إعادة الأسرة للمجتمع المدني دروس من مصر

تاريخ النشر:

2010

التقديم:

إعادة الأسرة للمجتمع المدني دروس من مصر*

تقديم المحررة:

اختارت دایان سینجرمان (Diane Singerman) هذا المقال، المنشور في عام 1996، لكتابنا. يواصل المقال دراساتها الأمبيريقية المهمة حول الأدوار المعقدة التي تلعبها الأسرة في الأحياء الشعبية بالقاهرة. وهو ما يقودها إلى الجدال بضرورة تضمين دراسة الأسرة في النقاش الأوسع الدائر حول المجتمع المدني. فالمؤلفة توضح في هذا الفصل كيف تضطلع هذه المؤسسة الاجتماعية المهمة بأدوار عامة وسياسية عديدة في محاولة لخدمة مصالح هذه المجتمعات. إنها تربط علاقات أفرادها بمؤسسات الحكومة وتتفاوض مع تلك المؤسسات، كما تراقب اتباع العادات / الأعراف الجنسية في الأحياء، فضلاً عن أنها توفر وظائف وخدمات اجتماعية مهمة. ومع معرفة كل هذه الأنشطة، تجادل المؤلفة أنه من غير المعقول مواصلة التعامل الأسرة كمؤسسة خاصة، في حين أنها تعمل بوضوح كمؤسسة عامة. إن استبعاد الأسرة من مناقشة المجتمع المدني وتجاهل كيف يستخدمها قطاع مهم من السكان كموقع سياسي.

   

دایان سینجرمان

مقدمة

إن أفكار المجتمع المدني التي تركز على الروابط التطوعية وجماعات المصلحة وعالم الاتصالات العامة تقود إلى تكهنات كئيبة حول الاستقلال السياسي والديمقراطية في الشرق الأوسط وفي مصر، بما يُمثل خلفية إمبيريقية لهذا البحث. يشير المحللون والناشطون إلى عجز المواطنين عن اختيار قادتهم، وعن مساءلة الحكومة، وعن مناقشة الأفكار على مستوى النطاق العام، وعن حق إقامة الروابط المشمول بحماية الحقوق المدنية. وعلى حين لا يُخطئ هذا التقويم حول الدول الموبوءة بالسلطوية والأمن العسكري، وكذا الحكم الملكي والاستثنائي في المنطقة, فإن فهمه الضيق للمجتمع المدني لا يحقق العدل للاتجاهات المعارضة وجماهير المنطقة، كما لا يُمسك بناصية التضاريس الأولية للتصالات التي لاتزال مستمرة من أجل السلطة والحكم والنفوذ Schwedler 1995; Norton 1995, 1996))1. وهنا، فإنني أجادل أن الابتكارات الأخيرة في تصورات المجتمع المدني، والتي تعتبر الأسرة والشبكات غير الرسمية جزءًا من المجتمع المدني وتدعمها الرؤى النسوية والجرامشية، تطرح فهمًا أكثر شمولاً ودقة للحياة السياسية في مصر.

ما أسباب تقديمي لأطروحة حول إدخال الأسرة والشبكات غير الرسمية إلى المجتمع المدني وفي تحليل السياسة في مصر؟ يرجع ذلك ببساطة إلى أن مجال العمل الإثنوجرافي يكشف أهمية الأسر والشبكات في القاهرة، حيث تولى نظم وتوزيع الموارد النادرة وتُيسر تنسيق العمل، وتعزيز الخطاب العام. ويبدو تبني نغمة الاكتشاف المُلهم هذا غريبًا؛ إلا أن مدى التضامن الأسري القائم على القرابة وسلطته واضحين للجميع، حتى لمن كانت معرفتهم بالمجتمع المصري عابرة (رغم حدال البعض أن قوة التضامن القائم على القرابة لم تعد كما كانت سابقًا). لقد كان بحثي في القاهرة في منتصف الثمانينيات والتسعينيات يتناول سياسات المجتمعات الشعبية منخفضة الدخل، أو القطاع الشعبي، ويؤكد طرق انخراط الأسر بحميمية وشمول في جميع ميادين الحياة الاجتماعية والسياسية والأخلاقية والاقتصادية مثل: تعليم الأطفال، وتربيتهم، وتأمين الوظيفة، والتفاوض مع البيروقراطية، وتعزيز الأخلاق والمكانة، وتوزيع الموارد والمعلومات، وتأمين القروض والمدخرات، وتنظيم الهجرة، ومراقبة الحياة الجنسية إلخ (انظر/ ي .((Singerman 1995

إن التعارض بين التعريفات النظرية وممارسات المجتمع المدني في مصر، كما أجادل أدناه، يقع على عتبة ميادين العلوم السياسية والنظرية السياسية الغربية، والتي فشلت مفاهيمها التعريفية، بما فيها من آثار لنظريتي التحديث والاستشراق، في إدراك المؤسسات الموجودة خارج عالم الحياة السياسية الرسمي مثل: الأحزاب السياسية، والهيئات التشريعية، والهيئات البيروقراطية، والقانون، والروابط، والنقابات، أو الجيش. وبالتالي، تغيب الشبكات غير الرسمية والأسرة بشكل عام في النقاشات الحديثة حول المجتمع المدني، والنشاط السياسي، وحقوق المرأة، والإصلاح الاقتصادي، وحقوق الإنسان، والسلطوية الدائمة، والدول العسكرية، والرأسمالية الودودة، والأزمات المتعاقبة. إن مفارقة هذه المسافة الهائلة بين الأسرة كأداة تحليلية والتحليل السياسيترجع إلى أصول تاريخية وفكرية لا يسعنا إلا المرور عليها سريعًا، حيت تحاول ورقتنا البحثية إجراء مصالحة بتقديم حالة إمبيريقية وأيضًا نظرية. وبعد مناقشة المجادلات النظرية حول المجتمع المدني والشبكات، فإني انتقل إلى دراسة إمبيريقية لقوة الأسرة، وخطابها الشرعي الذي أسمته الروح الأسرية، فضلاً عن الأنشطة غير الرسمية في بعديها السياسي والاقتصادي (أي تلك الأنشطة غير المرخصة، وغير المنظومة، وغير التابعة للدولة)، وبقرار قوة هذه المؤسسات السياسية، تستكشف الخاتمة الطرق التي حشدها واستخدمها الناس وغيرهم من الفاعلين المؤسسيين للانخراط في الحياة السياسية الجماعية في مصر.

إن أفكار المجتمع المدني التي تستبعد الأسرة لم تؤد فحسب إلى تشويه استخدام المصطلح تحليليًّا، وإنما أفسدت أيضًا طابع النضال السياسي ومعناه في هذه المنطقة التي تعني فيها الأسرة الكثير. على أنني أود أولاً الإشارة إلى توضيح مهم: الأطروحة التي تعتبر الأسرة والشبكات غير الرسمية جزءًا من المجتمع المدني لا تقضي ضمنًا بالتزام معياري بالأشكال الملكية لحكم القرابة (kin rule)، وسياسات العشيرة، والبطريركية، أو تبني الأعراف والقيم التي تعززها الروح الأسرية. بل لا تعني بالأحرى سوى الاعتراف بكيفيات السلطة التي تبني المجتمع ونظام الحكم. وكما أوضحت الحركة النسوية، يُعد إدراك لاتماثل السلطة وكشفه، وطريقة الحفاظ عليها هذه الفترة الطويلة، بمثابة الخطوة الأولى نحو تغيرها.

تجادل البحوث الحديثة النسوية وما بعد الحداثية بشدة لإدخال الأسرة في المجتمع المدني والإقرار بطابعها السياسي. فمن ناحية، تنتقد النسويات النظام الليبرالي باعتباره نظامًا بطريركيًا وتسعى إلى تسييس الأسرة والنساء والحياة المنزلية، وتجادل بارتباطهم بعالم الحياة العامة. إن إعادة الأهليةالنظرية التي يطرحونها للأسرة تعترف بها كموقع قوة، حيث يجري النزاع على السلطة، وتُصاغ المثل العليا، وتتشكل الهوية. ومن الناحية الأخرى، يوضح مُنظرو ما بعد الحداثة أساليب تطبيع السلطة داخل الأسرة وعالم المنزل بحيث يقترن الدور الخاضع، والعمل غير مدفوع الأجر، ووضع المرأة التابع، المقترن سواء بوعي أو بلا وعي، بصفات الزوجة أو الأم الجيدة.

وهناك العديد من الأسباب لاستبعاد الأسرة من الفهم السائد للمجتمع المدني في الخطاب السياسي الغربي. ويمكن فهم هذه الأسباب أساسًا من منظورين: الليبرالي والماركسي. على حساب التبسيط الكامل، كانت الأسرة في التقاليد التاريخية للفكر الليبرالي جزءًا من القطاع الخاص؛ فهي مجال النساء والأطفال والأسرة المعيشية، حيث لا تنشط السلطة بوضوح وبالتالي تبدو العلاقات طبيعية. وعلاوة على ذلك، وكجزء من الحياة الخاصة، تُعتبر الأسرة مجالاً متحررًا من تدخل الدولة. وتجادل أوكين (Okin) ضد هذا الموقف بقولها إن الفكرة الليبرالية حول عدم تدخل الدولة في العالم الأسري، لا تعني الاحتفاظ بالحياد، بل تعزز في واقع الأمر جوانب عدم المساواة في هذا المجال” (۱۹۹۱، انظر/ ي أيضًا: Brown 1992, 1995)). كما أوضح جيل جديد من الباحثين والناشطين أن إرادة الدولةلا تخرج من باب منزل الأسرة، ما دامت الدولة تنظم الحياة الشخصية والأسرية سياسيًّا (Pateman 1983, 297: Mackinnon 1983)، وتطبع البني الإيديولوجية المهيمنة (انظر/ ي أيضًا:Joseph 1993).

من المهم أن ندرك أن كلمة عام لها معان عديدة في النظرية اللبيرالية. قد تعني الدولة فقط، أو الدول والمجال السياسي، أو الدولة والمجالين السياسي والاقتصادي وبغض النظر عن كيفية تعريف العام، فلم يتضمن أبدًا النساء ومجال المنزل أو الأسرة وتتوقف طبيعة البني الحديثة لكل من العام، والمواطنة، والفردية، على مثل ذلك الاستبعاد (Bounds 1991,113)

إن الانتقاد النسوي للفهم الطبيعي للأسرة أقر بعدم المساواة وعلاقات القوى اللذين ينظمان عالم المنزل، ويشير إلى كيفية تناولهما رغم عدم وجودهما بالفعل في سجل التاريخ. وتجادل سيلا بن حبيب (Seyla Benhabib) قائلة: “يبدأ كل نضال ضد القهر في العالم الحديث بإعادة تعريف ما كان يُعتبر في السابق قضايا خاصة، وغير عامة، وغير سياسية، إلى شؤون عامة مثل قضايا تتعلق بالعدالة، ومواقع للسلطة (1992, 84)” . وقد قامت الناشطات بتحويل ما يُعتبر ضمن الشؤون الخاصة للحياة الجيدة (العاطفة، تربية الأطفال، تقسيم العمل) إلى قضايا عامة حول العدالة، وذلك بتحديد موضوعات لعلاقات القوى اللامتماثلة، والتي ارتكز عليها التقسيم الجنسي للعمل بين الجنسين” Benhabib 1992, 92)). كما استخدمت الحركات السياسية الأخرى (السلام، البيئة، حركات الحقوق المدنية منطقًا مشابهًا لتسييس القضايا، وكسب المتعاطفين، وإعادة تشكيل السياسة (Benhabib 1992, 84).

وعلى حين ركزت أفكار التنوير التوكيفيلية (de Tocquevillian) والاسكتلندية المبكرة حول المجتمع المدني على إيجاد صوت للمرء ومدنيته وحقوقه في بناء حياة تتميز بالجمعيات, أخضع الماركسيون المجتمع المدني لعالم العلاقات الاقتصادية والطبقية. وفي داخل الخطاب الماركسي الجديد، كان موقع الأسرة والثقافة السياسية على مستوى المجتمع المدني يُعد ابتعادًا حاسم لجرامشي عن هيجل وماركس Cohen and Arato 1992, 143)). يذهب جرامشي إلى أن المجتمع المدني يضم الأسر وجميع المؤسسات الخاصة، سواء الدينية أو الثقافية أو الاقتصادية، كما يضم أيضًا الأحزاب السياسية واتحادات العمال، وجميع أشكال التنظيم والمقاومة التي تمارسها الطبقات المستغَلة. إن النضال الرامي إلى القضاء على الهيمنة البرجوازية يجب خوضه داخل المجتمع المدني، عن طريق تطوير الهيمنة المضادة للطبقات الخاضعة للاستغلال والسيطرة” Farsoun and Fort 1992, 8)).

وبالكتابة عن المجتمع الإيطالي، أدرك جرامشي أن الأسرة والكنيسة مؤسستان من مؤسسات السلطة، تمتد جذورهما بعمق في الحياة اليومية؛ وهو الأمر الذي أضعف قدرة الرأسمالية على أن تحقق الهيمنة، أو تحكم عبر الإجماع. وكانت الإجابة عند جرامشي تتمثل في ثقافة ماركسية جديدة يجب تحقيقها من خلال رسائل ثقافية ثورية، ومؤسسات ومنظمات وروابط مضادة، على أرضية المجتمع المدني (Cohen and Arato 1992, 640).

وترى النزعة الاقتصادية الماركسية الصارمة أن الاقتصاد كان بمثابة البنية، وأن الدولة وغيرها من المؤسسات الاجتماعية كانت جزءًا من البنية الفوقية. وعلى سبيل المثال، كان المجتمع المدني في النظام الرأسمالي يتكون من العلاقات الإيديولوجية – الثقافية للحكم البرجوازي، ولا يتمتع بوضع مستقل. لقد كان جرامشي مبتكرًا في قدرته على البقاء ماركسيًا، بينما يتجاوز الجهاز المفهومي للبنية والبنية الفوقية. لم يكن المجتمع المدني لدى جرامشي مجرد وظيفة للشروط الاقتصادية، وإنما كان يتمتع بشكل ودينامية خاصتين. يمكن فالكنائس والأسر والاتحادات والروابط المدنية، وما على شاكلتهم، يمكنها العمل خارج ضرورات البنى الاقتصادية، مع توليد طرق بديلة لتنظيم الحياة اليومية. وهناك طبقة بعينها كان تفوز بذلك لقدرتها على جعل مصالحها عامة (الهيمنة)، مع إمكانية الإبقاء على أنفسهم خارجها كانت متوفرة. لقد نجح جرامشي في تمييز المجتمع المدني عن الاقتصاد، ثم أقام وضعًا أنطولوجيًّا مستقلاً، وإن كان مرتبطًا, للمجتمع المدني في علاقته بالاقتصاد.2

ينظم الناس أنفسهم داخل المجتمع المدني لتقديم رؤية بعينها للعالم أو للعمل داخله. وقد يقترن هذا البعد الاستراتيجي بفهم جرامشي حول انفتاح مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني أمام عديد من الفاعلين السياسين. ويضم البعد الاستراتيجي نوعًا من السياسة الاجتماعية الثقافية التي يصوغ بموجبها الأفراد والجماعات غرضًا مشتركًا، ويوجهون جهودهم نحو المؤسسات والمنظمات التي لا تتبع الدولة بغية تكييفها أو إعادة تأسيسها لتقديم مصالح بعينها. وتحاول الجماعات التي تنشأ داخل المجمع المدني تسييس الجماعات النظيرة من خلال حرب الموقعغير العنيفة التي يطرحها جرامشي.

وعلى مستوى أقل تعمدًا، يعمل المجتمع المدني بوصفه شكلاً من أشكال الحكم، عن طريق تشكيل المصفوفة المؤسسية، أو ما يُطلق عليها الابستيمة، للمجتمع. وكما أشار فوكو وغيره، تسن المجتمعات سياسات عامة أو نظامًا للحقيقة(1977, 130-131) (truth). وهو ما يتضمن طرقًا للفهم والممارسات مطمورة من خلال عادات، وأعراف، وشعائر الفاعلين تجعلهم يتمتعون بوضعية افتراضية. وكما وضع فوكو الأمر: “يضم أي مجتمع العديد من علاقات القوى التي تتخلل وتصف وتُشكل الجسد الاجتماعي. وعلاقات القوى هذه لا يمكن في حد ذاتها ترسيخها وتعزيزها، كما لا يمكن تنفيذها، دون التاج وتراكم وتوزيع وتوظيف الخطاب” (1977, 93). إن كثرة الأنشطة البشرية في المجتمع المدني تقود إلى توليد جزئي لمثل هذا الخطاب. ويجب تأكيد تقاطع مثل هذه الأنشطة وتشكلها عن طريق الدولة والمشاريع الاقتصادية. ومع ذلك فإنها تقوم بدور في تعزيز وتطوير فهم وممارسات بعينها تتخلل الحياة اليومية وتنظمها.

في إطار رؤية جرامشي للمجتمع المدني، والذي أكده فهم فوكو لسلطة غير الدولة, يمكننا أن ندرك كيف تظل الأسرة والشبكات والرؤى المعيارية البديلة جزءًا لا يتجزأ، وإن كان خلافيًّا، من المجتمع المدني المصري. إن مدونات السلوك والأعراف والقيم التي تنشأ أو تتمفصل داخل المجتمع المدني، ونتناولها بالمعالجة أدناه، توفر العديد من القواعد التي تًشكل سلوكيات وتوقعات واسعة الانتشار. ويمكن القول، من خلال رؤية فوكو، أنها تُشكل خطاب الحياة الجماعية. إن الشبكات الثقافية والاجتماعية الموجودة في مؤسسة الأسرة، وتكتسب شرعيتها من نظام معياري، تعمل على تنظيم السلطة على المستوى المنزلي داخل تشكيلات بعينها تعزز الاستقلال الذاتي وتعددية المجتمع المدني Cohen and Auto 1992, 345-346)).

إن هذا الملخص الموجز للخطاب السياسي الغربي حول المجتمع المدني يؤكد موقع الأسرة والشبكات في المجتمع المدني، والمواقع المعيارية التي تشكل أساس هذا الموقع. على أن هناك انقطاعًا بين النظرية المبتكرة والبحث الإمبيريقي، عندما يتحول التركيز نحو الشرق الأوسط. يجري نبذ الأسرة والقبيلة والشبكات غير الرسمية باعتبارها أشكالاً قبل سياسية (Zubaida 1998)، بقايا المجتمعات التقليدية أو ارتباطات بدائية من شأنها أن تذبل مع الحداثة أو الاشتراكية، لأنها تقيد المجتمع الإنتاجي، وتُعد السبب الجذري للثقافة السلطوية والسياسية البطريركية، والقاعدة التأسيسية العملانية السلطوية Roniger 1994))، أو البيئة المؤسسية لاستراتيجيات البقاء أو التكيف التي تعزز التدرج الهرمي والسيطرة Bayat 1998, 1997)). هذا النوع من البحوث يُضفي امتيازًا إلى حد كبير على المنظمات الرسمية والقانونية أو الحركات المعارضة، تاركة الروابط غير الرسمية خارج الصورة بالكامل تقريبًا. وكما يطرح نورتون (Norton): “المجتمع المدني عبارة عن خليط من الجمعيات والأندية والطوائف والنقابات والاتحادات والأحزاب والجماعات التي تتجمع كحاجز بين الدولة والمواطن Norton 1995, 7)). هذا الخليط من الجمعيات والأندية والطوائف والنقابات والاتحادات والأحزاب والجماعات التي نالها تفحص مدقق من جانب محللي المجتمع المدني في الشرق الأوسط، بينما درس قليلون أنماطًا أخرى من المؤسسات أو الاستراتيجيات التي تُشكل حاجزًا” (buffer) بين الدولة والمجتمع مثل الأسرة والآليات غير الرسمية (للإطلاع على أمثلة حول النهج الأخير، انظر/ ي Grey 1998 Akam 1998; White 1996, Carapico 1998; Wiktorowicz 2001; Joseph 1993).3 على أن الحواجز (buffers) لا تتخذ قالبًا روابطيًّا رسميًا فحسب.

ومن الغريب أن هذه المناقشات والبحوث المتعلقة بالمجتمع المدني التي لا تزال تتجاهل الأسرة والشبكات، لا تزال مُثقلة بالإدانات والتجاهل، سواء في مصر أو في غيرها من بقاع المنطقة. هذا، على الرغم من أن الأسرة تُعتبر مؤسسة اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية قوية في هذا الجزء من العالم؛ إلا في أي مكان آخر يمكننا أن نتوقع أن مؤسسة الأسرة التي تتسم بمرونة شديدة في الشرق الأوسط، على وقد يدفع الباحثين إلى الاقتناع ببعدها السياسي. كما يبدو واضحًا أن القرابة لا تزال أساس الحكم السياسي في كل من المغرب، والأردن، والعربية السعودية، والكويت، والأمارات، وعمان، والصومال الخ، وأن السياسات العائلية تلعب دورًا مهيمنًا حتى داخل العديد من النظم العلمانية أو القومية مثل: مصر، واليمن، والعراق، وإيران، والسودان، وسوريا، وليبيا، الخ (انظر/ ي Anderson 1991: Herb 1999; Khoury and Kostiner 1990; Carapico 1998)، ويبدو واضحًا أن السياسات على مستوى النخبة محملة مُشربة بعلاقات القرابة، مثل نهوض جمال مبارك في مصر، وبشار الأسد في سوريا. لماذا إذن يخفق عادة أغلب الباحثين عن رؤية الدلالة السياسية للأسرة، وينكرون مكانتها داخل المجتمع المدني؟

ومما يثير المفارقة، أنه على الرغم من العجز النظري عن الإقرار بالأسرة والشبكات غير الرسمية كمؤسسات سياسية، فإن نطاقًا واسعًا من الحركات الإيديولوجية المختلفة المعارضة للكولونيالية والإمبريالية، ومؤخرًا للعولمة والهيمنة الأمريكية والتغريب والاحتلال العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، يضع الأسرة في مركز استراتيجياته المعارضة. وكما تجادل بايدار (Paidar)، فيما يتعلق بإيران، أصبحت الأسرة والنساء موضوعًا لنضال السلطة في المعركة بين القوى العربية المتدخلة والقوى المحلية المقاومة. وفي ظل هذه البيئة، أصبحت النساء حصن الهوية الإسلامية والمسؤولات عن الحفاظ على الأصالة الثقافية (1995, 23). لقد سعت النظم القومية والحداثية والعلمانية ومؤيديها في الشرق الأوسط إلى تحول مؤسسة الأسرة والعلاقات بين الجنسين من أجل تطويرمجتمعاتهم، وخلق الرجل الحديث والمرأة الحديثة في سياق هذه العملية (انظر/يHatem 1986, 1988))، وتقوم بارثا تشاترجي (Partha Chatterjee) بتذكيرنا بالعنف والموارد المستخدمين في بعض المبادرات الرأسمالية والحداثية للقضاء على التقاليدوالمجتمع المحلي” (1990, 128)” . وعلى الرغم من هذه الاستراتيجيات التي انتقلت إلى الأسرة عن طريق المصالح المتنافسة والمتباعدة، فإن نطاقًا يثير الدهشة من الروابط التطوعية العلمانية، والأحزاب السياسية، والساسة، وجماعات المصلحة، والروابط الخاضعة لرعاية الدولة بما يُشكل نمطيًا أساس المجتمع المدني لايزال تحافظ على منطقة سياسية رئيسية عمياء تنكر الأسرة كموقع للسلطة وقضاء لتحقق السياسة.

تتضمن إحدى جوانب المجتمع المدني، والتي تحظى باتفاق واسع النطاق، أشكالاً من الاتصال الجماهيري التي تتيح إمكانية الخطاب الحر، والمفتوح، والمتسامح Cohen and Arute 1992, ix) )، وفقًا لهابرماس (Habermas)، تكمن فكرة المجال العام في وجود كيان من ’الأشخاص الخاصين‘ الذين يجتمعون لمناقشة الأمور ذات ’الاهتمام العام‘ أو ’المصلحة المشتركة‘. ويتمثل هدف هذه المجالات العامة في التوسط بين المجتمع والدولة [حيث تعرضت الإطلاقية (absolutism) للهجوم] من خلال مساءلة الدولة أمام المجتمع عبر النشر العلني” (Fraser 1992, 112; Calhoun 1992)، ويوجد في مصر مجال عام بديل مضاد يتمتع بدرجة كبيرة من الحيوية (يستخدم الآخرون مصطلح المجال العام المضاد المهمش (subaltern))، وقد أطلقت عليه اسم روح الأسرةالتي تعزز الاتصال الذي يجري خلاله التحدث بحيث يُشكل مسرحًا للنقاش والحوار والتفكير” (Fraser 1992, 110). ومثل المجتمعات المحلية المُهمشة والمُستبعدة في أماكن أخرى، تُعد ممارساتها وروحها بمثابة علامات على ‘التمايز’ بالمعنى الذي طرحه بورديو Bourdieu))، بما يدعم القواعد البديلة للتحدث والمشاركة والصراع “( contestation) (Ely 1992, 114). وبينما تعزز الدولة خطابها، في محاولة (ليست ناجحة بالضرورة) لخلق فاعل طيع وسهل الانقياد، تحاول الأسر والمجتمعات المحلية خلق مناخ أو بيئة مناسبة لتعزيز التضامن والنظام والتبادلية. وعلاوة على ذلك، نجد أن المواقف الأبوية والنخوبية والطبقية والمتعصبة جنسيًّا والعنصرية (في بعض الأماكن) لبعض قادة الجمعيات عادة ما تثبط همة مشاركة نساء ورجال الجماعات الخاضعة في المجتمع؛ وفي مصر بوجه عام الطبقات العليا والوسطى، فضلاً عن الطبقات المرتكزة على الدولة هي التي تهيمن على الجمعيات الرسمية.

تتمثل الأطروحة هنا في أن الروح الأسرية تتجاوز المفهوم الثقافي، إذ تُنتج داخل بيئة بنيوية وسياسية خاصة، حيث تتسم شرعية الدولة وسلطتها بالالتباس، وحيث الحرية في تكوين الروابط محددة بوسائل قانونية وغير قانونية. وتُذكرنا آن نورتون (Anne Norton) بأن لا شيء خارج الثقافةوأنه وفقًا لأطروحة ويتجينشتاين (Wittgenstein) “المعنى يصبح من خلال الممارسة” (2004, 5). إن الروح الأسرية التي أنتجها الشعب تدعم قنوات التحكيم وحل النزاع والمساعدة الاقتصادية والتعاون في المجتمع المحلي، كما يجري إنتاجها وإعادة إنتاجها يوميًّا. وتشتمل الكثير من القيم والأخلاقيات التي تسعى إلى تأكيدها على إعادة الإنتاج المستمرة للأسرة، والتي تحتل موقعًا مهمًا في المجتمع المصري.

هناك نقاش دائم حول الأخلاقيات واللياقة في المجتمعات الشعبية، وخاصة فيما يتعلق بسلوك النساء الجنسي والأخلاقي، والذي ينظم الحياة اليومية وينخرط الناس في حوارات وصراع (contestation) حوله. إن التفاوت بين النظرية والممارسة يُعد أمرًا شائعًا، ويعكس تناقضات والتباسات في الحياة اليومية والسياسة. وبمعنى مشابه، فإن القوى التي كانت مسؤولة عن توحيد الأسر في ظل ظروف معينة، قامت بتقسيم الأسر في ظل ظروف أخرى، فضلاً عن استخدام العار والعنف والمال عادة كآليات وضع الروح الأسرية موضع تنفيذ. وعلى الرغم من إصرار الناس علانية على نوع معين من السلوك يكون متوقعًا من الرجل أو المرأة في لحظة بعينها في تاريخ حياته / حياتها، فإن المجتمع المحلي يتسامح بالفعل مع نطاق عريض من السلوكيات والأفعال. على أن هناك تخطيات (transgressions) تنتج عنها مخالفة روح الأسرة فيعجز الفرد عن إيجاد زوج / زوجة أو وظيفة أو شقة، أو النجاح في التفاوض مع البيروقراطية، لأن شبكة الأقارب والجيران أو الأصدقاء لا تعتبر هذا الفرد شريفًا أو ناضجًا أو يمكن الاعتماد عليه، وتستبعده من الشبكات.

غالبًا ما تُحاط إعادة التفاوض حول السلطة والموقع بالمنافسة والصراع، وكثيرًا ما تحدث معارك علانية وأحيانًا على شكل أداء مسرحي يصيب سمعة الفرد العلنية ويقضي عليها أو يُحسنها. تختار المرأة سطح المبنى لتعلن الشكوى من زوجها، وتصرخ إذا ضربها. ويختار الرجل فترة هادئة في المساء ليصيح من الشارع مناديًّا زميله في الشقة ومعاتبته على عدم سداد القرض، بحيث يعلن للمجتمع كله أن الرجل غير شريف، بما يعني أن الجميع لن يقرضوه المال مرة أخرى. إن مثال النساء المطيعات والأطفال المطيعين، الذين يتسمون بالسلبية خوفًا من التعرض لتشويه السمعة أو تهديد مواردهم في الأسرة، لا يحظ بدعم من أي عمل ميداني حيث تقوم النساء والرجال والأطفال حماية مصالحهم على نحو خلاق وعلني حتى وإن لم يحققوا الفوز في كل معركة من معاركهم. تتوجه النساء عادة إلى أسرهم وكبار أفراد المجتمع المحلي الموقرين لدعمهن في خلافاتهن مع أزواجهن، حيث يتمثل هدف الأسرة الجماعي في الإبقاء على الزواج دون مساس وحماية كرامة الأسرة وسمعتها – فالأسرة، قبل كل شيء، تتولى نمطيًّا ترتيب الزيجات، والأسرة هي التي تعاني من الآثار الاقتصادية التي تترتب على الطلاق، حيث تتحمل دعم الابنة وأطفالها. وتوجه هذه المجتمعات المحلية موارد كبيرة نحو إعادة إنتاج الأسرة أو الزواج وسمعة الفرد وكذا الشبكات لا تكمن فحسب في العثور على زوج / زوجة، وإنما أيضًا تمويل التكلفة الباهظة للزواج في مصر. 5

إن قيم الناس وآرائهم وقلقهم وأهدافهم الاقتصادية ومصالحهم لا يقتصر التعبير عنها داخل جدران منازلهم. وهناك صدى لهذه القرارات التي يكررها الآلاف عبر أنحاء المجتمع المحلي والاقتصاد والأمة ككل، وتشكل نظامًا معياريًّا بديلاً: مجال عام مضاد لخطابات معيارية أخرى داخل مصر. ويجري السعي نحو المصالح المهمة للحفاظ على الأسرة داخل المجتمع المحلي الأوسع نطاقًا؛ مثل قضايا قانون الأحوال الشخصية الذي ينظم الزواج والميراث، والطلاق، وحضانة الأطفال، والبنية الاجتماعية والاقتصادية للأسرة المعيشية، والعلاقات الجنسية السليمة بين الرجال والنساء، والجريمة، والعنف الأسري، ومستوى المعيشة، وفرص العمل أو الافتقار إليها، وممارسات تربية الأطفال، والتغيرات التي تشهدها القوانين المدنية لتعكس المزيد من الأعراف الإسلامية، وأهمية الأمومة، والتعليم الديني، والمرأة العاملة، واحتشام النساء، عن طريق التليفزيون، والصحف الحكومية، والصحف والمجلات المعارضة والإسلامية، والتقارير الحكومية الرسمية، والدراسات التي تقوم بها المنظمات المحلية والدولية. ولم يتأسس في مصر بعد وفاق (consensus) حول العلاقة بين العام والخاص والمجالات الحكومية، ولا تزال توجد تساؤلات أساسية مطروحة حول الحقوق السياسية، والتمثيل، ومصدر السلطة الحكومية (الله, الرئيس، البرلمان، القضاء المستقل، الجيش، أو الحكم الدستوري). وهناك بالتأكيد مصالح مختلفة في المجتمع تملك تحت تصرفها موارد كبيرة لتعزيز وجهة نظرها – بما في ذلك الدولة, وبيروقراطيتها الحكومية الكبيرة، ووسائل الإعلام لكن المجتمعات المحلية، كما تحافظ على رؤيتها حول المجتمع الجيد وتحميها، تناقش وتتفاوض حول الاتجاه المستقبلي للبلد.

إنني لا أعني إضفاء الجوهرية على روح الأسرة باعتبارها فئة ساكنة ومتراصة (monolithic) من التفضيلات بالنسبة لجميع الناس وتحت جميع الظروف. بل هي تُعد بالأحرى مثال تُناقش حوله النزاعات المحلية والقومية وتوضع في سياقها. إن الرجال والنساء، حسب أطروحة وولين (Wolin)، يضعون الأسس والمبادئ العامة التي تصبح، عند اكتسابها للشرعية افتراضات مسبقة للممارسات وروح الممارسين” (1981, 402 – 403). وعندما يعزز الشعب الروح الأسرية، فإنه يشتك في أساس نظري مُظهرًا تفوق ومشروعية وكفاءة مجموعة من مبادئه التكوينية.

هناك طريقة أخرى لفهم الروح الأسرية في مصر، وعلاقاتها بالمجتمع المدني، وهي دراسة فكرة التعددية القانونية، أو حالة تعايش نظامين قانونيين أو أكثر في نفس المجال الاجتماعي، حيث يجري تعريف النظام القانوني باعتباره نظام المحاكم والقضاة الذي تدعمه الدولة، فضلاً عن أشكال ليست قانونية من الترتيبات المعيارية” (Merry 1988, 870; Santos 1985) (التشديد مضاف). إن إضفاء طابع إشكالي على القانون المصري، بإقرار الروح الأسرية والمقترحات المتعلقة بوجود العديد من الأفكار حول ترتيب الحق والعدل وطرق تحديدهما، والتي توجد في تفاعل ديالكتيكي، يتحدى والأفكار البسيطة حول مشروعية الدولة المصرية وقدراتها وسلطتها.

ومن بين الأمثلة الواضحة على التعددية القانونية في مصر، والتي تعتبرها الدولة تحديًا مباشرًا لسلطتها وسياستها، يمكن الإشارة إلى محاولة الجماعة الإسلامية وغيرها من النشطاء الإسلاميين في إمبابة خلال السنوات الأولى من التسعينيات، قامت الجماعة ليس فقط بنشر رسالتهم الدينية ومكانتهم السياسية، وإنما أيضًا لفرض أعراف وقواعد ومدونات سلوك بعينها علي ساكني إمبابة (منطقة شديدة الكثافة السكانية، مكونة من الإسكان غير الرسمي في مدينة القاهرة الكبرى، وتقع على النيل في محافظة الجيزة)، حتى وإن لم يدعموا الجماعة (انظر/ ي: Haenni 2005)). لقد اشترك الإسلاميون في حل نزاعات هذا الحي لسنوات، مع تنظيم وتقوية حركاتهم. وكانوا يروجون أيضًا لرؤيتهم الدينية حول الاحتشام والأخلاق والعدالة من خلال مختلف الأنشطة التعليمية والدينية والتموينية. وفي الوقت نفسه، استخدم الإسلاميون العنف ضد أفراد ذلك المجتمع المحلي الذين رفضوا إطاعة أوامرهم – حرق محلات الفيديو، وإجبار التجار المسيحيين على دفع نقود مقابل الحماية (مستندين في ذلك إلى الشريعة الإسلامية، فيما يتعلق بنقود الجزية التي كان المسيحيون واليهود يدفعونها بدلاً من أداء الخدمة العسكرية)، والتحرش بالنساء غير المحجبات ومهاجمتهم، وتدمير وتحطيم احتفالات الزواج غير الأخلاقيةلأنها تضم الرقص والمشروبات الكحولية Omar 1992, Hafez 1992)). إن هذا النظام المعياري، علاوة على تعاظم صفاقة هذه الحركة، قد أدى إلى حصارإمبابة في ديسمبر ۱۹۹۲، حيث استخدمت الحكومة عدد من القوات يتراوح بين 12.000 و 16.000 ألف من مختلف الفروع الأمنية من أجل تحييد” (pacify) المنطقة (Denis 1994; Singerman 1998; Salem 1992).

على أن الروح الأسرية لا تفرض بالتعريف أو بالضرورة – تحديًّا أمام الدولة، حيث إن أهدافها قد تعزز أو لا تعزز المبادرات البرنامجية للدولة. وبالتأكيد، تحتضن الدولة أحيانًا الروح الأسرية، من خلال استخدام فكرة الشرفوالتقاليد لتعزيز النزعة القومية والهوية المصرية. ومثلها مثل أي خطاب، تعمل الروح الأسرية داخل بيئة معقدة ومتغيرة، ولكن من المهم، ببساطة، الإقرار بهذه المنظومة المعيارية وبالمؤسسات والآليات التي يستخدمها الشعب للحفاظ عليها وتعزيزها.

في سياسات الحياة اليومية للقطاع الشعبي في مصر، يشارك النساء والرجال بعمق في تشكيل المؤسسات الجماعية التي تخدم احتياجات مشتركة عامة وخاصة. فمن خلال المؤسسات السياسية غير الرسمية، يخلق النساء والرجال فضاًء عامًا ويغزون ما يُعتبر تقليديًّا المجال العام، حيث يربطون الأفراد والمجتمعات المحلية بيروقراطيات الدولة والمؤسسات العامة والمؤسسات السياسية الرسمية. إنهم يقومون بتنظيم شبكات غير رسمية تتحرك داخل وخارج البيروقراطية ومكاتب الساسة، والمؤسسات الدينية، والروابط الخيرية والتطوعية الخاصة، وأماكن العمل, والأسر المعيشية، والأسواق، والمدارس، وعيادات الصحة، والأسر الممتدة والجوار – لتلبية الاحتياجات الفردية والجماعية. إن الأنشطة غير الرسمية – سواء الاقتصادية أو السياسية – هي تلك الأنشطة التي تفلت من الترخيص والقواعد، وحتى من تعداد الدولة، وبالتالي يصبح وضعها غير أو شبه قانوني.6 وبحكم طبيعتها غير الرسمية، تقع تلك الأنشطة خارج الإشراف المباشر والقواعد المباشرة للقوانين التي تنظم الروابط الرسمية في مصر.7 على أن هذه الأنشطة لا تتمتع، في الوقت نفسه، بالحصانة في مواجهة الدولة، نظرًا لأن الدولة يمكنها أن تستخدم سيارات البلدوز لتدمير التجمعات السكنية غير الرسمية غير القانونيةأو تعتقل وتسجن وتعذب أفراد المنظمات غير الرسمية.

وتتمتع هذه الشبكات بالانتشار، والمرونة، والكفاءة، كما تتمتع الطبقات والوظائف والمجموعات العمرية وجماعات القرابة الممثلة في شبكات بعينها بنطاق واسع ، حيث تزداد فاعليتها بإدماج أناس من مختلف الصفات، والانتماءات العليا والدنيا، ومجموعة من الموارد والاتصالات إلى الشبكة. وعلى الرغم من أن الشبكات غير الرسمية موجه نحو تلبية أغراض أساسية، مثل الحصول على الغذاء أو الوظائف أو الادخار، فإنها يمكن أن توجه أيضًا نحو تعزيز المصالح العامةللمجتمع المحلي، مثل الانضباط واللياقة. وتعمل هذه الشبكات على تلبية احتياج سياسي في المجتمع المحلي، عبر تمثيل وتعزيز مصالح الشعب الذي لا يتمتع بنفوذ مباشر على النظام السياسي الرسمي بعد عقود من الحكم الاستبعادي. كما إن الشبكات المرتكزة على القرابة التي تُعتبر القرابة ملمحًا مركزيًّا لهذه الشبكات بشكل عام – ليست بقايا تاريخية لعصر كان الحكم الأسري يمثل النظام السياسي، لكنها مصدرًا إيجابيًّا مستمًر يربط بين الأفراد ويحميهم من التدخل الخارجي أو التغيير السياسي والاقتصادي غير المتوقع (انظر/ ي: Joseph 1983). إن الشبكات غير الرسمية تربط الأقارب بمن لا يعرفونهم من الناس، وبأفراد المجموعات الخارجية” (Out-groups) فضلاً عن المجموعات الداخلية (in-groups). كما يمكن أيضًا دعم عدم المساواة الاجتماعية والسياسية من خلال الشبكات غير الرسمية. لقد ازدادت قوة الشبكات، حيث ازدادت كثافة؛ نظرًا لإدخال أنواع أكثر من الجماعات المهنية والموارد والناس والمعلومات المختلفة إليهم. وبهذا المعنى، تُجسد هذه الشبكات رأس المال الاجتماعي أو ملامح التنظيم الاجتماعي الذي يمكنه الارتقاء بكفاءة المجتمع من خلال تيسير تنسيق العمل” (Putnam 1993, 167)، وفي واقع الأمر، المجتمع المصري مغمور في رأس المال الاجتماعي، على أن أي سرد من شأنه تمجيد رأس المال الاجتماعيفي مصر يُعد إشكاليًّا، إذا ما أدى إلى تقليص دور الدولة في تقييد السياسات الرسمية والقانونية والحد منها بحيث تقتصر على مجالات بعينها. في مصر، هناك أغراء تفسير انتشار وأهمية الشبكات غير الرسمية والأعراف والثقة كقضية ثقافية، لكنها ترجع إلى الميراث التاريخي للاستبعاد السياسي المتعمد من جانب الدولة، حيث تفيد بعض مواطنيها وتضر بالآخرين. وليس التاريخ ما يخفف بعض المسارات ويغلق البعض الآخر” (حجة التبعية في المسار) وليست الثقافة القديمة لعدم الثقة” (حجة طريق التبعية)، لكنها الدولة وسياساتها للاستبعاد السياسي هي ما تُشجع على تشكيل رأس المال الاجتماعي والمحافظة عليه Putnam 1993, 180, 146))، ومرة أخرى، على حين تظل مصر نظامًا سلطويًّا بوجه ديمقراطي، فإن السياق البنيوي للسياسات الرسمية والقانونية هو ما يفسر جزئيًّا الجهود الفردية والجماعية الكبيرة التي تبذلها النساء والرجال من أجل إنشاء مؤسسات سياسية غير رسمية، يقع مركزها في الأسرة والشبكات غير الرسمية، بغية تحقيق أهدافهم ومآربهم.

إن بناء المجال العام يتحقق من خلال بناء مجال أوسع من الشبكات الاجتماعية. والشأن الخاص / الشخصي يُعد مجالاً لا تتسم أفعال شخص أخر فيه بالأهمية أن وجود المجال العام تفترض مسبقًا وجود معايير أخلاقية مشتركة والإحساس بمجتمع أخلاقي.

Barrington Moore, Jr. (1984, 27, as quoted in Chmielewski 1991, 271).

إن الروح الأسرية السلوك الأخلاقي والاهتمام باللياقة تنتشر، ويمكن المحافظة عليها من خلال شبكة تنظيمية غير مرئية من الشبكات غير الرسمية في مصر. ويجري بهذا الأسلوب بناء مجال عام أوسع. وتُشكل هذه الشبكات ما أسماه هافل (Havel) السياسة (polis) الموازية أو المجتمع غير الرسمي وغير البيروقراطي والدينامي والمنفتح. حيث كشف في تشيكوسلوفاكيا عن ضعف الدولة وقلت بنية السلطة رأسًا على عقب. وقد استغرق في التفكير متسائلاً عن مستقبل بلده: أليست ‘السياسة الموازية’ نوعًا من التشكيل المسبق البدائي، نموذجًا رمزيًّا من تلك البني السياسية ’مابعد الديمقراطية‘ الهادفة، والذي يمكن أن يصبح أساسًا لمجتمع أفضل (Havel 1985, 95)؟

ويشير مراقب آخر للمجتمع المدني أن المجتمع المدني يسهم في ملاءمة الخلافات في المصالح والحساسيات. إنه يربط بين الأناس المتباعدين في إطار مجتمعات محلية تقوم على المسؤولية المتبادلة، والتي يتم التعبير عنها في ارتباطات متبادلة من الثقة، والاعتبار والإحراج” Bryant 1995, 147))، الشبكات غير الرسمية، التي تربطها روح الأسرة, تنبني على الثقة والتضامن والتبادل والتعاون المشترك (للإطلاع على مناقشة حول رأس المال الاجتماعي وعلاقته بالمشاركة المدنية، انظر/ ي: (Putnam 1993; Coleman 1988; and Foley and Edwards 1996). وبالتالي، ففي السياق المصري، وغيره من الأماكن، يجري إنتاج وإعادة إنتاج الكياسة من خلال الشبكات غير الرسمية في المجتمع المدني.

إن ما يجعل التفاعلات العرضية (horizontal) المقترنة بالحكومة المحدودة واقتصاد السوق مدنية” – وفقًا للتقييم الليبرالي هو أن الأعراف المجتمعية تنشأ داخل المجتمعات ومدونات السلوك وتفترض طابعًا ودودًا. وتنبع هذه الفكرة من أفكار التنوير الاسكتلندي التي تطرح أن الأخلاق والتعليم وخبرة ما يُسمى الحضارةتشجع الناس على التعامل بقدر معين من اللياقة والتسامح. وتعترف بوجود حساسية بعينها بين الناس، ويمكن تكريسها لخير المجتمع والحفاظ عليها لتحقيق الإثراء الفردي من خلال الاحترام المتبادل على أوسع نطاق. وعلى الرغم من وصف دماثة المتعلم (literate) من حيث الأساس، فإن المدنية قد أصبحت منذ ذلك الحين تقترن إمكانًا بجميع أنواع التفاعل الاجتماعي المتواصل الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي (Bryant 1995). وعندما يستمر ارتباط الناس بعضهم ببعض، يبدو الأمر كما لو أنهم يحرثون الأخلاق ويمارسون نوعًا من التعليم ويعرضون أنفسهم إلى عناصر الحضارة. وعلى هذا النحو, فإنهم يطورون إحساسًا ضمنيًّا بالثقة الاجتماعية والاعتبار المتبادل الذي يربطهم في نوع من ’المجتمع‘ (Perez- Diaz 1995, 82). وتُعد الكياسة الجانب الداخلي من هذا المجتمع. إنها المجموعة الذهنية الجماعية التي يمكن أن تظهر عندما يكون الناس أحرارًا في التجمع لتحقيق أغراض مشتركة.

ومن منظور أكثر معاصرة، وخاصة في المناقشات حول الديمقراطية والمجتمع المدني، فإن المدنية تقضي ضمنًا بالتسامح، واستعداد الأفراد لقبول الآراء السياسية المتباينة والمواقف الاجتماعية المختلفة؛ وقبول الفكرة عميقة الأهمية بشأن عدم وجود إجابة صحيحة” (Norton 1995, 11). وبينما يجادل نورتون أن الكياسة تُعد نوعية مفتقدة في أجزاء كبيرة من الشرق الأوسط، فإنني أجادل أن الشبكات غير الرسمية تعززها، بدعم من أعراف الثقة والتبادلات المشتركة، والتبادلية (Norton 1995, 12)، وتبدو الكياسة، في المجتمع السياسي والدولة، ناقصة بوضوح في كثير من الأمم الشرق أوسطية، لكنها تحيا داخل المجتمع المدني، وأحيانًا يخدم هذا النظام الأخلاقي بوصفه نقدًا ضمنيًّا أو صريحًا للنظام، وخاصة مع ظهور فرص سياسية جديدة (انظر/ ي: Tarrow 1994).

وفي مصر، ينخرط نطاق من المؤسسات والروابط في معارك الهيمنة انخراطًا عميقًا. وبالرغم من سيطرة الدولة المصرية، فإنها ليست دولة هيمنة على الإطلاق. وهناك العديد من التحديات التي تواجه الدولة وشرعيتها، مثل: القوى الإسلامية المعارضة، والضغوط الاقتصادية الدولية والمحلية النابعة من العولمة والتعديل الهيكلي، واحتلال العراق، وتصاعد الحركة المعارضة المنظمة، والانتقادات الثقافية والأخلاقية التي تتحدى الدولة وشرعيتها. ومع ذلك ونظرًا لأن الدولة والمجتمع المدني هما مكونان يشكل كل منهما موقع الآخر، رغم تمايزهما تحليليًّا، فإننا لا يمكن أن نتوقع مجتمع مدني قوي من دولة مضطربة. فالمجتمع المدني لا يمكن أن يسير بمفرده، ولا توجد دولة يمكنها أن تستمر لفترة طويلة إذا كانت في حالة اغتراب كامل عن المجتمع المدني Walzer 1991, 301)). وقد طرحت لانجور (Langohr) نقطة مماثلة في تشخيصها الكئيب للمقرطة، عندما تجادل أن هناك كثير من مؤسسات المجتمع المدني في مصر، وإن كان مع قدر غير كاف من السياسة. لازالت الأحزاب السياسية ضعيفة وتفشل في تعبئة قطاعات واسعة من المجتمع. أن تركيز منظمات المجتمع المدني على قضية منفردة، وافتقادهم الديمقراطية الداخلية، والارتباط بالتمويل الأجنبي والطبيعة غير التمثيلية تعوق نموهم وتجعلهم غير فاعلين (انظر/ ي: Langohr 2005).

ومن أجل فهم تغير نماذج (modalities) السلطة في مصر والشرق الأوسط، علينا أن نوسع، على الأقل، من مفهومنا حول المجتمع المدني بحيث يشمل الأسرة والشبكات غير الرسمية والمجالات العامة المضادة. في العراق، سرعان ما نشأت الجماعات الدينية والجماعات القبلية القائمة على القرابة لشغل الفراغ الذي تركه رحيل دولة البعث وقواتها المسلحة. ولا يزال المقاتلون الاجانب والمحليون في مقاومة قوات الاحتلال الامريكي بوضوح وعنف، مع تكلفة باهظة من السكان المدنيين والقوات العراقية والأمريكية. كيف جرى تنظيم هذه القوات بشكل جيد بحيث أصبح بإمكانها الاستمرار في شن الهجمات والفوز بكثير من المؤيدين في الوقت نفسه؟ لقد قال لنا كثير من الباحثين والناشطين أن دولة صدام حسين البعثية طمست التضامن غير الحزبي، لكن المسألة ليست كذلك. وعلى حين نرى إنجازات متواضعة في الانتخابات البرلمانية، وطاقة ثورة الأرز في لبنان عام ٢٠٠٥، أو الانتخابات الرئاسية في مصر التي سمح فيها أخيرًا حسني مبارك للمنافسين بدخول الانتخابات (لكنه لم يسمح لهم بالموارد التنظيمية أو الإعلامية أو القانونية أو المالية التي تتيح لهم الفوز)، فإننا لا نزال نرى حيوية سلطة المؤسسات الأسرية والشبكات في أنحاء المنطقة كافة.

إن الشبكة العنكبوتية المعقدة الخاصة بالجماعات تقع في قلب الحركة الإسلامية التي لاتزال قوية، وتُعد أساسية لفهمها، ولا تقتصر الشبكات على كونها أكثر الوسائل حيوية لبناء حركات لأي اتجاه سياسي داخل البيئة السياسية الراهنة، لكنها تُعد أيضًا مسارات نقل رئيسية للهوية الجماعية، لرسم الأفكار، والمشاعر، والحركة المنعكسة، في ظل اجتياز التراتبيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وأخيرًا، لا نعني بهذا التحليل الاحتفاء بهذه الظاهرة، وإنما فهمها تحليليًّا واستكشاف معناها.

*Diane Singerman. “The Family and Community as Politic: The Popular Sector in Egypt”, The Family and Community as Politics: the Popular Sector in Egypt, Diane Singerman and Homa Hoodfar, eds. (Bloomington: Indiana University Press, 1996).

1- لقد استخدم السرد التاريخي الاستشراقي افتقارالمجتمع المدني في الشرق الأوسط إلى مبررات الإمبريالية والكولونيالية والاشتراكية والرأسمالية (انظر/ ي (Turner 1978 ,1984 Patricia Springborg 1992; Lapidus 1967, 1970). ومع ذلك، حصلت الطرق التي سلكتها المؤسسات الإمبريالية والكولونيالية لتشويه أو تدمير البنى والمؤسسات الاجتماعية والسياسية الأصلية، على قدر أقل من الاهتمام في التقييمات التي تناولت الاستبداد الشرقي والمجتمع الإسلامي في القرن 19 أو ٢٠، مما أتاح للنخب الكولونيالية والإمبراطورية الجدال بأن القوى الأصلية لم تكن مستعدةبالفعل للحكم الذاتي.

2- إنني مدينة إلى بول وابنر (Paul Wapner) لبصيرته وبحوثه حول المجتمع المدني، انظر/ ي:Wapner 1995, 1996, 2000

3- يكشف تحليل نورتون (Norton) عن توتر مألوف في البحوث التي تدور حول الأسرة والمجتمع المدني. فمن ناحية، تحظى الأسرة بالتقدير باعتبارها قاعدة ممكنة للعمل السياسي؛ لكننا نجد، من الناحية الأخرى، أن استخدام لغة الحداثة أو النظرية الماركسية لتوصيف الأسرة والعشيرة والطائفة باعتبارها مصدراً للانقسام الاجتماعييُشجع الباحثين على استبعاد هذه المؤسسات من المجتمع المدني أو اعتبارها جزءًا خطرًا وإشكاليًّا من أجزاء المجتمع المدني (1995, 6)

4- يجادل مغروي أن إنكار الهوية والسمات الأصلية الأساسية اشتركت فيه النخب الليبرالية المصرية قبل ثورة الضباط الأحرار عام ١٩٥٢ والكوادر الجديدة للنظام الناصري بعد وصولها إلى السلطة، حيث كانت تجادل من أجل الاشتراكية العلمية، والتنمية، والمشروع الحداثي 1992 انظر/ ي أيضًا Ghannam 2002 للإطلاع على تفسير رؤية الرئيس السادات للحداثة وكيف أضفت شرعية على استيلاءه على شريط مهم من الأرض على النيل في بولاق لبناء فنادق فخمة وأبنية حكومية، مما أدى إلى ضرورة نقل سكان المنطقة إلى مناطق سكنية بعيدة تابعة للقطاع العام في أواخر السبعينيات).

5- وجدت دراسة حديثة، ترتكز على بيانات قومية، أن تكلفة الزواج كانت تمثل تحديًّا هائلاً للأسر المصرية، حيث بلغت في المتوسط ٢٠،١٩٤ جنيهًا مصريًّا (5،957 دولارًا أمريكيًا في منتصف التسعينيات). لقد كانت مجمل تكلفة الزواج أعلى بمقدار أربعة أضعاف ونصف عن الناتج القومي الإجمالي للفرد. وقد بلغ متوسط تكلفة الزواج على المستوى القومي 11 ضعف إنفاق الأسرة المعيشية السنوي للفرد، وبلغ متوسط تكلفة الزواج للأسر المعيشية الريفية التي تعيش تحت خط الفقر 15 ضعف إنفاق الأسرة المعيشية السنوي للفرد (Singerman and Ibrahim 2001).

6- كلمة غير رسميمستعارة من مفاهيم الاقتصاد غير الرسمي (Hart 1973; Rakowski 1994; Castells and Portes 1989)، وبينما ينكر بعض الباحثين أن هذه الأنشطة هي، في واقع الأمر، أنشطة سياسية (Bayat 1997, 5-7; 1998; Zubeida 1998)، فإن سلوك الدولة ونخبتها ومختلف وكالاتها البيروقراطية يطرح، على خلاف ذلك، نظرًا لسعيهم إلى الحد من كثير من هذه الأنشطة أو تقييدها، أو على الأقل تنظيمها والإشراف عليها أو اختيارها.

7- هناك علاقة سيموطيقية بين الشبكات غير الرسمية والأنشطة الاقتصادية غير الرسمية وفي المجتمع المحلي الذي تناولته بالدراسة في وسط القاهرة خلال منتصف الثمانينيات؛ فحوالي ٦٢% من سكانها الناشطين اقتصاديًّا ينخرطون في أنشطة القطاع غير الرسمي في واحد، على الأقل، من أنشطتهم الاقتصادية الأولية أو الثانوية أو الوسطية (انظر/ ي:Singerman 1995, 173-204). وعلاوة على ذلك، قامت الأسرة نفسها بدور اقتصادي مهم في المجتمعات الشعبية، حيث 48% من جميع المصادر غير الرسمية للدخل كانت مستمدة من مشروعات الأسرة كنشاط اقتصادي أولي، و١٩% كنشاط اقتصادي ثانوي. إن حجم الاقتصاد غير الرسمي لم يتقلص، وقد وجدت فيجنال (Vignal) ودينيس (Denis) أن منازل القطاع غير الرسمي، والتي تشكل أكثر من نصف سكان القاهرة، قد غطت ۸۰% من احتياجات السكن خلال العشرين سنة الأخيرة، ولا تزال تغطي 40% من الوظائف غير الزراعية (2006 أنظر/ ي أيضًا Denis and Sejourne 2002 ).

‫‪183‬‬‫‪Report.‬‬ ‫‪East‬‬ ‫‪Middle‬‬ ‫”‪State.‬‬ ‫‪the‬‬ ‫‪and‬‬ ‫‪Islamists‬‬ ‫‪“Egypt’s‬‬ ‫‪1993.‬‬ ‫‪Ahmed.‬‬ ‫‪Abdalla,‬‬

‫‪28-31.‬‬‫‪(July-August):‬‬ ‫‪Resource‬‬‫‪East:‬‬ ‫‪Middle‬‬ ‫‪the‬‬ ‫‪in‬‬ ‫‪Society‬‬ ‫‪Civil‬‬ ‫‪“Conceptualizing‬‬ ‫‪1998.‬‬ ‫‪Ayhan.‬‬ ‫‪Akman,‬‬ ‫‪the‬‬‫‪at‬‬ ‫‪Delivered‬‬ ‫‪Paper‬‬ ‫”‪Perspective.‬‬ ‫‪Orientation‬‬ ‫‪Social‬‬ ‫‪Versus‬‬ ‫‪Mobilization‬‬1998 American Political Science Association Annual Meetings, Boston, September.

Bayat, Asef. 1998. “Tomorrow God Willing: Self-Made Destinies in Cairo/Avenues of Participation: Family, Politics, and Networks in Urban Quarters of Cairo.” Third World Quarterly 19 (March): 153-154.

_____. 1997. Street Politics: Poor People’s Movements in Teheran. New York: Columbia University Press.

Bellin, Eva. 1995. “Civil Society in Formation: Tunisia.” In Civil Society in the Middle East, ed. Augustus Richard Norton, 120-147, vol. 1. Leiden: E. J. Brill.

Benhabib, Seyla. 1992. “Models of Public Space: Hannah Arendt, the Liberal Tradition, and Jurgen Habermas.” In Habermas and the Public Sphere, ed. Craig Calhoun, 73-98. Cambridge: MIT Press.

Bounds, Elizabeth. 1991. “Between the Devil and the Deep Blue Sea: Feminism, Family Values, and the Division Between Public and Private.” Journal of Feminist Studies in Religion 12 (Spring): 111-126.

Brown, Wendy. 1992. “Finding the Man in the State.” Feminism Studies 18:1 (Spring): 7-34.

_____. 1995. State of Injury. Princeton: Princeton University Press.

Bryant, Christopher G. A. 1995. “Civic Nation, Civil Society, Civil Religion.” In Civil Society: Theory, History, Comparison, ed., 136-57. John A. Hall. Cambridge: Polity Press.

Calhoun, Craig. 1992. “Introduction: Habermas and the Public Sphere.” In Habermas and the Public Sphere, ed. Craig Calhoun, 1-48. Cambridge, MIT Press.

Carapico, Sheila. 1998. Civil Society in Yemen: The Political Economy of Activism in Modern Arabia. Cambridge: Cambridge University Press.

Castells, Manuel and Portes, Alejandro. 1989. “World Underneath: The Origins, Dynamics, and Effects of the Informal Economy.” In The Informal Economy: Studies in Advanced and Less Developed Countries, eds. Alejandro Portes, Manuel Castells, and Lauren A. Benton, 11-37. Baltimore: The Johns Hopkins University Press.

Center for Human Rights Legal Aid (CHRLA). 1998. “Defending the Autonomy of Civil Associations: NGOs Position Paper on the Draft Law on Associations.” Cairo: 27 May.

Chatterjee, Partha. 1990. “A Response to Taylor’s ‘Modes of Civil Society.’” Public Culture 3 (Fall): 119-132. Chmielewski, Piotr. 1991. “The Public and the Private in Primitive Societies.” International Political Science Review 12: 267-280.

Cohen, Jean L. and Andrew Arato. 1992. Civil Society and Political Theory.

Cambridge, MA: The MIT Press.

Coleman, James S. 1988. “Social Capital in the Creation of Human Capital.” American Journal of Sociology 94 (S95-S120).

de Soto, Hernando. 1989. The Other Path: The Invisible Revolution in the Third World. Translated by June Abbott. New York: Harper & Row.

Denis, Eric. 1994. “La Mise En Scène des ‘Ashwaiyyat. Premier acte: Imbaba, Décember 1992.” Egypte/Monde Arabe, 20 (4e Trimstre): 117-132.

Denis, Éric, and Marion Séjourné. 2002. “ISIS: Information System for Informal Settlement. Report.” Participatory Urban Management Programme (Ministry of Planning & German Technical Co-Operation) & Observatoire urbain du Caire Contemporain (OUCC) – CEDEJ, Cairo.

Ely, Geoff. 1992. “Nations, Publics, and Political Cultures: Placing Habermas in the Nineteenth Century.” In Habermas and the Public Sphere, ed. Craig Calhoun, 289-339. Cambridge: MIT Press.

Farsoun, Samih K. and Lucia P. Fort. 1992. “The Problematic of Civil Society, Intellectual Discourse and Arab Intellectuals.” Unpublished paper, Department of Sociology, American University. Washington, D.C.

Foley, Michael W. and Bob Edwards. 1996. “The Paradox of Civil Society.” Journal of Democracy 7 (Summer): 38-52.

Foucault, Michel. 1977. Power/Knowledge: Selected Interviews and Other Writings, 1972-1977. Colin Gordon, ed. New York: Pantheon.

Fraser, Nancy. 1992. “Rethinking the Public Sphere: A Contribution to the Critique of Actually Existing Democracy.” In Habermas and the Public Sphere, ed. Craig Calhoun, 109-142. Cambridge: MIT Press.

Ghannam, Farha. 2002. Remaking the Modern: Space, Relocation, and the Politics of Identity in a Global Cairo. Berkeley: University of California Press.

Gray, Jefferson. 1998. “Civil Society in its Tribal Dicontents,” Paper Delivered at the 1998 American Political Science Association Annual Meetings, Boston, September.

Haenni, Patrick. 2005. L’ordre de caïds. Conjurer la dissidence urbaine au Caire, Paris: Karthala.

Hafez, Salah El-Din. 1992. “The Rise of the State of Imbaba and its Downfall.” Al- Ahram (December 16): 9.

Harik, Ilya. 1994. “Pluralism in the Arab World: Rethinking of Civil Society.” Journal of Democracy 5 (July): 43-56.

Hart, Keith. 1973. “Informal Income Opportunities and Urban Employment in Ghana.” The Journal of Modern African Studies 11: 61-89.

Hatem, Mervat. 1988. “Egypt’s Middle Class in Crisis: The Sexual Division of Labor.” Middle East Journal 42 (Summer): 407-422.

_____. 1986. “The Enduring Alliance of Nationalism and Patriarchy in Muslim

Personal Status Laws: The Case of Modern Egypt.” Feminist Studies 12 (Spring): 19-43.

Havel, Vaclav, et. al. 1985. “The Power of the Powerless.” In The Power of the Powerless, ed. John Keane, 23-96. Armonk, NY: M.E. Sharpe.

Herb, Michael. 1999. All in the Family: Absolutism, Revolution and Democracy in the

Middle Eastern Monarchies. Albany: State University of New York Press.

Ibn Khaldun Center for Development Studies. 1993. “An Assessment of Grass-Roots Participation in Egypt’s Development. A Study Presented to: UNICEF, UNFPA, UNDP, and Egypt’s Social Fund for Development.” Cairo. August.

Ibrahim, Saad Eddin. 1996. “Egyptian Law 32, On Egypt’s Private Sector Organizations: A Critical Assessment.” Ibn Khaldun Center for Development Studies Working Paper No. 3, Cairo, November.

Joseph, Suad. 1993. “Gender and Civil Society.” Middle East Report 183 (July- August): 22-6.

_____. 1983. “Working-Class Women’s Networks in a Sectarian State: A Political Paradox,” American Ethnologist 10 (February): 1-22.

Khoury, Philip S. and Joseph Kostiner, eds. 1990. Tribes and State Formation in the Middle East. Berkeley: University of California Press.

Kumar, Krishan. 1993. “Civil Society: An Inquiry into the Usefulness of an Historical Term.” British Journal of Sociology 44 (September): 375-395.

Lapidus, Ira M. 1967. Muslim Cities in the Later Middle Ages. Cambridge: Harvard University Press.

_____. 1970. “Urban Society in Mamluk Syria.” In The Islamic City: A Colloquium. Papers on Islamic History: I, eds. A. H. Hourani and S. M. Stern, 195-205. Philadelphia: University of Pennsylvania Press.

Langohr, Vickie. 2001. “Of Islamists and Ballot Boxes: Rethinking the Relationship between Islamisms and Electoral Politics.” International Journal of Middle East Studies 33 (November): 591-610.

_____. 2005. “Too much Civil Society, Too Little Politics? Egypt and Other Liberalizing Arab Regimes.” In Authoritarianism in the Middle East: Regimes and Resistance, eds. Marsha Pripstein Posusney and Michele Penner Angrist, 193-218. Boulder: Lynne Rienner Press.

Mackinnon, Catherine A. 1983. “Feminism, Marxism, Method, and the State: An Agenda for Theory.” In The ‘Signs’ Reader: Women, Gender & Scholarship, eds. Elizabeth Abel and Emily K. Abel, 227-256. Chicago: The University of Chicago Press.

Maghraoui, Adbeslam. 1991. “The Dilemma of Liberalism in the Middle East: A Reading of The Liberal Experiment in Egypt, 1920s-1930s.” Ph.D. Dissertation, Princeton University, Department of Politics, January.

_____. 2006. Liberalism without Democracy: Reinterpreting Egypt’s Failed Experiment, 1922-1936. Chapel Hill: Duke University Press.

Merry, Sally Engle. 1988. “Legal Pluralism.” Law & Society Review 22: 867-896.

Moore, Barrington Jr. 1984. Privacy. Studies in Social and Cultural History. Armonk, NY: M.E. Sharpe.

Norton, Anne. 2004. 95 Theses on Politics, Culture and Method. New Haven: Yale University Press.

Norton, Augustus Richard. 1995. “Introduction.” In Civil Society in the Middle East, ed. Augustus Richard Norton, 1-25. Vol. 1. Leiden: E. J. Brill.

_____. 1996. Civil Society in the Middle East, vol. 2. Leiden: E. J. Brill.

Okin, Susan M. 1991. “Gender, the Public and the Private.” In Political Theory Today, ed. David Held, 69-90. Stanford: Stanford University Press.

Omar, Nabil. 1992. “Imbaba’s Empire of Terrorism.” Al-Ahram (8 December).

Paidar, Parvin. 1995. Women and the Political Process in Twentieth-Century Iran. Cambridge: Cambridge University Press.

Pateman, Carole. 1983. “Feminist Critiques of the Public/Private Dichotomy.” In Public and Private in Social Life, ed. S. Benn and G. Gauss, 281-303. Canberra and London: Croom Helm.

Putnam, Robert D. 1993. Making Democracy Work: Civic Traditions in Modern Italy. Princeton: Princeton University Press.

Rokowski, Cathy A. ed. 1994. Contrapunto: The Informal Sector Debate in Latin America. Albany: State University of New York Press.

Roniger, Luis. 1994. “The Comparative Study of Clientelism and the Changing Nature of Civil Society in the Contemporary World.” In Democracy, Clientalism, and

Civil Society, eds. Luis Roniger and Aysa Günes-Ayata, 1-18. Boulder: Lyne Rienner Publishers.

Salem, Mona. 1992. “Police Detain 360 ‘Fundamentalists’ in Cairo.” Agence France

Press, Paris (9 December). FBIS-NES-92-238 (10 December): 19-20.

Santos, Boaventura De Sousa. 1985. “On Modes of Production of Law and Social Power.” International Journal of the Sociology of Law 13: 299-336.

al-Sayyid, Mustapha Kamil. 1995. “A Civil Society in Egypt?” In Civil Society in the

Middle East, ed. Augustus Richard Norton, 269-294. vol. 1. Leiden: E. J. Brill.

Schwedler, Jillian, ed. 1995. “Civil Society and the Study of Middle East Politics.” In Toward Civil Society in the Middle East? A Primer, ed. Jillian Schwedler, 1- 30. Boulder, CO: Lynne Rienner.

Singerman, Diane. 1995. Avenues of Participation: Family, Politics, and Networks in Urban Quarters of Cairo. Princeton: Princeton University Press.

_____. 1998. “The Construction of a Political Spectacle: The Siege of Imbaba or Egypt’s Internal Other.” Paper presented at a Conference on “The Role of the Local: Political Structures and Logics of Action in the Face of Liberalization.” CEDEJ. November. Cairo.

Singerman, Diane and Barbara Ibrahim. 2001. “The Cost of Marriage in Egypt: A Hidden Variable in the New Arab Demography and Poverty Research.”

Special Edition on “The New Arab Family,” Nick Hopkins, ed. Cairo Papers in the Social Sciences, 24 Spring: 80-116.

Springborg, Patricia. 1992. Western Republicanism and the Oriental Prince. Cambridge: Polity Press.

Tarrow, Sidney. 1994. Power in Movement: Social Movements, Collective Action and Politics. New York: Cambridge University Press.

Turner, Bryan S. 1978. Marx and the End of Orientalism. London: George Allen & Unwin.

_____. 1984. “Orientalism and the Problem of Civil Society in Islam.” In Orientalism, Islam, and Islamists. Eds. Asaf Hussain, Robert Olson, Jamil Qureshi, 23-42. Brattleboro, VT: Amana Books.

Vignal, Leila and Éric Denis. 2006. “Cairo as Regional/Global Economic Capital? In Cairo Cosmopolitan: Politics, Culture, and Urban Space in the New

Globalized Middle East, eds. Diane Singerman and Paul Amar, 99-151. Cairo: American University in Cairo Press.

Walzer, Michael. 1991. “The Idea of Civil Society: A Better Vision.” Dissent 38 (Spring): 293-304.

Wapner, Paul. 1995. “Politics Beyond the State: Environmental Activism and World Civic Politics.” World Politics 47 (April): 311-340.

Wapner, Paul. 1996. Environmental Activism and World Civic Politics. Albany: State

University of New York Press.

_____. 2000. “The Normative Promise of Nonstate Actors: A Theoretical Account of

Global Civil Society.” In Principled World Politics: The Challenge of

Normative International Relations, eds. Paul Wapner and Lester Edwin J. Ruiz, 261-274. Landham, MD: Rowman and Littlefield. White, Jenny B. 1996. “Civic Culture and Islam in Urban Turkey.” In Civic Society: Challenging Western Models, eds. Chris Hann and Elizabeth Dunn. New York: Routledge.

Wiktorowicz, Quintan. 2001. The Management of Islamic Activism: Salafis, the Muslim Brotherhood, and State Power in Jordan. Binghampton: SUNY Press.

Wolin, Sheldon S. 1981. “Max Weber: Legitimation, Method and the Politics of Theory.” Political Theory 3 (August): 402-403.

Wuthnow, Robert. 1991. “Understanding Religion and Politics,” Daedalus 120 (Summer): 1-20.

Zubaida, Sami. 1998. Public Lecture. Le Centre d’études et de documentations économiques, juridiques et socials (CEDEJ), Cairo.

شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي