الجزء الثاني عشر من السنة الأولى

الجزء الثاني عشر من السنة الأولى

مصر في 16 آذار (مارس) سنة ١٨٩٤

موافق ۹ رمضان سنة 1311

المرأة وتعريفها

لقد المحنا في الجزء الحادي عشر من جريدتنا عن الخطاب الذي ألقاه حضرة صاحب السعادة متصرف لواء طرابلس شام الهمام في اللغة التركية لدى امتحان تلميذات مدرسة البنات في مدينة طرابلس بحضرة أصحاب الفضيلة نائب أفندي ومفتى أفندي ونقيب أفندي وهيئة شعبة المعارف المؤلفة من علما،طرابلس وكرامها من ذوى الوجاهة والفضل والعلم والنيل، واستلفتنا الأنظار إلى ما به من درر المعاني ونيالة الأفكار وسمو المدارك ورقة العراطف في حقوق المرأة وواجباتها وإيفاء بما وعدنا ننقل هذا الخطاب المقيد معربا إلى العربية عن جريدة طرابلس الغراء حيث قال أعزه الله.

أيتها البنات المصونات

إن أطفال الوطن هم منية الأمة والدولة المأمولة في الاستقبال وهذه المنية إنما تنمو بمهد التربية وتترعرع بحضن اللطف وتعيش بحجر الشفقة لديكن، إذ قد من الله عليكن بقوة مخصوصة معنوية صرين بها الحاكمات على قلوب البشر اجمع فكل مولود يبرز لساحة الوجود قد يلقى به إلى أحضان شفقتكن ويحال أمر النظر بحاله والفقد والاعتناء بمحافظته ووقايته في حالتي صحته وسقمه الى مرؤتكن تلك المرؤة الحارسة المتيقظة التي لا يعتريها الكسل ولا يسلمها العمل فهل سوى عين مرحمتكن

من مراقب بصير يرثى لحالة ذلك المولود الضعيف ليلا ونهارا سرا وجهارا، كلا بل لعمري إن الحكمة الالهية قد سنت بقانون المخلوقات إبداع هذه الوظيفة المباركة ليد إنصافكن إيداعا مقرونا بالأمنية الكاملة، فليس في الإمكان مراقبة ما بذلك من أنواع التشويق والتهديد. ولمن يا ترى يشكو الطفل إذا ألم به ألم أو اضطراب في ليل ذي ظلام حالك ويرد قارس. الغير أمه الشفوقة التي أنامته في حجرها على فراش التسليم ويمن يستغيث لسان حاله بتلك الاشارة الطفلية

فهل من مراقب لحاله وحركته في ذلك الليل المظلم غير شفقة تلك الوالدة النجيبة التي توثر تلبية ذلك المعـصـوم على لذة النوم والراحـة، ولا ريب أن الحنو والشفقة مودعان بقلب تلك الوالدة المحترمة التي لم تضن بنفسها عن تعريض وجودها اللطيف لتأثيرات الحر والقـر في سبيل محافظة الاولاد رافـضـة ترجيح وقاية نفسها التي تقتضيها أحكام قانون الطبيعة، فكأنها قد نالت منحة فضيلة باستثنائها فهل من موثر غير النحـو يجعلها صايرة على الجفا محتملة للأذى ممن يحملهم سوء أدبهم على تحقيرها ومس إحساسات إنسانيتها الرقيقة الموهوبة من البارى تعالى لهذا الجنس اللطيف، أليس ذلك بفضيلة تلاحظ بها الأطفال المعصومين الذين هم كالطيور اللطيفة لا يفرقون بين الخير والشر، فتميز لهم طعامهم مفيده عن مضره ومسالمه عن مخاطره حتى إذا ألم بهم أدنى ألم لامت نفسها واتعبت فكرها وحدسها، وأوجعت قلبها الرقيق أسا وأسفا ظائة أن ما ألم بهم قد نشأ عن صدور خطأ منها تهاونا في شأنهم هذا. ومن الأمور البديهية أن والدة عارفة لم تفتر عن تحرى وتجسس النقائص التي تبدو من أولادها. لان صغرهم حتى كبرهم حال حركاتهم وسكناتهم بأن تتعهدهم في أكلهم وشربهم ولباسهم عندما يميل أحد أولادها الذين شبوا في مهد تربيتها إلى ارتكاب خطيئة حملة عليها عنفوان شبابه قد تعمل الفكرة، فتصيب الفطرة بأن تنتهز الفرصة المناسبة لتعطف نظر شفقتها على ذلك الشباب وتبذل له دور النصائح حسبما قد قطر عليه هذا الجنس اللطيف من دقة النظر ورقة القلب، ولا ريب أن نسج النصح على هذا المنوال أشـد تاثيرا وأحكم تدبيرا بل أدعى للقبول والإذعان من تهديد الوالد لولده بالحنق والعنف إذ أن تهديد الوالد مهما يكن محقا بإجرائه قد ينتج الغيظ والحقد، فلا يدوم تأثيره إلا ما دامت التهديدات جارية خلافا لنصائح الوالدة المشفقة، فإنها تؤثر في القلب فترسخ في الذهن فتبقى دائمة، ومتى حصل بين الوالد والمولود ضغانة شديدة حصلت لفقد ذلك الوالد صبره ولجهل وعدم تدبيره وتدريبه، فلا يتصور شيء لتهوين شدة تلك الضغانة وتخليص ذلك الولد من التهلكة أحسن مما تجريه الوالدة من التدبير باستعمال الصبر والتأني، ومتى يبلغ الرجل سن الكهولية وخاض عباب الحياة وعارك عاديات الدهر خيرها وشرها وتناوبته صروف الزمان حلوها ومرها فليس له ثمة من شراب طهور يواسي به الأمة ويخفف فيه أحزانه، سوى أن تمنحه التسلية رفيقته الفاضلة وزوجته المحترمة المؤتمنة التي تشاركه في حالتي السراء والضراء وتسره بأن تقدر له قيمة ما يناله زمان إقباله من النعم الإلهية حق قدرها ألا وهي التي تشاركه في حياته بتلك النعمة مشاركة محقة، وعندما يصاب المرء بمصيبة والعياذ بالله تعالى تحوق به شماتة الأعداء ذوى الأغراض والأهواء المختلفة وتشفيهم منه بإظهار التبسم، ولما كان فقد السبب داعيا لزوال المسبب فعند الأدبار تزول كل محبة مستترة تحت سجاف الآمال المخصوصة ويضحى مهملاً عند أهل الدنيا غير مبالين بشانه، حتى إن المتمسكين بأذيال الفتنة قد يتباعدون عنه أيضا عن ملازمته رويدا رويدا اتباعا لملاحظات مخصوصة، فهل لذلك المنكود الحظ من مرهم يواسي به جراحه الناشئة عن تجنب أولئك الناس حينئذ سوى كلمات التسلية التي يتلقاها من زوجته المشفقة التي هي مأوى حبه وبيت تفريج أحزانه حينها يبث لديها ما ألم به ونغص عليه عيشه كلا بل إن الإنسان المعرض لحوادث الدهر المتنوعة قد يسره زمان إقباله أدنى تبسم تبديه له زوجته، تلك الرقيقة المشاركة له في حالتي النعم والبؤس، وإن اللذة التي يكسبها من تلك المسرة الصادرة عن طوية خالصة لا يضارعها شقشقة بشاشة المتصنعين من الخلق الذين لم يخلصوا أنفسهم عن شوائب الأهواء المختلفة ولم يطابق ظاهرهم لباطنهم وهذا أمر مسلم لدى من اختبر الدهر خيره وشره وذاق حلوه ومره وإن من الأمور البديهية أيضا أن الإنسان في هذا العالم الفاني تفرغ يده عن العمل بتـقـدم عـمـره، فهل لهذا شيخ فـان مـن متـرقب يزامله حتى فراغ أنفاسه المعدوده في بيت عزلته أو من مؤنس يتلذذ بالتسلى معه في كل أن وشأن سوى زوجة مثقفة منحه الله بقاها

ولدينا أه. آخر وإن يكن مجهولاً عند أكثر الناس عديمي الوقوف على حقائق أحوال الحياة إلا إنه مشهود ومعروف لدى ذوي البصائر. وذلك أن من يمعن النظر بأحوال النساء يجد أن ذلك الجنس اللطيف قد امتاز بدقة الفكر ورقته حالة اختصاصه في الأكثر بالمزاج العصبي وسرعة الانفعال خلقا وطبعا قد ملك خاصيه ثمينة يدرك بها درجة إفساد التأثيرات الانفعالية بمصلحته، فيلافيها بالصبر ويدرأها بالحزم وكل ذي بصيرة نيرة يدرك احتياجه في شؤونه المشاورة والدته الماجدة وزوجته الفاضلة، ويعلم يقينا أن البركة والنجاح بتلك المشورة، والحاصل ليس هذا الجنس اللطيف مـعـد للاستفادة أو إلى الطفولية وأمر تدبير المنزل فقط كما يتوهمه كثيرون من الناس. حاشا بل هو المستشار المؤتمن الذي لا مندوحة عنه للإنسان في كافة درجات عمره وأطوار حـيـواته، وهو المعين الأمين في كل حـال وحـين. فيا أيها البنات قد قلت لكن أنكن الحاكمات على قلوب البشر، وإننى لأعتقد أن هذه التفصيلات قد أثبتت مصداق ما قد قلته، وقد مثلت لكن سيدة فاضلة فاعلمن أن استلام مرقاة الصعود لأوج تلك الفضيلة لا يحصل إلا بدلالة السنن الشرعية والمعارف العصرية وها إن سيدنا ومولانا الخليفة السلطان الأعظم المحبوب عند جميع الأمم المتصف بالعدل والإحسان والكرم المشابه لسيدنا الفاروق بحسن الخصال والشيم قد أحسن وتفضل عليكن بهذه المدرسة لكيما تتذكي أنفسكن بالآداب الشرعية وتتزين صفاتكن بحلى الفنون وجواهر المعارف وإننا لنفخر بكن إذ قد شوهد منكن إنكن لم تضعن هذا الوقت النفيس سدى بل تدابن ليلاً ونهارا ببذل المساعي والاجتهاد في سبيل التحصيل من يانع ثمرات الفضل والعرفان وإن إبراز مأثر الحـمـيـة والمروءة من معلماتكن وعناية نوى الحـمـيـة بإصـلاح شؤون مدرستكن هذه، لاسيما فضيلة الشيخ على أفندي رشيد وذوات مجلس المعارف المتشكل تحت رياسته لأثر يذكر فيشكر ولا ارتاب بأن نجابتكن ستجعلكن ممتنات للموما اليهم على الدوام ونحن نعلم أن من واجبات صدق عبوديتنا لدى الاعتاب الملوكية القيام بتعهد نواقص مدرستكن وإكمال جداول دروسها بالصورة الموافقة للاحتياجات العصرية إتباعا لإرادة سيدنا أمير المؤمنين الذي من أخص أمالة السلطانية ترقى سعادة صنوف تبعته السنيه، وأن همم صاحب العطوفة حضرة خالد بك أفندي والى ولاية بيروت الجليلة هي الضامنة الكافلة لتعميم المعارف، إذ أن المشار إليه لم يفتر لحظة ما عن بذل المساعي في سبيل إصلاح شعبات إدارات الولاية فاسأل الله خالق البرايا ووهاب العطايا الذي من عليكن بخاصية والدية المدنية ومربية الأمة أن يتيح لكن إظهار هذه الآثار من القوة إلى الفعل وأن الذي يلزم علينا أن لا نتكاسل أو نتـهـاون بالأسباب الظاهرية، وأن نعلم قدر احـسـانات ولی نعـمـتنا الأعظم، فنقوم بواجب العبودية، ولا أتصور شخصا يستعظم الأمل بصيرورة حفيدات قوم أنجاب يفتخر بمشاهير نسائهم أن يصرن مربيات للأمة ووالدات للمدنية، وإني لا أجد أن نتيجة امتحانكن هذا هي براعة استهلال هذه الحجة كما أرى أن أداء الدعوات الخيرية في البكرة والعشية للذات البديعة الصفات الملوكية من الواجبات العقلية والنقلية وفي كل مقام يحسن ختم الكلام بالصلاة والسلام على خير الأنام.

 

السلاملك

تابع ما قبله

هي من أهم الحفلات المشهودة والجتماعات المعدودة عند أهل الاستانة العلية يقصدها في يوم الجمعة كل مقتدر على الخروج مشاة وركبانا رجالاً ونساء وما من قادم للاستانة العلية إلأ ويبقى فيها يوم الجمعة لحضورها وما من تأليف الف في وصف الاستانة الأ وبه ذكر السلاملك

فمن الساعة 11 صباحا (قبل الظهر بساعة) يبتدئ تقاطر العساكر من التكنات والترسانة العامرة، وعند الظهر تحضر الآيات العسكر من ثكنات يلدز وأحيانا يبلغ مجموع هذه العساكر 15 ألفا بين بيادة وفرسان وبحرية، وتصطف صفوفاً على شكل مربع مستطيل أحد أضلاعه السراي السلطانية والثلاثة الأضلاع الأخرى صفوف من الجنود المظفرة، ولا يسمع هناك إلا صلصلة السلاح وصهيل الخيل ولا يرى غير لمعان السيوف وحراب البنادق وسطعان الثياب المقصبة والوسامات العلية بين مرصعة وغير مرصعة ومن الذهب والفضة، ووراء هذا الجمع الغفير تقف عربات المتفرجين وتعد بالمئات وأكثر من بها من ذوات الخدور والمربيات في حجال القدسور بلبسهن الفاخر ودلالهن الساحر ومتى انتظم عقد العسكر ينقطع المرور بينهم للمارة لأي سبب كان والمتفرجون الذين يقصدون الدخول إلى الكشك المعد لحضورهم يحضرون قبل الوقت المعين ويدخلون بموجب رقعة الحضور التي تكون بيدهم

ويبتدى السلاملك بدخول عربات تقل انجال مولانا السلطان الأعظم بملابسهم العسكرية ثم حضرات صاحبات الدولة والعصمة مقام والدة الحضرة السلطانية قادن سلطان وكريمات الجلالة الشاهائية العليات الشأن والخزندارة الرفيعة المقام، فتقف عجلاتهن إزاء الجامع ويسرع الخدم والحشم بفك قيود الخيل من عجلاتهن

ثم يأتي اثنان من الياوران على فرسين مظهمين مسرعين كل الإسراع وهما عـلامـة تـحـرك الركاب العالي من يلدز المعالي فتنادي الموسيقى وتؤمـر العـسـاكـر بالاستعداد لأداء السلام فترفع السلاح ويسل الأمراء سيوفهم من أغمادها، وعند ذلك يصل الركاب العالي يتقدمة أربعة من الفرسان بلباس مخصوص وتتلوهم العجلة السنية وهي من أفخر العجلات تلمع كأنها قطعة من ذهب، وهي من نوع عربات اللاندو الكبيرة ووراءها الغلمان ويجرها اثنان من جياد الخيل بقرب كل واحد منهما اثنان من السياس بملابس فاخرة ووراء العجلة مئات من الياوران وكلهم ماشون على الإقدام إلا إذا كانت المسافة بين السراي والجامع بعيدة، ولكن عند وصولهم إلى أول موقع الحفلة يرجلون جميعا بلا استثناء.

ويكون عن يمين العجلة رئيس القرناء وعن شمالها اغادار السعادة الشريفة ومتي وصل الركاب السامي إلى أول الحفلة بشير جلالة السلطان إلى من يريد من كبار أمراء العساكر بالتقرب من عجلته السنية، فيسرع بإطاعة الأمر ويمشى بإزاء العجلة ولا يجلس أحد بجانب مولانا السلطان في العجلة غير بعض أنجاله المعظمين ويركب أمامه في الغالب دولتلو الغازي عثمان باشا وهو بملابسه الرسمية

وأما الحضرة السلطانية فتقلد ملابسها العسكرية عادتها الشريفة، وكلما وصلت إلى راية من الرايات المشفرة ترفع يدها الكريمة بالسلام العسكري وتصدح الموسيقى باللحن الحميدي وتنادي العساكر بصوت واحد (بادشاهم جق يشا)، ويتكرر هذا الدعاء عند تشريف الركاب العالي باب الجامع حيث يكون قد اصطف صفان من كبار العلماء وأعيان مأموري الملكية والعسكرية الذي تأمر الحضرة العلية بحد سورهم وعند ما ينزل جلالته من العجلة يحيى رعاياه ومن في الكشك باليد الشريفة ويقبله جمع من الخدمة بأطباق الذهب وعليها البخور والعطور ثم يدخل جلالته من باب مخصوص لا يدخل منه إلا أفراد من العائلة المعظمة السلطانية بمقتضى إرادة سنية وتبقى الجلالة الشاهائية

في حجرة مخصوصة لها شباك مذهب مطلة على الجامع وهذه الحجرة قرب المحراب أو أمام المنبر.

وبقرب الحجرة السلطانية حجرة أخرى يصلى بها شيخ الإسلام وبعض المقربين من العلماء

وعند نهاية العريضة تتقدم قائمة باسماء الحاضرين في الكشك المخصوص، فإذا رأى مولانا المعظم مناسبة أمر أحد القرناء الكرام تبليغ سلامه الرفيع إلى من يراه منهم وتدار على جميعهم المرطبات والسيكارات من الطرف الأشرف الشاهاني.

وفي الغالب يرجع الجناب السلطاني من الجامع إما على فرس أو على عجلة صغيرة يسوقها بيده الكريمة، ويكون موكب الرجوع مثل القدوم ثم يجلس حفظه الله في أحد الشبابيك المطلة على العـسـاكـر لرؤية مـرورهم وحـركـاتهم العسكرية واستعداداتهم الحربية ويحصل ذلك قبل خروجه من الجامع أو بعد عودته إلى السراي الشاهانية.

وبالجملة فمن يرى الأسـتـانة ولـم يحـضـر حـفلة السلاملك فكأنه لم ير شيئا ملخصا عن المقطم

مصر وبغداد وقرطبة واوريا

باريس

(تابع ما قبله)

ومن أعظم هذه القصور فخامة وزخرفة قصر اللوفر وقد وضع أساسه الملك فرنسيس الأول سنة١٥٤٠، واستمر البناء به مدة ثلاثمائة سنة، والذي بني فيه من عهد نابليون الثالث بلغ قيمته 75 مليونا من الفرنكات، وفي هذا القصر كافة التحف والمصنوعات والآثارات وجواهر اللؤلوء والألماس منهم سيف نابليون الأول الذي يساوي مايتين ألف ليرة فرنسوية وعقد من اللؤلوء والألماس ثمنه خمسون ألف ليرة فرنسوية بواسطة هذا العقد لؤلؤة واحدة تساوى عشرون ألف فرنك، وذلك ما عدا الألماسة الكبيرة المسماة أرجنت يبلغ قيمتها اثنى عشر مليونا من الفرنكات، وكذلك الألماسة التي اسمها مزارين قيمتها أربعة ملايين ونصف من الفرنكات وحجر واحد من الياقوت يساوي سبعة ملايين وثلث وفي بعض هذه القصـور تماثيل لابسـة مـلابس الرجال والنساء من أربع جهات الأرض،

ويوجد في باريس من الأبنية العظيمة غير هذه منها المدرسة العسكرية فدار المقعدين والمعطبين من الجنود فالبنك فالترسانة فدار الضرب فدار الطوابع ثم سرای البلدية فدار الأحكام ثم مقام دوائر المالية ومجلس الشورى ثم قصور الوزراء والسفراء والمتمولين التي لا تفوقها حسنا قصور الملوك.

وأيضا قوسا الانتصار المعروفان بقوسي النجمة وكروزل وباب سنت ونيس وباب سنت مرتين وكثير من الكنائس العظيمة منها الأسقفية طولها ١٢٦ مترا وعرضها ٤٨ مترا وارتفاعها ٣٤ مترا وعلو قبتها 68 مترا. وفيها المراسح الكثيرة وأعظمها الأوبرة الكبيرة والايطاليانية ثم التياترو الفرنساوي ثم الأوزبون وغيرها.

وفيها عدة مارستانات وأعظمها المعروف باوتل ديوفيل انشئ سنة 660 وفيه

۸۰۰ سرير ويعالج به كل يوم ۱۲۰۰۰ مريضا على وجه التقريب.

وفيها قاعات للعلم والصناعة واللاهوت والفقه والطب تتألف منها مدرسة عالية كانت أعظم مدارس الدين وفيها أيضا مدارس علمية للتاريخ الطبيعي وللغات الشرقية ومعرفة الآثار والكتابة القديمة، والتشريح والصيدلية والتجارة والزراعة وللعلوم الزراعية ولبناء الجسور والمعابر ولاختيار المعادن وللموسيقى والبلاغة

وفيها أيضا دوائر للصناعة بقاعة الفنون يدخلها من شاء ثم خمس مدارس كلية منسوبة لملوكها ثم مدرستان للبلدية خلاف المدارس الدينية ومدارس العمى والصم والبكم والصغار.

وفيها بسـتـان نبات ومتحف للتاريخ الطبيعي والمعارف والصور والتماثيل والنقوش وكافة الآثارات القديمة وحظيرة للحيوان وأخرى للطير والدبابات وبحيرة للأسماك على أنواعها

وفيها كثير من محافل العلماء والأكاديميات مع الجمعيات العلمية والادبية والدينية والصناعية والزراعية والتجارية والجغرافية والتاريخية، فضلاً عن نادي البورص الشهيرة والصناعة فيها كثيرة الرواج والعدد، وهي ذات معامل عديدة يشتغل فيها ۷۰۰۰۰ رئيس حرفة وأربعمائة ألف فاعل ودخل بلديتها يزيد عن المئة مليون فرنك سنويا

وقد سفكت بها الدماء أنهارا انتصارا لمبدأ الحرية في ١٤ تموز (يوليو) سنة ۱۷۸۹ يوم فتح سجن باستيل ويوم 5و6 تشرين الأول (أكتوبر) ويوم ١٤ تموز (يوليو) عام 1790 ويوم ۲۰و١۰ أغسطس و٢١ يناير من سنة 1794.

وفي 14 أكتوبر سنة ١٨٧٠ تقررت بها الجمهورية الحالية وفي 19 ستمبر سنة ۱۸۷۰ ابتدأ الالمان بمحاصرتها وفي ٢٨ يناير سنة 1871 استسلمت للألمان وفي 1 مارس سنة 71 دخلها ۳۰۰۰۰ الماني ولبثوا بها 36 ساعة

وقد انتظم بها جملة معارض أولهم سنة 1855 وأخرهم سنة 1859 ورحم الله من قال:

أفي كل قصر غادة وحلـيلها …وفي كل بيت روضـة وغديرها

وقال لها الله العلى صفاته سا …اسميك ما عم الليالي مرورها

أهنيك بالعمران والفخر دائما …لبانيك ما أخنى الدهور مرورها

رسائل ومقالات

الشعراء والشـعـر الـعـربـي

لحضرة الكاتبة الفاضلة الأنسة مريم خالد وكيلتنا في دير القمر وجبل لبنان

تابع ما قبله

ولقد طالما سمعت من البعض كلاما ذم به شعر الجاهلية من حيث أنه ليس مدركا عند الكثيرين جاعلين عدم الإدراك خللاً بالفصاحة لبعد الناظه عن مسموعاتهم وغرابتها عن ساحة مسموعاتهم وهكذا شأن كل غريب.

والحقيقة خلاف ذلك وليس شعراء الجاهلية بملومين على صنيعهم، فإن كلامهم الذي نحسبه في حيز الغريب كان مدركا مفهوما من أبناء جنسهم في تلك العصور، غير أنه لا يخلو قليله من النافر القبيح وهذا وإن كان لا يمنع من فهمه مخل بالفصاحة بالإجماع كقول الشنفري في لامية العرب:

دعست على غطش وبغش وصحبتی …سعار وارزيز وحر وافكل

وأين هذا من قوله:

وليلة نحس يصطلي القوس ربها …واقطعه اللواتي بها يتنبل

وهل أحسن من هذا الاصطلاء

وقانون الفصاحة لا يضع ما كان غير مفهوم أو ما يحتاج معه إلى كتب اللغة في مرتبة غير الفصيح، فإن المخل بالفصاحة يشمل النافر في السمع الثقيل في النطق وقد كان كلام العرب الذي نحسبه كالألغاز سهل المأخذ عندهم لا يحتاجون معه إلى كتاب يرجعون إليه أو عالم ينقلون عنه إلا ما كان من شعر أمية ابن أبي الصلت، فإنه أتي بالكلام غير المعروف عند العرب وعليه، فاللغويون لا يسـتـشـهـدون به حذرا من الوقوع بما لا تحمد عواقبه من الخلل في الكلام وارتكاب الخطأ الفاضح.

وقد كان العرب شديدي المفاخرة بشعرهم ولا يحسبون لغيرهم في النظم حسابا وقد بقيت الخلة مستكنة في نفوس نسلهم من السادات المسلمين وغيرهم حتى إنهم مع ولوعهم بنقل ما كتبه الحكماء من قدم يونان وغيرهم لم يقفوا لينظروا في شعر هوميروس الشهير الذي قد نقل إلى أكثر لغات الأمم المتمدنة مع أنهم غاصوا وراء حكمة اليونان ونقلوا إلى العربية ما شاءوا منها كأقوال أرسطو الحكيم وغيره من فحول اليونان، وما ذلك إلا لأنهم كانوا قليلي الاعتناء بما كتب غيرهم في هذا الفن، فكأنهم كانوا في غنى عن ما هو دون بضاعتهم على زعمهم.

وأما من حيث مواضيعه فالشعر العربي أنواع مختلفة وضروب متباينة، كالمديح والفخر والهجاء والحكم والغزل والرثاء من الأسماء إلى غير ذلك مما أضيق ذرعا دون حصره، وقد اختلف الشعراء من هذا القبيل فالبعض فاق الآخرين بالمدح وهذا تقدم عليهم بالغزل وذاك في ذات أمور تاقت غالبا عن حسن ذوق الناظمين وتباين الظروف التي تحيط بهم من حيث هم شعراء.

وقد أجمع الجمهور على أن أجمل الشعر ما كان بسيطا سهل المناولة خاليا من ركاكة اللفظ وغلط من خالف ذلك، وقال بعضهم أن المتنبى بلغ من المنزلة ما بلغ في عيون القوم بما كان يأتيه من عويص الكلام والأمر بالعكس، فقد غلط الكل المتنبي حيث أتي بمثل الجرش مع إمكان الإتيان بكلمة النفس، وهي لا تنقص عن معنى تلك وبها من سهولة اللفظ وسرعة الفهم ما لا يوجد في الجرش وأمثال هذه كثيرة في شعره

غير أن المتنبي جعل منزلته بحسن وصفه وجودة معانيه وسيع تصوراته وجزالة ألفاظه في مواطن الفخر والمديح وذكر الهجاء ونزوعه إلى الرقيق في مقام التغزل والعتاب، فهو في الأول كالصخرة الصماء وفي الثاني أرق من سلاسة الماء، والشعر ملكة في الإنسان تـوجـد فيـه بالطبع ويحسنها شأن كل الملكات ما يطرقها من الدرس والمطالعة والنظر فيما نظمه القوم السلف، فكأنها جوهرة ثمينةيزيد حسنها بما يحيط بها من الجواهر الأخرى التي هي أقل قيمة منها

ودليلي على أنها ملكة طبيعية ما نراه من حصول الإنسان عليها،وهو يعد في حالة البريرية بخلاف غيرها، فإن كل الأمم على اختلاف طبقاتها وتباين مشاربها تبدأ كلامها بالشعر وأقدم محفوظاتها منه، وذلك لأنه لا يمكن تحريفة بسهولة لما يصير إليه من تغير الأوزان وعدم استقامتها بخلاف النثر كما يرى جليا بالامتحان ولا يعلم حقيقة من نطق أولاً بالشعر العربي إذ التاريخ بذلك غير موثوق به والعلماء على اختلاف فيه ولا محل ولإيراد أرائهم على كثرتها في هذا الشأن،

وأطرب الشعر ما كان اسماه قصورا بحيث يسير في عالم الخيال ويمس حاسات النفس الداخلية، فيؤثر فيها الحزن والفرح الداخلي غير المنقطع ويلقى عليها المهابة ويغشيها بغشاء العظمة، ولهذا السبب فضل شعراء اليونان غيرهم من زملائهم، فقد غاصوا طويلاً وراء المعاني الفكرية الدقيقة حتى عادوا بأجملها وأرقها وصعدوا في ذلك التصورات وتناولوا الدراري فأضافوها الى شعرهم وأتوا بالدر، فصاغوه شعرا نفيسا

وهـم مـعـلمـو الشعر لأهل أوربا قاطبة بحيث يرجعون إليهم في أخذ المعاني ويقتفون أثارهم في حسن السبك وطرق الاستعارة.

ولا ريب أن الظروف المحيطة بالشاعر تؤثر تأثيرا بينا في شعره، فإن شعراء الجاهلية أكثروا من ذكر المطي والدار والمنزل والعريمة إلى غير ذلك مما لا يوجد إلا في الصحراء والبيداء وأما شعراء الاندلس فنقلوا إلى شعرهم تغريد الأطيار وخرير الماء وجمال الربيع ونقشوا شعرهم نقشا بديعا يماثل هيئة البلاد التي قطنوها

ومن غريب الأمور أن للشعر في كل اللغات وأكثرها عـصـورا تمتاز بحسن شعرها، فيصح أن تسمى بالعصور الذهبية للشعر: ففي الشعر العربي قد امتاز عصر الجاهلية وعند قوم اليونان عصر هوميروس وما بعده بقليل عند اللاتين عصر فرجيل شاعرهم

وهكذا في اللغات الحديثة، فعصر الإنكليز الذهبي هو عصر شكسبير من أعظم شعرائهم غير أنه نبغ عندهم بعده فحول من الشعراء كملتون وبيرون وتيسون وغيرهم وأما الافرنسيس فنبغ منهم جملة شعراء وأعظم شعرائهم بهذا النصر هو فيكتورهيكو. وعلى ما ترى أن الشعر أخذا بالتأخر بتقدم الأجيال، ولعل السبب بذلك عائد

و علي ما تري أن الشعر أخذ بالتأخر بتقدم الأجيال،و لعل السبب بذلك عائد إلى انهماك العالم المتمدن بالأعمال وأخذهم بناصر الميكانيكيات، فالناس في عصرنا الحاضر يقرأون ثمرة العصور الغابرة، وقلما يلتفتون إلى ما أنتجته القرائح الخاملة في هذه الأيام، ولعل هذا أيضا من جملة التوفيقات لأن الكماليات كالشعر وإن تكن ذات أهمية في تثقيف عقول البشر، فهي بدون فائدة في تقدم العالم الأساسي فإن ولترسكوت الشاعر العظيم والمؤلف الحاذق كان يقر بأن العظيم في عصره لم يكن من ألف روايات هذا عددها بل اعترف أن جمس وط محسن الآلة البخارية هو ذلك الرجل الفريد، ومع ذلك فلا نعلم ما سيكون من أمر الشعر في المستقبل إن ذلك لمتمكن في علم الغيب ولا يعلم الغيب إلا الله سبحانه وتعالى.

الزوجان

(أو الرجل والمرأة)

من استعرض أجناس البشر على اختلافهم في الجنس والند واللون وتبايتهم في الصورة والهيئة وتفاوتهم في الطبائع والأخلاق والعوايد والتقاليد والمشارب والمذاهب والأميال والغايات، يقف في مكانه محتارا يلاعبه تيار الاستغراب بين عوامل الآراء والأفكار في كيفية تسلسل العالم من أبوين أبدعهما الخالق عز وجل في البدء، زوجان لا يعرفان الخير من الشر وكلاهما بلون واحد وهيئة واحدة ولما عرفاهما واقترنا كان لهما من وراء هذا الاقتران وتلك المعرفة نسل بلغت ذريته في أيامنا هذه نحو 1500 مليون نفس، وهي منتشرة في القارات الخمس أي أسيا وأوربا وأفريقية وأمريكا وأوستراليا ولكن إذا أمعن الإنسان النظر وجـال الفكر في نظام هذا الكون وسلسلة هذا التناسل لا يلبث أن يسلم أولاً بقدرة صاحب الحكمة السامية التي أوجدت هذا النظام وحـبـتـه روح النمو والارتقاء بواسطة الزواج والايلاد، ويعترف ثانيا بفضل الزوجين بدون امتياز أحدهما وتفضيله عن الآخر لأن الله تعالت قدرته خلق من الماء الجماد، ولما كان الجماد كفومًا للنبات أوجد النبات ولما كان النبات كفوءا للحيوان خلق الحيوان ولما كانت هذه المخلوقات كفوءا لخدمة الانسان أبدع الإنسان ولما كان الإنسان لا يقوم في الحياة الدنيا بدون شريك وأليف أخذ سبحانه وتعالى ضلعا من أضلاعه وجعله له امرأة تشاطره السراء والضراء وتشاركه في البؤس وانعيم ويكونان الاثنان جسدا واحدا بدون أدنى تمييز بينهما.

فإذا علمنا ذلك وحكمنا بصحة هذه السلسلة المرعية في أكثر الأديان والمذاهب وجب علينا أن لا نبخس المرأة حقها الطبيعي وأمرها الشرعي اللذين يقضيان بأنها والرجل واحد في الحياة الدنيا، وهما كالحلقة المستديرة لا تقدر أن تعرف طرفيها حتى تميز الواحد عن الجزء الثاني منها.

ولو أغمضنا الجفن عن هذه الحقائق التي أجمع عليها أئمة الأديان والشرائع العمومية والتفتنا إلى هذه المسألة لفتة طبيعية نرى أن الرجل كالمرأة والمرأة كالرجل وكلاهما متساويين في تركيب الدماغ ولا فرق بينهما في الدقة والاستحكام.

نعم إن الرجل أقوى من المرأة عصبا وبطشا واقتدارا بالنسبة لغلظة عضلاته وتركيب هيكل عظامه، ولكن ذلك لا ينبغي أن يكون أساسا لاحتقار المرأة واعتبار الرجل حتى نستند عليه ونركن بالبرهان إليه، بل كان سببا وحيدا جعل الرجل حاكما في البدء على المرأة سائدا على حقوقها مستندا بأمرها شأن القوى الساندتجاه الضعيف المستعبد

هذا ما أورث النساء الخمول والخضوع وأشاد للرجـال قـصـورا من الخيلاء والعجرفة حتى وصلوا إلى ما وصلوا ولم يبرحوا يتفننون بدروب التكبر وضروب التجبر جاعلين لأنفسهم صفتي الامتياز والتفضيل على النساء، فتأخرن عنهم بالعلوم والمعارف حيث حكم عليهن بالتحجب فتوارين عن اكتساب ما اكتسبه الرجال بواسطة التعليم والمداخلة من دواعي التقدم والارتقاء.

ولا غرو فإن المرأة كالمرأة الجميلة النقية من كل كلف التي لو تركت حينا من الدهر في زوايا البيت بدون التفات إلى تنظيف زجاجها وما حوله يوما فيوما من درن الأبخرة التي تنبعث إليها ومن هباء العثير الذي يتصاعد ويتراكم عليها،لذهب رونقها وضاع جمالها وتخدش وجهها وعلاها الكلف والصدى حتى تصدير قبيحة المنظر قليلة الاعتبار، ولكن لو أدركت يوميا بالجلاء والالتفات لحفظت مركز جمالها وازدادت رونقاً وقيمة واعتبارا،فمثلها اذن كمثل المرأة التي لو ظلت متحجبة في زوايا بيتها مهملة من نويها وأهلها لا تلبث أن تظلم أفكارها ويستولى على مداركها الجهل والغباوة حتى تعدم مزية الجمال الأدبي بقوة السذاجة والبساطة وتحرم معرفة الواجب، فتربى أولادها على مهد الخمول والدلع فيشبون على مبادئها لا يعرفون الكوع من البوع خلافا للمرأة الفاضلة التي تزيد جمالها بجمال العلوم والمعارف وتربى أولادها على عرش المبادىء الصحيحة فيشبون ويشيبون على ما يرام من الرفاهية والنجاح ويعرفون في حياتهم كيف تؤكل الكتف، فيدخلون البيوت من أبوابها ويقطفون من رياض علومهم ومعارفهم ما يقطفه النحل بجده واجتهاده من الشهد والعسل، ويسبب الضغط على أفكار المرأة في بدء الأمر قد تولد في أحشائها الجين، فطأطأت رأسها لأحكام الرجل معترفة له بالسيادة والفضيلة عليها،وقد انتقلت جرثومة الخوف من السلف إلى الخلف حتى بلغ في أعصر الخشونة شأواكانت فيه المرأة تجاه رجلها أمة يفعل بها ما يريد من الإهانة والضرب والاستبداد لدى اضطراب تيار عواصف الكدر والاشمئزاز من أمر صدر منها أو من غيرها، ولكن لما تغيرت تلك الطباع وتهذبت مع كرور الأيام والأزمنة تحسنت أحوال المرأة وأخذت بالارتقاء رويدا رويدا حتى وصلت لما وصلت إليه في عصرنا الحالي الذهبي من الاعتبار والاحترام ومعرفة الواجبات والعلوم والفنون حيث علمت بأن الحسن والجمال الطبيعي لا ينفعانها طويلاً إلا إذا كانا مقرونين بالحسن والجمال الأدبي لأن العاقلة الفاضلة منهن هي لرجلها وعائلتها وأولادها بل للهيئة الاجتماعية عموما الحصن الأمين والكنز الثمين.

هذا ولما أدركت المرأة في وقتنا الحاضر ما لها وعليها من الواجبات تنشطت وتقدمت بملء الرغبة والاجتهاد إلى المدارس، فاقتبست منها درر العلوم والفنون والمعارف والأدب حتى تمكنت من الارتقاء إلى مدارج الاعتبار ومعارج الافـتـخـار فانعكفت على تربية بنيها وتهذيب بناتها حتى يخرج من بين أيديها فطاحل العلماء ورجال السياسة وأبرع الخطباء وأمهر الصناع، فأدهشوا العالم بنفشات أفكارهم ورفعوا معالم العلم بغرائب أعمالهم وسحروا الألباب ببديع اختراعاتهم ولسان حالهم يعترف للمرأة بالفضل العظيم

نعم لا ننكر أن النساء على ثلاثة أقسام (عواهر وقواهر وجـواهـر)، ولكن إذا بحثنا عن أسباب هذه الصفات الثلاث نراها صادرة عن أمرين الاوهما: الإهمال والالتفات، قبالا همال وعدم الاكتراث بتربية البنات وتهذيبهن منذ نعومة أظفارهن كان القسمان الأول والثاني وبالالتفات وحسن التربية والتعليم كان القسم الثالث، ولنضرب صفحا عن القسم الأول منهن لأنه ساقط بالطبع من حقوق الاحترام في هيئة الاجتماع الإنساني ونظام المجتمع الأدبي كأنه لم يكن في عالم الوجود شيئا مذكورا،وأما القسم الثاني فـيـحـتـاج إلى مزيد الاعتناء لاستئصال مكروب الفساد من عقله وقطع كل الأسباب التي من شأنها أن تضرم في جوفه نار الغيظ والحقد وتثير في أحشائه عوامل القهر والكدر، وهذا يقتضي له حكمة عظيمة حتى يصل إلى حيز المرغوب، فالويل كل الويل للرجل الذي يقوده نكد الحظ إلى الاقتران بفتاة من أعضاء هذا القسم فإنها ستكون له آفة سماء مبعثرة لماله وثروته ومفسدة لبيته وذريته ومثلها معه كمثل السوس في الخشب، فكما ينخره حتى يفسده هكذا المرأة القاهرة تكون نخرا في عظام زوجها وقلقا لذويه وجيرانه خلافا للمرأة التي هي في القسم الثالث، فإنها جوهرة لا يقام عليها ثمن حيث يسرها ما يسر بعلها ويحزنها ما يحزنه، وهي التي يقال عنها أليفة العمر ورفيقة الحياة ومثال اللطف والرقة وزينة البيت وبهجة العمر وسيدة البيت ورية المنزل وهذه هي الجديرة بأن تكون شريكة رجلها في العمل والرأي والفكر، ويحق لها أن تطلع على سره وجهره كما يحق له أن يطلع على سرها وجهرها، وهي بما لديها من الفضل والنبل حرة بأن تكون عالمة بأشغال قرينها الداخلية والخارجية ولها الحق المطلق أن تفتح رسائل زوجها تجارية كانت أو خصوصية، كما بحق له أيضا أن يفض رسائلها الخصوصية على اختلاف مصادرها ومواردها بشرط أن يكون الزوجان متفقين في المبادي والأميال والإخلاص والعفاف لا يهمها إلا راحة أولادها وترتيب منزلها لأن الرجال يتفاوتون في الكماليات كما يتفاوت النساء في معرفة اللزوميات والواجبات.

هذا ما عن لى إيراده أدونه في هذه العجالة ردا على المال المتدرج في الجزء الحادي عشر من مجلة الفتاة الغراء وهو:

(هل يجوز للرجل أن يفض الرسائل الواردة باسم زوجته أم لا؟) تارك الحكم بصحة روايتي وعدمها لحضرات الألياء الأفاضل والسلام ختام

(انطون نوفل)

(السيدة إميلي سرسق)

لما كان الثناء على الفضيلة أمرا واجبا والإطراء بمآثر الكرام فرضا لازما رأينا أن نزين صفحات الفتاة بقلائد مأثر هذه السيدة العظيمة الشأن الرفيعة المكان درة تاج اللطف والجمال وواسطة عقد الفضل والكمال ربيبة بيت المجد كريمة الأبوين والجد قرينة جناب الوجيه الشهير جورج أفندي موسى سرسق من كبار أعيان مدينة بيروت فإنها شبت في منازل لها من الاعتبار في القلوب منازل، وقامت قبل وبعد الاقتران بفضل تبهر الأبصار أنواره وإحسان تدهش الأفكار أثاره يتدفق من سماء جودها غيث البر مدرارا يفيض على اللائذات والعائزات جداولاً وأنهارا، فيغسل وضر الفقر ويزيل گذر العسر وقد اشتهرت هذه العقلية بالنبل والعرفان كما اشتهرت بالبر والإحسان حتى طارت أخبار فواضلها في الشرق والغرب، وأجمعت الألسنة بالبعد والقرب على الترنم بعرف محاسنها وإحسانها وسامي لطفها وعظيم أدابها كما قال الشاعر:

في الغرب شمس للنهار نظيرها …في الشرق شمس ليس يغرب نورها

وقد تباهت الفتاة في عددها العاشر بوسام الصليب الأحمر الذي أنعم به جلالة قصير روسيا المعظم على هذه العقيلة الحسناء، والآن نشفعه بأداء واجب التهنئة لقاء ما أحسن إليها من مراحم سيدنا ومولانا السلطان الأعظم بنشان الشفقة من الطبقة الثانية الذي جاء رمزا لطيفا يشير إلى أن الشفقة التي غرست في فؤادها قد رصعت يد المليك صدرها إعلانا بفضلها.

أما الفتاة فتترك وصف مآثرها إلى المقالتين الواردتين إليها من حضرة السيدة البارعة مريم مزهر وجناب الأديب البارع فتح الله أفندي جاويش، وكفى بهما إيضاحاً وتبيانًا، وهذه هي المقالة الأولى.

(المرأة الفاضلة من يجدها ثمنها يفوق الآلي)

نهاية التهذيب (في رأي توماس واكر) أن تصير المرأة واسطة سعادة أولاً لذاتها ثم للآخرين، وهذه هي المرأة الفاضلة بل هذا تعريفها الصحيح وأراه ينطبق تماما على حالة سعيدة وصلت اليها امرأة فاضلة وسيدة كاملة وجيهة بين قومها، ممتازة بين بنات جنسها جامعة بين سعادة ذاتها البيتية وسعادة الآخرين، لم يبطرها اتساع الثورة ولا أقعدها اللهو عن نفع الإنسانية، فكأني بها اعتبرت تلك الثروة نعمة من الله وجب عليها أن تشارك في منافعها بنات جنسها أريد بها حضرة العقيلة الفاضلة اميلي سرسق روجة جناب الوجيه السری جورج أفندي موسى سرسق المتمول الشهير

ويحق لأهالي بيروت الافتخار لوجود هذه الفاضلة في مقدمة نسائهم اعتقاد أن المرأة الفاضلة هي مهذبة الجيل ومربية الخلق وأعظم مهمان لإعلاء شأن النشاط في نفوس الرجال، فمن صدر المرأة تهب أول الحياة الإنسانية، ومن شفتيها تقبل أول كلماتك وبيديها تمسح أول دموعك وبأذنيها تسمع آخر تنهداتك.

إن السيدة الفاضلة اميلي سرسق قد وقفت في حالتها الدنيوية في موقف تنفر منه الرجال كما قال بيرون.

وما أدراك ما هو موقفها – فأمست بين عشيراتها الفتيات المواسرات اللاهيات بملابسهن وزهورهن وإسرافهن، فاستطاعت أن تساويهن في المنزلة العالمية من حيث المقام الذي يجب أن تكون فيه بنسبة شرف عائلتها ووفرة ثروتها.

على إنها امتازت على كثيرات من نظيراتها من بنات جنسها في تخصيص بعض وقتها ومالها وشهرتها ونفوذها الأدبي في نفع الغير وخصوصا المحتاجات من بنات جنسها، فعمدت إلى مجارات نساء الغرب على حداثة المدينة عندنا فألفت بعنايتها وتشويقاتها جمعية زهرة الإحسان، وما برحت منذ ذلك العهد دائبة على ترويج

الأعمال المفيدة وخصوصا أنها أخذت على عهدتها العناية بمدرسة زهرة الإحسان لبنات طائفة الروم الأرثوذكس في بيروت تنفق عليها المال والوقت الذي جرت عادت نسائنا المثريات أن ينفقته في سبيل الزينة الزائلة والمجد الفارغ.

والذي أردته يقولى أنها وقفت في موقف تنفر منه الرجال أنها تأبى وتكره كرها شديدا المقامرة الداء العـقـام الذي تفشي بين المثريات والأغنياء من الرجال في هذا الثغر، وهو إقدام منها وعزم ونشاط يعرف قيمته وأهمية الحرص عليه من عرف تأصل هذا الوباء في قلوب وعقول الأغنياء، وهكذا فقد حق لها أن تفتخر لامتيازها بهذه الفضيلة كما أنها جمعت محاسن الفضائل

فحق لها أن يصدق في وصفها قول (برانت) في أن الفضيلة تصير المرأة ذات حق للدخول في عضوية الملائكة.

وبعد أن بينت ما تقدم لا تعجب أيها القارىء إذا كانت حضرتها قد وصلت بمزاياها الحسان إلى إحراز أشرف نشان من أعظم سلطان ملا فضله الأكوان (أيد الله شوكته مدى الدوران) الذي أنعم عليها مؤخرا بوسام شفقت من الطبقة الثانية وهي حكمة سامية من مصدرها، فإن وسام الشفقة أعظم جزاء ميرهان على إشفاقها على البائس والفقير وأخذها بنصرة العلم والأدب، فهي تقضى كثيرا من وقتها في مراقبة مجرى أعمال الزهرة التي غرستها في حديقة الأدب والفضل وفي مطالعة الجرائد والكتب، ولها حديث عذب رقيق يدخل الآذان بدون استئذان معروفة باتساع معارفها وسمو مداركها تمثل المرأة في دورها الحالي المتقدم

ولما كانت الفتاة جريدة النساء المعروفة والأولى والرسمية للمرأة كانت أولى بنشر هذه المزايا الحسان تنشيطا للواتي يفعلن الخير والمبرات وتهذيبا للواتي في وسعهن العمل المفيد لو جرين على القاعدة المثلى التي تعلقت بها حضرة الفاضلة عقيلة سرسق المشار إليها

ويسرنا أن حضرة هذه الحصينة جارت زوجها الوجيه في التقدم والعظمة، فكما أنه امتاز في الوجاهة والثروة في شرقنا،كذلك امتازت حضرتها في العناية بالعلم والأدب والحرص على الفضل فجعلت نفسها قدوة لغيرها ولا أنكر أن بعض النساء المصونات حصلن على هذا الوسام العالي الشأن أو أعظم منه لكن الاستحقاق الذي جعل عقيلة سرسق أهلا لإحرازه يجعلها ممتازة والأمل أن يكون نشاطها وعملها ومكافأتها من الذات الشاهائية العلية أعظم سبب لإقبال النساء على الاقتداء بها فيدرك بنات جنسنا المقام الذي تسعى للحصول عليه.

وسأواصل الفتاة إن شاء الله من حين إلى آخر بوصف أعمال حضرتها وما يحصل من نتائج مساعيها الخيرية، واذكر لكم في رسالة ثانية وصف مطول مهم عن حضرتها وأعمالها في مدرسة زهرة الإحسان.

وفي الختام أقول إن إحـسـان مولانا الخليفة الأعظم على حـضـرتها في هذا الوسام العظيم فيه اتفاق غريب كما هو في الأبيات الآتية

لاميلي مآثر …ناطقة بشكرها

بها استحقت نعمة ….. جزاء بادی برها

شفقة موضوعة ….. من ربها في صدرها

اهدى لها سلطاننا …مثالها لنحرها

فظاهر الصدر حكي باطنه لفخرها

بيروت في ۲۰ آذار سنة ٩٤ (مريم مزهر)

أما المقالة الثانية فهي

المرأة الفاضلة كنز ثمين

لقد دلت الشرائع الدينية والمدنية بأن عمل الخير لازم لأن فـيـه حـفظ النظام وإتمام الواجبات المتبادلة ولا سيما بين أبناء الجنس والنوع ومن مقتضيات التمدن مراعاة هذا العمل لتنظيم الهيئة الاجتماعية التي هي جامعة الكمال بالنسبة إلى الجنس عموما والنوع خصوصا.

ومن أجل المبادىء الشريفة والوسائل الفضلى لنيل رتب الكمال والوصول إلى استی معارج الفلاح وسيلة جليلة يحكم بها نظام الهيئة هي إعالة المساكين ومساعدة المحتاجين وأخصها إيجاد المدارس، فإنها القائد الأمين إلى تلك المباديء التي يتولد عنها منافع جمة وفوائد عميمة،

وقد كانت المدارس بادىء ذي بدء موقوفة لخدمة الرجال فقط دون النساء على أن ذلك كان باعثا على إضاعة الفوائد المعول عليها عليها في عالم الآداب لأن التربية للأم لا للأب، بيد أن العصر الحميدي الأنور أبي إلا أن يجعل مساواة في التهذيب والتربية بين الجنسين، فحركت الأريحية أربابها،فانشأوا للجنس اللطيف صـروح المدارس فانتظمن في سلكها وكان ما كان من أمرهن وإفاداتهن

ولما كنت قد أبنت والعهد غير بعيد بآخر إعداد اللسان الأغر واجبات المرأة الفاضلة العاقلة الحكيمة، وما ينجم عن عملها وأدابها وعلومها من المنافع العظيمة وإنها قادرة على إصلاح الهيئة الاجتماعية وتهذيب النوع الإنساني لأنها هي الواضعة للمبادىء الاساسية في عقول الأطفال وعلى حسن مباديها يكون تقدم الشعب ولحسن الطالع لم تخل مدينتنا من نساء مهذبات معلمات عارفات واجباتهن منهن حضرة

المحصنة الفاضلة اميلي سرسق عقيلة جناب الوجـيـه جورج أفندى موسى سرسق المشهور في عمل المبارات والمساعي الخيرية، فإن حضرتها قد امتازت بعلومها وأدبها وفصاحتها وتحلت باللطف والرقة والشفقة والحنان واشتهرت بكرامة الأخلاق ولين الجانب والتقوى والصدق والرزانة وحب الإحسان، ولا غرابة بقولنا لأن أعمالها وحسناتها أكبر برهان، فإنها رأت منذ أربعة عشر سنة أن مدارس البنات حصرت في أولئك اللواتي خدم اليسر أبائهن دون اللائي هجر الوضاح ربوع والديهن، فحركتها الغيرة وفتحت مدرسة خيرية رحبة الأنحاء بديعة الترتيب تامة النظام جمعت فيها عدداً وافراً من الطالبات ياكلن ويلبسن وينمن ويتعلمن ويتهذبن بفضل هذه الفاضلة الشريفة المصونة

ويدرس فيها علم الديانة والعربية بفروعها والفرنسوية والانكليزية وفن التاريخ والحساب والجغرافيا والكتابة والإنشاء ثم اشغال الخياطة والتطريز والتصوير ثم خدمة البيت وترتيبه وتنظيمه وما شاكل ذلك وفيها من الترتيب أتمه والنظام أحكمه فالتهذيب کامل والعلم شامل والنظافة عجيبة والحق يقال إن ليس السمع كالعيان

فـمـن تراه لا يطلق القلم واللسـان نـاشـرا أفضل الثناء وخير المديح على هذه الفاضلة التي أتت فعلاً جميلاً، قضى لها عدلاً بالفضل والافتخار على كثيرات من أبناء جنسها وهي غير آسفة على بذل الدرهم والدينار، ولا على إضاعة الوقت بل مهتمة غاية الاهتمام بتقدم ونجاح بنات وطنها ونراها يوميا تزور مدرستها وتتفقد الطالبات لاستماع دروسهن والاعتناء بتهذيبهن، منتخبة بدرايتها معلمات مهذبات متأدبات جامعات أفضل الخصال ليعلمن الطالبات، هذا فضلاً عن عملها المبرات بإغاثة الملهوف ومساعدة الأيتام وزيارة المرضى وما شاكل من الأعمال الخيرية التي تذكر فتشكر مما يشهد بفضل هذه السيدة، ويا حبذا لو اقتدى بها كثير من نساء بلادنا ولو عن غيرة لتعم الفائدة

ولما كان فاعل المبرات بجازي على عمله شملت مراحم سيدنا ومولانا الخليفة الأعظم هذه العقيلة الكريمة بالإحسان إليها بوسام الشفقة من الدرجة الثانية جزاء لخدماتها العديدة، وقد نالت منذ أمد غير بعيد من عظمـة إمبراطور روسيا وسام الصليب الأحمر.

فكان لهذا الإحسان وقع حسين عند عموم الأهالي لتقديرهم أعمال هذه الفاضلة ومعرفة جميلها فحق لنا أن نفتخر بحضرتها ونضع لها جمل الثناء والشكر ونخط ما ارتجلة الفكر

كل أهل الشرق قد قرت لها …..بتمام الفضل والكل ثقه

ودليل القول مولانا الخليفة….. أولاها وسام الشفقه

ولسان الحال نادي قائلاً …وافق الكحل سواد الحدقه

(فتح الله جاويش)

(تنبيه)

لدينا مقالة سابغة الأذيال نابغة المعاني من السيدة مريم مزهر عن مآثر وفضائل حضرة الجليلة الفاضلة البارونه الكسندرينا عقيلة جناب الوجيه الفاضل سعادتلو أفندم موسى افندي فريج سنزين بها صدر الفتاة بعددها القادم إن شاء الله

لا كمال قبل الأعمال

ذكرنا في الجزء السابع من جريدتنا بأن السيدة الفاضلة إليزا بريطوين هي من أعظم مثريات لندن، ومن أشهر نساء الإنكليز بالفصاحة والبلاغة وحسن الإنشاء

ومعرفة التاريخ وقوة الذاكرة والتعمق في الفلسفة العقلية والطبيعية، وإن لها مؤلفات عديدة أعظمها كتابها في التاريخ الطبيعي التي وضعته قبل طبع، لانتقاد العلماء وكبار الفلاسفة، فارتد عنه طرف المنتقد كليلا لقوة حجبه وغزارة موارده وسهولة مأخذه وحسن نتائجه، وإن لها قصرا من القصور العظيمة في لندن وآخر في مدينة دوفر أولهما تسكنه في فصل الشتاء والثاني في فصل الصيف يقصدها إليهما كبار العلماء من أفاضل الرجال وعقائل النساء ولها آراء في السياسة يحتره ها أصحاب الجرائد السياسية والقابضون على زمام الأحكام، وأنها من أعظم النساء اللواتي تجندن للدفاع عن جنسهن النسائي وطلين له الحق بإعطائه كراسي القضاء وأنها سرت من الفتاة لكونها باكورة جرائد النساء في الشرق، وكتبت إلينا طالبة منا أن تقترح عليها ما نريده من المواضيع الموافقة لمشرب الجريدة ومباديها شأن اللواتي قد تحلين بحلية الفضل واستنارت عقولهن بنبراس الحكمة لا كاللواتي جلسن على كراسي العظمة والعجرفة على إثر معرفتهن مبادىء القراءة والكتابة، فانصبغن صبغة الوهم وانخدعن بالتصورات الخيالية (كمن يرى الشخص في السراب اثنين وبعض الألوان بلوئين) وما خدعن إلا أنفسهن ومن حولهن ويحطن بهن ممن كن على شاكلتهن لا يعرفن الكوع من البوع ولا القاووق من الزربول وأكبر الأعداء الألداء عندهن من بمحضهن النصيحة بلسان القائل:

محبتي فيك تابي عن مسامحتى …من أن اراك على شيء من الزلل

وإنفاذا إلى ما وعدتنا به عقيلة بريطوين المشار إليها قد كتبت إلينا في هذا الاسبوع مقالة سابغة الأذيال نابغة المعاني باللغة الانكليزية سنثبتها بالتتابع في العدد القادم وما يليه لنجعلها مقدمة لما سيرد منها من المقالات الرنانة لفتاتنا بفضل هذه السيدة الفاضلة، وقد اقـتـصـرت فـي مـقـالـتـهـا هذه علي المرأة وحـالـتـهـا وواجباتها البيتية وبما يجب عليها من محبة الله ووالديها وزوجها وأولادها وجنسها ووطنها والإنسانية، فتلفت إليها أنظار القراء والقارنات سلفا لما فيها من عميم الفوائد والأدب.

الحق أحق أن يتبع

لحضرة الكريمة المصونة الآنسة مروم الانطاكي في حلب الشهباء

بينما كنت أقلب الطرف في صفحات الجزء الثاني عشر من مجلة الهلال الغراء إذ عثرت على مقالة لحضرة الفاضل الدكتور أمين افندي خوري ردا على مقالة نشرت في المجلة الموما إليها تحت عنوان (هل للنساء أن يطلبن حقوق الرجال)، فتلوتها ثلاثا لعلي أجد في الإعادة إفادة فلم أر بها قصدا إلا إذلال المرأة تعمدا ونسبة جنسها النسائي إلى الحيوانات البكم مما لم نسمعه إلا في أحاديث العصور المظلمة مع إننا بعصر قد سطعت فيه شموس الحكمة وقام في مسارح الحق رجال من ذوى العلم والفضل والوجاهة والنيل بإدخار اللذين يحاولون بسلاح البطل إذلال المرأة وأثبـتـوا بصحة البرهان وقوة العقل أن المرأة والرجل متساويان في الحق والواجب والحقوا ما كان من فلسفة (أو بالحرى سفسطة) الأعصر الغابرة في خبر كان، ولم يرد في الخلد أن حضرة الدكتور أمين أفندي سيعود إلى نبش رمم بلاياها ويستطلع خباياها من زواياها، ولكن لعل له عذر ونحن نلوم أوربا بتلاطم الأهوية نرى نارا ذات لهب يكون بها لحضرة الدكتور اليد البيضاء في نسخ ما لا يزل راسخا في عقول السذج، وهو أن النساء والرياح والزمان ليس لهم أمان

وحيث من الواجب الذي يفرضه على حب الأدب وحب الجنس بالدفاع عن شرف جنسي لأن حب الجنس من حب النفس استميح العفو من حلم ومكارم حضرة الدكتور أمين أفندي بالانتقاد الأدبي على مقالته وهو أكرم من عذر

إن من المعلوم لدى كل من طالع تاريخ الأكوان بأن المرأة ما تأخرت عن إلحاقها خطوة الرجل في (أول نشأة الانسان) إلا عند نهوضه في طلب المعاش بينما هي قاعدة في بيتها مثقلة في الحمل والرضاعة لأن من البديهي أن العامل في الأرض يجد في نفسه قوة تدفعه على محبة الذات، وهذا الحب من طبعه أن ينفخ في صدر صاحبه روح الكبرياء والخيلاء، ومن الأمور الذي يسلم بها العقل أن العامل المجد يشتد مع الأيام ساعده وتقوى عضلاته بقوة الاستمرار على العمل وبالعكس من تعود على الراحة والترفه فيتولد معه الضعف وضعيف الجسم ضعيف القلب، وهو شأن يتناول الرجل والمرأة في كافة أدوار الحياة عند ما يتساويان في الترفه والراحة

ومن سلم أمره إلى غيره واتكل في معاشه على أوليائه لا يسلم من الذل والهوان رجـلا كـان أو امرأة، وهكذا مع كرور الأيام وتقلبات الأدهار أصبح الرجل سائداً مستبدا والمرأة صاغرة مستعبدة لا يغالى إلا بجمالها ولا يتباهي إلا بحسنها ودلالها.

وعلى ذلك قال ابقراط أبو الطب إن المرأة في ولادتها (كأن العاقر لم تكن في الكون شيئا مذكورا) ثم نشر أحد مشاهير رجال العلم في القرن السادس عشر كتابه المعنون (هل المرأة من نوع الإنسان) وأفاض به (ولكن بلا برهان) على إنها ليست ذات نفس عاقلة بل إنها من أجناس الحيوانات وأن طلاقة لسانها ليس إلا من قبيل كلام الببغاء حتى أصبح هذا الكتاب في تلك العصور موضوع أهمية واعتبار عند كل رجل كان على مذهب حضرة الدكتور أمين أفندي لا يسره إلا التبكيت والتنديد بحق المرأة التي هي أم العائلة البشرية وبدون كمالها لا كمال للهيئة العائلية، ولو علم صاحب هذا الكتاب وتلامذته وأعوانه ومن ساروا تحت لوائه واغترفوا من ماء بحاره واستمدوا من أنواره بأن البنون لامهم أتباع ما تركوا البدر ليستضيئوا بنور النجم ولا طلبوالظلمائهم منهلا وهم في جوار البحر وأصبحوا كقول القائل:

كالعيس في البيداء يقتلها الظما …والماء فوق ظهورها محمول

ثم قام الشهير يوسيه الفيلسوف وعرف المرأة أنها نتيجة عظم زائد كأنه لم يخرج في تعريفه عن آراء من سبقه من الفلاسفة الذين كتبوا في تهذيب النساء، وقالوا إن وجود المرأة ليس سوى إتماما للوازم المعيشة ولا من نفع لها إلا من حيث نمو البشر، كزعم ابقراط للولادة أو كما قال غيره من رجال العلم والنبل إن وجودها في الكون لإصلاح الطعام وترتيب البيت وتربية الأولاد وخدمة الرجل وراحته وملذاته كل ذلك كان على غير حقيقة ولا برهان، ناشئا من روح التعصب ظلما وعدوانا على هذا الجنس الضعيف حتى أصبحت المرأة متقيدة بحكم الاستعباد ومنقادة بالرغم عن أنفها إلى أوامر أبيها، وإرادة زوجها وأهواء ابنها في كافة أدوار حياتها وبرهانهم الواهن في كل هذه الأعمال الفظيعة أن الابنة لو تركت وشانها لأتت بالمنكرات مما يعود عاره وخجله على أبيها وألها وزوجها مع أنها لو تعلمت وتهذبت، لكانت كما هي مثال اللطف والرقة.

حتي وفي صدر القرن التاسع عشر الذي به بدء الاهتمام في تهذيب المرأة على قواعد الآداب والمدنية وإجماع الآراء من رجال العلم والسياسة والآداب لا إصلاح لحال الأمة قبل إصلاح حالة النساء، وبدون تعليمهن وتهذيبهن لا يمكن الإصلاح لم تعدم المرأة من معاندين لجنسها اللطيف مع العدد العديد الذي بلغ من الجنس النسائي في أوربا وأميركا، فقال الفرنساوى: رجل من قش يساوى امرأة من ذهب، أو إذا أردت معرفة السبب فسل عن المرأة، وقال الألماني: اسمع لمشورة المرأة الأولى ولا تعبأ لشورتها الثانية وقال الاسباني: إن نصيحة المرأة لا تنفع الرجل شيئا بل تعده مجنونا إذا لم يقبلها وقالت العرب للرجال الادب وللنساء الذهب، ولذلك لا ملام على حضرة الدكـتـور أمين افندي باستناده في الحكم على المرأة بآراء أهل العصور الغابرة أو

بأمثال العامة، فإن الرجل الشهير (بسكوف) معلم الطب في كلية بطرسبرج لما رأي في خلال سنة ١٨٧٢ أي من نحو ٢٢ سنة لا أكثر تهافت النساء على درس الطب ومعالجة المرضى قال: إن المرأة هي غير مستحقة بل غير قابلة طبعا أن تتعاطى أمورا عالية كأمور الطب وأنه بالتجربة والامتحان تأكد أن نخاعها أقل من نخاع الرجل بمقدار 100 جرام وأنتج من هذا الحكم المبنى على الغيرة والحسد ليس إلا بأن النساء لا يقدرن على المساواة بالرجال ولا على مسابقتهم النجاح العلمي وجزم بواهن فكره (أو من الغيرة العمياء) بأن أعظم امرأة بالنادر أن يبلغ نخاعها ١٢٥٠ كراما، وأن نخاعه (أي بسكوف الحسود) يبلغ 1350 كراما وأوصى بتشريح دماغه بعد موته ليأكدون صحة علمه (الفاسد) وعند موته وتشريح دماغه وجد نخاعه أقل من النخاع النسائي بخمس كرامات، فأخذن حينئذ نساء بطرسبرج ينشرن المقالات العنيفة والمطولة ضد زعم بسكوف وأعوانه (وحقهن أن يرجمنه) وساعدهن كثير من رجال العلم والفضل عند ما تبرهن لهم علميا مساواة المرأة للرجل في المادة النخاعية التي هي آلة القوى العقلية أو مصدر الأفكار والأعمال العقلية الذي ينكرها الآن حضرة الدكتور أمين افندي على الجنس النسائي كما أنكرها من قبله بسكوف الحسود.

ومن النظر إلي نساء أوربا وأميركا إلي اللواتي بارين أعاظم الرجال في كافة الأعمال برهانا على أن المرأة مساوية للرجل في قواه العقلية حتى بإمكانها مباراته في كل عمل يأتيه إذا تعلمت وتهذبت على مبادئ وقواعد علمه وأدابه لأن العلم كالشمس يضى على كافة العقول كما برهن على ذلك المغفور له فؤاد باشا.

وهاك أهم ما ورد في مقالة حضرة الدكتور أمين افندی خوری

أولاإن المرأة يلزمها زمنا طويلا لتعتاد به على الأشغال الشاقة

ثانياإن لا دليلاً من أعمال نساء البدو على قوة بدنية بل من قوة الاستمرار المدفوعة إليه المرأة.

ثالثاإن نساء البدو الواحدة منهن تتبع زوجها الراكب على حمارته مسافة بعيدة حاملة على رأسها ما تعجز عنه حمارته، ولا يظهر عليها التعب والملل طالما زوجها صاغيا لحديثها المستمر كمشيها بجانبه، ولكنها حالما تشعر بأنه مل من استماع حديثها توهن قواها وتطلب الراحة,

رابعاإن المرأة ذات عقل محدود (أي كالخيل والحمير والكلاب) لأن الخياطة لا يمكنها إدراك معرفة الطبخ، وإن الداية (القابلة) لا تفهم التفصيل

خامساإن المرأة يلزمها اليأس متى أدركت سن الخامسة والأربعين سادساإن للمرأة أسبوعا في كل شهر تكون به شرسة الحجم والعقل سابعاإن اللواتي اشتهرن من النساء من من فلتات الطبيعة إلى غير ذلك مما تضمنته مقالته المذكورة وعليه ننتقد على حضرته بما يأتى:

أولاإن الرجل المترف أي نحيف الجسم لطيف المزاج رقيق الشمائل لو رغب في الأشغال الشاقة للزمة من الوقت ما لا ينقص من الوقت اللازم الى المرأة التي هي بالطبع ألطف جسما من الرجل، وأما التي ولدت من أبوين معتادين على الشقا فأهون ما يكون عندها الشقاء.

ثانيا – إن عمل الرجل ليس بدليل على قوة بدنية فيه بل هو من قوة الاستمرار المدفوع إليه بالحاجة والبرهان ظاهر على أن المرأة قادرة على كل عمل يقدر أن يعمله الرجل في المركز الذي هي به من حيث طبقات الناس أو من حيث العلم والتربية أو من العادة التي ألفها كل منهما قبل أن يدب وبعد أن يشب ثالثا – اطلب من حضرته زيادة التوضيح على قوله في أن قوة المرأة في إصغاء

زوجها لحديثها حيث لا يمكنا أن نسلم لحضرته بصحة ذلك بدون برهان مقنع فهل به سر خفي لا يمكنه إجلائه أم هو على رأي المثل القائل أتحملني أم أحملك أي بقطع المسافة: الحديث

رابعاقوله أن المرأة ذات عقل محدود، فهو بذلك لم يخرجها عن الحيوانات اليكم على رأى صاحب الكتاب المعنون (هـل المرأة من نوع الانسان)، وهذا السهم الخارق للقلب بل للعظم على جنس يبلغ مقداره 750 مليونا في أربع أقطار الأرض لا أظن امرأة من اللواتي اشتهرن بنفائس الأفكار ودرر الأقلام أن لا تنهض مطالبة بشرفها وشرف جنسها العظيم على هذا التحامل الذي لا يسلم بصحته كل إنسان لا تستطيع أعينه الصحيحة إنكار وجود النور ومع ذلك يوجد كثير من الرجال من لا يعرفون ولا يحسنون سوى مهنة واحدة الذي اعتادوا عليها كما يوجد منهم من يحسن أكثر من مهنة واحدة ايضا،وهكذا يجد بالرجال كما يجد بالنه ماء وليس ذلك برهانا على أن المرأة ذات عقل محدود وأنها بمنزلة الخيل والحمير والكلاب (سامحه الله من هفوة اللسان أو كبوة القلم).

خامساكيف تدرك المرأة اليأس وهي في سن الخامسة والأربعين وهذا السن لا يكون بقطعها اليأس بل هو عبارة عن ذبول نضارة وجهها وانقطاعها عن الولادة وليس بدليل على فقدها صحة العقل كما فسره حضرته حيث لا علاقة بين العقل والرونق والولادة مع أننا نرى كثيرات من النساء يلدن في سن الخمسين ويبرعن في المعارف بعد سن الخمسين أو الستين من عمرهن وجلالة الملكة فكتوريا شرعت من عهد غير بعيد بدرس لغة هي من مأصعب اللغات، وهي من فوق السبعين عمرا، ومن ذلك يتضح أن للمرأة حق المطالبة في العمل إلى منتهى حياتها وليس إلى سن العشرين (كزعم حضرته)

سادساترجوه أن يوضح لنا عن السبب الذي به تكون المرأة شرسة الجسم والعقل إسبوعا كاملاً في كل شهر لريما لديه برهانا من أسرار العلم المكتوب على ألواح الصدور لا في صفحات الكتب.

سابعالـم تـفـهـم أيضـا سـر الرمـز الذي أشار به حصرته عن أن اللواتي اشتهرن من النساء من من فلتات الطبيعة مع أن فلتات الطبيعة إذا ولد الرجل برأسين أو المرأة بجسمين متلاصقين بنظير اميلي كرستين فإذا كان اللواتي اشتهرن من النساء، وهن يعدن بالألوف المؤلفة من فلتات الطبيعة على حسب زعم حضرته، فيالله العجب بل العجب من فاضل أديب يعد من نخبة الدكاترة الكرام ينادي للشمس يا سهيل وللنهار يا ليل ومع ذلك فالورد لم يزل وردا زاهرا عاطرا زكيا ولو افترى على هجانه ابن الرومي والمرأة العفيفة المهذبة الفاضلة ملكة في الهيئة العائلية أو الاجتماعية مهما انطبق على الورد الجعل ورحم الله القائل:

قد يسود المرء من غير اب …وبحسن السبك قد ينفي الزغل

وكذا الورد من الشوك وما …يـــــــنبت النرجس الأمن بصل

وهكذا الابنة من أبيها فإذا تعلمت و تهذبت وتعففت كانت له ملاكا كريما والمرأة من زوجها أفسدها بجهله وسذاجته وشنشنته كانت عليه شيطانًا رجيما، فعلي من أحب الكمال فلا كمال للهيئة العائلية قبل كمال المرأة ولا كمال للمرأة إلا بالتعليم والتهذيب، ومن لا يسره إلا بقائها حالتها الفطرية فالملام عائد عليه والشر مرجعه إإإليه وكل امريء دهره ما تعودا.

قوة الانفعالات في أشهر الحمل

أخبر بعضهم أنه رأى غلاما عمره ١٢ سنة لا يستطيع التكلم مع أبيه رغما عن إمكانه مخاطبته غيره من الناس بفصاحة ووضوح، وسبب ذلك هو تأثير انفعالات

والدته التعساء مدة حملها إياه لأنها عندئذ نافرت مع والده وامتنعت عن مكالمته عدة أيام قبل ولادته، وفحص الغلام كثيرين من الأطباء وحكموا أن امتناع والدته عن مكالمة أبيه أثرت فيه كما سبق حتى بعد استخدام كل الوسائط المرهبة والمرغبة لم يتمكنوا من جعله يتكلم مع ابيه ويظهر الغلام محبته وميلاً زائداً نحوه

(الفتاة) نلتمس من فضل حضرات الدكاترة الكرام أن يوضحوا لنا عن آرائهم بهذا الأمر، فهل حقيقة عواقب الانفعالات في شهر الحمل تأثر في الجنين مثل هذه التأثيرات أم لا ولهم المئة والفضل

(الساعي بالخير كفاعله)

من يفعل الخير لا يعدم جوائزه …لايفقد العرف بين الله والناس

لى رجاء أرفعه على صفحات الفتاة إلى نصراء الإنسانية من أبناء الطائفة الأرثوذكسية وأنا على ثقة من أن يصيب منهم أننا صاغية اذا كانت الفتاة وكرائم السيدات واسطة عقد تنفيذه الله لا يضيع للمحسنين والمحسنات أجرا (…)

لقد أجمعت الشرائع الدينية والمدنية على وجوب التعاضد في عمل الخير والتوازر في سبيل الإحسان، وقد تشكلت في كل زمان ومكان وفي كل قطر ومصر جمعيات من كبار القوم وإجلائها لخدمة الإنسان، فضلاً عن الحيوان وما من طائفة من الطوائف النصرانية في هذه العاصمة السعيدة إلا ولها جمعيات خيرية قائمة بنفسها مؤلفة من كرامها وذويها لإعانة الفقير وإغاثة الملهوف وجبر الكثير بالصدقات والمبرات ما خلا طائفة الروم الارثوذكس السورية حالة كون مجموعها عظيما وأكثره من الوجهاء الفضلاء والنبلاء الأغنياء، وما منهم إلا وينفق الأموال الطائلة في كل سنة على فعل الخير والإحسان، فما ضرهم لو اجتمعت كلمتهم على تأليف جمعية من كبارهم وذواتهم اقتراعا وانتخابا من مجموعة أصوات الطائفة، وأسسوا جمعية خيرية على نظام وقانون لا يمسه الخلل يألفه الملل اقتداء بالطوائف الأخرى المسيحية لأن الإحسان بواسطة الجمعيات يكون أكثر نفعا وأغزر مادة وأعظم فائدة ولا يكلف من يشترك أو يكتتب بإحياء معالم البر إلا جزءا مما ينفقة بالسنة على المحتاجين اللائذين بيابه وهو أجل عمل في سبيل البر والثواب وأحسن سعي في عمل الإحسان على الإنسان.

وهذا ولما كانت الفتاة هي جريدة النساء الوحيدة وكان من طبع المرأة الراقة والحنو والشفقة وحب الخير والإحسان تؤمل أن يكون رجاؤنا المرفوع على صفحاتها سببا لتأليهن على تنشيط عزائم رجالهن الكرام واستلفاتهم إلى تأييد هذا المشروع الخيـرى ونقله من حيز الفكر إلى حيز العمل وخـيـر البـر مـا كـان عـاجله

(نسیم)

(تنبيه)

وقع في صفحة 560 سطر ١٤ من هذا العدد غلط طبع في كلمة أوربا،وصحتها أو ربما.

الحوادث الداخلية

(والدة الجناب العالي)

تناولت الإفطار حضرة صاحبة السمو والعصمة والدة الجناب العالي في يوم الخميس الواقع في 15 رمضان المبارك عند صاحبة العصمة جره دولتلو الغازي مختار باشا في سراي الاسمعيلية، وودعت كما قوبلت بالإكرام والإجلال.

وستقابل عظمتها في عيد الفطر المبارك البرنسسات والسيدات الوطنيات من الساعة 7 صباحا الى الظهر والسيدات الأوربيات من الساعة 4 بعد الظهر الى الساعة 6 مساء

ويؤكدون أن عظمتها ستسافر مع كريمتيها البرنسسات المصونات الى دار السعادة في شهر حزيران يونيو القادم

قصر العيني

عينت السيدة أديت قابلة من الدرجة الثانية في اسبتالية قصر العيني براتب شهری قدره تسعة جنيهات ورفتت السيدة كاترين ستوكر القابلة من 11 مارس

واجب التهاني

نتقدم بواجب التبريك والتهاني لعموم الطوائف النصرانية الغربية بعيد الفصح المجيد، ونسأله تعالى أن يعيده على الجميع بالهناء والمسرات

وداع

كانت محطة مصر غاصة بأقدام السيدات الإنكليزيات والأوربيات يوم بارحت العاصمة حضرة اللادي كرومر قاصدة لندن عن طريق بورسعيد، وهكذا يوم سفر حضرة اللادي بالمر وأولادها الى لندن عن طريق الاسكندرية، فنطلب لهما السلامة وطيب المسرات في الذهاب والإياب

رقص

جاء في جريدة الأهرام الغراء بأنه أقيم بالاسكندرية في قاعة بورصة طوسون

باشا مرقص حافل اجتمع إليه الجم الغفير من حسان الثغر وأدبائه، ودارت المخاصرة فيه على نغم الموسيقى بين فتيان ذلك المحفل ونسائه

من كل باهرة الجمال كدمية …..من لؤلؤ قد صورت في عاج

تمشي فترفل في الثياب كانها …غصن ترنح في نقا رجـراج

إلى أن رق جلباب الظلماء وانشق سحاب السماء

أعراس

جاءنا من أخبار طرابلس الشام بأن حضرة الأنسة المصونة كريمة جناب الوجيه حبيب أفندي خلاط رفت في أول الجاري إلى جناب الأديب الوجيه أسعد أفندي غريب وجاءنا من أخبار بيروت عن زفاف حضرة الآنسة المصونة ساره حاره إلى جناب الأديب البارع روفائيل أفندي نجل حضرة الوجيه الفاضل الحاخام زاکی کوهین

وأنشد في حفلة هذا القرآن السعيد حضرة سلیم آفندی کوهین

بشرى الأحبة والقلوب بحفلة …قلبی برونقها الباي تولعا

فیساره قد سار عنه غمه …ويدا بها شخص المسرة طبعا

يا حفلة تمت فأرخ بالهنا …وارتني القمرين في وقت معا

ومن أخبار مصر، كانت ليلة أول رمضان المبارك من أبهج الليالي وألطفها في منزل حضرة الوجية الفاضل سعادة احمد شفيق بك رئيس قلم الديوان الخديوى الإفرنجي احتفالا بزفافه السعيد على حضرة ذات العصمة والمجد كريمة المرحوم راشد باشا راقم من أمراء العسكرية المصرية سابقا

وفيات

مصراستأثرت رحمة الله بالمرحومة المبرورة حرم سعادتلو خليل باشا عفت مدير الدقهلية وبالمرحومة المبرورة حرم حضرة العلامة الفاضل سعادة حشمت بك مدير جرجا ولها من العمر ٢٦ سنة وبالمرحومة المبرورة زبيدة عسكر البالغة الستين من عمرها وبالمرحومة المبرورة نظله كحيل قرينة حضرة الوجيه نخله أفندي اثناسوس كحيل من موظفي مجلس شورى القوانين في مقتبل العمر وغ عاضة الصبا، وقد استأثرت رحمة الله بالمرحومة المبرورة حرم المرحوم شریف افندی دفتردار ولاية بيروت أسبق، وقالت جريدة ثمرات الفنون الغراء أنها رحمها الله أوصت من ثلث مالها بمبلغ 450 ليرة عثمانية منها ٢٥٠ في سبيل البر والاحسان و ۲۰۰ لاجل بناء مکتب ابتدائی في محلة رأس بيروت. واستأثرت رحمة الله بالمصونة المبرورة ورده خـضـرا أرملة المرحوم أسعد ملحمه ولها من العمر 54 سنة وقد أفاضت جراند بيروت بما كان لها رحمها الله من المآثر والفضائل وابنها حضرة الفاضل محرر جريدة المصباح تأبينا يليق بمقامها ولولا ضيق المقام لأثبتناه في هذا العدد.

طرابلس شاماستاثرت رحمة الله بالطيبة الذكر المرحومة المبرورة والدة جناب الوجيه الفاضل حتا أفندي غريب من أعيان مدينة طرابلس وقد كان لها رحمها الله أياد بيضاء في سبيل البر والإحسان، وبالمرحومة المبرورة زمرد كريمة جناب الوجيه راجي بك حنا الظاهر في الزاوية من أعمال لبنان عن ٢٥ سنة من العمر فنطلب لجميعهن الرحمة والرضوان و لأهلين الكرام جميل العزاء والسلوان

أخبار خارجية

افتتحت جلالة الملكة فيكتوريا مجلس البرلمان في لندن بخطاب أظهرت به آن العلائق مع الدول في غاية الوداد سافرت إمبراطورة ألمانيا مع أولادها إلى أباتسيا لتبديل الهواء، وقد علمنا من جرائد أوربا بأنها وصلت بالسلام واستقبلتها الأهالي بالترحاب والتهليل بناء على الإشاعة القائلة أن قرينة ولى عهد إنكلترا البرنسس دي غال سوف تنسحب من الجمعيات أحيت جلالة الملكة فيكتوريا ليلتين زاهرتين في سراي بكنهام الأولى في ٢٧ شباط والثانية في 6 آذار وكانت بهما البرنسس دي غال بإشارة من جلالتها.

سافرت حضرة البرنسس عقيلة البرنسس فرديناند أمير بلغاريا برفق زوجها إلى ابنشال لتبديل الهواء

الملكة ناتالي

ستحضر الملكة ناتالي إلى بلغراد عاصمة الصرب في عيد الفصح المجيد عند طائفة الروم الأرثوذكس بعد حكم المجمع المقدس بالغاء طلاقها، وأنها لا تزال زوجة الملك ميلان

مآثر وفضائل

الأنسة فليمن الفلكية

اشتهرت هذه الآنسة بعلومها الغزيرة وهي الآن رئيسة الفاحصين في مرصد مدرسة هارفارد المشهورة، وبعد فحص هذه الآنسة نحو ٦٠ رسم من نجوم القبة الفلكية التي أرسلت أخيرا من عدة مراصد أقيمت في بلاد بيرو لهذا الدرس، وحدث فيما بينها رسم نجم مستغرب، وبعد تحليل النور وتدقيق الفحص ومقابلة رسوم فلك تلك البلاد وجدت نجما جديدا لم يسمع عن ظهوره شيء من قبل، وقد نشرت هذا الخبر

كثير من جرائد هذه البلاد وأثنت على الآنسة المذكورة التي خدمت العلم نحو 15ستة وتقدمت به حتى أصبحت في مقدام بنات جنسها اللطيف يشار إليها بالبنان،

(كـوكـب أمبركا)

(الفتاة) وهل هذه الابنة ذات عقل محدود أو من اللواتي هن من فلتات الطبيعة

جمعيات

انشئت في درسون جمعية اسمها جمعية الأرامل ولا يسمح للرجل في الدخول بعضويتها إلا متى ماتت امرأته وإذا تزوج ثانية سقط من العضوية. وتشكلت في نيويورك جمعية غايتها مساعدة من يرغب الاقتران بالنقود اللازمة له وكل عضو من أعضائها يدفع في كل شهر ثمانية شلنات وثلث.

(تقاريظ وهدايا) التحفة الأدبية

أهديت إلينا التحفة الأدبية في نشأة واحتفال المدرسة الحميدية التي أنشأها حضرة السرى الهمام عثمان باشا زاده سعادة محمد بك المحمد في قرية مشحه من قضاء عكار التابع لواء طرابلس شام ووقفها على طلاب العلوم بعد أن وقف لها وقفا كافيا لنفقتها ومكتبة عظيمة تحتوى على ٤٢٢ مجلدا فجزا الله المحسنين خير الجزاء وكتب لهم الأجر والثواب.

سهام المنايا

ورد لنا هذا الكتاب المتضمن الرد على كتاب في الزوايا خبايا لملتزم طبعه الناقد البصير وبما أنه من المباحث الدينية اكتفينا بهذا الإلماع وهو يباع في المكتبة الشرقية

الهدية التوفيقية

إن هذا الكتاب المتضمن تاريخ الأمة القبطية لمؤلفه حضرة الأديب توفيق أفندى عزوز يباع في المكتبة الشرقية، وفي الأعداد القادمة ستلخص ما وجدناه به من الفوائد الأدبية والتاريخية

سفينة الملك

هو كتاب موسيقي تأليف السيد محمد شهاب المصري من أشهر كتب موسيقى المصريين وقد اعتني بطبعة حضرة الأديب البارع سليم أفندي حبالین صاحب مطبعة الجامعة، وأهدانا منه نسخة فنحت أرباب الموسيقى ومحبى الأمان إلى اقتنائه وهو بالنظر إلى فوائده يباع بثمن زهيد وقدره ۱۲ غرشا أو ثلاث فرنكات.

الحمد لله في البدء والختام

لقد انتهت السنة الأولى من جريدتنا الفتاة وسنبتدئ من العدد القادم بالسنة الثانية إن شاء الله ونحن لحضرات المشتركين الكرام شاكرين وممتنين.

شارك:

اصدارات متعلقة

أسئلة وأجوبة بشأن الوقاية من كوفيد 19 ومكافحتها للعاملين /ات في مجال الرعاية الصحية
الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي