العنف ضد النساء لا تقولوا إن هذا شيء طبيعي

اعداد بواسطة:

أصدرت منظمة الصحة العالمية قبل أيام تقريرًا لها عن العنف المنزلي ضد النساء بعد دراسة أجريت في عشر دول من بينها اليابان وشملت ٤٢ ألف امرأة، وتبين للمنظمة أن واحدة من كل ست نساء ومن كل الطبقات تتعرض للعنف المنزلي.

وكنت قبل سنوات قد اعتدت متابعة أقسام الحوادث في الصحف لأنني وجدت فيها مؤشرات ليس فحسب لاتجاهات وأنواع الجرائم ومعدلات زيادتها ودلالاتها، وإنما أيضًا على النظرة للمرأة التي هي إحدى الدوافع لإبعاد العنف ضدها،.

وكانت هذه الجرائم ضد النساء التي سألخصها لكم هي معاد يوم واحد من صحف ثلاثة من هذا العام. كما سأقدم لكم بعض حوادث العام الماضي

تقول الواقعة الأولى إن محكمة جنايات شبين الكوم قضت بمعاقبة مهندس بالسجن ثلاث سنوات لقيامه بقطع أصابع يد زوجته بسكين عندما تأخرت في إعداد طعام الإفطار له.

وتبين أن الجيران تدخلوا لإنقاذها من الموت وانتشالها من يد الزوج بالقوة في أثناء محاولة قتلها. وأكد الزوج أمام المحكمة أن زوجته دأبت على عدم طاعة أوامره والكذب عليه.

وفي اليوم نفسه قرأت في صحيفة أخرى تقريرًا عن ثلاثة أشقاء بالعجوزة قاموا بإنهاء زواج شقيقتهم بالقوة حين توجهوا إلى مسكنها بالغربية وأخذوها لتقضى معهم العيد، وعندما حضر الزوج لإعادتها فوجئ بهم وطليق زوجته يشهرون في وجهه الأسلحة البيضاء، وهددوه بالقتل وأحضر أحدهم مأذونًا شرعيًا وطلبوا منه الاختيار بين الطلاق أو الذبح، وأشهروا في وجهه الأسلحة فطلق زوجته التي جرى إخفاؤها في إحدى غرف المنزل.

وفي صحيفة أخرى لجأت طالبة بالثانوية عمرها 17 سنة لمحكمة الأسرة بمصر الجديدة تطلب الطلاق بعد سنة واحدة من الزواج، وقالت إن والدها أجبرها على الزواج في سن صغيرة من العريس الثري الذي يكبرها كثيرًا، وفوجئت ليلة الزفاف بأنه عاجز وحين طلبت منه الطلاق أكثر من مرة أصر على الرفض والاحتفاظ بها كتحفة جميلة.

وفي العام الماضي كانت بعض حوادث العنف الوحشي ضد النساء كالتالي قام شاب بذبح فتاة لأنها قاومته حين حاول اغتصابها قائلاً إنه فعل ذلك، بعد أن بلغ به الغضب حدًا يفقده أعصابه لأن الفتاة كانت مؤدبة جدًا.

وقام رجل آخر بإلقاء أطفاله الثلاث في النهر ليموتوا غرقًا حتى تتعذب زوجته ويحرق قلبها“.

وأحيانًا ما تقوم النساء أنفسهن بدور الجلاد نيابة عن المجتمع الذكوري الذي يتشبعن بمثله وثقافته.. تقول امرأة: نعم قتلت إبنتي بيدي وساعدتني والدتي وابنتي الثانية.. قتلتها لأننا لم نصدق دموعها، اتهمتها في شرفها، وبعد أن انتهى كل شيء ظهرت براءتها،،.

ويبدأ آخر مسح ديموجرافي في مصر بأن ما يزيد على 90% من النساء المصريات يتعرضن للقتل.

إليكم هذه الحكاية من التي تحكيها الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية إيرين خانفي العام الماضي قابلت فتاة أفغانية تبلغ من العمر 16 عامًا وتدعى جميلة في سجن النساء في كابول، كان السجن يمتلئ بنساء وفتيات أتهمن بالزنا أو فررن من وحشية أزواجهن أو كن يرغبن في الزواج من أشخاص بمحض اختيارهن وكانت جميلة قد اختطفت من منزلها في قندوز قبل عام وأرغمت على الزواج، وتعرضت للإيذاء والاغتصاب في إطار الزواجوعندما هدد عم زوجها باغتصابها شعرت أن الكيل قد طفح، وأنها لا تستطيع أن تتحمل المزيد ففرت هاربة، ولكن الشرطة قبضت عليها، وألقت بها في السجن بتهمة هجر زوجها، وقالت لي جميلة إنها كانت ترغب في العودة إلى أبويها، إلا أنها خافت أن يقتلها أبوها لأنها في نظره لطخت شرف الأسرة، وحتى إن نجت من براثن أبيها فما كان لها أن تنجوا من انتقام الرجل الذي أرغمت على الزواج منه، إذا كان سيقدم على قتلها دون ريب“.

ومن أفغانستان أيضًا قبل إسبوعين قتل زوج زوجته وزميلته في دراسة الآداب الشاعرة نادية حومانالقتل ماديًا ومعنويًا هو إذن القاسم المشترك الأعظم بين هذه الوقائع كلها في العالمين العربي والإسلامي.. ولكن العنف ضد النساء موجود أيضًا بكثافة في العالم الأوروبي والأمريكي وفي الهند والصين واليابان.

 

وتنطوي جميع الثقافات والنظم في العالم تقريباً على أشكال من العنف ضد المرأة تكاد تكون غير مرئية، إضافة إلى ما هو مرئى منها، فإضافة إلى العنف الأسرى، هناك عنف الاحتلال، وهناك العنف الاقتصادي الناتج عن انتهاج سياسات التكيف الهيكلي والانكماش الاقتصادي التي أدت في كل البلدان التي انتهجتها إلى تأنيث الفقر والبطالة، ودخلت ملايين النساء بسبب العولمة الرأسمالية واتساع نشاط الشركات متعددة الجنسية في حالة من العبودية الجديدة من علاقات العمل حيث يعملن لساعات طويلة في ظروف ضارة بالصحة في مدينة سيودار هواريرعلى الحدود المكسيكية الأمريكية قتلت وفقدت نساء شابات ممن يعملن في مصانع التجميع المتعددة الجنسيات بحثًا عى فرصة عمل إلى انتهاكات جسيمة سواء على أيدي مهربي البشر أو القوادين الدوليين الذين يرغمون النساء الفقيرات على العمل في الدعارة.

وهناك سجل أسود لانتهاك أعراض وحياة النساء الآسيويات العاملات في دول الخليج.

وباسم الخصوصية الدينية والشرف القومي تتعرض النساء للعنف، وقبل ثلاثة أعوام لقى 15 فتاة حتفهن حرقًا، وماتت عشرات غيرهن في حريق شب في مدرستهن في مكة بالمملكة العربية السعودية حين رفض المطوعون السماح للفتيات بالخروج من المبنى ساعة أن شب الحريق لأنهن لم يكن يرتدين الحجاب فهي مدرسة بنات ولم يكن هناك أقارب من الذكور لتسلمهن.

ورفض المطوعون دخول رجال الإنقاذ والمطافيء إلى المدرسة حتى لا يختلطوا بالفتيات.

وفي تركيا انتحرت فتيات من السجينات السياسيات حتى يتجنبن الخضوع لاختبار العذرية المهين، وكثيرًا ما تتعرض النساء للعنف بسبب لون بشرتهن غير الأبيض.

يحدث ذلك رغم الجهود المتواصلة على المستويات القانونية والعلمية لإشاعة مساواة النوع الاجتماعي. ويشير مصطلح النوع الاجتماعي إلى الخصائص المرتبطة بكون المرء ذكرًا أو أنثى ولا يتحدد النوع بيولوجيا، بل هو مجموعة من السلوكيات يشكلها ما هو متوقع من الفرد ، انطلاقًا من الفكرة القائلة بأن بعض الخصال والسلوكيات والخصائص والحاجات والأدوار طبيعية ومرغوب فيها بالنسبة للرجال وبعضها الآخر طبيعي ومرغوب فيه بالنسبة للنساء، ومفهوم النوع عنصر أساسي من عناصر عدم تكافؤ القوى وعدم المساواة، فالأدوار المستندة إلى النوع الاجتماعي للمرأة تضفى عليها عمومًا قيمة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية أقل من تلك الخاصة بالرجل، والأضعف هو دائمًا عرضة للعنف في ظل علاقات القوة.

وتواصل النساء في كثير من أنحاء العالم ومعها رجال مستنيرون وديمقراطيون الكفاح لتنظيم أنفسهن لمقاومة العنف ومعارضة الحرب كمنبع له، وقد ناضلت المنظمات غير الحكومية ببسالة من أجل تضمین منظور النوع الاجتماعي في عملية إنشاء المحكمة الجنائية الدولية ونجحت.

وقد أطلقت منظمة العفو الدولية حملتها العالمية لمناهضة هذا العنف ضد النساء وحددت ثلاثة وعشرين مطلباً أساسياً منها ضرورة الإنصات للنساء وتصديهن، والتصدي لجميع المواقف والتصورات المنظمة الدينية والاجتماعية والثقافية التي تشكك في إنسانية المرأة، والنهوض بفرص المرأة في الوصول إلى السلطة السياسية وعملية صنع القرار وموارد الثروة على قدم المساواة، ودعم النساء في تنظيمهن أنفسهن لوضع حد للعنف.

ولكن وبدون التزام حقيقي تتوفر له الإرادة السياسية على أعلى المستويات الوكومبية فإن المبادرات الرامية لوضع نهاية للعنف ضد النساء على المستويات المحلية والوطنية والدولية والالتزام ببنود الإعلان العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة ستظل تواجه صعوبات، وسوف تبقى المرأة تتعرض للعنف في نطاق الأسرة والمجتمع وفي الحرب والسلم وهي عرضة للضرب والاغتصاب وتشويه الجسد بالختان والتجارة به في سوق الدعارة بينما يعوق العنف والتهديد به قدرة النساء على ممارسة حقوقهن المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية في ظل ثقافة الصمت التي تعتبر الحديث عن العنف المنزلي عارًا، وتعتبر العنف المجتمعي اقتصاديًا وسياسيًا ضد المرأة شيئًا طبيعيًا.

والعنف ضد النساء ليس طبيعيًا ولا قانونيًا ولا مقبولاً وينبغي عدم السكوت عنه أو تبريره.

وهناك أتذكر قول الشاعر الألماني برتولد بريختلا تقولوا إن هذا شيء طبيعي حتى لا يستعصى على التغيير….

شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي