تضامنا مع الشعب العراقي عالم أفضل… مازال ممكنًا
بينما نذر الحرب والدمار تخيم علينا وتحاصرنا قادمة عبر أطماع أمريكا الاستعمارية وجبروت وغطرسة القوة، يأتى شهر مارس بكل ما يحمله من معان ودلالات تمتد في عمق التاريخ الذي مضى وتضئ لنا طريق قدرتنا على صناعة التاريخ القادم رغم كل التحديات التي تواجهنا وتواجه العالم احتفلنا كما تحتفل كل عام بيوم المرأة العالمي لنثبت ونضئ لحظات انتصار نضالات من سبقونا، ونبني نحن أيضًا عليها من أجل عالم أفضل مازال ممكنا، وجاءت احتفالية المراكز والجمعيات والهيئات النسائية باليوم العالمي للمرأة لهذا العام في ظل هذه الظروف شديدة الصعوبة لتؤكد القدرة على الاستمرار والمقاومة التي حفرها المئات من مختلف الأجيال يوم ١٤ مارس الماضي بمكتبة مبارك العامة وتحت شعار “مبدعات ومبدعون من أجل النساء والوطن“، كانت الاحتفالية التي بدأت بالبيان الصادر عن الاحتفالية والذي ألقته الدكتورة ماجدة عدلي “تضامنا مع الشعب العراقي عالم أفضل مازال ممكنًا“، وجاء فيه نحن النساء المجتمعات في يوم المرأة. وفي إطار التضامن النسائي العالمي مع العراق نعلن للعالم أجمع رفضنا لكل الحجج التي تسوقها الإدارة الأمريكية وحلفاؤها لشن الحرب على العراق. إنا نعلم أن الغزو الأمريكي للعراق لا يتم بدوافع إنسانية أو أخلاقية، بل دافعه هو الاستيلاء على النفط والهيمنة على المنطقة العربية بأكملها، إنه رغم المزاعم الأمريكية بتجنيب المدنيين ويلات الحرب فإن الشعوب وعلى رأسها النساء والأطفال هي ضحايا الحرب ووقودها. إن الإدارة الأمريكية غير معنية بحقوق الإنسان في العراق أو في أي مكان فهي تزج بنشيطات حقوق الإنسان الأمريكيات في السجون لمعارضتهن الحرب، كما أن سلامة الشعب العراقي لا تدخل ضمن اعتباراتها. كما أن الإدارة الأمريكية التي تدعى أنها تسعى لتدمير أسلحة الدمار الشامل في العراق قد أعلنت أنها سوف تستعمل الأسلحة الكيماوية والبيولوجية في هذه الحرب، إن هناك نوايا واضحة لإعادة تخطيط المنطقة بعد الغزو الأمريكي. على الرغم من كل ما سوف تتكبده منطقتنا وشعوبنا نساءً ورجالاً وأطفالاً من تجويع وتشريد ومزيد من الافقار، ورغم عجز الحكومات العربية، لكننا نرى عالمًا جديدًا يولد في الوقت نفسه. عالم يولد بأيدي الملايين من النساء والرجال الذين خرجوا في الأيام السابقة في كل أنحاء العالم ليقفوا بعناد أمام حكوماتهم، وفي وجه رغبة الحكومة الأمريكية المحمومة في فرض إرادتها على العالم. وحتى إذا أخفقت هذه المظاهرات في وقف عجلة الحرب لكنها نجحت في منع الإدارة الأمريكية وحلفائها من المضي في مخططاتهم وسط صمت عام ووضعتهم في جو من الاستهجان والرفض العارمين، وأنهت الدكتورة ماجدة عدلي كلمة الاحتفالية قائلة: ليس بوسعنا إلا الاستمرار في هذا الطريق.. طريق رفض الظلم، سواء من داخلنا أو خارجنا، فلن نسمح لأحد بوضعنا في موضع الاختيار بين هذين الخيارين، فلنستمر في رفع أصواتنا وسط أصوات الملايين من النساء والرجال التي تملأ أرجاء العالم الآن، ولنعبر بكل الطرق عن هذا الرفض، وعن تحدينا للظلم، والدمار، والاحتلال وإفقار البلدان والشعوب، وذلك في سبيل ميلاد عالم أفضل، في سبيل غد أكثر إشراقًا فعالم أفضل مازال ممكنًا، كما ألقت الدكتورة هالة كمال كلمة ننقلها في الصفحات التالية كاملة لأهميتها.
ولأنهن ولأنهم مبدعات ومبدعون من أجل النساء والوطن جاء التكريم لأسماء ساهمت بأعمالها الفنية في إضافة الكثير لمسيرة السابقين ومهدت الطريق للقادمين وبعد عرض شريط فيديو تم إعداده بلقطات ومشاهد لإبراز أعمال المكرمات والمكرمين لهذا العام تم توزيع درع على كل من إنعام محمد على، عطيات الأبنودي، نبيهة لطفی، ماریان خوری، سناء جميل، والمخرج رضوان الكاشف.
وفي إطار احتفالية يوم المرأة لهذا العام كان قد تم الإعداد لمسابقة فنية لأفلام المبدعات والمبدعين من الشباب الذين ناقشت أفلامهم قضايا المرأة والتي تم إنتاجها بالمعهد العالي للسينما والمجلس القومي للسينما، ومن خلال لجنة تحكيم مكونة من على أبو شادي رئيسًا وعضوية إقبال بركة، جيهان الأعسر، د. عزة حليم، سهام عبد المنعم، وداليا الحمامصى. ومن بين 30 فيلمًا فاز فيلم “ليل خارجي” للمخرجة نورا مراد “وثلاث حكايات لرجالة وستات” للمخرج إبراهيم خان، وقد جاءت تلك المسابقة كشكل من أشكال الاهتمام وإلقاء الضوء على الإبداع الشاب ومنها فرصة الظهور والتشجيع والتواصل مع الأجيال المختلفة.
سناء جميل… نفيسة الفن
الفن والمقاومة:
ويتواصل الإبداع ويجيب الفن عن السؤال هل الجسد هو مخزن الشهوات وإثارة الغرائز؟ قاطعًا، أجاب بلا، فيلم الإبداع من خلال الجسد الذي قدمه الدكتور عادل أبو زهرة مؤكدًا أن الجسد أداة للتعبير عن المشاعر كلها من فرح وحزن وسعادة وغضب، وإنه ليس مصدر الإثارة، فالغرائز الجنسية يمكن يثيرها كما قال فرويد حدوة حصان، وقدم الفيلم مشاهد ولقطات لإبداع الجسد وتعبيره عن نفسه من خلال الرقص الشعبي والأفريقى والباليه.
ومع الغناء القديم لفرقة بنات النيل جاء الصوت ليحتل مكانة في فضاء المكان مؤكدًا وجود مبدعات الفرقة المكونة كلها من النساء، وللعراق الجرح الذي انفتح في القلب غنت المطربة العراقية “لانا مشتاق” والمطرب “إلين النمر” ولفلسطين الجرح النازف غنت فتيات” منتدى الشابات مركز دراسات المرأة الجديدة.
لماذا 8، 16 مارس
هذا وقد تم توزيع كتيب بعنوان لماذا 8 مارس؟ لماذا 16 مارس؟ الأول ليوم المرأة العالمي الذي شهد في 8 مارس عام ١٨٥٧ إضراب عاملات النسيج بالولايات المتحدة الأمريكية احتجاجًا على ظروف العمل القاسية والأجور الزهيدة و16 مارس هو خروج مئات النساء المصريات إلى الشوارع يتظاهرن ضد الإنجليز والاحتلال، وهو اليوم الذي سقطت فيه برصاص الإنجليز حميدة خليل “أول شهيدة للحركة النسائية” كما قدم الكتاب تعريفًا بالمكرمات والمكرمين والمنظمات المشاركة في الاحتفالية وهي:
– جمعية السينمائيات المصريات.
– جمعية نهوض وتنمية المرأة.
– جمعية المرأة والمجتمع.
– رابطة المرأة العربية.
– مركز دراسات المرأة الجديدة.
– مركز قضايا المرأة المصرية.
– مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف.
– مركز وسائل الاتصالات الملائمة من أجل التنمية.
– ملتقى المرأة والذاكرة.
ماریان خوری
ارتبط اسمها بالإنتاج والاقتصاد بحكم دراستها، فهي خريجة كلية الإقتصاد والعلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، وحاصلة على ماجستير في علوم الاقتصاد من جامعة إكسفورد بالمملكة المتحدة، لكنها عندما اختارت العمل الاقتصادي اختارته في جانبة المرتبط بالابداع، فعملت في الإنتاج السينمائي، لكن حسابات الإبداع وجمالياته كانت دائمًا تطغى لديها على حسابات الأرقام وهو ما تكشف عنه نوعية الأفلام التي أنتجتها وعدم استلامها لقوانين سوق سينمائية سائدة تعلى من قيمة المادة على حساب قيمة الإبداع.. وطوال سنوات عمرها ورغم تعقيدات الأرقام وحسابات المكسب والخسارة فإنها لم تنس قضيتها الأساسية وقضية بنات جنسها وهو ما ظهر في أول أفلامها “زمن لورا” والذي قررت أن تقتحم به عالم الإبداع ليس كمنتجة فقط، ولكن كمبدعة وصانعة للإبداع، وجاء فيلمها الثاني “عاشقات السينما” الذي شاركت في صنعة إخراجًا وإنتاجًا ليؤكد المعنى نفسه وخاصة أنه جزء من مشروع تتبناه عن النساء والرائدات العربيات.. إنها منتجة الأفلام الصعبة والجميلة الباحثة عن الجمال والمضمون قبل حسابات السوق “ماریان خوری“.
رضوان الكاشف
كان لابد أن يموت صغيرًا فمثله لا يحتمل أن يعيش في دنیانا، كان فيلسوها ساخراً.. وكان نبيلاً وبسيطًا يحب الحياة والناس الذين ظلوا دائمًا همه وحلمه وأغنيته التي لا تتوقف.. دخل الحواري الضيقة ليهز قناعتها البليدة بالقسمة والنصيب.. عاشق البيوت الواطئة المنكفئة على فقرها وحزنها واستسلامها ليدفعها کی تواجه النهار وتغنى الفرح في فيلمه الروائي الأول ” ليه يا بنفسج ” إنه ” الساحر ” رضوان الكاشف الذي يستحق أن نطلق عليه “مخرج الغلابة والمهمشين” ليس لكل ذلك فقط، ولكن لأنه وهب نفسه للتعبير عن آلامهم وأحزانهم وانكسارتهم، ومن فرط إحساسه بهم استطاع أن يحصد من خلالهم أكثر من جائزة عربية وعالمية ومحلية رغم أنه لم يخرج للسينما سوى ثلاثة أفلام روائية طويلة مع أفلام بين الرواية القصيرة والتسجيلية، بينما رحل عن دنيانا وهو يعد فيلمه الرابع عن الغلابة أيضًا.
ويبقى رضوان هو صانع البهجة رغم إغراقه في تفاصيل عالم المهمشين لكنه ظل المخرج الأكثر قدرة على عكس قدرتهم على مواجهة الحياة وضع سينما قادرة على إثارة البهجة بين عشاق السينما رغم إغراقها في أحزان وآلام ومعاناة الغلابة لأنها وسط الحزن ترسم طريق الخلاص.
إنعام محمد على
حينما ترى اسمها على تترات أي عمل درامي، فإن المشاهد يضمن أن يرى عملاً متميزًا، فقد أصبح اسمها علامة مسجلة على الفن الجميل، فمنذ عام 1964، عندما أخرجت أول تمثيلية تليفزيونية بعد أربعة أعوام من التحاقها بالتليفزيون، وهي تحفر اسمها بحروف من نور، فقد كانت أول امرأة تصل إلى هذا الموقع وتخرج عملاً دراميًا تليفزيونيًا لكن هذا وحده لم يكن كافيًا بالنسبة لها، بل إنها جعلت من الأعمال التي أخرجتها رسالة واضحة دفاعًا عن مجتمع عصري يحترم المرأة، ويقدر الحب، كانت مع تعليم المرأة وعدم استسلامها لقدرها في (هي والمستحيل) و(نونة الشعنونة) ودافعت عن حق الأنثى في تقرير مصيرها وألا تكون حياتها معلقة على كلمة من الرجل في (أسفة أرفض الطلاق)، وبحثت في ضمير أبلة حكمت عن ضمير المجتمع الذي غاب طويلاً في شكل امرأة حقيقية قد لا يعرفها الجميع، لكنها نموذج للمرأة المصرية حين تنجح ويفشل الآخرون، وعندما اختارت شخصیات لكی تبرر دورها في المجتمع جاءت بأم كلثوم نموذجًا للمرأة التي يقدرها الجميع ويعترفون بفضلها بقدر ما أثرت في وجدان أمة بأسرها، وكان قاسم أمین آخر أعمالها لمواجهة موجة من التطرف المغلف بالدين تنادي بعودة المرأة للمنزل.
ولأنها تؤمن بأن الدفاع عن المرأة هو الدفاع عن الوطن كله وعن القيم الجميلة جاءت بدولة فهي التي لا يعرفها أحد وحكايات الغريب والطريق إلى إيلات لتؤكد أن الشرف الحقيقي في وطن محرر ومواطنين أحرار، فكلها تمزج بين التضحية من أجل الوطن ودور المرأة في ذلك، وتكشف أنه مهما كان صغيرًا لكنه دائمًا ذو قيمة.. وبين هذا وذاك فقد ظل قدرها هو البحث عن الحب الحقيقي في مجتمع لا يعرف الحب في ثلاثية رائعة هي (الحب وأشياء أخرى ودعوة للحب وحتى لا يختنق الحب)، إنها أنعام محمد على صائدة أحلام الفن الجميل.
عطيات الأبنودي… نهر الإبداع لا يتوقف
سناء جميل
كل من عرفوها عن قرب كانت لهم ذكريات جميلة معها، وكل من شاهدوها على الشاشة والمسرح أحبوها لأنها جسدتهم وعاشت مشاكلهم وآلامهم بصدق، وبهذا الصدق عاشت سناء جميل كإنسانة وفنانة ولم تخسر نفسها أبدًا، فهي الفنانة الملتزمة بالمواعيد المدركة لدورها ورسالتها، والتي لا ترضى بأي هفوة تصدر منها وتتسامح مع هفوات زملائها لكنها تفرض الإلتزام والجدية، صادقة تمامًا مع نفسها ومع الآخرين، فقدمت أدوارًا استثنائية لم يكن في قدرة ممثل آخر أن يجسدها، إنها نفيسة (في بداية ونهاية) وحفيظة في (الزوجة الثانية) والكلام عنها في الدورين يأخذ منها ولا يعطيها، فلقد كانت من الشخصيات التي يعجز الكلام مهما كان أن يوفيها حقها.
ورحلة سناء جميل مع الإبداع طويلة ومشوارها الفنى کله علامات مضيئة نالت خلاله من كل دروب الإبداع في المسرح والسينما والتليفزيون، وأيضًا خلف ميكروفونات الإذاعة، وفي كل مجال أبدعت وكانت الأولى والصعبة.. فعلى خشبة المسرح قدمت للمسرح العربي 70 مسرحية من أجمل أعماله، واشتركت في العديد من المسرحيات المصرية والعالمية منها : ماكبث وزيارة السيدة العجوز، والناس اللي فوق، وشهرزاد، والدخان والحصان، وليلة مصرع جيفارا، وسلطات الظلام، والأحياء المجاورة.. واستطاعت خلال مشوارها المسرحي أن تتألق ليس فقط على مسرح القاهرة، بل وفي باريس وقدمت أدوارًا لا تنسى خاصة في مسرحيتي تاجر البندقية وشارع البهلوان، وكانت دائمًا تفخر بأنها تلميذة أستاذ المسرح العربي زكي طليمات وتعترف بفضله عليها.. وبفضل موهبتها وثقافتها وتألقها وصدقها استطاعت أن تكون ضلعًا رئيسيًا في تحقيق النهضة المسرحية خلال عقد الستينيات.
نبيهة لطفى… سحر الحدوتة الذي لا ينتهي
نبيهة لطفى:
هي “سحر الحدوتة” والأبطال الذين يلعبون الأدوار الرئيسية فيها، لكنها دائمًا لا تجيد الظهور في الكادر، ليس بسبب أشياء تتعلق بموهبتها وقدرتها على العمل والعطاء، وإنما بسبب مشكلات ذات طبيعة خاصة في طريقة تعاملها مع المؤسسات والأفراد القادرين على توصيلها للجمهور فضلاً عن إيمانها العميق أن الأهم هو العمل وليس الظهور، فالشاغل الرئيسي لها كان دائمًا الإبداع وجمالياتها لكنها أبدًا لم تفقد حسن الرؤية.. فمن بين طيات أفلامها تنساب قضايا الوطن والمحتاجين في رحلة عفوية بعيون حساسة تصنعها الأزمة وأفرادها ويصنعها رؤيتها الثاقبة ووعيها بأطراف القضية ومدى حاجاتهم للمساعدة. وهو ما صاغته في عبارة رقيقة ودالة كانت دائمًا الحاكم لكل أفعالها وتصرفاتها، المشكلة ليست امرأة أو رجلاً بل إنسانًا يحتاج إليك والعبارة فقط رسالة لكل من عرفوها واقتربوا منها تقول لهم جميعًا أننا نتكلم عن المخرجة نبيهة لطفي وكفي..
وقدمت نبيهة لطفي خلال عقد التسعينيات إنتاجها المكلف عن المرأة والذي بدأته يفيلم ” إلى أين ” عن ظاهرة تسرب الإناث من التعليم الأولى في القرى والأقاليم ثم فيلمها” رسالة من حجازة ” الذي يلقي الضوء على النماذج الإيجابية لنساء صعيد مصر وتلاه فیلم ” نساء في مفترق الطرق” ويحكي عن نساء يقمن بأعمال تطوعية هدفها الارتقاء بوضع المرأة وتأكيد قدرتها على الجميع بين دورها كأم وكربة بيت وقوة منتجة في مجتمعها، ثم فيلم ” المرأة العربية تتكلم ” في جزءين وقدمت من خلالها نموذجين لسيدتين من الصعيد والعاصمة تكرس كل منهما قيمة كفاح للمرأة من أجل تطوير حياتها وحياة أسرتها ثم قدمت سلسلة من الأفلام – كانت السمة الظاهرة فيها هو اعتناؤها بعرض نماذج لنساء مصريات حققن إنجازات ملموسة ورائدة في مجالات ظلت مقصورة في الضمير الشعبي على الرجال مثل هندسة المناجم والطيران وإدارة المؤسسات الكبيرة.
عطيات الأبنودي
لا تحتاج عطيات الأبندوى لمن يقدمها، فهي ليست فقط المخرجة الأشهر في تاريخ السينما التسجيلية التي كسرت أفلامها حاجز العزلة بين البسطاء، وبين هذا النوع من الفن الراقي باندماجها معهم وتعبيرها الصادق عنهم، ولكن لأنها أيضًا المثقفة المهمومة بقضايا الوطن وقضايا أبنائه وحريتهم في التعبير عن أنفسهم سواء على الصعيد السياسي أو الإجتماعي.. ومن هذا المنطلق دافعت عطیات الأبنودي عن قضايا المرأة ليس لأنها سيدة تعاني مثل بقية النساء، ولكن باعتبارها جزءًا من الإطار العام لأزمة أكبر هي أزمة المجتمع المصري بأكمله.. وخلال رحلتها مع السينما التسجيلية سجلت عطيات الأبنودي بكاميراتها آلام وأحزان الوطن، وحاربت كل من باعوا قدراته وترابه ووقفت بجانب اللي اشتروا وعاشت ” أحلام البنات ” وناضلت من أجل ” أيام الديموقراطية ” وخاضت بحار العطش ” بـ ” حصان من طين” من أجل تحقيق ما بعد ” الأحلام الممكنة.
ووسط كل هذا فإن حجم إنجازاتها وجوائزها، بل وعناوين أفلامها ويبقى وحده كافيًا ليقول لنا من هي عطيات الأبنودي؟، وما هي القضايا التي اهتمت بها والسر وراء انحيازها الدائم لقضايا النساء والبسطاء ليس فقط من خلال حبها الأول “والسينما التسجيلية ” ولكن أيضًا عبر دروب إبداعها الأخرى والتي أتقنتها جميعًا مثلما أتقنت “حديث الكاميرا” وضبطته على “إيقاع الحياة “.
الإبداع هو محور حياتها سواء في دراساتها الأكاديمية أو أفلامها أوككاتبة ترصد مشكلات الواقع وتتحداه، وذلك فإن تاريخها حافل بالأعمال التي تستحق أن تتوقف أمامها طويلاً والتي كان محورها دائمًا هو البحث عن العدل والحق.