العدد الثاني – رسائل الذاكرة
رقم العدد:
2
تاريخ النشر:
يناير 1999
فريق البحث:
لقاء الشرق والغرب
ربما كان الجدل الذي شهدته الأوساط الثقافية المصرية فيما يخص لياقة الاحتفال مع فرنسا بعام مصر هذا العام بالذات هو ما حمسنا مبدئيًا لفرد مساحة في هذا العدد من النشرة لحملة نابليون على مصر سنة ۱۷۹۸، وإن كان مما لا شك فيه أن حملة نابليون قادرة ولا تزال على إثارة العديد من الأسئلة الموضوعية فيما يخص خطاب الحداثة في مصر. لقد أدرج الليبراليون حملة نابليون على نحو أصبح تقليديًا في خطابهم على أنها اللحظة الفاصلة ونقطة البداية التي خرجت بها مصر من ظلمات العصر العثماني إلى أنوار العالم الحديث, واستشهدوا على ذلك بإدخالها المطبعة وكتابة علمائها لوصف مصر، واستحداثها فكرة الحياة النيابية على النمط الفرنسي. استشهدوا بأثرها على حياة النساء الذين رأوا أنهن وجدن نموذجًا للتحرر في سلوك ومظهر الفرنسيات اللواتي جئن مع الحملة. وبغض النظر عما إذا كان لتلك المظاهر أثر فعلى على سير الأمور في مصر بعد ذلك فإن موقف الأصوليين ومؤيدي فكرة النقاء الثقافي من هذا الخطاب يحيلنا إلى قضية أوسع تشمل مجمل المواجهات بين ما تعارفنا على تسميته بقضايا الأصالة والمعاصرة أو الحداثة والتراث. فالإسلاميون المعاصرون كذلك يذهبون في تقييمهم لحملة نابليون إلى أنها كانت السبب وراء إنهاء الانسجام والتجانس الذى كانت تتمتع به الثقافة الإسلامية قبلها.
لقد مكثت الحملة ما يزيد قليلاً على ثلاث سنوات من يوليو ۱۷۹۸ وحتى رحيل جاك مينو في سبتمبر ۱۸۰۱، ولم تترك وراءها المطبعة الشهيرة التي أتت بها ولم يظهر الكتاب الذي تمخض عن جهد علمائها إلا ما بين عامي ۱۸۰۹ و ۱۸۲۸ ، ولم يترجم هذا الكتاب وينشر بالعربية إلا عام ۱۹۷٦ ، من خلال جهد فردى قام به الأستاذ زهير الشايب، ولم تجلب الحملة لنساء مصر اللواتي تفرنجن مع الفرنسيين إلا سخط المجتمع الذي وصل في أحيان كثيرة إلى حد القتل كما ينبئنا الجبرتي شاهد عيان وشيخ مؤرخي الحملة.