الأنثروبولوجيا (علم الإنسان)

التصنيفات: غير مصنف

المنهجيات والمنظومات والمصادر

لدراسة النساء والثقافات الإسلامية

المداخلات في الأفرع المعرفية

الأنثروبولوجيا (علم الإنسان)

اتخذت الكتابات الأنثروبولوجية عن المجتمعات الإسلامية مسارًا تاريخيًا تتضح فيه التطورات الهامة التي حدثت في علم الأنثروبولوجيا منذ نشأته. فالكتابات الأنثروبولوجية المبكرة عن مجتمعات المسلمين قد مالت إلى تجاهل النساء إلى حد بعيد، مثلها مثل الكتابات الإثنوغرافية (التي تصف حياة الأعراق البشرية) في بقية أنحاء العالم، (مثلاً: Barth 1965, Evans- Pritchard 1940 Geertz 1968, Gellner 1961, Westermark 1926). ويرجع هذا جزئيًا إلى التحيز الذكوري الذي اتسم به تاريخ كل فروع المعرفة الأكاديمية عمومًا، كما يرجع جزئيًا إلى غياب عالمات الأنثروبولوجيا من النساء العاملات في البحوث الميدانية. وقد شهد هذا الاتجاه إصلاحًا تدريجيًا مع دخول الباحثات الأنثروبولوجيات إلى هذا الفرع المعرفي، وبدء اهتمامهن بأنشطة النساء وحياتهن بطريقة غير مسبوقة المثال. عندها بدأ ظهور تقليد التوثيق الإثنوغرافي لحياة النساء اللاتي يعشن في ظل ثقافات متنوعة، وكانت أغلبها كتابات تصف وجود النساء في مجتمعات المسلمين في الريف والحضر (Aswad 1967, Fernea 1969, Grinqvist 1931, Mohsen 1967, Sweet 1967). لكن أنثروبولوجيا النساءلم تظهر كفرع مستقل قبل سبعينات القرن العشرين، حيث أدخلت الجندر في دراسات الظواهر الاجتماعية والثقافية كمفهوم تحليلي بطريقة غيرت هذا الفرع تغييرًا جوهريًا.

ومن أهم الإسهامات التي أتى بها هذا التطور إلى علم الأنثروبولوجيا كفرع معرفي الحجة القائلة بأن التركيز التحليلي على الجندر لا يقدم مجرد وصف لحياة النساءلكنه يساعد على توضيح كيفية إنتاج علاقات اللامساواة الاجتماعية عمومًا، ويلقي الضوء على كيفية استمرارية وإعادة إنتاج المؤسسات العامة المعنية بالسياسات وكيان الدولة والإنتاج الاقتصادي، وهي المؤسسات التي تعرضت فيها النساء للتهميش عبر التاريخ (Rosaldo and Lamphere 1974, MacCormack and Strather 1980, Yanangisako and Collier 1987). ويلاحظ أن هذه الكتابات قد صورت الجندر كفئة تعتمد على صلتها بغيرها، لا كشيء يتعلق بحياة النساء وحدهن، وبذلك استخدمت اللامساواة بين النساء والرجال كعدسة تكشف كيفية عمل النسق الاجتماعية الاقتصادية والثقافية التي نشأت في ظروف تاريخية معينة. ويعتبر مقال سينثيا نيلسون الصادر عام ۱۹۷٤م (Cynthia Nelson 1974) من الكتابات المعروفة التي أدخلت هذه الحجة إلى البحوث الأنثروبولوجية في الشرق الأوسط. ومنذ تلك الفترة صدر عدد من الدراسات الحساسة التي فحصت مثلاً كيف يؤدي التركيز على الجندر إلى إحداث تحول في تحليل علاقات الملكية (Maher 1974)، أو في الثقافة السياسية (Joseph 1983, Altorki 1986)، أو في بنية القبيلة وخطاباتها (Abu- Lughod 1986). وفي الثقافات الإسلامية خارج منطقة الشرق الأوسط نجد أيضًا مجموعة غنية من الدراسات التي توضح أهمية تحليل الجندر لفهم عمليات الرأسمالية الحديثة (Ong 1987)، والثنائيات الرمزية من قبيل العام/ الخاص والإنتاج/ الإنجاب (Delaney 1991, Papanek 1973)، والسلطة الدينية والنزعات الروحية (Boddy 1989)، وعلاقات السوق بين الحضر والريف (Strobel 1979)، وهذا قليل من كثير من الموضوعات التي تناولتها هذه الأبحاث.

 

إن أنثروبولوجيا النساء في مجتمعات المسلمين كان قد تأسس كفرع علمي قوي عندما اجتاح تياران نقديان علم الأنثروبولوجيا في ثمانينات القرن العشرين، وأدخلا إليه قدرًا جديدًا من الجدل الذي كان ذا أهمية قصوى لنشاه وتطور هذا الفرع. وتناول التيار الأول التداخل ما بين سمات المعرفة الأنثروبولوجية والمشروعات الاستعمارية، فجذب الانتباه إلى أن الفروع المعرفية الغربية كالأنثروبولوجيا قد سيطرت تاريخيًا على تمثيل الثقافات الأخرى“. وقد صدر كتاب عام ١٩٧٣م من عقر دار الأنثروبولوجيا من تأليف طلال أسد عن الأنثروبولوجيا، في لقائها بالاستعمار (Talal Asad, Anthropology and the Colonial Encounter 1973)، وهو من أوائل الكتابات التي درست هذه القضية، ثم تبعه عام ۱۹۷۸م كتاب الاستشراق من تأليف إدوارد سعيد (Edward Said, Orientalism 1978)، الذي كتبه من منظور ناقد أدبي. وقد ذهب هذان الباحثان إلى أن الكثير من العبارات المجازية التي استخدمها الأنثروبولوجيون لتمييز الثقافات غير الغربية لم تكن فقط تصويرًا ضعيفًا للواقع الاجتماعي الذين قصدوا اغتنامه، بل استخدمتها أيضًا المؤسسات الاستعمارية الغربية للتدخل في هذه المجتمعات وإعادة صياغة التقاليد والممارسات والمؤسسات غير الغربية كجزء من المشروع الحداثي الإمبريالي لقهر العالم وإعادة صياغته. وأتى بعد هؤلاء الأنثروبولوجيين أنثربولوجيون غيرهم شرحوا وكتبوا عن هذا الموضوع، معلنين عن دخول الأنثروبولوجيا إلى عصر جديد يركز على إنتاج الاختلاف الثقافي كموضع لقوة وهيمنة الاستعمار الكولونيالي وما بعد الاستعمار (Clifford 1988, Dirks 1992, Marcus and Fischer 1986, Scott 1994).

أما القضية الثانية التي أثيرت في ثمانينات القرن العشرين فركزت بشكل خاص على إدعاء الأنثروبولوجيا بوجود معرفة موضوعية، ولفت أصحاب هذا التيار النظر إلى جوانب العمل الميداني التي تؤدي لا محالة إلى غموض المسائل، وفهمهما بالتقريب والحكم عليها من منطلق ذاتي، واللامساواة في العلاقات بين الباحثة/ الباحث القائم بالملاحظة والطرف الخاضع للملاحظة (Clifford and Marcus 1986, Behar and Gordon 1995). وحيث إنه تم توجيه هذا النقد إلى الجوانب المعرفية التي يتفرد بها علم الأنثروبولوجيا، فقد استجاب له عدد من الأنثروبولوجيات ذوات التأثير بأن ابتكرن نوعًا جديدًا من الكتابات الأنثروبولوجية أسمينه الأنثروبولوجيا الانعكاسية” (Reflexive Anthropology)، وفيه تعطي الباحثة الأنثروبولوجية أهمية كبيرة لوضعها المميز كباحثة، فتلفت الانتباه إلى ما ينتج عن هذا الوضع من مشكلات، كاختزال الظواهر إلى عناصرها البسيطة، واعتبار الأفكار أشياء محسوسة، وجعل كلام الباحثة يبدو كما لو كان هو كلام المبحوثين، والنزعة الجوهرية، وكلها مشكلات متوطنة في أو مشروع بحث أنثروبولوجي (Crapanzano 1980, K. Dwyer 1982, Koptiuch 1999 Lavie 1990).

وقد أثرت هذه الكتابات النقدية للأنثروبولوجيا تأثيرًا كبيرًا على دراسة النساء في مجتمعات المسلمين بطريقتين هامتين اثنتين على الأقل. وقد أتاحت الطريقة النقدية الأولى مجالاً نقديًا للتعبير عن ضيق كثير من الباحثات والباحثين الذين درسوا مجتمعات المسلمين من تصوير الإسلام من منظور المذاهب الجوهرية واللاتاريخية التي تعاملت مع الإسلام كنظام فكري معزول إلى حد بعيد عن القوى السياسية والاقتصادية والتغير الاجتماعي (Geertz 1968, Gellner 1961). وقد عبرت التحليلات التي ركزت على دراسة النساء في مجتمعات المسلمين، بصورة تفوق غيرها من التحليلات، عن هذا الفهم للإسلام كنظام سياقي جامد لا يراعي التغيرات التي تطرأ مع مر الزمن، إذ صورت الإسلام في صورة العنصر الوحيد الذي يحدد السمة الأبوية لهذه المجتمعات، وكثيرًا ما تجاهلت كيف أسهمت الترتيبات الاجتماعية الاقتصادية والسياسية في تكريس أشكال اللامساواة الثقافية والتاريخية بين النساء والرجال (Abu- Lughod 1989, Ahmed 1982, Hammami and Rieker 1988, Lazreg 1989, Mohanty et al. 1991). كما اتهم هؤلاء النقاد والناقدات اللغة المجازية التي صورت النساء المسلمات ككائنات سلبية مقهورة بأنها خدمت القوى الاستعمارية كأداة مقنعة استخدمتها هذه القوى لتبرير تفوق الحضارة الغربية على عالم المسلمين، مما أتاح لها صياغة تدخلها الاستعماري بلغة بريئة، هي لغة إنقاذ النساء المسلمات من القهر الأبوي الذي توقعه بهن ثقافتهن المحلية (Ahmed 1992, Alloula 1986). وقد جادل هؤلاء الباحثون والباحثات في أن هذه اللغة لم تقتصر على المكر والخداع، بل أن هذا النهج جعل اللامساواة بين الجنسين تبدو كعاقبة للعقائد الدينية وسلطة النص أكثر منها نتيجة لعوامل اجتماعية وثقافية مركبة، لعب فيها الحكم الاستعماري دورًا رئيسيًا لا يقل عن الدور الذي لعبه الدين.

وقد أدى نقد المقاربات الموجودة لدراسة النساء في مجتمعات المسلمين إلى ظهور بدايات أبحاث أنثروبولوجية ساعدت في إزاحة الصورة النمطية التي تصور النساء في مجتمعات المسلمين كضحايا سلبيات للقهر الأبوي، ولفتت الانتباه إلى السبل الكثيرة التي سلكتها النساء وخلقن بها عوالم مركبة، وقاومن سيطرة المعايير والقيم المحيطة بهن، بل وتواطأن أحيانًا لمساندتها (Abu -Lughod 1993, Boddy 1989, Callaway 1994, Friedel 1989, Hegland 1991, Mies 1982, Tohidi 1998). وقد أشارت هذه الدراسات أيضًا إلى الإسلام كديانة واحدة بين الكثير من التقاليد الدينية التي تمارس في مجتمعات المسلمين، مما أوجب على الباحثين والباحثات الاهتمام الكافي بخصوصيات السياقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تعيش فيها النساء المسلمات وغير المسلمات في هذه المجتمعات.

أما التيار النقدي الثاني فقد صوب سلاحه نحو ادعاء الأنثروبولوجيا بامتلاكها المعرفة الموضوعية، وهو الأمر الذي ألهم هذا الفرع المعرفي الأخذ بالإثنوغرافيا الانعكاسية، كما أثرت أيضًا تأثيرًا معتبرًا في الدراسات التي تجري عن النساء اللاتي يعشن في مجتمعات المسلمين. ويتجلى هذا في اهتمام الباحثات الأنثروبولوجيات بوضعهن الذاتي كباحثات، الذي لم يعد مرادفًا للوضع الذاتي للباحث الرجل المنحدر من أصل إنجليزي، لكنه وضع تستتبعه ميزات وتعقيدات ومتطلبات متناقضة أخرى تستدعي الأخذ باستراتيجيات أخرى في التحليل وطرح الفرضيات (Abu- Lughod 1993, Altorki and El- Salh 1988, Behar and Gordon 1995). والباحثات الأنثروبولوجيات اللاتي سلكن هذا السبيل في كتاباتهن أوضحن أن هويتهن العرقية الذاتية ووضعهن في مجال الدراسات الأكاديمية الغربية يؤثران لا محالة في نوع المعلومات اللاتي ينتجنها عن مجتمعات المسلمين (انظري/ انظر: (Koptiuch 1999, Lavie 1990, Lazreg 1989). ولابد أنه قد اتضح لنا الآن أن الدراسات التي تجري عن النساء في مجتمعات المسلمين قد مرت بتغيرات وإصلاحات هائلة منذ بداية ظهور الأنثروبولوجيا كفرع معرفي، ولدينا الآن مجموعة معتبرة من الكتابات المتباينة من حيث النقاط التي تركز عليها في التاريخ والنظرية وموضوعات البحث.

 

لدينا الآن مجال لتقييم الأسئلة التي أثارها هذا الموضوع وإعادة التفكير فيها، والتفكير في الاتجاهات الجديدة وما فيها من فجوات تحتاج لمن يدرسها، ويرجع الفضل في هذا إلى الخطوات التي اتخذت في مجال الأبحاث التي تتناول هذا الموضوع. ورغم التغيرات المعتبرة التي مر بها علم الأنثروبولوجيا، خاصة في دراسة النساء اللاتي يعشن في مجتمعات المسلمين، يستحيل تقديم صورة تمثل هذا التاريخ كمجرد مسيرة من التقدم المستمر، حيث حلت أساليب مستنيرة في التحليل محل الأساليب الخاطئة. ويرجع ذلك إلى أن الأساليب القديمة في التفكير غالبًا ما يصعب التخلي عنها، وأيضًا لأن الأبحاث الجديدة تميل إلى توليد مشكلات فكرية جديدة ناتجة عن الأوضاع التاريخية الجديدة والتحولات التي حدثت في النماذج السائدة للتحليل. لذلك فمن المهم أن نتتبع بعض الأسئلة الجديدة التي تولدت عن الأبحاث التي أجريت في فترة ما بعد الاستشراق بخصوص النساء اللاتي يعشن في مجتمعات المسلمين، وأن نفكر في مختلف المناهج التي يمكن أن نتناولها بها.

من القضايا الملحة التي يواجهها المحلل الطبيعة الإشكالية لفئة النساء المسلمات، والتي توخذ كأمر مسلَّم به، مع أنها في الواقع تتطلب شيئًا من التحليل، حيث تظهر على الفور المشكلات الناتجة عن الطابع الجمعي الذي يدل عليه مصطلح النساء المسلماتعندما نقارنه بمصطلح النساء المسيحيات“. فمن الواضح أن المصطلح الأخير مع استخدامه لوصف النساء المسيحيات النشطات في المجال العام أو الورعات – نادرًا ما يستخدم للدلالة على النساء اللاتي يعشن في بلدان متفرقة كجنوب أفريقيا وتنزانيا والولايات المتحدة الأمريكية وبولندا وفرنسا وإيطاليا وأستراليا، وكلها بلدان ذات أغلبية مسيحية من السكان. والحق أن الأكثر شيوعًا هو الإشارة إلى النساء اللاتي يعشن في مجتمعات أغلبية سكانها من المسيحيين بهويتهن القومية لا بعلاقتهن بعقيدة ما. (مثلاً، رغم أن فرنسا ذات أغلبية تدين بالمذهب الكاثوليكي، تتم الإشارة إلى النساء اللاتي يعشن فيها بمصطلح النساء الفرنسياتلا بمصطلح النساء المسيحيات“. وبعبارة أخرى، غالبًا ما يشير مصطلح النساء المسيحياتإلى جماعة من النساء النشطات في ممارسة الديانة المسيحية، ونادرًا ما يشمل المسيحيات اللاتي لا تحذين حذوهن. لكن يبدو أن المصطلح الذي يشير إلى النساء المسلمات لا يميز شتى فئات النساء المسلمات كما يفعل المصطلح الدال على النساء المسيحيات.

وتزداد المشكلة تعقيدًا عندما يتضح أن الكثير من المناطق التي تشكل عالم المسلمين تسكنها كتلة سكانية كبيرة من غير المسلمين (كما هو الحال في إندونيسيا وماليزيا والهند ومصر وفلسطين، وهلم جرا). وترد في عنوان هذه الموسوعة عبارة النساء في الثقافات الإسلامية، وهو عنوان يحاول تناول هذه المشكلة جزئيًا بالتلميح إلى أن هذا المشروع معني بتوثيق حياة جميع النساء (سواء كن مسلمات أم غير مسلمات) اللاتي يعشن في مختلف أرجاء عالم المسلمين، أو ما تسميه الموسوعة الثقافات الإسلامية. وكما يبدو من المسح السريع للكتابات الأنثربولوجية، تكثر الدراسات التي تناولت موضوع النساء المسلمات، لكن القليل من الكتابات الإثنوغرافية تعنى بتوثيق الأوجه المركبة لحياة النساء غير المسلمات اللاتي يعشن في ظل ثقافات إسلامية (للاطلاع على نماذج استثنائية انظري/ انظر: Joseph 1983, Peteet 1991 ). إن هذه فجوة إشكالية بشكل خاص، بافتراض أن كتلة كبيرة من السكان غير المسلمين قد استوطنت بلاد المسلمين على مر التاريخ، وكان لهذه الكتلة السكانية من غير المسلمين أثر كبير على طريقة ممارسة الإسلام في هذه المناطق، كما لعب القالب السياسي الذي اتخذه الإسلام دورًا رئيسيًا في تشكيل هوية أفراد هذه الكتلة السكانية وصورتهم الذاتية. (فمثلاً، كثيرًا ما يصف أقباط مصر أنفسهم كجزء من الحضارة الإسلامية، منذ نشأة الدولة القومية بعد رحيل الاستعمار). وفي ضوء ظهور الحركات الإسلامية الشعبية حديثًا، والتي يعضد بعضها تطبيق الشريعة الإسلامية، صار من الأهمية بمكان دراسة كيفية تأثر النساء غير المسلمات بهذه التطورات التي طرأت على عالم المسلمين.

بل إن عبارة الثقافات الإسلاميةالتي وردت في عنوان هذه الموسوعة لتناول بعض القضايا التي أثيرت سابقًا هي عبارة لا تخلو من المشكلات. وأول سؤال يرد إلى الذهن هو كيف يحدد المرء هذا الموضوع؟ فدائمًا ما يتساءل علم الأنثروبولوجيا عن مصطلح الثقافة الإسلامية: هل يمكن وصف ثقافة عن طريق الإشارة إلى الديانة التي يعتنقها السكان الذين يعيشون في ظلها؟ كيف يتأتي لنا أن نصف ممارسة ثقافية ما بأنها إسلامية مع التزام المسلمين وغير المسلمين بها على حد سواء، ومع أنها لم تظهر أصلاً مع ظهور المصادر الإسلامية المكتوبة؟ وكيف نقوم بتحليل أشكال الانتماء الأخرى القومي والعرقي والديني التي لا يشملها الإسلام، والتي لا تتعلق صيغ وجودها بالإسلام إلا عرضًا؟ وبعبارة أخرى، كيف يعطي المرء وزنا تحليليًا متساويًا لمختلف أوجه الحياة الاجتماعية التي يشملها مصطلح الثقافةدون أن يختزل أحدها في الأخرى؟

بل إن المسألة تزداد تعقيدًا عندما يفكر المرء في الأقليات المسلمة التي تعيش في بلدان ذات أغلبية غير مسلمة. مثلاً، هل هناك معنى للقول بأن مسلمي الهند الذين يشكلون أكبر أقلية مسلمة من السكان في العالم اليوم يعيشون في ظل ثقافة إسلامية، أم هل تراهم يعيشون في ظل ثقافية هندوسية؟ هل يمكن فصل الاثنين عن بعضهما البعض؟ وإذا كان هذا ممكنًا، فعلى أي أساس يجري هذا الفصل، ومن الذي يجريه؟ وبافتراض التاريخ الطويل لحكم المسلمين للهند والإرث الثقافي المهول الذي يسيطر عليه هذا التراث، يشير هذا السؤال إلى الطرق المعقدة التي دفعت بها الأيديولوجيا القومية مسائل الانتماء الديني إلى الانزواء في عنق الزجاجة الضيق لفئتي الأغلبية والأقلية. وتوضح القلاقل الطائفية التي اجتاحت الهند في العقدين الأخيرين، وتزايد العنف ضد المسلمين، أن هذه القضايا ليست مجرد قضايا أكاديمية. فمن المهم للباحثة والباحث المهتم بهذه القضايا التساؤل عن صلة عبارة الثقافة الإسلاميةبالخطاب المحدود للقومية. إن منطق مذهب سيادة الأغلبية يتطلب هنا أن توضع جميع مطالب الأقلية بالضرورة في إطار أشكال الانتماء التي يقرها مشروع بناء أمة واحدة، تجمعها وحدة الثقافة واللغة والدين.

يمكن الرد على ذلك بحجة أن المرء يمكنه تفادي أخذ موقف في مثل هذه القضايا بمجرد رفع الأصوات المحليةلتتحدث عن نفسها إثنوغرافيا، دون أن تتوسط في ذلك أية فئة من الباحثات والباحثين الأنثروبولوجيين أو السياسيين، بحيث يتوفر بهذه الطريقة تقرير حقيقيعن تباين الحياة في عالم المسلمين. وهذه الحجة يغذيها جزئيًا منهج البحث الفريد في علم الأنثروبولوجيا، ألا وهو الملاحظة بالمشاركة والعمل الميداني، وهو منهج يتطلب من الباحثة الأنثروبولوجية أن تعايش من تبحث حياتهم معايشة وثيقة وحميمة، لتجمع البيانات التي تحتاجها دراستها من ملاحظاتها للحياة اليومية لمن تدرس حياتهم. وكثيرًا ما يعتقد أن اقتراب الباحثة الأنثروبولوجية اقترابًا وثيقًا ممن تدرسهم يمنحها قدرة مميزة على التقاط دقائق حياتهم، ومعرفة ما إذا كانوا يعيشون حياة مليئة أم فارغة، وخشنة أم ناعمة. وبعض الباحثات الأنثروبولوجيات اللاتي سعين إلى نقل صورة تمثيلية للنساء اللاتي يعشن في عالم المسلمين، لتحل محل الصورة النمطية لهن، استخدمن هذه الدعوى الأنثروبولوجية للدفاع عن الكتابة بأسلوب إثنوغرافي يسجل بأمانة الطابع المركب للحياة التي تعيشها هؤلاء النساء، وفي نفس الوقت يرفض حبس روايتهن في إطار الفئات الأنثروبولوجية التي تختزل هذا الطابع المركب في تعميمات بسيطة (D. Dwyer 1983, Early 1993, Friedel 1989).

ومع ما يستهدفه مثل هذا الجهد من فوائد إلا أنه يثير بعض القضايا المقلقة، ويكمن جزء من المشكلة في الافتراض أن الأبحاث يمكنها تفادي فرض الفئات التحليلية الخاصة بالبحث بفضل تقديمها وصفا ثقافيًا كثيفًاأو تسجيلاً نقيًا لـ. “الأصوات المحلية“. وتحمل مثل هذه الفرضية إشكالية لما تسببه من صعوبة في فهم أن أي وصف أنثروبولوجي يتضمن عملية اختيار وترجمة وتنظيم، وكلها تفرض نوعًا أو آخر من النظام الذي تختاره الباحثة أو الباحث الأنثروبولوجي لتصنيف البيانات. وهكذا يستحيل تجنب مشكلة العثور على فئات تحليلية وأطر نظرية ملائمة باسم الأنثروبولوجيا الوصفية. بل إن الأسئلة الشائكة عن كيف يحدد المرء ماهية الثقافة والدين وفئة النساء ما زالت بحاجة إلى الدراسة من أجل إنتاج أبحاث تحليلية نافذة البصيرة عن عالم المسلمين.

 

إن القوة السياسية التي صار يحملها الدين في القرن الأخير تثير مزيدا من المعضلات التحليلية أمام الأبحاث التي تدرس النساء اللاتي يعشن في الثقافات الإسلامية. وعلى عكس توقعات الحداثة بتراجع الانتماء الديني بكافة أشكاله في القرن العشرين، ارتفع الاهتمام الشعبي بالدين ارتفاعًا حادًا في جميع أنحاء العالم. وفي السنوات الثلاثين الماضية شهد عالم المسلمين صعودًا مثيرًا للحركات الإسلامية (يشار إليها عادة باسم الإحياء الإسلامي“) والتي تتكون من الأحزاب السياسية الإسلامية ونطاق من الأنشطة الثقافية وأنشطة الجمعيات التي تنتظم حول مبادئ وممارسات إسلامية (Hefner 2000, Hirschkind 2001, Mahmood forthcoming, Peletz 2002). وفي الواقع أن تكتمل أية مناقشة حول عالم المسلمين دون إعطاء اهتمام كاف لهذه الظاهرة، علمًا باجتياحها لنطاق متسع من البلدان (من جنوب شرق آسيا إلى آسيا الوسطى والشرق الأوسط وأفريقيا)، والتحدي الذي تطرحه على الأيديولوجيات القومية واليسارية التي سيطرت على عالم المسلمين منذ ثلاثينات القرن العشرين. والملحوظ أن ظاهرة الإحياء الإسلامي تزدهر الآن أيضًا بين المسلمين الذين يعيشون في أمريكا الشمالية وأوروبا. وقد لفت هذا التطور أنظار الباحثات والباحثين الأنثروبولوجيين على نحو متزايد، كما يجري الإعداد حاليًا لعدد من الرسائل الأكاديمية الهامة عن هذا الموضوع.

ومن تناقضات الحركة الإسلامية أنها ما زالت ذات طابع أبوي قوي رغم كثرة أتباعها من النساء، وأن الكثير من المشاركات والمشاركين فيها متمسكون بالأوامر والممارسات الإسلامية التي تكرس اللامساواة بين الجنسين. ونتيجة لذلك، أعادت هذه الحركة التأكيد على الآيات القرآنية والأحاديث التي تعضد تفوق الذكور على الإناث، وهي الآيات والأحاديث التي تم استخدامها تاريخيًا لتبرير تقييد دخول النساء إلى المجالات العامة. ورغم الصحوة التي شهدتها هذه الأنواع من الممارسات القائمة على تفاسير معينة لهذه النصوص، إلا أن الحركات الإسلامية كانت أيضًا سبيلاً هامًا من سبل دخول النساء إلى مجالات التربية الدينية وتفسير النصوص والنشاط الديني العام، بشكل غير مسبوق (Brenner 1996, Mahmood 2001, Mir- Hosseini 1999).

وقد حاولت الباحثات والباحثون تحليل هذا الجانب المتناقض من الحركة الإسلامية من وجهات نظر متنوعة نظريًا، حيث يؤكد عدد معتبر منهم على أن الطابع الأبوي للحركة الإسلامية قد يفسره تهديد النساء للرجال بغزوهن للمجالات العامة في العصر الحديث (كمجالات التعليم والتوظف وشغل المناصب العامة) التي كانت مقصورة على الرجال قبل ذلك، وهو أمر طرح بقوة بشأن الجماعات الإسلامية ويدور في مناطق متفرقة كالمغرب وماليزيا وبنغلاديش، وذلك على سبيل المثال لا الحصر (Mernissi 1987, Ong 1990, Siddiqi,1999). ويتم طرح الفكرة على النحو التالي: لقد غيرت الفرص الحديثة شكل حياة النساء حين فتحت لهن أبواب التعليم والعمل، أما رجال هذه المجتمعات فقد لجأوا إلى القيم الأبوية الإسلامية العريقة لمعاقبة النساء على تدخلهن في هذه المجالات بعد أن شعروا بعدم الأمان لمنافسة النساء لهم في المجال العام. ويجادل هؤلاء الباحثون قائلين أن الرجال المسلمين يرون أن مشاركة النساء في الحياة العامة تمثل عدواناً جنسياويردون عليه إما بإيقاع العقوبات الإسلامية بالنساء (ومن ثم مساندتهم لتطبيق مؤسسات الدولة للشريعة الإسلامية)، أو بتأكيدهم الشديد على القيم والممارسات المستقاة من التعاليم الإسلامية (ومن ثم انتشار الأزياء المحتشمة والأعراف الاجتماعية التقليدية) (Ong 1990, Mernissi 1987).

ومن المشكلات المتعلقة بهذه الحجة هي أنها تفصل بين العالمين الأيديولوجيين للنساء والرجال، إذ يبدو في هذا التحليل أن الأبوية الإسلامية تحكم هوية الرجال، بينما يرى هذا التحليل من الجهة الأخرى بأن نشأة هوية النساء تتعلق بالتحولات الاقتصادية والتغيرات في الأدوار ونمط الحياة الحديثة. كما يبدو أن هذا النوع من الحجج يلمح إلى أن الرجال يعانون من القلق الذي يأتي في ركاب التحولات الاجتماعية الاقتصادية (ومن هنا يأتي هجومهم على تحركات النساء). أما النساء فيعتنقن هذه التغيرات براحتهن، ولا يعوق تأقلمهن مع هذه التغيرات سوى المعارضة التي يواجهنها من قرنائهن من الرجال. وإذا سلمنا بأن الرجال والنساء الذين يعيشون في مجتمعات المسلمين يخضعون جميعًا للقيم الأبوية الإسلامية وللتحولات الاجتماعية الاقتصادية الحديثة، ألا يعد من الخطأ الافتراض بأن الرجال فقط هم الحريصون والمستفيدون من الإبقاء على الأيديولوجيا الإسلامية في حين تظل النساء على النقيض من ذلك؟ كما أن الأبحاث التي أجريت أخيرًا عن الحركات الإسلامية تشير إلى أن الكثير من الممارسات الإسلامية المرتبطة بالأشكال الأبوية للإسلام (مثل ارتداء الحجاب) لم يفرضها الرجال على النساء، لكنها نتجت عن تزايد اقتناع النساء بأنها التفسير الصحيحللإسلام (Brenner 1996, El- Guindi 1981, Gole 1996, Hale 1996, Mahmood 2001, Zuhur 1992). فإذا لم يرغب المرء في الارتداد إلى النماذج التفسيرية المستهلكة من نوع الوعي الزائفالتي نجحت بعض النسويات في الطعن فيها على عدة أسس، فإن السؤال التالي هو: كيف يشرح المرء هذا النوع من التفكير المنطقي من جانب النساء دون أن يعالج الاختياركتعبير عن ولع غير مبرر بالاستقلالية الفردية التي لا علاقة لها بقوة المجالات الثقافية والسياسية والاجتماعية المحيطة بسن القوانين التي تحكم هذه الاختيارات؟ (للاطلاع على أنواع أخرى من الإجابات مختلفة على هذا السؤال، انظري/ انظر: Abu- Lughod 2002, Gole 1996, Hirschkind and Mahmood 2002, Mahmood 2001 ).

ليس المقصود من هذا النقد انتقاء هؤلاء المؤلفات والمؤلفين دون غيرهم بسبب وجود أخطاء في تفكيرهم المنطقي، بل للإشارة إلى الصعوبات التحليلية التي يستتبعها الحفاظ على التوازن النقدي بين منظور يولي اهتمامًا كافيًا إلى التشكيلات الأيديولوجية الإسلامية وآخر يهتم بعمليات التغير المادي والاجتماعي الاقتصادي بما أدخلته من تحولات على عالم المسلمين (بالإضافة إلى تفسير النصوص) في الفترة الحديثة. ومع وضوح اتجاه نية الكثير من الباحثات والباحثين الذين يكتبون بهذه الطريقة إلى تجنب تقديم صورة للإسلام يظهر فيها متجمدًا عند فترة زمنية معينة، إلا أن كتاباتهم تساوي في النهاية بين النصوص الإسلامية وهوية الذكور ومصالحهم، وبين التغيرات الاقتصادية وحياة النساء، وبالتالي تفصل تلك الكتابات بين تحليل الأيديولوجيا وبين التغير المادي، وكذلك بين تحليل القوى الاجتماعية التي تشكل عالم النساء وبين مثيلاتها التي تؤثر في الرجال.

ومن أهم أسباب ظهور هذه المشكلة مرارًا وتكرارًا في الدراسات الأنثروبولوجية للجندر من حيث علاقات القوى بين الجنسين، هو افتراض أن جميع النساء، وبغض النظر عن الخطاب الذي شكلهن، يرغبن في التحرر من علاقات السيادة والخضوع التي يفرضها الرجال، باعتباره هو الهدف الذي يطمحن إلى تحقيقه. ونتيجة لذلك، مالت هذه البحوث إلى إضفاء صفة الطبيعية على رغبة النساء في التحرر من النظم التي يسيطر فيها الرجال على النساء، وإلى تجاهل رغبات النساء وطموحاتهن التي إما أنها لا تهتم بهدف التحرر أو لا تنتبه إليه (انظري/ انظر مناقشتي لهذه النقطة في Mahmood 2001، وانظري/ انظر أيضًا Stratherm 1987 ). لكن إذا سلمنا بأن جميع أشكال الرغبات مبنية على أسس اجتماعية، كما قالت عدد من النسويات في العقود القليلة الماضية، لكان من المهم أن تبحث الباحثات الأنثروبولوجيات نطاقًا من مختلف أنواع الرغبات الأخرى (حتى الرغبة في الإذعان لسلطة الذكور)، وألا يتم إضفاء صفة الطبيعية على الرغبات التي تؤدي إلى أنواع معينة من المشروعات السياسية دون غيرها. وتتطلب مثل هذه المقاربة من المحللة والمحلل عدم افتراض خضوع الرجال لدافع الرغبة في دعم اللامساواة بين الجنسين كما هي محفوظة في الإسلام، في حين أن النساء مستعدات بحكم تكوينهن لمعارضة هذا النظام. وعلى الأصح، تتطلب مثل هذه المقاربة من الباحثة والباحث الأنثروبولوجي الاهتمام بأنواع معينة من الفوائد، وفهم الذات وعلاقتها بالسلطة الاجتماعية، ونظم الترتيب الهرمي التي تربط النساء بنفس القوى التي تسيطر عليهن.

والأهم أن على مثل هذه المقاربة التحليلية أن تحرص على عدم ارتكاب نفس الأخطاء التي ارتكبتها أبحاث المستشرقين، التي ساوت ما بين الرغبة في الحرية والمساواة والاستقلالية وبين القيم الغربية، واعتبرت غياب هذه القيم مرادفًا لـ. “الثقافات الإسلامية“. ومن المهم إدراك أن مشروع إنشاء لغة تحليلية ملائمة قادرة على التقاط مختلف أنواع الالتزامات الشخصية والاجتماعية ليس مثل اكتشاف جوهر ثقافي أساسي يحدد سمات جميع من يعيشون في مجتمع معين. إن القول بأن جميع النساء يلتزمن بقواعد الحرية والمساواة في الثقافات الإسلامية يحمل نفس القدر من الخطأ الموجود في الافتراض القاتل بعدم التزام أي امرأة منهن بهذه القواعد. ومن التحديات الأساسية التي تواجه الباحثين والباحثات اليوم، عقب النقد الهام الذي تم توجيهه إلى أبحاث المستشرقين، إنشاء لغة مفاهيمية تحلل مختلف أنواع الالتزامات التي لا تنتمي بالضرورة انتماء شديدًا إلى ثقافة معينة، بل تنتبه إلى مختلف أنواع التشكيلات الخطابية والسياسية التي تشغل حيزًا ثقافيًا واحدًا في نفس الوقت. وكما اهتم الباحثون والباحثات يتعددية الالتزامات والمثل والأهداف التي تتواجد في أي مجتمع غربي ليبرالي، من المهم أن يهتموا بنفس القدر بتنوع المشروعات وتصورات الذات وهياكل السلطة والأهداف التي توجد بين النساء اللاتي يعشن في الثقافات الإسلامية، والتي لا يمكن اختزال أي منها في إطار واحد (مثل الدين، والمصالح الاقتصادية الذاتية، والمساواة بين الجنسين وهلم جرا). وربما كان التحليل الدقيق لسبل عيش الناس العاديين في العالم، على اختلافهم، هو أقوى ما يمكن أن يمنحه علم الأنثروبولوجيا من فهم لدراسة النساء اللاتي يعشن في مجتمعات المسلمين.

 

إن البرنامج البحثي الذي شرحته هنا بشأن دراسة الجندر دراسة أنثروبولوجية هو برنامج مليء بالتحديات، ولا يوجد موضوع يناسب احتياجاته على أفضل وجه أكثر من موضوع هذه الموسوعة. ويرجع ذلك إلى النطاق الواسع للسياقات الاجتماعية والثقافية والتاريخية التي تعيش فيها النساء فيما يسمى بـ. “الثقافات الإسلاميةاليوم، والتشكيلات الاجتماعية المختلفة جذريًا التي هن جزء منها. ويتجلى هذا الطابع المركب إذا ما نظر المرء إلى تنوع المناطق الجغرافية الممثلة في هذا المجلد وحده: إذ تتراوح ما بين الشرق الأقصى، وجنوب آسيا وجنوب شرق آسيا، إلى الشرق الأدنى والشرق الأوسط، وأفريقيا، وأوروبا، وأمريكا الشمالية.

ويزداد التعقيد الذي تستتبعه دراسة النساء في الثقافات الإسلامية تعقيدًا بفعل عاملين ذكرتهما باختصار من قبل: إن نسبة كبيرة من المسلمين تعيش كأقليات في مناطق مختلفة من العالم، كما أن قسمًا معتبرًا من السكان الذين يعيشون فيما يسمى الثقافات الإسلاميةليسوا بمسلمين. ثم يزداد الأمر تعقيدًا حين نختبر المجموعة الأولى منهما، أي المسلمين الذين يعيشون كأقليات. فعلى سبيل المثال نجد أن النساء المسلمات اللاتي يعشن في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية كأقلية يواجهن أنواعًا شديدة الاختلاف من الضغوط الاجتماعية والأسرية والسياسية عن نساء أقليات المسلمين اللاتي يعشن في أماكن مثل الهند أو آسيا الوسطى. ونتيجة لذلك، تتباين أنواع الإسلام الذي تمارسه هؤلاء النساء تباينًا شديدًا، حتى مع اشتراكها جميعًا في اتباع مجموعة أساسية من النصوص الإسلامية والتراث التشريعي. وتكشف كتابات الباحثات والباحثين الذين عملوا في هذه المناطق عن النطاق الشاسع للأسئلة المميزة لحياة النساء التي تتشكل في الظروف السكانية لـ. “الأقليات المسلمة” (انظري/ انظر مثلاً: Aswad and Bilge 1996, Haddad and Smith 1994, Hasan 1994, Jeffery and Basu 1998, Rath 2001).

وتظهر مجموعة أخرى من الأسئلة المهمة عندما يركز المرء على غير المسلمين من الجماعات السكانية التي تعيش في ظل أغلبيات ذات ثقافات إسلامية. ومن الجلي أن تاريخ النساء غير المسلمات يرتبط بالنضال السياسي والاجتماعي للنساء المسلمات في مختلف أنحاء العالم. ولنأخذ مثلاً الدور الرئيسي الذي لعبته المسيحيات الفلسطينيات في النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي في الفترة الحديثة، أو تاريخ النضال ضد الاستعمار الذي شاركت فيه المسلمات الهنديات مع مواطناتهن الهندوسيات والمسيحيات، وهو تاريخ ارتبط بشكل أقوى بإنشاء الدولة العلمانية عقب رحيل الاستعمار. إن هذا التعاون الذي يتخطى الحدود الدينية يرجع جزئيًا إلى التاريخ العلماني لهذا النضال، حيث اشتركت الفلسطينيات والهنديات في رؤية سياسية لا تعزى إلى انتماءاتهن الدينية. وقد تعرض تاريخ التضامن السياسي لشيء من الضغوط المقلقة في العقدين الأخيرين، إذ كسبت الحركات الدينية أرضًا في كل من فلسطين والهند (الحركات الإسلامية والهندوسية على التوالي)، وضاعت القيم العلمانية التي وفرت الترابط الأيديولوجي بين المشروعات الجماعية. ويمكن ملاحظة نفس هذه المجموعة من التطورات بدرجات متفاوتة في السودان وماليزيا وإندونيسيا ومصر.

وقد حاولت مجموعات النساء العلمانيات التي واجهت هذه التحديات خلق روابط مؤسسية وسياسية تتخطى الحدود الدينية، بدافع الاعتقاد بأنه لابد من تجنيب الفوارق الدينية لصالح التضامن السياسي. لكن تنقصنا الكتابات الأنثروبولوجية عن أشكال النضال البديلة التي تقوم بها النساء العلمانيات، مع وجود بعض الاستثناءات (Jeffery and Basu 1996, Hasan 1994 Peteet 1991)، وهو مجال يحتاج إلى المزيد من الاهتمام. وإذا اعتبرنا أن العالم الذي نعيش فيه الآن تكتنفه الصراعات السياسية، فلا يمكننا أن نبخس من قدر هذه الأبحاث.

حقًا، إن الأنثروبولوجيا كفرع معرفي تبدو في موقع بارز يتيح لها الاضطلاع بمثل هذا المشروع.

L. Abu-Lughod, Veiled sentiments, Berkeley 1986.

——, Zones of theory in the anthropology of the Arab world, in Annual Review of Anthropology 18 (1989), 267–306.

——, Writing women’s worlds, Berkeley 1993.

——, Do Muslim women really need saving? Anthropological reflections on cultural relativism and its others, in American Anthropologist 104 (2002), 783–90.

L. Ahmed, Western ethnocentrism and perceptions of the harem, in Feminist Studies 8 (1982), 521–34.——, Women and gender in Islam. Roots of a modern debate, New Haven, Conn. 1992.M. Alloula, The colonial harem, Minneapolis, Minn. 1986.


S. Altorki, Women in Saudi Arabia. Ideology and behaviour among the elite, New York 1986.

S. Altorki and C. El-Solh (eds.), Arab women in the field. Studying your own society, Syracuse, N.Y. 1988.

T. Asad (ed.), Anthropology and the colonial encounter, London 1973.

B. Aswad, Key and peripheral roles of noble women in a Middle Eastern plains village, in Anthropological Quarterly 40 (1967), 139–52.

B. Aswad and B. Bilgé (eds.), Family and gender among American Muslims, Philadelphia 1996.

F. Barth, Political leadership among Swat Pathans, London 1965.

R. Behar and D. Gordon (eds.), Women writing culture, Berkeley 1995.

J. Boddy, Wombs and alien spirits. Men and women in the Zar cult in North Africa, Madison 1989.

S. Brenner, Reconstructing self and society. Javanese Muslim women and “the veil,” in American Ethnologist 23 (1996), 673–97.

——, The domestication of desire, Princeton, N.J. 1998.

B. Callaway, The heritage of Islam. Women, religion, and politics in West Africa, Boulder, Colo. 1994.

J. Clifford, The predicament of culture. Twentieth-century ethnography, literature and art, Cambridge 1988.

J. Clifford and G. Marcus (eds.), Writing culture, Berkeley 1986.

V. Crapanzano, Tuhami. Portrait of a Moroccan, Chicago 1980.

C. Delaney, The seed and the soil, Stanford 1991.

N. Dirks (ed.), Colonialism and culture, Ann Arbor 1992.

D. Dwyer, Images and self-images. Male and female in Morocco, New York 1983.

K. Dwyer, Moroccan dialogues, Baltimore, Md. 1982. E. Early, Baladi women of Cairo, Boulder, Colo. 1993.

F. El-Guindi, Veiling infitah with Muslim ethic. Egypt’s contemporary Islamic movement, in Social Problems 28 (1981), 465–83.

E. Evans-Pritchard, The Nuer, Oxford 1940.

E. Fernea, Guests of the sheik, New York 1969.

E. Friedel, Women of Deh Koh, Washington 1989.

C. Geertz, Islam observed, Chicago 1968.

E. Gellner, Saints of the Atlas, Chicago 1969.

N. Göle, The forbidden modern, Ann Arbor 1996.

H. Granqvist, Marriage conditions in a Palestinian village, Helsinki 1931.

Y. Haddad and J. Smith (eds.), Muslim communities in North America, Albany, N.Y. 1994.

S. Hale, Gender politics in Sudan. Islamism, socialism, and the state, Boulder, Colo. 1996.

R. Hammami and M. Reiker, Feminist Orientalism and Orientalist Marxism, in New Left Review 170 (1988), 93–106.

Z. Hasan (ed.), Forging identities, Boulder, Colo. 1994.

R. Hefner, Civil Islam, Princeton, N.J. 2000.

M. Hegland, Political roles of Aliabad women. The public-private dichotomy transcended, in N. Keddie and B. Baron (eds.), Women in Middle Eastern history.

Shifting boundaries in sex and gender, New Haven, Conn. 1991, 215–30.

C. Hirschkind, Civic virtue and religious reason. An Islamic counter-public, in Cultural Anthropology 16 (2001), 3–34.

C. Hirschkind and S. Mahmood, Feminism, the Taliban, and politics of counter-insurgency, in Anthropological Quarterly 75 (2002), 339–54.

P. Jeffery, Frogs in a well, London 1979.

P. Jeffery and A. Basu (eds.), Appropriating gender. Women’s activism and politicized religion in South Asia, New York 1998.

S. Joseph, Working-class women’s networks in a sectarian state. A political paradox, in American Ethnologist 10 (1983), 1–22.

K. Koptiuch, A poetics of political economy in Egypt, Minneapolis, Minn. 1999.

S. Lavie, Poetics of military occupation, Berkeley 1990.

M. Lazreg, Feminism and difference. The perils of writing as a woman on women in Algeria, in M. Hirsch and E. F. Keller (eds.), Conflicts in feminism, New York 1989, 326–48.

C. MacCormack and M. Strathern (eds.), Nature, culture and gender, Cambridge 1980.

V. Maher, Women and property in Morocco, New York 1974.

S. Mahmood, Feminist theory, embodiment, and the docile agent. Some reflections on the Egyptian Islamic revival, in Cultural Anthropology 16 (2001), 202–36.

——, Pious transgressions. Embodied disciplines of the Islamic revival, Princeton University Press (forthcoming).

G. Marcus and M. Fischer, Anthropology as cultural critique, Chicago 1986.

F. Mernissi, Beyond the veil, Bloomington, Ind. 1987.

M. Mies, The lace makers of Narsapur, London 1982.

Z. Mir-Hosseini, Islam and gender. The religious debate in contemporary Iran, Princeton, N.J. 1999.

C. Mohanty et al. (eds.), Third world women and feminism, Bloomington, Ind. 1991.

S. Mohsen, The legal status of women among Awlad Ali, in Anthropological Quarterly 40 (1967), 167–83.

C. Nelson, Public and private politics. Women in the Middle Eastern world, in American Ethnologist 1 (1974), 551–63.

A. Ong, Spirits of resistance and capitalist discipline, Albany, N.Y. 1987.

——, State versus Islam. Malay families, women’s bodies, and the body politic in Malaysia, in American Ethnologist 17 (1990), 258–75.

H. Papanek, Purdah. Separate worlds and symbolic order, in Comparative Studies in Society and History 15 (1973), 289–35.

M. Peletz, Islamic modern. Islamic courts and cultural politics in Malaysia, Princeton, N.J. 2002.

J. Peteet, Gender in crisis. Women and the Palestinian resistance movement, New York 1991.

J. Rath, Western Europe and its Islam, Leiden 2001.

M. Rosaldo and L. Lampher (eds.), Women, culture, and society, Stanford 1974.

F. Sabbah, Woman in the Muslim unconscious, New Haven, Conn. 1984.

E. Said, Orientalism, New York 1978.

D. Scott, Formations of ritual. Colonial and anthropological discourses on the Sinhala Yaktovil, Minneapolis, Minn. 1994.

D. Siddiqi, T. Nasreen, and others, The contest over gender in Bangladesh, in H. Bodman and N. Tohidi (eds.), Women in Muslim societies, London 1998, 205–27.

M. Strathern, An awkward relationship. The case of feminism and anthropology, in Signs 12 (1987), 276–93.

M. Strobel, Muslim women in Mombasa, New Haven, Conn. 1979.

L. Sweet, The women of ‘Ain ad Dayr, in Anthropological Quarterly 40 (1967), 167–83.

N. Tohidi and H. Bodman (eds.), Women in Muslim societies, London 1998.

E. Westermark, Ritual and belief in Morocco, London 1926.

S. Yanagisako and J. Collier (eds.), Gender and kinship. Essays toward a unified analysis, Stanford, Calif. 1987.

S. Zuhur, Revealing reveiling. Islamist gender ideology in contemporary Egypt, Albany, N.Y. 1992.

شارك:

اصدارات متعلقة

أسئلة وأجوبة بشأن الوقاية من كوفيد 19 ومكافحتها للعاملين /ات في مجال الرعاية الصحية
الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي