حوار مع امرأة مناضلة

اعداد بواسطة:

عرب لطفی

لقد تم إجراءُ هذا الحوار عام 1986، وهو جزءٌ من ملف عام عن تجربة المقاومة الوطنية اللبنانية والفلسطينية ضدَّ الاحتلال الإسرائيلي بجنوب لبنان.

واهتمامي بنشر هذه المقابلة في الملف المذكور أعلاه، يرتبطُ ارتباطًا وثيقًا بتصادفِ نشر هذا العدد من المرأة الجديدةمع الانتفاضةِ العملاقةِ للشعبِ الفلسطيني في الضفة والقطاع وداخل الأراضي المحتلة منذ عام 1948.

وبالرغم من أن المقابلة مع فتاة لبنانيةِ من فتيات المقاومة الوطنية، إلا أن جوهرَ القضية لا يحددها هويةُ المقاومة الإقليمية، وإنما هويته الكفاحية الوطنية العربية.

فهذه المناضلةُ لبنانيةُ الهوية، عربيةُ الانتماء، وتقفُ واحدةً من جيش كامل من المناضلين العرب الذين قاوموا ولا زالوا يقاومونَ ببسالةِ الوجود الصهيوني والامبريالي على أرضنا العربية.

هؤلاء المناضلين الذين شكلوا ويشكلوا لنا الطلائعَ الأولى على طريقِ حرية الشعبِ الطويلة الأمد، لتحرير كامل للتراب الفلسطيني والعربي من الوجود الصهيوني والاستعماري بكافة أشكاله.

إن هذه المقابلة محاولةٌ لفهم ما يدورُ في ذهنِ المقاتلِ أو المقاتلة أثناءَ خوضهم لتجربة النضال اليومي ضد العدو.

الاسم : منى فياض

السن: ٢٢ عامًا (كان هذا عام 1986 علمًا بأنها اعتقلت عام ٨٤ أي أنها كانت في تلك الفترة تبلغ من العمر 19 عامًا).

العمل: مُدرسة من قرية أنصار (قرية في الجنوب اللبناني).

منذ أن خُلقنا، وكنا في مناخ بعيد عن الوجود الإسرائيلي؛ ونحنُ نسمع أن الإسرائيلي بعبعقالوا لنا ذلك وكنا منتظرين أن نرى كيف يكونُ هذا العدو.

عندما دخلتُ إسرائيل حصل نوعٌ من الإحباط العام، والإحساس بأن إسرائيل قادمةٌ لتأخذنا جميعًا. كان هناك نوعٌ من الإحباط النفسي والجسدي، وابتدأت الناسُ تتململُ وتحاول الهروب بأي طريقة.

في 4 حزيران (يونيو) دخلت إسرائيل. انتظرنا لنرى ردَّ الفعل عند الناس، فوجدنا حالةً من الجمود لفترة أسبوع أسبوعين.

 

 

كانت الناسُ تحاول أن تستوعبَ طبيعةَ العدو. بعض الناس، نتيجةً لخوفهم، وبعض الناس نتيجةَ عدم قدرتهم على استيعاب طبيعة الاحتلال، ولأنهم لا يملكون أي تجربةَ لطبيعة الاحتلال استقبلوا الإسرائيليين بشكل حسن.. نتيجةً للخوف أو وهم الحماية. فالناسُ عندما تعاملت مع الإسرائيليين في البداية لم تقم بذلك من منطلقِ خيانة، وإنما كنوع من حمايةِ النفس.

لذلك فأنا مثلاً كمواطنة، عندما رأيتُ الحالة السائدة بعد أن دخلت إسرائيل، حصلَ نوع من الانبهار. تصورت، هل ممكن لنا نحن اللبنانيين أن نستطيعَ الرجوعَ للخلف لنعيش تحت حكم العدو ونبقى مدعوسين؟ كان عندي شعورًا غريبًا. وبتصوري كل جنوبي مناضل أو كل لبناني وطنى كان قد أحسَّ بمثل هذا الشعور الذي أحسُّ به.

فتولدَ عندي شعورٌ طبيعي بأهمية القيامِ بعمل ما ضد الاحتلال. لا يجبُ أن ندعَ العدو يستغل الضعفَ أو حالةَ الإحباط الموجودة بين الناس. يجبُ أن نُعزِّزَ في الناس القوةَ، ونشدَّ لهم عزيمتهم ولو قليلاً. إنَّ هذا الجيش المحتل. لا يُمكنُ أن نعيش بذلٍّ تحت حكمه. أو نعيش تحت حكم الفاشيين. لقد كنا قبل ذلك نحاربُ الطغاة، ونحاربُ الكتائبالتسلط، فلا نريدُ أن نعود الآن بعد كل هذا الصراع للعيشِ تحت حكم دولة محتلة لنعيش كأذناب لها .

س. هل كانت هذه المفاهيم، أثناءَ لحظة الاحتلال، واضحةً عندك بهذا القدر من القطيعة أم كان هناك بداخلك تناقضات أخرى؟

ج. كان هناك تناقضات.

س. أرجو أن تستطيعي سردَ إحساسك في تلك اللحظة.

ج. مثلاً كنتُ أحسُّ بنوع من الحماس، أنى لازم أعمل شئ. وفي نفس الفترة يحصل عندي نوع من التراجع. يمكن لأنه لم يكن هناك نوعٌ من التوعية الكافية. أو نتيجةً للخوف السائد عندَ بعض الناس في التعاطى معى في هذا المجال. لأن أعضاءَ الكوادرِ الوطنية كانوا في البداية يتلمسون طريقهم بحذر. يخافوا يحكوا معك نتيجةً لأنهم مراقبين أو مخاوف أخرى.

ولكن عندما ابتدأت تتعززُ نضالاتُ جبهة المقاومة الوطنية؛ ابتدأ هذا يشكلُ دعمًا لنا . ابتدأنا نشعرُ أن هناك وجودٌ لأناس يعملون على حمايتنا.

عندما كنا نرى التعذيب الذي يُمارس على شبابنا، أو الاعتقالات الجماعية التي كانت تتمُّ في الساحات العامة في قرى الجنوب. وضرب الشباب بكعوب البنادق وإذلالهم، كان هذا يخلق نوعًا من الاندفاع بداخلنا. كتجربة ذاتية تخصني مثلاً، أنا يمكن صرت أشارك في صفوف جبهة المقاومة نتيجةَ هذه الأمور التي كانت تجرى أمامي. رؤيتي للتعذيب وإذلال شبابنا الذي يُمارس أمام الناس.

س، كيف بدأت بالتفكير في الانتماء لجبهة المقاومة؟

ج. لقد فكرتُ في قضية الانتماء من قَبل الاحتلال المباشر للجنوب. وفي الفترةِ التي دخلت فيها إسرائيل استمريت في نشاطاتي الوطنية، ولكن الأكيد أنها أصبحت نشاطات سرية. نشاطٌ من نوع تسليم رسائل لخلايا جبهة المقاومة مع بعض.

كان نشاطي في البداية بحكم وجودي في الجنوب وكنت معلمة مدرسة، أنتقلُ دائمًا بين مناطق الجنوب، لم يكن هناكَ شكوكٌ حولى وبالتالي لم يعترض أحد، لذلك كنتُ أسَهِّلُ عمليات كثيرة لأبطال جبهة المقاومة، واستمرَّ ذلك حوالي أربعة أشهر تقريبًا . تموز، آب، أيلول، كانون ثاني (يوليو، أغسطس، سبتمبر، أكتوبر). في كانون ثاني تقريبًا توفى أبي نتيجةَ ظروف الاجتياح، مما دفعني لأعمال أكثر اندفاعًا، لأنَّ إسرائيل وعملاءها كانوا سبب مُصابنا هذا .

س. كيف؟

ج. دخلوا بيتنا واحتلوه وطردونا منه وأهانونا. اتهمونا أننا مخربينوبايعين البيت للمخربينفتم طردنا بطريقة قذرة.

س . لماذا فعلوا ذلك؟

ج . لأننا وطنيين. قام العملاءُ المحليين بالشتم والتكسير للمنزل، ومعهم قوات من جيش الاحتلال، فحصلَ أن أبي توفي نتيجةَ هذه الممارسات بنفس الساعةفورًا.. سكتة قلبية، ومات.

هذه الحادثة ولَّدت عندي الاندفاع. يعني هذه المسألة العاطفية دفعتني أكثر، إن أبي توفى بسبب الاحتلال الإسرائيلي، ونحنُ أناسٌ وطنيونَ وهذه الأرضُ لنا وهذا ترابنا، ولأننا نرفضُ أن نعيش بذلٍّ تحت حكم دولة أخرى تريدُ أن تحكمنا.

يجبُ أن نتطور ولازم نحرر أرضنا وبلدنا. مش مفروض أن نظل نمد أيدينا للناس کي نعيش أو نظل محميين بناس تانية. والتحرير لا يتم عن طريق إلقاء المحاضرات عن التحرير. أو أنى أفقعبيانات صحفية للناس. إن تعالوا نحن نريد التحرير أو أى شئ. إذا الإنسان لم يجرب، ويدخل ويشارك فعلاً بالعمل لا يكون هذا الإنسان مناضلاً أو وطنيًا حقيقيًا.

لذلك فلقد تركزَ نشاطنا على الأعمال الحية، وكان طابعها الأساسي سري، وكان هذا العمل ناجحًا جدًا بالنسبة لنا مرت ظروف حوالي سنة على الاحتلال الإسرائيلي فاعتقلت في 13 حزيران (يونيو ٨٣) من قبل العدو وعملائه من جيش لحد .

س. بأي تهمة؟

ج. الانتماء لجبهة المقاومة الوطنية.

س. بتهمة القيام بعمليات أو مهام من نوع آخر؟

ج. القيام بعمليات وتوزيع ديناميت وأشياء من هذا النوع، كان هناكَ شهيدٌ من جبهة المقاومة الوطنية استشهدَ في منطقتنا، وكُنا معه في نفس العمل، فلما استشهدَ اتهمونا بأننا كنا معه في زرعِ المتفجرات. تم اعتقال 3 رفيقات لنا بالإضافة لى. أنا ورفيقتين خيرية الجمالوأختها أنيسةمن عندنا من المنطقة، كانوا يعملون في النجدة الشعبية (مؤسسة طبية جماهيرية). والثالثة عفيفةكانت خياطة.

لم نكن نعرفُ بعضنا شخصيًا حتى إذا تمَّ اعتقالُ أحدنا لا نستطيعُ الاعترافَ على الآخرين لو ضعف.

على العموم، يجبُ على المقاوم أن يكونَ مقتنعًا بقضيته، متمتعًا بأعصاب قوية، وقادر على تحملِ كل الظروف الصعبة، يجب عليه أن يكونَ أقوى من الظروف التي تمر عليه لكي لا يوقع برفاقه أو كل الخلية التي يعمل معها.

فلما اعتقلت بقيتُ صلبة. طبعًا التحقيق كان يتم بأشكال شديدة القذارة.

أولاً نحن كبنات كانوا يستعملون معنا أساليب نفسية قذرة. التحقيق ليلاً حتى الفجر. وفي الصباح يبدأون باستعمال طُرق الإزعاج. أو مثلاً يدقوا على الباب عندما تحاولي أن تنامي، أو يدخل أحد كوادر

 

المخابرات يوسخ في الكلام علينا ، أو يحمل آلة كهربائية يهدننا بها. أو يقول بدى جيب لك عبد أسود ينام معك“. كلام من هذا النوع. ولكنى كنت صلبة وأنكرت أيَّ عمل قمتُ به، لأنهم أساسًا لم يكونوا يملكون دليلاً ماديًا رغمَ تفتيشهم لي ولبيتى وأشيائي الخاصة.

س. هل ضربوك؟ كيف؟

ج. أول يومين ضرب كفوف وشد شعر. ضابط المخابرت يخبط رأسي بالحيط، وإذا أردت دخول دورة المياه، يقولُ لى أجلسي هنا، سأحضر لك كباية لتتصيري بها، أو يقف لى على باب دورة المياه عميل من عملائهم يبتدي في الغناء ليوتر أعصابي أثناء وجودي في التواليت.

وأوقات أثناء التحقيق يأتى أحدهم يضرب رأسي بالحائط، ثم يضعوا رأسي في كيس قماش من قماش البدلات العسكرية رائحته كريهة، ويربطوه بشده حتى يقطعوا نفسي، ويربطون يدى للخلف ويركعوني أمام الشباب الآخريين المعتقليين وأمام الجنود.

أحياناً كانوا يستخدمون طريقةً أخرى للضغط علىَّ بأن يُظهروني أمام الشباب المعتقلين من جبهة المقاومة الوطنية. ويوقفوني أمامهم ثم يُعروهم. تمامًا ويُحضروا ماء ساخنًا وكرابيج ويبدأوا بصب الماء عليهم، ويضربوهم بالكرابيج لتنهارَ أعصابي.

كانوا يعتقدون أن أعصابي قد انهارت، وكنتُ أدَّعى أنى منهارة، ولكن بداخلى عندما رأيتهم يمارسونَ تعذيبهم على شبابنا كنتُ أحسُّ أننى أصبحتُ أكثر قوة. وأعودُ لغرفة التحقيق وأنا أكثرُ قوة بمراحل، لدرجة أن ضابط المخابرات وصلَ لمرحلة يقولُ لي فيها: لن أخرجكِ من هنا حتى أكسر رأسك، أريدُ أن أعرف ما يوجدُ في داخل رأسك. أنتم اليساريين كلكم سواء، يُعلموكم على الخبث والحقد . أنتم أناس فاشيين.

شوفي!!! قال بيتهمنا بأننا فاشيين!!! وبيقول بإننا بنقوم بالأعمال الإرهابية.

سألني أنت بتحبينا؟ بتحبى إسرائيل؟ فقلت، لا ما بنحبها، قال لي، ما بتحبيها وبتقولي ذلك أمامي. قلت له إذا بدى أقول إني بحبها بكون عم بكذب عليك، لأنه أنا من أول ما خلقت وبعرف أنه أنت عدونا وبنكرهك. وحتى ما بحبك لأني دخلت على المعتقل وشفت التعذيب. ومهما فعلت ستظل أنت عدو بالنسبة لنا. قال لى، لماذا؟ نحن لم ندخل لاحتلال لبنان.

قلت له، یعنی أنتم محتلين 3 / 4 الأراضي اللبنانية وستحتلوا كل الدول العربية ولسه بتقول نحن جيش الدفاع الإسرائيلي عم بندافع عن أنفسنا.

كان هناك العديد من النقاشات السياسية بيننا ولكنى كنت حذرة جدًا

 

يعني مثلاً يخوض معى نقاشات عن الأحزاب العقائدية. شيوعيين، قوميين، بعثيين، وأحيانًا التيارات الدينية كحركةِ أمل” / يريد أن يستثير عامل الدين.

مثلاً يقول، أنت شيعية. مش مفروض تقومي بأعمال إرهابية. لأن السنة والدروز سيأخذون لبنان وتبقوا أنتم خارج اللعبة، مدوا يديكم لنا ونحن مستعدين نعاونكم، ومعًا نستطيع أن نعمل الذي نريده، قلت له لا، اخرجوا من لبنان وكل شئ بيصير كويس. استمرت فترة التحقيق حوالي سبعة أيام على هذه الحالة. بالليل، بالليل على طول بالليل. حتى انهارت أعصابي. آخر الشئ صاروا يجيبوا أوراق يريدون أن أمضى عليها.

تضمن أنى من بلدة أنصار منتسبة للمنظمات المخربة ومشاركة بأعمال تخريبية ضد جيش الدفاع الإسرائيليطبعًا، رفضت الإمضاء على الأوراق، فحاول إجباري على الإمضاء فمزقت الورقة . كان العقاب عليها الجلد بالكرباج. جلدنی ۳ جلدات. وآخر الفترة كان يعلق يدى بالشباك ويقول لي منظرك حلو وأنت واقفة هكذا.

س. المحقق مخابرات إسرائيلية؟

ج. طبعًا مخابرات إسرائيلية. وبيقسموا أدوار. واحد بيستعمل أسلوب العنف والتاني بيستعمل أسلوب التهذيب ز. و أنه هو عنده أخلاقو بيحترم البنات ز . بأي معنى بيحترم البنات، بطريقة وسخة، يعني يكون الأول عم يشتم. يأتى الثاني يقول له . لأ أبو موسى مش هيك بيحكوا مع الجنس الطيف بتحكيهم بتهذيب. ويحاول أن يتقرب منى بطرق وسخة كتير. مثلاً يحاول يقبلني. وكنت طبعًا أبتعد وأتوتر ولكن وجودك داخل المعتقل يضعك بحالة عجز…… كانوا يتبادلون الأدوار.

بعدَ أسبوع من التحقيق بشكل همجي تم نقلي للزنازين. فتحوا بوابةَ المعتقل وفورًا رموني للداخل مع صرة ثياب عبارة عن إسبادري (حذاء كاوتش) وبدلة عسكرية وقبل ما أدخل لأخذ دوش فرضوا علينا الوقوف عراة. وتأتى شرطية لتفتيشنا تفتيش دقيق. ثم ندخل للاغتسال. بعد الدوش دخلت ونمت. ثاني يوم أرسلوا ورائي للتحقيق.

داخل المعتقل طبعًا وجدتُ رفيقات معتقلات من قبلي. صاروا يحكوا لي عن الجو بالمعتقل. كنا معتقلين بالريجي” (مصنع التبغ) في منطقة النبطية.

كنا 15 فتاة (من البازورية ومن مخيم عين الحلوة واثنان من البقاع الغربي واثنتان سوريات) السوريات كانوا جوزفين يوحنا، كانت مقيمة في بحمدون (مدينة لبنانية في الجبل) وشاركت مع المقاومة الوطنية هناك. والثانية تدعى ليلى، سورية درزية من سكان الجولان. وقد قبض عليهما في بحمدون. كانوا عضوات في جبهة المقاومة الوطنية في الجبل. عندما دخلت إسرائيل اعتقلوهم ووضعوهم فترة في سجن الرمل داخل إسرائيل، ثم أحضروهم على لبنان في إيار (مايو ۸۳).

في المعتقل أصبحنا أكثر ارتياحًا على المستوى النفسي. لأن المعتقل أفضل من التواجد عند المخابرات. تعرفنا على الرفيقات المناضلات طبعًا. وصرنا نعمل اجتماعات دورية وننظم نشاطنا داخل المعتقل حتى ما نحسسهم أن عملنا انتهى. بالعكس نحن داخل المعتقل نستطيع أن نقوم بنشاطات كثيرة ضد الشرطيات ونقاشات سياسية وأشياء أخرى. صحيح أننا في المعتقل ولكن الناس في الخارج أيضًا تعيشُ في معتقل. يعني مثل ما الناس في الخارج مستمرة في المقاومة يجب علينا هنا أن نقاوم، يجب أن نقاوم كل يوم بالاحتجاج على وجودنا داخلَ المعتقل وبالاحتجاج على احتلال أرضنا.

وجدنا أننا مُلزمين بمتابعة أعمال جبهةِ المقاومة الوطنية. طبعًا، ضمن الإمكانيات المتاحة داخل المعتقل. كان دائمًا هناك تلامس، وضرب بالأيدى بيننا وبين شرطيات العدو. كانت بعض المناضلات ترسمنَ العلم اللبناني أو ترسم صورة مقاوم يضرب دبابة إسرائيلية. فيخرج الجنود ليجبرونا أن نمحيها فنرفض. فيسجنونا سجن انفرادی ١٥ يوم.

أذكر مرة جاءَ لعندنا وفد مناضلي أنصارجاؤوا يزورونا شباب منهم صلاح التعمري ومعه بعض الرفاق. فقاموا أعطوني قداحة ولاعةخبأتها في ياقة الجاكت. فلما رأت الشرطيات القداحة. قالوا ، لمن هذه. قلت لهم، لي، فأعطوني عقوبة 15 يوم انفرادی.

أثناء تهيئتي لدخول الحجز رأيت كبريتة الشرطية موضوعة على الطاولة الترابيزةفسرقتها وأدخلتها معى الانفرادي. ففوجئوا بعد 15 يوم عندما خرجت من الزنزانة أننى أعطيتهم الكبريتة. وقلت لهم، أنتم لم تستطيعوا منع شئ عنى. لقد دخنت طوال فترة وجودي بالانفرادی لأن معى الكبريت؟ وعندما حققوا عرفوا أنها للشرطية لذلك اضطروا لمعاقبتها بتهمة الإهمال. وهم لا يستطيعوا معاقبتي لأن الشرطية هي المسؤولة.

في يوم الاستقلال (مع العلم أنه لا يوجد استقلال حقيقي لبلدنا) ولكن حاولنا أن نعمل احتفال. فقمنا بمظاهرة داخل المعتقل وعملنا أفيشات احتجاج على اعتقالنا. بأننا نحن كنساء يجب الإفراج عنا. وصرنا نُندد بالأنظمة الرجعية العربية. أين الأنظمة العربية التي تنادي بشرف المرأة وتتشدق بشرفِ المرأة على طول. طيب، الآن أين هو شرف المرأة عندهم. بالنسبة لهم. إسرائيل أخذتنا، وهي عدوة مغتصبة، ووضعتنا في المعتقلات لم نسمع صوت عربي ندد باعتقالنا أو حتى قال إن إسرائيل ما لازم تقوم بهذه الأعمال.

صار عندنا رد فعل وقمنا بمظاهرة أرعبت الشرطيات صاروا يقولوا عننا مجانين.

وصارت بعض الأمهات (كان معنا أمهات أطفالهن صغار). مثلاً كان معنا فتاة تدعى خديجة عرندس. كان عمر بنتها 3 أشهر عندما أخذوها وتركوا الطفلة في البيت. فكانت تتكلم باسم الأمومة وكنا نُشجعها دائمًا ونحمس البنات ونرفع معنوياتهم.

لم نكن نريد لأى واحدة منا أن تنهارَ أو تفلت أعصابها. كنا نريد أن نظهر دائمًا بمظهر الأقوياء. ونحنُ فعلاً أقوياء. نحن أقوى منهم ولا نخافُ منهم ويجب أن نخوفهم منا ليبقوا دائمًا كيفما تحركوا يتذكرون بأننا نحن اللبانيين الوطنيين أرهبناهم.. ليس بمعنى أننا إرهابيين ولكن أن أسطورة الجيش الإسرائيلي الكاسحة للعالم العربي، استطاع شعبنا والوطنيين الشرفاء فيه أن يُركعوا هذا الجيش. وأنه بالرغم من أن إسرائيل قد احتلت العديد من الدول العربية، إلا أن الوطنيينَ الشرفاءَ وجبهة المقاومة الوطنية استطاعت أن تطردها من لبنان خلال 3 سنوات من العمل الدؤوب.

مرت 3 أشهر أهملتنا المخابرات. صرنا مثل شئ مرمى. وصار يجئ الصليب الأحمر يزورنا كل 15 يوم مرة. وأحيانًا كانوا يعاقبونا بمنع الصليب الأحمر من زيارتنا. وأحيانًا كان الناس العاملين في الصليب الأحمر نفسهم ليسوا أهل ثقة. فلذلك كنا نأخذ حذرنا منهم. وأحيانًا عندما يحصل صدامات في المعتقل بيننا وبين الشرطيات، كانوا يرشونا بالغاز أو يحقنونا بالفاليوم لكي نغيب عن الوعي.

كنا نبحث هذه الأمور مع الصليب الأحمر. ولكنها لم تُعطى نتيجة. لم يكن أحد يسأل عنا أو يسعى لمساعدتنا في احتياجتنا الأساسية. استمرَّ هذا الوضع إلى أن تمَّ الإفراج عنا من خلال عملية تبادل أسرى. جاءت مسؤولة المعتقل قبل يومين من الإفراج. وأخبرتنا أنَّ كلَّ الصبايا سيعودون إلى بيوتهم. وصارت تُعطينا ملاحظات وتُوجهنا بأننا عندما نعود إلى بيوتنا يجب أن ننتبه لأشغالنا ومصالحنا، ولا نضايق جيش الدفاع الإسرائيلي“.

الإسرائيليون جبناء، وليست عندهم تجربة بالحياة. فهم يتصورونَ أن كل شئ لا يسير إلا بطريقة همجية. يمكن لأن دولتهم بُنيت على العَسكر والروح الهمجية.

لم يعرفوا أن درسَ المعتقل أعطانا دفعةً للأمام، وكنا منتظرين اللحظة التي سنخرج بها لنعود ونجددَ نشاطنا في صفوف جبهة المقاومة. لم يعلموا أننا خَرجنا ونحنُ أقوى من الأول.

عندما اعتقلنا بتهمة الانتماء لجبهة المقاومة، كان عملنا يمكن لا يستحق الاعتقال. أو يستحق أن نكون معتقلين بسببه. ولكن من خلال هذه التجربة في المعتقل، كُبرت تجربتنا وأحسسنا بأنها صارت أغنى، وأنها يجبُ أن تُصبح أكبر وأكبر. أحسسنا أن المعتقلَ أعطانا دفعة للأمام وبأننا الآن أصبحنا فعلاً في جبهة المقاومة الوطنية، والآن يجب أن تكبر تجربتنا .

لأننا احتكينا بشكل مباشر مع جيشِ العدو، وصرنا نعرف نقاط ضعفه ومن ماذا يخاف. صرنا نعرف أنه جبان. يخافُ من أي مواجهة حتى بالكلام. فكيف إذًا عندما سنواجهه بحرب العصابات (نحن نسميها حرب عصابات ليسَ لأننا عصابات، ولكن لأن الظروف حَكمت علينا أن نعيشَ كعصابات ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي). فتبلورت فكرةُ جبهة المقاومة عندنا بشكل رهيب .

صرنا ننتظرُ لحظةَ خروجنا من المعتقل بفارغِ الصبرِ لنبتدئَ بالعمل ضدهم، ولو بعد 5 دقائق من خروجنا. نريدُ أن نعودَ ونتصلَ ونرى أبطالَ جبهة المقاومة، ونُجدد نشاطنا معهم وندعمهم أكثر وندفعهم للأمام.

البنتُ في جبهة المقاومة يكونُ لها تأثير فعال أكثر من دور الشباب. لأن الجميع يظل ينظر لها على أنها بنت مقاومة“. الشباب قدمت والبنات قدمت، ويمكن في هذا الإطار استشهدت العديد من فتيات جبهة المقاومة أمثال: لولا عبود، وفاء نور الدين، سناء محيدلي، يسار مروة. العديد من الشهيدات ذهبوا، وهذا أيضًا كان يخلق عندنا رد فعل.

كان كلما يزيدُ عدد الشهداء، أو نسمع بعملية، يزيدُ إيماننا بأبطالِ جبهةِ المقاومة. كُنا نشعر بأن الذي يريدُ أن يحررَ أرضه ويعيش بكرامته مفروض أن يسير على هذا الدرب.

كنا نشعرُ بقيمة الإنسان في جبهةِ المقاومة، ولذلك كنا نُقدمُ كلَّ الدعم المعنوى والمادى وكل الإمكانيات التي كان يحتاجها المقاوم. لم نتاجر بأبطالنا.

كانت الممارسة والعمل حقيقية في جبهةِ المقاومة التي كان لنا شرف الانتماء لها.

س. ماهي الأدوار الأساسية التي كانت تضطلع بها الفتيات؟

ج. كان حسب نوعية كل بنت. كنا نأخذ بعين الاعتبار القوة الفكرية والجسدية. يعني أعصاب.

أعمال الجبهة متنوعة. كان هناك العمل السياسي (وهذا يدخل في عمل الجبهة) أن نقوم بتوعية الناس وتوصيل التقارير عن نشاط جبهة المقاومة وإنجازاتها.

كانَ هناك العمل العسكري. الفتيات اللواتي يَقمن بالعمل العسكرى يجب أن يكونوا مُدربات. وكانو يجربوا بعمليات وهمية للتأكد من قدراتهم…..

كان هناك نشاطات عديدة، توصيل التقارير. تحريض الناس وتوعيتها، تهريب السلاح وتخزينه، تنفيذ العمليات….

البعض من الفتيات استشهد، مثلاً لولا عبود أو وفاء نور الدين. استشهدت كل واحدة منهما في عملية مستقلة عن الأخرى. استشهدتا لحمايةِ المجموعةِ التي كانوا معها . مثلاً لما تم تنفيذ العملية لولا عبود جُرحت، ورفاقها ورائها. فلتحمي رفاقها الذين كانوا معها في نفس العملية؛ اضطرت أن تنفذَ عمليةً انتحارية لتُلهى جيشَ الاحتلال عن المجموعة، وتساعد رفاقها أن يكملوا انسحابهم.

س. هل يسار مروة أول شهيدة؟

ج. نعم يسار مروة أول شهيدة لجبهة المقاومة في العمل النسائي.

س. هل استشهدت في عملية انتحارية؟

ج. لا، كانت زارعة لغم لدورية إسرائيلية، فبعد أن تم تنفيذ العملية مباشرة. كشفوا وجودها في موقع العملية. فلاحقوها وحاولو أن يحاصروها ويعتقلوها، ولكنهم لم يستطيعوا لأنها قاومت حتى النهاية وبعد إطلاق النار المتبادل استطاعوا أن يصيبوها فاستشهدت.

س. كم عمر يسار مروة؟

ج. عندما استشهدت كان عمرها 17 سنة.

س. ومتى استشهدت؟

ج، سنة ١٩٨٤ ولولا عبود في ٢٢ نیسان (أبريل ١٩٨٥) ووفاء نور الدين في حزيران (يونيو 85). بعد لولا عبود . وهناك عملية سناء محيدلي على طريق باثر أيضًا عام 85.

من كان هناك وسائل كثيرة، وكنا لا نشعرُ بلذةِ العمل إلا بعد تنفيذه. كنا نحسُّ بسعادة عندما نتأكدُ أننا قادرين على خداع ِالإسرائيلين. وكانت بالقدر الذي تزدادُ فيه قوةُ جبهة المقاومة نحسُّ بأننا نحنُ الذين أصبحنا أكثر قوة. الجماهير كلها أصبحت أكثر قوة. يعني عندما دخلت إسرائيل كانت الناس مُحبطة، ولكن بعد فترة ابتدأنا نلاحظ بأن الناس صارَ عندها نوع من الرعشة والانبساط. ابتدأنا نتغير لأن المقاومة كانَ لها تأثير كبير على حياة الناس العاديين الذين لم يكن عندهم أي معرفة بمعنى الاحتلال.

من خلال ضربات جبهة المقاومة تغيرت النزعة عند الناس، وتغيرَ مفهومُ الاحتلال. أول ما دخلت إسرائيل كان بعض الناس يقولوا أن إسرائيل ما عندها شئ أطماع، وإنما داخلة لضرب الأحزابِ اللبنانية التقدمية والمقاومة الفلسطينية. وبعد فترة. لما صاروا يشوفوا الممارسات الإسرائيلية، بأن كل يوم يروح شهيد من بيت أو يُعتقل شاب من بيت. حتى الناس العادية التي ليس لها علاقة بجبهةِ المقاومة، أو بأي تنظيمات عقائدية أو فلسطينية، كان يُعتقل له ولد أو اتنين. فهذا خَلق ردة فعل عكسية ضدَّ الإسرائيلين.

لقد غيرت إسرائيل من وعي الناس أكثر مما غيرنا نحن، لأن ممارستها الهمجية المستمرة جعلت الناس الذين كانوا يكرهوا فكرةَ عمليات جبهة المقاومة نتيجةَ خوفهم على أنفسهم يصبحوا مباركين لها.

وصرنا نلاحظ أن الناس ابتدؤا يعبروا عن سعادتهم بهذه العمليات. ولقد عملنا نحن على دفعِ الناس للتعبير عن هذا الشعور بأشكال أكثر علنية ومواجهة.

كان هناك ناس ليس لهم أي انتماء أو حتى اهتمام بالتواجد في أي مجال عام. حتى ناس يعيشون على الهامش، صاروا يشاركوا معنا حتى لو بالمظاهرات كتعبير عن الرأى يشاركوا معنا.

س. هل هناك ظروف اقتصادية لعبت دورًا في موضوع العداء لإسرائيل؟ هل أثرَ دخول إسرائيل اقتصاديًا على أوضاع أهالي الجنوب؟

ج. طبعاً /عندما دخلت إسرائيل أول شئ حاولت أن تقومَ به هو ضرب الاقتصاد. ضرب الحياة المعيشية لابن الجنوب. لأن ابن الجنوب يعيش على إنتاج الأرض أو البستان الذي يملكه ويعمل به . فأول شئ عملته إسرائيل أنها أول ما دخلت ضربت الموسم الزراعي. ضربت كل الإنتاج الذي يعيش من وراءه الناس. وكانت كل مرة تحاول أن تتذرع بأعمال جبهة المقاومة، وتدخل وتُحرق المحاصيل والخيم الزراعية لضرب الموسم. وفي نفس الوقت تُغرق الأسواق بالبضائعِ الإسرائيلية. طبعًا المزارع الذي ينتظر موسم الحصاد بالسنة مرة تضرب مصالحه تمامًا.

فخلقَ هذا نوعٌ من الفقرِ والتشردِ لأبناءِ الجنوب خصوصًا. ولقد كانت إسرائيلُ تقوم بهذه الممارسات لدعم اقتصادها، لأنها كانت تواجهُ أزمةً اقتصاديةً رهيبةً . وعندما دخلت بالغزو خسرت الكثير عسكريًا واقتصاديًا فحاولت أن تُعيد بناء وضعها. وكان عندهم حالة تقشف. ولذلك فلقد تذرعوا بموضوعِ جبهة المقاومة لضرب الاقتصاد اللبناني، وتصريف منتجاتهم عبر لبنان. كانت كلُّ متطلبات الحياة التي يحتاجها أي إنسان تُدخلها إسرائيل وتغرى الناس بأسعار رخيصة.

ولكن أزمتها الاقتصادية وصلت لمرحلةِ أنها حتى بضربها للاقتصاد اللبناني، لم تستطع أن تحقق شيئًا فيها. لأن إسرائيل خسرت الكثير بدخولها على لبنان، عندما دخلوا لبنان تصوروا أن الشعب اللبناني شعبٌ متخلفٌ لا يملكُ قاعدةً متينة لينطلقَ منها للتحرير، ولكن دخلوا صُدموا. إذ لم يكن قد مر على وجودهم سوى أسبوعين وحصلت أول عملية عسكرية في مدينة صيدا في تموز (يوليو). لقد وجدوا أن الشعب اللبناني نتيجةً لخبرة الحرب الأهلية قد أصبح يملكُ نوعًا من قدرات الدفاع الذاتي. الشعب اللبناني كان مثل بركان منتظر أول لمسة أو حرارة لينفجر بوجوههم.

س. هل كان معكم في المعتقل فتيات فلسطنيات؟

ج. كان هناك حوالي 7 فتيات.

س. كنتم 15 فتاة؟

ج. في البداية نعم ولكن قبل خروجنا بثلاثة أيام أحضروا عشرة فتيات عدا عن الـ 15 فأصبح مجموعنا ٢٥ كان جزءٌ منا فلسطيني وجزء لبناني، وكان الإسرائيليون يحاولونَ تعزيز النعرات الإقليمية والطائفية. مثلاً داخل المعتقل يقولون لنا أنت لبنانية شيعية. لماذا تقاتل مع الفلسطينين هؤلاء المخربون تركوا فلسطين. وخرجو تركوها لنا. هذه أرض الميعاد (بيسموها أرض الميعاد !!!) لماذا تعملى معهم. وهم يريدوا أن يذبحوكم. كان هذا منطقهم. الحقيقة أننا في جبهة المقاومة مترفعينَ عن الأشياء المذهبية. نحنُ نرفض الكلام بالمذهبية. لأننا في النهاية ننادي بالديمقراطية والتحرر لكل الشعوب، ولا ننادي بالتحرر لطائفة معينة أو لبناءِ كيان معين.

كانت إسرائيل تحاولُ أن تُعزز النعرات الطائفية لخلق كيانات متعددة في لبنان، لتبقى هي المستفيدةُ من الوضعِ اللبناني.

وكانوا يحاولونَ دائمًا في معتقلاتِ الفتيات ومعتقلات الشباب أن يثيرو العامل الديني. مثلاً، رفيقتي سنيةفيقولوا لها لماذا تشاركي بالقتال وأنت سنيةوالجنوب للشيعة“. فماذا تستفيدي من الدفاع عن الجنوب وهو لهم. أو يقولا للفلسطينية. اللبنانية طردوكم وعندما دخلنا ضربوكم وهجروكم.

كانوا يحاولونَ طوال الوقت أن يتلاعبوا بالقضايا المذهبية. ولكننا كنا أوعى منهم. ولكن بعض الناس قد أثر فيه العامل الديني للأسف.

س. هل كان معكم في المعتقل فتيات من جبهة المقاومة الإسلامية؟

ج. لا. كل البنات كانوا من جبهة المقاومة الوطنيةينتمون لأحزاب سياسية مختلفة، ولكن من ضمن إطار المقاومة الوطنية (جبهة شعبية، فتح، حزب شيوعي، بعث) متعددي الانتمائات الحزبية ولكن لم يكن معنا من جبهةِ المقاومة الإسلامية، وأنا لا أنكر عملهم، لقد شاركوا ولكن أثناء وجودنا لم يكن أحدٌ منهم في معتقل الفتيات.

س. هل كان هناك فتيات من جبهة المقاومة الإسلامية عُرف لهم دور مميز في المقاومة؟

ج. لأ، كان عندهم شباب أكثر في معتقل أنصار.

العامل الديني أثر على بعض الناس. تعاملوا مع أنفسهم كطائفة. ولكن هذا غلط وكنا نحاول أن نُلغي هذه الفكرة. لأن لبنان لنا. أنا بنت الجنوب ولكن لبنان كله وطني. أنا بنت الجنوب من لبنان فنحن لبنانيين ونحن وطنيين. ولو طُلب منى أن أذهبَ للبقاع الغربي لتنفيذ عملية هناك سأذهب. مثلاً لولا عبودمسيحية ومن البقاع الغربي. لم يكن ممكن أن تفكر بأن الجنوب لا يخصها لأنه الجنوب. ولأن سكانه مظمهم من الشيعة.

س. ابتسام حرب من أي منطقة؟

ج. درزية من مزرعة الشوف، ولكنها كانت قومية (من الحزب القومي الاجتماعي).

عملنا كان كثير منفعة وبعيد عن التعصب الديني، لأن جبهة المقاومة الوطنية كانت لكلِّ الطوائف، وأكبر دليل أن هناك عمليات عديدة نفذها أشخاصٌ مسيحيون. مثل إلياس حرب. ميشال صليبة من البقاع الغربي. هؤلاء أبطال وشهداء. من المخجل أن نضطر لتأكيد هويتهم المسيحية، ولكننا نقول ذلك لنوجه للناس فكرة أن جبهة المقاومة الوطنية ليست جبهة دينية، وإنما جبهة لكل الطوائف تعملُ لتحرير الوطن، ولذلكَ فإن أي إنسان يريدُ أن ينضم إلى صفوفها فسيكون له هذا الشرف مهما يكن أصله المذهبي أو الطائفي.

إسرائيل حاولت إحباط الناس باستغلال العامل الديني. كما أنها كانت تستخدم عملاءها الكتائبمشهورين الكتائبعشر سنين حرب أهلية بلبنان).

لقد انسحبت إسرائيل من لبنان، ولكنها تركت وراءها إرثًا كاملاً من الروحِ الطائفيةِ بين مسلم ومسيحي وسني وشيعي، بالفعل عيب نقول أننا بعد ثلاث سنوات لجبهة المقاومة الوطنية. وبعد التحرير الذي تم إنجازه، نتراجع للخلف ونتكلم بلغةِ الطوائف والمذاهب.

أعتقدُ أن هذا المنطق يؤدى إلى نوع من الشلل للمشروع الوطني، ولدور جبهة المقاومة الوطنية، يجبُ علينا أن نُعزز نضالنا لا أن نعود إلى الوراء.

س. هل تم بعد الإفراج عنكم إعتقال بنات آخريات؟ ؟

ج. اعتقلوا مریم عطالله من البقاع الغربي، ولقد كانت معنا أيضًا في المرة الأولى.

س. كانت تنتمي لأي تنظيم؟

ج. الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، لقد اعتقلوها لمرة ثانية وكان هناك ناس جدد أيضًا، ولكنهم في المرة الثانية أخذوها لسجون الاحتلال داخل إسرائيل. بقيت هناك 4 شهور ثم تركوها بعملية التبادل الثانية التي تمت في أذار (مارس 84).

س. كم كانت مدة اعتقالك؟

ج. 6 أشهر و13 يوم متضمنة فترة التحقيق.

س. هل ضياقوكم أثناء وجودك في المنطقة؟

ج.طبعًا, ولذلك فلقد عملتُ في مناطق ثانية من الجنوب لا يعرفني أحد بها. طبعًا كنا حذرين جدًا لأن المخابرات كانت منتشرة في أماكن عديدة، ولكن مع إننا ها حذرين ولكن مرتاحين لأننا أصبحنا نمتلك تجربة أوسع وخبرة بالعدو. كيف يتحرى وطرق التحقيق والمراقبة. أصبح عندنا خبرة وتجربة أفضل من التجربة الأولى.

وكل ما كانت تتم عملية للمقاومة كان يحصل تطور نوعي بالعمليات على أساسِ أننا نستفيد من الأخطاء لنتجاوزها، ونؤكد على حسناتها. عبر السيئات ونزيد الحسنات.

تدرجنا بالعمليات عملنا على تطويرها لنصل للقمة. وبالفعل وصلت جبهةُ المقاومة الوطنية لقمة عملياتها. وأتمنى من كل الشعوب العربية التي لا تزال نائمة أن تستيقظ ولو قليلاً وتدعمها. لأننا لا نريد الدعم بالكلام وإنما نريدُ الدعمَ المادي والمعنوي الحقيقي لجبهة المقاومة الوطنية.

شارك:

اصدارات متعلقة

أسئلة وأجوبة بشأن الوقاية من كوفيد 19 ومكافحتها للعاملين /ات في مجال الرعاية الصحية
الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي