أزمة النساء

التصنيفات: غير مصنف

أزمة النساء

قرأت العنوان. ثم قرأت كتاب زمن النساء والذاكرة البديلة (۱۹۹۸). ثم قرأت العنوان من جديد. ثم تساءلت: لماذا غابت كلمة التاريخ من عنوان كتاب همه الأساسي هو التاريخ ؟ وما علاقة التاريخ بزمن النساء؟ هل العلاقة بينهما علاقة تناقض ؟ تكمن إجابة التساؤل الأول في الدلالات والمفاهيم التى أصبحت ملتصقة بمفهوم التاريخ” : كإشكالية الحقيقة، أى تلاشي الخط الفاصل بين الحقيقي والخيالي؛ تداعى فكرة الموضوعية في حد ذاتها وذلك لاتخاذها قناعًا وذريعة لأشكال الانحياز والتطرف والطغيان الفكرى الخفية؛ العولمة وما تتبعه من تجاهل لخصوصية الثقافة، النوع، الجنس، الطبقة؛ فرضية وجود جوهر إنساني ثابت يخضع له الجنس البشرى عامة بغض النظر عن الطبائع والأحوال المغايرة؛ اعتبار شفرة النظام السائد هي المعيار” / القاعدة وكل ما هو مختلف عنها خروجًا عن القاعدة ومن ثم تضمين كل ما يندرج تحت شفرة النظام السائد على أنه طبيعيوإقصاء واستبعاد كل ما هو مغاير على أنه شاذ؛ التمسك بأسطورة الشفافية، أى أن التاريخ، بوصفه علمًا، لا يسمح بالذاتية أو دور التفسير في نقل الواقع ومن ثم تجاهل دور السلطة في ترجمة بل خلقالواقع وإغفال ضرورة تفسير التفاسيروإدراك أن لغة التاريخ ليست علمية شفافة أو صورة طبق الأصل من الواقع بقدر ما هى معبرة عن وجهة نظر السارد الذاتية.

اختفى التاريخالزمن الرجولة من العنوان.

ولكنه لم يختف من زمن النساء“. إن علاقة كاتبات وكتاب الأبحاث الثمانية عشرة التى يحويها الكتاب بالتاريخ لا تنبني على الصراع بهدف الإحلال، هذا بالرغم من أن المرأة تتصدر قائمة ضحايا التاريخ / الزمن الرجولي، حيث أن رفضه والاستعاضة عنه بزمن نسائى لا يؤدى إلا للانعزالية عن التاريخ الذى تقوم عليه شرعية الوجود والذي لا يعد الحاضر إلا نتاجًا له. إنما العلاقة قائمة على التحاورمع التاريخ، أى استحضار واسترجاع الماضى ونقده وتحليله فى آن واحد، وذلك بهدف تنقيحه من انحيازاته وملء مساحات الصمت فيه. تنقب المقالات التي يحويها الكتاب عن أحوال النساء في العصور هل المختلفة. ويتجه هذا البحث اتجاهات عدة : يقوم عماد أبو غازى بقراءة وثائق عقود الزواج من القرن التاسع الميلادى وحتى القرن التاسع عشر، وبتسليطه الضوء على ماض كانت النساء فيه تتمتع بحقوق أكثر من الحاضر (كما ينعكس ذلك على عقود الزواج في الماضي والحاضر) يدفعنا الباحث إلى مساءلة الحاضر وإعادة النظر في موقف التسليم بالحاضر على أنه طبيعيأو على أن النساء فى الحاضر أحسن حالاً من الماضي! وخروجًا عن المألوف في مقاربة أحوال النساء العربيات، تنقب ناديا الشيخ عن صورة المرأة البيزنطية في خطاب الكتاب المسلمين كطريقة غير مباشرة لاستكشاف أيديولوجيات المجتمع الإسلامي فيما يخص المرأة عامة والمرأة المسلمة خاصة. وتعيد فريدة بناني قراءة النصوص الدينية محاولة التوصل إلى القيم الإسلامية العادلة من وراء غمامة الانحياز التى تتمثل في المصادر الفقهية والقوانين الوضعية المتأثرة بالخلفية الاجتماعية والسياسية أكثر من خضوعها للنصوص الدينية الأصلية.

وفي إطار الاتجاهات الحديثة في دراسات تاريخ الأديان تتناول أميمة أبو بكر الرائدات الأوليات من العابدات والزاهدات فى محاولة لتتبع وإحياء الدور التاريخي المنسي للنساء في الحياة الدينية ومساهماتهن في المجال الروحاني الصوفي.

ويضم الكتاب مقالات لباحثات وباحثين من تخصصات مختلفة في العلوم الإنسانية: التاريخ، الفلسفة، علم الاجتماع، علم النفس، النقد الأدبي، الصحافة والإعلام، القانون، وينعكس هذا الاختلاف في تخصصات الباحثات على مناهج البحث غير التقليدية المتبعة. فتتبع كل من أنيسة الأمين مرعي وإيمان بيبرس منهج البحث الأنثروبولوجي فتؤرخان للحياة اليومية المعاصرة للنساء وتملأن المساحات الفارغة فى مصادر التاريخ الرسمية. وإلى جانب تعدد الاتجاهات والمناهج المتبعة، تمثل المقالات تعددية في الاختلاف“: تختلف وجهات النظر في نفس الوقت الذي نجد فيه إجماعًا وتوحدًا على موقف بعينه: موقف مغاير ومضاد للخطاب السائد. أى أن الزوايا والمداخل والمواقف كزمن النساء ذاته في تغاير وحركية مستمرة على مدى الكتاب. وعلى الرغم من تطرق عدد من الأبحاث إلى خطاب الحداثة، إلا أن زوايا تناول نفس الموضوع شتى. تتطرق لهذا الموضوع كل من ميرفت حاتم، نجلاء حمادة، هدى الصدة، سمية رمضان. وتشكك ميرفت حاتم في بحثها في وجود طفرة واضحة في وضع المرأة في مصر في القرن التاسع عشر.

ففى تتبعها لحياة عائشة التيمورية وانهيارها النفسي لإحساسها بالمسئولية عن موت ابنتها كشف لما كان للتحول المحدود نحو الحداثة من أثر تعجيزي مدمر على حياة المرأة. ويرجع ذلك إلى التناقضات التي ينطوي عليها خطاب حداثى يتوقع من المرأة كي تتحررأن تكون رجلاً وامرأة فى آن واحد : تتبنى الدور الرجولي الحداثي وتستمر في أداء دورها الأنثوى (رعاية الأسرة) في سياق الوضع الأبوى السائد. أما اهتمام هدى الصدة فينصب على السير التي كتبت عن عائشة زوجة النبي وكشف الأيديولوجيات التي تنطوي عليها تلك السير، ومدى التزامها بالخطاب الحداثي. وبينما تمثل السير للباحثة موقعًا للاختلاف حول مفهوم الهوية، حيث تكشف عن التوظيف السياسي للسير لفرض مفاهيم للهوية القومية دون أخرى؛ تمثل السير بالنسبة لنجلاء حمادة مرآة لحال المسلمات الأوليات في مقابل الصورة الوهميةلحياة النساء الموجودة في أعمال المنظرين، وتقرن الباحثة السير بالأدب من حيث علاقته الحميمة بالحياة في مقابل التنظير الذي يسعى لقولبة دور النساء في المجتمع، وعلى اختلاف كل من دعاة التقليد ودعاة الحداثة إلا أنهما يتفقان في البعد عن الواقع والخوف من الآخرمما يجعلهم مسيرين بالرغبة في إضعاف موقف العدو / الآخر أكثر من الرغبة في الدراسة الصادقة للواقع. ولتخطى مثل هذا الصراع الأزلي بين التقليد والتحديث وإيمانًا بتشابك الاخترالات الثنائية : الأصالة / المعاصرة فى تاريخ مصر المرتبط بالاستعمار، تدرس سمية رمضان فترة الحملة الفرنسية لتحليل مسألة الحداثة في مصر. ويدفعنا بحثها للتساؤل عن ماهية الحداثة، فإذا كان التحرر هو معيار الحداثة وإذا كانت المرأة المصرية أنذاك تتمتع كما أثبت البحث بحرية جوهرية (قانونية) غير مظهرية (مثل حال المرأة الأوروبية)، ألا يضع ذلك فكرة التراثذاتها في ضوء جديد بعيدًا عن التأخر؟ أفي التراث حداثة؟ ثم ألا يتجسد التأخرالحقيقي في مفكر مر وطنه بتجربة الاستعمار يرى تراثه بعيون مستعمره!!؟

وفي حين يتجه اهتمام أغلبية المقالات إلى عملية الاسترجاع والنقد المزدوجة، أى أن التفكيك ينصب على مضمونالنص التاريخي إلا أن الكتاب يحوى عددًا من المقالات التي تمثل في حد ذاتها معارضة وثورة ضد شكل رسالة التاريخ أى الشكل السردي للنص التاريخي وما يتبع هذا الشكل من تسلسل زمنی، طولی مستقیم للأحداث. إن في توظيف هذه المقالات للخيال والمشاعر إطلاقًا لطاقات خلاقة وإمكانيات لانهاية لها تكمن داخل هذه العناصر، خاصة وأن هذه العناصر طالما ما تم كبتها وإقصاؤها من الشكل السردى التقليدى للنص التاريخي بتأكيده على التسلسل. فنقرأ في مقال أنيسة الأمين مرعي: “امرأة ما بعد الحربكلمات تنقش فيها الكاتبة خصوصية كتابة المرأة : تنوعها، تلقائيتها، مسارها الدوراني وليس المستقيم. هي تنقش اختلافها على النص مبتعدة عن كل ما يعوق الكلمات، يلتحم في كلماتها التاريخ الخاص بالعام: “من أين أبدأ؟ لست على ود مع قرقعة الخارج، إنني ألفة مع الوجوه والعيون والحكى الجواني، الذي لا يسمعه أحد ويبقى حبيس الصدور“. وفى مقالة مريم بوزيد: “النساء بين ذاكرة العجز والتاريخ المعجز، تطلق الكاتبة العنان للخيال المكبوت، فنجدها توظف الخيال في تناولها لإشكالية غياب صوت المرأة من الذاكرة محاولة الوصول إلى ما همش في الذاكرة : “ما أصعب أن نمسك بالخيوط الشفافة الحريرية المتداخلة فى حلقات التاريخ الحديدية“. كما ترجع بذاكرتها إلى نموذج كتابة التيفيناغوهي كتابة تمثل إبداع المرأة فقد اخترعتها البدويات الترفياتوكتين الشعر برموزها وعلى عكس الكتابة الرجولية فإن كتابة التيفيناغ كتابة مرنة حرة مثل خيال مخترعاتها ونظرًا لأن كلا الجنسين استخدماها واشتركا في التخلي عنها فإن الأمل في إحيائها لازال قائمًا. وبذلك من خلال الخيال تخرج الكاتبة من إغلاق الثنائيات المتناقضة، ويحل الاختلاف الجنسى محل التناقض الجنسي الذي يأخذ الأولوية في الكتابة الرجولية.

ويكمن في زمن النساء تغاير في العناصر المركبة وحركية أساسية تؤدى بنا إلى تصور جديد للزمن : فزمن النساء أزمنة دائمة التغير كما تكمن فيه فلسفة للتاريخ قائمة على تصور وفهم جديد للتاريخ كزمن متحرك دائم التغير، متعدد غير أحادى المعنى، متنوع الروايات والتفاسير للحدث الواحد، قابل للتشكيل بطرق شتى.

يحتوي كتاب زمن النساء والذاكرة البديلة ( القاهرة : ملتقى المرأة والذاكرة، ۱۹۹۸) على المقالات التالية:

توفيق بشروش الذاكرة النسائية البديلة؟؛ مريم بوزيد، النساء بين ذاكرة العجز والتاريخ المعجز؛ نهى بيومى، المكبوت فى الزمن المكتوب؛ هدى لطفى قراءة في كتاب السخاوى : النساءناديا الشيخ، الصلة بين الآخر والذات : المرأة البيزنطية فى المصادر الإسلاميةنهوند القادرى عيسى، إشكالية عصر النهضة في الصحافة النسائية اللبنانية: (۱۸۹۲ ۱۹۲۰)”؛ عماد بدر الدين أبو غازى، قراءة جديدة في وثائق قديمة هوامش على بعض الوثائق العربية فى مصر؛ أميمة أبو بكر، قراءة في تاريخ عابدات الإسلامفريدة بناني، النساوية : صوت مسموع في النقاش الديني؛ إيمان بيبرس، علاقتى بأم نادر وشادية : العلاقات المتشابكة بين الباحثة والمبحوثةأنيسة الأمين مرعي، امرأة ما بعد الحرب؛ ميرفت حاتم، دموع عائشة تيمور ونقد خطابى الحداثة والنسوى عن مصر في القرن التاسع عشر؛ نجلاء حماده إنعكاس صورة المرأة بين الحياة الأدب والأصولية والتغريب؛ ريما حمامي، التشكيل الثقافي للجنس، العمل والثقافة : تذكر تجارب العمل لدى الفلسطينيات الريفيات قبل نكبة ١٩٤٨؛ إصلاح جاد، التاريخ المنسى : من يتذكر النساء فى السياسة؛ سمية يحيى رمضان، الحملة الفرنسية على مصر: قراءة من منظور نسوى هدى؛ الصدة، سير النساء والهوية الثقافية : “نموذج عائشة“.

شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي