مع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، ظهرت المزيد من التداعيات المأساوية على النساء والفتيات، فبالإضافة إلى الخسائر المباشرة الناجمة عن القصف العشوائي، تراجع مستوى الرعاية الصحية بشكل كبير بسبب تدمير المستشفيات من جهة ونفاذ الوقود الذي تعمل به المستشفيات المتبقة من جهة أخرى، بالاضافة إلى شح الإمدادات الطبية، ما أدى إلى ارتفاع معدلات الوفيات بين الحوامل والمرضعات. كما ازدادت حالات الاضطرابات النفسية في ظل انهيار آليات الحماية الاجتماعية
1 – التأثيرات الصحية على النساء
مع مرور الوقت يتم الكشف عن التأثيرات المباشرة والغير مباشرة للنزاعات، وبالطبع تطال هذه التأثيرات النساء وحقوقهن.
في ظل الظروف القاسية للنزاعات، يكون للنساء حصة كبيرة من التأثيرات الضارة، سواء كنتائج مباشرة للأعمال العدائية أو بسبب تدهور البنية التحتية الصحية. وللأسف تصبح المستلزمات الصحية للنساء أمرًا منسياً في مثل هذه الأوقات، وتتضمن تلك
التأثيرات ضرورة توفير رعاية صحية، وضمان إمكانية الوصول إلى الخدمات الطبية الضرورية والتشخيص المبكر للأمراض، بهدف الحفاظ على الصحة والوقاية من تفاقم المشاكل الصحية. كما تتضمن التأثيرات ضرورة إتاحة وتوفير وسائل منع الحمل والرعاية للنساء في سن الإنجاب، مع التركيز على تنظيم الأسرة وتقديم الرعاية اللازمة للنساء الحوامل واللواتي يعانين من مشاكل صحية نسائية. بالإضافة إلى ذلك، يجب ضمان سلامة النساء من التعرض لأي انتهاكات من خلال توفير الدعم النفسي والاجتماعي. بالإضافة الى التوعية والتثقيف الصحيين حول قضايا الصحة الإنجابية والجنسية. حيث يمكن أن يسهم في تمكين النساء للعناية بصحتهن واتخاذ القرارات الصحيحة، ولذلك ينبغي على المجتمع الدولي العمل على تحسين البنية التحتية الصحية في المناطق المتأثرة بالنزاعات من خلال بناء المستشفيات وتوفير المعدات الطبية وتدريب الكوادر الطبية.
2 – تلوث المياه
يعاني سكان قطاع غزة، وخاصة في المناطق المجاورة لتجمعات مياه الأمطار، من آثار سلبية ناجمة عن تدمير البنى التحتية خلال الهجوم الإسرائيلي الأخير، مما أدى إلى تسرب مياه الصرف الصحي وتلوث مصادر المياه الجوفية و آبار الشرب.
وقد تسبب ذلك في أزمة بسبب تلوث المياه، إلى جانب مخاطر بيئية ناجمة عن اختلاط مياه الصرف الصحي بالمياه الجوفية، مما يعني فقدان الموارد المائية الطبيعية وارتفاع احتمال إصابة المواطنين بأمراض، فضلًا عن تلوث التربة ببقايا المتفجرات؛ التي تجعلها غير صالحة للزراعة. كما توجد توقعات بحدوث وفيات نتيجة تلك الملوثات، رغم أن القطاع يشهد بالفعل أدنى مستويات توافر المياه عالميًا، إذ يواجه المواطنون صعوبات في تأمين احتياجاتهم الأساسية من المياه. وتفاقمت الأوضاع مع انتشار أزمة نقص المياه النظيفة في مراكز الإيواء والمدارس المحولة إلى ملاجئ، مما أدى إلى زيادة انتشار الأمراض وسط تأكيدات الأمم المتحدة بعدم صلاحية 96% من موارد المياه في غزة للاستخدام الآدمي.
ومنذ بداية الحرب، عرقل نقص المياه النظيفة إمكانية الحصول على الخدمات الصحية، مما أسهم في تفشي الإسهال والالتهابات المعوية..
3- تفشي الأوبئة
حذرت منظمة الصحة العالمية من أن الأمراض تشكل تهديدًا أكبر لحياة سكان غزة من الحروب وعمليات القصف ذاتها، مؤكدة على ضرورة إصلاح النظام الصحي بسرعة لتجنب وقوع كارثة صحية أكبر. في هذا السياق، تواجه غزة أزمة صحية مدمرة نتيجة للحاجة الملحة للاحتياجات الصحية والطبية العالية والعجز الكبير في تلبيتها.
يواجه سكان غزه المحاصرين تحديات إضافية للحياة، حيث يتعرضون لتهديد المرض. فقد حذرت منظمة الصحة العالمية من انتشار الأمراض في القطاع، ولا سيما بين الأطفال الصغار، وذلك في سياق زيادة أعداد الإصابات. فالأمراض المنقولة بالمياه أصبحت السبب الرئيسي وراء وفيات الأطفال في غزة، حيث بلغت نسبة وفاة الأطفال أكثر من 12٪ من مجموع الحالات. مثل حمى التيفود والكوليرا والتهاب الكبد الوبائي هي بين الأمراض التي تسببت في هذه الوفيات.
نفاد الوقود في الأيام الأخيرة أدى إلى توقف محطات تحلية المياه ومجمعات جمع النفايات الصلبة، مما جعل الكثيرون يضطرون لاستهلاك المياه الملوثة أو العيش في ظروف غير صحية. حتى لوازم التنظيف الأساسية أصبحت نادرة، وأدوات التعقيم تعاني من النقص.
في ظل هذه الظروف، يحاول مئات الآلاف من الفلسطينيين في غزة الفرار من القصف إلى الملاذات القليلة المتاحة، مما أدى الى الاكتظاظ الهائل بها، وهو ما يزيد من احتمال تفشي الأمراض المعدية. الإسهال يشكل تهديدًا خاصًا على الأطفال الصغار، حيث يُعتبر سببًا رئيسيًا ثانيًا للوفاة بين الأطفال دون سن الخامسة. وفي نفس السياق، تم الإبلاغ عن آلاف الحالات من الجرب وجدري الماء. وتتفاقم التهابات الجهاز التنفسي بسبب كميات الغبار والملوثات الجوية، ومع وجود العديد من الجثث تحت الأنقاض وصعوبة انتشالها، وهذا يزيد من خطر الإصابة بالأمراض.
–
في الختام، تبرز الحاجة الماسة لوضع حد فوري للعدوان على غزة ورفع الحصار عنها، ليس فقط من أجل إنهاء الدمار والخسائر البشرية المباشرة، بل أيضًا لمنع وقوع كارثة إنسانية جراء التداعيات الصحية والبيئية طويلة المدى.
فالوضع الراهن يهدد بانتشار وباء غير مسبوق في ظل انهيار البنى التحتية ونظام الرعاية الصحية وتلوث مصادر المياه، ما يجعل حياة المدنيين في خطر داهم. لذا تتحمل الأطراف المعنية كافة، وعلى رأسها المجتمع الدولي مسؤولية في حماية الشعب الفلسطيني وضمان حصوله على أبسط حقوقه في الحياة الكريمة والصحة الجيدة، وهو ما يتطلب إجراءات عاجلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.
شارك: