الحركة النسائية حركة سياسية

تاريخ النشر:

2004

اعداد بواسطة:

كتابة:

الحركة النسائية حركة سياسية

التجربة الشخصية هي خبرة سياسية:

إن الفكرة المغلوطة السائدة حول مفهوم الحركة النسائية هي أنها تتكون من جهود بعض النساء من أجل الحصول على حقوق فئوية قد تتعارض مع مصالح المجتمع ككل، بل إن كثيرًا ممن يعترفون نظريًا بشرعية قيام حركة نسائية تطالب بالمساواة والعدالة الاجتماعية على أساس النوع (الجندر) إنما يرون أن المطالبة بحقوق النساء هي مرحلة لا يجب أن تحتل موقع الأولوية على أجندات العمل السياسي؛ نظراً لكونها قابلة للحل تلقائيًا بمجرد تطبيق مفاهيم الديمقراطية أو الليبرالية أو الاشتراكية الشاملة.ومن هنا أرى أهمية تأكيد أن الحركة النسائية هي حركة اجتماعية سياسية مبنية على فرضية خضوع النساء لصور من القهر والتهميش والاستبعاد في المجتمع، وهي حركة تسعى من أجل تغيير أوضاع النساء في سبيل العدالة والمساواة .

وبالتالي فالحركة النسائية هي حركة سياسية من حيث كونها على وعى بوجود خلل في علاقات القوى بين فئات المجتمع، مع الأخذ في الاعتبار مركزية وضع النساء في إطار علاقات القوى المجتمعية، وتعمل في سبيل تغييرها وخلق التوازن المطلوب، بما يتضمنه ذلك من مواجهات السلطة: سياسية واجتماعية واقتصادية وفكرية ….إلخ. وفي محاولة لتحديد مفهوم الوعي من الجدير الرجوع إلى التعريف، الذي قدمته الباحثة النسوية جيردا ليرنر؛ حيث تقول:

إن تعريفي للوعي النسوى يعنى وعى النساء بأنهن ينتمين إلى فئة ثانوية، وأنهن تعرضن للظلم باعتبارهن نساء، وأن وضعهن الثانوي الخاضع ليس وضعًا مرتبطًا بالطبيعة وإنما مفروضا اجتماعيا، وأنه يجب عليهن التحالف مع نساء أخريات للتخلص من أشكال الظلم الواقع عليهن، وأخيرًا أنه يجب عليهن تقديم رؤية بديلة للنظام الاجتماعي؛ بحيث تتمتع فيه النساء مثلهن مثل الرجال بالاستقلالية وحق تقرير المصير(1).

وهكذا تجمع جيردا ليرنر في تعريفها للوعي النسوى بين إدراك القهر ومقاومته وتشكيل مجموعات نسائية وتحالفات بغرض التغيير؛ أي الجمع بين الفكر والحركة.ومن هنا يمكن النظر إلى الحركة النسائية باعتبارها حركة سياسية نابعة من إدراك علاقات القوى السائدة في المجتمع والتنظيم في سبيل تغييرها في مواجهة السلطات القاهرة؛ بغرض تحقيق التوازن والعدالة. وباعتبارها حركة سياسية مجتمعية تقوم الحركة النسوية بتبنى قضايا النساء كنقطة انطلاق، وفي إطار تفاعلها مع العالم من منظور خبرات النساء وتجاربهن الحياتية تظل الحركة النسوية نتاجًا وتعبيرًا عن المفاهيم السياسية والاجتماعية المتباينة.وهي رغم تبنيها لقضايا النساء كمحور أساسي.. إلا إنها تتضمن وجهات نظر متعددة في تحليلاتها لأسباب قهر النساء في المجتمع، وفي كيفية العمل من أجل تحرير النساء .

وتستعين نادية العلى في تحليلها للنشاط النسائي المصري المعاصر بالنموذج الثلاثي، الذي قدمته ماكسين مولينو(2)، والذي يصنف الأنشطة النسائية في إطار مبادئها التنظيمية وعلاقتها بالسلطة، وذلك ضمن ثلاثة نماذج، وهي: الأنشطة المستقلة والأنشطة المشاركة والأنشطة الموجهة.والمجموعات المستقلة تتمثل في قيام مجموعات نسائية منظمة ذاتيًا، ولا تقتصر بالضرورة على النشاط النسوى المرتكز على قضايا النوع، أما المجموعات المشاركة فهي التي تشكل تحالفات مع منظمات سياسية أخرى مع احتفاظها باستقلاليتها التنظيمية، في حين تخضع المجموعات الموجهة لمبادرات خارجية وسلطة أعلى تستخدم المجموعات النسائية لتحقيق أغراضها.إلا أنه من الجدير بالذكر أن كثيرًا من أوجه العمل النسوي تتقاطع فيها عناصر من تلك النماذج الثلاث، كما أن خبرات النساء التاريخية تشير إلى أن كثيرًا من المجموعات النسائية المشاركة مع منظمات سياسية أخرى، اضطرت إلى الاستقلال دفاعا عن قضايا النساء، التي تم تهميشها أو تجاهل مطالبها عن تحقيق مصالح سياسية محددة .

وتقدم الثورة الفرنسية مثالاً تاريخيًا على مشاركة آلاف النساء في الثورة واقتحام الباستيل والمسيرات إلى قصر فيرساي، وهي مشاركة انطلقت من أندية النساء السياسية التي ساهمت في انطلاق الثورة الفرنسية، إلا أن التاريخ يخبرنا أيضًا بأن إعلان حقوق الإنسان الذي صدر عن الثورة الفرنسية في بداياتها تجاهل تمامًا النساء..بل جاء اسمه إعلان حقوق الرجل، مما دفع أوليمب دي جوج إلى صياغة إعلان حقوق النساءمطالبة بحصول النساء على حقوق مساوية لتلك الممنوحة للرجال؛ خاصة فيما يتعلق بحقوق المواطنة ممثلة في الحقوق السياسية الكاملة، بما فيها حق الترشيح للبرلمان وشغل المناصب العامة.إلا أنه مع وصول اليعقوبيين إلى السلطة، تم إعدام أوليمب دى جوج وحل كافة أندية النساء السياسية وإعادة النساء للقيام بأدوارهن التقليدية.أما الحركة النسائية الأمريكية.فقد نشأت من واقع تجربة الجمعية النسائية لمناهضة العبودية، والتي بدأت كحركة تدعو للقضاء على التمييز العنصري والعبودية في المجتمع الأمريكي في القرن التاسع عشر، ونتيجة لاستبعاد وفد النساء من حضور المؤتمر العالمي لمناهضة العبودية، الذي عقد في إنجلترا تبلورت حركة المطالبة بحقوق النساء، والتي ضمت نساء من البيض والسود، قمن بتنظيم مؤتمر حقوق النساءفي مدينة نيويورك عام 1848، وهي ظاهرة عادت لتتكرر مرة أخرى في الستينيات من القرن العشرين مع حركة المطالبة بالحقوق المدنية في أمريكا، وهي حركة اشتركت فيها النساء مطالبات بالحقوق السياسية للسود والأقليات العرقية، ثم ما لبثت النساء أن اكتشفن أهمية التنظيم من أجل المطالبة بحقوق مساوية للرجال بعد إدراكهن التمييز الواقع ضد النساء، فانطلقت الحركة النسائية جنبًا.إلى جنب، تطور الفكر النسوى كأيديولوجيا ومنهج تحليلي للظواهر الاجتماعية السائدة القائمة على التمييز ضد النساء(3) .

أما في مصر، فعادة ما يتم التأريخ لميلاد الحركة النسائية المصرية بخروج النساء في مظاهرات ثورة 1919 ضد الاحتلال البريطاني، التي تفجرت عقب نفي سعد زغلول ورفاقه من البلاد في أعقاب تصاعد الخلاف بينه وبين سلطات الاحتلال، كما تميل المصادر التاريخية إلى إرجاع الأسس الفكرية لتنامي الوعى النسوى وحقوق المرأة إلى جهود مفكرين مصلحين من أمثال جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده وقاسم أمين.إلا ان أن البحث المتأنى في مصادر التاريخ الرسمي وغير الرسمى يشير إلى أن خروج نساء مصر إلى الطريق العام مطالبات بالتحرر من قوى الاستعمار قد بدأت قبل عام 1919 بعقود عديدة، كما أن إرهاصات الوعى النسوى لم تقتصر على الفعل السياسي الحزبي المنظم ولم تعتمد بالضرورة على أيدى المصلحين الرجال، وإنما عبر ذلك الوعي عن نفسه حينذاك في دعوة المثقفات المصريات على سبيل المثال إلى إعادة النظر في النظم الاجتماعية وحقوق النساء في إطار مشروع النهضة المصرية الشاملة.ومن هنا كان اندلاع ثورة 1919 التي شهدت سير المرأة المصرية في مظاهرة نسائية عامة 16 مارس 1919، وهي لحظة تلتها بل وسبقتها لحظات أخرى، تقاطعت فيها قضية تحرير الوطن بقضية نساء هذا الوطن.

وسأحاول فيما يلى رصد أهم ملامح الحركة النسائية المصرية منذ بدايات القرن العشرين إلى اليوم لما تمثله من امتداد تاريخي ولما تتضمنه من أوجه شبه وتواصل على مدار التاريخ.وسأحاول في هذا السياق التوقف عند بعض التساؤلات: ما معالم الوعي النسوى لدى النساء في العصر الحديث ؟ ما علاقة النساء بالسلطة ؟ ما القضايا التي تبنتها نساء مصر على سبيل المطالبة بحقوق المواطنة والعمل العام ؟ ما القنوات التي استخدمتها المرأة المصرية للتعبير عن همومها ومطالبها ؟

 

يحتل دور نساء مصر في ثورة 1919 مكانة بارزة في التأريخ للحركة النسائية المصرية إلى درجة وصفها بأول مظاهرة تشترك فيها المرأة المصرية في مواجهة السلطة.إلا أن القراءة المتأنية لتاريخ مصر، بحثًا عن أدوار النساء فيه، تشير إلى اشتراك نساء مصر في عديد من المسيرات وحركات المقاومة ضد قوى الاحتلال وأوجه السلطة الغاشمة؛ حيث يتضح دور المرأة المصرية في أحداث المقاومة الشعبية ضد الحملة الفرنسية بدءًا من لحظة نزول القوات الفرنسية إلى الإسكندرية في يوليو 1798؛ حيث شاركت النساء المصريات في حركات المقاومة الوطنية والشعبية ضد القوات الفرنسية، على مستوى البلاد بأكملها في الدلتا والصعيد.وقد كان انضمام النساء في حركات المقاومة، جنبًا إلى جنب الرجال من العوامل التي ساهمت في تنامى وعيهن بالتمييز الواقع ضد جنس النساء، فيما يتعلق بأدوارهن التقليدية.ومن هنا تشير المصادر التاريخية إلى اجتماع نساء رشيد عام 1799 لمناقشة قضايا النساء، فيما يمكن اعتباره بمثابة مؤتمرنسائي يتبنى أوضاع النساء في سياق المجتمع المصرى.

وبعد انتهاء الحملة الفرنسية استمرت حركة النساء الشعبية في مواجهة الحكم العثماني وسياساته الظالمة، ومن أشهرها مظاهر الاحتجاج المنظم، التي قامت به نساء حي باب الشعرية وحى بولاق في مواجهة الوالي العثماني وضد سياسات الضرائب وغلاء المعيشة وتزايد سلطة الجند العثمانيين (4).وفي نهايات القرن انضمت النساء إلى الرجال دفاعاً عن مدينة الإسكندرية، عندما بدأ الأسطول البريطاني في ضرب المدينة إيذانًا باحتلال البلاد في يوليو 1882، حيث يورد التاريخ دور أهل المدينة رجالا ونساء وأطفالا في الذود عنها، إلى جانب مساهمة نساء العائلة الخديوية في التبرع بالخيول والأربطة الطبية والأموال لصالح جهود المقاومة الشعبية(5). وهكذا يمكن اعتبار حركة النساء السياسية في مراحلها الأولى المسجلة تاريخيًا مثالاً للنشاط النسائي المشارك لحركات المقاومة ضد السلطات الغازية والحاكمة.

أما مظاهرات 1919 فتظل في ذاكرتنا الجماعية تحمل سمة المظاهرة الأولى لنساء مصر، حين خرجت النساء يوم16 مارس 1919 تأييدًا للثورة واحتجاجًا على نفى زعماء الأمة.وقد صاحب ذلك بيان احتجاج وقعت عليه عديد من النساء، ومنهن: السيدة صفية زغلول وهدى شعراوى وحرم حسين رشدي باشا رئيس الوزراء المستقيل، وجاء في البيان الموجه إلى المعتمد البريطاني: “يرفع هذا لجنابكم السيدات المصريات أمهات وأخوات وزوجات من ذهبوا ضحية المطامع البريطانية، يحتججن على الأعمال الوحشية التي قوبلت بها الأمة المصرية الهادئة، لا إثم ارتكبته سوى المطالبة بحرية البلاد واستقلالها …”(6).ومن الجدير بالملاحظة والمقارنة هنا موقف التاريخ في الاحتفاء بمظاهرة النساء في 1919، حتى يظن البعض أنها المظاهرة الوحيدة في تاريخ نساء مصر.ومما لا شك فيه أن هناك عدة عوامل ساهمت في عدم سقوط تلك المظاهرة من الذاكرة الجماعية، وتسجيل تفاصيلها في المصادر التاريخية.أولاً: لقد خرجت هذه المظاهرة في إطار ثورة 1919 التي ارتبطت بتاريخ حزب الوفد، وجاء بيان نساء مصر معبراً عن مطالب الحزب لإعادة سعد زغلول وزعماء الأمة المنفيين.ثانيًا: صاحب تلك المظاهرة بيان رسمى موقع بأسماء مجموعة من نساء مصر المنتميات إلى عائلات مرتبطة بالعمل السياسي والحزبي.ثالثًا: صاحب المظاهرة تغطية إعلامية ممثلة في صحافة ذلك العصر وصور فوتوجرافية، ساهمت في التأريخ للحدث والحفاظ عليه في الذاكرة الجماعية.ذلك إلى جانب ما أثارته مسيرة النساء في نفوس مفكرى مصر وأدبائها؛ إذ دفعت حينذاك شاعر النيل حافظ إبراهيم إلى كتابة قصيدة تحية لمظاهرة النساء .

وعلى الرغم من خلو البيان الصادر عن تلك المظاهرة من مطالب نسوية (أي متعلقة بأوضاع النساء وحقوقهن) وتعبيرها عن مطالب شعبية ووطنية عامة إلا أنها مع ذلك ظلت توصف بكونها بداية الحركة النسائية المصرية.وقد شهدت يوم 20 مارس مظاهرة نسائية، توجهت إلى بيت الأمة مطالبة بالاستقلال التام ووقف العنف ضد المدنيين، ضمن مرحلة من المظاهرات النسائية شهدت سقوط عديد من شهيدات الحركة، ومنهن نعيمة عبد الحميد من إمبابه وحميدة خليل من الجمالية وفاطمة محمود ونعمت محمد وحميدة سليمان الفيوم وأم محمد جاد من القليوبية ويمن صبيح من الشرقية.ومن الجدير بالذكر أن خروج النساء في مظاهرات 1919 يعبر بصورة غير مباشرة عن تنامي الوعي النسائي لدى مجموعة متزايدة من المصريات وطالبات المدارس، بل ونساء الصفوة المنتميات إلى ثقافة ربات الخدورممن قررن وبوعى شديد كسر حاجز التقاليد والخروج إلى الشارع في مسيرات حاشدة تعبيرًا عن موقفهن من قضية التحرر الوطني.ومن هنا يمكن اعتبار تلك المظاهرات تعبيراً عن تبنى القضية الوطنية على مستوى مضمون الحدث، بينما يحمل شكله المتمثل في مسيرة النساء في الطريق العام أبعادًا نسوية.وما لبث أن تم تنظيم الحركة النسائية المناهضة للاحتلال ضمن الحركة التي قادها حزب الوفد، بتأسيس لجنة الوفد المركزية للسيدات في ديسمبر 1919، التي جاءت أقرب إلى نموذج النشاط النسائي الموجه (طبقًا للتصنيف الذي طرحته ماكسين مولينو)، ومن هنا كانت مشاركة النساء محددة ضمن إطار الحركة الوطنية، دون التركيز على المطالب الخاصة بحقوق النساء (7).

تشير المصادر التاريخية الرسمية منها وغير الرسمية إلى تنامى وعى النساء المصريات بحقوقهن وتعبيرهن عن هذا الوعي، بداية من نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. وإذا كانت بعض نساء الصفوة المثقفة قد اقتبسن الخطاب النهضوى ودعون إلى حصول المرأة على حقوقها في سبيل نهضة البلاد..إلا أن التأمل في كتابات نساء تلك الفترة وأعمالهن ومطالبهن يكشف عن وجود خيط يجمع بین أهداف رفعة الوطن من ناحية وحقوق المساواة والمواطنة والمعرفة والعمل.وقد كانت عين المفكرين والمصلحين من الرجال متجهة صوب النهضة بأبناء وبنات مصر من أجل النهضة بالوطن وسعيًا إلى التحرر والتخلص من النفوذ الأجنبي ردًا على توظيف الخطاب الاستعماري لقضية المرأة کمبرر للاستعمار.أما الفكر النسوى فكثيرًا ما عبرت رائداته عن اهتمامهن الأساسي والإضافي بإصلاح المجتمع والنهضة الثقافية والاجتماعية الشاملة، ومن هنا تميز نشاط المثقفات المصريات في بدايات القرن العشرين بالعمل الاجتماعي، من خلال الجمعيات المختلفة والعمل الثقافي، عن طريق إصدار الكتب والمجلات النسائية التي تتبنى قضايا المرأة المصرية.وتذكر بث بارون في كتابها النهضة النسائية في مصرالدور المهم الذي لعبته الصحافة النسائية بداية من مجلة الفتاةالشهرية لصاحبتها هند نوفل، التي أنشأتها في عام 1892 “للدفاع عن حقوق النساء والتعبير عن وجهة نظرهن، وما لبثت أن توالت الإصدارات النسائية الصحافية مثل أنيس الجليسعام 1898، وعديد من المجلات الأخرى اللاحقة مثل فتاة الشرقعام 1906 لصاحبتها لبيبة هاشم والجنس اللطيف“.لملكة سعد في عام 1908 (8).وقد نشأت الصحافة النسائية في مصر متزامنة مع صعود الحركة الوطنية، وعلى الرغم من عدم تبنى تلك الصحف القضايا السياسية بصورة مباشرة، إلا أنه مع ظهور حركة وطنية كان لابد من خلق تصور جديد عن المجتمع وانتماءاته، وبالتالي إعادة التفكير في الأسرة والأدوار الاجتماعية والثقافية للجنسين، وهي القضايا التي حملتها الصحافة النسائية على عاتقها“(9)، وأصبحت المجلات النسائية منبراً لمناقشة قضايا تخص علاقة المرأة بالمجتمع، مثل مسائل الزواج والطلاق وتعدد الزوجات والحجاب والتعليم والعمل، إلى جانب دورها في تناول شئون الأسرة والمنزل.

وقد قامت الصحافة النسائية بالدور الأكبر في إثارة القضايا للجدل والنقاش وأدت إلى قيام حركة فكرية حول قضايا المرأة والمجتمع، ورغم قيام المجلات بمبادرات فردية إلا أنها بوجودها جنبًا إلى جنب قد ساهمت في إحداث تأثير هو أقرب إلى العمل الجماعي الفعال. وفي سياق مجتمع ربات الخدور، وفي غياب وسائل الإعلام، كانت الكلمة المكتوبة وسيلة التواصل بين النساء وتجاوز الحجب فيما بينهن وبين مجتمعهن، وما في ذلك من شحذ لهممهن وتكثيف جهودهن في النضال من أجل حقوقهن.وإلى جانب العمل الصحفي وتنامي الوعى النسوى المعرفي، وتناقله على صفحات الجرائد والمجلات، شهدت بدايات القرن العشرين اشتغال النساء بالعمل التطوعي، من خلال الجمعيات بما كان يمثله ذلك لهن من احتلال مساحة ما بين حدود العام والخاص، حيث إن القيام بالعمل الخيرى من رعاية المرضى والأيتام، والاهتمام بتعليم الأطفال هي أقرب من منظور المجتمع إلى مجالات عمل النساء.إلا أن قيام النساء بهذا العمل قد أتاح لهن مساحة خارج إطار شئون البيت والأسرة وساهمت في تواجدهن المشروع في مجال العمل العام.كما ظهرت على الساحة التجمعات الثقافية النسائية، وقيام صالوناتثقافية تلتقى فيها النساء لمناقشة شئونهن ودراسة سبل الارتقاء بأوضاعهن في المجتمع.وإذا كان قد درج على تسمية حلقات النقاش تلك باسم صالونات” (صالون الأميرة نازلي، وصالون می زيادة على سبيل المثال) فإنما يعكس ذلك شكل تلك اللقاءات لا مضمونها؛ لارتباطها بالطبقة الحاكمة والنخبة المثقفة.إلا أنه بالنظر إلى تلك الصالوناتشكلا ومضمونا..فإننا نتلمس دورها الهام في خلق وبلورة وعى النساء بقضاياهن بصورة تدريجية تراكمية راسخة.كما أنشئت الجمعيات الثقافية، ولعل من أشهرها اتحاد النساء التهذيبي، الذي أنشئ عام 1914 كرد فعل لغلق الفرع النسائي في الجامعة الأهلية، وكان الهدف من إنشائه إتاحة مجال المحاضرات التعليمية العامة المتبنية لقضية المرأة .

وقد ظلت قضية تعليم النساء هي القضية ذات الأولوية خلال تاريخ الحركة النسائية المصرية، بدءًا من الدعوة للتوسع في إقامة مدارس للبنات، مروراً بمساواة البنات بالأولاد في المناهج الدراسية والوظائف التعليمية، ووصولا إلى المطالبة بفتح أبواب الجامعة للنساء بداية من الأيام الأولى لنشأة الجامعة الأهلية وإقامة الفرع النسائي.وعلى الرغم من إغلاق الفرع النسائي بعد سنوات معدودة من نشأته.. إلا أن الجامعة المصرية فتحت أبوابها لنساء مصر عام 1928 على قدم المساواة بالطلاب مما ساهم بالتالي في ظهور جيل جديد من النساء، اللاتي التحقن بسوق العمل العام بتخرج أول دفعة من طالبات الجامعة المصرية عام 1933، ثم تدرج بعضهن في المواقع الأكاديمية والمناصب العامة .

رغم ازدحام الصحافة النسائية بآراء تعكس الجدل الدائر في بدايات القرن العشرين حول قضية المرأة وحقوق النساء، واقتصار ذلك الجهد على المبادرات الفردية والجماعية في الإطار الثقافي والاجتماعي .. إلا أن ملك حفني ناصف قامت في إطار خطبة، ألقتها في نادي حزب الأمة (عام 1909) في حضور المئات من السيدات بتحديد عشرة مطالب نسائية وجهتها إلى البرلمان، وهي:

1 – تعليم البنات الدين الصحيح.

2 – جعل التعليم الأولى إجباريًا للجميع، وإتاحة فرص التعليم الابتدائي والثانوي للبنات.

3 – تعليم البنات التدبير المنزلى ومبادئ الصحة والتربية .

4 – تخصيص عدد من الفتيات لدراسة الطب ودراسة أسس التربية والتعليم .

5 – إطلاق حرية الفتيات في تعلم كافة العلوم لمن تريد .

6 – تربية الفتيات على الصبر والجد في العمل وغيرها من الفضائل .

7- اتباع الطريقة الشرعية في الخطبة، فلا يتزوج اثنان قبل التقائهما في وجود محرم .

8 – اتباع عادة النساء الأتراك في الحجاب والخروج .

9- المحافظة على مصلحة الوطن، والاستغناء عن الغريب من الأشياء والناس بقدر الإمكان .

10 – على الرجال تنفيذ المشروع(10) .

وعلى الرغم من رفض مطالبها تلك، إلا أن ملك حفني ناصف كانت ضمن مجموعة من النساء، اللاتي اتسعت دائرة مطالبهن لتشمل المطالبة بإصلاح قوانين الزواج ؛ خاصة فيما يتعلق بالطلاق وتعدد الزوجات وتحديد الحد الأدنى لسن الزواج.وقد ظلت تلك النقاط هي أساس المطالب، التي كانت تتقدم بها نساء مصر إلى الحكومة، ولكنها لم تأخذ شكل الفعل التنظيمي سوى بعدما خذل دستور 1923 المرأة المصرية رغم نضالها واشتراكها الفعلي في ثورة 1919، فما كان من نساء الطبقتين العليا والوسطى إلا أن شكلن الاتحاد النسائي المصري في 16 مارس 1923 برئاسة هدى شعراوي، والذي تبنى مطالب النساء الاجتماعية والقانونية والمعرفية، إلى جانب المطالب السياسية؛ من أجل حصول المرأة على حق التصويت بعد الاستقلال .

ولأول مرة صدر عن تنظيم نسائي بيان يتضمن المطالبة بالحقوق السياسية جنبًا إلى جنب حقوق التعليم والمساواة أمام القانون، حيث ورد ضمن أهداف الاتحاد رفع مستوى المرأة الأدبي والاجتماعي للوصول بها إلى حد يجعلها أهلاً للاشتراك مع الرجال في جميع الحقوق والواجبات، وأن تسعى المرأة لتنال كافة حقوقها السياسية والاجتماعية“(11). وقد جاءت مطالب الاتحاد النسائي ولجنة الوفد المركزية للسيدات في بيان صدر عام 1924 تم توجيهه إلى البرلمان المصرى والصحافة المحلية ومنظمات عالمية، متضمنًا المطالبة بالمساواة التامة بين الجنسين فيما يتعلق بفرص التعليم وفتح أبواب التعليم العالى أمام النساء، وتعديل قانون الانتخاب بما يسمح للنساء بممارسة حقوقهن السياسية، وإصلاح قوانين الزواج؛ بحيث يتم وضع شروط لتعدد الزوجات وأن يتم الطلاق أمام قاض.وجاءت استجابة البرلمان للمطالب متجاهلاً الحقوق السياسية ومبتورًا فيما يتعلق بالأحوال الشخصية، حيث اكتفى بتشريع قانون بتحديد سن الزواج بـ 16 سنة للمرأة و 18 سنة للرجل كحد أدنى.أما معظم إنجازات النساء، فقد تحققت على مستوى التعليم، حيث أصبح التعليم الابتدائي إجباريًا للجنسين بموجب قانون عام 1925، كما التحقت أول دفعة النساء بالجامعة المصرية في عام 1928 وما تبعه من التحاقهن بالمهن والوظائف المختلفة، بعد تخرج أول دفعة في عام 1933.

قد صاحب التحاق النساء بسوق العمل بدء المطالبة بحقوق عمالية، ومن هنا جاء تأسيس الحزب النسائي المصري عام 1942 بزعامة فاطمة نعمت راشد، والذي وضع على رأس مطالبه المناداة بالمساواة الكاملة للمرأة والرجل في التعليم والعمل والحقوق والواجبات والتمثيل السياسي، كما تقدم بمطالب خاصة بالنساء العاملات، ومنها حق العاملة في أجازة وضع مدفوعة الأجر، إلى جانب حث العاملات على تكوين النقابات بالمصانع .

ومع ازدياد أعداد طالبات وخريجات المدارس والجامعة، انضم عديد من الطالبات والعاملات إلى اللجنة الوطنية للطلبة والعمال عام 1946 في مرحلة، شهدت تقاطع مطالب النساء بجهود مقاومة الاحتلال البريطاني، ضمن حركة وطنية تطالب بجلاء الإنجليز عن البلاد. وهكذا شهدت الحركة النسائية بعدًا جديدًا باتساع دائرتها وانضمام نساء يمثلن قطاعات متنوعة من المجتمع المصرى، ولم تعد الحركة النسائية قاصرة على مبادرات صفوة نساء المجتمع (12). ويسجل التاريخ دور لطيفة الزيات ضمن النساء اللاتي خرجن في المظاهرات داعيات إلى المقاومة المسلحة ضد الاحتلال.وقد شهدت الأربعينيات إنشاء اتحاد بنت النيلعام 1948، وجهود درية شفيق في التعبئة من أجل حصول النساء على حقوق المواطنة الكاملة ممثلة في حق المشاركة السياسية الكاملة.ورغم جهود النساء المصريات المساندة للتحرر من الاستعمار، حيث قامت المصريات بحملة لمقاطعة البضائع البريطانية، وكذلك تأسيس أول لجنة نسائية للمقاومة الشعبيةأخذت على عاتقها مساندة الفدائيين في كفاحهم المسلح ضد الاحتلال البريطاني، إلا أن حكومة الثورة ما لبثت أن استبعدت النساء من لجنة صياغة دستور الجمهورية.وقد واصلت النساء نضالهن من أجل حقوقهن السياسية، بتنظيم الاعتصامات والإضرابات ليجبرن النظام الجديد على منحهن حقوقهن السياسية وهو ما تحقق بعد جهود مضنية بما كفله دستور 1956 من حقوق المساواة بين الجنسين في التعليم والعمل والترشيح والانتخاب.. إلا أن قوانين الأحوال الشخصية ظلت دون تعديل لتتجه إليها جهود الحركة النسائية المصرية في العقود التالية .

وإذا كانت مطالب مظاهرات 1919 قد ركزت على قضايا الوطن، وبمقارنتها بمطالب نساء مصر المساندات لثورة 1952 على سبيل المثال .. فإننا نلاحظ وجود تشابه؛ حيث يشير التاريخ في كلتا الحالتين إلى لحظة تاريخية، تقاطعت فيها بوضوح تام قضية الوطن بقضية نساء الوطن.وعلى الرغم من تمتع نساء الثورات بقدر من الوعى النسوي وسعيهن الدءوب نحو تحقيق مطالبهن لضمان المساواة في القوانين والتعليم والعمل والمواطنة، إلا أن ثورتي 1919 و 1952 تقدمان نموذجًا متكررًا لما يحدث من تركيز على المطالب الوطنية وتأجيل للمطالب النسوية، على أساس أن مصلحة الوطن أسبق من مصلحة الفرد / المرأة، وعلى وعد بأن تنال المرأة حقوقها وتتحقق مطالبها بمجرد نجاح الثورة .

وعلى الرغم من مساندة النساء الكاملة لثورة 1919، إلا أنه ما لبثت مطالبهن أن همشت وتم تجاهل حقوقهن السياسية عند صياغة دستور 1923، وهو ما تكرر بعد ثورة 1952 واستبعاد النساء من لجنة صياغة دستور الجمهورية الوليدة، بل وتم إلغاء الاتحاد النسائي المصرى بوصفه حزبًا سياسيًا ! وتؤكد عايدة سيف الدولة أن تاريخ الحركات السياسية في مصر والعالم الثالث يشير إلى إشراك النساء في حركات التحرر الوطني، ثم حرمانهن من المشاركة في صياغة مشاريع التحرر وحقوق النساء، وهو ما تراه منطبقاً كذلك على علاقات المنظمات النسوية بالقوى اليسارية حيث تخلت برامج اليسار عن تبنى قضايا النساء، باعتبارها قضايا ثانوية، وباعتبار المطالبة بحقوق النساء مشروعًا مؤجلاً مقارنة بالقضايا السياسية والاجتماعية ذات الأولوية(13) .

ويمكن إيجاز أهم مطالب النساء المصريات فيما يلى: المساواة من حيث حق التعليم والعمل، حقوق النساء في إطار قانون العمل، حقوق النساء السياسية، ذلك إلى جانب حقوق الأحوال الشخصية التي كانت وما زالت هي الأبطأ حركة وتغيراً.ومن الجدير بالذكر أن هذه القضايا ما زالت على رأس قائمة المطالب النسائية الحالية، وإن كان الإطار الذي تتبناه الحركة النسائية المعاصرة على مدى العقود الثلاث الأخيرة شبيهًا بالاستراتيجية التي انتهجتها نساء بدايات القرن، ألا وهي المطالبة بحقوق المرأة والعدالة والمساواة.ومن الجدير بالذكر أن الحركة النسائية المصرية قد تعرضت لمرحلة من الركود خلال الخمسينيات والستينيات وجزء من السبعينيات، ويمكن إرجاع ذلك الركود إلى وصول الجيش إلى السلطة بثورة 1952 وما تبعه من تعد على الحريات وحل الأحزاب السياسية بما فيها الحزب النسائي المصري.كما تم احتواء العمل النسائي وامتصاص جهود الحركة النسائية بدعوى حصول المرأة على كافة حقوقها! فتراجع مجال العمل النسائي؛ ليقتصر على العمل الخيرى تحت مظلة وزارة الشئون الاجتماعية، واقتصرت لجان المرأة إلى حد كبير على المجالات الخدمية.

وإذا كان التأريخ لأهم معالم نمو الوعي النسوى منذ نهايات القرن التاسع عشر يعتمد – إلى حد كبير – على ما شهدته تلك الحقبة من تزايد في مصادر المعرفة وطرح قضية المرأة على الرأى العام عن طريق كتابات النساء بمبادرات فردية، وتعدد قنوات العمل النسوى الثقافي والاجتماعي عبر الصحافة والجمعيات، وما نجم عنه من تشكيل تيار معرفی جدید ساهم في بلورة وانتشار وعى نسوی جماعی، دفع بنساء مصر إلى نقد أوضاعهن والسعي نحو تغيير أدوارهن الاجتماعية والتمتع بقدر أكبر من الحقوق.ومن ناحية أخرى شهد النصف الثاني من القرن العشرين مظاهر السياسة الداخلية والخارجية للدولة، وما صاحبها من تراجع في فرص العمل وازدياد معدلات البطالة مع تزايد المد الديني وموقفه تجاه المرأة القائم على تحميل النساء كافة مشكلات المجتمع، والدعوة إلى تنازل النساء عن كافة إنجازاتهن في العقود السابقة والعودة إلى البيت لإفساح الطريق أمام الرجال؛ ليقوموا بشئون الوطن والأمة ! كما شهدت السبعينيات تصاعد الحركة الطلابية بما فيها من نساء شاركن بدور فعال في العمل السياسي والحزبي، وما لبثن أن تبنين قضية حقوق المرأة كرد فعل للنزعة التقليدية الأصولية المتنامية في المجتمع ولغياب قضايا حقوق النساء في برامج الأحزاب من ناحية .

ومن ناحية أخرى، شهد المجتمع الدولي ممثلاً في الأمم المتحدة تركيزًا للاهتمام بقضايا المرأة، والتي اتخذت صورها بدءًا من مؤتمر المكسيك عام 1975.ولم يقتصر التفاعل بين الفكر النسوى المصرى في العقود الأخيرة على الاحتكاك بالفكر النسوى الغربي، بما يشتمل عليه من مناهج بحث نظرية ومعرفية وممارسات نسوية مطبقة على أرض الواقع, ممثلاً في القوانين المحلية والاتفاقيات الدولية.ولعل من أبرز خصائص العقدين الأخيرين على وجه الخصوص النمو المتزايد لدور وفعالية مؤسسات حقوق الإنسان وحركة المنظمات غير الحكومية ونشاط المجتمع المدني في تكوين قوى ضغط دولية ومحلية لتطبيق الاتفاقيات الدولية.

ويتخذ نشاط الحركة النسائية في العقود الثلاثة الأخيرة عدة أشكال:

1 – لجان المرأة في الأحزاب السياسية.وهي رغم وجودها في الأحزاب السياسية الرئيسية في مصر، إلا أن نشاطها يتحدد في إطار برنامج الحزب.ويتضح من خلال حوار تم مع فرخنده حسن أثناء شغلها منصب أمين عام الحزب الوطني الديمقراطي أن دور لجنة المرأة وأهدافها تتمثل في زيادة مشاركة المرأة في الحياة السياسية وعملية صنع القرار من خلال عقد المؤتمرات والندوات، وعبر وسائل الإعلام المختلفة وغيرها من القنوات“(14).وفي حوار مع ليلى الشال، ممثلة عن اتحاد النساء التقدمي بحزب التجمع التقدمي الوحدوي، قامت بتأكيد المفهوم الذي يتبناه حزب اليسار من حيث رفض الفصل بين قضايا الرجال والنساء والتعامل مع قضايا النساء بوصفها قضايا ذات خصوصية في المجتمع، من منطلق أن نضالات الرجال والنساء داخل المجتمع غير منفصلة“(15).أما أسمهان شكري فقد أكدت عند حديثها عن لجنة المرأة في حزب العمل بأن سياسة لجنة المرأة جزء لا يتجزأ من سياسة الحزب (16) .

وهكذا يتضح أن لجان المرأة في الأحزاب السياسية الثلاثة السابقة لا تقوم بدور مستقل عن أهداف الحزب، ولعل فيما نسمعه من أمينات المرأة في تلك الأحزاب ما يقرب إلينا جو العمل، الذي وجدت نساء مصر أنفسهن يعملن في إطاره من خلال لجنة سيدات الوفد المركزية، ومبررات تكوين مؤسسات نسوية مستقلة وخاصة في الحالات التي لا تتمتع فيها النساء بحرية صنع القرار فيما يتعلق بقضاياهن .

2 – المنظمات النسوية غير الحكومية، وهي منظمات قامت على أساس من العمل المستقل الذي يركز على قضايا النساء من أجل السعى، نحو مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية والمساواة. وتضمنت هذه المنظمات جمعيات مشهرة بموجب قانون الجمعيات، خاضعة بصورة مباشرة لسلطة وزارة الشئون الاجتماعية.وفي محاولة للخروج من قيود سلطة الحكومة، شهدت الثمانينيات والتسعينيات قيام مراكز بحثية مسجلة على هيئة شركات مدنية غير تجارية، تتناول معظمها قضايا المرأة والنوع الاجتماعي من خلال العمل البحثي والميداني إلى جانب منظمات تقدم خدمات صحية وقانونية للنساء.وقد تلقت هذه المؤسسات ضربة مع قيام الدولة بتمرير قوانين العمل الأهلى لعام 1999 (الذي ثبتت عدم دستوريته) ثم قانون العمل الأهلي لعام 2002، بهدف تضييق الخناق على جهود منظمات حقوق الإنسان.فكانت آخر المعارك المستمرة هي تلك الساعية إلى تغيير قانون العمل الأهلي لما يفرضه من عقبات أمام قيام مجتمع مدني، يتمتع بالحرية والقدرة على الحركة والتغيير .

وهكذا على مر قرن من الزمان، يظل العمل النسوى متمثلاً في إثارة النقاش وطرح قضايا النساء على الرأى العام، وتظل الناشطات المصريات يطالبن بالمزيد من الحقوق في المجالات نفسها التي سبقتها إليها أجيال قرن مضى.وفي السنوات الأخيرة، ومع الانتفاضة الفلسطينية واحتلال العراق، إضافة إلى الانهيار الاقتصادي محليًا وسيادة سياسات العولمة الرأسمالية والهيمنة الإمبريالية جنبًا إلى جنب، مع استمرار فرض القوانين المحددة والمنتهكة للحريات محليًا، فقد كان من الملاحظ قيام المنظمات النسائية بالمشاركة في الجهود الساعية نحو الإصلاح والتغيير.ومن الملاحظ أن بدايات الحركة النسائية قد ساهمت في تدريب النساء على مبادئ العمل السياسي بما فيه من تحديات للأهداف واختيار للقرارات الاستراتيجية، والعمل المنظم والدءوب في سبيل تحقيق الأهداف على المستوى البعيد، كما أن تجربة عديد من الناشطات النسويات المعاصرات، اللاتي لاحظن تكرار تهميش قضيتهن وذوبانها ضمن قضايا أخرى بدعوى ترتيب الأولويات، قد أثبتت لهن صحة المقولة التي تؤكد أن التجربة الذاتية هي خبرة سياسية“. ومن هنا كانت أهمية قيام منظمات نسائية مستقلة، استنادًا إلى قناعة بحق أصحاب المصلحة في تنظيم أنفسهم بشكل مستقل، وفي أن أصحاب المصلحة أقدر الناس على تمثيل مصالحهم والدفاع عنها والنضال من أجلها“(17)

(1) يرد تعريف جيردا ليرتز لمفهوم الوعي النسوي في كتابها:

Gerda Lerner. The Creation of Feminist Consciousness: From the Middle Ages to Eighteen-seventy

((New York: Oxford: Oxford University

)P.14. Press, 1993)

(2) تشير نادية العلى تحديدًا إلى مقالة ماكسين مولينوتحليل الحركات النسائية“:

Maxine Molyneux, “Analysing Women’s Movements,” Development and

Change 29: 219-245

(3

(4) هدى الصدة وعماد أبو غازي، مسيرة المرأة المصرية: علامات ومواقف، (القاهرة: المجلس القومي للمرأة،2001) ص23- 27.

(5) المصدر السابق، ص 34- 36. ) للمزيد حول دور النساء في الحركات الاجتماعية والسياسية في العالم، يمكن الرجوع إلى:

Joy Magezis, Women’s Studies (London: Hodder and Stoughton), 1996, pp. 30 – 47

(6)المصدر السابق، ص 74 .

(7) تشير جين مقدسي إلى أن حركة النساء ضد الاحتلال اتخذت في بداياتها شكلاً شعبيًا عامًا، ولكنها ما لبثت أن تحولت إلى حركة نخبوية.جين سعيد مقدسی، لقاءات وروايات: هدى شعراوي والمؤتمر النسائي في روما 1923″في النساء العربيات في العشرينيات: حضورا وهوية ( لبنان: تجمع الباحثات اللبنانيات، 2001)، ص 387 – 422 .

(8) بث بارون، النهضة النسائية في مصر: الثقافة والمجتمع والصحافة، ترجمة لميس النقاش، (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، 1999)، ص 9 وما بعدها .

(9) المصدر السابق، ص 19 .

(10) ملك حفني ناصف، النسائيات، ( ط: 1910، 1924)، (القاهرة: ملتقى المرأة والذاكرة، 1998)، ص 147.

(11) آمال عبد الهادي ونادية عبد الوهاب (تحرير)، الحركة النسائية العربية: أبحاث ومداخلات من أربعة بلدان عربية، (القاهرة: مركز دراسات المرأة الجديدة، 1995)، ص 136.

(12) المصدر السابق، 139.

(13) عايدة سيف الدولة، المرأة على برامج اليسارورقة غير منشورة، قدمت في ندوة أي خطاب للحركات النسوية العربية ؟، عايشة: منتدى النساء العربيات (تونس، 24 – 25 مارس 2000) .

(14) آمال عبد الهادي ونادية عبد الوهاب، سبق ذكره، ص 141.

(15) المصدر السابق، ص 143 .

(16) المصدر السابق، ص 152 .

(17) عايدة سيف الدولة، المرأة على برامج اليسار، سبق ذكره .

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي