سياسة سكانية أم سياسة من أجل السكان؟

مركز دراسات المرأة الجديدة

لقد بالغت الحكومة المصرية في إبراز حجم السكان ومعدل نموهم، كسبب رئيسي وراء كافة المشاكل المحلية، متجاهلةً بدرجةٍ كبيرة أسبابًا أكثر جذرية وجوهرية، مثل الفقر وانعدام العدالة في توزيع الموارد والخدمات والسياسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تركز على مصالح الطبقات العليا والوسطى على حساب الطبقات الفقيرة، وعلى الحياة في الحضر أكثر منها على الحياة في الريف. والتي تمثل الأسباب الحقيقية الجذرية وراء المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها مصر.. وفي سعيها نحو حل مشكلة عدد السكان بدلاً من حل مشاكل السكان؛ ركزت السياسة السكانية في مصر على خصوبة المرأة باعتبارها المحور الرئيسي الذي يجب التحكم فيه حلاً للمشاكل، وتعالت الأصوات تطالب النساء بأن يتحكمن بالنسذولية الأساسية، وبالتالي أعلى المخاطر المترتبة على وسائل تحديد النسل.. في الوقت الذي استبعدت فيه النساء نفسها من كافة عمليات التخطيط ورسم السياسات واتخاذ القرار بشأن هذه السياسات، ونجدُ أنفسنا مرة أخرى إزاء سياسةٍ سكانية تلومُ ضحيتها ..

وعلى الرغم من أن الحكومة المصرية قد وقعت وإن بتحفظات – على الاتفاقيات الدولية التي تطالب بإلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة، إلا أن الوضع في مصر يعكسُ العكس من ذلك تمامًا بالنسبة للمرأة.. إننا نستشعرُ قلقًا بالغًا في التناقض الذي نراه بين ما هو مصاغٌ على الأوراق والوثائق الرسمية، وبين واقع النساء في مصر.. وبالتالي فإننا لا نقبلُ الشعارات والإعلانات الواعدة إذا لم ترتبط بتطبيقٍ على أرض الواقع..

إننا كنساءٍ عاملاتٍ ناشطاتٍ في الدفاع عن حقوق المرأة، وباحثاتٍ في انتهاكات هذه الحقوق وكمطالباتٍ بحقِّ المرأة في صحةٍ سليمة جسديًا ونفسيًا.. وفي اتخاذ قرارها الحرِّ بشأن حياتها، نطالب بإعادة الصياغة وتنفيذ السياسات السكانية المطروحة في مصر بما لا يتفق والمبادئ التالية:

1 – للنساء الحق الكامل والمسؤولية الكاملة في اتخاذ القرار بشأن توقيت وعدد مرات إنجابهن أو عدمه على الإطلاق.. كما أن لهن الحق في الحصول على الخدمات التي تضمنُ لهنَّ الممارسة الكاملة لهذا الحقِّ والمسؤولية.

٢ الرجالُ مسؤولون عن سلوكهم الجنسي والإنجابي، كما أنهم مسؤولون عن تبعات هذا السلوك على صحة وسلامة نسائهم.. إن هذه المسؤولية يجبُ أن تنعكس في البرامج والسياسات.

3 – النساء والرجال قادرون، بل ويقومون فعلاً، باتخاذ القرارات الخاصة بحياتهم وحياة أسرهم ومجتماعتهم، وبالتالي فإن دور

قالت عن مؤتمر السكان:

عايزاهم يناقشوا قضية زحمة السكان.. عيلة راجل ومراته وعياله في أوضة واحدة.. ده كلام؟؟” (سيدة في الخمسين من عمرها من حي السكاكيني)

النساء والرجال في عملية التنمية يجبُ أن يكون دور الفاعل وليس المفعول به، وخاصةً في حالات السياسة السكانية، وبالتالي يحقُّ لهم المشاركة في وضع السياسات الخاصة بالسكان.

4 – العلاقةُ بين النساء والرجال يجب أن تخضعَ لقيم المساواة وعدم القهر، والاحترام المتبادل والشعور بالمسؤولية، ومن هنا فإننا نرفض كافة أشكال العنف والاستغلال والممارسات الأخرى الضارة بالنساء، مثل الزواج المبكر، والزواج الغيابي، حيث لا تُستشار النساء في زواجهنَّ، أو التشويه الجنسي للإناث الذي يُمارس تحت اسم الطهارة أو الختان، وكلها انتهاكاتٌ صريحةٌ لحقوقٍ أساسيةٍ من حقوق الإنسان.

5 – إننا نرفضُ أن تكون خصوبةُ المرأة هي محور السياسات, سكانيةً كانت أو غيرها، ونعتقد أن حقَّ المرأة (في اختيار كيفية التعامل مع خصوبتها هو حقٌ أساسي من حقوق النساء، ولا يكتمل حق الاختيار الحر بدون أن يتوفر للنساء فرص التعليم والعمل والرعاية الصحية ووسائل تنظيم الأسرة الآمنة، المدعمة بمعلوماتٍ كاملة وصحيحة.. إن هذه المجالات كلها يجبُ أن تلقى نفس الدرجة من الاهتمام وتعبئة الموارد والترشيد الإعلامي.

6 – للنساء وممثليهنَّ حقُّ المشاركة الكاملة في صياغة السياسات، على أن تكون هذه المشاركة مشاركةً حقيقية وفعالة قائمةً على المساواة والاحترام.

7 – للنساء العاملات في مجال الحقوق والصحة الإنجابية للمرأة. الأولويةُ في أن يشاركن في عمليات صُنع القرار ووضع السياسات التي تؤثرُ على هذه المجالات، سواءً بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، كما أنَّ من حقهنَّ مراقبة تنفيذ هذه السياسات, ومراقبة مستوى الخدمات المقدمة وعدالة توزيعها، وتوفير المعلومات اللازمة لتمكين النساء من المعرفة الصحيحة والاختيار الحر.

۸ لا يحقُّ لأي مؤسسة، حكوميةٍ كانت أو غير حكومية، دوليةٍ كانت أو محلية، أن تستخدم النساء كحيوانات تجارب لوسائل منع الحمل قبل أن تختبر هذه الوسائل في بلد المنشأ، ودون أن تتوفر كافةُ شروط الاختيار الحر للدخول في مثل هذه التجارب، والذي يستلزم في الأساس توفر المعلومة الصحيحة والكاملة، كما يستلزمُ وجود مراقبةٍ ومتابعة من قبل المنظمات غير الحكومية المعنية..

قالت عن مؤتمر السكان:

بيقولوا هيتكلموا عن وسائل منع الحمل.. احنا عاوزين نرسی.. عاوزين نعرف إية الصح وإيه الغلط.. احنا هنستخدم الوسيلة هنستخدمها .. بس عايزين حد يشرح لنا فايدة وعيب كل وسيلة.. ما نبقاش زى الأطرش في الزفة“..

(ربة منزل في الثلاثين من عمرها .. من الوايلي)

9 – المنظماتُ الغير حكومية العاملة في مجالات تنظيم الأسرة والصحة والحقوق الإنجابية للمرأة وحقوق الإنسان مُطالبةٌ بأن تقوم بدور المراقب والراصد لأيِّ انتهاكاتٍ أو تجاوزات تمسُّ صحة المرأة، أو تحد من حريتها في الاختيار، سواءً كان ذلك لصالح وسيلةٍ دون الأخرى، أو تحقيقًا لمصالح سياسةٍ بعينها، سكانيةٍ كانت أو غير سكانية.

قالت عن مؤتمر السكان:

احنا نفسنا يقولوا لنا ازاى نأکل وازای نشرب ونتعالج.. أنا ماعنديش غير عيلين ومش قادرة اعمل الحاجات دى.. أتصرف ازاى..؟؟

(عاملة بمستشفى في الخامسة والثلاثين)

10 – إن هذه الحقوق هي حقوقٌ أساسية من حقوق الإنسان، ولا يجوزُ إخضاعها أو التنازل عنها في مقابل مصالح أخرى، سواء كانت هذه المصالح مصالح أفرادٍ أو مجموعاتٍ أو مؤسسات، أو الدولة.

شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي