إقصاء واستبعاد لأوائل خريجات كليات الحقوق

إقصاء واستبعاد لأوائل خريجات كليات الحقوق

 

ما زالت قصة رفض قبول أوراق الدكتورة عائشة راتب في النيابة العامة هي القصة الأكثر وضوحًا في المشهد أو الصورة ، فقد كانت في خمسينيات القرن الماضي الأولى على دفعتها بكلية الحقوق ، وحرمت من حقها في العمل في النيابة العامة بسبب أربعة حروف مكتوبة في خانة النوع : “أنثى” !

بعد نصف قرن مازالت الحروف الأربعة جدارًا سميكًا يمنع مرور ال أنثى إلى النيابة العامة ، حتى لو كانت الأولى على دفعتها في كليات الحقوق . ففي يناير الماضي تقدمت آخر الدفعات من خريجي كليات الحقوق من الذكور بأوراقهم إلى النيابة العامة وكما قال أحد المتقدمين : “طبعًا مفيش بنات اتقدموا لأن التعيين في النيابة العامة ممنوع على البنات ” .

ممنوع على البناتأي ممنوع على النوع رغم عدم دستورية هذا المنع ، ورغم نضالات طويلة كانت ومازالت مستمرة تحاول هدم أشكال التمييز ضد النساء ، لكنه مازال ممنوعًا ومازال أمامنا طريق طويل وشاق حتى نرسي معايير ليس بينها النوع واللون والدين والعرق 

ميراث ثقيل

تؤكد صفاء زكي مراد محامية أن قصر التعيين في النيابة العامة على الذكور هو انتهاك للمادة الأولى في الدستور التي تنص على حقوق المواطنة دون تمييز على أساس النوع ، وتضيف قائلة : “بداية الدستور والقانون يضعان المرأة على قدم المساواة مع الرجل والشريعة الإسلامية تسمح بتولى المرأة لمنصب القضاء وفقًا للمذهب الحنفى ، وتولي القضاء لابد أن يتم بالمعايير التي يصل من خلالها الذكور للجلوس على المنصة ، أي بداية من التعيين في النيابة العامة والترقي في سلم النيابة بمعايير الكفاءة والتدريب والدرجات العلمية ، إنها معايير آلية وإجراءات متعارف عليها ولا ينقص المرأة أي معيار حتى تقوم بهذه المسئولية“.

وعن الميراث الثقيل الذي يحول دون هذا الحق لأوائل كليات الحقوق من الإناث تقول صفاء زكي مراد إننا أمام مقومات مجتمعية وثقافية تقف حائلاً أمام هذا الحق الذي سبقتنا إليه دول كثيرة عربية وإسلامية منها رفض المؤسسة القضائية نفسها لتولي المرأة القضاء العادي في سياقه الذي يبدأ من النيابة العامة ، كما أن هناك قوى رجعية تستند إلى ثقافة تحط من شأن المرأة وترفض دخولها النيابة العامة وبالتالي تمنع وصولها إلى منصة القضاء ، فنجد من يرى أنها عورة ومن يرى أنها غير قادرة على الحكم في فترات الدورة الشهرية لما يصيبها من تغيرات هرمونية ، ونجد من يسخف من الحق بقول كيف تجلس على المنصة وهي حامل ، إذا نحن محاصرون بثقافة عامة تخص النخبة والعامة وتحتاج لجهد طويل لمقاومتها“.

 

وجود رمزی

أما عبد الغفار شكر عضو المجلس الإستشاري لحزب التجمع ونائب رئيس مركز البحوث العربية والإفريقية فيقول : “من المعروف أن النساء ليس لهن مكان في النيابة العامة ، ولا مكان لهن إلا في النيابة الإدارية ، وإن تعيين بعض النساء في القضاء فهو تعيين رمزي وبقرار سيادي وحتى التعيين في وظيفة المأذونة جاء بعد معركة قضائية وسيظل رمزيًا. أيضًا طالما لم يتم الوصول إليه وفقًا للتدرج المهني والمعايير المطبقة على الذكور، والقضية كلها لا تخرج عن حدود رغبة النظام في تحسين صورته أمام المنظمات الدولية والمجتمع الدولي ، ويؤكد شكر أن هذا الوضع الذي لا يعدو كونه تجميلاً للصورة أو وضع بعض الرتوش على المشهد العام ولن يتغير إلا بمواجهة ومقاومة السلطة الذكورية ، وحدوث تحول ديمقراطي حقيقي يحترم قيم المواطنة وأساسها المساواة وتكافؤ الفرص ، بغض النظر عن الجنس ساعتها سيتولى أي منصب الأكفاء وفقًا لآليات معروفة ومحترمة.

أربعة حروف في خانة النوع تمنع تقدمهن

للزينة

ويعلق أحمد سيف الإسلام حمد المحامي على حرمان الخريجات الأوائل في كليات الحقوق من التقدم للنيابة العامة رغم تعيين عدد من القاضيات مؤخرًا قائلاً: “إن تعيين امرأة أو أكثر في القضاء ماهو إلا وردة في عروة جاكيت النظام، يستخدم للزينة ، بدليل حرمان الأوائل من خريجات كليات الحقوق من دخول النيابة العامة” .

ويؤكد سيف الإسلام حمد أنه لن تصل امرأة لمنصة القضاء من بوابة النيابة العامة إلا بتحول الإرادة السياسية وإيمانها بحقوق المواطنة فعلاً لا قولاً ، فالإرادة السياسية هي التي تصدر قرارًا بتعيين قاضية وهي القادرة على إصدار قرار يرفع هذا التمييز ضد المرأة خاصة ، وكما يقول إنه ليس بالضرورة أن تتم التعيينات الفوقية بمعايير الكفاءة والتفوق ، ولكن بعض من شروط الاختيار تستند إلى معايير أخرى .

ويرى أنه لا يمكن لهذا الوضع أن ينتهي أو يستقيم إلا من أجل ترسيخ حقوق المواطنة ، واعتبار مطلب دخول المرأة للقضاء من بوابة النيابة العامة مطلبًا حقوقيًا يحتاج إلى ضغط ونضال ، وساعتها سيتم انتزاع هذا الحق بل سيتم قبوله اجتماعيًا.

أما المستشارة تهاني الجبالي أول امرأة تجلس على منصة المحكمة الدستورية العليا وأول قاضية تتولى المنصب في مصر فتقول : “إنه لا يجوز أن تصل المرأة إلى قمة القضاء الدستوري ، ويبقى موقع النيابة العامة خاليًا من النساء وتطالب باستكمال وجودها في ساحات العدل مؤكدة أن المرأة لا تنقصها الكفاءة ولا الإرادة حتى يتم اقصاؤها عن أي موقع أيًا كانت حساسيته فهي قادرة على تولى وقيادة أعظم المسئوليات .

شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي