مقدمة:
لاحظنا جميعاً تدهور الأوضاع الاقتصادية على مستوى عالمي ومحلي، ولأننا ببراح آمن مجموعة مهتمة بالعمل على قضايا العنف والتمييز الواقع على النساء في المجال الخاص، نتناول من خلال تلك المقالة جزء من رؤيتنا حول تدهور الوضاع الاقتصادية وتاثيراتها على الصحة الجنسية والإنجابية للنساء، حيث نرى أن فقر النساء يؤثر بشكل مباشرعلى الصحة الجنسية والإنجابية للنساء، وخاصة في الحصول على الخدمات اللازمة لصحتهن الجنسية والإنجابية.
بدايةً لتأثر النساء بتلك الأوضاع الاقتصادية المتدهورة فيما يخص صحتهنّ الجنسية والإنجابية، لاحظنا مؤخراً انتشار شهادات للنساء على وسائل التواصل الإجتماعي حول غلاء أسعار الفوط الصحية اللازمة التي تستخدمها النساء خلال الدورة الشهرية، وأسئلة متنوعة من النساء للنساء حول الطرق اللاتي يتبعنها للتعامل مع تلك الأزمة الاقتصادية، وكيف يحصلنّ على فوط صحية أسعارها مناسبة لهنّ بدون فقد الجودة اللازمة. وأسئلة متنوعة حول دور الدولة في التعامل مع تلك المنتجات على أنها ” سلع استفزاية”، وعلى أنها منتجات رفاهية صحية، وتجاهل احتياجات النساء الصحية بشكل دوري لتلك المنتجات. حيث اقترحت بعض النساء أن يتم دعم تلك المنتجات، وأخريات اقترحنّ أن يتم عرض تلك المنتجات بشكل فردي ” حيث يٌمكن شرائها بالواحدة” بدلاً من العبوة كاملة، حيث أن العبوات الكاملة زادت أسعارها بشكل مبالغ فيه، وغير مناسب للمستوى الاقتصادي للعديد من النساء.
نرى أنه المٌرجح أن تواجه النساء اللائي يعشنّ في طبقات اجتماعية فقيرة عقبات في الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية، وذلك بسبب افتقارهنّ إلى الموارد اللازمة لدفع أثمان تلك الخدمات. حيث أننا نعلم أن الخدمات المدعومة والمقدمة من قبل المؤسسات الصحية الحكومية تٌقدم تلك الخدمات من خلال نوافذ رديئة الجودة أحياناً، أو تٌقدمها مع ممارسات أبوية وتمييزية أحياناً أخرى. حيث أن خدمات الصحة الجنسية والإنجابية مقصورة على النساء اللاتي داخل أطر زواج شرعية ورسمية فقط، أما النساء الغير متزوجات زواج رسمي سواء كنّ في علاقات أو لأ، واللاتي يرغبنّ في متابعة صحتهنّ الجنسية والإنجابية لكي يستطعنّ عمل ذلك لابد أن يلجأنّ إلى أطباء\ طبيبات لا يٌمارسون الوصم والتمييز على أجساد هؤلاء النساء داخل أماكن عملهنّ. وللوصول إلى تلك الخدمات تضطر العديد من النساء إلى البحث عنها في طبقات اجتماعية عالية، ودفع مبالغ طائلة للحصول على تلك الخدمات بشكل آمن خالي من الوصم والتمييز والعنف الطبي. بالإضافة إلى ذلك، فإن النساء اللاتي يعشن في فقر هنّ أكثر عرضة للمعاناة من التفاوتات الصحية، مثل ارتفاع معدلات الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز، والأمراض المنقولة عن طريق الاتصال الجنسي، ووفيات الأمهات. لأسبا تتعلق بخوف النساء من التعامل مع مثل تلك المشاكل الصحية بسبب الوصم المجتمعي المصاحب لها من ناحية، وبسبب كون النساء تربينّ على عدم التعامل مع اجسادهنّ وعدم التعرف عليه من ناحية أخرى، كما أن التوعية حول الصحة الجنسية والإنجابية في مصر هي ثغرة كبيرة جداً تحتاج إلى جهود جميع العاملين بمؤسسات المجتمع المدني والدولة. بالإضافة إلى عدم توفر إنتاج معرفي كافي باللغة العربية يُساعد هؤلاء النساء في الوصول إلى معلومات ووعيٍ كاف.
علاوة على ذلك، هناك تبعات أخرى أكثر تعقيداً فيما يخص التأثير على الصحة النفسية للنساء، حيث يٌمكن أن يؤدي هذا الفقر إلى مستويات عالية من التوتر والاكتئاب، مما قد يٌعطل الوصول إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية الأساسية.
الآثار السلبية لعدم الوصول إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية:
يٌمكن أن يكون لعدم الحصول على خدمات الصحة الإنجابية والجنسية آثار مٌدمرِة على حياة النساء، وأن يخلق حلقة مفرغة من سوء الحالة الصحية الذي يؤدي بدوره إلى تفاقم الأمراض التي تتطلب موارد مادية أكبر، مما يؤدي إلى تفاقم حلقة الفقر. على الرغم من وجود مبادرات لمساعدة النساء اللائي يعشنّ داخل طبقات اجتماعية واقتصادية متوسطة أو فقيرة في الحصول على خدمات الرعاية الصحية اللازمة بدون وصم أو تمييز، يجب عمل المزيد لضمان حصول هؤلاء النساء على الرعاية التي يحتاجون إليها.
وهذا هو سبب أهمية ضمان حصول النساء الفقيرات على الخدمات الصحية الملائمة، بما في ذلك خدمات الصحة الإنجابية والجنسية.
عواقب ونتائج عدم الوصول لخدمات الصحة الإنجابية والجنسية للنساء:
تواجه النساء في مصر حواجز مرتبطة بالفقر للحصول على خدمات الصحة الجنسية والإنجابية الأساسية، مما يؤدي إلى عواقب وخيمة على صحتهن البدنية والنفسية ومنها:
- عدم القدرة على الوصول إلى وسائل منع الحمل يمكن أن يؤدي إلى الحمل غير المرغوب فيه، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات وفيات الرضع والأمهات.
- بالإضافة إلى ذلك، لا تستطيع النساء الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية للأمراض المنقولة عن طريق الاتصال الجنسي بسبب نقص الموارد، مما يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية والأمراض الأخرى.
- يمكن للفقر أن يمنع النساء من التماس العلاج والرعاية المناسبين لمشاكل أمراض النساء، مما يؤدي إلى مزيد من المضاعفات وربما حتى العقم.
- كما أدى عدم الحصول على خدمات الصحة الجنسية والإنجابية إلى الافتقار إلى التثقيف المناسب بشأن وسائل منع الحمل والممارسات الجنسية الآمنة، مما جعل النساء عرضة للاستغلال وسوء المعاملة.
- يمكن أن يؤدي الفقر أيضا إلى زيادة مستويات العنف الجنساني، حيث لا تستطيع النساء الوصول إلى الموارد اللازمة لحماية أنفسهن.
- يمكن أن يمنع نقص الوصول إلى موارد الرعاية الصحية النساء من اتخاذ خيارات مستنيرة بشأن أجسادهن، فضلاً عن حقوقهن الإنجابية.
- البرامج الممولة من الحكومة: يمكن للحكومة توفير الوصول إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية للنساء ذوات الدخل المنخفض من خلال تمويل البرامج التي تركز على توفير الوصول إلى وسائل منع الحمل الآمنة والمناسبة لصحتهنّ، والرعاية قبل وأثناء وبعد الولادة، توفير خدمات الكشف المبكر للامراض المنقولة جنسياً والعلاج المطلوب لها، يجب أن تكون هذه البرامج مصممة لتلبية احتياجات النساء ذوات الدخل المنخفض ويجب أن تركز على توفير التعليم والمعلومات حول أهمية خدمات الصحة الجنسية والإنجابية، وتنوعها وحرية اختيار ما يٌناسب النساء منها كلاً حسب حالتها الصحية.
- منظمات المجتمع المدني: يمكن أن تلعب منظمات المجتمع المدني دورًا هامًا في تحسين الوصول إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية للنساء ذوات الدخل المنخفض. وذلك من خلال توفير المناصرة والتعليم، فضلاً عن التواصل المباشر مع النساء لضمان حصولهنّ على الخدمات التي يحتجنّ إليها. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لمنظمات المجتمع المدني تقديم تلك الخدمات بشكل مخفض، وتوفير إنتاج معرفي باللغة العربية يٌساعد النساء في الوصول للمعلومات اللازمة لتحسين جودة حياتهنّ وصحتهنّ الجنسية والإنجابية. كما يُمكنها توفير أدوات صحية أكثر أماناً مثل ( الفوط الصحية – وسائل منع حمل غير هرمونية).
- مقدمو الرعاية الصحية: يلعب مقدمو الرعاية الصحية دورًا مهمًا في ضمان وصول النساء إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية. يجب أن يكونوا على دراية بالخدمات المتاحة وأن يكونوا قادرين على تقديم التوجيه والمساعدة للنساء اللواتي قد لا يعرفنّ من أين يبدأنّ عند طلب الرعاية. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون مقدمو الخدمة على دراية بأي موارد إضافية متوفرة في مجتمعهم والتي قد تساعد النساء ذوات الدخل المنخفض على الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية والجنسية. من المهم أن تٌقدم تلك الخدمات بشكل خالي من الوصم والتمييز العنف الواقع على النساء، والذي تواجهه النساء من حولهنّ من جميع الاتجاهات. لذا نرى أنه من المهم تدريب مقدموا الرعاية على أهمية مراعاة الحساسية الجندرية في التعامل مع النساء عامةً، وفي التعامل مع الناجيات من العنف الجنسي خاصةً.
شارك: