النساء ما بعد الاشتراكية

تاريخ النشر:

2005

اعداد بواسطة:

النساء ما بعد الاشتراكية

خلال عصر «السياسة المعلنة» السوفيتية طرح علماء الاجتماع والصحفيون فكرة «العبء المزدوج»، الملقى على عاتق النساء اللاتي تحملن مسئوليتي العمل والأسرة في آن واحد للمناقشة. وتزامن اقتراح الإصلاحات الاقتصادية في الثمانينات مع طرح قضايا مثل «كارثة الذكور» وغياب صورة الأب في العائلات، وغياب الأم في المرحلة التأهيلية الأولية في حياة الطفل.

بدَّل انهيار الولايات الروسية الرؤى الأيديولوجية لمن عشن فيها من النساء. فمع تقسيم العملاق الروسي إلى خمس عشرة جمهورية، شرعت كل من الدول الجديدة عملية خاصة للانفصال عن الأيديولوجية السوفيتية. وتبنت الكثير من الجمهوريات مثلاً عليا متحفظة للرجال والنساء والأسرة. وفي الوقت ذاته أوجدت هويات عرقية ووطنية بشكل مبدئي. واستهوت بعض المعتقدات الكثير من دول ما بعد الاتحاد السوفيتي وخاصة النزعة إلى الحتمية البيولوجية وطبيعية وثبات الأدوار الجنسية. وبررت تلك المعتقدات الادعاء بأن النساء يملن «بالطبيعة» إلى اعتبار الأمومة وصفاتهن الأنثوية قيمًا هامة.

هذا الكتاب (بإسهام ثلاثة عشر من النساء ورجل في مناقشة شئون النساء بخمس جمهوريات يسودها الإسلام) يصف ما خلفته اشتراكية الدولة من إرث وأيديولوجية ما بعد الاتحاد السوفيتي الجنسية بالتعقيد مما يتيح فرصة الاختيار الانتقائي لبعض معتقدات النساء والرجال. ورغمًا عن الاهتمام بالنمو الديموجرافي قبل السبعينات، استبدلت فكرة الأمومة كوظيفة أساسية في حياة النساء بالقومية الجديدة التي سادت الجمهوريات السابقة، وفي كثير من الأحوال، وجدت النساء أنفسهن في موقف يحتم عليهن إما الالتزام بالأيديولوجية السوفيتية أو التسليم بهوية عرقية قومية تخضع دور النساء الاجتماعي إلى أبعد الحدود تحفظًا.

يوضح الجزء الأول من الكتاب بعنوان «الجنس والبناء القومي» كيف يحتل دور النساء الاجتماعي مركز المباحثات بين الأحاديث القومية والمواثيق العرقيةمما يؤثر فعليًا على كل شيءبداية بالسياسة وحتي استراتيجيات الحياة اليومية. ويرجع الفضل في الأربع فصول المكونة لهذا الجزء لسوزان جال وجيل كليجمان في: «سياسة الجندر ما بعد الاشتراكية: مقال تاريخي مقارن» (برينستون: 2000) حيث تؤكد الكاتبتان دور خطاب وممارسات الجندر في تشكيل دستور جديـد للدول فيما بعد عام 1989 والعلاقات الاجتماعية في شرق ووسط أوروبا كالخصخصة وعلاقات السوق.

تتناول تاتينا زورزينكو، في فصل بعنوان: «نساء قويات، دولة ضعيفة: سياسات الأسرة وبناء الوطن في أوكرانيا ما بعد الاتحاد السوفيتي «تغير أوضاع، ووظائف، والدور الرمزي للأسرة على المستوى الرمزي وبوضع سياسات الدولة في الاعتبار. وتعرف زورزينكو «الأسرية الجديدة» بالرغبة الأخاذة لدى جميع مجتمعات ما بعد الاتحاد السوفيتي في تغيير أيديولوجية الجنس: حيث ظهرت الأسرية الجديدة كوسيلة لانتقاد الماضي الاشتراكي الاستبدادي والحد من تدخل الدولة والطريقة الأبوية في الحكم. ويعتبر تطبيق مبادئ الديمقراطية على العلاقات الأسرية، التي اتصفت بعدم المساواة، من أكبر أخطاء الدولة السوفيتية. وبالإشارة إلى عصر ما قبل المسيحية لإنشاء ثقافة قومية لأوكرانيا، حثت المناقشات العامة على العودة إلى أوروبا والغرب المتحضر لبناء هوية قومية للشعب الأوكراني وعلى الاهتمام بالتكاثر البيولوجي وتأهيل الأطفال. تؤكد زورزينكو أن «الأسرية الجديدة» ما بعد الاتحاد السوفيتي ما هي إلا موقف مناوئ للنظام الشيوعي، بل والأكثر أهمية، أنه موقف مناوئ للحداثة يحرم المواطنين حقوقهم الشخصية بما في ذلك حقهم في المساواة. فعقب المؤتمر العالمي للمرأة في بكين عام 1995، شرعت الحكومة الأوكرانية في مراقبة وتقييم موضوعات خاصة بالجندر. بيد أنه لم تفرق تلك الموضوعات بين «سياسات الأسرة» و «شئون النساء».

وتوضح كاثرين جراني، في مقالها بعنوان «الجنس السائد: بناء الدولة، الوطن، الأنظمة الحاكمة التي تقوم على الجندر في ترتزان ما بعد الاتحاد السوفيتي»، كيف طورت دول ما بعد الاتحاد السوفيتي أنمطة جندر أكثر ذكورية وتحيزاً للرجال مما كان عليه الحال في ما سبق تحت مظلة النظام الشيوعي، وهو ما عرف باسم «إعادة التقليدية» للمجتمع وبناء «ديمقراطية الذكور» أو «نهضة الذكور». وتشير جراني إلى أن دستور ترتزان لعام 1992 كان نموذجًا لحكومة ديمقراطية يتحكم بها الجندر. فتنص المادة 20 على أن:

«يتمتع كافة مواطني الجمهورية بالمساواة في الحقوق والواجبات وحماية الدولة لهم دون تفرقة على أساس الميلاد، الحالة الاجتماعية أو المادية، العرق أو الجنسية، الجنس، التعليم، اللغة أو الآراء السياسية».

وتنص المادة 30 على أن:

«تقوم الدولة بحماية الأسرة والأمومة والأبوة والطفولة. ويقوم الزواج على أساس الاتفاق الحر بين الرجل والمرأة، ويتساوى الزوجان في العلاقات الأسرية».

وتوضح جراني أن: «عدم الاهتمام بشئون الحياة الأسرية والتكاثر يعد إحدى الظواهر الفريدة للتطور السياسي الجديد في ترتزان، خاصة بالمقارنة بدول ما بعد الاشتراكية الأخرى». على العكس، تسعى الحكومة لخلق هوية تتميز بشعور قومي أكثر عرقية من خلال تأنيث المواطنين وإخضاع جميع السلالات العرقية لقيادة الدولة المتسلطة.

يستعرض ديفيد ابرامسون في مقاله «إيجاد القومية في أوزباكستان ما بعد الاشتراكية» ما تتعرض له النساء ممن يرتدين الحجاب في أوزباكستان والرجال الملتحون من مضايقات. يستغل مسئولو الدولة، بما في ذلك رؤساء الجماعات، سلطتهم الإدارية لفرض مظهر علماني بالقوة على الدولة والمجتمع. وهو ما يصفه ابرامسون برد فعل عكسي يكسبه قناع الحداثة صفة الشرعية، حيث لا يتفق فصل الدين عن شئون الدولة مع أسبقية المساواة في الحقوق السياسية والاقتصادية للنساء في العصر الحديث. كما يحاول الزعماء في أوزباكستان دعم قيادة الدولة بتطوير مواطن ما بعد الاشتراكية، وتحديث رموز وسياسات الشعور الجديد بالانتماء محاولة زعزعة هوية مع الأفراد من خلال بناء مجتمع إسلامي دولي.

تعكس إلينا جابوفا، في فصل بعنوان «وضع تصور للجندر، الأمة، والطبقات في روسيا البيضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي»، هذه الفكرة عن العلاقات الدولية قائمة على أن أكثر عمليات ما بعد الاشتراكية أهمية هي إيجاد اختلافات طبقية بدخول الأسواق، حيث تعزز المشروعات القومية ذلك النظام الاجتماعي الجديد الذي يميز الرجال. وسواء ما ناقشته الدولة من تكامل مع روسيا أو ما رجحته المعارضة السياسية من «عودة إلى أوروبا» كوطن مستقل، فالسياستان ما هما إلا طريقتان مختلفتان لتوزيع الثروة. حيث تلتزم الدولة بتحقيق برنامج العدالة الاجتماعية، أما المعارضة، فتلتزم بالقيم العالمية لحقوق الإنسان والسوق. وتسعى لخلق طبقة متوسطة ذات طابع غربي وذلك فيما يخص فرص الدخل وأسلوب الاستهلاك ومعيار الرجولة. واتخذت من تفعيل دور النساء وحمايتهن بشعور جديد بالخصوصية وسيلة لتحقيق ذلك.

يستعرض فصلا الجزء الثاني بعنوان «النساء واقتصاديات المنزل الريفي، استراتيجيات البقاء المنزلية. حيث تضمن رد الفعل الأساسي للكارثة الاقتصادية ما بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، التوسع في الكيان الزراعي بدول ما بعد الاتحاد السوفيتي الزراعية والعودة، وبخاصة النساء، إلى ممارسة أنشطة المقاولات على نطاق ضيق في الأسواق المحلية، أشارت دراسة جانين ويدل الهامة عن شرق ووسط أوروبا إلى كيفية قصر نشاط «التاجرات» بصورة أكبر على ما يمكن تسميته بالصناعات الريفية أو عمليات المقاولات الصغيرة. فهن يشترين ويعدن بيع المنتجات وتتركز جهودهن في مجالات الفنون، الأعمال اليدوية، أعمال النسيج، الأغذية والخدمات. ويعمل هؤلاء النساء بالقطاع غير الرسمي في العمليات غير المسجلة بالدولة وبالتالي فلا يقمن بسداد ما عليهن من ضرائب.

تستعرض سينشيا فارنر في مقالها بعنوان «تأنيث طريق الحرير الجديد: التاجرات في كازاخستان الريفية» كيف اكتشفت النساء سهولة الحصول على الدخل من خلال العمل «غير المرئي» مقارنة بالوظائف الرسمية، في بيئة يقدر فيها «العمل» مدفوع الأجر أكثر من «العمل المنزل» المجاني. تتمتع النساء في كازاخستان بما ورثه لهن العهد السوفيتي من حرية الحركة والهيمنة على المبيعات العامة للفواكه، والخضراوات والملابس، والأرز والمكرونة، والحلوى والفطائر والبضائع المصنوعة بالمنزل واللحوم. فتشترين هيمنتهن واستقلالهن داخل المنزل بما يحصلن عليه من دخل من مصادر خارجية.

وتعلق سوزان كريت في فصل بعنوان «الطبيعة الجندرية للتكيف في لفيلوساخا ما بعد الاتحاد السوفيتي، على الانعطاف النسائي في فترة ما بعد الاتحاد السوفييتي باتجاه «جمع شمل الأسرة» لمواجهة عدم تحمل الرجال للمسئولية وذلك من خلال العمل المضني والمحافظة على شبكة من العلاقات الاجتماعية. وتعرف كريت استراتيجية النساء في القرى في جممهورية ساخا بروسيا باستراتيجية «البقر والأقارب». فنتيجة لتفكيك الأراضي الزراعية التابعة للدولة ولانتشار البطالة بشكل واسع، كان على أي أسرة متوسطة مكونة من أربعة أفراد أن تحصل على بقرتين حلوب أو قطيع مكون من ستة أبقار لتوفير حاجتهم من اللحوم واللبن. وبينما امتلكت 10 % من الأسر بقرة واحدة عام 1992، وصلت نسبة من يمتلكون من ثلاث إلى ست أبقار إلى 55 % عام 2000 واقتسمت أسر من لهم أبقار العمل مع أقاربهم ممن لم يمتلكوا.

يطرح الجزء الثالث، المكون من أربعة فصول، بعنوان «الدمقرطة ونشاط النساء المدني»، التوتر السائد بين من يدافعون عن حقوق النساء ويرون الحصول على السلطة السياسية كعلامة هامة على تمكين النساء. ويشير واضعو النظريات ممن يؤمنون بالديمقراطية إلى أهمية دور نمو المجتمع المدني في تدعيم الديمقراطية. ويعد تزامن تواجد الرجال في السياسة الرسمية والنساء في المنظمات غير الحكومية من ضمن النقاط الهامة التي تتناولها الفصول الأربعة للجزء الثالث.

تعقد نيرة توحيدي في مقالها بعنوان «النساء، بناء مجتمع مدني، والدمقرطة في أزربيجان ما بعد الاتحاد السوفيتي» مقارنة بين التوقعات السوفيتية لمنح فرص التعليم العالي للنساء والعمل كعوض لهن، والرفض الوطني لقيام النساء المسلمات بأعمال لا تراعي صفاتهن النسائية مما يقوض مهامهن الأساسية. ونتيجة لذلك تجنبت النساء في أزربيجان الارتباط بالحركة النسوية وخاصة «النسوية الغربية» التي ارتبطت (على الأقل في أزربيجان) بالعدائية تجاه الرجال والأسرة. وعلى الرغم من ذلك، أوضحت مؤشرات موضوعية كيف ساءت حالة النساء والأطفال البدنية والعقلية في ظل هذه الطريقة للأمومة والاهتمام بالطفل ونقص الحقوق الإنجابية، منذ إعلان استقلال الدولة عن الاتحاد السوفيتي. وتشير النساء إلى تزامن هذا الانخفاض في مستوى المعيشة بشكل عام مع تهديد الموروثات الاجتماعية السوفيتية والرغبة السوفيتية في احتلال، النساء المناصب السياسية على المستوى المحلي والإقليمي.

وبالمثل، توضح لود ميلا بوبكوفا في مقالها «نشاط النساء السياسي في رويا» دراسة لحالة سامارا «كيف أشار عزل النساء من المناصب السياسية المحلية إلى فقد حماية الدولة للنساء في فترة ما بعد الاتحاد السوفيتي. تقع حركة النساء المستقلات في روسيا عند نقطة التقاء منهج «غير متحيز للنوع» (مبنى على المساواة في الحقوق وغياب التمييز على أساس النوع في الدوائر السياسية) ومنهج يتصف بالحساسية اتجاه الجنس الآخر» (يختص بتعريف الاختلافات الجنسية في اختيارات، وقيم وأولويات الناخبين والعامة). واكتشفت المرشحات أن لفت انتباه العامة لاستقلالهن يمثل استراتيجية انتخابية ناجحة فقط في حالة اتباع «أسلوب صاغر»، «غير مزعج، لأي من الناخبين أو الزملاء في الحزب. فبالنسبة لهؤلاء النساء، لابد من تستر القيادة في الحياة العامة فتتجنب هؤلاء المرشحات موضوعات مثل التمييز في العمل، العنف المنزلي، وتقدم النساء في الخدمات المدنية.

وفي محاولة استكمال ما قدم عن الدور القيادي للنساء، تصف أندريا بيرج، في فصل بعنوان «عالمان مختلفان: فقدان التكامل بين الشبكات النسائية غير الرسمية والمنظمات غير الحكومية في أوزباكستان»، التعاون المحدود بين الشبكات النسائية غير الرسمية والمنظمات غير الحكومية. تستعرض بيرج ما تقوم به نوادي المالوهي قريبة الشبه– «بالجمعيات» المصريةمن دور في حياة النساء المتزوجات. فتتيح هذه النوادي الفرصة للنساء لمناقشة مشاكلهن الخاصة والعامة مثل ارتفاع الأسعار والبطالة والقلق على المستقبل، وخاصة في الوقت الذي يهيمن فيه الرجال على الأنشطة السياسية الرسمية. وتسند بيرج ترأس كثير من النساء لعدد لا بأس به من المنظمات غير الحكومية إلى عزلهن من سياسات الاقتراع وإلى مشاركتهن في الخدمة المدنية مع تلك الهيئات المانحة التي تميز المنظمات النسائية والمشروعات المنحازة للجندر. فالكثيرات، تلك ممن ترأسن المنظمات غير الحكومية، كن يعملن في إدارة الحكومة أو الجامعات خلال العصر السوفيتي. وحافظن على ما اكتسبنه من أوضاع داخل المنظمات غير الحكومية.

يطرح الجزء الرابع والأخير للكتاب، المخصص «لمقابلات المساندة»، أسئلة هامة عن ما يقوم به الأكاديميون من أدوار. وبرغم ما لمقال كاثرين فيردي «ما هي الاشتراكية وماذا بعد ؟» (1996 Princeton) ومفهومها عن «الأمة الإشتراكية» من تأثير على أعمال عديدة نشرت ضمن هذه المجموعة، إلا أن هذا التأثير يتضح بصورة جلية في الفصول الأخيرة للكتاب. فتشير هذه الفصول إلى ما لاحظته فيردي من رغبة المجتمعات الغربية الرأسمالية، منذ اضمحلال الاشتراكية، في اعتبار هذا النظام احتكاراً «للحقيقة»، وبالتالي يكون من «الحكمة» بناء أشكال «ملائمة» للديمقراطية والرأسمالية. وتعرف فيردي الشكل الاشتراكي للأمة بأنه ليس ذلك الذي يعتمد على الهوية المدنية أو العرقية بل الذي يعتمد على رابطة أدبية واضحة بين الدولة ومواطنيها. ويكون للمواطنين «اعتماد شبه أسري» على الدولة وتفرض الدولة، حسب فردی، سلطتها الأدبية والقانونية مقابل إعادة الثروة وتوزيع البضائع بالعدل على أفراد المجتمعويسهل الإلمام بهذا المفهوم بالرجوع إلى ما كتبت دينيز كانديوتي: «صفقة أبوية».

تشرح ريبيكا كاي في إسهامها بعنوان «مواجهة التحديد سويًا: المنظمات النسائية الشعبية في روسيا وقصور العون الغربي» كيف تم إنشاء عدد من هيئات التمويل الغربية لتمويل النساء ومشروعاتهن. فتشير إلى أنه «حيثما يكون توزيع التمويل في خطر يكون من الضروري أن تعرف كل متقدمة بطلب للتمويل ما يجب عليها قوله لحض هذه الهيئات على مساعدتها واستخدام اللغة المناسبة للتعريف بمنظمتها أو مشروعها أو أهدافه بما يتلاءم مع أولويات وجدول أعمال الهيئة الممولة. «أما «البرامج، التي تقوم على افتراض أن «الغرب يعرف أفضل»، فتخاطر بتعظيم قدرة المستمعات على التقليد المقنع للغة ومواقف وهياكل الغرب أكثر من قدرتهن على الاستجابة للأولويات والمناظير المحلية وتوطيد الأنشطة والمشروعات داخل المجتمع المحلي. وتختتم كاي قائلة: يؤدي نقص موارد التمويل البديلة للجمعيات التي تديرها النساء وتعمل لأجلهن، إضافة إلى التركيز على «النظرية النسوية وتطبيقاتها»، إلى عزل بعض المنظمات الشعبية النسائية الصغيرة جدًا ذات التوجهات العملية، التي إما ترفض أو تتخذ موقفًا متناقضاً من الأهداف والأيديولوجيات النسائية الواضحة.

وتسهم ارين اسكانيان بفصل بعنوان «العمل عند نقطة التقاطع بين المحلي والعلمي: التحديات التي تواجه النساء في قطاع المنظمات غير الحكومية بأرمينيا. تتأمل اسكانيان المفارقة بين وصف الديمقراطية والمجتمع المدني بأنها «قيم يتمسك بهما العالم» والمظاهر، والتحول والتكيف المحليين. قادت النساء ثلثي المنظمات غير الحكومية التي بلغ عددها 3500 منظمة عام 2003. وتتجه النساء إلى المنظمات غير الحكومية لعدة أسباب. فمنذ انعقاد مؤتمر بكين أعلن المتبرعون أن النساء من أكثر المنتفعين بمساعدات النمو «اقتصادًا». عندما يصبح «خطاب الجندر» أحد العوامـل الهامة للحصول على المنح، يؤول العمليون الأيديوليجيات التقليدية بما يتناسب والاحتياجات المحلية. كما أوضح رؤساء أحد المنظمات غير الحكومية: «إن هدفنا ليس متابعة جدول أعمال نسائي انشقاقي، بل العمل من أجل صالح الأمـة بأكملها». ورغمًا عن ذلك فبالاستعاضة بلقب «أنثوي» عن لقب «نسوي» لوصـف أنفسهم ووصف جداول أعمال منظماتهم، لا يستطيعون تناول العنف المنزلي كأحد قضاياهم.

في الفصل قبل الأخير لميشيل ريفيكنفيش بعنوان «الجندر والديمقراطية: استراتيجيات الاشتراك في والحديث عن الشئون النسائية ما بعد الاشتراكية في سانت بترسبرج»، توضح الكاتبة كيف تحاول الهيئات المانحة توصيل مجموعة من الأهداف المحددة التي يجب على مجتمع ما بعد الاشتراكية تحقيقها. وذلك من خلال تناول الموضوعات النسائية المختلفة. فتقول ريفيكنفيش أنه «كثيرًا ما تمت الموازة بين تحقيق التقدم في وضع النساء والسعي إلى تغيير ديمقراطي في الدولة الاشتراكية السابقة». فبعكس الكثير من المستشارين الاقتصاديين الغربيين، استطاع هؤلاء العاملون تفسير التغير السياسي على مستوى العالم كعملية جنسية بالطبيعة. فإضافة إلى ما قدمته الفصول السابقة من توضيح لما تقوم به المشروعات من منح الفرص للأصوات النسائية وتحديد حقوق النساء دون النظر إلى الثقافة أو الظروف المحلية، تلاحظ ريفيكنفيش أن «تشجيع تقوية النساء خلال اشتراكهن في الأحداث العالمية يتضمـن توزيعًا مركبًا للسلطة علـى المستوى المحلي. على سبيل المثال، يسعى مسئولو الصحة في روسيا إلى الحصول على تمويل إضافي للمستشفيات، مع العلم أن تلك المستشفيات، التي وفرت الحماية للأمهات، أغلقت أبوابها سريعًا، وتركت الطبيبات المهنة، مما ترك شعوراً دفينا بالإحباط والقلق في الدوائر الصحية. ورغمًا عن ذلك، حاولت ممثلات لمنظمة الصحة النسائية الربط بين تدهور الحالة الصحية للنساء وطرق النظام القديم التكنولوجية في التعامل مع أجساد النساءواصفة الخدمات الصحية التي قدمت للأمهات «باللاإنسانية الشديـدة» ورغـم اختلاف المنهجـين في تصورهما لتاريـخ تسلسل النسب، يعتمد الأول على الاعتقاد في الطب الطبيعي، ويقوم الآخر على الربط بين تحسن الحالة الصحية للنساء والطب الطبيعي عقب ظهور «الصحة العامة الجديدة» في السبعينات. وفي خضم هذا الخلاف بين الثقافات الطبية، لم تحفز النساء على تقرير مصيرهن بالشكل الذي يعكس مبادئ الديمقراطية.

وتختتم جولي هيمييت الكتاب بفصل بعنوان «وضع استراتيجية الجندر والتطور: البحث الاجتماعي والمسئولية الإثنوجرافية في الأقاليم الروسية» وتبدأ الكاتبة بتوضيح كيف أدى نقد تداخلات النمو – كما هو الحال في الفصول السابقة – إلى عواقب غير متعمدة. فالتحول المقلق في وصف روسيا بالمشروع «الضائع» أو «الخافق» في التقارير الوصفية، له سياسة ضمنية، وقد يؤدي إلى تراجع المانحين الأجانب عن مساندة المنتفعين الروس. وبالرغم أن هؤلاء المانحين قد أثبتوا أنهم أصدقاء النساء كالدولة السوفيتية، فحتى تصور انسحاب برامج المساعدة له عواقبه الخطيرة على أمن الرجال والنساء المادي. وتختم هيمييت الفصل بعدة أسئلة هامة مثل: ماذا يتحتم على الباحثين القيام به من أدوار، وما هو موقفنا من هذه الجمعيات المحلية والمانحين على مستوى العالم ؟ وكيف يمكننا نشر المفاهيم التي نتجت عن التواصل المستمر مع العاملين المحليين بطريقة لا تهتز بها ثقتهم ؟ وكيف يستطيع الباحثون إقامة حوار أفضل مع المساهمين ؟

 

رانيا الشباسي: مدرسة مساعدة بقسم اللغة الانجليزية.

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي