الأسرة ومؤسسات الرعاية ودور الإيواء ألقت بهم إلى حضن الشارع

اعداد بواسطة:

يجبرن على ممارسة الدعارة للحصول على الحماية

الفروق طفيفة بين كل حكاية وأخرى أو مأساة وأخرى. إنها حكايات بنات الشوارع“. هؤلاء اللواتي غادرن طفولتهن منذ لحظات، ولا تتجاوز أعمارهن عدد أصابع اليدين إلا قليلاً، وهن من يعشن في الشوارع أو أجبرن على العيش فيها نتيجة لأسباب كثيرة يقف خلفها كلها الفقرالذي يدفعهن إلى الصراع مع الحياة في الشوارع، صراع من أجل الحصول على لقمة العيش أو خبز ومأوى. وفي هذا الصراع يتعرضن للاغتصاب ويجبرن على ممارسة الدعارة والزواج العرفي حتى يجدن الحماية وفقًا لقانون الحياة في الشارع الذي يشتمل أيضًا على إدمان المخدرات. حكايات نراها تتحرك أمامنا عشرات المرات وحكايات من لحم ودم نسمع بعضها عبر أسلاك الهواتف.

في غرفة تلقى مكلمات خط نجدة الطفل (١٦٠٠٠) بالمجلس القومي للطفولة والأمومة حكايات (ساخنة) عن فتيات الشوارع، يجمعها كلها خيط واحد تقريبًا (وحقيقته إن الشارع لا يترك فتياته بسهولة) !! (يدق جرس الهاتف، يبلغ أحد المارة بالإسكندرية عن فتاة عمرها (13 سنة) تبيع المناديل في إشارات المرور بمنطقة (كوم الدكة)، ويريد إنقاذها بعد إن أخبرته أنها هربت من ملجأ بالقاهرة وليس لها أهل تعرفهم.

وتقضي طريقة عمل الخط أن يكلف متلقي المكالمة الجمعية الأهلية المختصة بالمشكلة في هذا المكان، وتوجهت (الجمعية المصرية لحماية البراعم) إلى مكان الفتاة، وبدأت تحكى قصتها ربما الحقيقة فهي أخت من بين ثلاثة أبناء، والدها سائق ميكروباص، تزوج من أخرى فرفضت الأم هذا الوضع وأصرت على الطلاق، ثم تزوجت الأم هي الأخرى، وعاشت البنت مع زوج أمها لكنها هربت بسبب سوء المعاملة وتركت القاهرة كلها إلى الإسكندرية، وتعرفت على فتاة (طفلة) أخرى بالشارع، فاصطحبتها إلى (المعلمة) التي يمكنها أن تنام عندها وأن تحصل على فرصة عمل، وكانت فرصة العمل هي بيع المخدرات وراء ستار بيع المناديل الورقية، وأدمنت الفتاة نفسها بعد ذلك المخدرات التي تتولى بيعها.

تأكد الأخصائيون بالجمعية من بعض تلك المعلومات وبدأوا خطة علاج من الإدمان للفتاة، لكن بعد أيام قليلة هربت الفتاة من الجمعية، ولم يكن أمام الجمعية سوى إبلاغ قسم رعاية الأحداث بمديرية الأمن بهروب الفتاة مرة أخرى.. إلى الشارع، وكثيرًا ما يحدث أن يأتي بلاغ مرة أخرى عن الفتاة نفسها وتتوجه إليها الجمعية نفسها وتتكرر الأحداث.. وينتصر الشارع أيضًا !!

يدق جرس الخط الساخن مرة أخرى.. المبلغ هذه المرة هو رئيس جمعية أهلية لإيواء أطفال الشوارع يبلغ عن هروب فتاة من الدار إلى الشارع مرة أخرى، ويطلب إيواءها بجمعية أخرى، لأن لوائح الجمعية تقضي بعدم جواز عودة الطفل نفسه إذا هرب من الجمعية.

الفتاة عمرها (۱۲) سنة لها أخ واحد، وعاشت ظروفًا قاسية فقد وقع الطلاق بين والديها، وقبله حصل الأب من الأم منها على تنازل عن حضانة الابن والابنة، وتزوج بأخرى وعاش الأخوان مع زوجة الأب، وبعد فترة عانت فيها سوء المعاملة فقررت الهرب ووجدت نفسها في حضن الشارع، لتلتقطها الجمعية، ثم يلتقطها الشارع مرة أخرى، وهي الآن حتى كتابة هذه السطور في جمعية أخرى توجهت لأخذها من الشارع بناء على بلاغ خط نجدة الطفل.

عمرها ١٣ سنة واغتصبت من رجل أمن، وأحد الجيران وثلاثة فتية من محطة مصر

البلاغ الثالث من أحد الركاب الذي خرج من محطة مصر بالاسكندرية، يبلغ عن فتاة تجلس في الشارع تبكي عمرها ١٣سنة قالت له إنها يتيمة، وتوجهت الجمعية المصرية لحماية براعم النشء إلى مكان الفتاة بالمحطة، وفي مقر الجمعية قالت الحقيقة إن والديها موجودان لكنهما منفصلان وكل منهما متزوج، وهي الرابعة من بين تسعة أشقاء، وهربت الأم من زوجها الثاني لمكان غير معلوم، ولم يكن أمامها سوى تحمل عذاب زوجة الأب، وتضطر الفتاة للعمل كخادمة في البيوت أحيانًا، أو تبقى هائمة في الشوارع..

استقرت الفتاة بالجمعية لأيام لكن الأخصائيين لاحظوا أنها تتحرش بالفتيات جنسيًا، وتبين بعد ذلك أنها اغتصبت من رجل أمن في الشارع، ومن أحد الجيران أيضًا، ومن ثلاثة فتية داخل محطة مصر وآخر تقرير ورد من الخط عن الفتاة أنها في حاجة لعلاج نفسي ودراسة حول ما إذا كان يمكن بقاؤها بالجمعية أو تحويلها دار القاصرات..

وتعلق منال شاهين المشرفة على الخط الساخن بأن مشكلة فتيات الشوارع ليست في قلة عدد دور الإيواء الدائم، لكن في عدم وجود مراکز استقبال كافية للتعامل مع هؤلاء الفتيات قبل توجيههن إلى دور الإيواء التي يهربن منها إلى الشارع مرة أخرى، ففي مدينة مثل القاهرة تحتاج لمراكز استقبال في كل حي، لكن لا توجد لدينا غير مركز واحد بالجيزة وآخر في الاسكندرية، بالإضافة لعدم وجود مراكز متنقلة تخدم هؤلاء الفتيات وتقدم لهن الرعاية الصحية والنفسية والتأهيل لمرحلة الانتقال لدار الإيواء، وللأسف لا يوجد سوى مركز متنقل واحد يتبع جمعية الأمل، بالإضافة إلى أننا بحاجة إلى تأهيل الكوادر المتخصصة لتأهيل الفتيات، وهو ما بدأناه الأن مع الجمعيات الأهلية العاملة في هذا المجال من خلال برنامج تدريبي لكوادر هذه الجمعيات، من أجل تقديم الخدمة الأصعب لهذه الفئة وليس مجرد الطعام والنظافة والملابس والمأوى.

نظرة سلسلبيل

تمامًا مثلما تتعثر في الطريق أثناء سيرك فتحاول أن تقف بسرعة لتفادي نظر المارة، كانت نظرة (سلسبيل) – ١٨سنة لي، نظرات تحد للانكسار والخوف وفقد الأمان..

تحكي تجربتها قائلة: المؤسسات بها نوعان من النزيلات، النوع الأول يقضين أحكامًا، والنوع الثاني في الاستضافة أي قضين ما عليهن من أحكام، لكن ليس لديهن أهل يأتون ليتسلمهن.

قصتي مثل كثيرات مثلي هنا، أسرة مفككة، فضلت أن أسلم نفسي لقسم الشرطة لأجد مكانًا أقيم فيه، وقضيت يومًا بالقسم حتى تم تسليمي إلى المؤسسة منذ ثلاث سنوات، كنت قد تركت المدرسة بالصف الأول الإعدادي، لكن ساعدتني أبلة نادية الأخصائية الاجتماعية، واستخرجت لي الأوراق اللازمة وأكملت تعليمي لأصل الآن للثانوية العامة. عندما أكون محتاجة لأتحدث عما بداخلي ألجأ إلى أبلة نادية أو أبلة زينب، وأحيانًا نتعرض لمواقف تجعلنا عدوانيات وشريرات أيضًا، ولا نجد أحدًا يقف بجانبنا من باقي الأخصائيات، وهناك أخصائيات يصدقن الشائعات أو يختلقنها أحيانًا، فإذا وجدت في زميلتي هند صديقة أسر إليها بما في داخلي، ونأكل معًا، ونتحدث معًا، ونتحدث إلى بعضنا، وأحيانًا نحب أن ننام في حضن بعض، نجد الأخصائيات تقول عنا إننا شواذ، وكانت لنا زميلة اسمها أمنية تقضي حكمًا وعلمت إن والدتها مريضة وهربت لتزورها، وعادت تشكو من خراج في حتة مش كويسة، فإذا بالأخصائية تقول لها إنها خرجت أتوسخت ورجعت، وأرسلت زميلتنا للمستشفى لأن الخراج عمل لها مشاكل كبيرة.

البنات هنا أغلبهن قضي أوقاتًا طويلة في الشارع، بعضهن جاء للدنيا ووجدن أهلهن يسرقون أو يبيعون البانجو، فعلن مثلهم، والكثيرات منهن مدمنات، وأحيانًا كثيرة يهرين من المؤسسة بحثًا عن البانجو أو أي مخدر آخر ويعدن ثانية، فهناك نسبة كبيرة ممن يقضين أحكامًا بالمؤسسة جئن بتهمة الاتجار بالمخدرات، ومنهن بتهمة التسول أو التشرد أو عدم وجود أهل، ومعنا بنات سلمهم أهلهم بنفسهم إلى المؤسسة أو القسم الشرطة لأنهم لا يستطيعون رعايتهم خاصة عندما تكون الأسر مفككة، وتزوج الأب يغير الأم والعكس، هناك فتيات يستطعن الحفاظ على أنفسهن وأخريات لا، ذات يوم وجدنا طفلاً في طبق، وسلمناه للملجأ القريب منا، لكن عندنا إذا اكتشفوا أن بنتًا حاملاً تحول إلى مؤسسة القاصرات، لأنها يمكن أن تعلم البنات، حاجات وحشة.

المؤسسة هنا فيها بنات كويسة كثيرة، والمسئولون عندما نتفوق يسمحون لنا بالانتظام في الدراسة بمدارس خارج المؤسسة، وأيضًا يمكن أن نخرج لنأخذ درسًا خصوصيًا مع بنات بالمدرسة.

ورغم ما جاء على لسان فتيات مؤسسة رعاية الفتيات بالعجوزة، فإن القضية لا تخص مؤسسة هنا أو مركزًا هناك، بل تخص نظرة ورؤية محددة لهن في التعامل مع الناس وهذا ما علق به مصطفى زكي مدير جمعية الدفاع الاجتماعي ومقرها داخل مؤسسة رعاية الفتيات بالعجوزة قائلاً: الأخصائيون الاجتماعيون داخل مؤسسة الأحداث أغلبهم يفتقر إلى الشعور بالاستقرار في عمله. فأغلبهم غير معينين رسميًا، وأجورهم زهيدة، وكذلك مدرس الرسم والموسيقى والحارس والفراش، كل هؤلاء يتقاضون أجورهم من ميزانية المؤسسة وليس من الحكومة مثل باقي العاملين بالمؤسسة، والمفترض أن يكون لهم تعامل مادي مختلف لأن عملهم له طبيعة خاصة، وهي أن يستطيعوا تقديم أقصى ما لديهم فلا ينبغي أن يعامل الأخصائي الاجتماعي في مدرسة مثلما يعامل أخصائي اجتماعي في مؤسسة رعاية، لأنه لن يقدم الرعاية إن لم يجدها، وفاقد الشيء لا يعطيه !!!

شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي