إشكاليات أخلاقية ومنهجية في بحوث العنف ضد النساء في جنوب أفريقيا

التصنيفات: غير مصنف

إشكاليات أخلاقية ومنهجية*

في بحوث العنف ضد النساء في جنوب أفريقيا

لقد أثارت الخبرة الدولية المتعلقة بإجراء البحوث حول العنف ضد النساء، سواء المتعلقة بالنساء اللاتي عانين من العنف أو بالرجال الذين يمارسونه عددًا من القضايا الأخلاقية الملحة. وتستند هذه الورقة على الخبرات الجماعية الناتجة عن ثلاثة مسوح ميدانية مهمة حول العنف ضد النساء في جنوب أفريقيا، وعلى مسح ميداني حول نفس الموضوع في زيمبابوي. إن تلك النتائج معنية بالأساس بأمان الباحثين وأمان الأطراف المبحوثة وذلك في علاقته بالمشروع البحثي. وتندرج في هذا الإطار المخاطر الناجمة عن حدوث صدمات نفسية لدى المبحوثين والباحثين بسبب استعادة تجارب وخبرات عنيفة. كما تتناول أثر هذا الموضوع على الحياة الخاصة للباحثين،وخطورة الوقوع في التقليل من شأن وحجم العنف المرتكب أو الذي عانى منه الطرف المبحوث، والإشكالية المرتبطة بأهمية مساهمة هذه الجهود البحثية في تطوير آليات مفيدة بالنسبة للنساء مثل توفير الدعم اللازم، ونشر المعلومات، وإدخال التغييرات التشريعية والسياسية. تبحث الورقة التي بين أيدينا كيفية التعامل مع هذه المسائل في البحوث من خلال الخبرة المستقاة من البحوث السابق ذكرها في جنوب أفريقيا حول العنف على أساس التمييز بين الجنسين، كما تشير إلى الدروس المستفادة حول هذا الموضوع وموضوعات حساسة أخرى في مجال بحوث الصحة الإنجابية والجنسية.

في إطار الاهتمام المتزايد بموضوع العنف ضد النساء يتم إجراء مجموعة متنوعة من البحوث من أجل التعرف على حجم هذه الظاهرة، وأسبابها وعواقبها ،وذلك بهدف تطوير التدخلات المناسبة في هذا المجال. ركزت البحوث الأولى في هذا المجال على توثيق خبرات النساء اللاتي تعرضن للعنف ولجأن للخدمات الداعمة كبيوت الإيواء على سبيل المثال. كما يتم حاليًا وبوتائر مرتفعة استكمال تلك البحوث من خلال إجراء دراسات ديموغرافية متنوعة تتضمن المسوح الأسرية على عينات عشوائية من النساء ولقاءات مع عينات عشوائية من الرجال حول السلوك العنيف تجاه النساء، وذلك بالإضافة إلى البحوث الكيفية المتعمقة حول ديناميكيات العنف. لقد شارك العديد من الباحثين الذين درسوا العنف النوعي الواقع ضد النساء في البلدان النامية خلال العقد الماضي في الشبكة الدولية للبحوث حول العنف ضد النساء وقد أبرزت خبراتهم الجماعية مدى المخاطر الناجمة عن البحث في هذا المجال. تتعلق هذه المخاطر بأمان كلاً من المبحوثين والباحثين، وبالحاجة إلى حماية السلامة النفسية لكليهما، وبتأثير مجال البحث على العلاقات الخاصة للباحثين، وبخطر الوقوع في التقليل من شأن الظاهرة. كما تبرز حاجة ملحة إلى ربط هذه البحوث بإجراءات مناسبة. ( 1& 2)

لقد مثلت تلك البحوث مصدرًا هامًا للوثيقة التي أصدرتها منظمة الصحة العالمية بعنوان أمان النساء له الأولوية” (Women’s Safety First). حددت الوثيقة التوصيات الأخلاقية والأمنية فيما يتعلق بالبحوث المعنية بالعنف الأسري (شكل رقم ۱)، وناقشت أفضل السبل لإجراء هذه البحوث. (3 & 4) بنيت تلك التوصيات على أساس الخطوط العامة التي تم إعدادها في سياق دراسة منظمة الصحة العالمية عن صحة النساء والعنف الأسري في عدة بلدان. وتستهدف تلك التوصيات استكمال الخطوط العامة المرشدة الموضوعة عالميًا حول أخلاقيات البحث الطبى والتى تغطى جوانب المشاركة الطوعية والقبول المعلن. (٥)

الخبرات الجماعية التي يتم تناولها هنا نابعة من العمل في أربعة دراسات مسحية حول العنف ضد النساء في جنوب أفريقيا (جدول رقم ۱). كما أجرينا دراسة إثنوجرافية على الرغم من أننا لن نتعرض هنا للقضايا

شكل رقم (۱)

توصيات أخلاقية وأمنية للبحوث حول العنف الأسري

  • أهم أمر هو أمان المبحوثين والفريق البحثي،وبالتالي ينبغي أن يحكم هذا كل القرارات المتعلقة بالمشروع.

  • يجب أن تبنى البحوث المتعلقة بانتشار الظاهرة على الخبرة البحثية الحالية في كيفية تقليص نقص الإفادة عن الإساءة. Under reporting

  • حماية سرية المعلومات أمر أساسي لضمان أمان النساء ونوعية البيانات التي يتم الحصول عليها.

  • يجب اختيار أفراد الفريق البحثي بعناية فائقة، وينبغي توفير التدريب المتخصص المناسب والدعم الدائم لهم.

  • ينبغي أن يتضمن تصميم الدراسة عدد من الخطوات بهدف التقليل من احتمالات حدوث أية آلام مترتبة على الخوض في موضوع البحث.

  • يجب تدريب الباحثين الميدانيين على إحالة النساء اللاتي يطلبن المساعدة إلى جهات الدعم المتوافرة. وحيث أن هذه الجهات محدودة، قد تتطلب إجراءات البحث خلق آليات دعم قصيرة المدى.

  • تقع على الباحثين والجهات المانحة مهمة أخلاقية تتمثل في التأكد من أنه يتم التعامل مع نتائج البحث بالطريقة السليمة من أجل تطوير السياسات المناسبة وتحديد مجالات التدخل.

  • لا ينبغي أن تتضمن المسوح المتعلقة بمجالات أخرى أسئلة متعلقة بالعنف إلا إذا توافر الضمان التام بتلبية المتطلبات الأخلاقية والمنهجية.

الأخلاقية التي أبرزتها تلك الدراسة على وجه الخصوص. كانت أولى الدراسات عبارة عن مسح أسري أجري في مقاطعة ميدلاندز بزيمبابوي عام ١٩٩٦. (٦) ثم تلتها ثلاث دراسات أجريت عام ۱۹۹۸ في جنوب أفريقيا وهي دراسة المقاطعات الثلاثة (٧)، والمسح الديموغرافي الصحي (۸) ودراسة حول الرجال في كيب تاون (9).

إحدى السمات الخاصة بالبحوث الميدانية حول العنف ضد النساء هي أنها قد تؤدي إلى توليد المزيد من العنف، بمعنى أن الطرف الذي يمارس العنف قد يذهب إلى ممارسة العنف بطريقة ثأرية ضد المبحوثين والباحثين. وعلى سبيل المثال، أفاد الباحثون في إحدى الدراسات حول الاغتصاب الجماعى في المدن الجامعية في كندا أنهم تلقوا تهديدات بالقتل غير موقعة (١٠). أما بالنسبة للدراسات حول السلوك العدواني للرجال، فثمة خطر من أن يشعر أحد هؤلاء الرجال بأن سلوكه قد تم تقبله أو التغاضى عنه، أو بأن أفعاله لن يتم الإفادة عنها أو التصدى لها بالطريقة المناسبة. وبالتالي يصبح من الضروري ضمان عدم تعريض النساء لأية مخاطر كنتيجة للدراسة. وقد قدمت منظمة الصحة العالمية توصيات خاصة بهذا الصدد كما هو مبين في شكل رقم ٢.

لقد بذلت جهود كبيرة في المسوح التي أجريت في زيمبابوي وجنوب أفريقيا لضمان ألا يعرف أي إنسان سوى المبحوثة وحدها أن البحث يتضمن أسئلة حول العنف ضد النساء. ولهذا السبب بالذات تم الإشارة إلى هذه الدراسات على أنها مسوح حول صحة النساء، وذلك في الحالات التي تطلبت تدخل بعض القيادات المحلية للوصول إلى النساء. كما تم حظر اطلاع أي شخص من خارج الحالات المبحوثة على استمارة الاستبيان حتى في حالة المطالبة بذلك. وبالتالي، اقتصرت معرفة مضمون الدراسة أي العنف ضد النساء على المبحوثات اللاتي تم اختيارهن وقبلن ذلك. وحيث أنه كان يتم استجواب امرأة واحدة من كل أسرة، فقد جهلت الأخريات مضمون الاستبيان. وقد تم توصية المبحوثات في نهاية الاستجواب بعدم إدلاء معلومات مفصلة للآخرين حول طبيعة الاستبيان وذلك

جدول رقم (۱)

نظرة عامة حول الدراسات الخاصة بالعنف ضد النساء

المكان والعام

المكان والعام

المحيط

أهم مجالات العنف

مقاطعة ميدلاندز، زيمبابوي، 1996

عينة ممثلة من ٩٩٦ أمرأة فوق سن ۱۸

الأسرة مع إستجواب إمرأة واحدة من كل أسرة

خبرات تتعلق بالأساءة الجسدية ،والنفسية والجنسية، والحرمان الإقتصادي منذ سن ١٦ سنة خلال العام المنصرم، وطوال الحياة

إيسترن كيب، مقاطعات مبومالانجا ونورثرن، جنوب أفريقيا، 1998

عينة ممثلة من ۱3۰٦ امرأة في الشريحة العمرية 18 – 48

الأسرة مع إستجواب حالة واحدة من كل أسرة

خبرات تتعلق بالإساءة الجسدية ،والنفسية،والجنسية،والحرمان الإقتصادي خلال العام المنصرم،وطوال الحياة

المسح الديموغرافى الصحى لجنوب أفريقيا،۱۹۹۸

عينة ممثلة على المستوى الوطنى مكونة من ١١٧٣٥ أمرأة في الشريحة لعمرية ١٥ ٤٩

الأسرة مع إستجواب كل النساء التي تنطبق عليهن المعايير داخل الأسرة

خبرات تتعلق بالإساءة الجسدية والجنسية، والحرمان الإقتصادي خلال العام المنصرم، وطوال الحياة والإساءة الجنسية قبل سن ١٥ سنة

كيب تاون، جنوب أفريقيا، ۱۹۹۸

١٤٢٢ أمرأة عاملة

مكان العمل

خبرات ومواقف تتضمن الإساءة الجسدية والجنسية التي يمارسها الشريك خلال العقد الأخير والتكتيكات الخاصة بالعلاقة

في حالة دراسة المقاطعات الثلاثة وبطبيعة الحال، لم تكن هناك وسيلة لمعرفة مدى الالتزام بتلك النصائح. أما في حالة المسح الديموغرافي الصحي، حيث تم استجواب كل نساء الأسرة الواحدة، لم يكن ممكنًا الحفاظ على السرية ربما تقل أهمية السرية في حالة مسوح تتضمن أسئلة في مجالات متعددة ومتنوعة، إلا أن هذا قد يؤثر على معدلات الإفصاح وعلى سلامة المبحوثات. وتبرز الحاجة إلى إجراء بحوث المتابعة لمعرفة ما إذا كان استجواب أكثر من امرأة في الأسرة قد يؤدي إلى حدوث إساءة.

لقد تم تدريب الباحثين على إجراء الاستجوابات في خصوصية تامة. وقد تطلب ذلك أحيانًا إجراء بعض المقابلات في سيارة الطاقم البحثي أو تحت شجرة، أو تأجيل بعض اللقاءات إلى وقت لاحق حينما لا توفر ظروف المنزل الهدوء المطلوب. ففي بعض الأحيان، كان يوجد بالمنزل من يحاول مراقبة اللقاء وقد تم التحايل على ذلك الوضع بقيام المشرف على العمل الميداني بشغل هذا الشخص أثناء اللقاء. إن أهمية اتباع هذه الإجراءات ظهرت بوضوح في أحد اللقاءات التي أجريت في زيمبابوي فقد وافق أحد الأزواج على إجراء لقاء مع زوجته، ولكنه أعرب عن رغبته في حضور اللقاء. حينئذ قام بعض أعضاء الفريق البحثي بإجراء مناقشة معه بحجة شراء دجاجة منه أثناء هذا الوقت كانت الزوجة تفصح بأن زوجها كان ينام معها وهو يحمل سكين تحت الوسادة. كما أشارت إلى أنه يهاجمها في أحيان كثيرة وأنها اضطرت إلى العلاج في المستشفى مرات عديدة. أيضًا تم توجيه

شكل رقم (۲)

ضمان الأمان

  • ينبغي تأمين خصوصية الاستجوابات.

  • لا يجب أن يتم الإعلان بطريقة واسعة عن مضمون الدراسة.

  • يجب استجواب أكثر من امرأة واحدة داخل كل أسرة.

  • يجب توفير التدريب المناسب للباحثين، بحيث يتم التوقف عن الكلام أو تغيير الموضوع إذا تبين لهم أن هناك تنصت على الاستجواب.

  • ينبغي أن تسمح الميزانيات بإجراء أكثر من زيارة إذا تطلب الأمر ذلك، أو إذا اضطر فريق البحث إلى تأجيل اللقاء.

  • ينبغي الحرص على تأمين الباحثين كتوفير مرافق ذكر مع الفريق البحثي أو في المقابلات الثنائية

الباحثين الميدانيين إلى تغيير موضوع الحديث لو شعروا أن هناك تدخلاً خارجيًا، وصولاً إلى وقف اللقاء لو فشلت محاولتهم في تجنب إثارة أية شكوك. كما كان يتم الاتفاق مع المبحوثات في بداية اللقاء على مثل تلك الإجراءات ،وقام فريق البحث في زيمبابوي بوضع مجموعة من الأسئلة الشكلية حول استعمال وسائل منع الحمل، وذلك تسهيلاً لجوء إلى هذه الأسئلة في حالة وجود أطراف خارجية.

كذلك كان هناك حرص على الحفاظ على خصوصية وسرية المعلومات بعد جمع البيانات، حيث لم يتم تدوين أية أسماء أو عناوين في كل الدراسات المذكورة. وبالتالي،فإن البيانات الوحيدة المدونة كانت تتعلق بأماكن الزيارات وبأرقام سرية. وقد سمحت لجنة الأخلاقيات بمجلس البحوث الطبية في جنوب أفريقيا بالحصول على الموافقة الشفهية للمبحوثات كنوع من الضمانة للحفاظ على الخصوصية والسرية وتم توجيه المبحوثات إلى الحرص على عدم الوقوع في خطأ النميمة.

اتضحت أهمية كل ما سبق في إحدى الدراسات المذكورة حينما اكتشف الباحثون القادمين من مناطق مختلفة أنهم يعرفون الأسرة التي يزورونها. أما أهمية الحرص على تخزين الاستبيانات بعد تعبئتها في أماكن آمنة، فقد أكدت عليها إحدى الباحثات في جنوب أفريقيا حينما أشارت إلى أن والدتها قد عثرت على بعض الاستمارات في حجرتها واطلعت على ما بها من بيانات. وقد فضح الأمر فقط حينما تبين أن الأم راحت تشيع ما قرأته في كل أرجاء القرية. كما تم الحرص دائمًا على أمان الباحثات، حيث قد يحدث أن يصب رجل غاضب من استجواب زوجته جم عنفه على الباحثة. وبالتالي، فإن الاحتفاظ بسرية موضوع البحث قد أفاد أيضًا في حماية الباحثات. إضافة إلى أنه تم تدريبهن على الانصراف مباشرة من المكان الذي لا يشعرن فيه بالراحة وكانت السيارة الخاصة بالبحث الميداني تقف دائمًا على مقربة من المكان لإمكانية استعمالها بسهولة حينما تبرز الحاجة إلى ذلك. وقد حدثت واقعة واحدة في إحدى الدراسات،ظهر فيها الزوج في منتصف الاستجواب وهو قادم من بار وأشهر مسدسًا نحو الباحثة مطالبًا إياها باطلاعه على الاستبيان. وقد سلمت له الباحثة نسخة من الاستبيان باللغة الإنجليزية، انطلاقًا من أنه لا يقرأ هذه اللغة على الأرجح، وبالتالي ليس هناك غضاضة في ترك هذه النسخة بين يديه. إلا أنه في هذه الحالة أصبحت العودة لاستكمال اللقاء مع الزوجة أمر غير مأمون.

أما اللقاءات مع الرجال في مكان العمل فقد اتسمت ببعض الاختلاف. فلم تكن القضية هي الأمان الجسدي للمبحوثين، بل تعلقت المسألة بخوف الرجال من إبداء معلومات قد تنتشر وتستعمل ضدهم في التحقيقات حول النزاعات التي تحدث في أماكن العمل. بناء على ذلك، تطلب الأمر المزيد من الحرص في الحفاظ على سرية المعلومات والأشخاص. كما مثل التحرش الجنسي بالباحثات مشكلة أخرى، وخاصة ما ارتبط بتعليقات الرجال حينما يرونهن في المواقع المختلفة. وقد شكل ذلك مصدرًا للصراعات الداخلية لدى الباحثات حيث كانت تدفعهن غريزتهن إلى الرد على تلك الإهانات بينما قد يؤدي ذلك إلى تعريض الدراسة للفشل. وقد تحايلن على مثل هذه الأمور بارتداء غطاء للرأس مما جعل الرجال أكثر احترامًا. إلا أننا لا نعرف مدى تأثير آليات البحث. سواء بالإيجاب أو بالسلب على سلوك الرجال مع زوجاتهم.

على الرغم من أن العديد من المبحوثات قد رحبن بفرصة التحدث عن العنف الذي يعانين منه في حياتهن،إلا أنه ينبغي أن نعي أنهن يقمن بتذكر مواقف غاية في التعاسة. ويعشن بالتالي لحظات من الضعف الشديد يجب التعامل معها بحرص شديد حتى لا تتحول إلى صدمات نفسية لهؤلاء النساء مع تفاقم الشعور بالذنب، وباليأس،وبفقدان الثقة في النفس. وتأكيدًا على صحة مثل هذه المخاطر، نشير إلى أن إحدى النساء اللاتي خضن استجوابًا مماثلاً في كمبوديا قد قامت بالانتحار بعد انتهاء اللقاء (۱۱). وتعاني العديد من النساء المعنفات من صراعات داخلية تتعلق بالوفاء لشريك الحياة،وقد يشعرن بضيق من الإجابة ببساطة على أسئلة تبرز جوانبه السلبية. كما قد تصاب الباحثات الميدانيات بالاكتئاب بسبب الاستماع باستمرار إلى قصص تعيسة مع عدم القدرة على التدخل لإصلاح الأمور.

وكثيرًا ما تعتقد النساء المنتميات إلى مناطق ينتشر فيها هذا النوع من العنف أن المرأة قد تستحق الضرب في بعض الأحيان، أو أن هذا قدرالنساء وعلى المرأة تحمله دون شكوى. إن مجرد تشكيل فريق بحثي من النساء وصياغة الاستبيان بطريقة حساسة لا يكفي لضمان عدم حياد الباحثات تجاه قصص النساء المستجوبات. ذلك أن أي صدام قد يحدث بين الباحثة والمبحوثة لا يتم تدوينه كتابيًا. ففي دراستين بجنوب أفريقيا لاحظنا فروق مهمة في معدلات العنف قد تعود إلى رؤى مغايرة للعنف لدى الباحثات.

إن تجربتنا تشير إلى أنه قد يجدر في مرحلة اختيار الباحثات استطلاع مواقفهن من مسائل كالعنف الأسري والاغتصاب ولوم النفس، فقد اتضح في حالة المسح الديموغرافي الصحيعدم صحة الافتراض بأن الباحثات يمتلكن الرؤية السليمة. وقد يكون من المفيد استعمال استبيان قصير تقوم كل باحثة بتعبئته بنفسها مع مناقشتها على انفراد فيما بعد. كما قد يؤدي هذا الاستبيان إلى اكتشاف بعض المهارات المفيدة الأخرى. ومهما كانت الأفكار التي تعبر عنها الباحثات، فإن تدريبهن ينبغي أن يتناول قضايا مثل لوم النفس والخجل المرتبط بالعنف ومسألة بقاء النساء مع رجال يمارسون العنف ضدهن. ولو اتضح في أية مرحلة من المراحل أن الباحثة لديها مواقف غير سليمة تجاه المبحوثات، ينبغي إبعاد هذه الباحثة على الفور من العمل الميداني. ومن الأهمية بمكان التأكيد على إمكانية حدوث ذلك وقت التعاقد معهن. لقد تضمنت كل دراسة من الدراسات عددًا من الأسئلة تستهدف إتاحة الفرصة للنساء للتعبير بطريقة إيجابية عن أزواجهن، إن رغبن في ذلك من أمثلة هذه الأسئلة: هل لمسك بطريقة حنونة؟ هل قبلك؟ هل أخذك في حضنه ؟ هل قال لك مرة أن شكلك لطيف؟ إلا أن هذه الاستراتيجية تضمنت هي الأخرى إشكاليات معينة حيث لم تتمكن النساء دائمًا من الرد على تلك الأسئلة بالإيجاب. وحتى في الحالات اللاتي كن إيجابيات فيها، كان هناك احتمال أن يكون ذلك مجرد أحد مراحل دورة العنف. كما قد تؤدي مثل هذه الأسئلة إلى توليد شعور لدى النساء بأن شركائهن ليسوا سيئين جدًا في نهاية الأمر.

هناك أيضًا مسألة على جانب كبير من الأهمية وهي أنه في كل الدراسات وفي نهاية اللقاءات التي تم فيها سرد وقائع متعلقة بالعنف، قامت الباحثات بالتأكيد على أهمية الدراسة، وعلى عدم أحقية معاملة النساء بهذه الطريقة كما قمن بتوفير المعلومات والبيانات حول جهات ومصادر للمساعدة. إن التأكيد على شجاعة وقوة النساء في الاستمرار في الحياة والاستعداد لمناقشة تجاربهن القاسية أمر يحمل أيضًا أهمية كبيرة، خاصة وأن النساء ضحايا العنف يحملن نظرة دونية لأنفسهن نتيجة لتكرار العنف والتحقير الذي يتعرضن له.

وقد أشارت العديد من الباحثات أن المبحوثات كثيرًا ما شعرن بأن الاستجواب صعب وأنهن في حالة انهيار. وقد تم توجيه الباحثات بوقف الاستجواب في هذه الحالات،رغم أنه نادرًا ما ترغب المبحوثات في ذلك. وقد تضمن التدريب على البحث الميداني مناقشة هذا الكرب الذي تشعر به المبحوثات من أجل تأهيل الباحثات على مواجهة هذه المواقف. كما يتضمن التدريب الحصول على المهارات الأساسية للاستماع والقدرة على توفير الدعم المعنوي والمعلومات للمبحوثات المكتئبات. وقد اتضحت أهمية وجود بيانات ومعلومات حول مصادر الدعم المتاحة لكل من الباحثة والمبحوثة. فقد تضمنت كل دراسة من الدراسات قائمة بأسماء وعناوين هيئات داعمة يتم تسليمها للمرأة المستجوبة بغض النظر عن وضعها الحالي. وقد تضمنت هذه القوائم أسماء جهات تتعامل مع قضايا أخرى غير العنف بهدف عدم تعريض القوائم للخطر في حالة وقوعها بين أيدي أطراف أخرى.

كما كان يتم تشجيع الباحثات على التحدث يوميًا عن تجاربهن الميدانية بهدف استكشاف مشاعرهن والتعبير عنها. وكان ذلك يحدث غالبًا في طريق العودة إلى مكان المبيت أو بعد تناول العشاء. وكانت الشبكة الدولية للبحوث حول العنف ضد النساء قد لفتت انتباه الفرق البحثية قبل القيام بالعمل الميداني حول ضرورة اكتشاف أية علامات إرهاق تبدو على الباحثات. وقد شهدت زيمبابوي حالة واحدة استدعت التقليل من المهام الشاقة الملقاة على إحدى الباحثات التي أعربت عن شعورها بصعوبة المضي في العمل الميداني. إلا أن الاهتمام بالباحثات قد أخذ حيزًا أصغر في حالة جنوب أفريقيا مما ترتب عليه وجود مزيد من الاكتئاب لدى الباحثات.

وقد ظهرت حالات من الاكتئاب والكرب أيضًا بين الرجال المبحوثين الذين يمارسون العنف ضد النساء. وقد اقترنت هذه الحالات النفسية أساسًا بمناقشة العنف الذي تعرضوا له في الطفولة وبالعنف الذي تعرضت له أمهاتهم. في نهاية اللقاءات التي يتم فيها تناول العنف،يتم توجيه بعض الأسئلة إلى الرجال على غرار: “هل تفقد السيطرة على نفسك عندما تشعر بالغضب؟، هل تشعر بالأسف وتحتاج إلى مساعدة؟“. في حالة الإجابة بالإيجاب،كان يتم توفير بيانات منظمة محلية تقوم ببرامج موجهة لممارسي العنف. أما باقي الرجال، فلا يتم توفير أية بيانات لهم، إلا أنه يتم التأكيد فى بداية الإستجواب على أنه لا توجد أية نية للحكم على سلوكهم. وبالتالي لا يشعر الباحث / ة بالحاجة إلى توفير العون لهم.

وعلى الرغم من ذلك، كان فريق البحث يحكم بالفعل على هؤلاء الرجال وإن كان لا يحدث ذلك وقت اللقاء. وكان الباحثين الميدانيين يشعرون بالحاجة إلى التعبير عن انطباعاتهم سواء في جلسات عرض التقارير أو في أماكن خاصة مثل السيارة أثناء العودة للسكن. ومع أن السماح بهذه المناقشات كان يتعارض مع التأكيدات الخاصة بالخصوصية والسرية، إلا أن الفريق البحثي اعتبر أن الأمر ينطبق فقط على اللقاءات وجهًا لوجه مع ممارسي العنف. ففي نهاية الأمر ليس البحث محايدًا إذ تهدف هذه الدراسة إلى التقليل من العنف ضد النساء، وهو الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى اعتبار العنف أمرًا خاطئًا. فمن أجل الحفاظ على الصحة النفسية للباحثين الميدانيين يفضل بكثير إتاحة الفرصة لمناقشات صادقة حول المشاعر بدلاً من ترك هؤلاء الباحثين يذهبون إلى بيوتهم بمشاعرهم المكتومة فيتحدثون عن هذه التجارب إلى ناس خارجيين“.

كما مثل الإرهاق مشكلة بالنسبة للباحثين الذكور أيضًا. فكانوا يشكون من الضغط النفسي حينما يطلب منهم زيادة عدد اللقاءات اليومية عن المعدل المعتاد والذي كان يتراوح في المتوسط بين ٦ ٧ لقاءات. (لم يكن الموضوع متعلقًا بمسائل مالية حيث أن الباحثين يتقاضون أجرًا مقابل كل لقاء يجرونه). وقد اتضح مرتين أثناء العمل الميداني أن الضغوط النفسية في تصاعد وأن هناك حاجة إلى الخوض في الأمر. وبناء على ذلك، تم تنظيم جلستين للباحثين الميدانيين أدارها أحد المدربين التابعين للمنظمة غير الحكومية التي توجه أنشطتها لممارسي العنف. وقد تناولت هذه الجلسات تأثير العمل الميداني على الباحثين وعلى مشاعرهم نحو النساء وسلوكهم معهن.

وفيما يتعلق بالعمل الميداني خاصة اللقاءات مع الرجال، وأيضًا النساء كان هناك باستمرار قلق من احتمال أن يضفى الباحثون شرعية على العنف من خلال مناقشته بطريقة طبيعية، أو التعامل مع بعض أشكاله باعتبارها أمرًا تافهًا كالصفع مثلاً. وبالتالي تم توجيه عناية خاصة خلال التدريب على العمل الميداني لهذا الجانب وظل المشرفين على البحث متأهبين لظهور علامات تشير إلى حدوث ذلك. كما برزت أهمية الاختيار الدقيق للباحثين والتأكد من فهم الرجال للقضايا المتعلقة بالنوع الاجتماعى، ومن أنهم لا يحملون قيمًا أبوية متأصلة. نفس الوقت كان الأمر يقتضى أن يبدو الباحثين الميدانيين أقوياء البنية ويوحي مظهرهم بذكورة واضحة. فعلى سبيل المثال، حصل أحد الباحثين الميدانيين الذي نعت بالنعومة من قبل زملائه على إفادات منخفضة عن حدوث حالات العنف تقل بكثير عن تلك التي حصل عليها الآخرون. كما أنه أيضًا حصل على إفادات نسبة أعلى من المبحوثين الذين أقروا بميولهم الجنسية المثلية وأنهم لم يقيموا قط علاقات مع نساء. إلا أن ذلك قد يعني أن الرجال ذوى الجنسية المثلية قد لا يفضلون الإفصاح بذلك أمام باحثين أكثر فحولة، ولكننا لا نمتلك وسيلة للتأكد من صحة هذا الافتراض.

من النتائج المترتبة على إجراء دراسة حول العنف ضد النساء أن الباحثين يقومون دائمًا بالتدقيق في علاقاتهم الخاصة وفي طرح الأسئلة حول ما إذا كان بعض الرجال الذين يعرفونهم قد قاموا أيضًا باغتصاب أو ضرب النساء. إن هذه التساؤلات لها مشروعيتها، خاصة في ظل المعدلات المرتفعة للعنف ضد النساء ويمكن أن تؤدي إلى مشاعر عميقة بالاكتئاب. وبين الباحثات اللاتي شاركن فى البحوث، قليل من شعرن بأنهن يعيشن علاقات عاطفية ناجحة تمامًا. ورغم أن غالبية المشاكل التي أشرن إليها كانت متعلقة بالتعرض لأنواع من العنف النفسي، إلا أن البعض قد تعرض أيضًا للضرب في الماضي. إن انخراط هؤلاء الباحثات في دراسات تتعلق بالعنف ضد النساء قد قلل من مستوى تقبلهن لممارسات شركائهن ضدهن. كما دفعهن إلى التساؤل حول إمكانية العمل على التصدي لذلك. فقد شعرن أنهن مدفوعات إلى ترك شريك الحياة خشية أن يفسر بقائهن في هذه العلاقات بأنه مشاركة منهن في تقوية الظلم الواقع عليهن،كما انتابهن شعور بلوم النفس على الاستمرار في تلك العلاقات. لذا برزت أهمية توافر الوقت والمساحة ليتمكن فريق البحث من مناقشة القضايا الشخصية بطريقة غير رسمية مع الزملاء وطرح أسئلة من نوعية كيف تتعامل / تتعاملين مع أخو الزوج الذي يعيش معك وتعرف / تعرفين جيدًا أنه يضرب صديقته؟“. في هذا الإطار، من المهم ضمان توفير جو محيط غير موجه وغير مطلق للأحكام.

وينطبق نفس الكلام على الباحثات والباحثين الميدانيين الذين قد مارسوا في الماضي أو ما زالوا يمارسون علاقات تتسم بالعنف وقد وجدنا أنه يجدر إتاحة الوقت الكافي أثناء التدريب على العمل الميداني لحدوث مناقشات فردية حول العنف الواقع في الحياة الخاصة سواء كان ذلك مع الزملاء أو مع فريق البحث أو مع المشرفين على البحث الميداني. فعلى سبيل المثال، وجدنا أن إحدى الباحثات الميدانيات في دراسة المقاطعات الثلاثة كانت متزوجة من رجل سبق وأن قتل زوجته الأولى وكان يعتاد السكر كما كان يهددها بالسكين. وقد تركت هذا الرجل أثناء المشروع. لقد أخافنا ذلك من أنها قد تقتل هي الأخرى إلا أن ذلك لم يحدث لحسن الحظ. ومن جهة أخرى، من الأهمية بمكان ألا يشعر الباحثين الميدانيين أنهم مجبرون على الإفصاح عن أمور تتعلق بحياتهم الخاصة أو إعادة إحياء ذكريات تتعلق بخصوصيتهم، ذلك أن هذا الأمر يعد تدخلاً في الخصوصية وقد يؤدي إلى توترات على مستوى العلاقات المهنية. إن التحدي هنا يكمن في إيجاد توازن بين توفير الفرص للحديث عن النفس وضمان تحكم الطرف الأقل سلطة في هذه العملية.

مخاطر انخفاض الاستجابات عن الواقع:

إن عدم توجيه الاهتمام الكافي لمثل هذه القضايا في التحضير للبحث عن العنف ضد النساء يؤدي إلى تفاقم خطر انخفاض الاستجابة لدى المبحوثين. فمن المؤكد أنه لكي يفصح المرء عن معلومات مهمة وحساسة لابد من توافر سياق مريح ييسر عملية البوح، وإلا فإن غالبية المبحوثين لن يفعلوا ذلك. وإذا افتقد الباحثون الميدانيون الدعم، وبأنهم مطالبين بالتعامل وحدهم مع كرب واكتئاب المبحوثين، فمن الأرجح أن رد فعلهم سيكون طرح أسئلة لا تستدعى المزيد من القصص المأساوية. وبالمثل، إذا شعرت النساء أن ذلك يعرضهن للأذى، فالنتيجة تكون أنهن لن يبحن بمعلومات خطيرة. إن محدودية الإفادات إشكالية تواجه البحوث المتعلقة بالعنف ضد النساء دائمًا، وقد تؤدي هذه الإشكالية إلى تشويه نتائج البحث والوصول إلى استنتاج أن العنف ضد النساء لا يمثل مشكلة في منطقة ما.

تتوافر اليوم كمية من الخبرة المنهجية حول زيادة فرص استجابة النساء للإدلاء بالمعلومات وتوفير البيانات المتعلقة بالعنف الواقع عليهن. وقد حاولنا تلخيص هذه الخبرة في الشكل رقم 3. إضافة إلى ذلك، فإن حدوث العنف بطريقة عادية في جنوب أفريقيا قد أدى إلى تدريب الباحثين في دراسة المحافظات الثلاثة على طرح أسئلة من شاكلة هل تعنين أن صديقك أو زوجك لم يصفعك أبدا؟“. وقد لوحظ في إحدى الفرق البحثية التي تم تشجيعها على طرح هذا السؤال أن مستوى الاستجابة كان أعلى بكثير كما انتابنا شعور بالثقة أن هذا لا يتعلق باستجابة زائدة حيث لم تتردد النساء في الإجابة على هذا السؤال وتطوعت معظمهن بالإدلاء بمعلومات تتعلق بالسياق الذي حدثت فيه تلك الأمور. بل وجدنا أننا نتصارع باستمرار مع المبحوثات اللاتي يجدن بعض أشكال العنف طبيعية، و لم يجدن بالتالي أهمية للتحدث عنها في إطار البحث.

إن الدافع الوحيد للاشتباك مع كل المخاطر المذكورة أعلاه يرجع إلى أهمية استفادة النساء من هذه البحوث. ينبغي في المقام الأول إجراء تحليل دقيق وكفء للبيانات التي يتم الحصول عليها، كما يجب تفسير النتائج في إطار البيئة المحلية المحيطة. ومن الأهمية بمكان أن يضمن الباحثين أن البيانات التي حصلوا عليها لن يتم إساءة استخدامها من قبل الإعلام أو من قبل منظمات يدفعها حماسها الزائد إلى التهويل من قدر المعلومات، فقد يؤدي ذلك إلى نتائج سلبية. ففي جنوب أفريقيا، أولى الرئيس مبيكي اهتمامًا خاصًا بالإحصائيات الخاصة بالاغتصاب والتي تم تقديمها على أنها تمثل أعلى معدلات للاغتصاب على مستوى العالم حيث تم الإشارة إلى حدوث حالة اغتصاب كل ٨٣ ثانية، بل أشار البعض إلى أنها قد تحدث مرة كل ٣٦ ثانية. إلا أن التحري عن مصادر تلك الإحصائيات قد أفاد بافتقاد البيانات إلى الدقة التامة.

شكل رقم (۳)

تقليل معدلات إنخفاض الإستجابات عن الواقع :Under Reporting

  • ترتبط معدلات الإفصاح بطريقة صياغة الأسئلة. وينصح بتجنب استعمال تعبيرات مثل العنفأو الاغتصاب“. واستبدال ذلك بأسئلة حول أفعال بعينها، أي مدى وقوع ضرب أو صفع على سبيل المثال.

  • بالنسبة لكل شكل من أشكال التعدي تدرج مجموعة من الأسئلة تتعلق بسلسلة من الممارسات مع توجيه المبحوثة نحو التركيز على أماكن محددة مثل المنزل، المدرسة، الشارع، الخ.

  • توجيه أسئلة حول فئات متنوعة من مرتكبي العنف.

  • توجيه نفس السؤال بطرق مختلفة خلال اللقاء.

  • التأكيد على عدم إلقاء العديد من الأسئلة العرضية.

  • تأمين الخصوصية والسرية.

  • التأكد من أن المبحوثين (رجال ونساء) متزوجين أو كانت لديهم علاقات زوجية مع أقران من نفس الشريحة العمرية إن أمكن ذلك.

التأكيد بشدة على إجراء اختبارات قبلية والتأكد من صلاحية الأسئلة في الأبحاث الكيفية.

ذلك أن المسوح الميدانية كانت قد أشارت إلى وقوع حالة اغتصاب على الأقل مرة كل خمسة دقائق، وهو بحد ذاته معدل مرتفع للغاية، إلا أنه لا يمكن مقارنته بالأرقام المشار إليها فيما قبل. وقد شكل هذا الخطأ عائقًا مهمًا في مواجهة جهود طرح مشكلة الاغتصاب في البلاد.

إن حدود استعمال الباحثين للنتائج التي حصلوا عليها من أجل التأثير في السياسات تتوقف إلى حد كبير على الظروف المحلية. فعلى سبيل المثال، تم الحصول على تمويل لفتح مكتب في المحافظة التي تم فيها البحث الخاص بزيمبابوي، كما تم استعمال نتائج البحث في حملة الأيام الستة عشر من أجل كسر جدار الصمت المحيط بالعنف ضد النساء. وقد استعملت هذه النتائج في المظاهرات وفي مجال التعليم وفي إبرام التحالفات وفي إلقاء الضوء على الآثار الصحية السلبية المترتبة على العنف ضد النساء وكذلك في ربطها بمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز). كما أسفرت الدراسة عن عقد ورش عمل على المستوى القطري والمحلي لاقتراح أنشطة متعددة المجالات من أجل مناهضة العنف ضد النساء.

وفي جنوب أفريقيا، تم عرض نتائج الدراسة على هيئة تقرير موجز، تم توزيع ما يزيد عن ٤٠٠ نسخة منه على امتداد البلاد. كما تم توزيع مقالات حول الموضوع إلى الجماعات المهنية الطبية وإلى النساء النشيطات في مجال الدفاع عن الحقوق الصحية للمرأة وإلى أجهزة الإعلام في نفس الإطار، تم تقديم النتائج للدوائر الحكومية وخاصة للإدارات الصحية على المستوى القطري والمحلي، وللمنظمات غير الحكومية، ولمؤتمرات العاملين الصحيين، وللاتحادات العمالية وللجمهور العام، بالإضافة إلى ذلك، تم تسليم ملخصًا لنتائج الاغتصاب إلى مجلس الوزراء. وعلى مستوى البلديات التى تم فيها العمل الميداني عقدت ورش عمل في أماكن العمل لكل الرجال حول العنف وقضايا النوع، كما تم توفير الخدمات والدعم إلى الموظفات.

وعلى الرغم من أنه لا تتوافر دائمًا الظروف المواتية لنشر النتائج على مثل هذا النطاق الواسع، فإنه يجدر التأكيد على أهمية وجود استراتيجيات لتوفير البيانات لصانعي القرار وللمنظمات غير الحكومية التي تقدم خدمات في هذا المجال وللمنظمات الدفاعية ولأقسام من الجهاز الجنائي وللجمهور العام. ويمكن إنجاز ذلك بسهولة من خلال إعداد وتوزيع التقارير وإرسال المعلومات لوسائل الإعلام. وحيث أن الباحثين في المجال الطبي يحتاجون إلى دعم منظمات أخرى مثل المنظمات الدفاعية والمنظمات الخدمية، فمن المهم أن تتم هذه النوعية من البحوث إما بالتعاون مع مثل هذه المنظمات أو بتوفير البيانات المتاحة لها. (12 & 13)

فيما عدا حالة المسح الديموغرافي والصحي لجنوب أفريقيا، تمت الدراسات الأربع المشار إليها في هذا المقال قد تمت بمشاركة أو تعاون وثيق مع المنظمات غير الحكومية النشطة في مجال مناهضة العنف ضد النساء،وهو ما وفر دعمًا قويًا لتلك الدراسات. فقد أتيحت الفرصة للفرق البحثية الاستفادة من المعلومات الوافية التي تمتلكها هذه المنظمات حول الموضوع، وأخذها بعين الاعتبار عند التخطيط للبحث وتصميم الاستبيان، كما ساهمت في تعميق الفهم والمعرفة المتعلقة بالممارسات المقبولة أو غير المقبولة في إجراء الدراسة. أيضًا سهل ذلك التعاون إحالة النساء المعرضات للعنف أو من الرجال الذين يمارسون العنف للخدمات المتاحة. وفي بعض الحالات،تم الاستعانة بنجاح كبير بموظفين من تلك المنظمات للقيام بالعمل الميداني. وفي هذا الإطار استفاد العاملين والمتطوعين في مشروع موساسا بزيمبابوي (١٤) من الاشتراك في المسح الميداني من خلال الاستماع إلى روايات النساء حول خبراتهن مع العنف الأسري. إلا أن مشاركة مثل تلك المنظمات في البحوث لم يتم في كل الأحيان.

في إطار الدراسة الخاصة بالمحافظات الثلاثة التي تمت في جنوب أفريقيا، كنا نرغب في إدراج بعض العاملين بالمنظمات غير الحكومية في المناطق الريفية. إلا أن بعضهم لم يمتلك مهارات القراءة والكتابة الكافية التي تمكنهم من تدوين البيانات بينما وقع البعض الآخر في صراع بين أولويات منظماتهم واحتياجات البحث. وعلى سبيل المثال،شعرت بعض العاملات في المنظمات غير الحكومية أنه من الصعب عليهن عدم متابعة الحالات التي سمعن منهن قصص الإساءة. ومن المهم هنا إدراك الفروق في أولويات عمل المنظمات غير الحكومية وعمل الباحثين. والجدير استثمار بعض الوقت والجهد لتطوير جدول أعمال مشترك بين الطرفين. لقد تم ذلك في حالة زيمبابوي حيث تم إلحاق أحد الاستشاريين بالفريق البحثي بحيث يتم مواجهة ما يطرأ من احتياجات بطريقة مناسبة. أما في جنوب أفريقيا، فقد تم التركيز على الفائدة المشتركة التي تنجم عن جمع البيانات والتي تسمح بالدفاع الاجتماعي والتأثير في السياسات، وبتدبير المزيد من التمويل لتطوير عمل وأنشطة المنظمات غير الحكومية. ذلك أن الموارد المتاحة لم تتعدى إمكانية توفير بعض البيانات الأساسية خاصة بالنظر إلى المساحات الجغرافية الشاسعة التي تغطيها تلك الأبحاث.

لقد أكدت خبرة البحوث في موضوع العنف ضد النساء على أهمية الالتزام بأرفع مستوى من الأخلاقيات البحثية بهدف حماية كل من الباحثات والمبحوثات. وقد أثبتت لنا خبرتنا إمكانية تحقيق ذلك في الدراسات الأساسية التي تتم في البلاد النامية. وبمعنى آخر فإن أخلاقيات البحث ليست رفاهية تنفرد بها البيئات الأغنى. إلا أن ممارسة الأخلاقيات البحثية تتطلب التزامًا أكبر من جانب الباحثات الميدانيات ومن المشرفين عليهن،كما تعني حصول هؤلاء على خلفية تعليمية وسلوكية تتلاءم وتلك المتطلبات. وهذا يعني عمليًا تكلفة مرتفعة، وهو ما يصعب توفيره في حالة الميزانيات المحدودة. والجهات الممولة مطالبة بالاعتراف بهذا الأمر، فقد يضطر الباحثين إلى تأجيل المشروعات في حالة عدم توافر الموارد الكافية التي تسمح بإجراء عمل ذو قيمة. إن الحد الأدنى المطلوب توافره في أي بحث يتعلق بالعنف ضد النساء هو ألا تتعارض أهداف البحث مع سلامة وأمن أي امرأة.

تؤكد توصيات منظمة الصحة العالمية على أهمية التفريق بين البحوث الخاصة بالعنف ضد النساء والبحوث في مجالات أخرى. إلا أنه ينبغي الالتفات إلى مدى الاستفادة التي يمكن أن تنجم في مجالات بحثية حساسة أخرى. فمن الأرجح أن نفس الضوابط تنطبق عند البحث في مجالات حساسة أخرى بما في ذلك البحوث المتعلقة باستعمال وسائل منع الحمل، والبحوث المتعلقة بالإجهاض،أو تلك التي تتعلق بالاستغلال الجنسي للأطفال أو بالعقم أو بالسلوك الجنسي، أو بآليات التعامل الأسري مع حالات مرض الإيدز. هناك حاجة إلى وضع جدول أعمال لتحديد مدى إمكانية تطبيق نفس القواعد في حالة البحوث التي تجرى على موضوعات ذات حساسية خاصة.

نادرًا ما يتم الإشارة بطريقة واضحة إلى إمكانيات حدوث أعمال انتقامية بسبب الاشتراك في بحث ما، حتى وإن كان الأمر يشغل بال الكثيرين خاصة بالنظر إلى المعدلات المرتفعة للعنف الأسري على مستوى العالم (۱٥) لا يعلم العديد من الباحثين إذا كانت الأسئلة التي يطرحونها تثير بعض الحساسيات، وبالتالي فمن المفيد دائمًا الالتزام بالحرص على خصوصية اللقاءات وعدم نشر المعلومات حول موضوع البحث على الملأ. صحيح أن تأمين سرية اللقاءات تمثل جزءًا من المعايير البحثية، إلا أنه ينبغي التأكيد على مزيد من الحرص في هذا المجال. من الشائع توظيف باحثين ميدانيين ينتمون إلى نفس المنطقة: ومن الهام أن تنتبه الفرق البحثية أنه إن كان ذلك يسهل الدخول إلى المجتمع المحلى وكسب تأييده للدراسة، فقد يؤثر بشكل سلبي على الحفاظ على سرية وخصوصية المعلومات. نفس الأمر ينطبق على استخدام المترجمين.

كما ينبغي الحرص دائمًا على أمان وسلامة الباحثين وقد يترتب على ذلك الحاجة إلى توفير المزيد من الموارد لإجراء البحث خاصة لو تطلب الأمر وجود باحثين اثنين في كل لقاء مع المبحوثين ويمثل ذلك تحديًا للباحثين لإقناع الجهات المانحة بقبول المصروفات الإضافية المترتبة على هذه الاحتياجات. وعلى الرغم من أن المبحوثات غالبًا ما يرحبن التحدث عن مشاكلهن في جو بحثي داعم، إلا أن كثيرًا ما يؤدي ذلك إلى تأجيج الأحزان وزرف الدموع. إن المواقف التي تنطوي على حزن وألم للمبحوثات تتسبب في تعاسة للباحثات مع تزايد شعورهن بالاكتئاب وهذا ينطبق أيضًا على بحوث تتعلق بموضوعات تختلف عن العنف ضد النساء. فالدراسات المتعلقة بالفقر المدقع، أو بفقدان الأجنة، أو بوفيات الأطفال، أو بمرض الإيدز ينطبق عليها نفس القدر من الأسى. وبالتالي ينبغي إعداد الباحثين إعدادًا جيدًا للتعامل مع هذه الحالات. ويمكن لحالات مثل مرض الإيدز التي ترتبط بدرجات كبيرة من الفزع ومن خوف الوصم من قبل المجتمع المحيط أن تؤثر على الباحثين الميدانيين خاصة إذا كان لديهم شك أو يقين من الإصابة بهذا المرض. حينئذ قد يمثل توفير المساحة اللازمة لهؤلاء الباحثين للإفصاح بصراحة عن ظروف حياتهم وإدراكهم للمخاطر مساعدة مهمة بالنسبة لهم. كما قد يكون توفير المعلومات للباحثين الميدانيين حول التعامل مع حالات الانهيار وحول الخدمات المتاحة للتعامل مع المشكلة الصحية التي يتم دراستها عاملاً مساعدًا أساسيًا.

ونادرًا ما يؤخذ فى الاعتبار إدراك المبحوثين لأنفسهم وللوسط المحيط بهم في نهاية اللقاء. ففي العديد من المجالات البحثية، يتم تصميم الاستبيانات بحيث يقوم المبحوثين بسرد سلسلة المآسي التي عاشوها وهناك أهمية بمكان للانتباه بعناية أكبر لمدى تأثير هذا السرد على المبحوثين وتعميقه لشعور فقدان الثقة بالنفس وعدم القدرة على تغيير الأمور قد يمكن إضافة بعض البنود المتعلقة بأخلاقيات البحث، مثل تطوير الآليات التي توفر الدعم والمتابعة للمشاركين الذين يطلبون المساعدة والتأكيد على مكامن القوة لديهم وعلى أهمية قدرتهم على الاستمرار في الحياة. وينقلنا ذلك إلى تصميم البحث وصياغة التقارير حيث ينبغي ألا يتم وصف المبحوثين باعتبارهم ضحايا لا حول لهم ولا قوة وغير قادرين على إدارة حياتهم في مواقف معينة. وأخيرًا، هناك حاجة ملحة إلى ربط البحوث في مجال الصحة بالفعل ذلك أن كل الباحثين ليسوا في وضع يسمح لهم بممارسة الدفاع الاجتماعي أو التأثير في السياسات. وبالتالي، ينبغي توفير البيانات المتاحة لمن هم قادرين على القيام بهذا الدور. ولحسن الحظ أن الزمن الذي كانت تنشر فيها نتائج مثل هذه البحوث في مجلات لها قراء قليلين أو بعد مرور سنوات على انتهاء الدراسات قد ولى. إلا أن الباحثين مطالبين ببذل المزيد من الجهود من أجل تمكين صانعي السياسات والمنظمات غير الحكومية والجمهور بصفة عامة من الحصول على نتائج أبحاثهم. يحتاج الباحثين إلى تطوير استراتيجيات مبتكرة لنشر نتائج البحوث بحيث لا يقتصر النشر والتوزيع على الإصدارات الأكاديمية والمجلات المتخصصة، بل يمتد التوزيع إلى الجرائد ومواقع الإنترنت والتقارير الفنية والبيانات الصحفية والإبلاغ الشفهي في لقاءات مع الجمهور، والمحاضرات الموجهة للفئات المهنية والبرلمانيين والمسئولين الرسميين.

شكر

نتوجه هنا بالشكر لكل أعضاء الشبكة الدولية لبحوث العنف ضد النساء الذين أثرت أعمالهم كل الأفكار الواردة في هذا المقال كما نوجه شكرًا خاصًا إلى كل من لوري هيس وماري السبرج. ونشير هنا إلى أهمية الدراسات التي قام بها كل من ماري ندلوفلو وإيريكا كوخ، والعاملين في مشروع موساسا، وإلى جوناثان ليفين وماتسي راتساكا وزومودو مفو وأنجيلا جيربر لعملهم في دراسة المقاطعات الثلاثة، إلى نولوازي مباننجا وديبي برادشو ولينديوي ماكوبالو وفريق البحث في المسح الديموغرافي الصحي لجنوب أفريقيا، وإلى ريا لوبشير ومريام حوسين لعملهما في الدراسة حول الرجال في كيب تاون.

للاتصال:

Rachel Jewkes،Women’s Health Research Unit, Medical Research Council, Private Bag X385, Pretoria 0001, South Africa. Fax: 27-12-3398582. E-mail: rjewkes @hoopoo.mrc.ac

*مايو 2000 ص 93


1 – Measuring violence against women cross-culturally. Notes from a meeting, 29 June 1995. Health and Development Policy Project, Tacoma Park MD.

2-2nd Annual Meeting, International Research Network on Violence Against Women. 8-10 Decemue
1996.
3 -World Health Organization, 1999. Putting Women’s Safety First: Ethical and Safety Recommendations
for Research on Domestic Violence Against Women. WHO/EIP/GPE/99.,2. WHO, Geneva.

4- Watts C, Heise L, Ellsberg M, Garcia-Moreno C, 2000. Putting women’s safety first: ethical anu safety recommendations for research on domestic violence against women. (Submitted)

5-Council for International Organizations of Medical Science. 1993. Internatíonal Guídelines for Ethical
Review of Epidenmiological Studies.C1OMS/WHO, Geneva.

6- Watts C, Ndlovu M, Keogh E et al, 1998. The Extent and Health Consequences of Violence against
Women in Zimbabwe. Musasa Project Report, Harare.

7-Jewkes R, Penn-Kekana L, Levin Jet al, 999. ‘He must give me money, he mustn’t beat me’: Violence against Women in Three South African Provinces. Medical Research Council Technical Report, Pretoria.

8- Department of Health, South Africa, 1999. South Africa Demographic and Health Survey 1998. Preliminary Report. Department of Health, Pretoria.

9- Abrahams N, Jewkes R, Laubscher R, I999. ‘I don’t believe in democracy in the home’: Men’s Relationships with and Abuse of Women. Medical Research Council Technical Report, Cape Town.
Reproductive Heal th: A Focus on

10- Heise L, Moore K, Toubia N, 1995. Sexual Coercion and 11.Zimmerman C, 1996. ‘Plates in a basket will rattle’: Meeting, International Research Network Research. New York: Population Council. domestic violence in Cambodia. In: Proceedings. 2nd Annual on Violence Against Women. 8-10 December, Washington DC.

12- See for example: Ellsberg M, Winkvist A, Liljestrand J, 1997. The Nicaraguan Network of Women against Violence: using research and action for change. Reproductive Health Matters. 5(10):82-92

13- See also: Watts C, Njovana E, Gender violence in Zimbabwe: a need for collaborative action Reproductive Health MatterS, 4(7):46-55.

14. The Musasa Project is an NGO in Zimbabwe which provides counselling and public education and conducts research on violence against women.

15- World Health Organization, 1997. Violence Against Women. WHO/FRHWHD/97.8. WHO, Geneva

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي