أب خيال مآتة!

أب خيال مآتة!

حق الرؤية من الأمور التي تشغل الأسرة المصرية كقانون مجحف في حق الحاضن والحاضنة، فيما يلي يحدثنا أب غير حاضن عن معاناته في ضوء القانون الحالي:

منذ ثلاث سنوات، وأنا أذهب أسبوعيا كل جمعة إلى النادي لرؤية ابنيعليمن الساعة الثانية ظهرا وحتى الساعة الخامسة من مساء نفس اليوم. ثلاث ساعات كاملة أسبوعيا أقضيها معه بفضل المادة ٢٠ من القانون ٢٥ السنة ١٩٢٩! ثلاث ساعات أقضيها مع ابني في هذا المكان المغلق داخل النادي تحت حراسة موظفي محكمة الأسرة المسئولين عن حمايته من أبيه!

منذ ثلاث سنوات كان عمره سنتين، فقررت المطالبة بحقي في رؤيته بعد انفصالي عن والدته من خلال محكمة الأسرة بعد استنزاف كل الطرق الودية. وأخيرا رأيتعليلأول مرة بعد عام ونصف في المكان المخصص للرؤية والذي لا يستطيع الأب اصطحاب طفله خارجه! كان نائما وفضلت ألا أوقظه، فقد كان نومه رحمة لي من صعوبة هذا اللقاء الأول. وفي الجمعة التالية جاءت اللحظة الحاسمة، اللحظة التي واجهها بالفعل آباء آخرون، وكنت متخوفا من أن ألاقيها أنا أيضا. فكم هو مؤلم أن ترى أبا يحاول أن يحتضن ابنه وتجد الصغير خائفا منه، لا يريد الجلوس معه ولا الاستماع إليه، خائفا من أبيه! لكن ولله الحمد وجدتعليغير خائف مني. عرفني وجلس إلي دون تردد ربما نتيجة تعليمات واضحة من أمه.

اشتريت له هذه الحيمة التي كانت بمثابة البيت الذي نشعر فيه بالخصوصية، نجلس بداخلها، ونشاهد معا أفلامتوم وجيريوتوي ستوريعلى جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بي، فلا تسول لكم أنفسكم الظن بأن المكان مجهز بأية معدات أو ألعاب! نلعب معا بالمكعبات والكرة المطاطية فأرى هذه الابتسامة البريئة فتحلو معها الحياة. منذ البداية، ونظرا لصلابة دماغه، كان يجب أن أكون حازما معه، لا أتوانى عن الحق والصواب. لكن عند أول خلاف وجدته يقول لي، وهو غارق في دموعه ولكن – في نفس الوقت بنبرة صارمة:”عايز أروح (بتشديد الواو) بيتي ! فقلت له بنبرة مماثلة: روح (بتشديد الواو أيضا)! تصالحنا ولكن بعد أن لقنني درسا قاسيا ولكن هاما! كان الدرس في ردعليواضحا:”دول هما تلات ساعات في الأسبوع وكمان عايز تضايقني فيهم! خليك حلو معايا أحسن لك!

وعند بلوغه الثالثة انتقلنا إلى مرحلة الدراجات والسكوتر والمسدسات. ضاقت بنا الخيمة فاضطررنا إلى الخروج منها إلى المكان الذي لا يتعدى طوله العشرة أمتار ولا يتعدى عرضه الخمسة أمتار. المكان الذي يملؤه الأطفال والآباء – في الغالب غير الحاضنين بالإضافة إلى الأمهات – في الغالب الحاضنات واللآتي يجلس في نفس المكان للمشاركة في المراقبة مع مسئولي الرؤية! وفي الغالب لا يدور أي حديث بين الأم وبين مطلقها، بل وفي بعض الحالات يأتي من ينوب عنها – أخوها أو أبوها – وهو ما يترتب عليه الكثير من المآسي والاشتباكات على مرأى ومسمع من أطفالنا!

وبعد بلوغه الرابعة، انتقلنا إلى مرحلة جديدة ولكنها للأسف ليست فى جمال السنوات الأولى! دخل علي المدرسة بالإضافة إلى انضمامه لأحد الأنشطة الرياضية. وهنا فقط أدركت الحقيقة! الحقيقة التي كنت أحاول عدم الالتفات إليها أو تصديقها. لقد سرقونا أنا وابني ! لقد سرقوا منا كل اللحظات والأوقات التي كان يجب أن نكون فيها معا، التي كان يجب أن أكون فيها بجواره أساعده فيما يصعب عليه مذاكرته، أشاهده أثناء تدريباته الرياضية، أشجعه في مسابقاته، أشاركه فوزه، أو خسارته. ويكون فيها بجواري يتعلم، يرى نظرة السعادة والفخر لفوزه، ويشعر بمساندتي له عند خسارته. لقد أدركت الحقيقة التي كنت أحاول التغاضي عنها حتي بدت لي الآن واضحة تمامًا. لقد سرقوا منعليأباه ثم أتوا له به ثلاث ساعات أسبوعيا ليلعب ويأكل معه في هذا المكان المغلق تحت الحراسة! سرقوا منه أباه ثم أتوا له بأب خيال مآتة! كل الفرق أنه خيال مآتة من لحم دم، حاله يبعث على الرثاء لا الخوف! كل الفرق أنه – على الرغم من كل شيء – أب!

وأتساءل: من المستفيد من هذه المادة العقيمة! فنص المادة يقول:”لكل من الأبوين الحق في رؤية الصغير أو الصغيرة وللأجداد مثل ذلك عند عدم وجود الأبوين!” فهل يختصر حق الأب فيالرؤية، هل هذا هو حق الأب في ما يتعلق بأبنائه ؟! وهل هذا هو حق الأبناء على أبيهم ؟! ثم هل يجب على الأجداد انتظار سفر الأب أو وفاته لضمان رؤية أحفادهم ؟؟ وأين دور العم والعمة، الخال والخالة؟ أعتقد أن السادة الذين قاموا بوضع هذه المادة كانوا من الإعجاز بحيث استطاعوا في عام ۱۹۲۹ استشراف المستقبل وما نشهده في هذا العصر من أسوأ أشكال التفكك العائلي! ثم يجيء نص المادة فيقرر:”وإذا تعذر تنظيم الرؤية بالتفاهم نظمها القاضي على أن تتم في مكان لا يضر بالصغير أو الصغيرة نفسيا“! فهل يجب على الأب أن ينال موافقة الأم لاستضافة أبنائه في بيته ؟!

هل تستفيد الأم حقا؟ بالطبع تستفيد الأم من هذه المادة في حالة واحدة مرضية (بتشديد الياء)! حينما تكون قد طالها أي أذى على يد مطلقها وتجد في يدها نص مادة مجحفة تستطيع من خلالها الانتقام! هذا مع الأخذ في الاعتبار أنها كانت لا تستطيع استخدامها في السابق نظرا للوائح تنظيم الحضانة في ما سبق والتي كانت تنقلها للأب بعد سن معينة، فكان عليها أن تفكر في حالها بعد انتهاء فترة حضانتها، وأن تتحسب مجيء الوقت الذي تصبح فيهالكرةفي ملعب زوجها! ولكن الآن وبعد مد فترة الحضانة وتخيير الشاب أو الشابة حين انتهائها بين الأب والأم، أصبح الطريق ممهدا للانتقام بدون أي رادع! ولكن ما ذنب الطفل، الذي يستخدم للأسف في هذه الحالة المرضية ككرة أو آلة لتنفيذ أسوأ مشاهد الانتقام! ترفض الأم أي اتفاق مع مطلقها ولا ترضى بديلا عن الأماكن التي تحددها المحكمة تحت الحراسة، وهي لا تفكر في مدى الضرر الذي يحل بأولادها الذين يشاهدون والدهم يوقع على استلامهم !!

فماذا عن حقوق الأب ؟! الأب الذي يقتصر دوره على العمل طيلة اليوم من أجل تأمين لقمة العيش ثم يرجع بيته مجهدا منهكا ليأكل فينام ! أليست هذه هي صورة الأب التي جعلت المشرع مرتاح البال وهو يعطي الأب كافة حقوقه من خلال نص هذه المادة؟ كافة حقوقه المتمثلة فيالرؤية“! لا أستطيع سوى أن أقول أنه بموجب هذه المادة يجد الأب نفسه وقد انتفت عنه صفة الأبوة ولا عزاء لمشاعره !

وأخيرا وهو الأهم، أين نحن من إعطاء الحق للطفل في ظل هذا القانون المكدس بالسلبيات المتمثل بعضها في قصر المدة التي غالبا ما تكون ثلاث ساعات أسبوعيا، عدم ملاءمة المكان الذي يتم تنفيذ حكم الرؤية فيه لإقامة علاقة صحية بين الطرف غير الحاضن والطفل، عدم إمكانية اصطحاب الأطفال خارج هذا المكان المكدس، عدم اتخاذ إجراءات قضائية سريعة وملائمة لمعاقبة الطرف الحاضن الذي يماطل في تنفيذ حكم الرؤية، حرمان باقي أفراد عائلة الطرف غير الحاضن وبخاصة الأجداد من رؤية الطفل، وأخيرا عدم تطرق القانون الحالي لاحتمال سفر الطرف الحاضن وحرمان الطرف غير الحاضن من رؤية الطفل إلى الأبد. أين ذلك من حق أطفالنا في علاقة أسرية سوية ؟!

إن الأولوية يجب أن تعطى لمصلحة الطفل على أن يأتي بعده الطرف غير الحاضن، وأخيرا الطرف الحاضن الذي يقتصر حقه هنا على توفير سياج آمن يضمن سلامة الطفل. فهل آن الآوان لأن نسمع الصرخات المطالبة بضرورة تعديل القانون الحالي الذي مضى على تشريعه أكثر من ٧٧ عاما ليشمل حق استضافة الطرف غير الحاضن لطفله يوما كل أسبوع، أسبوعا في أجازة نصف العام، وشهرا في أجازة آخر العام، بالإضافة إلى النظر في القضايا المرفوعة ضد الطرف الحاضن الذي يماطل في تنفيذ الأحكام من قبل قاضي الأمور الوقتية لضمان إجراءات سريعة وفعالة. وأخيرا أرجو أن تتضامن معنا كل القوى الفاعلة في المجتمع القادرة على تغيير هذه القوانين المجحفة. ساعدونا في تغيير حق الرؤية من أجل أولادنا وبلادنا.

لمزيد من المعلومات برجاء الاطلاع على الموقع التالي: www.roaaya.com

شارك:

اصدارات متعلقة

أسئلة وأجوبة بشأن الوقاية من كوفيد 19 ومكافحتها للعاملين /ات في مجال الرعاية الصحية
الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي