النساء والقومية

افتتاحية

يتعرض هذا العدد من «طيبة» لموضوع شـديد الأهمية في وقتنا الحالي وهـو مـوضـوع «النساء والقومية»، وتنبع أهمية هذا الموضـوع مـن ثـراء المناقشات حـول العولمة وتجلياتها المختلفة في تأثيرها على تغيير – أو حتى القضاء على – مفهومي «القومية» و «الوطنية»، وكما الحال، تظهر الإشكاليات حول موضوع معين في أكثر صورها حدة عندما يتعلق الأمـر بالنساء. ومن هنا، يحاول هذا العدد الإجابة عن الأسئلة المثارة حول مفهومـ «القومية» و«المواطنة» في ظل العولمة وانعكاسات تغير هذين المفهومين على أحـوال وأدوار النساء في عدد من الدول والمجتمعات في مناطق مختلفة من العالم، ولكن ينصب اهتمام العدد في معظـم مواده، بالطبع، على النساء والنسوية في علاقتها بالقومية والوطنية في العالم العربي في مصر, بصفة خاصة.

وفي هذا السياق يأتى عرض كتاب «النساء والمواطنة والاختلاف» الذي حررته «نيرا يوفال ديفيز» و «بنينا وربلر» وتعرض له «نولة درويش»، وهو يحتوى على دراسات متعـددة من بلدان متنوعة جغرافيًا وثقافيًا لتغيير مفهوم المواطنة في ظل العولمة في تأثيره على أحـوال النساء إما سلبًا وإما إيجابًا، أو الاثنين معًا في بعض المناطق. كما تدعم دراسات الحالة في هـذا الكتاب البحث في الطبيعة المختلفة لتغيير المفاهيم على النساء بصفة خاصة.

أما البحث الموسع والمتميز لـ «شريفة زهور» تحت عنوان : «النساء والنوع الاجتماعي والنزعة القومية الجديدة» فيقدم استعراضًا لتجليات العلاقة بين النزعة القومية والنزعـة النسوية في مجموعة من بلدان الشرق الأوسط ومن بينهـا إيران وتركيا ومصر ولبنان، مـع التركيز على دولة فلسطين، والارتباط الوثيق في هذه الدولة بين النسائي والقومي، على وجه التحديد، وأهم ما يميز ورقة «شريفة زهور» هو مقدمة تحاول فيهـا إثبات الجذور الثقافية المحلية للنسوية في بلدان الشرق الأوسط، ونفى الزعم باستيرادها من الغرب.

وفي السياق نفسه، يأتى عرض کتاب «مارجو پـدران»، « رائدات الحركة النسوية والإسلام والوطن» لـ «وسام كيال»، ويتضح من العرض مدى ارتباط نشوء الحركة النسوية في مصر بالقضايا الوطنية والقومية ومناهضة الاستعمار، ولكن يظهر الكتاب بوضوح أيضًا مدى الإحباط الذي أصاب الرائدات النسويات عند التوصل إلى المطالب الوطنية التي طالبن بها جنبًا إلى جنب مع الرجال؛ فعادة ما يتم التأجيل والمماطلة في تحقيـق مـطالـب النساء بعـد تحقيق المطالب القومية. إنه الإحباط نفسه الذي تعبر عنه شيرين أبو النجـا في مقالهـا حـول «النسوية المستحيلة»، فكثيرًا ما تطغى الهوية القومية – حسب رأى أبي النجـا – على الهوية النسوية، وتجعل منها مطلبا مستحيلاً.

ويؤكد «يسرى مصطفى» في ورقته بعنوان «حارسات الهوية» تجاهـل النسـاء مـن قبـل الاتجاهات السياسية المختلفة بدعوى الحفاظ على الهوية، كما يظهر مصطفى العلاقات المعقدة والمتشابكة بين النساء والاتجاهات الفكرية والسياسية المختلفة، الوطنية والقومية والعروبية والإسلامية والعلمانية. ويخلص مصطفى إلى أن هذه الاتجاهات المتضاربة قد اجتمعت حـول كل ما يختص بالنساء، فقد تعامل الجميع مع النساء كحارسات للهوية، وبالتالي يصعب المس بأوضاعهن، أدى هذا بالطبع إلى تثبيت الأوضاع الحقوقية والإنسانية المجحفة بالنساء، دون تغيير تحت ظل الاتجاهات كافة.

وفي بحث تاريخي متميز حول «مولـد أمـة عـصـريـة: تـأميـم الـزواج في مصر في العهـد الملكي» تقدم «حنان خلوصى» لبداية تأميم الدولة لمؤسسة الزواج في المعهد الملكي، وفي ظل الاستعمار البريطاني، لأسباب سياسية بحتة لا تنظر إلـى بناء الأسرة كعمل اجتماعي، وإنـا عمل سیاسی بامتياز. ومن خلال قراءة متمحصة لعدد كبير من المصادر والوثائق التاريخية ومن المراجع العربية والأجنبية تصل إلى نتائج عديدة ومفصلة حول تقنين عـادات الـزواج وبناء الأسرة في مصر الحديثة.

أما إيناس الشافعي، فتقدم عرضًا وثائقيًا هو قراءة عربية لمؤتمر نسـوى، حيث تعرض الشافعي لمواقف النساء العربيات في مؤتمرهن الأول عام 1944 من القضية الفلسطينية وهو عرض يدعم القول بأن النساء لم يتخلين في وقـت مـن الأوقـات عـن أدوارهـن السياسية والقومية وأن الوعى النسوي للنساء لا ينفصل عن الوعى القومي والسياسي.

وأخيرًا يأتى كتاب «النوع والاقتصاد السياسي للتنمية» لـ «شيرين م. راى»، والذي تعرض له «هالة كال» ليلم بجوانب موضوع النساء والقومية، وهـو مـوضـوع هـذا العـدد، ويربطه بموضوع «النساء والعولمة»، وهو موضوع العدد القادم مـن «طيبـة». ففي الكتـاب عرض لمشاكل النساء في الدولة القومية، وما يعتريهن من تمييز سلبي في ظلها، كما يعرض في الوقت نفسه لمشكلات العولمة وتأثيرها السلبي على النساء، ولكن تحذر الكاتبة من الإسراف في الحنين إلى زمن «القومية»، الذي كثيرًا ما يتبناه مواطنو دول العالم الثالث، وتطالـب مـن يعتريه هذا الحنين – خاصة النساء – بتذكر أحوالهن في ظل هذه الدول، وتدعو إلى المزيد مـن إشراك النساء في وضع السياسات الحوكمية في ظل العولمة، التي تمكنهن مـن التغلب على التمييز ضدهن، وهو ما عانين منه في ظل الدولة القومية أو في ظل العولمة.

نرجو، في الختام، أن تشكل مواد هذا العدد إضافة قيمة للمكتبة العربية في موضـوع النساء والقومية، وندعو الباحثات/ ين في مجالات علمية وأكاديمية مختلفة إلى قراءته كمقدمة ومحفز بحثى للكتابة في العدد القادم حول «النساء والعولمة».