أنتظر … صكًا شرعيًا

الشركاء: اختيار

كتابة:

نبذة عن الكاتبة:

نسوية في الثلاثينيات من عمري, أهتم بتقاطعية الدين والثقافة. تطور فكري من تاريخ الحركات الاجتماعية ومن النضالات اليومية في وقتنا المعاصر, أحب الاستماع لموسيقى الراي.

كم هو شيء صعب أن أسطر وقائع عشتها تتعلق بأيامي, وجسدي, وتعامل المؤسسات الدينية مع ملايين النساء المصريات, وكيف يؤثر ذلك في حيواتهن. أود أن أقص عليكم قصصي, التي ما هي في إلا مثال لقصص الكثير من المصريات من بنات جيلي. تقبع قصصنا مع أجسادنا في أماكن مظلمة من الذاكرة, يوصمها الشيخ, ويوصمها القسيس, وتعاقب عليها العائلة التي تمثل المجتمع.

ليس من السهل علي أن أحفر في ذاكرتي لأستخرج آلام وإحباطات مرتبطة بما تعرضت له من قهر, أو حتى انتصارات صغيرة، لأنني طوال الوقت في صراع مستمر يستنفذ طاقتي, فقط لأنني ولدت أنثى في مجتمعٍ أبوي؛ أنثى تحكمها كلمات مقدسة، وتمنح هذه الكلمات سلطة طاغية لشخوص, من الصعب مقاومتهم أو معارضة آرائهم.

عن بيتنا

دعوني أحكي لكم قصصي وأسردها حتى نتعرف على جانبٍ مما مررت به. ولدت لأبٍ وأم من أصول غير قاهرية, ولدا في القاهرة, وكانا في الأصل ينتميان إلى الطبقة الدنيا، ثم ارتقيا اجتماعيًا بسبب التعليم, والعمل, ودأبهم على تحسين وضعهم الاجتماعي. سمياني أنا وأخوتي بأسماء ذات خلفية دينية, يسهل بها معرفة أنني أنتمي لعائلةٍ متدينة. كان من السهل أن تلاحظ مظاهر تدين أهلي, ما زلت أتذكر برنامج أمي اليومي في البيت، فهي تؤدي أعمالها المنزلية أثناء الاستماع إلى إذاعة القرآن الكريم, وعند تمام الثامنة مساءً تستمع إلى قارئها المفضل للقرآن, عبد الباسط عبد الصمد، وتأمرنا بالتزام الصمت حتى تنتهي التلاوة. كذلك أصر أبي علي الذهاب في زياراتٍ منتظمة للمشاعر المقدسة في السعودية، وكانت أمي تتمنى لو تصحبه لمرةٍ، لكنها لم تفعل قط. أتذكر صور أمي فور ولادتي حين قررت ارتداء الحجاب, مع أن صورها الأقدم كانت تظهر فيها مرتديةً أحدث صيحات الموضة، مثل معظم النساء في السبعينيات وأوائل الثمانينيات. ما زلت أذكر حرصهم على أن أذهب إلى حضانة المنطقة التي نعيش بها من أجل حفظ قصار سور القرآن. عندما بدأت أدرك الأشياء، عرفت أن أبي يواظب على حضور الدروس الدينية في المسجد. كان يحكي لنا في كل أمسية عند تجمعنا لتناول العشاء عن محاضراته بشكل مبسط حتى أفهم أنا وأخوتي. لاحقًا كان لتدين أهلي بالغ الأثر على حياتي؛ رسموا لي خطوطًا علي ألا أحيد عنها، وكنت قد ضقت بها ذرعًا وحاولت التملص منها.

ألعاب الصغار

ولدت في منزل يجمع أفراد العائلة دائمًا، مما أتاح لنا الصغار أن نلعب معًا، وتكبر معًا.

نحتل البيت وتهرب من الكبار إلى السلم بألعابنا. لم يخلُ لعبنا البريء من محاولات اكتشاف أجسادنا, واللعب بحرية دون قلق, مستكشفين أجسامنا الصغيرة، سواء لعبنا لعبة الدكتور, أو تفحصنا أعضاءنا ببراءةً وفضول طفولي. كان هذا ما يرعب الأمهات, وعلى رأسهن أمي, التي كانت تصرخ دائمًا: “ما تلعبيش مع الأولاد، وتحذرني من أن يمس أحدهم أعضائي الخاصة، وتُردد كلما هممت بالنزول إلى الشارع لألعب مع رفاقي: “اوعي حد يقلعك أو يلمسك“. وعندما سألت مرة لماذا تقولين هذا, ردت قائلة: “لو حد لمسك تحت هتموتي.. عيب كدهربت أمي بداخلي خوفًا من هذا الجزء من جسمي، وكان صراخها يعلو وهي تصف هذا الجزء بأنه غير نظيف. عشت فترةً طويلة من حياتي أتقزز من نجاسة هذا العضو. لم أجد من يشرح لي كيف يعمل جسمي، أو لماذا تُعتبر هذه الأماكن حساسة. خيمت الضبابية على هذه الأعضاء والتشوق لاكتشافها.

اكتشاف اللذة

لم يمنعني صراخ وتحذيرات أمي من أن أكتشف ذاتي وأجد طريقي إلى المتعة الشخصية، ففي سن التاسعة أو ربما الثامنة. امتدت أصابعي الصغيرة لتكتشف أول طرقها للمتعة الجنسية, وكم سيطر علي الخوف من أن أموت لأنني لمست المكان المحظور. لعبت بي الأفكار، فلم أفهم ماذا يحل بي عند الانتهاء، أو لماذا أشعر بهذه الأحاسيس. لم أكن أعرف ما معنى اللذة, لكنني عدت للممارسة عادتي السريةأو متعتي الشخصية كلما يحلو لي، إلى أن وشت بي أختي الصغيرة يومًا ونلت عقابًا شديدًا لكنه لم يمنعني من الحصول على لذتي المسروقة.

الختان

تُختن البنات في عائلتي قبل البلوغ، أي قبل أن تأتيهم الدورة الشهرية. في بداية دخولي سن المراهقة، اتفقت أمي وخالي على ختاننا أنا وأختي وبنات خالي. كان خالي المحب قائد كتيبة الختان, وعاونته أمي في ذلك, خالي الذي لم أعتد منه سوى سيل من الهدايا الصغيرة من الشيكولاتة والحلوى. بدأت محاولة تهيئتنا للختان, وبالصدفة البحتة، تزامنت محاولات ختاني مع عقد مؤتمر القاهرة للسكان في عام 1994، الذي كان يتناول الصحة الجنسية والإنجابية. وفي تغطيتها للمؤتمر، صورت قناة CNN عملية ختان لفتاة صغيرة، مما أصاب الحكومة المصرية بالإحراج الشديد, واستنفر غضب رئيس المؤسسة الدينية الإسلامية شيخ الأزهر الشيخ, جاد الحق علي جاد الحق, الذي أفتى بأن الختان هو سنة من سنن الإسلام، ومن يخرج عنها يخرج عن الإسلام, ضرب الشيخ عرض الحائط بكل المحاولات المضنية لإنهاء مأساة الختان, وسبب مذابح ضد فتيات كثيرات ارتأى أهلها أن يحفظوا قدسية الإسلام ببتر أعضاء بناتهم. في هذه الأيام كنت دودة قراءة صغيرة, أقرأ كل ما يقع أمامي من كتب ومجلات حتى إن لم أفهم كل ما أقرأ. وكانت قراءاتي سبب تمردي على أمي التي أخذت تعدني بملابس جديدة وأطعمة لذيذة بعد انتهاء من عملية الختان, وقالت لي إن هذه العملية مهمة حتى أكبر وأصبح امرأة جميلة. رفضت بعند طفولي ما تقول وصرت أكرر لها مثل الببغاء دون فهم ما كنت أقوله. قلت لها إنني قرأت أن الختان عادة سيئة، وإنني لا أريد أن أجري هذه العملية. استشاطت غضبًا من كلام الجرائد الذي أردده، واتجهت إلى إهانتي وأخذت تقول: “مش هتبقي محترمة وهنلمك من الشققإشارة إلى أنني سأصبح امرأةً سيئة السمعة والأخلاق إن لم أجرِ هذه العملية. عاونت نساء العائلة أمي، وحاولن التحايل على عقلي الصغير بالوعود والأماني الحلوة، لكن كان هناك فرد محوري اكتفى بالصمت ومراقبة الأحداث. كان أبي هو ذلك الصامت الذي أنقذني تدخله حين قال إنه لم يثبت أن الرسول ختن بناته، وأكد لهن أن الختان ليس له أصل إسلامي، وأن حديث أشمي ولا تنهكيحديث ضعيف. وبهذا نجوت من الختان, لكنه مورس ضد بنات خالي الأصغر مني سنا.

عذابات البلوغ

كنت أحلم دومًا بأن أصبح فتى, وأرفض فكرة أنني أحمل جسم بنت. تحاوطني كلمات العيب والحرام التي لا تلاحق الفتيان. إلا أن سن البلوغ في المرحلة الإعدادية حمل لي خبرًا غير سعيد، وهو تأكيد كوني امرأة. بدأت آلامي ومرات إحراجي اللا متناهية مع بروز ثدياي. لم تكن أمى مهتمة أو مدركة أصلاً لأهمية شراء مشدات صدر لي، وتحايلت على ذلك بربط إيشارب على ثديي ببراءة كوميدية، ينتج عنها عقدة واضحة في ظهري، ولم أسلم من تعليقات زميلاتي وزملائي الذين علقوا, إما بخبث, أو رغبةً منهم في تقليل مرات إحراجي بنصحي بأن ربط إيشارب حول صدري ليس حلاً. أنقذتني من هذا المواقف اليومية نصيحة والدة صديقتي المقربة، التي أبلغت أمي بضرورة شراء مشد صدر لأتجنب الإحراج. إلا أن الإحراج لم يتوقف عند هذه النقطة، ففي نهاية امتحانات الفصل الثاني الإعدادي، زارني ضيف ثقيل وهي الدورة الشهرية. كانت الدورة هي العلامة الفاصلة على انضمامي إلى عالم النساء. جريت فزعةً إلى مكتب طبيبة المدرسة لأحصل على فوطةٍ صحية. في التسعينيات لم تكن الفوط الصحية منتشرة, كنا نستخدم قطع القماش, وما أدراك ما يعنيه هذا من انعدام راحة ومواقف سخيفة متكررة. بالإضافة إلى ذلك، لم أتحمل طوفان الأفكار الذي أعقب دورتي الشهرية، كانت الدورة الشهرية جزءًا من أحاديث الفتيات المنحلات, لم ينبهني أحد إلى كيفية التعامل مع الدورة وتفاصيلها من آلام ونظافةٍ شخصية. في بدايات دورتي، أدرك أبي أنني صرت امرأة, أعطاني عددًا من مجلة طبيبكيناقش البلوغ، إلا أن لغته المقعرة حالت دون فهمي. كرهت أنني ضمن زمرة النساء، وسئمت أنا وصديقاتي الصغيرات تصيد زملائنا الذكور لنا، إذا ما تبقعت ملابسنا من الدماء. وإلى جانب السخافات المعتادة, صاحبني شعور بالسخط على اعتباري نجسة, ومنعي من الصلاة وقراءة القرآن أو دخول المسجد. فكرة كوني مدنسة ما زالت تسبب لي الغضب والسخط .

ومع أن مدرستي كانت مدرسة تجريبية, تتبع نظمًا حديثة وخاصة, على الرغم من أنها تابعة للحكومة، فالتعليم الجنسي أو الثقافة الصحية كما كانوا يطلقون عليها لم تطبق علينا إلا في الصف الثالث الإعدادي, كانت أغلب البنات بالفعل قد وصلن سن البلوغ ومرون بتجاربه دون إرشاد من المدرسة. أتذكر يوم جاءت الأخصائية النفسية لتشرح علامات البلوغ، حاول الفتيان السيطرة على الحدث الجلل وتحويله إلى فرصة لإحراج البنات, وما زلت مستاءة إلى الآن لأن الأخصائية لم تفصل البنات عن الفتيان. دارت برؤوسنا مئات الأسئلة لكن لم نجرؤ على طرحها خوفًا من أن نصبح أضحوكة الفصل. وتكررت هذه المواقف السخيفة مع الحملة الإعلانية عن الفوط الصحية التي أهدت كل فتاة منا علبة؛ ومع درس الدين الإسلامي عن الغسل، الذي تحدث عن جنابة النكاح لأطفالٍ لم يبلغوا 13 عامًا، بينما لم تخطط الوزارة منهج التربية الصحية إلا بعدما مر كل الأطفال بتجارب سيئة في بداية دخولهم عالم الكبار. علي الرغم من كل الأسى الذي ما زلت أحمل بقاياه داخلي، فأنا سعيدة أنني حظيت بفرصة للتربية الصحية التي يُحرم منها الكثير من المراهقين في بلدي .

ما بين المراهقة وبدايات الشباب

فرض علي تديني وتدين عائلتي إتاحة كتب معينة في المنزل, بعضها كان مرعبًا يتناول عذاب القبر والآخرة، إلا أن أكثر هذه الكتب رعبًا على الإطلاق كان عن العادة السرية أو المتعة الشخصية كما يحلو لي أن اسميها, كان غلاف الكتاب عبارة عن يدٍ تقطر دمًا، وكان الكتاب يتمحور حول حديث للرسول يقول إن ناكح اليدملعون وخارج عن رحمة الله, ويسهب الكتاب في أضرار المتعة الشخصية من فقد النظر، وفقدان العذرية, إلى العقم. ما زلت أتذكر إحساسي بالذنب والقرف بعد كل مرة ألمس فيها نفسي, وصاحبني هذا الإحساس سنواتٍ، يؤرقني ويمحو حسناتي التي أجتهد في كسبها كمؤمنة. كنت أعاني وما زلت بين تلبية احتياجاتي الطبيعية، وبين إيماني. طالما وجدت نفسي أقع بين جرفي جبلين؛ بين احتياجات طبيعية لا أستطيع كبتها أو وصمها، وبين تعاليم دينية تحجز لي مقعدي من النار بسبب دقائق من اللذة الخاطفة, كل هذا بجانب خوفي من عقاب أهلي. أحسست يومها أنني أخبئ سرًا إذا اكتشفه الأقربين من الناس سيعاقبونني، وعنما أقابل الله, سأقابله حاملة خطيئتي بين يدي، لأنني استجبت لرغبات جسمي الغض. ما زلت أتذكر صباحاتي التي أغتسل فيها من آثام ما ارتكبت, وفزعي من أن أؤذي بكارتي. خوف وإثم وقلق صاحبوني بسبب محاولة بسيطة لإشباع رغباتي الطبيعية.

اختلفت نظرتي للأشياء وأنا أكبر, وكان أحد عوامل اختلاف الأشياء هو دخول الإنترنت لمصر, قادني وازعي الديني إلى التعلق بموقع ديني اجتماعي, وهو إسلام أون لاينالذي تحول منتدى الشباب فيه إلى أسئلة لا تتوقف عن الحياة الجنسية، وتحول الأطباء المجيبين المتخصصين في إجابة الأسئلة إلى خبراء في المثلية, وغشاء البكارة، وأنواع الإفرازات المهبلية. أخذوا يحرمون ما يحرمه الشيوخ، لكن بشكلٍ مغلف بوعظ طبي. صارت أي ممارسة جنسية خارج إطار الزواج تعني اللعنة في الآخرة والمرض في الدنيا، حتى داخل إطار الزواج, حرموا الجنس الفموي وعللوا ذلك بأنه يسبب سرطان الفم واللثة.

لم يسُقني فضولي إلى استكشاف الحلال والحرام على الإنترنت, انخرطت في مشاهدة الأفلام الإباحية، هالني العنف في الأفلام والمعاملة السيئة للنساء، لكن رغم ذلك، كان عالمًا ينفتح أمامي. تعلمت عن أدوار النساء والرجال المتوقعة, وتشكل لدي وعي مغلوط بكمية من العنف, وانعدام أي معايير صحية أو حتى عواطف وظللت أختلس الأوقات لأتابع فيلم إباحي، إلى أن انتهيت بعد سنوات من التورط مع الأفلام السيئة إلى حلٍ أفضل، وهو مشاهدة الأفلام الإباحية المعدة خصيصًا للنساء، التي ينعدم فيها العنف وتُغلَّف برداءٍ رومانسي إلى حد ما. وثانيةً تعقبني شبح الإثم، لكنني كنت قد تصالحت معه، وتحملت وطأته.

بدايات علاقة

مع لم أدخل في علاقاتٍ عاطفية حتى بلغت التاسعة والعشرين. أحببت الكثيرين، لكن من طرفٍ واحد. وحين قابلت أول حبيب كنت قد قمت بثورتي الخاصة, الموازية لثورة مصر، فأعلنت العلاقة على الفيسبوك، وتزامن ذلك مع توقفي عن ارتداء الحجاب مما أدخلني في دوامةٍ لا تنتهي من المشاكل أسرتي وأصدقائي المتدينين. استمتعت باختبار أشياءٍ لأول مرة؛ أول كلمة حب , وأول لقاء. لم تمضِ العلاقة سلسة في مجملها، فقد ظللنا أنا وهو نتفاوض بشأن قبلتنا الأولى، وذات يوم كان يحاول التمهيد لانخراطنا في ممارسات جنسية، فطلب مني أحكي له عن رغباتي وأفكاري في ما يتعلق بالجنس، استجبت وحكيت، وفاجأني بوصمي بعدم الحياء لأنني حكيت, وترني ذلك وقررت ألا أتفاعل معه.

حتى حين كنا نناقش الزواج وموانع الحمل كان يرفض رفضًا باتًا أن أستخدم الواقي الذكري متعللاً بأنه ليس جيدًا للعلاقة بيننا، وكان من الأسهل له أن أستخدم أنا موانع الحمل, وأمر بكل المشاكل الهرمونية التي تتبعها. أتذكر قبلتنا الأولى، ظل يعطيني أوامر ويتأفف من خجلي المبالغ فيه، ويعلمنيماذا يجب أن أفعل, وما علي ألا أفعل. على الرغم من لطف الذكري, فإن أوامره, وتسيده للموقف، أضفى عليها شيئًا سخيفًا، صار يختلط بأول

ذكرى أمارس فيها تجربة جنسية. ذكورية حبيبي كانت واضحة في أفعاله كلها، لكن الجانب الحميمي كان يؤلمني أكثر، كنت أتمنى أن أجده رومانسيًا وأرق، وطالتني أشباح الندم والإثم بسبب قبلاتي السريعة, مثلما طالتني وأنا أمارس المتعة الشخصية وأتابع أفلامًا إباحية, اختلطت المتعة بالندم والشعور بالإثم .

شبكة دعم

كافأني الزمن بصديقات شكلن شبكة دعم لي, صديقات المدرسة كن متدينات لهن نفس خلفيتي، لكن صديقات ما بعد الجامعة نسويات ولا يشغل بالهن ما قاله الله أو ما قاله الرسول, يحاربن من أجل زيادة هامش الحرية المتاحة لهن في مجتمع ذكوري. خضنا محاورات كثيرة أسهمت في تغييري بشكل كبير. أخذ التغيير وقتًا كبيرًا ليحدث، فليس من السهل الانتقال من عقلية متدينة منغلقة إلى عقلية تبحث عن الحرية والاستقلال. خضنا معنا معارك صغيرة لنُثبت أن بإمكاننا فعل ما يحلو لنا دون أن نضر بالآخرين، كان فعل تدخين الأرجيلة فعلاً ثوريًا، وارتداء بنطال ضيق إنجازًا. إلا أن الأيام لم تقدم لنا تحديات سهلة فقط, بل أصابتنا أحداث قسمت ظهورنا, تحديدًا مرور إحدانا بتجربة إجهاض. كانت إحدى صديقاتي في علاقة تضمنت ممارسة الجنس، إلا أن حقارة صديقها وتهاونه في شراء واقيات ذكرية جيدة أدت إلى حملها, وتهربه الكامل وعدم دعمه لها في تجربتها القاسية. زرنا عيادات أطباء سيئي السمعة, ومررنا بسخافات كثيرة, إلى أن تعرفنا إلى طبيبة تؤمن بحرية امتلاك الجسد وصفت لها حبوب للإجهاض. أضافت هذه التجربة إلى عمرنا سنوات، لكن تضامننا كان أهم ما ساندنا وعزز قدراتنا على التماسك أمام ما واجهناه من صعاب.

امتلاك جسدي

بلغت نصف الثلاثين وما زلت عذراء. لم أحسم قط جدلية العذرية. كل مرة أتخيل نفسي مع أحد رفاقي في علاقة جنسية كاملة تقفز إلى ذهني آية والحافظين فروجهم والحافظاتأو وصف الرسول لعذاب الزناة وأن فروجهم تسيح لتشكل أنهارًا مدنسة في جهنم. ومع أنني أخشى فقد عذريتي خارج مؤسسة الزواج، فإنني ارتضيت فعل أشياء جنسية ترضي رغباتي إلى حد ما مثل المحادثات الجنسية أو القبلات المسروقة. لكن ما يوترني بشدة، هو أنني أدعي أنني أسعى لإشباع رغباتي مع الحفاظ علي شعرة معاوية التي لا تخرجني من زمرة المؤمنين. يفرض علي الخيار الرمادي الكثير من الإحساس بالذنب وجلد الذات، فمع كل إطفاء للشهوة تأتي أسئلة تهاجم عقلي المتردد. أكره أنني لا أتحكم في جسدي, أو أملكه, وأتركه عرضة لما قال الشيخ فلان والفقيه علان، وأكره أنني أرقص علي الحبال، فبشكل ما أرضي رغباتي وأشارك لحظات حميمة مع ذكور أغراب, لكني أحافظ في الوقت نفسه على هذا الغشاء الذي يصنفني شريفة“. أكره رمادية موقفي وأكره أنني أرضخ لصريخ الشيوخ وتهديداتهم، وأمقت خوفي وترددي. لا أملك إلا أن أنتظر زوجًالينهي سنينًا من العذرية المُقنعة، أنتظر رجلًا وصكًا شرعيًا لأمارس أحد حقوقي كاملاً.

 

قصصي عن حياتي, وحياة صديقاتي وأثر سلطة الشيوخ والأصوليين فيها، تتشابه مع قصص نساءٍ أخريات في العالم الإسلامي، فنزع حجاب قد يؤجج معركة خطابية، ويؤرق شيخ فيقوم ليخطب لاعنًا الفتاة التي لم تلتزم بشعائر الإسلام، فيما يحول سعي النساء لجنسٍ أو إجهاض آمنين حياة الشيوخ إلى جحيم. لا يقتصر الأمر على الشيوخ، بل يتواطأ المتشددون مع الشيوخ فيصدر الأطباء أحكامًا أخلاقية علي الممارسات الجنسية لا تمت للطب بصلة, ويؤدي المتحابون والمتزوجون أدوارًا أبوية تجعل الحياة أصعب. ومع أن توثيق القصص يعتبر قوة وثورة ضد الأبويين الذين يراقبون أجساد النساء ويطوقونها بمئة قيد وقيد، فهي تنكأ الجروح، وتجدد شعوري بالإثم والذنب والأسى والقرف, وأتساءل لماذا يكتسب أناس قوتهم من السيطرة على أجساد النساء وتحديد خياراتهن.

شارك:

اصدارات متعلقة

أسئلة وأجوبة بشأن الوقاية من كوفيد 19 ومكافحتها للعاملين /ات في مجال الرعاية الصحية
الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي