجنسي ولن يحمي المرأة من الاستغلال الجنسي. وجود وصمة العار لن يجعل للعاملة المنزلية سوى خيار الصمت.      في تقرير صحفي لروثنا بيغم تحدثت إلى عطية من تنزانيا عملت في سلطنة عمان:  “عطية  لما كانت في عُمان ضربها صاحب عملها واغتصبها شرجياً ليعاقبها على مرضها، ثم أعادها في طائرة إلى تنزانيا في اليوم التالي. قالت: “كنت خائفة ومصدومة ولا أعرف لمن أتحدث”. في حين أبلغت بالتعرض للضرب وأشكال الأذى الأخرى عندما عادت، فلم تخبر أحداً عن اغتصابها، إلى أن تحدثت معي”  إحدى النسويات التي تم استخدام نظريتها لتفسير الانتهاكات الجنسية التي تتعرض لها عاملات المنازل ذكرت أنه لا بد أن نوحد صفوفنا أولاً حيث لا يمكننا تحليل اضطهاد أي امرأة ما لم نكن مستقلات في مساحاتنا ومتحدات. أؤمن أيضاً بهذا الأمر. لا يمكن أن نحلل انتهاكات عاملات المنازل أو نتفرد بحلولنا دون توحد نضالنا مع عاملات المنازل. إن أكبر غلط تقع فيه النسوية الخليجية هو استخدامها صيغة ” الغائبة ” عند التحدث عن عاملات المنازل ( يجب توعيتهن، يجب حثهن ،…..). هذه قضية عاملات المنازل إذن لا بد من وجودهن في النضال. يجب أن لا نفترض أننا نعلم الحلول ما لم تتمركز أصوات عاملات المنازل في قضاياهن. نعلم أن نظام الكفالة يسلب أصوات عاملات المنازل. كيف نُوحد صفوفنا مع عاملات المنازل مع ضمان عدم تعرضهن للأذى إن تحدثن عن الانتهاكات الجنسية في دول الخليج؟ أنا وغيري ربما من النسويات قد نناضل في هذه القضية من موقع الشعور بالذنب أو العجز لأننا لم نستطع أن نحقق العدالة لعاملة منزلية تعرضت للاعتداء الجنسي. لكن الذنب لا يكفي، لا بد أن نحول هذا الشعور إلى غضب. نغضب لنناضل.  نحتاج نحن النسويات لخلق مساحات آمنة تجمعنا مع عاملات المنازل. تكمن أهمية هذه المساحات في إعطاء الفرصة والأولوية  والحماية لعاملات المنازل للتحدث عن غضبهن وتوحيد نضالهن. في لبنان مثلاً اجتمعت زينة دكاش مع عاملات منازل لعمل مسرحية بعنوان ” شبيك لبيك” للتعبير عن انتهاكات مختلفة تحت وطأة نظام الكفالة . بالإضافة إلى ذلك يمكننا التعاون مع الصحف والمنظمات الحقوقية لنشر هذه الانتهاكات مثل صحيفة الجارديان التي نشرت مقالاً بالظروف السيئة التي تعاني منها عاملات المنازل خلال جائحة كوفيد في عُمان وأيضاً منظمة human right watch التي تنشر تقارير مستمرة حول الموضوع. مؤخراً قامت عاملة منزلية كينية في السعودية بنشر مقطع لأحد أفراد المنزل و هو يتحرش فيها جنسياً. لاقى المقطع تفاعلاً واسعاً في مواقع التواصل الاجتماعي تحت هاشتاق #حق ـ العاملة ـ الكينية . يمكننا تخصيص منصات نسوية خليجية افتراضية لتوثيق هذه الانتهاكات. وأخيراً توجد العديد من الناشطات في قضايا عاملات المنازل خارج الشرق الأوسط. يمكن لنضالنا أن يكون عابراً للحدود بالتعاون معهن. إيما مبورا من كينيا قامت بالعمل المنزلي في الإمارات. عند رجوعها إلى كينيا أصبحت عضوة في مجلس الشيوخ الكيني وتناضل من أجل عاملات المنازل الكينيات في الشرق الأوسط في إحدى خِطاباتها تقول :” لن أترك هذا المكان حتى نجلس ونتفق ونحشد قوانا للعمل معاً كنساء”. لا بد أن نعمل معاً على إسقاط نظام الكفالة. توجد الكثير من الاقتراحات لكن السؤال الأهم كيف يمكننا نحن النسويات في الخليج من توفير مساحات آمنة لعاملات المنازل ؟
شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي