محور الأولويات والإشكاليات التى تواجهها النسائية

تاريخ النشر:

2006

وجهة نظر حول

برنامج الحركة النسائية المصرية

يرتبط وجود برنامج الحركة النسائية في مصر بتوافر مجموعة من الظروف الموضوعية الاجتماعية والسياسية العامة الخاصة بتطور الحياة السياسية في البلاد، ومجموعة أخرى من الظروف الذاتية التنظيمية والديمقواطية الخاصة بنساء مصر. وهي ظروف، سواء كانت موضوعية أو ذاتية، لم تتوافر بعد بدرجة كافية في الممارسة العملية بالرغم من توافر إرهاصاتها وبدايتها وبالتالي فرص نجاحها. وتتبلور هذه الإرهاصات والبدايات في شكل مناخ مجتمعي يتجه إلى مزيد من الانفتاح الديموقراطي العام. سواء ارتبط هذا المناخ المجتمعي بالنشاط الحزبي أو بأنشطة المجتمع المدني.

وفي تناولي لفكرةبرنامج للحركة النسائية في مصرأتناولها كبرنامج استراتیجی يشخص واقع النساء المصريات في تنوعه الجغرافي والقطاعي ويحدد كل ما هو مشترك وكل ما هو غير مشترك ثم يضع السياسات العامة التي تهدف إلى تقدم كل واقع متنوع بحيث تضيق الفجوة النوعية بين الذكور والإناث وفي نفس الوقت تضيق الفجوة الأخرى التي تفصل بين الإناث بعضهن البعض.

فمن وجهة نظرى يتوقف وجود برنامج للحركة النسائية في مصر بهذا المعنى المطروح سلفا على توافر مجموعة من الشروط:

  • في البداية لابد من اتساع المساحة الديمقراطية العامة في البلاد وهي المساحة التي تضع الضوابط القانونية لضمان وممارسة مجموعة من الحريات العامة والخاصة المعروفة بحرية التعبير وحرية التنظيم وحرية الحركة وصولا لحق ولحرية التعبير عن الإرادة الجمعية، ثم المشاركة في عملية صياغة القرار السياسي والاجتماعي العامة ومتابعة تنفيذه. وهي المساحة التي تسهم في تجميع رأى وأفراد وأنشطة المجموعات الإنسانية والشرائح والطبقات الاجتماعية التي لا تزال مهمشة اجتماعيا في مصر سواء لعدم تنظيمها بعد أو لوجودها في تنظيمات شكلية تابعة لا تلعب دورها الديمقراطي المستقل المنوط بها للدفاع عن مصالح جماهير عضويتها.

  • ويتبع ذلك أو يسير بتواز معه، بناء تنظيم ديمقراطي نسائي مصري يعبر عن التنوع والاختلاف الشديدين المحيطين بنساء مصر. أي أنه، بموجب عضويته الأفقية المتنوعة لابد أن يعبر عن المصالح المتنوعة لكل نساء مصر في الريف، زراعي وبدوى وصعيدي ودلتاوي، وفي الحضر الفقير والغنى على السواء. وفي النهاية لابد لهذا التنظيم أن يدافع عن المطالب المشتركة لكل نساء مصر، كنوع اجتماعي، مع أهمية الاعتراف بمستويات التنوع الموجودة الآن والتي تفرضها حالة اللا عدل في توجهات الدولة والحكومات، كإدارة مركزية للأقاليم وتوزيعها للبرامج التنموية والتحديثية على مدار عقود زمنية ممتدة، ثم السعى بالتطور بهذا الواقع المتنوع.

  • وفي حالة قيام هذا التنظيم النسائي المصري، سواء قام على أساس تقارب تجمعات نسائية حالية، مع منظمات مجتمع مدنى أو مع كتل سياسية، أو قيامه على أساس عضوية فردية، أو على أساس النظامين معًا، تقارب منظمات عضوية فردية، فإن أهم مقوماته التي ستوفر له النجاح هي مدى قيامه وتأسيسه على نسق ديموقراطي حقيقي يسمح بأن يتحول إلى لسان حال كل نساء مصر، ويلتزم تعبيره بالبرنامج المنشود والمتفق عليه من الحركة النسائية المصرية.

  • وإذا كنا نتحدث اليوم، ونحن نقف على بدايات الألفية الثالثة، عن برنامج لحركة نسائية مصرية فإننا لا يمكن أن نغفل حقيقة وجود حركة استنهاضية نسائية عالمية بدأت منذ عام 1975، العام العالمي للمرأة، منذ ذلك العام وما تبعه من عقد كامل عقدت فيه ومن بعده أعداد من المؤتمرات واللقاءات العالمية التي صاغت قراراتها وأدبياتها كل نساء العالم، تعرفنا على تطورات فكرية اجتماعية حديثة في تناول قضايا المرأة في كل قطاعات المجتمع في تنوع كامل يبدأ من قضايا الفقر إلى قضايا العنف مرورًا بقضايا الأمية والتعليم والتدريب والصحة والبيئة والمشاركة السياسية والاجتماعية العامة. وهي أدبيات وتوجهات تشكل عاملا مشتركا بين كل النساء بغض النظر عن اللون والدين والجنسية. يمكن تلخيصها في عبارة موجزة وهي العمل على إدماج المرأة في البناء الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي في المجتمع وإلغاء التمييز ضدها وتضييق الفجوة النوعية التي تحرمها من الكثير من الحقوق. بالنسبة لنساء مصر، لا يمكن امتلاكهن لبرنامج لحركتهن دون الاستناد إلى هذه المرجعيات العالمية. فالاعتراف بالخصوصية المتنوعة لنساء مصر، لا يتعارض مع أي مرجعية عالمية تم الاتفاق عليها في المؤتمرات واللقاءات الدولية والإقليمية بداية من مؤتمر المكسيك إلى بكين إلى اجتماعات بكين + 5 وما تبعها من لقاءات إقليمية وعالمية. وأتصور أن وجود برنامج لحركة نسائية مصرية يبتعد بروحه عن روح توجهات وبرامج عمل هذه الاستنهاضة النسائية العالمية لن ينسجم ولن يساير التطورات العالمية الجارية في كافة المجالات، كمجال الاقتصاد أو التطور التقني أو ثورة الاتصالات على سبيل المثال، خاصة وأن المجتمع الدولي لم يعد يهمش قضايا المرأة، بل يؤكد على تناولها بجدية كقضية تدخل في نسيج كل مجتمع نامي أو متقدم. تكفي الإشارة إلى التقارير الصادرة بانتظام عن الأمم المتحدة والتي تشير بكل شفافية إلى الخطوات التي تحققها النساء في هذا البلد أو ذاك. الخلاصة في هذا الشأن أن المرأة المصرية بكل شئونها لا يمكن أن تنفصل عن حركة تبعها من الاستنهاضة العالمية هذه.

  • كما أن البرنامج لابد أن يستفيد بكل جدية من كل الخبرات والتجارب التي اكتسبتها الحركة النسائية منذ بداية نشاطاتها مع ثورة 1919 وما بعدها من مسيرة ناضلت ضد الاستعمار ومن أجل التقدم بالواقع الاقتصادي والاجتماعي للشعب المصرى ولنسائه. فالحركة النسائية التي ننظر ونسعى إليها في الألفية الثالثة لن تبدأ من فراغ وإنما ستشكل حلقة عامة في مسيرة المرأة المصرية. فالاعتراف بالتجارب السابقة يساعد على خوض التجارب المستقبلية. المهم أن نقترب من هذه التجارب فاهمات لها وللظروف التي ظهرت فيها وأحاطت بها.

تلك كانت وجهة نظري بالنسبة للظروف الموضوعية والذاتية التي تحيط بطبيعة وبوجود برنامج لحركة نسائية مصرية يحتضن الطموحات التي نسعى إليها وفي الوقت ذاته أرى أن هذا البرنامج لابد أن يتناول الخصوصية المصرية بأولويتها بالنسبة لقضايا مجموعات النساء المصريات الواقعات تحت مؤثرات وأوضاع اقتصادية واجتماعية وثقافية مختلفة ومتباينة، وهي خصوصية لا تنبع من اختلاف في الطبيعة البشرية للنساء، وإنما تعود إلى وجود خلل في توزيع البرامج التنموية والتحديثية على مناطق البلاد مما أدى إلى وجود تفاوت بين درجة تطور كل إقليم عن الآخر وبالتالي تفاوتت المؤثرات الاجتماعية على بشر كل إقليم عن الآخر. وتعمل الآن في إطار هذه الخصوصية مجموعة من منظمات المجتمع المدني التي انخرطت في مجال تنمية المرأة سواء اقتصاديا أو اجتماعيا أو في مجال الأنشطة الدعوية أو الدفاعية. ولحسن الحظ أن هذه المنظمات العاملة في صفوف النساء المصريات، بالرغم من الخلل في توزيعها العددي الإقليمي، تقودها وتديرها مجموعة من العناصر القيادية النسائية التي لم تكن تعمل في هذه المساحة التنموية خلال العقدين الستيني أو السبعيني. وهو شيء ييسر الأمور ويدفعها إلى الأمام.

  • في مقدمة هذه الخصوصيات تأتي الفروق الاقتصادية وما يترتب عليها من فروق اجتماعية وثقافية بين مجموعات النساء نتيجة للفروق الاقتصادية بين مراكز مصر المختلفة. فمصر، تنقسم إلى ثلاثة مراكز اقتصادية أساسية:

المركز الأول: يضم المدن الحضرية القاهرة والإسكندرية وبورسعيد والسويس. وهي المراكز الحضرية الأعلى في مستويات المعيشة.

يأتي في المرتبة التالية:

المركز الثاني: الذي يضم منطقة الدلتا، حضرًا وريفًا، وهو الذي يتمتع بمتوسط معيشة أدنى من المركز الأول ولكنه يعلو على المركز الثالث.

المركز الثالث: الذي يضم منطقة الصعيد كلها ريفًا وحضرًا، وبالتالي فمتوسط مستوى معيشة المرأة في المركز الأول أعلى من متوسط معيشة المرأة في المركز الثاني لتأتي نساء المركز الثالث ليصلن إلى المستوى الثالث والأدنى من حيث متوسط مستوى المعيشة.

  • ثم نأتي إلى مظهر الخلل الاقتصادي الثاني والذي يشير إلى أن في المركزين الثاني،أى الدلتا، والثالث، أي الصعيد يتفاوت مستوى المعيشة بين الحضر والريف فنجد أن مستوى معيشة الحضريين ومن بينهم النساء أعلى من متوسط مستوى معيشة الريفيين ومن بينهم الريفيات، في هذا التقسيم نجد أن متوسط معيشة الذكور أعلى من متوسط معيشة الإناث، لتصل في النهاية أن مستوى المعيشة الأدنى هو مستوى معيشة المرأة الريفية الصعيدية، فالريفيات الصعيديات هن الأكثر فقرًا وأمية والأقل تدريبًا في صفوف كل النساء المصريات.

  • في إطار هذه التقسيمات نجد أن المرأة الريفية المعيلة لأسر والقاطنة صعيد مصر هي أفقر فقراء المصريين، وهذه إحدى الخصوصيات الهامة التي يجب أن يراعيها أي برنامج للحركة النسائية المصرية. يهتم هذا البرنامج بها ويدرس واقعها ويحتضن خطة لتقدمها. وهي خصوصية قد تقودنا إلى فهم الكثير من الظواهر السياسية التي يشار إليها في العديد من المعارك الانتخابية في صعيد مصر والتي يؤكدون بها تمايز المرأة في الصعيد عن المرأة القاهرية سياسيًا.

  • كما أن في إطار هذه التقسيمات سنلاحظ أن الريفيات في مصر واللاتي ترتفع نسبتهن حسب تعداد 1996 إلى 26% من مجمل تعداد الشعب المصرى ينقسمن مرة أخرى بين عاملات زراعيات بأجر لدى الغير وريفيات قائمات على العمل الزراعي أو من خلال الأسرة أو للأسرة، وريفيات أخريات غير قائمات على العمل الزراعي. والذي يهمنا في هذا التقسيم هو واقع العاملة الزراعية أو الأجيرة الزراعية حيث تمثل هذه الشريحة نسبة 51% من مجمل عدد أجراء الزراعة في مصر. كما أنهن يسهمن في إنتاج ثلث الإنتاج الزراعي المصري. ومن هنا يمكن التعرف على قدر مساهمتهن الاقتصادية بالرغم من أنهن يعانين من الأمية ومن تراجع التدريب ومن البعد عن أي حقوق عمل حديثة قد تحصل عليها أجيرات الصناعة أو الخدمات. وهو واقع مصري خاص يفرض نفسه على أي برنامج للحركة النسائية المصرية.

  • كما أن المرأة الريفية في مصر تعيش واقعين، أولهما في الريف التقليدي المصري، في قرى الدتا وفي قرى الصعيد، والثاني هو الريف البدوى أي في تلك التجمعات البشرية الصغيرة المنتشرة في المحافظات الحدودية الممتدة التي يقوم سكانها على الإنتاج الزراعي والرعي؛ في هذه المجتمعات، تقوم المرأة البدوية بأنشطة زراعية سواء في الزراعات المحدودة التي تنمو حول الآبار أو العيون والقائمة على نظام الاستهلاك الأسرى التي توجد في هذه المجتمعات أو في رعي الأغنام تحديدا. وفي حالات عديدة تقوم ببعض الأنشطة الحرفية البيئية التي تجلب لها البعض من المال. وبالرغم من قيامها بهذه الأعمال الهامة لمجتمعها ولأسرتها إلا أنها محاطة بمجموعة من المؤثرات الجغرافية التي تجعل من واقعها أكثر تعقيدًا وصعوبة بالنسبة لحصولها على العديد من الخدمات التي باتت حقا لغيرها من النساء المصريات. بالإضافة إلى أن هذه المرأة الريفية البدوية تعيش إطارًا اجتماعيًا غنيًا بالتقاليد والأعراف التي تحتاج إلى الدراسة. في أحيان تتمايز هذه الأعراف عن تلك الموجودة في قرى الدلتا أو الصعيد مثل العرف الذي يقضي بعدم ختان الإناث. وفي أحيان أخرى تتراجع بعض الأعراف تلك الموجودة في منطقة الوادي من شماله إلى جنوبه مثل حق المرأة في استكمال تعليمها (حتى ولو كان حقًا نظريًا).

  • والشريحة الأخرى من شرائح المرأة المصرية التي تحتاج إلى مساحة في برنامج الحركة النسائية المصرية هي شريحة النساء الحضريات. ولا نعنى بالنساء الحضريات ساكنات المراكز الأربعة الحضارية المذكور سلفا فحسب، القاهرة والإسكندرية وبورسعيد والسويس، وإنما نعنى ساكنات الحضر من عواصم المحافظات ومدنها الرئيسية في المراكز، بجانب ساكنات هذه العواصم الأربع الكبرى، وتمثل هذه الشريحة تنوعًا اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا هائلاً؛ فهن لا ينتمين إلى طبقة اجتماعية واحدة، منهن من تسكن القصور ومنهن من نزحت من الريف إلى العشوائيات، ومنهن ربة البيت ومنهن النشطة في القطاع غير الرسمي، ومنهن الأستاذة الجامعية ومنهن المتعطلة, ومنهن من وصلت إلى درجة المدير العام ومنهن من تعمل بائعة في متجر بدون عقد عمل وبأجر متغير غير ثابت بالرغم من أنها حاملة لشهادة جامعية كأي موظفة حكومية، ومنهن العاملة الصناعية ومنهن التي أحيلت إلى المعاش المبكر. لهذه الشريحة من النساء الحضريات موقف متقارب (أو الأقرب إلى الحقيقة شبه موحد) من العمل العام سواء كان سياسيا أو نقابيا بالرغم من أنها تعيش في إطار ثقافي أكثر انفتاحا على الفنون والآداب والثقافة والإعلام، وهي حقيقة تستحق من الحركة النسائية دراستها ومحاولة علاجها. أتصور أن برنامج الحركة النسائية المصرية لابد وأن يتناول هذا الواقع الممتد والمتنوع للمرأة المصرية. فالمهم ألا يغفل البرنامج واقع وحقوق ومطالب أي من شرائح النساء المصريات. ولاشك أن هذه مهمة ليست سهلة وخاصة في حالة افتقار بعض الأقاليم المصرية لمنظمات مدنية تضم قيادات فكرية مؤهلة لدراسة واقعها لاستخلاص طموحات نسائها.

فالملاحظة الأساسية أن انتشار المنظمات المدنية يتسم هو الآخر باللاعدل في التوزيع. فأكبر أعداد المنظمات المدنية وأكثرها نشاطا يوجد في العواصم الكبيرة الأربع المذكورة، القاهرة والإسكندرية، وبورسعيد والسويس، في حين يقل عددها بشكل ملحوظ في المراكز الإقليمية وفي المناطق الريفية وخاصة في صعيد مصر، لتزداد ندرتها في المحافظات الحدودية الصحراوية حيث الاحتياج الحقيقي للعمل من أجل تطوير أوضاع المرأة ذات المشاكل شديدة الخصوصية.

ولكن، وخاصة في هذه الظروف اللاعادلة في توزيع منظمات المجتمع المدني، يمكن أن يمتد التعاون مع مجموعة من العناصر ومع مجموعة أخرى من المنظمات المدنية المحلية في القرى المصرية بهدف الوصول إلى حقيقة التنوع الذي تعيشه النساء المصريات وعلى القاعدة الأساسية للانطلاق بينهن:

  • أول هذه العناصر هي مجموعة الرائدات الريفيات العاملة في صفوف المرأة الريفية والمنتشرات في القرى الدلتاوية والصعيدية. لقد بدأت وزارة الشئون الاجتماعية المصرية العمل بنظام الرائدة الريفية في القرى المصرية بدءًا من عام 1964، ولم تتوقف إلى الآن بل اتسع نظام الأخذ بالرائدة الريفية بحيث امتد انتشارهن وتنوع تخصصين. وبات صحيا واجتماعيا وتنمويا، وبالتالي اكتسبن خبرات واسعة في التعامل مع مشاكل المرأة الريفية من خلال وجودهن المستمر في القرى، ولا يجب إغفال العدد الجيد للرائدات الريفيات والذي قد يصل إلى حوالي خمس عشرة ألف رائدة.

  • ثاني هذه العناصر هي جمعيات تنمية المجتمع المنشأة في غالبية قرى مصر والتي تلعب بدورها أدوارًا في تنمية المرأة الريفية، مع ملاحظة أن كل جمعية تتحرك في محيطها في إطار الضوابط الاجتماعية التي تسود في القرية التي تعمل الجمعية في إطارها. وعلى سبيل المثال استطاعت بعض هذه الجمعيات تنشيط جهد النساء في بنائها التنظيمي أي في مجالس إدارتها، في حين وقفت جمعيات أخرى عاجزة عن ضم نساء في بنيانها بحيث تحايلت على الواقع بأن أنشأت لجان للمرأة ملحقة بمجلس إدارتها أو بجمعياتها العمومية. والغريب أن علاقة المرأة الريفية بهذه المنظمات لا يحكمها العامل الجغرافي بتقاليده أو بدرجة تطوره، فقد نجد نساء صعيديات في مجالس إدارات جمعيات في الأقصر في حين نجد أساليب التحايل قد حدثت في قرى أخرى تقع في شمال المنيا وتحديدا في قرى مركز العاصمة، المنيا، عاصمة المحافظة.

عندما نتحدث عن برنامج الحركة النسائية المصرية علينا أن نعى الفروق الجوهرية التي تميز أنشطة هذه الحركة عن أنشطة المنظمات الديموقراطية الأخرى التي تؤدي مهام حيوية في المجتمع وتنخرط النساء في عضويتها. فوجود حركة نسائية مصرية لها برنامج يعبر طموحات كل الشرائح النسائية المصرية، لا يلغي ولن يلغى الدور الذي لابد تلعبه النساء المهنيات في النقابات أو الاتحادات المهنية أو الدور الذي تلعبه النساء العاملات في الصناعة والخدمات في الحركة النقابية العمالية. سواء كان الدور في الجمعيات العمومية أو في مجالس إدارات هذه النقابات والاتحادات. كما أن الحركة النسائية هذه لا تلغى الدور الذي يجب أن تلعبه النساء السياسيات في الأحزاب السياسية المصرية أو الدور الذي تلعبه قيادات العمل الاجتماعي في المنظمات غير الحكومية. بمعنى أكثر تحديدًا – تلعب الحركة النسائية دورها في التعامل مع قضايا المرأة كنوع اجتماعي تفصلها عن النوع الثاني وهو الذكور فجوة في الأنشطة المجتمعية المختلفة. وتعاني شرائح منها من فجوة تفصل بينها وبين غيرها من النساء. فالحركة النسائية جزء لا يتجزأ من منظمات المجتمع المدني في المجتمع. تقوم بدورها في الدفاع عن حقوق النساء كنساء وكنوع وكحلقة ضعيفة في البنيان الاقتصادي والاجتماعي دون أن تستلب الأدوار التي تقوم بها المنظمات الأخرى أو تضعف منها.

  • على الحركة النسائية أن تتصرف دائما على أساس أنها حركة ديموقراطية تضم طموحات كل النساء. فهي حركة لا حزبية بالرغم من أنها حركة تعمل من أجل تحقيق السياسات العامة التي تتقدم بأوضاع المرأة. لذلك لا يجب أن تنحاز لحزب دون الآخر أو لتيار سياسي دون الآخر. ولكن في ذات الوقت تترك لعضويتها كامل الحرية الفردية في الاختيار السياسي والانضمام الحزبي.

  • فالحركة النسائية تشجع النساء على المشاركة السياسية باستخدام حقوقهن السياسية في الانتخاب والترشيح وخوض المعارك الانتخابية والنقابية للوصول إلى كل المجالس المنتخبة. ولكن في ذات الوقت لا يجب على الحركة النسائية مساندة هذا الحزب أو ذاك أو الوقوف مع هذه المرشحة أو تلك. أقصى ما يمكن أن تطالب به المرشحات هو وضع حقوق ومطالب المرأة الواردة في برنامجها الانتخابي. كما أن أقصى ما يمكن أن تطالب به الناخبات هو التوجه إلى صناديق الانتخابات وترجيح كفة المرشحين أو المرشحات الذين يساندون قضايا المرأة وحقوقها.

  • كما أن الحركة النسائية تشجع العاملات والمهنيات على التقدم إلى الانتخابات النقابية بهدف الحصول على مقاعد في مجالس إدارتها. ولكنها، أي الحركة النسائية، لا تتدخل في شئون النقابات في حالات منازعات العمل أو المفاوضات الجماعية أو حتى الاضرابات أو الاعتصامات. فالنقابات هي المنظمات المسئولة عن حل المنازعات المتعلقة بعلاقات وبظروف وبشروط العمل، ولكن في الوقت نفسه من حق الحركة النسائية أن تطالب باعتراف المجتمع بحقوق العاملات والموظفات في حالات النظر في تعديل قانون العمل على سبيل المثال، أو بأي من القوانين الأخرى. فالحركة النسائية في أي مجتمع تستطيع التقدم والمطالبة بتعديل القوانين التي تطور من أوضاع النساء وتلغى الفجوة النوعية التي يعشن فيها.

  • وفي حالة قيام اتحاد للفلاحين المصريين، في إطار الاستنهاضة الديموقراطية المتوقعة في مصر، فإن موقف الحركة النسائية المصرية يكون بتشجيع الفلاحات على الانضمام إليه والتقدم للترشيح في مستوياته التنظيمية ولكنها، أي الحركة النسائية لا تتدخل في المشاكل الزراعية المتعلقة بالأرض وبالمحاصيل وأسعارها أو مستلزمات الإنتاج الزراعي. فلا يجب الخلط بين مسئوليات كل تنظيم جماهيري.

النهاية أجد واجبا على أن أحدد العلاقة بين أي حركة نسائية جماهيرية طوعية وبين المجلس القومي للمرأة، كما أتصورها.

وفي هذا الجزء من الورقة أوضح حقيقتين:

  • الأولى: أن المجلس القومى للمرأة نشأ كآلية رسمية تعنى بقضايا المرأة وتقدم ظروفها طبقًا لتوجه صادر من مؤتمر بكين. حث هذا التوجه، بل طالب، الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة بإنشاء آلية حكومية في كل دولة تكون مسئولة عن التقدم بقضايا المرأة. والذي يعود إلى الأوراق المقدمة للجنة التحضيرية لاجتماع بكين + 5 التي انعقدت في نيويورك عام 2000 سيطلع على التقرير الذي أعدته الأمم المتحدة عن البلدان التي شكلت بالفعل هذه الآلية. تشكلت هذه الآلية في شكل لجنة المرأة أو وزارة للمرأة أو إدارة للمرأة تتبع مجلس الوزراء أو وزارة العدل أو الشئون الاجتماعية في البلد المعنى.

  • الثانية: هي أن المجلس القومى للمرأة جهاز حكومي تكون ككيان بقرار من رئيس الجمهورية وتخصص له وزارة المالية سنويا ميزانية ثابتة في الموازنة العامة للدولة. وقد أوضح القرار الجمهوري حدود عمل ومهام هذا المجلس وملخصها دراسة أوضاع المرأة في كل المجالات، الصحة والتعليم والمشاركة السياسية والبيئة والثقافة والإعلام إلى آخر المجالات الاجتماعية، ورسم سياسات لحلها والتقدم إلى الأجهزة المسئولة والمعنية بهذه المجالات، التقدم إلى الحكومة بمشاريع القوانين التي يراد التقدم بها إلى المجلس التشريعي وتمثيل المرأة المصرية رسميا في الخارج. لذلك نلاحظ أن من أهم الأعمال التي يتقدم بها المجلس في هذا الشأن هو إجراء الدراسات والبحوث وإقامة الندوات والمؤتمرات، وفي حالة قيامه بمشاريع جماهيرية مثل استخراج الرقم القومي أو تقديم القروض إلى المرأة المعيلة فإنه يتجه إلى تنفيذ هذه المشروعات من خلال التعاون مع الجمعيات المحلية المتواجدة في المواقع المستهدفة. فصلاحيات المجلس لا تخول له القيام بأي عمل جماهيرى يدخل في أنشطة النقابات أو الجمعيات أو المنظمات الأهلية أو لجان المرأة في الأحزاب السياسية. فعندما سعى المجلس إلى زيادة ترشيحات النساء في المجالس المحلية في الانتخابات الأخيرة لم يفعل أكثر من الاجتماع بالقيادات النسائية في الأحزاب لمناقشتهن والتنسيق معهن ثم الاجتماع مرة أخرى بأمناء كل الأحزاب السياسية ومحاولة إقناعهم بزيادة عدد المرشحات على قوائمهم الانتخابية.

أما إذا جئنا إلى ما نسميها بـالحركة النسائيةفإننا نعنى حركة تعبوية جماهيرية ديموقراطية واسعة التركيب والتكوين والعضوية. ويمكن أن ينشأ الحوار بين الجانبين، الحركة، والمجلس، ويتم الاتفاق أو الاختلاف، كحوار يتم بين آلية رسمية وأخرى جماهيرية.

كانت هذه وجهة نظري بالنسبة لقيام حركة نسائية ديموقراطية تمتلك برنامجا استراتيجيا وطنيا لها. وهي وجهة نظر تخضع للمناقشة الجماعية التي تخضعها للتعديل سواء بالإضافة أو بالحذف.

الهوامش

أمينة شفيق: كاتبة صحفية في جريدة الأهرام.

الحركة النسوية في مصر

ما بين الهوية الوطنية والهوية النسوية

الحركة النسوية في مصر

ما بين الهوية الوطنية والهوية النسوية

عزة خليل

تتردد عبارات الترحم على هدى شعراوي، كلما تطرق الحديث عن الحركة النسائية المصرية، أو أي شأن يتعلق بالنساء. وكأن تاريخ الحركة النسوية المصرية لم يتضمن غير شخص واحد يلخصها، وكأنهم أيضًا يتسعيذون بالماضي من الحاضر. وتتلخص الشكوى في افتقاد الحركة النسوية اليوم للأهداف الوطنية. ويستدعي ذلك الحديث عن الخصوصية والعالمية، والأبعاد النسوية والوطنية للحركة النسوية. ولكن اللافت للنظر هو أن هذا المشهد لا يتراجع ولا يتقدم بخطوة واحدة، حتى ولو تكرر مرات ومرات في حضور نفس الأشخاص. وهذا الموقف لا يسد أفق الحوار حول الحركة النسوية فقط، بل يسد أفق الحوار حول أي مطالب خاصة بالنساء. وهذا المشهد بالتحديد هو ما دفعنا إلى تناول هذا الموضوع المركب الشائك. فالتكرار يعني أهمية مناقشة هذا الموضوع بالنسبة لمن يثيروه، ثانيًا أن التكرار ربما يرجع إلى عدم كفاية المعرفة المنتشرة عن الحركة النسائية في الماضي وفي الحاضر، وعن النسوية.

ورغم أنه في حدود علمنا لم تتوفر كتابة بالعربية حول موضوع الهوية النسوية والهوية الوطنية للحركة النسائية في مصر، ورغم تعقيد الموضوع حيث يمس ويخترق كثيرًا من العلاقات بين موضوعات متداخلة والتي تستلزم وقتًا وجهدًا قد لا توفره الظروف المتاحة، إلا أننا رأينا أهمية طرحه ولو حتى كبداية يتلوها مزيد من الجهد بعد صقلها من خلال المناقشة. وتنقسم هذه الورقة إلى ثلاثة أجزاء يتضمن الجزء الأول استعراضًا لبعض أهم اتجاهات الفكر النسوي والمقارنة بينها للوقوف على الاختلافات بينها فيما يتعلق بالخصوصية والعالمية. أما الجزء الثاني فهو استعراض للحركة النسوية في النصف الأول من القرن العشرين لنقف على تناولها للعلاقة بين النسوي والوطني في ظل التكوين المصري والظرف العالمي في تلك الفترة. أما الجزء الثالث فيكرس للمنظمات النسوية المعاصرة ويناقش تناولها للعلاقة بين النسوي والوطني والكيفية التي تحدد بها هويتها.

(1) الهوية النسوية بين الخصوصية والعالمية:

يغلب في مصر عند التعامل مع فكرة النسوية بمختلف اتجاهاتها ومنابعها ومراحل تطورها، رؤيتها على أنها كل متجانس ومتماثل الأجزاء. ويعتبره كثيرون معبرًا للثقافة والنفوذ الغربيين الساعيين إما إلى طمس الهوية الوطنية أو الإسلامية، أو التعمية على استغلال رأس المال للطبقات المضطهدة. وما نود الإشارة إليه هنا هو وجود خلافات واضحة لاتجاهات متباينة داخل النسوية، وأن قسمًا من هذا الخلافات يبنى على مواقف مختلفة من قضية العالمية والخصوصية. وهو ما سنحاول تلمسه بشكل سريع فيما يلي، حيث لا يتسع المقام هنا إلى استفاضة في تطور الفكر النسوي واتجاهاته.

بدأت نسويات ما يسمى بالموجة الأولى من النسوية في التصدي لتحديد الهوية النسوية بناء على الاختلافات الجنسية أو البيولوجية بين الذكر والأنثى. وفي أواخر الستينيات والسبعينيات صاغت النسويات في البلدان الانجلوساكسونية في سياق الموجة الثانية من النسوية منظور النوع الاجتماعي، الذي ما لبث أن انتشر على نطاق العالم. ووفقًا لهذا المنظور، فإن كلمة جنس تحيل إلى الفروق البيولوجية بين الذكور والإناث، أي الفرق الظاهر في الأعضاء التناسلية وما يرتبط بها من فروق في الوظائف الإنجابية. أما النوع فمسألة ثقافة وهي تحيل إلى التصنيف الاجتماعي إلى مذكر ومؤنث. وعلى هذا لا يمكن إدراك وضع النساء كمجموعة على حدة، بل على العكس النظر إلى النساء والرجال في علاقتهما وبوجه خاص في تحديد ما يعرف بالأنوثة / الذكورة. وتتجه الأنوثة والذكورة لمسار تشكيل (أو تشويه) الأشخاص من قبل المجتمع من خلال التربية ورغبات التنظيم الاجتماعي (الرابطة الشيوعية الثورية).

ولمزيد من التحديد أوضحت النسويات أن علاقات الرجال / النساء ليست مبنية على تكامل الجنسين بل علاقات سلطة وسيطرة، حيث هناك تراتب اجتماعي بين الرجال والنساء في أغلب المجتمعات. ويقوم على هذا التراتب علاقات سلطة محددة. وينشغل تحليل النوع الاجتماعي بفحص علاقات السلطة تلك. وتلجأ المناصرات لهذا الاتجاه إلى مفهوم الأبوية في تحديد وضع النساء كمقهورات (الرابطة الشيوعية الثورية), (Stanford Encyclopedia of Philosophy)

ويلاقي هذا الاتجاه انتقادات، حيث يتجاوز أي دور للعوامل البيولوجية قد يؤثر على وضع النساء، حتى مع الاعتراف باختلاف هذا التأثير من سياق ثقافي اجتماعي وآخر وفقاً لما يحدده النظام الاجتماعي من معنى ومكان لهذه الوظائف. ويحاول اتجاه نسوية الاختلاف الجنسي ملأ الفجوة بين تحديد النسوية اجتماعيًا وبين تحديدها بناء على الخبرات حول الأطفال وسن انقطاع الطمث وشئون الجسد عامة.

و ترتبط نسوية الموجة الثانية عمومًا بإضفاء الطابع العالمي على التحليل والنضال النسوي. ويوجه نقد نسوي أيضًا إلى هذا الاتجاه على أساس التشكيك في هذه العالمية، حيث إن ما يقدمه من طرح مقصور على رؤية منظراته من الغربيات البيض من الطبقة المتوسطة، اللاتي تتجاهلن إسهامات النسويات الملونات والنسويات من الطبقة العاملة. بل إن هذه النسوية محصورة في اهتمام مهنيات الطبقة الوسطى المنشغلات بالحصول على عمل مهني خارج المنزل. وبالتالي اهتممن بحل مشكلات رعاية المنزل من خلال الأزواج وهم مهنيون أيضًا. ولم ينتبه هذا الطرح لعديدات من الملونات والعاملات اللاتي يعملن بالفعل خارج منازلهن منذ عقود، وربما يعملن أيضًا في منازل غيرهن من النساء. (Stanford Encyclopedia of Philosophy).

وانتقدت نسويات جنوبيات دعاوى العولمة لنساء الشمال. ونشطن في بناء معرفي بديل، يحاولن من خلاله فهم أوضاعهن المختلفة بصورة متميزة. وشخص بعضهن تحرير نساء الشمال بأساليب تؤدي إلى مفاقمة استغلال الجنوب من خلال دعم الشروط الاقتصادية التي تسيء فيها النساء القادرات إلى العاملات المنزليات والمهاجرات. (Stanford Encyclopedia of Philosophy)

وفي سياق مساهمة الجنوبيات انطلقت، في ظل نضال حركات التحرير ضد الهيمنة الاستعمارية والإمبريالية، اتجاهات لتحديد الهوية النسوية نابعة من الأوضاع المحددة لشعوبها ومقتضيات نضالها، ومن هذا فكرة الأمومية، أو هوية النساء كأمهات. وإذا كانت بعض النسويات ترين في العملية البيولوجية المتمثلة في الحمل المصدر الرئيسي لقهر المرأة (جوردون مارشال:215،214)، فإن نصيرات فكرة الأمومية تنطلقن من أخلاقية الرعاية المرتبطة بالأمومة كمساهمة تميز النساء. ويرون في ذلك ميزة للنساء وفوائد في مفاوضة النظام الاجتماعي المتسم بشبكات من العلاقات. ويرون أنه من غير الصحي أن يتم فصل الذكور (Stanford Encyclopedia of Philosophy).

ومن فوائد فكرة الأمومية أيضًا وفقًا لأنصارها، أنها قاعدة لتعبئة النساء. ففي جنوب أفريقيا مثلاً كانت المنظمات النسائية الناشطة في النضال التحريري ذات مرجعية تدور حول أدوار النساء كأمهات، حيث تتأثر النساء السود كأمهات بسبب عدم المساواة في البلاد. وطرحت إحدى النسويات هناك أن الحركات الأمومية التي تتحدى الاضطهاد بكل صنوفه، بما في ذلك الاضطهاد الأبوي، تقدم باعثًا للنسوية التي سوف تؤثر في جنوب أفريقيا، أكثر مما يمكن أن تقدم النسوية التي تعتنقها نسويات العالم الأول. وطرحن أيضًا أنالأموميةهي شكل من النسوية جنوب الأفريقية، وهي دائمًا تجمع النساء وتؤدى إلى التعبئة حول قضايا النساء.

وانتقدت هذه الفكرة حيث أنها تكرس لأن تفهم النساء حياتهن في ارتباطها بالأطفال والآخرين الذين تربطهن بهم علاقات حميمة. ومن ثم تكمن مشكلة الأمومية كهوية في أنها تمسك بالنساء في المجال الخاص وتعيد تدعيم هوياتهن من خلال علاقاتهن بالآخرين بدلاً من أن تدعم استقلاليتهن. وهكذا، عندما تبدأ سياسة النساء في التصدي لتخوم المجال الخاص، تظهر المقاومة حتى داخل النساء ضد قضايا الاستقلال والتكامل الجسدى والتحكم في الذات. كما ينشأ ضمن الأمومية تعارض بين ما تضفيه من طابع محافظ، وبين مشروع تحويل علاقات النوع الاجتماعي. وأيضًا لا تعتبر الاستراتيجية السياسية القائمة على الأمومية تقدمية في أصلها، فكونها متجذرة بقوة في خبرة النساء، لا يقدم الكثير لهن ولتحررهن. كما وجه إلى المفهوم انتقاد حر من حيث أنه مفهوم سائل وقابل للتلاعب به (Shireen Hassim). كما يجعل هذا الاتجاه من الأمومة وضعًا ماديًا، وفي هذا تجاهل لوضعها أساسًا ضمن سياق ثقافي، حيث تأخذ الأمومة معان تتباين من سياق ثقافي إلى آخر، كما أن فيه أيضًا عودة إلى الأساس الطبيعي لتحديد الهوية النسوية. وترى المنتقدات إنه عند انتفاء القهر عن النساء، فإنهن سوف يكففن عن الحديث بلسان فضيلة الرعاية (Stanford Encyclopedia of Philosophy).

وهناك من يؤكد البعد التاريخي واللغوي لعملية تشكل الهوية. وتشير إحدى النسويات العربيات إلى كينونة مؤدلجة مصقولة عبر كثير من الحقب التاريخية تثقل كاهل النساء العربيات اللاتي تعرفن بنون النسوة. وهكذا يختزل الخطاب السائد النساء، كما يختزلهن العرف الذي يصير إلى قانون، ثم إلى تاريخ. وتكون قضية اللغة التاريخية على نحو ممتد أشبه بالتعويذة. تكون ضرورة، فتصبح صيرورة ثم واقعًا مألوفًا دون جدال. وتطلق على هذه العلميةالوعي المدبربخصوصية واثقة (سالمة الموشي). وهكذا، فكما يستخدم التاريخ ضمن الآليات الأخرى في ضبط الهوية النسائية، فإنه يعبر عن خصوصية قهر النساء في كل موقع ارتباطًا بتاريخه ولغته.

وفي اتجاه معاكس، وجه بعضهن النقد إلى التشكيك المفرط في عالمية خبرة النساء كنساء، الذي يؤدي إلى تقويض التعميم بشأن النساء الذي أعطى للنظرية النسوية قوة وزخمًا. كما اقترحت مناهج بديلة تقلل من شأن معايير الاشتراك في العضوية في جماعة اجتماعية،تعلي من شأن إمكانية التحالفات النسائية. وترى وجهة النظر هذه أن سياسات الهوية مثلت مأزقًا في الفكر النسوي. وبصرف النظر عن أي من الانتقادات إلا أن الجنس / النوع الاجتماعي كمجموعة من المعايير التحليلية تواصل قيادة الفكر النسوي (Stanford Encyclopedia of Philosophy).

وتذهب النسويات الراديكاليات إلى وجود نمط إنتاج منزلي مغاير لنمط الإنتاج الرأسمالي. ويعتبرن النساء في كل الطبقات الاجتماعية ضحايا للاستغلال المباشر من الرجل في الأسرة. وهكذا يشكل الرجال والنساء طبقتي جنس متعارضتين على أساس الاستغلال المنزلي للنساء (الرابطة الشيوعية الثورية). وتؤكد النسويات الراديكاليات على أساسية اضطهاد النساء كنساء. ويرين أنه ينبغي الحفاظ على نقاء الهوية النسوية من تشويش قضايا الهويات الأخرى. وعلى سبيل المثال فإن إحدى مناصرات هذا الاتجاه ترى في الاضطهاد العرقي جنسانية موسعة. وعلى هذا فإن محاربة النساء السود للاضطهاد العرقي (وخاصة بين نساء البيض) إنما يشكل تقسيمًا للحركة النسوية. ويركز هذا الاتجاه بشكل عام على أن تحدي الأبوية، الذي يفهم على أنه صراع بين الرجال والنساء، يمثل الآلية الأصلية لكل الاضطهاد. وانتقد هذا الاتجاه عالمية النوع الاجتماعي والموجة الثانية ما يترتب عليها – وفقًا لهن من إخفاق في تحديد خصوصية أنصار الراديكالية النسوية (Stanford Encyclopedia of Philosophy)

وتتميز رؤية النسويات الراديكاليات بأنها سلطت الضوء على اضطهاد النساء الواقع داخل الأسر الشعبية، مما يسقط الصور الساذجة عن الأسرة العالمية التي قدمها كثير من اليساريين وحتى من أقصى اليسار (بما يتضمنه ذلك كتابات فردريك انجلز). ولكن لا إنكار أن هذا الطرح يفشل في إدراك تلاقي الصراع الطبقي التقليدي وما يقدمونه من صراعطبقات الجنس” (الرابطة الشيوعية الثورية). وهذا ما ينفي عنه صفة الواقعية حيث عمي عن تراكب وتعقيد الصراعات في الواقع.

وتدرك النسويات الاشتراكيات أن هناك تقسيمًا للعمل بين الذكور والإناث يختلف من مجتمع لآخر، وغالبًا ما تكون نشاطات النساء أقل قيمة. وينفين كون هذا التقسيم قائمًا على استبعاد النساء لأسباب طبيعية مثل الحمل أو لأن حركتهن ضعيفة بسبب الأطفال، أو حتى بسبب أنهن أكثر هشاشة وعجزًا عن ممارسة الأنشطة القاسية. ويقدم تيارالنضال الطبقيالنسوي الاشتراكي تحليلاً متكاملاً حيث يعترف باضطهاد النساء فيما قبل الرأسمالية، ولكن يؤكد على أن الرأسمالية قد غيرته بعمق، وحيث فصلت الرأسمالية بين أماكن الإنتاج (المنشآت) وبين أماكن إعادة الإنتاج (الأسرة)، فقد أسندت إلى المرأة دور ربة البيت وأضفت عليه روعة مثالية. وقامت أيديولوجيا امرأة البيت هذه بتكريس احتقار النساء المكرهات على العمل خارج البيت لعدم وجود عائل لهن. ولم تقتصر هذه الأيديولوجيا على الطبقة الرأسمالية وإنما أصابت أيضًا الطبقة العاملة التي واصلت نساؤها العمل خارج المنزل للضرورة الاقتصادية، وكن ضحايا للتناقضات المرتبطة بازدواج مهامهن بين الأسرة وشروط العمل القاسية. وتمادت الرأسمالية في تكثيف الاستفادة من الأيدي العاملة الرخيصة من النساء والأطفال. وقاد منطق تعظيم الربح ذاته بعد ذلك إلى الطعن نسبيًا في سلطة الأب لتتحرر النساء كأيدي عاملة رخيصة ومستهلكات. وشهد هذا الوضع تطورًا في الستينيات وإلى اليوم، حيث قاد المنطق الرأسمالي في تعظيم الربح إلى نقل الصناعات التقليدية إلى أفريقيا الشمالية وأمريكا اللاتينية وآسيا، واستقطب أرباب العمل فتيات إلى سوق العمل، حققن استقلالاً ماليًا على الرغم مما يلاقينه من استغلال مكثف. وفي البلدان الرأسمالية المتقدمة، خرج كثير من الأنشطة من مجال الأسرة إلى المجال العام (الخدمات العامة) عبر القطاع الخاص أو خدمات الدولة.

وقد يظهر هذا السرد أن الرأسمالية معادية للأسرة، على عكس ما تراء الاشتراكيات واقعًا، حيث تتمسك الرأسمالية بالأسرة الأبوية. وتمتلك الأسرة الأبوية مرونة نسبية تؤدى دور صمام أمان لا يستهان به للنظام الرأسمالي، إزاء ما يتعرض له الأجراء في حياتهم المهنية من إكراهات، وإزاء تقلص الاختيارات أمام أغلبية السكان فبإمكان المرء اختيار شريك حياته وأسرته وأنماط استهلاكها. ويشعر المرء داخل المنزل باسترداد حريته المفقودة خارجه. وتقوم الأسرة بإعادة إنتاج التقسيمات (أو التراتب) بين مختلف الطبقات الاجتماعية من جهة، وبين الأنواع من جهة أخرى، حيث ارتبط بالنوعين وظائف اقتصادية واجتماعية مختلفة (وظيفة الأمومة للنساء). يتعين على النساء الاضطلاع بمجموعة المهام المرتبطة برعاية وإعادة إنتاج (اجتماعية ورمزية) لقوة العمل والأسرة. وتقوم الأسرة بدورضبطسوق العمل، فهي تحافظ على المرونة النسبية للعرض والطلب على عمل النساء، ومن ثم يمكن دعوتهن للعودة إلى المنزل عند اشتداد البطالة، ودعوتهن للعمل عند الانتعاش. ولا يزال المحافظون يدافعون بشراسة عن هذا الدور للأسرة، والذي يقوم على كاهل النساء اللاتي يتعرضن للاستنزاف الذي يتزايد كلما تضاءل ما يمتلكنه من إمكانيات، وهذا فضلاً عن العنف الزوجي وتقييد حرياتهن.

وترتبط ما بعد النسوية بالوعي الاحتمالي. وترفض التحول إلى بناء ثابت. وينظرن إلى اللامتوقع والمفاجئ اللذين يهربان من سلطة القائم، ولا يستطيع السائد أن يقبض عليهما لأنهما في ارتحال دائم، ولا يحلان إلا في الهامش. فيكون الخطر في الهوامش، حيث إنها إذا سحبت بهذه الطريقة أو تلك فإن الخبرة الإنسانية يتغير شكلها. والهامش هو الأكثر قدرة على المراوغة والكر والفر. وبهذا المعنى تكون النسوية هامشية. فهي ذات في حالة انتقال وهي فعالة لأنها تمتلك سلطة التخوم أو الحدود. وينتقد هذا الاتجاه على أساس أن منطقة التخوم هذه ليست مكانًا، وإنما هي خيال لا يمكن بلوغه إلا عبر الخيال (رجائي موسى: 67, 68).

و يفترض أحد الانتقادات الموجهة إلى ما بعد النسوية أنها تتحرك في سياق لا تحكمه حكومات أو أنظمة أبوية، بل كيانات عملاقة من شركات متعددة الجنسيات، ترى في المرأة مجال اختصاصها. فالمرأة في هذا الوضع تريد أن تحصل على كل شيء؛ الوظيفة والأمومة والجمال والحياة الجنسية الممتعة. ولكن هذا الوضع لا يجعلها أكثر من مستهلكة للأقراص والمساحيق والجراحة التجميلية والأزياء والوجبات السريعة، وبذلك يكون تبني بعد النسوية ترفًا لا يقدر عليه سوى أثرياء العالم الغربي. لذلك لا يمكن أن تكون ما بعد النسوية احتمالاً أو تطرح نفسها بوصفها منطقة حدودية أو هامشًا مراوغًا، بل عليها أن تنصب نفسها شركا أو فخا لكي يتم اصطياد النظام القائم في منطقة ضعفه، وفي لحظة من لحظات تناقضاته المستمرة. إن الانهيارات في المكانة والسلطة السياسية والاقتصادية وتوزيع الثروات ومعدلات الدخول والفقر والتهميش لمعظم الرجال والنساء في العالم تجري على قدم وساق وبوتيرة متصاعدة. لذلك على ما بعد النسوية أن تدرك أن ما يقوم به النظام القائم من تحسينات في وضع النساء القانوني والتعليمي وأحيانًا الصحي لا يعدو أكثر من مطالب تعزز النظام الأبوي ومقولاته التي لا تتحرك أبعد من الدور التقليدي لأنثى تقليدية مذكرة (تحيا وفق أيديولوجيا ذكورية) ولذكر تقليدي مدجن (أي يحيا ويمثل دوره المحدد سلفًا كرجل). إن الأنظمة القائمة البرجوازية الرأسمالية الذكورية على استعداد لإدماج تلك النسويات داخل منظوماتها (رجائي موسى:68).

وتواصل النسويات نقد الحركة النسائية الغربية، فيوضحن أن النسوية لا ينبغي أن تعني بالمظهر الذي يحقق النجاح، ولا تعني بأن تصبح المرأة مديرة تنفيذية لشركة كبرى، أو اكتساب منصب بالانتخاب أو التعيين (حتى ولو كان مستشارة لإحدى الدول الكبرى بالعالم). ولا تعنى النسوية القدرة على المشاركة في زواج مزدوج المهام ثم أخذ أجازات للتزحلق على الجليد وقضاء وقت كبير بصحبة الزوج وطفلين جميلين بفضل وجود خادمة، تقوم بالدور التقليدي للأم لأطفال مخدومها بينما لا يمكنها توفير ذلك لأطفالها بسبب العجز عن توفير الوقت والمال الكافي. ولا تعني النسوية أيضًا من وجهة نظرهن أن المرأة مخبرة أو شرطية أو عميلة للمباحث أو جنرال في قوات البحرية أو غيرها (رجائي موسى:69).

وإذا تأملنا هذا العرض السريع للاتجاهات النسوية المختلفة، نجد أن الموجة الثانية من النسوية التي انتقدت بسبب اقتصارها على اهتمام المهنيات بتقسيم العمل المنزلي مع أزواجهن، قد أدت إلى ما شهدته السبعينيات من اهتمام النسويات بتقسيم العمل بين الوالدين، وأبرز هذا الاهتمام بالأبوة، كما تحول الاهتمام من الأم كمنتج للأطفال إلى الأم نفسها. وأدت دراسة خبرة النساء في عمليات الإنجاب وتربية الأطفال ودلالة الأمومة بالنسبة لهوية المرأة إلى تحدي الادعاء الشائع بأن النساء لديهن رغبة غريزية نحو إنجاب الأطفال ورعايتهم. وكشف عن عدم الرضا والإحباط المرتبطة بالأمومة وخاصة إذا كان عالم النساء يقتصر على المنزل (جوردن مارشال:214، 215). ويوفر هذا أساسًا للتحليل علاقات القوة داخل الأسرة، وإن كان نمط العمل المنزلي يختلف بشدة وفقًا للفئة والطبقة الاجتماعية، وبالتالي يمكن أن تختلف عملية التقسيم من أسرة إلى أخرى، ولكن هذا في النهاية لا ينفي وجود تقسيم العمل داخل الأسرة على أساس النوع الاجتماعي، وأن تمييزًا لغير صالح المرأة يتم فيه في كل الأحوال.

وإذا كانت فكرة الأمومية قد لعبت دورًا مرجعيًا بالنسبة للمنظمات النسوية النضالية في جنوب أفريقيا، فقد توافق هذا مع أوضاع إنسانية شديدة التدهور عاشتها النساء بصفة خاصة بسبب خصوصية السياسة الديموجرافية المتعسفة لنظام الفصل العنصري، ومن ناحية أخرى فقد أسفر ذلك عن دور شديد التميز للنساء في معركة التحرير. فقد فجرت النساء التمردات والانتفاضات وحملات التحدي والعصيان المدني للنظام. وبعد القضاء على العنصرية وتسلم حركة التحرر أو تحالف المؤتمر الوطني الأفريقي لزمام الحكم في البلاد، تم تجاهل النساء كلية في عملية التفاوض بشأن الدستور الجديد. وهنا واجه ائتلاف النساء (المكون من عدد ضخم من المنظمات النسوية) أول حكومة غير عنصرية بحسم شديد حتى إنه هدد بالدعوة إلى مقاطعة أول انتخابات غير عنصرية في البلاد عام 1994. وحصلت النساء بالفعل على مستوى من المشاركة السياسية، حيث إن الاشتراك الواسع لهن في نضال التحرير أسفر عن عدد كبير من المنظمات النضالية عميقة التجذر بين نساء الأوساط الشعبية (Shireen Hassim). ولكن هل أدخلت الحكومة سياسات للقضاء على القهر نوع الاجتماعي؟ أو هل وضعت ذلك على جدول أعمالها خلال أكثر من عشر سنوات من الحكم؟ يرى كثير من المراقبين في جنوب أفريقيا أن التغيير الذي حدث إنما جنت ثماره البرجوازية السوداء التي اقتسمت الكعكة مع عناصر النظام القديم (Bjorn Beckman). واستفادت النساء البيض من تدابير الإسراع من إشراك النساء في مؤسسات صناعة القرار. ولكن مازالت النساء السود وخاصة في الريف يعانين من الاستنزاف اليومي كنساء ومن الفقر، رغم أنهن كن وفود النضال ضد النظام العنصري. كما عمقت سياسات التكيف الهيكلي الفقر بين السود من الرجال والنساء.

ويطرح هذا قضية ارتباط القهر النوعي بالقهر الوطني وهي القضية الأكثر إثارة للجدل. فالنساء السود يجنين حصاد النظريات النسوية للنساء الشماليات البيض، لأنها لا تشتبك مع ظروف مجتمعهن الذي تتصدر اهتماماته قضية الاستقلال، وبالتالي يصعب تجذيرها بين النساء الفقيرات، وتنجذب النساء نحو الأيديولوجيا الوطنية المستخدمة في التعبئة ضد الاستعمار وتتبناها. وعادة ما يرجأ تغيير أوضاع القهر الواقعة على النساء إلى ما بعد تحقيق الاستقلال. وتفيد الخبرة التاريخية من جنوب أفريقيا ومن الجزائر أيضًا، أن هذا الإرجاء يعني تجاهل وضع القهر الواقع على النساء وقبول استمراره فيما بعد الاستقلال، على الأقل بالنسبة للطبقات الفقيرة. وحتى قد يتم التراجع عن بعض مساحات التحرر التي حققتها النساء في سياق نضالها ضد الاستعمار، مثلما الوضع بالجزائر.

وتستمر الايديولوجيا الوطنية في لعب نفس الدور الإرجائي لتغيير أوضاع قهر النساء في فترات ما بعد الاستقلال، خاصة وأن أشكال الاستعمار تتبدل من الاستعمار التقليدي الواضح إلى الاستعمار الجديد، إلى شكل أقل وضوحًا من هيمنة رأس المال العابر للحدود القومية، والمنظمات الدولية المالية (البنك والصندوق الدوليين) أو المنشغلة بالقضايا السياسية والاجتماعية والثقافية (منظمة الأمم المتحدة)، وفي النهاية الدول الكبرى التي يتوطن فيها رأس المال العابر بشكل أساسي، كما تمتلك سلطة أساسية في المنظمات الدولية (على رأسها الولايات المتحدة)، إلى جانب القوة العسكرية والسيطرة على الإعلام على مستوى العالم. وتتواصل الأشكال الجديدة من الهيمنة مع الاستعمار التقليدي في تغيير البنى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بل والثقافية للشعوب الفقيرة، كما تشترك معه في استنزاف ثروات هذه الشعوب. وتتواصل على نفس المنوال الأيديولوجيا الوطنية التي تتعامل مع النساء كرمز للهوية الوطنية وحامل للتقاليد والتراث الوطني (أو الديني) الذي يحمي الشعوب المقهورة من محاولات الهيمنة عليها.

وهكذا تصبح النساء ساحة للصراع الأيديولوجي. فتنتشر الأيديولوجيا الوطنية التي تتضمن أن القوى المهيمنة (الغرب) تسعى إلى تذويب الهوية الوطنية لتفقد الشعوب قدرتها على المقاومة، فهي تسعى إلى تغيير النساء وفقًا للنموذج الغربي للقضاء على ما تحمله النساء من رموز وتراث وطنيين. أو إن الغرب يدفع النساء لتبني مفاهيم تحفزهن على الصراع مع أبناء وطنهن (الرجال) حتى تتفتت وحدة الصف الوطني، وأيضًا تضعف المقاومة. ويكشف هذا المنطق ليس فقط عن رؤية دونية للنساء، بل أيضًا دونية للشعوب الفقيرة أمام الغرب المعتدي الكلي الجبروت والقدرة، فأولاً لا تطالب النساء برفع القهر عنهن إلا بدفع من الغرب، وثانيًا ليس أمام الشعوب الفقيرة إلا أن تتمثل النموذج الغربي، أو تهرب منه في تراثها الذي تنتقى منه عناصر تهيء منها نموذجًا مماثلاً في النهاية مع النموذج الغربي.

ويكون الخاسر الأكبر من هذا التوليف هو النساء. فلقد قيل لهن في الماضي تحدثن (من الحداثة) ولكن في حشمة، أي اعملن وتعلمن، ولكن لا تقربن علاقات السلطة والتراتب القائمة على النوع الاجتماعي. ويطلب الآن من النساء أن تدخل عصر تتضح الإلكترونيات الحديثة دون أن تعرض هوية الوطن التي تحملها إلى ما يخدشها. ومن هنا تتضح أهمية فض الاشتباك بينالنساءوالثقافة، وتفكيك مفهوم المرأة كرمز، وإعادة بناء مفهوم النساء باعتبارهن بشرًا، ومناقشة حقوقهن كإنسان له كامل الحقوق في التحرر (فالنتين مجدم موسى:104).

ونجد أن تحليل النوع الاجتماعي، إذ يعتمد في تحليله على وحدة المجتمع ويبحث في علاقات السلطة القائمة على النوع الاجتماعي، أداة مفيدة في فهم هذه العلاقات مع الأنماط المتباينة للقهر في المجتمع في إطار التحليل. وبهذا يمكن الوصول إلى خلاصة يدرك من خلالها نقاط تقاطع أنماط القهر (العرقي، الطبقي، اللوني، الثقافي). مع القهر على أساس النوع. وهكذا يمكن أن يصبح التحليل أداة للتعددية داخل النساء كجماعة مقهورة، فلا تتحول إلى هوية نافية لغيرها من الهويات. ويمكن أن يوجه تحليل النوع الاجتماعي لاستيعاب علاقات القهر على المستوى العالمى التي تتقاطع وتنعكس على القهر النوعي في كل مجتمع، مثله مثل كافة أشكال القهر الأخرى، ولا يمكن فصل أي منهم عن الآخر. وهذا ما يمكن أن نلمسه في النقد الذي عرضناه لما بعد النسوية، حيث يتجه إلى نسوية عالمية تنشغل بالمضطهدين داخل النظام العالمي وترى أن على النسوية أن تواجه أساس هذا الاضطهاد وهو النظام الرأسمالي العالمي. وهكذا يمكن تأسيس الرؤية التي تتيح للنساء إدراك المسار الذي يتوجه فيه نضالهن من أجل تغيير أوضاع قهرهن دون الوقوع في شرك إعادة إنتاج النظام الذي يؤيد أوضاع قهرهن، أو تغيير النظام إلى نظام آخر يؤيد أيضًا أوضاع قهرهن.

ويمكن أن نستخلص من العرض السابق أن الدعاية للعالمية قد تكون في صالح نساء الشعوب المضطهدة في النظام العالمي، وقد تكون في اتجاه معاكس لمصالحهن. ونفس الشيء يمكن أن ينطبق أيضًا على الدعوة للخصوصية. فقد وقفت نسويات الموجة الثانية من النسوية مع عولمة المفاهيم النسوية. وعارضت ذلك نساء من الجنوب مدافعات عن الخصوصية دفعًا للظلم الذي حاق بهن نتيجة لاستبعادهن. كما تحاول النسويات في الشمال أو الجنوب حماية الهويات الأخرى التي ينتمين إليها بمنطق تعدد وتراكب الهوية، فهن ينتمين إلى جماعة النساء وفي ذات الوقت ينتمين إلى هويات أخرى؛ هوية طبقي (كففيرات أو عاملات) أو هويتهن العرفية (كملونات) أو هويتهن الوطنية (كمناضلات ضد الاستعمار أو الهيمنة الإمبريالية). وترى الاشتراكيات اشتراك نساء الطبقة العاملة في أوضاع القهر التي تسببها الرأسمالية، فهن يسعين إلى عالمية قائمة على توحيد نضال هؤلاء النساء والمناهضين للنظام الرأسمالي. ويفترض هذا النمط من العالمية علاقات قوة متوازنة بين المقهورات من البلدان المختلفة، كما يفترض الانشغال بأوضاع قهر نساء البلدان المقهورة في النظام العالمي الذي تهمين عليه مصالح الرأسمال العالمي. أي إنها عالمية لمصالح المقهورين في مواجهة عالمية مصالح الرأسمال المسببة للقهر.

وفي الوقت نفسه نجد معارضات لعولمة المفاهيم النسوية من خلال وجهة نظر تختلف عن النساء من الجنوب، ونعني النسويات الراديكاليات اللاتي يعتنقن هوية نسوية تنفي دور الانقسام على أساس هويات أخرى على أوضاع القهر. وهنا نرى الهوية وقد تحولت إلى هوية أحادية أساسية نافية لغيرها بشكل يجعل من مناهضة الاضطهاد نوعًا من العنصرية. بل ويحرم النساء من فرص النضال ضد الأنواع المتباينة من القهر الواقع عليهن، وهذا يكون بالطبع في مصلحة من يمارس القهر عليهن. ومن هنا لا يكون الرفض لعولمة المفاهيم النسوية لصالح النساء الواقعات تحت أشكال مختلفة من القهر المتقاطعة مع القهر النوعي، بل على العكس من ذلك.

وهنا يمكن أن نبدي ملاحظتين، الأولى أننا نلمس أن المحك لا يتعلق بمدى عالمية أو خصوصية المفهوم أكثر مما يتعلق بالتساؤل عن أي مصالح يعبر. أي أن مصالح توضع بناء على هذا المفهوم في الصدارة وأي مصالح تنفي، أو ترجأ لأجل غير مسمى. ورؤية الهوية كتعبير عن مصالح يكيف انتقادًا لسياسات الهوية من حيث إنها ترى التعبئة على أساس الانتماء عضويًا إلى المجموعة. أي بالمعنى الحصري أن تدافع المرأة عن النساء والأسود عن السود والعامل عن العمال. ونشير هنا إلى أن الانتماء العضوي يهئ عمقاً أكبر وصلابة وجذرية في الدفاع عن مصالح فئة من الفئات (أو طبقة أو عرق)، ولكن لأن هذا الدفاع يعبر عن مصالح، فهذا الأمر يتيح لمتبني هذه المصالح الدفاع عنها.

وإذا كانت الهويات تعبر في النهاية عن مصالح، وكانت سياسات الهوية قد انطلقت من وجود مجموعات تهمشت مصالحها في سياق نظام التمثيل الليبرالي، فلا يعني هذا أن النظام السياسي الاجتماعي لابد وأن ينقلب ليعمل على تحقيق هذه المصالح التي سبق تهميشها فقط، ولكن يعني فشل النموذج الليبرالي في تضمين الجميع في علاقات سلطة سياسية واجتماعية متعادلة. وينبني على ذلك أن النضال الذي يمكن أن يحرر النساء يقوم على السعي إلى بناء نظام سياسي اجتماعي يتيح أولاً للجميع مساحات التعبير عن مصالحهم المختلفة، ويحقق ما فشل فيه النموذج الليبرالي وهو تضمين الجميع في علاقات سلطة سياسية واجتماعية متعادلة. وبنفس المنطق النضال من أجل نظام عالمي يضمن جميع الشعوب في علاقات سلطة عادلة. ونرى أن الوصول إلى أي نظام يحقق هذا هو ما يمكن أن يعنيه تحرير الإنسان والمرأة الإنسان.

أما الملحوظة الثانية، فهي أن التاريخ يشير إلى عقم التصور الذي يقضي بأن خلاص المجتمع من أشكال القهر التي تمارس داخله أو عليه يمكن أن يأتي بناء على أجندة موضوعة مسبقًا. بمعنى أن يرى البعض أن التخلص من القهر الاستعماري أولوية يتلوها الأولويات الأخرى، مثل القهر الاجتماعي الطبقي أو النوعي. أو أن يتصور البعض أن الخلاص من القهر الاجتماعي أو الطبقي سوف يتلوه النظر في الأولويات الأخرى مثل انتفاء القهر النوعي. وهكذا توضع المعارك النضالية في تراتبية، كما توضع الهويات المختلفة بناء على ذلك في تراتبية. ويمكن أن نستشف ذلك من فشل حركات التحرر في تحقيق التحرر الوطني، حيث كانت ترجئ الصراع الاجتماعي الطبقي والنوعي، وبذلك تلعب في منطقة التماهي مع نموذج المستعمر وتخسر الطاقات التحررية الحقيقية للمقهورين. وفشل التجارب الاشتراكية السابقة في تحقيق الاشتراكية، حيث كانت تنكر بشكل فعلي التغييرات الاجتماعية والسياسية بالداخل، وتؤمن بتراتب القوى على المستوى العالمي وتسعى إلى إحراز الصدارة فيه.

ويمكن أن نشير بناء على ذلك إلى أن إرجاء الصراعات إلى مراحل قادمة لا يؤدي فقط إلى تجاهل واستبعاد مصالح الأطراف المقهورة في الصراعات المرجأة وتأبيد أوضاع قهرها، ولكنه يؤدي إلى الفشل في الوصول إلى غاية الصراع صاحب الأولوية. وهكذا حيث أن أشكال القهر لا تتراتب ولا تتجاور ولكن تتراكب وتتقاطع، فإن النضال لتغيير أوضاع القهر أيضًا لابد وأن يتقاطع ويتراكب، ويدفع بعضه بعضاً. ونشير أخيرًا إلى أننا بناء على ما سبق، وبناء على فهمنا للصراع الوطني ليس من خلال تسييد أيديولوجيا وطنية أو قومية، ولكن باعتباره صراعًا على حق السيادة الوطنية وحماية ثروات الشعوب التي يتم نهبها، فإننا نجيز استخدام تعبيرات مثل محلي وعالمي، ووطني واستعماري، داخل وخارج، ولكن لا نقر التعامل مع هذه التعبيرات باعتبار أنها تعبر عن ثنائيات متنافية، أو كليات متعارضة. فيمكن أن يقرب القهر ما بين النسويات الفقيرات في الشعوب المقهورة على مستوى العالم، وهو نفسه يمكن أن يبعد النساء في كل دولة عن الذكوريين أو الاستغلاليين في بلدهم.

2

(2) لبعد النسوي والبعد الوطني للحركة النسوية المصرية في النصف الأول من القرن العشرين:

في مناقشتنا لهذه النقطة لن نحصر البعد الوطني في الأنشطة والمطالبات المناهضة للاحتلال أو الهيمنة الخارجية كما هو شائع. ويمكن أن نحدد العناصر الممثلة للبعد الوطني إلى جوار ذلك في اتجاه علاقة الحركة المحلية مع المحيط العالمي ومدى استقلاليتها هذه العلاقة، إلى جانب انشغالها بأهداف خاصة بوطنها وتطوره وتقدمه. ونعنى بالبعد النسوي الانشغال بمصالح النساء كنساء في تحديد الحركة لأهدافها ومطالبها ونشاطها. وغني عن البيان إنه لا يمكن تناول كل بعد من البعدين على التتالي حيث إن الأبعاد المختلفة للحركة لا يمكن فصلها بل هي متشابكة متفاعلة، ولا يمكن إدراك تجليها أو خفوتها إلا في الوقت ذاته في كل لحظة من حياة الحركة.

بدأ الصراع بين البعد النسوي والبعد الوطني منذ الإرهاصات الأولى للحركة النسوية المصرية والتي لا يشار إليها كثيرًا في الأدبيات التي تتناول تاريخ الحركة النسوية في مصر. ونعني بذلك المظاهرات النسائية أثناء الحملة الفرنسية على مصر وفيما بعدها. وقد شهد المجتمع المصري في أواخر القرن الثامن عشر فترة ساخنة حركت الركود الذي دام لعقود خلت. وقد تتالت في الفترة من 1795 إلى 1805 (عشر سنوات) أربع انتفاضات شعبية، إلى جانب صدمة الحملة الفرنسية وما حملته من عوامل واسعة التأثير. ونتيجة لتعاون الأعيان وبعض كبار التجار مع الفرنسيين, ومن خلال مسايرتهم لسلوكياتهم وعلاقتهم الاجتماعية، ظهر بوضوح التأثير المزدوج للغزو الأجنبي، فقد سنحت الفرصة أمام نساء الأعيان المستفيدين من وجود القوة الاستعمارية في أن يطالبن بمعاملة حسنة مثل الفرنسيات، وذلك من خلال المظاهرات النسائية التي خرجت في رشيد. وبينما أثار هذا الخروج عن المألوف حفيظة القادة الشعبيين – وهم من علماء الدين – إلى جانب فئات الشعب، فقد ردوه إلى التعاون مع المحتل. وفي الوقت ذاته، خرجت مظاهرات نسائية، وبدا الحضور النسائي واضحًا في حركة المقاومة الشعبية للحملة، وفيما بعدها في المطالبة برفع الضرائب الباهظة (عبد العزيز الشناوى:168-178،حلمي النمنم:173، عبد الرحمن الجبرتي:168,173 إجلال خليفة:17). وهكذا تحركت النساء المكبلات بالتقاليد الاجتماعية المحافظة، وخرجن لقضية عامة، وهن اللاتي أخذ عليهن – كنساء مطالبتهن بمعاملة أفضل. ويمكن تفسير ذلك بالانفراج اليسير الناشئ عن وجود المستعمر، أو الحراك الاجتماعي والسخونة المرافقة لمقاومته والمزاج الجماهيري المائل للانتفاض، وأيضًا بتأثير تهدد أقواتهن وبيوتهن وحياتهن. وفي هذه الحالة لم تستنكر حركتهن بل بالعكس ربما استحسنت،وكانت نخوة النساء دافعًا لاستثارة نخوة الرجال وحركتهم.

وكان للحركة النسائية المصرية في النصف الأول من القرن العشرين نشاط واتصال خارجي كبير رغم أن ذلك قد لا يكون معروفًا بشكل واسع. ويذكر أن نساء مصر سبقن الرجال في تمثيل مصر في المؤتمرات السياسية الدولية، فقد مثلنها في المؤتمر الدولي لنزع السلاح الذي أقيم في إحدى عواصم أوروبا (1899 -1900). وكانت الكسندرا أفرينو متحمسة لنشر أخبار القسم النسائي للمؤتمر في مجلتها أنيس الجليس، والذي كان يدعو إلى أن السلام العالمي لا يمكن أن يتحقق إلا إذا آمنت به النساء. كما سافرت الكسندرا إلى باريس عام 1899 وألقت خطبة عن المرأة الشرقية ونشر مقالات في الصحف الباريسية (إجلال خليفة:223).

وبعد دعوة الاتحاد النسائي الدولي للنساء العربيات لحضور مؤتمره عام 1923 وتلبية وفد من مصر لهذه الدعوة توالى حضور الاتحاد النسائي المصري للمؤتمرات النسائية الدولية المتعاقبة التي عبرت عن حركة نسوية عالمية نشطة في ذلك الوقت. فقد حضر الاتحاد في الفترة بين 1923 و 1939 عشرة مؤتمرات عالمية في جراتسي وباريس وامستردام وبرلين ومرسيليا واسطنبول وبروكسل وبودابست وكوبنهاجن وغيرها. وتقول درية شفيق أن ذلك جعل الاتصال دائمًا بين المصرية والغرب (إبراهيم عبده:110). وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، استمر هذا الاتصال في الأربعينيات مع الاتحاد النسائي الدولي، فحضرت وفود مصرية مؤتمرات في حيدر آباد ونيودلهي. وكانت وفود نسائية تحضر أيضًا مؤتمرات الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي. وبعد تأسيس الاتحاد النسائي العربي، بدأ الاتحاد النسائي المصري يحضر مؤتمرات في سوريا ولبنان وفلسطين.

وتصف هدى شعراوي في مذكراتها أول مؤتمر تحضره للاتحاد النسائي الدولي، فتقول:”عندما قدمت العلم المصري لرئيسة المؤتمر (..) ولما فتحت العلم ورأت عليه الصليب يعانق الهلال، تأثرت تأثراً عظيما وأمرت بوضعه على يسار المنصة معادلاً للعلم الإيطالي الذي كان إلى اليمين فشغل بذلك الموقع الممتاز بعد علم الدولة المنعقد المؤتمر بأرضها. وتقول هدى أيضًاما كدنا نندمج في المؤتمر حتى لمسنا عن كثب أثر المرأة الأوروبية في نهضة الغرب. ومن ناحية أخرى فإن وفدنا رغم أنه كان أقل الوفود عددًا، إلا أنه أحدث تأثيرًا كبيرًا ولقى ترحيبًا عظيمًا لأنه ظهر أمامهن بمظهر أرقى مما كن ينتظرن، فصرن يسألننا في فضول وإلحاح إن كنا حقًا مصريات، وكلما أكدنا لهن ذلك شاهدنا علامات على وجوههن وكأنما كانت المرأة المصرية المحجبة مطبوعة في مخيلتهن بطابع الجهل والهمجية، ولكن سرعان ما تغيرت تلك الفكرة في أذهانهن عندما رأيننا نؤدي رسالتنا على الوجه الأكمل، تلك الرسالة التي رحبن بها وعضدنها ودعوننا للانخراط في سلك الاتحاد النسائي الدولي كفرع منه يمثل مصر. (…) وأصبح اتحادًا ذا صفة دولية وصفة قومية، معترفًا به في مصر والخارج.. .” (هدى شعراوي، ج2:93،94).

وكانت الصحافة المصرية قد رددت قبل المؤتمر موقفًا يشبه المتشكك في المصريات. فقامت ضجة حول عدم كفاءة المرأة المصرية لهذه المهمة؛ وعبرت بعض الصحف عن التخوف من الإساءة لسمعة مصر بسبب حديثهن الذي سيكشف جهلهن ومساوئ مهارات الحريم التي لا يجدن سواها. ودافعت الدوريات النسائية عن الوفد ومهمته (إجلال خليفة:231 – 132). ويوضح وصف هدى للمؤتمر وموقف مجتمعها من المصريات فيه، ورد فعل الصحافة النسائية، موقف الحركة النسائية المصرية في ذلك الوقت من التعامل مع المجتمع الدولي (وغني عن البيان أن هدى كانت شخصية مؤثرة للغاية في الحركة النسائية المصرية). ويتلخص الموقف أولاً في الاعتداد بالانتماء الوطني، والرغبة في إثبات الذات أمام المجتمع الدولي والمجتمع المحلي اللذين يضعان المصريات في موقع دوني، والإعجاب الشديد بنموذج المرأة الغربية، والانشغال بحصول المرأة المصرية على مكانة مساوية لها، إلى جانب الاعتزاز بشعور الانتماء إلى الحركة الدولية والحركة الوطنية المصرية في الوقت ذاته. ولنفصل بعض ذلك فيما يلي:

كان من الشائع في الصحافة النسائية في نهاية القرن التاسع عشر والقسم الأول من القرن العشرين تقديم النساء العربيات كنماذج إيجابية. فقد اهتمت هذه الصحف بنشر سیر النساء الشهيرات، كما أظهرت تعاطفًا وتبنيا لنوعية السير وامتدحت وأثنت على النساء الأوروبيات وإنجازاتهن (ليلي أبو لغد:24). وتذكر دراسة أن الصحافة النسائية منذ مطلع القرن اهتمت بالقضايا المتعلقة بخلق تصور جديد عن المجتمع وإعادة التفكير في الأسرة والأدوار الاجتماعية الثقافية للجنسين. فكانت تناقش علاقة المرأة بالمجتمع ومسائل الزواج والطلاق وتعدد الزوجات والحجاب والتعليم والعمل إلى جانب دور المرأة في تناول شئون المنزل. أي أن عرض سير السيدات الأوروبيات جاء في سياق نموذج جديد للمرأة كان يروج له في ذلك الحين. وتعبر دراسة أخرى عن أن النموذج الجديد للأسرة، ويقوم على الزيجات المتكافئة المبنية على الوسائل العلمية في تربية الأطفال. وهاجمت النسويات الزواج المرتب وتعدد الزوجات وحقوق الزوج في الطلاق السهل، وتذكر الدراسة أنه من الصعب إنكار مصدر تلك الآراء الغربية حيث تطورت تاريخيًا كجزء عميق من التحولات الاجتماعية الاقتصادية بالغرب (هالة كمال: 6، ليلي أبو لغد:290،291).

وتعبر هدى شعراوي بوضوح في أكثر من مناسبة عن إعجابها بنموذج المرأة الغربية، بل وتشوقها لتحقيق الحركة المصرية لمثاله. فتقول في خطبة ألقتها على الاتحاد النسائي عام 1926″عقب إنشاء هذه الجمعية سافر أول وفد عنا إلى المؤتمر النسائي الدولي (…) وهنا تبينت رسلكن وكادت تلمس الفرق العظيم بين حياة المرأة الغربية ومركزها في الهيئة الاجتماعية وبين زميلتها في الشرق. وقد كان هذا الدرس أول قبس اتخذ أساسًا لوضع قواعد الإصلاح الواجبة للمرأة عندنا. لذلك فكرنا فيما يجب أن نبدأ به وفكرنا في الإصلاح وتنظيم حياة العائلة (هدى شعراوي، ج 2:48،47). وتحكي بعد ذلك في مناسبة أخرى:”نزلت ضيفة عند صديقة لي في ديترويت (…) ولكن ما رأيته من نظام في بيتها وعناية بأطفالها وروح الوفاق والإخلاص بينها وبين زوجها (…) تبينت أن سر النظام في أمريكا هو شعور المرأة بشخصيتها واحترام الرجل لها (…) فمتى يسعدنا الحظ ونخطو خطوة هذه الأمم الراقية“. وقالت أيضًا في إحدى خطبها:”طالما كنت فخورة بما أحرزته المرأة المصري من التقدم في هذه المدة القصيرة، ولكن كلما اتصلت بالمرأة الغربية وعلى الأخص الأمريكية ضعف ما كنت أشعر به من الارتياح لحركتنا لأني إذا قست خطواتنا بخطوات المرأة هناك مع مراعاة أقدميتها في الحركة النسوية أو الاجتماعية أجد ما تتقدم به الغربية في عام قد لا نصل إلى مثله في جيل” (هدى شعراوي،ج 3:79،78). وكانت درية شفيق أكثر تأثرًا بنموذج المرأة الغربية، بل الإنجليزية بالذات، ويتضح ذلك من قولها في أحد كتبها:”إننا لا نجد في ظروفنا الحاضرة مثلاً أرفع من مثل الإنجليزية المثالية التي نرجو أن نخطو في نشاطنا النسائي على نهجها وهواها (إبراهيم عبده:96).

ولا تتبنى هدى شعراوي نموذج المرأة الغربية كهدف للنساء المصريات فقط، بل يبدو عليها أنها تتبنى النموذج الغربي الإنساني أيضًا فالذي يطلع على مذكراتها الشخصية يمكن أن يلحظ أن الشخصيات الإيجابية التي ذكرتها في إطار احتكاكها الشخصي كانت من الأجانب سواء من الرجال أو النساء، وقد عبرت باستفاضة عن إعجابها بها. ومن الأمثلة على ذلك زوجة رشدي باشا الفرنسية، وطبيب ابنتها (وكانت تعالج أولادها بالخارج كمعظم أفراد طبقتها)، ومدموزيل جان ماركيز الفرنسية المحررة بمجلة الإيجيسيان الصادرة باللغة الفرنسية. هذا إلى جانب الانبهار الذي تصف به هدى شعراوي المدن الأوروبية التي زارتها ونظامها سواء في إطار نشاطها أو في إطار عائلتها، ومقارنتها ذلك بالواقع في مصر، وفي الوقت نفسه، لم تذكر شخصية مصرية واحدة بهذا الإعجاب وبهذه الصورة الإيجابية (هدى شعراوي ج 1،ج 2،3:92:33).

وخلاف النموذج، كان للاتصال بالنساء الغربيات والحركة النسائية العالمية تأثير واضح على مسار الحركة المصرية. ويذكر أن الاتحاد النسائي المصري عند تأسيسه كان قريبًا من امرأة فرنسية متزوجة من مصري واعتنقت الإسلام، وهي زوجة رشدي باشا التي ذكرناها سالفًا، والتي كانت هدى شعراوي تكن لها إعجابًا شديدًا (ليلي أبو لغد:24). وكانت المشاركة في المؤتمرات منعكسة بوضوح على الحركة بداية من شعور الناشطات بالدعم الذي يدفع بهن قويات في معركتهن. وتذكر درية شفيقوكان من نتائج هذا الاتصال المستمر بين مصر وأوروبا أن أصبحت المرأة المصرية أكثر تقديرًا لقيمتها الذاتية من الناحيتين الاجتماعية والأدبية” (إبراهيم عبده:113). وإذا أخذنا في اعتبارنا اتخاذ المرأة الغربية كنموذج، وميل التأثير لأن يكون في اتجاه واحد وهو تأثير الحركة الغربية والعالمية في الحركة المصرية، دون تأثير كبير كما تعكس الأدبيات والوثائق – للأخيرة في الأولى، لا يسعنا إلا أن نقر بأن العلاقة لم تكن ندية ولا متوازنة بين الحركة المصرية والحركة الغربية والعالمية.

أما فيما يتعلق بتفاعل البعد الوطني والبعد النسوي لدى الحركة؛ فلا خلاف حول وطنية الحركة سواء من حيث اندماجها في الحركة الوطنية، أو من حيث انشغالها بأمر تطور الوطن وتقدمه. ويلاحظ أن هدى شعراوي وغيرها من النسويات في تلك الفترة لم تفتهن فرصة التعبير عن انشغالهن بمصريتهن. واشتهر هذا عن هدى شعراوي في أوساط الحركة العالمية. فنجد أن مدام مالاتير سيليه نائبة رئيسة الاتحاد النسائي الدولي تقول في تأبين هدى:”اسمحوا لي أن أعلن شهادتي هذه بأن عمل هدى هانم شعراوي الدولي كان دائمًا قائمًا على حب وطنها حبًا خالصًا يعلو على كل ما سواه. وهي حيث وجدت كان اسم مصر يملأ المسامع والأبصار” (الاتحاد النسائي المصري:58). وتذكر هدى شعراوي مذكراتها بكثير من الفخر.

أما على المستوى الإنساني فلم يعن انجذاب هدى للنموذج الإنساني الغربي دعوتها إلى تقليده بل إنها، وربما من خلال إعجابها بهذا النموذج، تدعو إلى التمسك بالقيم والتقاليد المصرية. وتذكر هدى شعراوي في مذكراتها تأسفها لاختفاء مظاهر القومية المصرية الرائعة في طقوس الأعياد، وانتشار تقليد الأجانب في طقوسهم وخاصة بين أولاد الذوات. وتذكر أن الأجانب يهتمون في بلادهم بأعيادهم الدينية والوطنية. وتأخذ على الشباب المصري تخليهم عن الأخلاق الشرقية المتميزة بالنخوة والمروءة (هدى شعراوي، ج 3:89:90)

أما بالنسبة للبعد النسوي، فلم تخرج النسويات في تلك الفترة عن النموذج النسوي الذي وضع في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، والذي يتلخص في فكرة النهوض بالمرأة من أجل ترقية الوطن. ويمكن أن نستنتج من ذلك تغليبًا للبعد الوطني البعد النسوي. فهن لم يكن في دعايتهن يتحدثن عن حقوق أصيلة للنساء بل كن يدعون لها في سبيل نهضة الأمة. توضح هدى شعراوي في سياق إشادتها بتجربة محمد علي أنه عمل على ترقية المرأة لتحقيق النهضة. وكان إعجابها بالنساء الغربيات مترتبًا على ما تسهمن به ويسهم به حصولهن على حقوقهن في نهضة أممهن وتمدنها. فتقول هدى شعراوي“… لقد أخذنا على أنفسنا عهدًا أن نحذو حذو نساء أوروبا في النهوض بنسائنا لنصل ببلادنا إلى المكان اللائق بها بين الأمم الراقية مهما كلفنا ذلك، وأن نؤدي بأمانة وإخلاص الخدمات الاجتماعية والإنسانية التي يتطلبها برنامج الاتحاد النسائي الدولي.. ..” (هدى شعراوي،ج 1:94،93).

وكان لمؤتمر الاتحاد النسائي الدولي عام 1923 بالذات، تأثير واضح في توجه الحركة النسوي. فلقد تأسست لجنة الوفد للسيدات عام 1919 في إطار الثورة. وكانت ذات مضمون سياسي وطني. وكانت مطالبها متعلقة بالحرية والديمقراطية والاستقلال التام وكانت هذه المطالب تنعكس في نشاط اللجنة الوطني. وبعد أن تلقت هدى شعراوي الدعوة لحضور مؤتمر الاتحاد الدولي، شرعت في تأسيس الاتحاد النسائي المصري من أعضاء لجنة الوفد. وصدر عن الاتحاد برنامج نسوي متكامل (هدى شعراوي،ج 2:59 – 60،92). وبعد نجاح الوفد المصري في مهمته وحديث الصحف الإيطالية والمحلية عنه، لاقت عضوات الوفد مستقبليهن في ميناء الإسكندرية سافرات الوجوه. ونظمت كثير من القصائد في مدح هدى ومن معها (إجلال خليفة:230). ويمكن أن نستنتج أن المؤتمر فرض الفرصة التي تسمح للنساء بدفع حركتهن إلى الأمام. كما أن اطلاعهن على أوضاع الحركة العالمية، وكونهن قد أصبحن جزءًا منها أعطاهن القوة على التحدي، وقد يسر ذلك طرح أجندة نسوية واضحة. ويتأكد أثر الاحتكاك الدولي على نمو البعد النسوي في المطالب، من عبارة هدى عن مؤتمر آخر في عام 1935:”كان من الطبيعي بعد عودتنا من المؤتمر أن نبذل الجهود من أجل تطبيق هذه القرارات (التي اتخذها المؤتمر) على حياتنا العامة. فأرسلت خطابًا إلى رئيس الوزراء نطالب بمنع تعدد الزوجات وحقوق المرأة السياسية (هدى شعراوي،ج10: 1: 3)

كما نشير إلى عامل آخر طور من وعي الحركة النسوية أيضًا وهو إنكار الحركة الوطنية لهن بعد كل هذه الوطنية، وبعد أن بذلن طاقتهن في الدفاع عن المطالب الوطنية وعن القيادات الوطنية حتى وصلت إلى سدة الحكم؛ فلقد رفضت أول حكومة وطنية تتولى مقاليد الأمور في البلاد (1924) طلبًا شديد التواضع للجنة الوفد للسيدات وهو حضور حفل افتتاح البرلمان، (فما بالك بتعاملها مع حق الانتخاب والترشيح للنساء)، وفي الوقت ذاته دعيت سيدات أجنبيات. وإن كان هذا قد سبب إحباطًا للاتحاد النسائي إلا أنه واصل مطالبة الحكومة بالمطالب النسوية التي لم يتحقق منها سوى اليسير (هدى شعراوي،ج 3:8،7). وتعبر هدى شعراوي عام 1926 عن فتور همتها في مجال السياسة، ورؤيتها لضرورة تعديل أولويات الاتحاد والانشغال بالمطالب النسوية. فتقول في مذكراتهاإن المرأة دخلت الحياة العامة من مجال السياسةوتستدرك بأن الأمور استقرت في عام 1926 وعلى الاتحاد أن يتجه إلى القضية الاجتماعية والنسائية. وتقولعلى أننا قد رأينا بالرغم من مشاركتنا للرجال عدة سنوات إهمالهم شأن المرأة في تقرير حقها السياسي حتى في أبسط الحقوق الأولى كقبولها ناخبة، مع أن هذا الحق لكل رجل مهما كانت درجته من الجهالة وتجرده من أي ميزة تميزه عن أقل امرأة في الهيئة الاجتماعية“. وهكذا تستنتج هدى من الدرس الغالي، أنه ربما كان عليهن الاهتمام بحقوقهن كنساء، حتى يتمكن من الوجود في المجال السياسي (هدى شعراوي،ج 3:46،45).

وتتبنى بعض الأدبيات عن تاريخ الحركة النسوية المصرية وجهة نظر ترى أن نموذج تحرير المرأة الذي اعتمدته الحركة في ذلك الوقت كان إنتاجًا مصريًا، حيث إن النسويات وضعن نسويتهن في إطار إسلامي حداثي زاعمات أن الإسلام يكفل حقوق النساء، بينما لم يكن للنسويات صراع جاد مع العلماء على عكس الوضع في إيران مثلاً (Margo Badran: 88). ونؤيد ما ذكر عن الإطار الإسلامي الحداثي ولكننا لا نرى أن ذلك يعني إنتاج نموذج مصري، ولا ينفي تمثل نموذج المرأة الغربية، الذي أوضحناه فيما سلف. ونرى أنه يعني وضع نموذج المرأة الغربية داخل الإطار الإسلامي في محاولة توليفية. أما أسباب اللجوء إلى التوليف فيمكن التكهن بها.

يتضح تمسك هدى شعراوي بالإطار الإسلامي، في استخدامها له في الدعاية حول حقوق المرأة وجدارة المرأة المصرية بها. وكانت عندما تتحدث عن إنجازات المرأة الغربية، ترفق ذلك بالحديث عن أن المرأة المصرية أجدر بذلك، نظرًا لما في الإسلام من تشريعات مساوية لها بالرجل، لا تتوفر في النظم التشريعية الغربية. ولم تكن هدى حتى لتقف عند الإسلام، بل كانت تشيد بتجربة محمد علي ومحاولته للنهوض بالمرأة والتي أجهضت بسبب الاحتلال الإنجليزي. بل إنها ترجع إلى التاريخ أن المصري القديم (وكان الاهتمام به يشيع بين المثقفين العلمانيين في تلك الفترة) فتوضح المرأة المصرية في تاريخها القديم كانت تتمتع بحقوق متساوية حال دونها الاحتلال أيضًا. ورغم أساسية الإطار الإسلامي بالنسبة لها إلا إنها كانت تدافع عن الإسلام من منظور وطني وتعالج مسألة المرأة بالكيفية التي تنجز بها توليفة إسلامية جديدة تستجيب لمتطلبات العصر.

ويبدو هذا المنظور منطقيًا للغاية، إذا وضع في سياقه التاريخي الدولي والاجتماعي والاقتصادي. فلقد تلخص المناخ العالمي في الصراع على المستعمرات، وتغير خريطة القوى العالمية نتيجة لضعف القوى التقليدية (انجلترا وفرنسا) وصراع قوى جديدة بازغة لأخذ مواقعها (ألمانيا واليابان). وانعكس ذلك في استلهام شعوب المستعمرات لتجارب القوى الجديدة المدعمة بالأيديولوجية الوطنية (بول كيندي:278). وفي مصر تلخص الوضع في بزوغ عناصر برجوازية تأمل في الحصول على نصيب من السوق المحلي، متداخلة مع طبقة، كبار الملاك التقليدية التي انخرطت في التجارة العالمية وخاصة في القطن. وتميزت هذه الطبقات بعلاقاتها مع الدولة المستعمرة وهي بريطانيا. ونتيجة لهذا التداخل والارتباط مع المستعمر والضعف، واصلت القوى السياسية المعبرة عن هذه الطبقات، منهج التوليف بين النموذج الحداثي الغربي والإطار الإسلامي وهو المنهج السائد لدى التحديثيين منذ منتصف القرن التاسع عشر. ولا نرى أن ذلك يعبر عن نموذج مصري مختلف، قدر ما نراه نتيجة لظروف ضعف التكوين الاجتماعي المحدث من أعلى، وضعف الطبقات التي يتوافق التحديث مع مصالحها، والذي أدى بالمثقفين أو المتعاملين المعبرين عن تلك المصالح، لأن يختاروا أكثر الطرق التي تجنبهم صدامًا لا طاقة لهم به. فتبنوا نموذج التحدث مع محاولة التحاور مع القديم وليس القطع معه. وهو ما يعبر عنه هشام شرابي بإشكالية المجتمع الأبوي المحدث. وتشير ليلى أبو لغد إلى أن ارتباط النسويات بأوروبا والأوروبيين جاء من خلال ظروف الطبقة التي كن ينتمين لها وهي الطبقة الأرستقراطية، المتداخلة مع رجال الصناعة والتجارة البازغين (ليلي أبو لغد:290،289،عزة خليل:49).

وإذا استنتجنا من ذلك أن الإطار الإسلامي جاء إطار في الوطنية، فيمكننا أن أن من نستنتج من السرد السابق أن نسوية النسويات في تلك الفترة أيضًا كانت في إطار الوطنية. حتى يمكننا أن نطلق على الحركة النسوية في تلك الفترة عنوانالنسوية الوطنية“. وليس هذا بمستغرب في سياق مجتمع محتل، وتدرك نخبه الفجوة التي تفصل بين مجتمعهم وبين المحتل ويتحرقون لاجتيازها. فيصبح الهدف الرئيسي هو الدفاع عن وطنهم ضد الاحتلال، من خلال النهوض بمجتمعهم باقتفاء خطوات المحتل في وصوله إلى النهضة التي وصل إليها وهدد أمنهم من خلالها، أو ما يمكن أن يطلق عليه التماهي بالقاهر هذا بمستغرب في للدفاع عن الذات ضد القهر.

وكما ذكرنا فيما سبق عن الحركة النسوية في سياق النضال ضد الاستعمار، فإن مناهضة المستعمر مع اقتفاء نموذجه، والنكوص عن خلق نموذج تحرير جذري، ووضع أجندة تدرج فيها مطالب الفئات المختلفة التي شاركت في النضالخدمة مطلب الاستقلال، لن يؤدي لا إلى تحرر الوطن، ولا تحرر أي من تلك الفئات، وهو ما حدث في مصر في تلك الفترة. واستقرت الأوضاع بعد الحالة الثورية، بتحقيق الطبقة المهنية لمرادها في أن يعطيها المستعمر الذي ترتبط به عناصرها بوشائج عضوية، فرصة التواجد على الساحة اقتصاديًا وسياسيًا، ولم تتحسن أوضاع الفقراء الذين حركهم تدهور أوضاعهم وخاصة أثناء الحرب، وتم تجاهل مطالب النساء كما أسلفنا. ولأن التاريخ تكتبه الطبقة المهيمنة، فلا يبقى في الذاكرة الجماعية عن الحركة النسوية في تلك الفترة سوى صورة هدى شعراوي المناضلة على خلفية يتعانق فيها الهلال مع الصليب. وأسقطت الصورة بالطبع خيبة الأمل التي شعرت بها المناضلات إزاء تخلي قادة الحركة الوطنية عن نضالهن، فالكل في واحد، والواحد يسير باتجاه مصالح المهيمن (داخليًا وخارجيًا). ولكن لصلابة الحركة التي تأسست في ظرف ثوري، فإنها لم تتراجع ولم تعد النساء إلى منازلهن، بل استوعبن الدرس واستمررن في حركتهن رافعات المطالب النسائية ولم يتخلين عن البعد الوطني لحركتهن. وكان لذلك أثر بالغ في التأثير في الثقافة السياسية للمجتمع التي استوعبت كثيرًا من مطالب الحركة، وقبل كل شيء قبلت النساء كمناضلات سیاسیات بل وثوريات. وهذا ما انعكس في انخراط أعداد كبيرة من النساء في صفوف الحركة السياسية والوطنية، كما انعكس على الحركة النسوية في الفترة التالية لذلك.

وشهد النصف الثاني من القرن العشرين تبدلاً في القوى على مستوى العالم حيث تحول العالم متعدد الأقطاب إلى ثنائية قطبية في بدايات الأربعينيات. وفي مصر شهدت فترة ما بين الحربين العالميتين وما تلاها تعددية سياسية واضحة، كانت مؤشرًا على تطور النظام الليبرالي في مصر. وقد أثرت الحربان في تطور البرجوازية المصرية، والذي انعكس بدوره في نمو في نمو الصراع الاجتماعي الطبقي الذي تأثر أيضًا بأجواء الحرب العالمية والويلات التي شهدتها شعوب المستعمرات نتيجة لها، وهو الوضع الذي شهدته كثير من المستعمرات في ذلك الوقت (بول كيندي:280). وانعكست تلك التعددية في تعددية مماثلة داخل الحركة النسوية، فبعد الاتحاد النسائي المصري الذي احتكر التعبير عن النساء المصريات أصبحت هناك العديد من المنظمات السياسية ذات التوجهات الأيديولوجية المختلفة. وفي الأربعينيات، وفي أجواء الحرب الباردة، أصبح الحديث الدائم في مصر حول التحرر وتحرير المرأة عاكسًا للصراع الأيديولوجي الدائر على مستوى العالم (سنثيا نلسون:187 -188).

وانقسمت الحركة النسائية في انتماءاتها الدولية،فانتمت المنظمات ذات الميول اليسارية إلى المؤتمر النسائي الديمقراطي العالمي الذي تأسس في 1945 في باريس وكانت الاتجاهات بهذه المنظمة معادية للاستعمار والفاشية. أما النساء ذوات الميول الليبرالية فانضمن إلى المؤتمر النسائي الدولي الذي أصبح معبرًا عن الميول الاستقراطية والغربية والعداء للاتحاد السوفيتي (سعاد الرملي:35،34). وكانت للمنظمات الإسلامية ارتباطاتها العالمية في نطاق الدول الإسلامية. أما درية شفيق فقد سجلت اتحاد بنت النيل في المجلس الدولي للمرأة الذي تأسس عام 1888 في واشنطن، حيث فضلت الانفراد في علاقاتها العالمية. ورفضت المشاركة في المؤتمر النسائي الديمقراطي العالمي، حيث كانت الشابات اليساريات عضوات فيه، والمؤتمر النسائي الدولي، حيث كانت هدى شعراوي عضوة فيه، (سنثيا نلسون:187- 188).

ومع نهاية الحرب الثانية تفجرت الحركة الوطنية في مصر نتيجة لتوقع كثير من القوى السياسية أن تحسم انجلترا أمر المستعمرات بعد نهاية الحرب، وهو الأمر الذي لم تظهر بوادر له. وكانت الحركة الوطنية في تلك الفترة محملة بزخم شعبي في اختلاف مع الحركة الوطنية في الربع الأول من القرن. وحصدت الحركة النسوية في الأربعينات ثمار التطور الاجتماعي وثمار الحركة النسوية في الفترة السابقة، والتي انعكست في زيادة عدد النساء المتعلمات والمشتغلات سواء كن مهنيات من الطبقة المتوسطة، أو عاملات في المصانع المصرية الجديدة أو الأجنبية، حيث شهدت الفترة نموًا صناعيًا. وتبلورت نتائج ذلك في مشاركة عدد كبير من النساء من المهنيات والطالبات والعاملات في الحركة السياسية، وفي تأسيس المهنيات لعدد من المنظمات النسوية، الذي عكس دخول فئة اجتماعية مختلفة وهي الطبقة الوسطى إلى مسرح الحركة النسوية إلى جانب النساء من الطبقات البرجوازية والارستقراطية. وهكذا عكست الحركة النسوية قيادات مختلفة ومشاركة فئات اجتماعية مختلفة في العضوية.

وأدى انخراط النساء في المعترك السياسي، مع المد الوطني الشعبي، إلى اختلاف في مضمون مشاركة المرأة في الحركة الوطنية. وعوضًا عن المظاهرات النسائية المستقلة، ومسيرات السيارات وتقديم العرائض للمندوب السامي والسفارات والحكومة المصرية, تغلغت النساء إلى قلب الحركة جنبًا إلى جنب مع الرجال، بل إنهن شاركن في قيادة المظاهرات، وكان الرجال والنساء يتبادلون الهتاف، وعرفت هذه الفترة ظاهرة الفتاة التي تقود المظاهرة جالسة على مقعد محمولاً على الأعناق. وفي حالة من الديمقراطية الشعبية الرائعة انتخاب ممثلي الطلاب في اللجنة الوطنية العليا للعمال والطلاب التي قادت الحركة الوطنية في عام 1946. وانتخبت الطالبات في قيادة تلك اللجنة، وبرزت عديدات من القيادات النسائية الشابة، مما يعكس الحالة الثورية، وطبيعة مساهمة النساء في الحركة، والقبول الاجتماعي لتغير الدور النوع اجتماعي الذي كان يشهده المجتمع في تلك الفترة.

وأخذت النسويات الإسلاميات في تلك الفترة موقف جماعة الإخوان المسلمين التي انتمين لها، والذي كان يتمثل في العداء للحركة الوطنية وتشكيل لجنة أخرى في مواجهة اللجنة الوطنية العليا، وهي اللجنة القومية. وبينما كان رجال الإخوان المسلمين يقومون بالاعتداء على طلاب الحركة الوطنية في الجامعة، كانت الفتيات تقفن في جانب رافضات المشاركة في النشاطات. وأعادت النساء الإسلاميات عقرب الساعة إلى الوراء ومارسن الأسلوب القديم للحركة الوطنية وهو إرسال العرائض، وكان هذا أقصى نشاط وطني قمن به.

وإذا كانت النساء الإسلاميات متفردات في هذا الموقف بالنسبة للحركة الوطنية، فإنهن لم تنفردن في كونهن تعبيرًا مباشرًا عن الجماعة السياسية التي ينتمين لها. وكانت السمة الغالبة على الحركة النسائية في تلك الفترة هي أنها كانت انعكاسًا مباشرًا للصراع السياسي الدائر. فقد اعتنقت نساء مثل انجي أفلاطون وثريا أدهم ولطيفة الزيات الأيديولوجية الاشتراكية والشيوعية، ورأين أن تحرير النساء معركة ضيقة في النضال الأكثر عمومية من أجل المساواة الاجتماعية والعدالة. وحولن معظم جهودهن باتجاه النضال الطبقي مع الربط في الوقت نفسه بين الاستقلال السياسي وتحرير المرأة. وتركت باتجاه زينب الغزالي عام 1936 الاتحاد النسائي المصري لتشكل جمعية السيدات المسلمات، وكانت بينها وبين هدى شعراوي منافسة على القيادة. ولم توافق زينب على الالتحاق بجمعية الإخوان المسلمين إلا في عام 1948(Al-Ali, Nadje. S. :7). وكانت جماعة الإخوان المسلمين تشن حملة قاسية على مظاهر حرية المرأة التي أزعجتهم حيث رأوها انحلالاً ومنها الزي والاختلاط والبلاجات. ورأوا تبعًا لذلك أهمية الاهتمام بمسألة المرأة حيث دورها في الأسرة يعد من الأركان الأساسية في بناء الأسرة الإسلامية التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي الذي ينشدونه. وقد ارتبطت المنظمات النسوية في تحديد مرجعياتها وأولويات عملها بالمنظمات السياسية القائمة. بل ارتبطت بها في بعض الحالات تنظيمات مثل الأخوات المسلمات. وبذلك بينما مارست الناشطات النسويات دورًا فعالاً في الحركة السياسية والوطنية، فإنهن أسس منظمات نسوية كامتداد لدورهن السياسي.

ولم ينف ذلك مزج المنظمات النسوية في تلك الفترة ما بين المطالب النسوية والمطالب الوطنية والسياسية. كما تصاعدت المطالب النسوية وارتفع الصوت النسائي. بل إن الفترة ذاتها شهدت مظاهرات نسائية من أجل مطالب نسائية مثل المشاركة السياسية، وهي ظاهرة لم تتكرر في الحركة النسائية في الفترة السابقة. ولكن في الوقت ذاته، كان النشاط النسوي المنظمات النسوية ذات الصبغة السياسية الفاقعة تابعًا للنشاط السياسي أو حتى للمنظمات السياسية. فيما يمكن أن يجعلنا نطلق على تلك الفترة النسوية السياسية على غرار النقابية السياسية. وفي حالة الإسلاميات والاشتراكيات، كانت الناشطات تعتبرن المنظمات النسوية ساحة للقاء النساء أو زوجات العمال (بالنسبة للاشتراكيات)، لتسييسهن من خلال دعاية المنظمات السياسية المنتميات لها. ولكن لا يبدو أن ذلك انعكس في هاتين القوتين السياسيتين بالذات، في شكل تطوير لأدوار النساء داخل المنظمات. فقد كان قسم الأخوات المسلمات قسمًا مستقلاً داخل المنظمة الرجالية الأم، وتابعًا للإشراف منهم. أما المنظمات الاشتراكية، فلم تظهر فيها قائدات من النساء، أو حتى في المستويات القيادية المختلفة. والغريب في الأمر أن ذلك كان يحدث رغمًا عن اشتراك النساء في قيادة الحركة الوطنية، وعن القبول الاجتماعي لتطور الدور النوع – اجتماعي. وفي النهاية فقد عكس الوضع العام للحركة النسوية، إبرازًا للأولوية الوطنية والسياسية على الأولويات النسوية، بل والاستخدام السياسي للمطالب النسوية، وإن كان الزخم الثوري والوطني قد طور كلاً من المطالب السياسية والنسوية (عزة خليل:459 -463).

3

(3) البعد الوطني في الحركة النسوية المعاصرة، وتحديد الهوية النسوية:

ومن المنطقي أنه لم يكن هناك احتكاك ما بين الحركة النسائية المصرية والمحيط الدولي في فترة الخمسينيات والستينيات حيث لم تكن هناك حركة سوى بعض محاولات للاستمرار من خلال مؤسسات الدولة أو محاولات مجهضة نادرة للاستقلالية. وكان ذلك نتيجة منطقية لمصادرة الدولة كل منابر العمل السياسي الاجتماعي المستقل، ومنها المنظمات النسوية، واحتكار تمثيل جميع المصريين. ومارست الدولة ما يعرف بنسوية الدولة من أعلى، وهي تحقيق مطالب النساء المتوافقة مع المشروع الوطني، وهي المطالب المتصلة بالمجال العام، وتجاهل المطالب المرتبطة بالمجال الخاص، حيث ترك أمر شئون الأسرة والأحوال الشخصية تحت سيطرة رجال الدين الرسميين. وكان ذلك أيضًا متوافقًا مع المشروع الوطني وأيديولوجيته، حيث تضمن هدف الاستقلال الحفاظ على الهوية الوطنية، على حساب النساء، الذي كان معناه الحفاظ على موازين القوى النوع – الاجتماعية التقليدية داخل الأسرة (ميرفت حاتم:373،375- 376).

ولابد من الإشارة هنا إلى مشاركة عدد كبير من الطالبات في الحركة الطلابية التي تصاعدت ما بين 1968 إلى 1977. وكان لدى الشابات المشاركات طموحات كبرى في تحرر الوطن وتقدمه وممارسة دور اجتماعي يختلف عن الدور التقليدي للمرأة. ومع تصفية الحركة بتشجيع الدولة للتيارات الإسلامية للعمل في الحركة الطلابية، وبالقمع الشديد والقوانين القمعية التي اشتهرت بأنها سيئة السمعة بعد الانتفاضة الشعبية في 1977, ومع توقيع معاهدة كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني في 1979، أصابت الشابات خيبة الأمل مثل زملائهن الشباب. ولكن إحباط الشابات كان أفدح حيث قيمن تجربتهن بالسلب فيما يتعلق بدورهن الاجتماعي. فقد لمسن تجاهل الحركة الطلابية وتعبيراتها السياسية والأشكال السياسية التي قامت مع التعددية الشكلية عام 1976 للمسألة النسوية بالكامل. كما شعرن بالإحباط نتيجة لما لمسن من تحجر المفاهيم المرتبطة بالنوع الاجتماعي لدى زملائهن، والذي انعكس من جهة في عدم وجود أي عناصر نسائية في المستويات القيادية للأشكال السياسية، رغم المساهمة الكبيرة في الحركة في الجامعة، ومن جهة ثانية انعكس في التعاملات الشخصية التي تعبر عن عمق النظرة الدونية للنساء لدى الرجال السياسيين. وقد عبرت أروي صالح عن فداحة مرارتها العامة والشخصية في كتابها المتميز المبتسرون.

وبدأت بوادر الحركة النسائية المعاصرة في السبعينيات، مصاحبة للاهتمام الدولي بحياة نساء العالم الثالث المقترن بالعقد العالمي للمرأة 75/ 1985 الذي دعت إليه الأمم المتحدة. وكان ختان الإناث من الموضوعات التي جذبت الانتباه في ذلك الوقت. في هذه الأثناء تفجرت الثورة الإيرانية 1987 -1979،مما أشعل مخاوف الغرب من الإسلام. فلقد خلع شاه إيران حليف الغرب، وحلت محله حكومة إسلامية معادية للولايات المتحدة الأمريكية، وأصبح ذلك دليلاً على التهديد الذي يمثله الإسلام بالنسبة للمصالح السياسية والاقتصادية للغرب في الشرق الأوسط. ومن هذه اللحظة تصاعد الاهتمام الغربي بالإسلام والمجتمعات الإسلامية والنساء اللاتي اعتقد الغرب في أن معاناتهن ترجع إلى إسلامية هذه المجتمعات (آمال عميرة:303). وفي تلك الفترة انطلقت الدراسات التي تركز على هذه الموضوعات واحتلت قسمًا مهمًا من دراسة النساء في الشرق الأوسط (Margot Badran)

وقد استحث عقد المرأة العالمي النظام في مصر على تشجيع وترويج قضايا النوع الاجتماعي، سيما وهو يسعى إلى تمتين الروابط مع حلفائه الجدد وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية. فبدأت ظاهرة السيدة الأولى على غرار النموذج الأمريكي. وصدرت قوانين تقدمية عام 1979، ولكن دون أن يؤسس برنامج شامل لضمان حقوق المرأة. فكان مصير هذه القوانين مرهونًا بتفاوضات النظام مع الاتجاهات الإسلامية السياسية التي تحالف معها ذلك الوقت وألغيت هذه القوانين في 1985 و 1987 (نادية صادق العلي:232).

وهكذا كانت بداية تأثير المجتمع الدولي على النشاطية النسوية من خلال الضغط على النظام، وحرصه على أن يبدو أمامهم في موقف الأمين على حقوق المرأة، وصدور بعض الإصلاحات غير المنهجية من أعلى، وتلى ذلك تأسيس المنظمات. ويذكر أن الضغوط تكون أكثر إلحاحًا خلال فترة الاستعداد لمؤتمرات الأمم المتحدة المتعاقبة. وفي هذه الفترات تتاح للمنظمات النسائية مساحات حتى ليبدو الأمر وكأن المنظمات أحدثت اختراقًا مفاجئًا في علاقتها المتوترة مع الحكومة، ومن الأمثلة على ذلك السماح بتناول موضوعات حساسة مثل الحقوق الإنجابية والعنف ضد المرأة. ويكون المناخ مهيأ في تلك الفترات لمحاولات المنظمات التنسيق فيما بينها وتأسيس الشبكات، وتتيح الحكومة لها هذه الفرصة. وجاء هذا السياق اعتراف الحكومة بلجنة المنظمات الأهلية المنتخبة أثناء التحضير لمؤتمر السكان والتنمية. ويذكر أن تلك اللجنة ضمت 450 جمعية تمثل النسبة النشيطة من الجمعيات في مصر (نادية صادق العلي:235، مركز دراسات المرأة الجديدة:352). وغني عن البيان أن هذه الشبكات واللجان لا تعمر طويلاً.

وتأثرت المنظمات النسوية التي تأسست بالمؤتمرات والمنظمات الدولية بشكل مباشر. فقد حدثت طفرة في عدد المنظمات النسوية منذ الثمانينيات وفي التسعينيات كاستجابة للاتجاهات الدولية خلال تلك الفترة. وتعتبر إحدى الدراسات أن هذه المنظمات استخدمت مفاهيم رائجة دوليًا، ولكنها غير واضحة مثلالتنمية الشاملةوتعزيز قدرات المرأة، وأقيمت المشاريع الممولة بناء على هذه المفاهيم، مما أثر بالسلب على المشاريع. كما تذكر الدراسة أن إمكانية الحصول على تمويل من المنظمات الدولية والأجنبية كان الحافز الأقوى على تأسيس أكثر هذه المنظمات. وأن مثل هذه المنظمات قد تزايدت بصورة لافتة بشكل خاص في الفترة ما بين مؤتمر السكان والتنمية (1994) والمؤتمر الرابع للمرأة في بكين (1995) (مركز دراسات المرأة الجديدة).

وأخذت العلاقة بين البعد الوطني والبعد النسوي واستقبال النخب والمجتمع لهذه العلاقة مسارات شديدة التعقيد في هذه الفترة. ومثلت قضية العالمية في مواجهة الخصوصية فيما يتعلق بالمرأة موضوعًا رئيسيًا للجدل بين الناشطات النسويات وأيضًا بين النخب (السياسية والمثقفة). وأثير كثير من الجدل حول مسألة الثقافي والسياسي للنشاطية النسوية في سياقالأصالةوتجذير المعرفة والنشاطية محليًامن جهة، وفيما يتعلق بالتماس المناصرة من المعاهدات الدولية والارتباطات الدولية والارتباطات العابرة للقومية من جهة أخرى. ونظر بعدم ارتياح إلى الوجود الثقافي للمنظمات الدولية في مصر والانخراط المتزايد للمنظمات المصرية في المنتديات العالمية (نادية صادق العلي: 246). ومثل التضارب حول التمويل الأجنبي جدلاً انطلق جزئيًا من تلك الخلفية. ويعتبر بعض المحللين أن المناقشة حول عالمية أو خصوصية حقوق النساء هي أبعاد لعملية مقاومة الاستعمار التي يحاول الفاعلون السياسيون المصريون تعيين أجنداتهم وأهدافهم الخاصة من خلالها (Al-Ali, Nadje S.:17).

ورغم الحماس الشديد في انتقاد المنظمات النسوية في حالة من الفروسية والغيرة الوطنية، إلا إنه لم يوجه نقد بهذه الدرجة من الحدة أو غيرها إلى النسوية الرسمية، أو نسوية السيدة الأولى، رغم أن الدولة كما ذكرنا سابقًا قد وضعت أساس علاقة النشاطية النسائية مع الدول الغربية والمجتمعات المدنية بها. وتأتي في هذا السياق المقارنة بين الحركة النسوية القديمة والنشاطية النسوية الحالية، مفتقرة إلى فهم كل مرحلة سياقها التاريخي والاجتماعي والسياسي، وكأنما النسوية شيء مجرد مستقل بذاته. وبالتأكيد فإن مناخ مقاومة المستعمرات ونضالها المتواصل ضد الاحتلال، لا يمكن أن يكون له نفس أثر مناخ الهيمنة شبه المطلقة لدولة كبرى والمفروضة بالقوة العسكرية.

وبالتأكيد يختلف مناخ تتعامل فيه النخب الحاكمة والقطاع الأغلب من النخب السياسية والنثقفين مع هذه الهيمنة كأنها أمر مسلم به، وتنهمك كل أطروحات الإصلاح الاجتماعي السياسي في استكشاف هامش الاستفادة من الوضع الذي يترادف عندهم مع العولمة التي لا راد لها, عن مناخ الجدل الساخن حول مشروع وطني مناهض للاستعمار. وإذا ما أخذنا في اعتبارنا أن القضايا المتعلقة بالمجال الخاص بالتحديد، مثل الحقوق الإنجابية والعنف ضد المرأة هي التي ينظر إليها كإشارة واضحة على تقليدجدول الأعمال الغربي، ومع خص المنظمات النسائية باللوم لتراجع البعد الوطني في طرحها دون محاكمة للسياسات المطبقة أو باقي الأطروحات السياسية من الحكومة أو المعارضة، فإننا نضع يدنا على موقف ذكوري شديد الوضوح. ولننتقل بعد ذلك في المناقشة إلى الأمام لنقف على مدى غياب أو وجود البعد الوطني في نشاط المنظمات النسائية.

بخصوص البعد الوطني المتعلق بالمنظمات النسوية، يذكر أن تأسيس جانب من المنظمات والذي تم بشكل مستقل في الثمانينيات، كان نتيجة للأزمات العامة لليسار وخيبة أمل واسعة النطاق من الهياكل السياسية الهيراركية التي يغلب عليها الرجال. وتمثلت النساء خيبة الأمل في إمكانية العمل مع الرجال خاصة إطار الهياكل التنظيمية الهيراركية للأحزاب، فسعين إلى أشكال عمل مستقلة عن ذلك كله ,(Al-Ali:Nadje S.:11) ويمكن أن نستدعي هنا خيبة أمل الحركة النسائية بعد ثورة 1919 من قيادات الحركة الوطنية التي دفعتها إلى تطوير وعيها النسوي ومطالبها النسوية. وقد يكون الشعور بتشابه الوضع، هو ما دفع أحد المجموعات النسائية المبكرة، لأن تجمع في البداية على دراسة تاريخ الحركة النسائية المصرية. وتعبر هالة شكر الله إحدى عضوات مجموعة المرأة الجديدة عن أن المنظمة منذ تأسيسها كانت مهتمة بضرورة التواصل مع تاريخ الحركة النسائية السابقة واستلهامه في النضال الحالي، وظل هذا التوجه مكونًا أساسيًا ومتناميًا في عمل المرأة الجديدة، والذي تبلور في كتاب يضم توثيقًا للحركة من خلال الصور وهو کتاببنات النيل” (مجلة المرأة الجديدة:العدد 10).

وبخصوص القضايا الاجتماعية، تهتم المنظمات النسوية بقضية الفقر والمرأة المعيلة (بصرف النظر عن وجهة نظرنا في مثل هذا التوجه)، وذلك من خلال المشروعات التنموية مثل مركز النهوض بالمرأة المصرية، أو من خلال المساهمة في مسيرة المرأة – 2000 مثل ملتقى الهيئات لتنمية المرأة (وهو تحالف 27 منظمة وبعض الشخصيات العامة). وانعكس البعد الوطني في مظاهرات محدودة للتضامن مع الشعب الفلسطيني والعراقي، وللاعتراض على ممارسات الكيان الصهيوني في الجنوب اللبناني (يسري مصطفى: 22). وفي التسعينيات جمعت الانتفاضة الفلسطينية وحرب الخليج وتمرير قوانين الخصخصة جمعًا من المجموعات والمنظمات المختلفة في لحظة قصيرة قبل أن يتشتتوا مرة أخرى ((Al-Ali, Nadje S. :11. وقد تكون القضايا الوطنية هي المجال الرئيسي وربما الوحيدالذي استخدمت فيه المنظمات النسوية أداة التظاهر. هذا بالإضافة إلى إصدار البيانات في مناسبات وطنية مثل البيان الإعلامي الذي أصدره اتحاد النساء التقدمي لمساندة المرأة العراقية وقت إقرار الحكومة المؤقتة لقانون جديد للأحوال الشخصية، رأي الاتحاد أنه يكرس الطائفية في العراق (اتحاد النساء التقدمي). ووفقًا لنوال السعداوي فإن دعاية منظمتهاتضامن المرأة العربيةضد الهيمنة الأمريكية التي تجلت في حرب الخليج، كان هو السبب في إغلاق الجمعية في مصر (يسري مصطفى:12).

وتشير إحدى الدراسات حول الجماعات النسائية في مصر، إلى أن معظم المنظمات النسائية يتفق على رؤية قضية المرأة ضمن سياق المجتمع، مع التركيز على الإشكاليات الجندرية الخاصة بالنساء (شهيدة الباز:216). وتضع التشكيلات النسائية المرتبطة بالأحزاب على تباين اتجاهاتها، إلغاء كافة القوانين المقيدة للحريات على قائمة أولوياتها (مركز دراسات المرأة الجديدة). وتوضح مطالب لجنة التنسيق المصرية للمسيرة العالمية للنساء الأهداف التي تعلنها المنظمات المشاركة فيها وفي ملتقى الهيئات لتنمية المرأة. ويتمثل أهمها في إطلاق الحريات العامة وإلغاء حالة الطوارئ وتخطيط مرن للاقتصاد لتعظيم الثروة وإعادة توزيعها بعدالة وإدماج المرأة في مراحل التخطيط والتنفيذ. ودعم كفاءة وقدرات الصناعات المصرية والتوسع فيها ووقف بيعها للقطاع الخاص أو الأجنبي، والحد من تهريب الأموال للخارج ووقف نهب أموال البنوك، والقضاء على البطالة والفساد وإلى آخره من مطالب (مجلة أنهار، عدد خاص). ومن تعريف مركز دراسات المرأة الجديدة، نلاحظ أنه يربط بين المطالب والأهداف الاجتماعية والأهداف النسوية فهو يهدف أولاً إلى بلورة رؤية نسوية مصرية وعربية من قضايا المجتمع عمومًا وقضايا المرأة خصوصًا. ويلي ذلك استهداف مجتمع ديمقراطي عادل تختفي فيه كافة أشكال التمييز ضد المرأة، وتحقيق المساواة في الحقوق الاجتماعية والسياسية والثقافية بين الرجال والنساء (مجلة المرأة الجديدة، العدد 10).

أما عن البعد النسوي للمنظمات النسوية، فتري إحدى الدراسات أن العديد من الناشطات المعاصرات عملن على دمج الخطاب الذكوري التحديثي – القومي التقليدي المتعلق بحقوق المرأة من خلال عملية تحديث الأمة. ولهذا تحظى عناوين مثل مشاركة المرأة السياسية، والتعليم والعمل، بالأولوية في جدول أعمال معظم الجماعات. أما قضايا المجال الخاص والحقوق الإنجابية والعنف ضد المرأة فكانت تعتبر من المحرمات الثقافية. وتتبنى هذه القضايا قلة في نشاط بحثى وحملات مشاريع (نادية صادق العلي: 246). وترى فريدة النقاش أن الثمانينيات شهدت ميلاد حركة نسائية جديدة في ملامحها العامة، وبدأت إعادة لترتيب جدول الأولويات لتصبح المطالب النسائية النوعية، باعتبارها مطالب خاصة بفئة اجتماعية، تحتل مكانًا متقدمًا في مطالب الحركة. وطالبت الحركة النسائية بمرجعية عالمية وهي مرجعية حقوق الإنسان (يسري مصطفى:17). وهناك وجهة نظر ترى أن المنظمات النسوية الدفاعية لعبت دورًا في المساهمة في الدفع بقضايا المرأة إلى قائمة اهتمامات النخبة. وأنتجت مجموعة من النظريات والإصلاحات والبلاغة السياسية الجديدة، عبر نسوية ما بعد كولونيالية، وعبر نسق جندر جديد في الخطابات والثقافة المصرية (نبيل عبد الفتاح).

ونلاحظ هنا أن الطرح الذي روج له التحديثيون في مطلع القرن مثل قاسم أمين أو نسويات الحركة النسائية الأولى، والذي يبرر حقوق المرأة من خلال هدف التحديث، وهو ما أطلق عليه المنهج الذكورى التحديثي – القومي، لازال يهيمن على تناول المسألة النسوية، وقد تأثرت به مختلف الاتجاهات النسوية وحتى المثقفين والرأي العام. ويمكن أن ذلك إلى سببين، الأول هو انسداد أفق عملية التحديث، بوصول التحديثيين إلى الدولة الوطنية التي استهدفوها لتحقق التحديث والاستقلال، وفشل المشروع الوطني في تحقيق أي من هذين المطلبين. وعلى هذا استمرت عملية المراوحة، وتواصل جدل عقيم وخصومة بين ما يطلق عليه الأصالة والتحديث (شريف يونس). وتوقفت عملية إنتاج خطاب جديد، من خلال مشروع اجتماعي متكامل، لغياب مثل هذا المشروع، سواء بالنسبة للنخب الحاكمة أو غيرها. ولهذا نرى أنه رغم الخصومة حول الأهداف النسوية والأهداف الوطنية، إلا أننا لم نشهد جدلاً واسعًا ومتواصلاً حول النماذج الاجتماعية المختلفة، مثلما حدث في مطلع القرن العشرين.

والسبب الثاني – وهو مترتب على السبب الأولأن الفاعلين أصبحوا يستخدمون مفردات الخطابات متنوعة ربما في الوقت ذاته، تعود لحسابات سياسية (استخدام بعض المنظمات النسوية لمفردات دينية بغرض التعبئة أو تمثل الخطاب الرسمي أو المزايدة على التيار الديني مثلاً)، أو تأثراً بهذا الخطاب أو ذاك على مستوى العالم. ولا نستطيع أن نقول إن ذلك تعبير عن تعددية الطروح، حيث لا يتطور الخطاب بشكل ممنهج، ولا يعبر عن برنامج متكامل. وكما رصدت الدراسة التي أشرنا لها فيما سبق حول الإصلاحات الحكومية التي تفتقر إلى وجود برنامج متكامل، فإننا نجد أن الأمر نفسه ينطبق على المنظمات. وهذا يجعل عملية الحوار وتطوير الخطابات مسألة شاقة، وغير مثمرة. ولكن من الواضح أن هناك تطورًا في العقد ونصف الأخير باتجاه التركيز على المطالب النسوية كما رصدت فريدة النقاش. ولكن نضيف أن ذلك لم يكن في المنظمات النسوية غير الحكومية فحسب، بل أيضًا في المنظمات النسوية الرسمية مثل المجلس القومي للمرأة (مجلة المرأة الجديدة: العدد العاشر).

تحديد الناشطات والمنظمات النسوية للهوية النسوية:

ترى نادية صادق العلي أن هناك نزعة جديدة لدى المنظمات النسوية إلى التعبير المباشر عن هويتهن النسائية. وهي بذلك تحالف رأي بدران التي ترى أن العديد من النساء اللاتي انخرطن في النضال من أجل حقوق المرأة، يحجمن عن التأكيد العلني على المعتقدات التي يؤمن بها كممثلات للحركة النسوية، وذلك على عكس الأجيال السابقة من الناشطات النسويات في مصر. وترى نادية إنه رغم أن الوقت مبكر على استنتاج أن هناك تغيرًا طرأ على تعبير المنظمات عن هويتها، إلا أنها يمكنها أن تلمس هذه النزعة الجديدة (نشرت دراستها عام 2001). وتدلل على ذلك من خلال نتائج مقابلات أجرتها بعد مؤتمر بكين مع الناشطات ذوات التوجه العلماني، وفوجئت بأنهن رفضن اعتبار النسوية حركة غربية وشعرن بالفخر والاعتزاز لاشتراكهن في النضال داخل صفوفها (نادية صادق العلي:241). ويمكن ملاحظة أنه وإن كان هناك اتجاه إلى التعبير الواضح عن الهوية النسوية إلا أن هذا لم يصبح بعد اتجاهًا سائدًا. ويتضح ذلك من استعراضنا التالي لمواقف المنظمات المختلفة والناشطات النسويات من الهوية النسوية وكيفية تحديد هوياتهن.

أولاً: بالنسبة لرافضات المنظور النسوي:

ظهرت أثناء الإعداد للمؤتمر الدولي الرابع للمرأة (بكين) دعوة طرحتها إسلاميات وناقشتها في المؤتمر، وهي دعوة من أجلالعدالةوليسالمساواة“. ويوضح أصحابها الفرق بين المفهومين في أن الأول يركز على حصول المرأة على الحقوق التي لا تتساوى بالضرورة مع حقوق الرجل دون أن تخضع هذه الحقوق لأي شكل من أشكال التراتبية الهرمية. لقد حظى مصطلحالعدالةالبديل بقبول البلدان الإسلامية.

وتجمع إحدى الدراسات بين زينب الغزالي وصافيناز كاظم وهبة رؤوف في سلسلة واحدة متصلة تمثل أجيالاً ثلاثة. وتشترك الثلاث في طرحهن الثنائي المستبعد للآخر، وفي عدائهن الشديد لمصطلح التوجه النسوي، حتى أنهن غير مهتمات بالاستماع إلى مختلف عمليات إعادة بنائه، وفي أنهن شعبيات لكل منهن مجموعة من المريدين، وأنهن بالكامل تحت مظلة الإسلام ومستفيدات من الهيمنة الإسلامية في المجتمع المصري (عزة كرم:287).

وإذ تقر صافيناز كاظم بالقهر الواقع على النساء، إلا أنها ترده إلى جهلهن بالدين. وترى أن هذا القهر لا يتعلق بجنس المرأة بقدر ما يتعلق بالاستبداد العام. فالمشكلة ليست في قهر الرجل للمرأة، وإنما هو قهر من لا يخاف الله لأخيه. أما عن الاتجاه النسوي فتقول، إنها واحدة من ألد أعدائه. وتؤكد على مفهوم العدالة الإسلامي، إلى جانب انتفاء الاستبداد. وترى أن التوجه النسوي يضر ويشوه المرأة حيث يقود للشقاق على أساس الذكورة والأنوثة (عزة كرم:257 -259).

هبة رؤوف ترفض أن توصف بالنسوية لأنالنسوية تناقض الدين، كما تراها مثيرة للشقاق وتتسم بالفردية، وهي أثر من آثار الغرب ولا تنطبق على الثقافات الإسلامية. وتؤكد هبة رؤوف على هويتها الإسلامية حيث إنها تمكنها من التعبير عن الغضب والاستياء إزاء ازدراء الغرب. ومع ذلك فهي لا ترفض النظر في النسوية بشكل مطلق وتعترف بأن المرأة لم تحصل فعلاً على حقوقها في المجتمعات الإسلامية، الأمر الذي يفسر نجاحات الحركات النسويةالغربيةداخل مصر. وتنتقد هبة رجال الدين الذين أنتجوا الخطاب الإسلامي السائد، بل والداعيات الإسلاميات أيضًا مثل زينب الغزالي وصافينار كاظم بسبب اعتبارهن تحرر المرأة مفهومًا غربيًا، الأمر الذي منعهن من صياغة تفسيرات خاصة يهن حول مشكلة المرأة. وترى هبة أن تحرر المرأة يتم من خلال الأسرة، فهي تعتبر الأسرة هي الوحدة المركزية للتحليل والعمل، ولكنها بالتحطيم العمدي للحاجز بين العام والخاص، إنما تهرب من تمجيد الأمومة كدور وحيد، وتعتبر الأمومة والأسرة دورين سياسيين للمرأة، وهي في ذلك تفكك وتعيد بناء الأسرة المسلمة (عزة كرم:266 -267،263،نادية صادق العلي:39).

وتقول أسمهان شكري من حزب العمل أنها لا تحب مصطلح التوجه النسوي، لأنني أشعر أن الفصل بين الرجل والمرأة في المجتمع ليس لمصلحة المرأة، أي أنها تفهم النسوية على أنها فصل بين الرجل والمرأة. وترى أن الواقعي والمثالي هو المجتمع الذي يعمل كل أفراده من أجل الارتقاء به (عزة كرم:154).

وتحدد أمانة الحزب العربي الناصري للمرأة عملها في أنه لا يقتصر فقط على العمل النوعي، ولكنه سياسة وسط النساء (مجموعات باحثات: 149). وفي سياق آخر توضح الناصريات إننا لا نطرح نموذجًا للمرأة قريب الشبه بالنموذج الغربي، ولا النموذج الإسلامي المتطرف. ونحدد نموذجنا في المرأة المترابطة بقضايا مجتمعها، الفاعلة والمشاركة بالرأي والمشاركة في الإنتاج (مجموعة باحثات:161).

وتقول أمل محمود إن قضايا المرأة هي جزء من السياسة الحزبية والمجتمع ككل. وهي ترى أن تغيير وضع المرأة يغير وضع المجتمع، لذلك لا تتناول الأمر كقضية خصوصية وإنما كقضية سياسة عامة. لا تتناول قضايا المرأة كقضايا نوع وإنما دائمًا كقضايا اجتماعية. وترى المرأة مفتاح التنمية والأسرة والمجتمع (عزة كرم:147). وتحدد مجموعة بنت الأرض أن هوية المرأة العربية تنبع من خصوصية التراث الذي ترفض بعضًا منه، وعليها التعامل بشكل ذكي لتغييره، وخلق نموذج عربي واعٍ متحرر (مجموعة باحثات:161).

وتعلن ليلى الشال الاتحاد النسائي التقدمي أن الاتحاد يقف بالكامل ضد الأفكار النسوية. وتضيف أنهن كن يقاومن من يحملون تلك الأفكار، فنضالات الرجال والنساء داخل المجتمع غير منفصلة، والرجال هم رفقاؤنا في النضال, مع ذلك نرى قضايا المرأة لها خصوصيتها التي تحتاج إلى معالجة (عزة كرم: 143). وفي سياق آخر يعرف الاتحاد نفسه بأنه منطلق علماني يدور في إطار ثقافة عربية وإسلامية، وينطلق من التفسير العلمي الموضوعي للدين (مجموعة باحثات: 160).

وتؤكد فتحية العسال على أن أهداف الحركة النسائية هي رفع مستوى المرأة الثقافي والسياسي والاجتماعي، لتكون عضواً فاعلاً في المجتمع متساوية مع الرجل في جميع الحقوق والواجبات دون أي تمييز. وترى أن الاتجاه النسوي يقضي بأن الرجل هو الظالم الوحيد والعدو الأول والأخير للمرأة، أي أن الثورة على الرجل تعني التحرر من المجتمع الأبوي الذكوري. وهي لا تقر ذلك، وتوضح إنها تنتمي إلى إتجاه ثان يعطي لقضية المرأة أبعادًا اجتماعية واقتصادية وسياسية أشمل، مع الاحتفاظ بخصوصية قضية المرأة نتيجة الفكر الموروث المتخلف الذي ينظر إليها على أنها جسد محرم (يسرى مصطفى:13).

ثانيًا: متبنيات للمنظور النسوي:

وترى فريدة النقاش أن أهداف الحركة النسائية تتمثل في تحقيق العدل والمساواة. فحركة المرأة في رأيها ذات مضمون اجتماعي تقدمي بالأساس، وبالتالي فهي ذات بعد طبقي أصيل. ومن ثم فإن قضية العدل والمساواة هي بالأساس قضية عدالة اجتماعية، ولكن هذا لا يعني أن الانقسام على أساس النوع ليس له أهمية، بل هو انقسام خطير حيث تبرز مشكلات الحقوق المدنية التي تعاني منها المرأة بسبب جنسها. وتقول لقد آن الأوان لأن تكون المطالب الثورية لحركة المرأة ذات طابع نوعي وشامل في الوقت ذاته. بمعنى أنه لا ينبغي تأجيل مطالب نوعية مثل تغيير قوانين الأحوال الشخصية والحقوق المدنية والسياسية لحين حدوث تغيير اجتماعي شامل. ولا ينبغي للمرأة أن تضع مطالبها في ذيل قائمة مطالب الثورة الشاملة في نوع من التضحية بالنفس في سبيل المجموع (يسري مصطفى:21).

وترى نوال السعداوي أن الحركة النسائية هي حركة اجتماعية سياسية، فهي حركة ضد القهر الطبقي والأبوي (في الدولة وفي العائلة) وضد الهيمنة الخارجية. وتعطي مثالاً لأسلوب الربط بين القضايا النوعية والقضايا السياسية على المستوى الداخلي والخارجي، حيث تفهم ختان الإناث على أساس أن السياسات الأمريكية في المنطقة شجعت التيارات الدينية لضرب الحركة اليسارية، وكان هذا سببًا هيمنة الثقافة المحافظة التي تحمي مثل هذه العادات (يسري مصطفى: 20).

مركز دراسات المرأة الجديدة يتبنى موقف التمايز السياسي النسوي. وترى ناشطات المركز أن المؤتمر الدولي للسكان والتنمية أثبت أن محاولة فصل النسوي عن السياسي هي محاولة عقيمة ومصطنعة. وتعرف المجموعة نفسها على أنها مجموعة نسوية ديمقراطية تنويرية تسعى لتحرير المرأة كجزء من حركة تحرير المجتمع ككل والسعي لتحقيق ذلك عبر دور المنظمات غير الحكومية والحرص على تأكيد الهوية النسوية ثم المصرية ثم العربية وإعلان تبنى الهوية النسوية بوضوح والتأكيد على أن ذلك في إطار منظور اجتماعي (عزة کرم:159،152). ويحدد مركز دراسات المرأة الجديدة مرجعيته في أنها إنسانية تستفيد من كل ما هو لمصحة المرأة من تراثنا متعدد المصادر، بالإضافة إلى التراث الإنساني كله وعلى رأسه اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة (مجموعة باحثات:162).

ويحدد مركز دراسات المرأةمعًا“:”نحن ننطلق من منطلق علماني ديمقراطي معاد لسياسات التبعية، ونرى أن نضال المرأة لتحسين شروطها جزء لا يتجزأ من نضال الشعب المصري والشعوب العربية وكافة الشعوب المضطهدة لخلق مجتمع يقوم على العدالة الاجتماعية والمساواة والرفاهية (مجموعة باحثات:162).

تعتقد معظم الناشطات اللاتي تناولنا مواقفهن، في أن التوجه النسوي يعني الشقاق بين النساء والرجال، أو الفصل بينهم. وتشترك في ذلك الإسلاميات والناصريات واليساريات. ولذلك فإنهن لا يوافقن على هذا التوجه. ولكن الإسلاميات يتميزن بالعداء الواضح لمصطلح نسوية. وتحدد الرافضات للتوجه النسوي بدائل للنظر إلى قهر النساء. فتؤكد الإسلاميات على أن الإسلام هو البديل. فترى صافيناز كاظم ضرورة معرفة النساء والرجال بدينهم حتي ينتفي القهر. بينما ترى هبة رؤوف أن انتفاء القهر عن النساء إنما يأتي من خلال الأسرة الإسلامية الجديدة. وترى أسمهان شكري أن تعمل النساء والرجال معًا. ويتبنى الحزب الناصري منظور العمل السياسي وسط النساء في تشابه مع نسوية الأربعينيات، ويرفض النموذج الغربي والإسلامي المتطرف في نفس الوقت. بينما تؤكد أمل محمود وليلى الشال وفتحية العسال على قضية المرأة من المنظور الاجتماعي. وتستخدم فتحية العسال مفردات من خطاب بداية القرن حول السعي إلى ترقية المرأة وتطويرها، وليس المطالبة بحقوقها. وتستخدم أيضًا مفاهيم المجتمع الأبوي والتعامل مع المرأة كجسد محرم. وتنظر أمل محمود إلى المرأة على أنها مفتاح التنمية والأسرة، في تشابه مع الطرح الذي يرى تحسين أوضاع المرأة من وجهة النظر الوطنية.

أما كل من نوال السعداوي وفريدة النقاش ومركز دراسات المرأةمعًاومركز المرأة الجديدة فكان لهم موقف مختلف. فترى فريدة النقاش القهر النوعي قائمًا إلى جانب القهر الاجتماعي، بينما تراهما نوال السعداوي متراكبين، ويؤكد مركز دراسات المرأة الجديدة على عدم إمكانية الفصل بينهما. ويتميز مركز دراسات المرأةمعًابإضفاء الطابع العالمي على النضال النسوي.

وتؤكد الإسلاميات على الهوية الإسلامية كهوية أساسية، وينطلق الاتحاد النسائي التقدمي من منطلق علماني يدور في ثقافة عربية وإسلامية، ومن التفسير العلمي الموضوعي للدين. كما تؤكد بعض المتبنيات للمنظور النسوي الهوية الوطنية والثقافية؛ فيذكر في تعریف مركز دراسات المرأة الجديدة أنه يسعى إلى منظور نسوي مصري عربي، ويحدد مركز دراسات المرأة معًا الانتماء في أن النضال النسوي جزء لا يتجزأ من نضال الشعب المصري والعربي وكافة الشعوب المقهورة.

وأخيرًا نشير إلى أن ميراث الحركة الوطنية وتواصل ظرف الاحتلال أو الهيمنة الخارجية دائمًا ما يدفع ويدعم أيديولوجيا الهوية الوطنية والهوية الإسلامية التي تشكل مناخًا ضاغطًا على الناشطات النسويات، في ظل التهديد والاتهامات بالخيانة، فيؤثرن إعطاء أولوية للهوية الوطنية أو الإسلامية بالنسبة إلى الهوية النسوية، سواء عن تشبع بتلك الأيديولوجيات، أو مراعاة للوسط المحيط حفاظًا على إمكانيات البقاء والشرعية. ومع استقرار أوضاع عدد من المنظمات النسوية وتطور خبراتها التنظيمية أو في التفاوض مع الحكومة، ومع زيادة ضغوط حلفاء النظام عليها للسير في شوط الليبرالية الجديدة إلى آخره, ومع تعميق وتوسيع العلاقات بين المنظمات المحلية والدولية أو الأجنبية، يزداد اتجاه بعض الناشطات النسويات إلى زيادة الوضوح في طرح انتمائهن النسوى.

وفي نفس الوقت هناك بعض المؤثرات التي تعمل في اتجاه عكسي، أي في اتجاه تصعيب تبني الهوية النسوية، ومنها تزايد خطاب الدوائر الدولية ضد بعض الجماعات الإسلامية الذي يتجاوز حدود قواعد اللعبة الديمقراطية في معظم الحالات. والذي زاد سعاره بعد أحداث 11 سبتمبر حتى أنه أصبح يفسر محليًا على أنه اعتداء على الإسلام كديانة، وفي نفس الوقت تتوالى اعتداءات الولايات المتحدة الأمريكية على السيادة الوطنية لكثير من الدول سعيًا إلى مصالحها في المنطقة، وذلك سواء بالقوات العسكرية مثل العراق، أو بالحصار الإعلامي والتهديد مثل سوريا وإيران. والتبرير الذي لا يمكن أن يصمد أمام خبرة الشعوب هو حرب الإرهاب وفرض الديمقراطية دفاعًا عن أمن الولايات المتحدة. وكل هذه التطورات تجعل هناك نفورًا بل وغضبًا شعبيًا إزاء هذا الخطاب، وإذا لم تسع المنظمات النسوية إلى اتخاذ مبادرات واضحة ضد هذا الخطاب أو على الأقل تمييز خطابها عنه، فإن ذلك يصعب عليها التوجه للفئات الشعبية المختلفة بخطاب الهوية النسوية.

أما فيما يتعلق بالانتماء المحلي أو العالمي، فهناك عديد من المؤثرات تدفع إلى نزوع الناشطات نحو تدعيم انتماءاتهن العالمية؛ مثل أن المناخ العالمي يتسم بتشابك العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية وسهولة تحرك المؤثرات، وذلك نتيجة لتشابك مصالح الرأسمال العالمي، مما ييسر تشابك علاقات المناهضين لتلك المصالح، أو الداعمين لها على السواء. وفي نفس الوقت فإن ضيق الهامش الديمقراطي والعلاقة المتوترة مع الحكومة تجعل الناشطات تسعين إلى الدعم من الحركة النسوية وحركة حقوق الإنسان العالمية. وقبل ذلك، فقد كانت نشأة المنظمات النسوية المعاصرة نتيجة لعوامل حدثت بشكل فوقي، أكثر منه نتيجة لتفاعل تطور داخل المجتمع المصري نفسه، ومنها تنامي الاتجاه النسوي على المستوى العالمي واتجاه النخبة الحاكمة إلى إصلاحات محكومة بتحالفها مع الاتجاه الإسلامي مما حفز النسويات على الدفاع عن تحسين أوضاع النساء. وتقلل هذه النشأة من وجود حلفاء للمنظمات النسوية في الداخل، أو حتى قد تؤدي إلى عزلتها مما يدفع بها إلى الاتجاه نحو تمتين انتماءاتها العالمية. ويمكن أن يأخذ هذا الانتماء العالمي طابع شعور الناشطات بأنهن جزء من حركة نسوية عالمية. ويمكن أن يأخذ طابع انتماء الناشطات إلى العالم الإسلامي، ومد النفوذ الإسلامي في العالم مثلما هو الحال بالنسبة للإسلاميين. أو يأخذ طابع التحالف ضد أضرار الليبرالية الجديدة، كما تشعر به الناشطات النسويات من خلال الحركة المناهضة للعولمة. ويمكن أيضًا أن يأخذ الانتماء العالمي طابع التحالف في مناهضة الرأسمالية العالمية كما هو الحال بالنسبة للناشطات في إطار حركة مناهضة الحرب، والناشطات الاشتراكيات.

ولكن تبقى مشكلة في أن تنمية الإنتماء العالمي على حساب الانتماء المحلي، إنما يصعب تجذير وتعميق الروابط المؤسسية التي يمكنها فقط التأثير في الواقع وتغييره، مثل ما أشرنا إليه سابقًا من تأسيس علاقات قائمة على منظور ذي رنين في الخبرة التاريخية، يتعامل مع مشكلات الواقع اليومية بلغته. ويبقى الحل الصعب لهذه المشكلة، بألا يكون أي من الانتمائين على حساب الآخر. وقد يكون أنجح القوى السياسية في تأسيس علاقات محلية وعالمية توازن كبير هم الأخوان المسلمين، وبالتالي النسويات الإسلاميات المرتبطات بهم. وتأتي المشكلة الثانية وهي أن يكون الانتماء العالمي قائمًا على علاقات ندية متكافئة وتعامل نقدي، مما يجعل الناشطات قادرات على التأثير بخبرتهن المحلية مثلما يتأثرن بالخبرة العالمية، مما لا يجعلهن عناصر غريبة عن واقعهن ويحميهن من الاغتراب عنه. وقد يمثل هذا تحديًا كبيرًا أمام الناشطات النسويات.

مراجع باللغة العربية

  • الاتحاد النسائي المصري، ذكرى فقيدة العروبة حضرة صاحبة العصمة السيدة الجليلة هدى هانم شعراوي، القاهرة، الاتحاد النسائي المصري، د. ت

  • الرابطة الشيوعية الثورية، اضطهاد النساء والنضال لأجل تحررهن، كراسة صادرة عن الرابطة الثورية – الفرع الفرنسي للأممية الرابعة، السبت 19 مارس 2005. المناضلة، عدد 8،

  • https://www.al-mounadhil-a.info/ article.php3?id_article=179&artsuite-4#sommaire_1

  • أمال عميرة، وجهة نظر السعداوي في الإطار: النسوية العربية في عالم متعدي الجنسيات، تحرير وتقديم هدى الصدة، ترجمة هالة كمال، أصوات بديلة، المرأة والعرق والوطن في العالم الثالث، القاهرة،المجلس الأعلى للثقافة، 2002.

  • برنامج للنساء فقط، قناة الجزيرة الفضائية، 25 أبريل 2004،

  • https://www.amanjordan.rog/anan_studies/wmview.php?ArtID=424

  • بول كيندي، ترجمة عبد الوهاب علوب. القوى العظمى. التغيرات الاقتصادية والصراع العسكرى من 1550 إلى 2000، القاهرة، دار سعاد الصباح، 1993.

  • بیكمان، النقابات العمالية في جنوب أفريقيا، ورقة مقدمة إلى ندوة صناعة النسيج وعمالها في مصر، القاهرة مركز البحوث العربية، 2005.

  • جوردون مارشال، ترجمة أحمد عبد الله زايد وآخرون، مراجعة وتقديم محمد محمود الجوهري، موسوعة علم الاجتماع، مجلد 1، القاهرة، المجلس الأعلى للثقافة،2000.

  • حلمي النمنم، الأقليات في الحملة الفرنسية، الأقباط والنساء.. ..

  • رجائي موسى، النسوية بين الوعي القائم والوعي الممكن، طيبة، القاهرة، مركز نورس للدراسات والبحوث، العدد الرابع، مارس 2004.

  • سالمة الموشى، جريدة الوطن، 20 أكتوبر 2003م، العدد (1116)، السنة الرابعة.

  • سعاد الرملي:كفاح المرأة، القاهرة، دار الثقافة الحرة، 1948.

  • سنثيا نلسون، امرأة مختلفة:درية شفيق، ترجمة نهاد أحمد سالم، القاهرة، المجلس الأعلى للصحافة، 1999.

  • شريف يونس، سؤال الهوية، الهوية وسلطة المثقف في عصر ما بعد الحداثة، القاهرة، ميريت للنشر والمعلومات، 1999.

  • شهيدة الباز، أثر العوامل الاجتماعية والاقتصادية على شكل الجماعات النسائية في مصر، في نور الضحى الشطي وانيكارايو، تنظيم النساء. الجماعات النسائية الرسمية وغير الرسمية في الشرق الأوسط، بيروت، دار المدى.

  • عبد العزيز الشناوي، عمر مكرم. بطل المقاومة الشعبية، القاهرة، سلسلة أعلام العرب رقم 67، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر، 1967.

  • عبد الرحمن الجبرتي، اختيار محمد قنديل البقلي، المختار من تاريخ الجبرتي، القاهرة، دار الشعب، 1993.

  • عبلة أو علبة، في – برنامج للنساء فقط، قناة الجزيرة الفضائية، 25 أبريل 2004، https://www.amanjordan.rog/anan_studies/wmview.php?ArtID=424 *عزة خليل، مسار الحركة النسوية في مصر، العلاقة بين تحرر النساء وتحرر الوطن، في تقديم سمير أمين، تحرير عزة خليل، الحركات الاجتماعية في العالم العربي، القاهرة، مكتبة مدبولي ومركز البحوث العربية، 2006.

  • عزة كرم، ترجمة شهرت العالم، نساء ضد نساء. النساء والحركات الإسلامية والدولة، القاهرة، کتاب سطور، 2001.

  • فالنتين مجدم، النساء وسياسات الهوية. منظور نظري ومقارن، في النساء والهوية، طيبة. مجلة غير دورية، القاهرة، مركز دراسات المرأة الجديدة، العدد التجريبي.

  • ليلي أبو لغد، ترجمة سمية رمضان، زواج النزعة النسوية والنزعة الإسلامية في مصر: فعاليات الفرض الانتقائي في سياسات ما بعد الاستعمار الثقافية، في ليلى أبو لغد (محررة)، ترجمة نخبة من المترجمين، الحركة النسائية والتطور في الشرق الأوسط، القاهرة، المجلس الأعلى للثقافة، 1999.

  • مجلة المرأة الجديدة: العدد 10، سبتمبر 2001، القاهرة، مركز دراسات المرأةالجديدة.

  • مجلة أنهار، عدد خاص صادر عن اللجنة التحضيرية للحملة المصرية للقضاء على

  • الفقر والعنف، ملتقى الهيئات لتنمية المرأة، أكتوبر 2000.

  • مجموعة باحثات، الحركة النسائية العربية. أبحاث ومداخلات من أربع بلدان، القاهرة مركز دراسات المرأة الجديدة، 1995.

  • مركز دراسات المرأة الجديدة، مصر. المرأة في المنظمات الأهلية، في إملي نفاع، المرأة في المنظمات الأهلية العربية، القاهرة، دار المستقبل العربي.

  • میرفت حاتم، الخطابات العلمانية والإسلامية حول الحداثة في مصر ونشأة الدولة الوطنية ما بعد الاستعمار، في تحرير وتقدم هدى الصدة، ترجمة هالة كمال، أصوات بديلة. والعرف والوطن في العالم الثالث، القاهرة، المجلس الأعلى للصحافة، 2002.

  • نادية صادق العلي، النسوية والمناظرات المعاصرة في مصر، في نور الضحي الشطي وانيكارابو، تنظيم النساء. الجماعات النسائية الرسمية وغير الرسمية في الشرق الأوسط، دار المدى، بيروت، 2001.

  • نبيل عبد الفتاح، المشاركة السياسية للمرأة ودور الجمعيات الأهلية في مصر، مركز الدراسات – أما، 17 أغسطس

  • https://www.amanjordan.rog/anan_studies/wmview.php?ArtID=595

  • هالة كمال، الحركة النسائية حركة سياسية، طيبة، القاهرة، مركز نورس للدراسات والبحوث، العدد الرابع، مارس 2004.

  • هدى شعراوي، مذكرات هدى شعراوي رائدة المرأة العربية الحديثة،ج1، ج2، ج3، دار المدى للثقافة والنشر، 2003، طبعة خاصة بالقاهرة.

  • يسري مصطفى عبد المجيد، الحركات الاجتماعية في مصر، في ورشة عمل الديمقراطية والمجتمع المدني في الوطن العربي، القاهرة، مركز البحوث العربية 21- 25 مايو 1999.

  • إبراهيم عبده ودرية شفيق, تطور النهضة النسائية في مصر من عهد محمد علي إلى عهد فاروق، القاهرة، مكتبة الآداب الجماهيرية،1940.

  • اتحاد النساء التقدمي، حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي، مجلة مصرية وهموم المرأة العربية،18 مارس 2004.

  • إجلال خليفة، الحركة النسائية. قصة المرأة العربية على أرض مصر، القاهرة، المطبعة العربية الحديثة، 1973.

  • أمال عميرة، وجهة نظر السعداوي في الإطار. النسوية العربية في عالم متعدي الجنسيات، في تحرير وتقديم هدى الصدة، ترجمة هالة كمال، أصوات بديلة، المرأة والعرق والوطن في العالم الثالث، القاهرة، المجلس الأعلى للثقافة، 2002.

مراجع باللغة الإنجليزية:

* Bjorn Beckman, African Trade Unions and the Politics of Reform. The South African Cade, Presented to Seminar on “The Impact of Workd Trade Agreements on Textile Industry and Workers”, Cairo, 9-10 April 2005.

* Shireen Hassim & Amanda Gouws, Redefining the Public Space: Women’s Organizations, Gender, Consciousness and Civil Society in South Africa, https://www/crv/prg/book/seres02/11-6chaprer_iv.htm.

*Margot Badran, Islam, Parriarchy, and Feminism in the Middle East, Women living under muslim Laws, August/September, 1998.

* Nadje S. L0Li, The Women’s Movement in Egypt, with Selected References to Turkey (UNRESD), Civil Socity and Social Movements-Paper No. 2, 2002.

* Stanford Encyclopedia of Philosophy, last substantive content change in July, 18, 2002, https://okati,stabfird,edy/fundraising/

الهوامش

عزة خليل: باحثة في مركز البحوث العربية والأفريقية.

الصلات المفقودة بين الحركة النسائية

والاحتياجات الملحة للنساء في مصر

الصلات المفقودة

الصلات المفقودة بين الحركة النسائية

والاحتياجات الملحة للنساء في مصر

فاطمة خفاجي

مقدمة:

يوجد في مصر الآن عدد كبير من المنظمات غير الحكومية المنخرطة في أنشطة الدعوة والمناصرة المتعلقة بتمكين النساء والداعية للمساواة النوعية. وتشمل الأنشطة التي يقومون بها: الدراسات، ورفع الوعى، والتصدي للعنف القائم على النوع الاجتماعي، واقتراح قوانين جديدة، أو تعديل القوانين التي تتضمن تمييزًا ضد النساء، ومراقبة الانتخابات، وكذلك متابعة تطبيق اتفاقيات حقوق الإنسان خاصة اتفاقية إلغاء كل أشكال التمييز ضد النساء. كما تقدم بعض تلك المنظمات خدمات مباشرة إلى مجموعات النساء المحرومة؛ مثل المساعدة القانونية، والقروض الصغيرة، والتوظيف.. . إلخ.

تحاول هذه الورقة فحص إلى أي مدى تتصدى تلك المنظمات – من خلال أنشطتها المختلفة في مجال المساواة النوعية وتمكين النساء إلى الاحتياجات اليومية للنساء الفقيرات في مصر. وما هي قدرة تلك المنظمات في صياغتها لبرامج عملها، ومحاولتها لبناء حركة نسائية في مصر على جذب اهتمام وتأييد النساء المحرومات اقتصاديا واجتماعيا ليساندن دعوة هذه المنظمات إلى المساواة النوعية؟ وتطرح هذه الورقة أن فرصة حدوث ذلك محدودة جدًا. وتتمثل الأسباب في أن الاحتياجات اليومية الملحة والعاجلة للنساء المحرومات في مصر كثيرًا ما يتم تجاهلها أو عدم الانتباه لها من قبل الناشطات ومنظماتهن غير الحكومية، ولا تعتبر في بعض الأحيان من الاهتمامات الاستراتيجية التي تستحق التصدي لها.

وتحاول الورقة الإجابة عن السؤال: هل الناشطات ومنظماتهن غير الحكومية في حاجة إلى إعادة صياغة برامج عملهم ليبين للنساء المحرومات أنهن يتصدين بالفعل لاحتياجاتهن اليومية الملحة للاستمرار في الحياة؟ إننى أدرك أن المنظمات غير الحكومية لا تستطيع إدراك الاحتياجات اليومية للنساء المحرومات والتي تتمثل في الاحتياج لدخل، للطعام، لإدخال أبنائهن وبناتهن المدارس. لكنني على ثقة بإمكانية الربط بين الكفاح الأيديولوجي وبين الاحتياجات الاقتصادية للنساء.

نادرًا ما تتصدىالحركة النسائية في مصرللحقوق الاقتصادية للنساء. النساء المحرومات في حاجة للحصول على حد أدنى من الأمان الإنساني والاقتصادي داخل وخارج بيوتهن. كما أنني أدعى في هذه الورقة أن المنظمات غير الحكومية في محاولاتها للتصدي للقضايا الاستراتيجية للنساء عبر اقتراح قوانين جديدة، تناضل من أجل قوانين لا يمكن أن تقبلها النساء المحرومات. وأقدم في هذه الورقة مثالين: اقتراح عمل قانون أحوال شخصية مدنى موحد لكل من المسلمين والأقباط مرفوض من غالبية النساء المسلمات والقبطيات في مصر، على الأقل في الوقت الراهن. ومن المفيد الإشارة هنا إلى أن الدول التي استطاعت تغيير قوانين الأسرة فيها بشكل إيجابي مثل المغرب، بنت قوانينها الجديدة على الشريعة، ولكن من خلال تفسيرات للشريعة أفضل وأكثر مساواة. بعض المنظمات غير الحكومية الأخرى تعد مسودة قانون يجرم العنف الأسرى ويركز بشكل خاص على قضية الاغتصاب الزوجي، وهو أمر لن يستطيع في الوقت الحاضر – أن يحصل على دعم كبير من النساء والرجال. كان من الممكن أن يتم التصدي لهذا الموضوع من خلال قانون جديد للأسرة بحيث يمكن للنساء استخدامه للطلاقللضرردون أن تفقد النساء مستحقاتهن المالية كما يحدث في حالةالخلع“. إن اقتراح القانونين أمر مهم, لكنني أتساءل ما إذا كان طرح هذين القانونين الآن أمرًا استراتيجيًا قبل التصدي للاحتياج لتغيير قانون الأسرة بشكل يؤمن للنساء والأطفال الاحتياجات الملحة للبقاء على قيد الحياة؟ هل من الحصافة الاستراتيجية التصدي للاغتصاب الزوجي قبل التصدي للحاجة لحماية النساء من الضرب يوميًا على أيدي أزواجهن؟ إننى على وعى بترابط حقوق الإنسان، ولكن هل يمكننا – استراتيجيًا التصدي لكل الحقوق دفعة واحدة في الوقت نفسه في ظل الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والديني الحالي؟

علاوة على ذلك، هناك شعور بين الناشطات ومنظماتهن غير الحكومية بأن التصدي للاحتياجات الإنجابية للنساء سوف يعود بتلك المنظمات إلى الخلف، إلى مرحلة النظر للنساء في دورهن كأمهات. كما قد يشعرن أيضًا بأن احتياجات النساء كزوجات وأمهات ستمثل تراجعا عن خطاب الحركة النسائية العالمية.

ستحاول الورقة بمناقشتها للاحتياجات الملحة العاجلة للنساء من الطبقات ذات الدخل المحدود في مصر الإشارة إلى شكاوى النساء التي تقدم إلى مكتب شكاوى المرأة التابع للمجلس القومي للمرأة. شكاوى النساء ذوات الدخل المحدود في مصر إلى مكتب شكاوى المرأة هي أمثلة واضحة على مشاكلهن واحتياجاتهن الملحة. هناك بالطبع بعض القصور في الخروج باستنتاجات سريعة بناء على تلك الشكاوي، إلا أنه رغم ذلك يمكننا عمل تحليل هام والخروج باستنتاجات مفيدة، حيث إن العينة كبيرة وعشوائية.

خلفية عن دور مكتب شكاوى المرأة:

بدأ دور الأمبودزمان، وهى كلمة سويدية تعنىمحامي الشعبفي السويد عام 1809. وعين البرلمان السويدي أولمحامي للشعبلحل مشكلات الشعب الصعبة في غياب الملك. وقد تم خلق هذا الدور لضمان حماية الحقوق الفردية في ظل تزايد تعقيد الهيكل الحكومي. وقد انتشر هذا المفهوم بين الدول الاسكندنافية أولا، ثم في غالبية دول العالم بعد ذلك.

في منتصف عام 2001، تم عقد اتفاقية تعاون بين المجلس القومي للمرأة والمفوضية الأوروبية لإنشاء مكتبشكاوى المرأةالذي يهتم بقضية المساواة النوعية. وقد افتتح المكتب وبدأ في تلقى الشكاوي اعتبارًا من منتصف عام 2002. عين المكتب عددًا من المحامين لمقابلة الشاكيات اللاتي يزرن المكتب يوميًا. كما أن الشاكيات يمكنهن أيضًا إرسال شكاواهن بالبريد العادي أو الإلكتروني أو الفاكس، كما يمكنهن الحصول على الاستشارات القانونية عبر الهاتف.

مهمة المكتب هي تعزيز ومراقبة سجل حقوق النساء في مصر لمنع انتهاك حقوقهن، أو سوء استخدام السلطة، والتصدى للظلم الواقع عليهن، وكذلك للفت النظر إلى المخالفات الإدارية في تطبيق القوانين في الأمور التي تتعلق بالنساء، كما أنه يهدف إلى تشجيع النساء المصريات على المطالبة بحقوقهن.

يمكن لأي امرأة فوق السادسة عشرة من العمر، وأى مجموعة من النساء، الحصول على خدمات المكتب. ومنذ بداية عمله تلقى المكتب ما يزيد عن 23000 شكوى، وطلب استشارة قانونية. وتصل نسبة الشكاوى التي عمل المكتب عليها إلى 6140 شكوى أي بنسبة 35% من إجمالي الشكاوي المقدمة، وتتعلق غالبية تلك الشكاوى بالتمييز النوعي في مجال العمل، تليها الشكاوى المتعلقة بتطبيق قانون الأسرة، أو بالأحرى عدم تطبيقه.

أولاً: الشكاوي المتعلقة بالعمل:

مثل الشكاوى المتعلقة بالعمل القسم الأكبر من الشكاوي، رغم حقيقة أن قانون العمل المصري لا يميز بدرجة كبيرة ضد النساء. على أي حال، فإن الممارسة اليومية في العمل سواء في القطاع الحكومي أو القطاع الخاصتعكس الكثير من التحيزات ضد النساء. أهم العقبات التي تواجه النساء العاملات خاصة في المستويات الأدنى من التراتبية المهنية هي عدم قدرتهن على الجمع بين أدوارهن الإنتاجية والإنجابية. ومن نماذج الشكاوى المقدمة، تجاهل حق النساء اللاتي يعملن بعقود مؤقتة رغم أن الكثيرات منهن يعملن بهذا الشكل لفترات طويلة في الأجازات، بما في ذلك أجازة الوضع، أو الأجازة بدون أجر لرعاية الطفل. وفي الواقع يتم فصلهن إذا ما تغيبن أيامًا قلائل بعد الولادة. يتجاهل القانون المشاكل التي تواجهها هذه الفئة من النساء، برغم العدد الكبير من العاملات والموظفات بعقود مؤقتة.

أما بالنسبة للنساء اللاتي لديهن عقود أكثر استقرار، فإنهن كثيرًا ما ينقلن إلى محافظات بعيدة، خاصة لو تمت ترقيتهن. لقد أصدر رئيس الوزراء قرارًا بضرورة أن يعمل الزوجان في نفس المحافظة حتى يمكن للنساء الجمع بين أدوارهن الإنتاجية والإنجابية. نفس الأمر مقرر في الدستور المصرى الذي يجعل الدولة مسئولة عن توفير الطرق والوسائل التي تسهل على النساء الجمع بين الدورين، لكن ذلك لا يطبق في الواقع، وتجد النساء أنفسهن في أوضاع شديدة الصعوبة، ويكون عليهن الاختيار بين ترك أسرهن والذهاب للعيش في محافظة بعيدة وبين ترك وظائفهن. وفي غالبية الأحيان يخترن ترك الوظيفة.

العديد من النساء العاملات كالمدرسات، خاصة في المحافظات البعيدة، يحرمن أجازة رعاية الطفل (بدون أجر)، ومن ساعة الرضاعة نتيجة للزعم بأنه لا يوجد بديل مؤقت لهن. كما تشكو النساء العاملات أيضًا من عدم وجود دور حضانة جيدة بأسعار في متناولهن يتركن فيها أطفالهن أثناء العمل. وغالبًا لا يتم تطبيق القانون الذي ينص على توفير حضانة في كل منشأة تعمل فيها 100 امرأة. وحتى مثل هذا القانون يتسم بالتمييز، أولاً، لأن العدد المطلوب لإنشاء الحضانة (100 امرأة) هو بحد ذاته عدد كبير، وثانيًا، وهو الأهم، أن القانون يتطلب وجود“100 امرأة عاملة، وهو ما يكرس مجددًا أن رعاية الأطفال هي مسئولية الأمهات فقط.

أيضًا تعاني بعض من النساء العاملات من التحرش الجنسي في أماكن العمل. وفي غياب قانون خاص يجرم مثل تلك الأفعال، وفي ضوء استحالة إثبات ذلك تحت قانون العقوبات، تترك النساء للقبول بالتحرش الجنسي في كثير من الحالات لكي لا تفقدن وظائفهن.

تلك أمثلة لآلاف الشكاوى من النساء التي تلقاها مكتب شكاوى المرأة، والتي تحتاج لحلول فورية، لتغيير في الممارسات، والقوانين، ولابتكار نظم للمحاسبة بشأنها. لكن الناشطات والمنظمات النسوية غير الحكومية نادرًا ما تناقش تلك المشاكل. قد يكون السبب أنهن يعتبرن تبنى المشاكل تراجعًا لأنه يجعلهن ينظرن إلى النساء كزوجات وأمهات. وقد يعتقدن بأن التصدي للأدوار الإنجابية للنساء ليس أمرًا مهمًا، وأنه على أي الأحوال متضمن في خطابهن المتعلق بالاهتمامات الاستراتيجية للنساء.

وفي بعض الأحيان تركز الناشطات ومنظماتهن غير الحكومية على جانب واحد من المشكلة. على سبيل المثال التركيز على لوم القطاع الخاص على كل المشاكل التي تواجهها النساء العاملات في مصر. فهن يهاجمن بشدة سياسات التكيف الهيكلي الاقتصادية، لكنهن لم يعتنين بالنظر إلى الاستغلال الذي يمارسه كل من القطاع العام والقطاع الحكومي على النساء العاملات. وعلى سبيل المثال آلاف من النساء اللاتي يحملن شهادات جامعية ويعملن في وزارات مثل وزارة الزراعة ووزارة الثقافة بعقود عمل مؤقتة خلال العشر أو الخمس عشرة سنة الماضية، بل وأحيانًا تعملن باليومية مقابل ثلاث جنيهات يوميًا، في انتظار التعيين، أولئك النساء محرومات، كما أشرنا من قبل، من أي أجازات بما في ذلك أجازات رعاية الطفل. إن الناشطات والمنظمات غير الحكومية ينبغي أن تنظر إلى كل جوانب المشكلة، حتى يمكن لأعداد كبيرة من النساء أن يشعرن بأن تلك المؤسسات تعبر بحق عن مشكلاتهن، وأنها جادة في مناقشة الحلول الممكنة لتلك المشاكل معهن.

ثانيًا: الشكاوي المتعلقة بالأحوال الشخصية:

تمثل الشكاوي المتعلقة بالأحوال الشخصية النسبة الأكبربعد مشكلات العمل التي يتلقاها مكتب الشكاوى. قانون الأحوال الشخصية المصرى هو واحد من أكثر القوانين تمييزًا على أساس النوع ليس فقط في المنطقة العربية بل وكذلك في العالم. تشكو النساء من صعوبة الحصول على الطلاق حتى من خلال قانونالخلعالجديد. وفي غالبية الحالات، وقبل إنشاء صندوق الأسرة الجديد، لم يمكنهن الحصول على أية نفقة لأنفسهن كنساء مطلقات، أو لأطفالهن. وما زالت النساء تعانى من تعدد الزوجات الذي يبيحه القانون حتى أنه يشترط أسبابًا جادة لممارسته. وعادة ما يختار الرجال الطلاق والتخلي عن أبنائهم من الزوجة الأولى حيث لن يفرض عليهم دفع أي شيء لإعالتهم. أنهم يفضلون إنفاق دخلهم على زوجاتهم وأطفالهم الجدد. والآن، من خلال صندوق الأسرة المنشأ حديثًا، تحصل النساء على مقدار محدود من المال عليهن أن يعشن عليه. ويبقى أن الرجال الذين يعملون خارج مصر يمكنهم التهرب بسهولة من دفع أية نفقة.

ولا تبذل الحكومة جهودًا جادة لإلزام الرجال بالامتثال للقانون، ودفع النفقة الواجية لمطلقاتهم أو أطفالهم. وتنتزع من النساء الفقيرات بعض الأشياء القليلة التي يمتلكنها والتي يمكنهن المطالبة بها في الزواج، ألا وهيقائمة المنقولاتأي الأثاث وبعض الأدوات المنزلية. فالرجال إما يحطمون تلك الأشياء، أو يستولون عليها ويأخذونها معهم بعد الطلاق. كما أن النساء اللاتي يتجاوز أطفالهن السن القانونية للحضانة، والذين عادة ما يعيشون مع أمهاتهم، يتم طردهن من منزل الزوجية عندما يطلقن، رغم أن هذا الطلاق يتم بقرار منفرد من قبل الرجال ودون أي خطأ ارتكبته المرأة. تلك هي المآسي والمعاناة التي تعيشها النساء المصريات عندما يطلقن. وعلاوة على ذلك هناك دائمًا الحاجة إلى توكيل محامٍ، ناهيك عن السنوات العديدة التي تستغرقها القضايا في المحاكم قبل صدور الأحكام.

نادرًا ما تصدت الناشطات والمنظمات غير الحكومية لتلك القضايا. إن كل امرأة مصرية تعيش تحت سيف التهديد بالطلاق بما يمثله من معاناة نفسية وعاطفية واقتصادية. هناك منظمات نسوية قليلة فتحت مراكز لتقديم الدعم القانوني لمساعدة النساء الفقيرات على رفع قضايا أمام المحاكم، ولكن عدا ذلك لم يتم سوى القليل. وعندما صدر قانونالخلعمنذ سنوات قليلة، هاجمته النسويات المصريات بشدة، تحت ادعاء أنه ليس من المقبول أن تعيد النساء المهور، وأن يتم إلغاء حقهن في النفقة والالتزامات المالية الأخرى. والواقع هو أن النساء الفقيرات لا يحصلن عادة على أي مهر عندما يتزوجن. ولأنهن يعرفن أنهن لو طلبن الطلاق بسبب الضرر دون التخلي عن حقوقهن المالية، فسوف يضطرون إلى إنفاق العديد من السنوات في المحاكم، أو يكون عليهن توكيل محامين – وهو أمر شديد التكلفة – سينتهي بهن الأمر إلى عدم الحصول على أي شيء. لذلك تفضل النساء المصريات الفقيرات اللجوء إلىالخلعلكي يمكنهن الحصول على معاش السادات، الذي لا يتجاوز 70 جنيهًا مصريًا كل شهر.

ثالثًا: الشكاوى المتعلقة بالعنف:

أتى أعداد كبيرة من النساء إلى مكتب شكاوى المرأة تشكين من مختلف أنواع العنف التي يمارسها الأزواج عليهن. الضرب هو أكثر أشكال العنف شيوعًا ويمارس بانتظام بسبب أو بدون سبب. والزوج يفعل ذلك دون أن يلومه أي إنسان. وعادة ما تصل النساء في فترة من حياتهن لرفض العنف، لكنهن لا يستطعن الطلاق لأسباب متعددة منها افتقادهن لأي دخل، ومنها أطفالهن، ولأن أسرهن لن ترحب بعودتهن إليها، ولا يبقى أمامهن خيار آخر سوى القبول بالمهانة. إنهن يأتين إلينا ويسألن ماذا نفعل؟ وهن يعلمن أنه لا توجد طريقة سهلة للخروج من تلك المعاناة. لقد تحملن ذلك للعديد من السنين حتى صار عادة مقبولة. أولئك النساء يحتجن للدعم لكسر الحلقة الشريرة للعنف الممارس عليهن، ولكن للأسف فإن المنظمات النسوية غير الحكومية تتحدث فقط عن الحالات العنف مثلجرائم الشرفوالاغتصاب، لكنها لم تبذل جهودًا لتأسيس ملاجئ للنساء، ولم تجر مسوحًا أو دراسات عن نوعية المساعدة المطلوبة التي تحتاجها تلك النساء.

كما أن المنظمات النسوية لم تتصد أيضًا لقضية الحاجة الاقتصادية للنساء الفقيرات. لقد اتهمن سياسات التكيف الهيكلي وتأثيرها على عمل النساء، لكنهن تجاهلن تمامًا حقيقة أن أولئك النساء الأميات في غالبية الأحوال – يفتقدن إلى أي مهارات ضرورية للقيام بأي عمل، أو للتصدي للعنف الواقع عليهن.

ما هي الأسباب وراء تلك الصلات المفقودة؟

على الناشطات والمنظمات النسوية غير الحكومية إيجاد صلة واضحة بين الاحتياجات اليومية العملية للنساء من الطبقات ذات الدخول المحدودة، والاحتياجات أو المصالح الاستراتيجية لكل النساء في مصر. المجموعات المحرومة من النساء يمكنهن فقط الحديث بوضوح عن مشاكلهن واحتياجاتهن، لكن لا يمكنهن الانخراط في حركات تتحدث عن تغيير علاقات القوة النوعية، أو عن تحقيق المساواة النوعية أو الإنصاف النوعي. إن النساء يحتجن إلى القدرة على الحفاظ على وظائفهن لأنهن يحتجن إلى دخل يضمن لأسرهن البقاء على قيد الحياة. ويحتجن كذلك إلى دخل يقيم أودهن إذا طلقهن أزواجهن، أو هجروهن بدون أي خطأ منهن. النساء يحتجن أيضًا إلى الحفاظ على إنسانيتهن وألا يضربن بانتظام أمام أطفالهن، وأمام أهلهن. على الناشطات والمنظمات غير الحكومية – عبر مختلف الصلات وضع صورة واقعية لما يريده عدد كبير من النساء. عليهن أن يتحدثن اللغة نفسها التي تتحدث بها أولئك النساء، وأن تظهر المنظمات النسائية والناشطات لهن أنهن يعملن أيضًا على المدى القصير سعيًا وراء حلول فورية لمشاكلهن.

ستكتسب المنظمات غير الحكومية النسوية شرعيتها، والتأييد الكامل من النساء الفقيرات عندما يتصدين لاحتياجاتهن اليومية الملحة. وأنا لا أطرح أن على المنظمات والناشطات حل كل مشاكل النساء الاقتصادية، لكنني أقترح أن يضعن على برامج عملهن تلك الاحتياجات الملحة. إن الاعتقاد بأنه عندما تكون هناك نساء أكثر في الحياة السياسية أو مواقع اتخاذ القرار، فإنهن سيعملن على تحسين الحياة اليومية للنساء الفقيرات قد أثبت فشله. ويمكن للمنظمات النسوية غير الحكومية التأثير على الرجال أيضًا للتصدي للاحتياجات العملية للنساء. إننا في أمس الحاجة لحركة اجتماعية تتناول المشكلات اليومية للنساء. وعندما تنضم ملايين النساء إلى هذه الحركة، عندها فقط يمكن تغيير علاقات القوى النوعية في كل المجتمع.

الهوامش

فاطمة خفاجي: عضوة بالمجلس القومي للمرأة ومديرة مكتب شكاوى المرأة بالمجلس.

تعقيب

تعقيب على أوراق فاطمة خفاجي وعزة خليل وأمينة شفيق

تعقيب على أوراق فاطمة خفاجي

وعزة خليل وأمينة شفيق

فاتن مرسی

تبدأ الدكتورة فاطمة خفاجي ورقتها وعنوانهاالصلات المفقودة بين الحركة النسائية والاحتياجات الملحة للنساء في مصربإدراكها أن المنظمات غير الحكومية لا تستطيع إدراك الاحتياجات اليومية للنساء المحرومات والتي تتمثل في احتياجاتهن للدخل والطعام. وتشير إلى أن جزءًا من عمل المجلس القومى للمرأة هو إيجاد حلول فورية لمشكلاتهن عن طريق هيئات تقديم المساعدة القانونية أو مراكز لإيواء النساء اللاتي تعرضن للعنف.

إذا، ورقة الدكتورة فاطمة في واقع الأمر تتناول الحركة النسوية ذات الطبيعة الخدمية. وأرى أنها حلول وقتية وقصيرة الأمد ولا تقدم رؤية يتم من خلالها بلورة عمل نسائي حقيقي يتوافق مع طموحات حركة نسوية، بمعنى أن تجد النساء على اختلاف طبقاتهن القنوات التي يمكن من خلالها تلبية هذه الاحتياجات وبالتالي يحدث تغيير ملموس على مستوى حقوقهن المدنية والمهنية والصحية.. . إلخ. ومع ذلك، فإننى أويد فكرتك في النهاية في مطالبتك بحركة اجتماعية تتناول المشكلات اليومية للنساء.

ثم تجيء ورقة الأستاذة عزة خليل وهي ورقة نظرية تتناول الهوية النسوية والهوية الوطنية، تستعرض الباحثة من خلالها تطور الحركة النسوية في الغرب من حيث علاقة الهوية النسوية بالهوية الوطنية، ثم تنتقل إلى مصر حيث تستعرض رؤى الحركة النسوية والنسويات المصرية لعلاقة الهوية النسوية بالهوية الوطنية والاختلافات بين المواقف المختلفة في هذه القضية الجدالية.

ثم تتطرق الباحثة إلى منهج التوليف بين النموذج الحداثي الغربي والإطار الإسلامي فيما أطلق عليهالنسوية الوطنيةالتي ظهرت في منتصف القرن التاسع عشر، منتقدة سياسة تأجيل المطالب النسوية على حساب الأولوية الوطنية.

أما ورقة الأستاذة أمينة شفيق والتي تحاول فيها بلورة برنامج حركة مستقلة للنساء المصريات، فهي تسعى إلى: أولاً، الاستفادة من تاريخ الحركة النسوية المصرية أي أنها تطالب كما فعلت الأستاذة عزة خليل بقراءة تاريخنا. ولكنها تستخدم هذه القراءة وتستلهمها في رؤيتها لبرنامج أو فكرة تنظيم نسائي مصري ديمقراطي يستند إلى مرجعية عالمية بل يعمل معها. تحاول الأستاذة أمينة وضع يدها على الخلل في توزيع البرامج التنموية والتحديثية على مناطق البلاد مما أدى إلى التفاوت بين المرأة الريفية والحضرية، بل بين المرأة في الدلتا والمرأة في صعيد مصر.

وردا على طرح د. فاطمة خفاجي الخاص بحركة نسائية تقوم بتلبية الاحتياجات اليومية للنساء، تؤكد الأستاذة أمينة شفيق أنه لا يجب الخلط بين مسئوليات كل تنظيم جماهيري. وتخلص إلى أن صلاحيات المجلس القومي – وهي محقة في ذلك لا تخول له أي عمل جماهيرى فهو لن يستطيع أن يقوم بحركة تعبوية جماهيرية وديمقراطية، ولكن هذه الحركة بطبيعة الحال لن تنفى المجلس القومي للمرأة وهو ذو مهام محددة.

إنني أرى أن ورقة الأستاذة أمينة شفيق تقدم رؤية منهجية وتحدد آليات هذا المشروع، وأتمنى أن تدرج هذه في توصيات المؤتمر ونعمل من خلال لجان متابعة مع جميع الجمعيات والمؤسسات الموجودة على وضع هذه الرؤية موضع التنفيذ.

بيان المؤتمر

حركة نسائية ديموقراطية من أجل وطن حر

بعد عقدين من تنامي العمل النسائي في مصر، وفي ظل ما شهده عام ٢٠٠٥ من تعدد أشكال النضال النسائي جاء المؤتمر الأول لمؤسسة المرأة الجديدة تحت شعارحركة نسائية ديموقراطية من أجل وطن حر“. شعار يربط ما بين القضايا النسوية والقضايا العامة في اللحظة التاريخية الراهنة التي يمر بها الوطن. وحظي هدف المؤتمرالعمل من أجل برامج حد أدنى للحركة النسائية المصريةبتأييد واسع بين مختلف المجموعات التي شاركت في أعماله على مدى ثلاثة أيام من خلال برنامج مكثف تناول أبرز التحديات التي تواجه توسع الحركة النسائية المصرية وتنامي فاعليتها خاصة في الارتباط بكل الفئات التي تنتمي إليها النساء المصريات فكرياً أو طبقياً أو جغرافياً.

إننا نرى أن هذا المؤتمر قد تجاوزت فعالياته إطار منظمة نسوية واحدة، فقد كان المؤتمر تجمعًا متميزًا لكل الاتجاهات ليس فقط في العمل النسائي المصري، ولكن بين المهتمين والمهتمات بقضايا الوطن عموماً وبقضايا التحول الديموقراطي، وبقضايا النساء على وجه الخصوص، والأمر الهام أن المؤتمر شهد عودة عديد من الوجوه كانت قد اختفت لفترة طويلة من العمل العام، نتيجة للإحباط من حالة الركود العام؛ ولكنها ربما استشعرت أن الوضع خطير، وأن هناك حاجة ماسة إلى تعبئة جميع الطاقات، كما أن السمة الأساسية للمؤتمر هي اتساع مساحة الوجود المستنير، من اتجاهات فكرية وسياسية متنوعة، وهو ما يؤكد على أن هذا الوطن مازال بخير.

لقد طرحت جلسات المؤتمر عدداً من القضايا الهامة، التي وإن كان هناك شبه إجماع عليها بين المشاركات والمشاركين، إلا إنه كان هناك أيضًا وعي واضح بالحاجة إلى تعميق كل الأمور التي طرحت، وبلورتها؛ وأنه لا توجد إجابات جاهزة، أو وصفات سحرية، بل لابد من العمل الجماعي عليها، وتطوير الآليات اللازمة لتنفيذها عبر نضال مشترك يثمن ويعمق مفهوم التعددية ويتسع لكافة القوى الديموقراطية المهمومة بقضايا النساء.

  • الحاجة إلى إعادة بلورة وصياغة الديموقراطية من منظور نسوي، تضميني وليس إقصائي، يمكن كافة القوى الاجتماعية المهمشة أن تعبر عن نفسها وتشارك بشكل فاعل في صياغة الإصلاح الديموقراطي بما يتجاوز الجدل حول التقنيات ويعكس مصالح هذه القوى وعلى رأسها النساء.

  • أهمية بلورة خطاب نسائي متعدد الجوانب، ينظر إلي كل الجوانب التي تخصنا كمواطنات ونساء، ولا يفصل بين العام والخاص، بل يعتبرهما امتدادًا لبعضهما البعض، ويكون قادراً على عدم الخضوع للابتزاز؛ ويتضمن في الوقت نفسه قضايا الوطن من منظور نسوي؛ ويسعى إلى إحداث التغيير في الموروث الثقافي الذي يكرس التمييز ضد النساء؛ ويراعي استعمال لغة قادرة على التأثير وتعبئة النساء والرجال.

  • أهمية مزيد من الالتحام بالقواعد النسائية الجماهيرية والشعبية لضمان تضمین أصواتها، واحتياجاتها وتطلعاتها (عاملات من جميع الأنواع، فلاحات، ربات بيوت، نساء من مختلف الطبقات الاجتماعية، ومن انتماءات فكرية متنوعة) بما يدعم النساء في مختلف المواقع في تنظيم أنفسهن بالأشكال التي تتناسب مع احتياجاتهن.

  • إن كثير من القوى الفكرية والسياسية لم تتبن قضايا النساء المصريات ضمن أولوياتها بل خضع معظمها للمساومات السياسية على حقوق النساء. وأشار المشاركون والمشاركات إلي أن النضال النسائي المستمر أمر حاسم لتضمين قضايا النساء في برامج عمل مختلف القوى السياسية والاجتماعية بما في ذلك مؤسسات المجتمع المدني. * أهمية وجود شكل من أشكال التنظيم المستقل للحركة النسائية على أن يكون ذا طبيعة تعددية يضم جميع القوى المؤمنة بالديموقراطية والحقوق المتساوية للنساء، ويبنى على نضالات النساء المصريات، ويمثل إضافة لكل الجهود القائمة.

  • الاحتياج لوضع أسس ومعايير التحالفات، التي يمكن بناؤها مع كل القوى الديموقراطية التي تضع ضمن أولوياتها الدفاع بوضوح عن مصالح وقضايا النساء.

إننا نشعر بأننا في مفترق طرق وأمام لحظة تاريخية فاصلة، ليس فقط للوطن ولكن أيضًا أمام نضال النساء المصريات؛ فإما أن يكون هناك حركة نسائية، أو لا يكون. وفي إطار هذا التحدي نؤمن بأن وجود حركة نسائية قوية سوف يضفي بعداً جديداً، أكثر إنسانية، وتقدماً، وتنوراً، على كل المجتمع: وسوف يساعد على تلاحم الحركات الاجتماعية المتعددة في نضال متنام من أجل تقدم هذا الوطن. وإننا نرى أن هذا المؤتمر هو حلقة من حلقات إعداد أجندة نسوية من أجل حركة نسائية ديموقراطية لا تساوم على حقوق النساء.

الهوامش

فاتن مرسي: أستاذة مساعدة بكلية الآداب، جامعة عين شمس، عضوة بمؤسسة المرأة الجديدة.

 

 

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي