الجزء السادس من السنة الأولى

الجزء السادس من السنة الأولى

في آيار «مايو» سنة 1893

موافق 14 شوال سنة ١٣١٠

جلالة إمبراطورة روسيا المعظمة

إن جلالة الإمبراطورة ماريا فيودوروفنا قرينة جلالة القيصر إسكندر الثالث إمبراطور روسيا، هي ابنة جلالة الملك كريستيان التاسع ملك الدانيمرك ولويزا برنسس دي هيس كاسل ملكة الدانيمرك، وشقيقة إمبراطورة أوستريا والبرنسس الكسندرا أوف ويلس قرينة ولي عهد الإنكليز. ولدت في 26 ت 1 “أكتوبر» سنة ١٨٤٧ وفی ۹ ت 2 «نوفمبرسنة 1866 تزوجت بجلالة القيصر بجلالة القيصر المعظم المولود في 10 آذار «مارث» سنة ١٨٤٥، فرزقها الله منه خمسة أولاد ثلاثة ذكور وابنتين، وأكبرهم سمو ولي عهدهما الغراندوق نيقولا فيتش المولود في 18 آيار «مايو» سنة 1869.

وفی ۱۳ آذار «مارت» سنة ١٨٨١ يوم جلس جلالة قرينها على عرش السلطان أصبحت إمبراطورة للروسية.

وهذه الإمبراطورة العظيمة ربيت في بيت أبيها بهيئة بسيطة لا تعلو عن حالة المتوسطات بالغني والثروة من نساء العالم، وقد أطرحت عنها منذ نعومة أظفارها الكبرياء والتـشـامخ والعظمة، ولم تزل حتى الآن وهي في مقام تنحني أمـام سـدتها الإمبراطورية أعناق ميئة وعشرة ملايين من البشر الممتدة من القطب الشمالي إلى أبواب الهند جنوبًا، ومن أقصى شرقي سيبريا إلى أقصى بولونيا غربًا.

زادها الله عزًا وكمالاً بالمواهب الطبيعية، فإنها «حفظها الله» على جانب عظيم من اللطف والرقـة والوداعـة والأناسـة ودماثة الأخلاق ولين العريكة والطهـر والعفاف والقداسة، وعلى جانب أعظم من غزارة العقل وحدة الذهن وصدق التصور وحسن البديهة وقد استودع الله في هيكلها اللطيف من القوة والشجاعة ما يعز وجوده في غير أشداء الرجال.

ومن شريف طباعها أنها شديدة الحب لجلالة القيصر قرينها المعظم، ولا تحب التداخل في الشئون السياسية فاردة جناحي الرأفة والحنو الوالدي على أولادها، قائمة على مساعدة بعض الأميرات الفاضلات بتهذيبهم وتعليمهم مبادئ الإيمان الأرثوذكسي وبيدها الكريمة البيضاء تخيط أكثر ثياب بناتها، ليقتدين بها العظيمات من النساء ويعلمن أن العمل واجب ٢٣٥ على المرأة، وأنها ما خلقت (كما تظن بعض الأميرات) لتصبح وتمسي على وسادة الترف والرفاء أو على عرش العظمة والكبرياء، لأن ذلك مما يولد بها الكسل والنزوع إلى محبة ظواهر الجمال، وهو آفة الكمال، ولذلك كانت جلالتها شديدة الكره للكسل والكسالي وللواتي لا يسرهن إلَّا أبهة المجد ونغمة الحمد، ولكي تبرهن أن الفضيلة بمحاسن الأعمال قد قسمت ساعات يومها بين تربية وتعليم أولادها وملاطفة ومؤانسة زوجها، وخياطة ما يلزم لبناتها ومطالعة الكتب العلمية والدينية والجرائد السياسية والأدبية ودرس اللغات الأجنبية حتى صارت بجدها واجتهادها تتكلم بعدد وافر منها، فضلاً عما هي عليه من محبة تنشيط المعارف والآداب لجنسها اللطيف، ومن زيارات المستشفيات ومدارس البنات (بدل الملاهي والمنتزهات) وعمل الخيرات والمبرات ومساعدة كل جمعية خيرية أو علمية، وقد عرف الجميع ما كان من أياديها البيضاء من مساعدة من نكبوا في المجاعة الروسية الأخيرة، وما بذلته من الأموال العظيمة لإنقاذهم من مخالب الجوع الذي كاد يفتك بملايين من البشر مع ما اشتهرت به من عدم الإسراف والتبزير، وميلها الطبيعي إلى الأثواب البسيطة لكونها تكره الأزياء المضرة بالصحة.

وبالإجمال إن شريف خلال جلالتها يقوم واعظًا ونزيرًا في نساء العالم عمومًا وأميرات الشرق خصوصًا، فيرد المتكبرات المتعظمات منهن إلى الضعة واللين والواهنات القوى إلى النشاط والإقدام والمسرفات (بلا فائدة على الوطن والجنس) إلى الاقتصاد والتوفير والمبتعدات عن عمل البر والإحسان إلى حبه والعمل به، فهكذا تكون النساءالعظيمات والملكات الفاضلات والأميرات الجليلات، لا بقصور تحلت بالمفاخر وخدور ترصعت بالجواهر، أطال الله بقاء جلالتها على ما هي عليه من الميل الغريزي لنفع الإنسان وفعل الإحسان ورفع لواء الجنس النسائي الذي يتشرف عند سماعه صفاتها الحميدة ومحامدها العظيمة كما يفتخر بسامي لطفها وعظيم فضلها، وحق له أن يفتخر ويمتجد، وهي المليكة في دولة الجمال والسلطانة على عرش الفضل والكمال والمركز الذي ينتهي إليه خطوط التمدن والآداب. وسنعود إن شاء الله بعدد آخر إلى تاريخ حياة هذه الإمبراطورة المعظمة بأكثر إيضاح تذكرة لأميرات وعظيمات يسترن الوجه بأكمام الخجل إذا قيل أن الفضل بمحاسن العمل.

مصر وبغداد وقرطبه وأوريا

«تابع ما قبل»

يا من يباهي ببغداد ودجلتها…مصر مقدمة والشرح للنيلٍ

بغداد هي دار السلام ومقام الخلافة العباسية كانت كما رواه الخطيب البغدادي في تاريخه المشهور مشتملة على مدن وأمصار متلاصقة متقاربة تتجاوز الأربعين، وقد استمرت نحو 500سنة دارًا للخلفاء العباسيين ومعدنًا للعلم ومقامًا للعلماء والشعراء والفقهاء ومشاهير الرجال وأرباب الصنائع والفنون ثم خربت بفتنة التتار، بعد أن بلغت من الارتقاء شأوا الكمال حيث كان فيها بعهد المأمون بن الرشيد 65 ألف حمام.

وقال غيره من المؤرخين أن بغداد كانت تشتمل في آخر عصر من ارتقائها على 30ألفًا من قصور وصروح الخلفاء والأمراء والأغنياء، وثمانية جسور (كباري) رخامية ممـتـدة فـوق نهر الدجلة و١٢ ألف طاحون و٨٤٠مـسـجـدًا و۳۰۰جامع و۸۰۰مـدرسـة و١٢ ألف مكتب و۱۰ آلاف خان و١٤٠٠سوق للأقمشة، وكان محيط دائرتها مسافة يومين وكان لها سور مساحة دائرته ٢٤ ميلاً بعرض كاف لركوب عشرة فوارس جنبًا لجنب يحيطه ٣٢٠حصانًا لها ١٠ أبواب على ضفاف الدجلة، وكل باب منها قلعة حصينة للغاية.

أما أحكامها في أيام الرشيد والمأمون، فحدث عن عدلها وحلمه ما شئت، وعن جود البرامكة وكرمهم ما استطعت، وإذا مررت بالرصافة أطرق كرى فإن النعامة في القرى، وقل بحكمائها وعلمائها وشعرائها وأبطالها وفرسانها كل الصيد في جوف القرا.

وكم من بدوية بين الرصافة والجسر كسفت الشمس بنورها، وأخجلت البـدر بجمالها والله در من قال:

استودع الله في بغداد لي قمرًا …بالكرخ من فلك الأزرار مطلعهُ

أو

عيون المهى بين الرصافة والجسر …جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدرى

قرطبة –

أما قرطبة فكانت عاصمة السلطنة العربية في الأندلس تحتوى على أكثر من مائتي ألف منزل يسكنها أكثر من مليون نسمة، ولهـا شارع واحد مستقيم طوله 10 أميال وعرضه 10أمتار مزدانًا بعداد من مصابيح تنار على نفقة الحكومة، ويمشى فيها الأهلون طول الليل تحت جناح العدل ولواء الأمن براحة واطمئنان وسرور ووئام، وبعـد 300سنة من هذا الزمن لم يك في لوندن مـصـبـاح واحـدُ يضئُ في شوارعـهـا العمومية على نفقة الحكومة، وكانت شوارع قرطبة عمومًا مبلطة تبليطًا حسنًا، وبعد ذلك بأجيال عديدة كان يمشي المارة في شوارع باريس غائصين في بحار من الأوحال حتى أكارعهم.

وكانت قصور ملوك ألمانيا وفرنسا والنمسا وإنكلترة حقيرة لا تشبه مرابط الخيل التي شادها الأندلسيون في الرصافة والزهراء هندسة وبناء.

والأغرب من ذلك أن سرايات ملوك الإفرنجة كانت حينئذٍ بلا نوافذ، ولها مواقد للاصطلاء بدون مداخن، فكنت ترى الدخان يخرج من ثقب السقف كأكواخ أحقر حقير في الهند أو أفقر فقير في الشرق، بالوقت الذي كان لزوجة عبدالرحمن الناصر سلطان الأندلس قـصـر في الزهراء الكائنة على بعد 3 أميال من قرطبـة قـائمًا على أكثر من ۱۲۰۰ عمود مرمرى وقاعاته الاستقبالية مزدانة بالذهب واللؤلؤ، وفيه من الخدم والمماليك والخصيان والخادمات 630 نفس يحرسه ١٢ ألف فارس من الحرس الملوكي برماح ومناطق وخوذ مذهبة، وكان حول هذا القصر العامر بستان فسيح وفيه من كل فاكهة زوجان، وله حوض كبير للأسماك وساحات مخصوصة للحيوانات والوحوش والطيور على اختلافها في الجنس والشكل والرسم، وقد صرف على بناء هذا القصر وجناته ٢٥سنة و٢٨ مليونًا من الدنانير.

وكان في قرطبة خزانة كتب اعتنى بجمعها الناصر والمنتصر، تشتمل على أكثر من 600ألف مجلد وديوان للعلوم عمومًا، ومدرسة للطب فضلاً عن المكاتب السلطانية والمراصد الفلكية حيث كان أبطال الأمة البريطانية لا تفتخر إلا بوشم أجسامهم بالرسوم المختلفة الصور، وكان الأوربيين بعد قرون عديدة بسطوة برابرة الشمال قد نسوا خطوط أوربا الجغرافية، وبات الواحد منهم لا يعلم من الكون إلَّا وطنه، وكان الذي يكتب ويقرأ منهم يعد بينهم على الأصابع، كما يعد الآن الأميون بين ظهرانيهم.

وكانت الصنائع في قرطبة زاهية رائجة، لا سيما المنسوجات الحريرية والقطنية والكتانية وغيرها من شـغل النول والمكوك فـضـلاً، عن الحلي والمجوهرات والملابس المجركشة الذهبية التي كانت الأميرات ونساء الخاصة يفتخرن بها، وهي على غاية من النظافة واللياقة، خلافًا لنساء الإفرنج اللواتي كن وقتئذ كنساء الغجر لا يغيرن ثيابهن حتى تصير رثة وعليها تلال من الأوساخ.

وفي قرطبة كثير من الجداول العذبة تجري في جناتها بين أشجارٍ غضة وأزهار فيحاء، يتخللها مماش للرياضة وكراسي حجرية مرمرية للراحة، وكان مهندسو هاتيك الجنات الغناء لا يمكنون العين من التلذذ وحدها بجمال تلك المناظر البديعة بل يسهلون لحاسة الشم طرق الاشتراك معها بطيب مـا يفـوح من أكمام الزنابق والرياحين والأزهار التي كانوا يزرعونها على طرز بديع بين الرياض والأشجار.

وكان العرب سكان بغداد وقرطبة يستدعون أشهر الأطباء والجراحين، وأنجع الأدوية لعليلهم بينما كان الإفرنج لا يلتفتون إلَّا إلى تسفير المريض إلى أقرب مزار، فيطرحونه أمـامـه وينتظرون شفاءه بقوة المعجزات لا بفعل الدواء ورأى الأطباء، وكان علماء الرومان في ذلك الزمان يقولون إن الأرض مسطحة بالوقت الذي كان علماء الجغرافية في قرطبة يرسمون لها الرسوم الكروية، ويعلمون الطلبة في مدارسهم العالية هذه المبادئ الفلسفية.

وقد اقتدى بعدند أمراء فرنسا وألمانيا وانكلترة بذوق وشهامة ومروءة ولطف وآداب الهيئة العربية الأندلسية، وتعلموا منهم علم الفروسية (ركوب الخيل)، وصاروا يتفاخرون به افتخار العرب به ثم أخذوا عن العرب الصيد بالنبال والحراب وتربية صافنات الأفراس، واقـتـبـسـوا منهم معزة النفس وحب الشرف والحـريـة والعـفـاف والعهد والوفاء والافتخار إلى غير ذلك من المزايا والصفات الأدبية، سواًء كانت بكتاباتهم وأشعارهم أو بعوائدهم وتقليداتهم حيث كانت الهيئة الاجتماعية العربية غاية باللطف والآداب، لا سيما في أسبانيا التي أخذ منها الألمانيون فن الأغاني والروايات ونشروهما في بلادهم مدة حتى امتد منها إلى إيطاليا وصقلية، وهذا كان أساسًا في أوربا للتأليف الفكاهية وأصلاً للآداب العمومية.

وكانت مدرسة الموسيقى في قرطبة عامرة على نفقة الحكومة بغاية الإتقان والنظام، وقد خرج منها كثير من المعلمين الماهرين بهذا الفن اللطيف، كما كانت مراتب العلم في الرصافة والزهراء لا سيما في زمن الناصر محفوظة لمستحقيها بدون التفات إلى اختلافهم في الجنس والمذهب، فكان ناظر المدرسة العلمية إسرائيليًا، كما كان في بغداد أيام هارون الرشيد رئيس المدرسة الكلية مسيحيًا – اسمه يوحنا موسى – وهكذا في وقتنا الحاضر، فالممالك الأكثر تمدنا إلى عرف حكامها وشعوبها واجباتهم لا تعطى القوس إلا لباريها والوظائف لغير مستحقيها، ولا غرو فإن الحقائق تعرف بالرجال نصراء العدل الذين لا يهمهم الالتفات إلى مراعاة الخواطر بتقليد الوظائف لغير أربابها وتحويلها لغير أصحابها، ممن يجعلون مصالحهم مـوردًا لمنافعهم الخصوصية لا للمنافع العمومية، أعني بهم أولئك الذين شادوا بسببها القصور وأسبلوا على الخدور براقع السـتـور ثم اعتزلوا الأشغال وباتوا في دورهم يتنعـمـون بمالهم وثروتهم تبذيرًا وإسرافًا على مقتضيات الترف ثم يغمضون الجفن بخلاً وضنًا على كتاب يشترونه أو جريدة يشتركون بها، وإن اشتركوا وقبلوا بعض أعدادها يردونها يوم يأتيهم الجابي مطالبًا ببدل الاشتراك، وكفى بذلك تذكرة لقوم يفقهون.

(عودٌ) وقد ألف علماء العرب في أسبانيا كثيرًا من المؤلفات العلمية والأدبية والتجارية والصناعية والزراعية، ولم يتركوا علمًا واحدًا من العلوم الرياضية والفلكية والتاريخية والجوغرافية والهندسية والطبية والكيمياوية والتشريحية إلَّا وكتبوا بها المجلدات الضخمة، فضلاً عن تأليفهم العديدة في تربية الخيول والمواشي والنبات والري وهم الذين أدخلوا إلى البلاد الإسبانية الحرير والقطن والأزر والسكر وزراعة الأشجار المثمرة ومصنوعات الخرق والحديد والـبـولاد والدباغة والبارود والمدافع وبيت الأبره والحساب العشري ومعرفة التقطير والتخمير إلى غير ذلك من الكتب المفيدة لهيئاتهم الاجتماعية، وأباحوا تعليم النساء ما يخترن من العلوم والمعارف بالوقت الذي كان الإفرنج يمنعـونـهـا عن النساء منعًا قطعيًا، حـالة كون العرب في سوق عكاظ قد خصصوا لهنَّ مكانًا للمناظرة، فكن يأتين إليـه ويـتـقـارعن وهن في هوادجـهن بنظم الأشعار وإلقائها على مسمع من سادات العرب وملوكهم وعلمائهم، وكان النابغة الذيباني ينصف بينهن ويحكم بأفضلية بعضهن عن البعض الآخر، كما كان يحكم بين شعراء الرجال أيضًا.

وقد اشتهر في نساء العرب بالشعر كثيرات، وفي مقدمتهن تماضر الخنساء وعايشة الباعونية وليلى بنت حزيفه وليلى العفيفية بنت مرة وعابدة المدنية والعروطية وعلية المشرق وولادة المغرب وزينة المرية وحمده بنت زياد شاعرة الأندلس، وأختها زينب ومهجة الغرناطية وعايشة القرطبية ومريم بنت يعقوب الأنصاري وأم الهنا وصفصفه الركونية التي قالت:

أغار عليكِ من غيرى ومنى…ومنك ومن مكانك والزمان

ولو أني خبأتك في عيوني …إلى يوم القيامة ما كفاني

   

حقوق المرأة

«بقلم حضرة الأديبة البارعة السيدة مهجة قرينة جناب الفاضل»

«بولس أفندي سوقى بطنطا »

قد طالما خاض الكتاب وأرباب الأقلام في لجج بحر هذا المبحث الواسع الأرجاء فمنهم من سلب من المرأة حقوقها، ومنهم من أوجب لها ذلك ومنهم من سلك سبيل التـقـيـيـد ومنهم من أوجب ذلك إطلاقًا بلا قيد إلى آخر ما اختلفوا فيه من الآداب، فبعضهم أخطأ والبعض أصاب، ولكن مهما يكن في الأمر من الخلاف وتشعب المذاهب، فلم يبق ثم محل للريب في أن للمرأة حقوقًا مقررًة في المجتمع الإنساني، مراعاة لروح هذا العصر ومجاراة لأحوال الزمان الذي يرغب فيه شموس المعارف، وانقشعت غياهب الجهل عن الأفكار، فظهرت الحقيقة ساطعة النور فائقة البهاء عند الذين يرمون معرفتها ولا ينصرفون عن وجهة الحق أو ينحرفون عن سبيل العدل، ولا ينطقون عن الهواء أو يميلون مع ضعف النفس هائمين في كل واد لا يجدون إلى الحق سبيلاً، ولا إلى العدل دليلاً إن الحقيقة حقيقة لا يمسها إلا المطهرون عن كل دنيئة.

ونحن في هذا البحث لا ننشد إلا ضالة الحقيقة، ولا نلتمس فيما نقول سواها لا نشعر بها بسفسفة القول ولا نطلى بها محالاً، وإنما نظهرها مع قصر الباح وقلة الإطلاع وندارة المادة كما خلقت نورًا ونارًا تضئ أبصاراً وتحرق أبصارًا.

إن ما نحن فيه الآن موضوع في هذه الأيام موضع البحث في الجرائد والكتب والخطب وأقوال أهل النظر والنقد في كل مكان في الشرق والغرب، وكلهم يطلبون فيما يكتبون أو يخطبون أسبابًا لإصلاح حال المرأة وأعلاء شأنها ورفعها إلى المقام الذي تستحق لتكون في مقام الرجل مساوية له فيما يجب أن تكون مساوية له فيه لها ماله وعليها ما عليه، فلا يبقى ثم إجحاف بحقوقها لأنها لم تخرج عن كونها من الخلق من عباد الله، ومن ذوى النفس الخالدة، وليس ذلك فقط بل هي نصف النوع الإنساني الذي يسعد بسعادتها ويشقى بشقائها. أما ترى أن الزوجة هي المربية للأولاد والمهذبة للأخلاق والمحسنة للصـفـات إذا كانت من أهـل التهذيب والعلم والخلق الحسنة وإلَّا فينقلب الوضع وينعكس الطبع إذا كانت على ضد ذلك.

وقد كانت المرأة في الأزمان الأولى والعصور الحالية ملحقًا للرجل، وبعبارة أخرى مستعبدة له إذ هي آلة بيده يديرها كيف شاء ويتصرف بجملتها تصرف المالك بملكه والسيد بعبده بل نراها اليوم عند القبائل التي ما زالت في حالة الخشونة والأمم البعيدة عن المدنية والحضارة، تحمل الأثقال وتعتقل السلاح وتقوم بقادح الأعمال وصعاب الأمور حال كون الرجل ناعم البال قرير العين، وامرأته تقوم بالواجب الذي عليه فهي فيهم بمنزلة الخادم للرجل بل لا تفرق عندهم عن الأنعام بشيء.

وإذا رجعنا إلى أقوال الفلاسفة والشعراء الأقدمين رأينا بعضهم يصفونها بأنها مَلّكُ كريم وبعضها شيطانٌ رجيم كما قال أحدهم:

إن النساء شياطين خلقن لنا …أعوذ بالله من شر الشياطينِ

ولعلهم جميعهم مصيبون إذ للقول الأول يصدق على المرأة إذا أضئ لبها بأنوار العلم وتثقف عقلـهـا بمثقفات العرفان، وتدربت على طرق الخير والفضيلة وحسن الصفات وإلَّا فيصدق عليها القول الثاني لا محالة لأن المرأة الجاهلة التي لا تعرف إلا تزجيج الحواجب وتكحيل العيون، وصبغ وجهها بالملونات لتبديل خلقة الخالق الحكيم، وجر ذيول التيه والدلال ولبس الدمقس والموده ومغادرة أولادها حفاة عراة، وترك منزلها مرتع الأمراض ومـربـع البؤس، وصرف ثروة الزوج على أمـور مـا أنزل الله بها من سلطان، لحرية بأن توصف بأكثر من شيطان بل هي أشد ضررًا وأكثر نكاية منه بلا ریب.

ومما يقضى بالأسف إن السواد الأعظم من أهالي شرقنا الذين لم تنار عقولهم بأنوار العلم ما زالوا يحسبون تعليم المرأة عارًا وإنارة عقلها بأنوار علوم العصر شنارًا ويذكرون لذلك أسبابًا فاسدة وحججًا ساقطة ليست من الحقيقة في شيء مع ما يتاهدون كل يوم من آثار الجهل الذي ينسـون مـخـاطـره، والذي لولاه لما أنفقت المرأة لزوجها رزق شهر بل رزق سنة في شراء ثياب وحلى على غير اضطرار لشيء منها، ولا قادته عند المساء إلى الملهى والمرقص مريضًا أو مجهورًا، وما ذلك إلَّا لكونه حجب عنها أنوار العلم، وأغلق في وجهها أبواب العرفان والنباهة، فلم يبق لها من ثم سوى سبيل البهرج والزيغ، ورب رجلِ هزأ بالعلم على كونه لو حصل لزوجته لكان منجاة له من العار.

ويا ليته ينحصر الضرر الناتج عن جهل المرأة عند هذا الحد، ولكنه لسوء الحظ يتعداه إلى هيئة الاجتماع عمومًا، وهناك الطامة الكبرى لأن المرأة ليست زوجته فقط بل أمًا ومربية للأولاد الذي يتألف من أفرادهم مجموع العائلة البشرية والنوع الإنساني عمومًا،فإن لم تكن الأمهات فـاضـلات عاقلات مهذبات عالمات بمقتضيات التربية وأساليب التهذيب، لفسدت الأخلاق وعم الجهل، وأصبح العمران خرابًا والنجاح تأخرًا والقوة ضعفًا والوجاهة خسفًا، وقد صدق أحد الفلاسفة إذ قال إن المرأة التي تهز السرير بيمينها تهز الكون بشمالها، ولأن الطفل المولود حديثًا أول من يقع نظره عليه عند خروجه إلى نور هذه الحياة هو أمه، وأول ما ينطبع في مخيلته ويؤثر في طينته هو حركات أمه وسكناتها وأقوالها وأفعالها، إن خيرًا أو شرًا، وقد قال نابليون العظيم إن البلاد (فرانسا) في احتياج شديد إلى أمهات قادرات على تربية الأولاد تربية حسنة لأنها من أعظم أسباب إصلاح حالها وقطع فساد رجالها انتهى.

وقد كتب ذلك الإمبراطور العظيم إلى ناظر المعارف في باريس، وهو يدير حرباً مهلكة في بلاد بولونيا على ضفاف الفستولا حال كونه بعيدًا عن قاعدة إمبراطوريته ألف وخمسمائة ميل بعد كلام طويل يتعلق بتعليم النساء في المدارس التي أنشأها لهنّ – قال وأحب أن تخرج النساء من المدرسة فاضلات متعلمات غير منقادات إلى الذي والدلال صفاتهنَّ الجاذبة صفاء القلب وكرامة الأخلاق وأمر بتعليمهنَّ المعالي والبيان والتاريخ ومن العلوم الطبيعية ما يخرجهنَّ من ظلوم الجهل إلى أن قال، وعليهنَّ أن يرتبن بيـوتـهـنَّ بأيديهنَّ ويخطن أثوابهنَّ وملابس الرأس، وأن يتعلمن صنع الأثواب للأطفال لينفعن بذلك عند مسيس الحاجة إليه، فإنني راغب في جعل أولئك البنات نساء نافعات. انتهى.

وقد قال أحد الأدباء إنه لا أم إلَّا حيث يكون علم ولا زوجة إلَّا حيث يكون عرفان ومن المعلوم أن العلم يرفع شأن المرأة ويجعلها أوفر احتشامًا وعفة وأعلى همة وأرفع نفسًا وأكثر عزة وأسهل مراسًا وأعظم نبالة، فلا تميل إلى الدنايا، ولا تفعل ما يجلب اللوم على نفسها وعلى قومها بل تنبذ الخسائس نبذًا، وكلما يعبث بطارتها أو يحط من شأنها. وبعد فلا يد للرجل من تصور زوجته أيما أرملة، فإنه قد يفاجئه الموت فتصير إليها إدارة الأمور، فإن لم تكن معدة لذلك بعلم سابق واختبار سالف، فماذا يكون من أمر الثروة المتروكة لها وأشغال الرجل المعهودة إليها، وكيف يمكنها النهوض بهذه المهام وبتربية الأولاد إذا كانوا أطفالاً إن لم تكن من الخبيرات العارفات، وكم من رجل قد مات عن ثروة واسعة وأموال طائلة وشهرة طائرة، وإذ لم يكن له من يقوم بإدارة ما تركه فتذهب تلك الثروة والأموال والشهرة أدراج الرياح، ولم يبق أثر منها كان لم تكن بالأمس شيئًا مذكورًا.

هذا وإنا قـاصـرون عن اسـتـيـفـاء بيـان الأضرار الناتجة عن جهل المرأة في المجتمع الإنساني، ومن الأمور التي لا جدال فيها أن الأمة التي لا تعتني بتعليم إناثها وتثقيف عقولهنَّ، كما تعتني بتعليم ذكـورها، فلا يتأتى لها أن ترقى مراقي التقدم والفلاح، ولنا في مقابلة شرقنا الذي لم يصر الاعتناء بتعليم نسائه حتى الآن ببلاد الغرب التي راجت فيها سوق العلم بين إناثه لأعظم شاهد وأسطع برهان على ما نقول من وجوب تعليم المرأة وإعدادها لأن تكون جسمًا حيًا ناميًا في هيئة الاجتماع، فإليكن بنات الشرق عمومًا والوطن خصوصًا أرفع صوتي الضعيف عساه أن يبلغ مسامعكن، فتستفقن من نومكن الطويل وتنهضن من رقادكن الذي قد مضى عليه قرونًا واسعين سراعًا في طلب تحصيل العلم والعرفان مقتديات ببنات جنسكن الغربيات في طلب ما يكسبكن الفخر ويخرجكن من ظلمات الجهل إلى نور المعرفة، وينتشلكن من وهدة الذل إلى مقام العز ويرفعكن من مقام الحطة والخسف إلى مقام الرفعة والوجاهة، وأظهرن لدى هيئة الاجتماع رافلات بأثواب الفضل متحليات بحلى الآداب والوقار مستضيئات بأنوار علوم العصر غير منقادات إلى الزي والدلال والبهرج ولبس الحلى، لتكن قادرات على طلب حقوقكن، فتفزن بالحصول عليها بعد أن أنكرت عليكن أجيالاً، وقبضت عنكن دهورًا فلكل مجتهد نصيب والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

العلم والمال

لا يفخرنَّ امرؤ بالمال والرتـبِ…إذ لم يكن فاخــــــــرًا بالعلـم والأدبِ

فالمالُ يفنى ويمحي ذكر صاحبهِ…وذكر ذي الفضلِ لا يمحى مدى الحقبِ

حضرة الأديبة محررة جريدة الفتاة الغراء

أرجـوك نشر رسالتي هذه فتاتك المحبوبة وإن تكن حريت بأن تتحلى بأسمى نفائس الفضل والآداب لا بموضوع تقـاولته الألسنة والأقلام وتخالفت فيه الآراء والأحكام حتى لم يعد لى مجال للنطق بمثل هذا الكلام، ولكن إذ رأت الموضوع واسع المجال ويوجد فيه بعض فوائد لابدَّ من ذكرها أعطيت قلمي العاجز فرصة؛ ليخط ما تملى قريحتي الخامدة فأقول:

إن العلم للمرء كالأرض العطشانة للماء، فمن لا يكن عندهُ علمٌ ولا معرفة كان كالأرض القاحلة لا يرجى منهُ نفعٌ ولا ينتظر منهُ ثمرٌ بل يجب تركه وإهمالهُ.

لقد ذكرت العلماء في هذا الموضوع أقوالاً جليلة النفع جزيلة الفائدة أثرت بعقول أبناء وبنات وطننا العزيز، فنهضوا من حالة الإهمال والتراخي، وابتدأوا أن يعرفوا أن عمران الكون لا يتوقف على جمع المال وإحراز الكنوز وتحصيل الدرهم الوضاح فقط بل إن العلوم والمعارف لها الأسبقية والتأثير بالعمران والتقدم والنجاح، فكدوا واجتهدوا لينالوا من المعارف والآداب ما يحتاجون إليه لترقية أحوالهم وتمهيد آمالهم فنالوا أخيرًا ما تاقت إليه أنفسهم، وعرفوا ما للعلم من الفوائد الجمة في عمران الكون وتغيير الهيئة الاجتماعية، فاتبعوا عند ذلك قول الشاعر:

بالعلم يا صاح لا بالمال والنسبِ …ملك العلاءِ وفخار المرءِ والرجلِ

والحمد لله إن علمت كل البلدان إن العلم وسيلة الإسعـاد والنجاح وتحصيل المعاش، فبادرت الحكومة وبذلت كل ما في وسعها في سبيل انتشاره وتقدمه، وفتحت المدارس للذكور والإناث، وحثت الناس على طلب المعارف وتحصيل الفنون والأمل قريب أن الجهل لا يعد له محل يضرب فيه سرادقه بل يرحل عنا متى رأى الكره له والنفار.

ولا أرى بداً من أن أقول إن العلم للمرأة كما هو للرجل جزيل الفائدة والنفع أكثر من المال الذي يكون غالبًا سبب البلاء والدمار لذات الأنس واللطف والدلال التي تكون خالية من المعرفة والفنون، وقد كانوا يظنون قبلاً إن العلم للمرأة جهلاً وغباوة، وإن بتعليمها تتعدى حقوق الرجل، فأخروا تعليمها وتهذيبها بالمعارف والآداب التي تثقف عقلها وتنهضها إلى أوج السعادة والفخر، ولكن الآن شكرًا للخالق المنان الذي انقشع عن عقولهم الظلام، ووصلنا لعصر أدرك الناس فيه عظم الحاجة لتعليم المرأة، فخفوا إليهِ وسارعوا غير مكترثين بالنفقات ولا ناظرين إلَّا إلى الفائدة، إذ عرفوا أن على المرأة يتوقف نجاح العالم بأسره، فعوضًا عن إحراز المال لتصرفه بأمور غير لازمة ولا مانع أن قلت إنها مضرة كاقتنائها الملابس الفاخرة والحلى الثمينة تصرفها على تعليمها في المدارس، من كلما تحتاج إليه من الفنون والآداب وأشغال اليد واللغات ما يجعلها جوهرة في تاج العصر، وما يكسبها صيتًا حسنًا وشهرة عظيمة، ويصدق حينئذٍ ما كتبت عنه العلماء والأفاضل مقالات عديدة، إن للمرأة حقوق المساواة بالرجل من حيثية العقل والفهم.

أليست هي الواسطة الكبرى لتقدم وعمران الكون، إذ هي وحدها المكلفة بتربية البنت وتهذيب طباعها وتدريبها في أبواب المعيشة وإعدادها لتدبير المنزل وتربية البنين فيما بعد بل عليها يتعلق مهام العالم كله، فإذا تعلمت وتربت كما يجب نشأت على صفاتٍ حميدة تقيها من التنكيت والتنديد، إذ عليها حفظ شرف البيت وحسن الصيت والشهرة والتلطف بالضيف والزائر دون أن تمس شرفها بكلمة من الخفة والطيش، ولا أظن أن العلم يؤثر تأثيرًا حسنًا في الابنة العاقلة فقط، ولكنه ينفع الحمقاء الجاهلة فيلطف طباعها ويرشدها إلى الخير والصلاح، فدعنَّ أيتها الفاضلات نقابل بين امرأة جاهلة وأخرى متعلمة، فنجد بونًا عظيمًا بينهما يجعلنا على ثقة كبيرة من نفع العلوم فنرى الجاهلة لا يهمها من الدنيا إلا اتباع الأزياء كلما رأت فرصة لذلك فتصرف مالها بالبذخ والإسراف للتزين بالحرير الملونة والتحلي بالخواتم والأساور والذهاب لمحلات الملاهي والمسرات والتنزه في أماكن النزهة، وبالإجمال تتعب غاية جهدها في عمل ما يروق بأعين من كن نظيرها غير عالمة بما تكون أحوالها أخيرًا، إذ تندم حيث لا يجديها ذلك نفعًا، والعالمة التي تفتحت عيناها وعلمت ما يأتيه العلم من النفع والعمران تراها باذلة كل جهدها بتحصيل ما ترى ذاتها مقصرة عن معرفته من الفضيلة والآداب، فتحرز من ذلك كثيرًا، وتكنز ما يجعلها أهلا للظهور في العالم المتمدن والتكلم في الهيئة الاجتماعية فتكسب شرفًا وذكرًا حسنًا لا تفنيه الأيام وكرور الأعوام، فعلينا أيتها العقائل والأوانس الفاضلات الأديبات بنات وطني المكرمات أن نتسابق لاقتناء ما ننتفع به من ادخار العلوم والآداب والفنون التي تعود علينا بالعمران والفلاح، ودعنَ أن نكره كل ما يشين بحقنا، ولا نجعل سببًا يحمل البنات الأجنبيات بأن يتكلمنَ ضد المرأة الشرقية، ويقذفنَ بحقها مدعيات بأنها في حالةٍ من الجهل تحمر لها الوجوه خجلاً، ولا ننكر أن المرأة الغربية سبقت الشرقية في تقدمها، ولكن الحق أولى أن يقال إننا أفضل منهنَّ عادة وأحسن عقلاً وذاكرًة إذا استعملناها وتركن تقاليدهنَّ إذ يوجد عندهنَّ عوائد تشمئز منها الطباع، وتنفر منها كل ابنة شرقية حائزة على آدابٍ وأخلاق حميدة «أرجو أن لا تصل إلينا تلك العوائدوكفانا شاهدًا أن من التفتت إلى إحراز العلوم من بنات وطننا نبغت بها وتقدمت كحضرة ذات الاحتشام والفضل محررة جريدة الفتاة المصونة، وهل لا أذكر ما لحضرة الكاتبة الخطيبة هنا كوراني من الفضل لكتاباتها ومقالاتها الجزيلة الفائدة، وكفى أنها أظهرت براعًة وفصاحًة مقرونتين بالحشمة والرزانة حين قدمت خطابًا بحـضـور جـمـهـور من الأفاضل والعلماء تحتهم وتنهضهم لترقية بضائعهم، والاستغناء عن البضائع الأوربية ولم تكتف بهذا لذهبت لبلاد أجنبية تحامي عن وطنها وجنسيتها بإظهارها الحق والعلم، وعندنا برهان واضح يدل على فضلها وحبها للعلوم لا للمال إذ كلما جمع من الدراهم لتذاكر الدخول ليلة الخطاب وزع للفقراء والمساكين، فالرب يباركها ذهابًا وإيابًا ويرجعها لبلادها غانمة ظافرة، ولا يجب أن أنسى وأتشكر أفضال كل أنسة كتبت ما يفيد في هذه الجريدة التي أحسبها أثمن ما حصلنا عليه بهذا العام ولى أمل أنها تتقدم تقدمًا سريعًا، فتضحك ألبابنا ببكاء أقلامها،وتفيض علينا درر الفوائد من بحر علمها وتكحل نواظرنا بكحل كلامها هذا، وإننى أطلب من الجميع بأن يستعملوا ما منحهم إياه المولى بما يؤول لخـيـر الـعـمـوم ونفع البلاد، لا بالإسراف والترف والزينة والقصف راجية غض الطرف والسماح من قراء رسالتي هذه إن لم تحز القبول لدى الجميع إذ العصمة والكمال لله وحدهُ.

مریم حداد

بيروت في ۲۷ آذار (مارث) سنة 1893

مكان المرأة الاجتماعي والسياسي

من القانون الحديث

مترجمة بقلم الأديب البارع زاكي أفندي مابرو»

«تابع ما قبله»

بقى لديَّ أيتها السيدات أن أبحث في مسألة خطيرة هي من أهم مسائل الموضوع الذي نحن بصدده فأقول:

هلا يستدعى عظم اتساع دائرة نشاط المرأة في الهيئة الاجتماعية عاجلاً أو أجلاً، ازدياد أهليتها لإحراز الحقوق العامة؟ وهلا تتجه هذه النهضة الأدبية لأن تجعل للمرأة يدًا في سياسة البلاد؟ أجل إن للآن لم تطالب نساء بلادنا بهذه الحقوق أعنى بها الحقوق السياسية، فإن المرأة الفرنساوية قنعت بما حازت من الحقوق الاجتماعية ولم تطلب المزيد. وفي زمن الثورة لم يرتفع لنصرة المرأة وتأييد حقوقها إلَّا صوت واحد وهو صوت الفيلسوف الشهير كوندورسيه الذي سقى نفسه سمًا, ليتخلص من غائلة القتل ظلمًا وعدوانًا، وذلك في سنة ١٧٩٤ وما كانت البلاد وقتئذٍ لتسمع صوته وقد صمت آذائها عن سماع الحق، إذ قام روبسبير زعيم الثورة (١٧٥٩١٧٩٤) متفقًا ميراو خطيبها المفوه ومشعل نارها (1746-۱۷۹۱) على حصر أعمال المرأة ضمن دائرة بيتها. على أن في أيام الجمهورية الحاضرة تصدت بعض النساء لطلب الحق في الانتخاب مستنداتٍ على قول القانون بأن الانتخاب عام، ولكن عدن بالفشل وخيبة المسعى إذ رفض طلبهن رسميًا بموجب قرار المجلس الأعلى بتاريخ 5 آذار (مارس) سنة 1885 وبناًء عليه أرى أننا بعيدات بمراحل عن أمل صيرورتنا نوابًا وقضاة، ومع ذلك فعندنا في بعض الأحايين، ولئن كان ذلك في أحوال خصوصية. نساءُ خولن أمر القضاء ونساء أُّعطن حق الانتخاب، وذلك في مجلس المعارف العمومية الأعلى، إذ أن مديرات مدارس المعلمات الابتدائية وناظرات الملاجئ العـمـومـيـة يكونن منتـخِـبـات ومنتخَبات، وعليه نرى أن هذا المجلس السامي لم يضم إلى هيئته نساًء إلَّا وقد عرف بهنَّ الكفاءة، ولم يقتصر عليهن في استمداد سداد أرائهنَّ بل خولهن سلطة القضاء لأنهنَّ يستطعن أن يمنعن كثيراتٍ وكثيرين عن مزاولة التعليم، مما يبرهن عما عندهن من الحذاقة وسمو الدراية.

وفي 5 يوليو ۱۸۸۹ قرر مجلس النواب بأن للنساء التاجرات الحق في انتخاب مجالس التجارة، وفي 17 مارس من سنة ۱۸٩٢ قرر مثل ذلك لذوات الخبرة من النساء وما عدا ذلك فلا دخل للمرأة في تدبيـر شـنـون البلاد أيًا كانت مع أن هذا المنع مستحدث إذ أننا رأينا نساء عديدات يشتركن بانتخاب الجمعيات العمومية، بشرط أن يكونن ربات أملاك وعقارات، وفي سنة ١٣٠٨ وسنة 1560 وسنة 1576 انتخب النساء نوابًا للشعب وفي سنة ١٧٨٩ انحصر الانتخاب بالراهبات والشريفات.

نعم أي سيداتي قارئات رسالتي هذه إنى لا أخفى عليكن أن النساء ذوات الأنساب حتى الراهبات المعتزلات في الأديرة ساعدن في انتخاب الحكومة التي أيدت حقوقًا للرجل أحرمت المرأة منها، وها أني شارحة لكنَّ كيف كان لهؤلاء النساء الحق في الانتخاب.

كانت الشريعة تنظر إلى العقارات والجمعيات من حيثية كيانها، ولا تهتم بالشخصيات، وكانت إذ ذاك سياسة البلاد بأيدي الأمراء أصحاب الأملاك الذين سواًء كانوا رجالاً أو نساًء كانت لهم السلطة المطلقة على رعاياهم، وهم أصحاب الحل والربط وهكذا وجدت النساء ذوات حق في الانتخاب.

على أنه في الممالك التي تتعلق الحقوق السياسية بامتلاك عقار، كما في بعض مقاطعات النمسا أو بدفع مبلغ من العشور أو الخراج، كما في مملكتي إيطاليا واسوج لا يصعب حق الانتخاب على المرأة ذات العقار، ولكنها في غالب الأحيان تقيم عنها وكيلاً أو كما حصل عندنا في فرنسا قبل عام ١٨٤٨ يُعطى لها الحق بأن تكل عنها قرينها أو ولدها وتمنحهما حقوقها في الانتخاب.

ولقد يفرق الانتخاب السياسي عن الانتخاب البلدي أو المكاني، إذ أنه يسهل إعطاء المرأة حق الانتخاب لمجالس بلدية حد غايتها لا يتجاوز صوالح البلد أو المقاطعة التي تنشئ بها، وكأن المرأة والحالة هذه تتمتع بحقوق ملكيتها أو كأنها ذات أسهم في شراكة وطنية لها تمام الحق بالانتخاب، كما كان النساء يفعلن في اقتسام الأرزاق في أيام الحكومة الدستورية.

ولعمري أراني قد أسهبت الشرح وتعمقت في البحث، ولقد أخشى على حضرات القارئات من الملل ولكن جلالة الموضوع تشفع بي لديهنَ وما به من الفوائد الوافرة يجد لى عندهنَّ عذرًا، وأملى أن معرب مقالتي هذه يبرئني من تهمة أملالهن بطلاوة عبارته وحسن اتساقها، وهو المكلف بإيصال الأفكار بالأفكار حتى إذا ما استحكمت الصلة بيننا سهلت الخطة على الجميع، وعادت النتيجة بالفائدة المطلوبة، وعليه أعود لموضوعنا فالعود أحمد.

وفي إنكلترة عام 1869 استحصل النساء على حقوق الانتخاب في المجالس البلدية، وفي سنة ١٨٨٦ حزن على حقوق الانتخاب المكاني وهكذا كان في مملكة اسوج ومقاطعة فنلانده من أعمال الروسية، وفي ألمانيا أعطيت للنساء حقوق الانتخاب البلدي بشرط أن يكون خاليًا من السياسة ولا يشمَّ منه رائحتها، وهذه النساء لا ينتخبن بل يكلفن أزواجهنَّ في الانتخاب.

أما المرأة الروسية فإن كانت ربة أملاك أو كانت ممن يدفع خراجًا معلومًا كان لها الحق في الانتخاب المكاني، ولما كانت غير مقيدة بالسلطة الزوجية فقد تمنع زوجها من حقوقها وتنوط بوكالتها إلى من تشاء.

وفي أميركا لم تحصل النساء على حقوق الانتخاب البلدي إلا في مقاطعتين وهما: اليومنغ والتعكساي، وإننا نرى في إحدى مدن هذه الأخيرة إن رئيس مجلس البلدية امرأة، وأغلب أعضائه نساء وأما في الأولى فللنساء الحقوق التامة كالرجال في الانتخابات.

أما في بقية الممالك فالحرب قائمة على قدم وساق، ولقد اشتد سعيرها وحمى وطيسها في إنكلترة بمجلس العموم في 17 أفريل سنة 1891.

ولما تلا الفيلسوف الشهير سيوارت ميل في سنة 1867 كتابته المشهورة في استعباد النساء لدى مجلس العموم بإنكلترة تلقاها المجلس بمزيد الاعتبار، وأصاخ إليها السمع بإمعان إلَّا أنه رفضها بأكثرية الأصوات، إذ كانت 196 صوتًا ضد 83 أمـا اليـوم فـالنسـاء ١٥٢ صوتًا وضـدهـن 175 ومن ذلك نرى أن في مدة ٢٥ سنة تضاعفت أصـوات أحزاب النساء، وصار يكفي اثني عـشـر صـوتًا فقط لتنال المرأة الإنكليزية كامل حقوقها السياسية، ومع هذا ففي جزيرة مان التابعة لإنكلترة والتي لها مجلس خاص قائم بذاته فاللنساء الحقوق التامة كالرجال.

ومما تقدم نرى أن في مقاطعة اليومنغ بأميركا وجزيرة مان في إنكلترة وفي بعض مقاطعات من النمسا أعطيت للنساء حقوق الانتخاب السياسي. أجل إن ذلك يعد نادرًا والنادر لا يقاس عليه، ولكن الأمر حاصل فإن فاتحنا أحدًا بذلك، فلا يستطيع البتة أن يهز بأكتافه ويقول «إننا لم نرَ ذلك أبدًا“.

نعم إني لا أجهل بعد ذلك اليوم الذي به نطالب بحقوقنا السياسية رسميًا، كما أني لا أخفى عليكنَّ أيتها السيدات أنه أبعد منكنَّ منا. ومع ذلك لا يمكنني أن أجزم بعدم حدوثه يومًا ما في فرنسا أو أن أقطع باستحالته وهأنذا مـوردة لكنَّ ما جاء من أقوال المتناظرين في هذا الموضوع، ملتمسة منكن أيتها السيدات إصاخة السمع وإعارة الانتباه إلى ما سأبديه لديكن، ويكون ختامًا لهذا الموضوع الجليل الذي حرك العالم السياسي والاجتماعي، وجردت له الأقلام حدادًا وأشغل أفكار كثيرين من كتاب العصر الحالي.

نعم ولا مراءَ في الأمر إنه يوجد أسباب جدية تحول دون تحويل المرأة الحقوق السياسية، ولكن المعارضون لم يأتوا إلَّا بأسباب واهنة وحجج سفسطية أوهن من خيط العنكبوت بل منها مما يضحكني أورده تفكهًة:

جاء في القاموس السياسي للعالم موريس بلوك ما نصه: متى منحت النساء حقوق الانتخاب حق لهنَّ بأن ينتخبن وهنا مجال واسه لمن يتأمل في النساء وقد تربعنَّ في دست الفضاء، وألقيت إليهنَّ أزمة الأحكام وقمن في المجالس يسننَّ الشرائع والقوانين للبلاد، وهن سائدات بالحسن والجـمـالجـائلات بالغنج والدلال، فاتناتً سالبات، فما قولك وقتئذ وقد تحولت «هيئة مجالس العدلمن الجد إلى الهزل. أما الخطباءُ من الجنس اللطيف فينالوا رضاء الجمهور وقبل الكلام بل من قبل أن يرتقوا منبر الخطابة. ولعمري، من يستطيع من الرجال مخالفة النساء في الآراء ولهؤلاء من السؤدد والجبروت ما لا ينكره إلا من كان حـجـرًا من جـالد الصخر جلمًد، اولوفرة وسائط النفوذ لديهن قـد يـحـتـرن في انتقاء ما يستعملن لنوال ما يرغبن من نتائج الإقرارات قبل أن يبحث المجلس فيها“.

أما هذا الكلام أيتها السيدات فلا أتصدى للرد عليه، فإنه محض هزار ولا أخال صاحبه إلَّا قاصدًا به الهزل، وما أنا بهازلة وإن هزل الزمان. نعم لقد قيل إن حقوق الانتخاب تستلزم الخدمة العسكرية، وعلى هذا تجيب الأنسة شوفن إن أغلب النساء يخاطرن بأنفسهن مرارًا عديدة ليأيدن النوع الإنساني، وهكذا بصورة ثانية ليدفعن ما عليهنَّ للإنسانية من الجزية الدموية على أن ثمت ممالك كثيرة لم تجعل الخـدمـة العسكرية اضطرارية بل غادرتها اختيارية، وعوض أن تعلق عليها حقوق الانتخاب أحرمت نويها منه، وبناًء عليه فلم يعد من علاقة بين التجند والانتخاب.

وقيل إن التقليدات التي استلمناها من اليونان والرومان لا تسمح للمرأة بكامل حقوقها، وعليه أجيب أن مركز المرأة قد تغير تغييراً عظيما من ذلك العهد، فإن الشريعة المسيحية قد أمرت بالمساواة، ولقد أيدت ذلك بقوة التأني والثبات حتى امتنع الاسترقاق وساوت المرأة الرجل، وها كن ما قاله الشهير ستيورت ميل بهذا الصدد ولقد نبذت الإنسانية منذ زمن مديد المبادئ القائلة بعدم أهلية المرأة لأن تتقلد مقاليد السياسة, ولم يعد يخطر لأحد أن يقول باسترقاق النساء لأزواجهنَّ أو أبائهنَّ أو إخوتهنَّ.

ولما كنا نتملك أرزاقًا، وندير شئونها بأنفسنا وجدت لنا أراء سداد، ولما كتبنا سمح لنا بالتعليم فمن أين إذا تنجم عدم أهليتنا للسياسة؟

فمن قائل إن عدم الأهلية هو من صنع الطبيعة، ولا ينكر وجود نساء ذوات نباهة كلية وحزاقة عظيمة، ولكن لم نر قط امرأة مخترعة، ولا ذات إدراكٍ ينتج إصلاحًا في الفنون، وزد على ذلك أن المرأة غريزية الطبع سريعة التأثر تستسلم لعواطفها عفوًا دون أن تعي لصدق الحق. فيا لله ما دخل الإدراك والعواطف في الانتخاب؟

ومن معدد نقائص المرأة وذاكر لابروبير في شأننا، وهو القائل بأننا نجهل كل الأمور الجدية، ولقد اعتدنا أن لا نتعلم شيئًا مفيدًا لنا والباعث لنا على ذلك، أما ضعف إدراكنا إذ تكاسل عقولنا أو شدة اعتنائها بجمالنا أو خفة بنا تمنعنا من متابعة درس طويل أو لهونا المستطيل بتدبير شئون المنزل أو رغبتنا الزائدة باستطلاع أمور لا تنفع العقل، إلخ.

ومن قائل ولا أراه إلَّا قليل الاحتشام «وما المرأة إلَّا ولد صغير وليس للأولاد حقوق الانتخاب. ألا أنظر إلى هذا العقل الدائم الحركة المتطاير من موضوع إلى آخر دون أن يلم حقيقته بموضوع جدى، وأرمق هذا الفكر الشارد الذي لا يستقر على حال هذه هي المرأة.

ولقد أجمعوا كلهم أن نقائصنا هي من فعل الطبيعة بل إن جلها من نتائج التربية، ولئن كان العالم لا بروبير يصفنا بالجهل والغباوة ولا ينصفنا، فقد قام بعده بزمن مديد وذلك في الجيل الماضي من عزى قـصـورنا إلى التربية، وقد أصاب وهو الشهير دبديرو القائل: إن كلما يشغل صبوة الفتاة منحصر بالزينة والموسيقى والرقص على أنه لو أزيد إلى ذلك بعض دروس من مبادئ الجغرافية والميتولوجيا والتاريخ لتمت تربيتها، وزعم القائمون بأمر تعليمها إنها أكملت دروسها مع أنها لا تكاد تحسن الكتابة بأكثر من وصيفاتها. ومن هنا نستنتج أن أصل الخمول فينا وجهلنا هو من سوء العادات وقلة التعليم، وإن شئت فقل من عدم إتقان التربية وقلة الاعتناء بتثقيف عقولنا مع أننا لا نقل عن الرجـال حـزاقـة وإدراكًا، ولو أخذنا المرأة المتعلمة مثلاً لألفيناها تبارى أعظم الرجال علمًا ودرايًة، ولو أجلنا الطرف في المدارس لرأينا غالبًا أن البنات يسبقن الصبيان في تلقين ذات الدروس حتى إن في أغلب منازل أرباب الصنائع تجد النساء أوفر ذكاء من الرجال في انتقاء الحسف واختيار الجميل.

وللمرأة في السياسة مناقب جليلة لا تقتصر أعمالها في سواها ولو فتحت التاريخ وأخذت رقعتين مختلفتين وجمعنا في الأولى منهما أسماء الملوك وفي الثانية أسماء الملكات أو وصيات الملك، وأقمنا بينهما النسبة في العدد والأعمال لوجدنا أن النساء هن اللواتي برهن في غالب الأحيان على تمام الأهلية للإحكام. منها بلانش دی كاستيل وحنه دى بوجان في فرنسا واليصابات وفيكتوريا بإنكلترة وماري تريز في النمسا وكاترينا الكبيرة في روسيا.

وفي هذا الموضوع قال ستيوارت ميل: هنا مما يقضى بالعجب العجاب، فإن بالنساء الكفانة والأهلية لتولية الأحكام، وقد أيدت ذلك بالأعمال التي يشهد لهنَّ بها التاريخ، ومن ثم نرى أن الشريعة تمنعهن من حقوق الانتخاب السياسي على حين أننا نرى أن ما من دستور منع النساء عن أن يأتين بأعمال هوميروس وأرسطو وميكيل إنج ومع ذلك لم تتقدم منهن واحدة إلى ذلك المقام الرفيع، وما طالبت فيه بحـقـوق لعلمها بعدم أهليتها لذلك، فما بال الحكومة إذا تمنعها ما تستطيع وطالما برهنت أهليتها له:

وبناء عليه نرى أن ما جاء للآن عن عدم أهلية المرأة للانتخاب السياسي ساقط ومدحوض، وقد قال متشرعو الرومان من قديم الأزمان: لا يمكن أن تكون النساء قضاة ليس لأنهن قاصرات أو قليلات الإدراك بل لأن العادة لم تسمح للمرأة أن تتقلد وظائف الرجل.

وعندي أنه لابد من أحد أمرين: إما أن يكون الانتخاب منصبًا أو حقًا، فإن كان منصبًا والشريعة لا تقلده إلَّا لمن تعهد به الكفاءة للقيام بمهامه، فلماذا تمنعه عن كثيرات من النساء المتعلمات طالما تقلده لرجال قليلي المعارف؟ وإن كان حقًا هو معروف ومألوف فعليه أجيب يقول ستيوارت ميل أن حق انتخاب الرجل الذي يتقلد السلطة يلزم أن يعطي للجميع على السواء، لأنه سلاح الضعيف والغبي اللذين لا يمكنهما إلَّا الطاعة، ومع ذلك فالشريعة لا تستطيع أن تمنعنا هذا الحق طالما تمنحنا حقًا أجل منه في انتخاب أعظم من ذاك أهمية وتأثيرًا ألا وهو انتخاب الرجل الذي يحكم علينا طول الحيوة.

إلَّا أن من المعارضين من يقول أن المرأة من صار لها الحق في الانتخاب تولت على أزمة الأحكام، واشتغلت بتأييد صوالح النساء، فتسعى بما عندها من الوسائط وهي وافرة فعالة لأن ترمي الشقاق بين الرجال وتفوذ بأمانيها من توسيع نطاق نفوذ المرأة ومتى صارت ربة السيادة لم يعد للرجل خاصة الاحترام والانعطاف التي يقوم بها القوى لدى الضعيف، كما هي عادة الرجل تلقاء المرأة وهل يمكنه أن ينتظر منها العـدل وهي ذات تأثر سـريـع وانفـعـال نـفـسـاني، وإن جـارت واعـتـسـفت بالحكم أَمن الصواب أن تظلم ربة العواطف الرقيقة التي ما خلقت إلَّا للرحـمـة والإشفاق مع أن الرجل أشد قوة من المرأة، وأعظم منها جلدًا على احتمال المشاق.

ولما كان الرجل غير خاضع لأوجاع المخاض، أصبح ذا قوى عقلية تزيده نشاطًاً وصبرًا، وتكسبه عدالًة وإنصافًا ولو وضعت السلطة في غير مركز القوة الطبيعية والنشاط العقلي والصـفـات الأدبية لكنا كواضع الأهرام على قـمـتـهـا تقلبـهـا أقل الصدمات.

أجل إن هذه الأقوال لا تبعد عن الحقيقة، ولا تخلو من الصدق وعندي أن وقت حصول المرأة على تمام حقوقها السياسية لم يحن بعد، ولا حاجة لأن تتكلم به الآن ولكن لا يسعنا أن نغض الطرف عما حازته المرأة من التقدم في الهيئة الاجتماعية، وما صار إليه مركزها الحالي، وهو أخذ بالتقدم رويدًا رويدًا فمن منذ خمسين عامًا كان الكونت سان سيمون، وهو رئيس طائفة من الإكثرنكيين، يعلم تلاميذه قائلاً: من الآن فصاعدًا صار الشخص الاجتماعي الرجل والمرأة (وكان قبلاً الرجل فقط) والزوجة شريكة زوجها في الهيكل ولدى الحكومة وفي الأسرة (العائلة).

وبناء عليه، التمس من كافة النساء في البلدان قاطبة أن يستعدن لهذا الدور العظيم الآخـذ بالنمـو والارتقاء، فيجب على المرأة أن ترتفع عند الحـاجـة عن رؤية صوالحها الخاصة، لتدرك ماهية الصوالح العمومية، ولما كان البعض يتهمونها بقلة الإنصاف، فلتجهد نفسها لأن تحيى بها روح العدالة والحق، ولا تكن معرفة الخير والشر هي الثمرة التي حرمت على أمنا قديمًا.

وقد كتب ديديرد في الجيل الماضي يقول: يجب أن تعلم بناتنا علم الأدب والبيان وبالحقيقة إذا أضفنا إلى ذلك بعض أصول فلسفية استطاعت حينئذٍ المرأة أن تبارى الرجل ولعمري، إن دامت هذه النهضة التي أرانا أخذات بها، فحينئذ يجب على كل امرأة أن تستعد لها وهذا ما يأمرنا به الصالح العام وتلك أمنية طالما تمنتها النساء الفاضلات ذوات المآثر والمفاخر، على أننا سنلاقي من المعارضين أشد المقاومة، ولكننا متأهبات للدفاع عن حقوقنا بهمة تفل الحديد. أو لا تشعر كل واحدة منا أن بنفسها قوة جديدة تتأهب للدفاع عن حقوقها الضائعة؟

أما الآن وقد أنهيت أقوال المتناظرين بهذا الموضوع الواسع فاتركه لكنَّ لتبحثن فيه، فإن الحقيقة بنت البحث وأنا سأتشرف بإمدادكن بما عندي من الآراء والأفكار بهذا الصدد. وفي رسائلي التالية سأعرب لكن عن آراء الآنسة شوفن التي أوردت ذكرها في سياق مقالتي هذه، ولا أسهى عن ذكر الفيلسوف الشهير ستيوارت میل الذي دافع عن حقوق المرأة ببلاغة وحسن بيان وطلب أن تحفظ لها حقوقها، كما أنه رغب أن يمنحها حقوقاً هي بها أهل مما استحق عليه منا جزيل الثناء ووافر الشكر.

عن ليون في 30 مارس سنة ١٨٩٣

«روزا »

إجالة نظر في الجيل التاسع عشر

ما زالت تطوحني النفس في بيداء الرجاء، وتستفزني الآمـال للاقتداء بأهل البراعة وعلماء هذا الزمان، لعلى مع قصر الباع آتى ببعض الفائدة التي، وإن تكن لا تذكر تحل محل القبول عند معاشر الكرام، مستمدة غض الطرف عما يرونه من الهفوات والسهوات، لأني لم أزل قاصرة بالنظر إلى ريات الأقلام وكاتبات هذا الزمان اللواتي طأطأت لهنَّ رؤوس اليراع، ولأني لحد الآن لم انفطم عن رضـاع لبن العلوم والمعارف، فوالحالة هذه يصعب علىَّ أن أفي حق هذا الموضوع الجليل بفصيح العبارات وبديع الكلام، بيد أني أراني في عصر تلألأ فيه نور التمدن، وعلت منارة التقدم فأتيح الكل الخوض في ميدانه، فغدوا متشجعين ثابتين والشجاع والثبات راية الفلاح وعنوان النفوذ، ولذلك أردت افتتاح كلامي وبدء بكر أفكاري بما يحق لبلادنا به الفخر. ألا وهو سمى الدرجة بلغها عصرنا هذا المجيد في ظل سلطاننا عبدالحميد. كيف لا وقد أصبحنا في عصر تحسدنا عليه سلفاؤنا وتتفاخر به خلفاؤها. أجل إنه أمرُ غنىّ عن البيان وحقيقة لا تحتاج إلى زيادة البرهان ما قد امتاز به الجيل التاسع عشر عن بقية الأجيال بالجد والاجتهاد والنباهة والذكاء ورقة المعاني وسمو الأفكار، وما أدركه من سنى المراتب وعزة الجانب، وما تحلِّ به أهله من حلل الفضل والفخار وسمو أعلى من سلف علمًا وبراعة وكم وكم من المشاهير الذين لم تزل آثارهم مرموقة بما الذهب على صفحات التاريخ وذكر أقوالهم أهل بكل مديح. فأصبح بهم نور عصرنا شائقًا رائقًا يضئ ويتلألأ بأنواره البهية الفائقة وغدت روضة أثمار معاليه دانية القطوف وأقمار عزه لا يقيها خسوف، ولا ريب في كلامي وتصديق مقالي لأن من يطالع الجرائد والمؤلفات في هذه الأيام تحقق له مـا نحن في صدده الآن، ورأى أيضًا بأن هذه الغاية غاية العلوم والمعارف لا تنحصر فقط في صدور الرجال بل رأيناها موضوع سباق تتطاول إليه الأعناق من رجال ونساء وها كم أكبر شاهد جريدة الفتاة وما تحلت به من دور المعاني وبليغ الكلام التي طالما ترقبنا وفودها بمذاهب الصبر إلى أن ظهرت تميس كالغادة الحسناء بحلتها البهية، وتتيه ببردتها السنية حاملة من المعاني أسماها، فتحاملها النسيم على أجنحته ونقلت من العلوم والأخبار أعلاها فتتناقلها الحمام على السنته فتلقيناها بيد الترحاب والاستبشار، وقلبنا صفحاتها ببنان العجب والفخار، وما أجلنا النظر فيها قليلاً حتى انشرحت صدورنا بالوقوف على مباديها، وجادت أفكارنا حيث جالت في معانيها، ولا بدع إذ أنها بكر فكر سما وارتفع إلى أن أتى بعمل لم يخطر قط على بال، فابشرى بنات جنسي لقـد علا نجمنا وغاب عنا، فها هي البلاد ازدانت بالتمدن والتقدم واكتست بأثواب الفخر المطرزة بعنوان الشرف والفضيلة، ولله درك أيتها الفتاة على ما أقدمت عليه من خطير العمل، ولا شك بأن ما طبعت عليه من جودة القريحة ووفور العقل حركك إلى عالى الأمور وسمت بك نفسك وهمتك إلى أشرف المراتب منزلة وأبعدها غايًة، فلتدم أيامك مقرونة بالسعادة والنجاح، وليصنك المولى على ما عزمت عليه لتمهيد طرق التمدن والفلاح.

ولا يصدكِ عن أمرِ هممت به …من العواذل لا قال ولا قيل

فما إقدامك هذا إلا ذا مخاطر لا يظفر بها إلَّا المقدام الجسور، ولا يتغلب عليها إلَّا لحر الصبور، فحقًا أنا لذاتك الشريفة بامتنان وعلى يقين بأن الوطن يخلد لك ذكرًا على الدوام. ولا غرو إذا نسينا التقدم الصادر في هذا العصر إلى الحرية أجل إن للحرية يدًا كبرى في كل ذلك بحيث إذا قابلنا عصرنا الحاضر مع الأعصر المظلمة التي مرت علينا، ونحن في قعر الجهل والإهمال ترى بأن الحرية كانت محجوبة مستورة عن أعيننا في عالم الخفاء، فالحمد لله إذ لم تبق تلك الملكة محجوزة عنا بل تنبه الحكماء من الناس وأناطوا برقع وجهها السافر، فظهرت ذات بهاء فائق فبددت به قفل الظلام حتى لم يعد باستطاعة أحد إخفاؤها بل رأوها نورًا على نور، فرفعوا قدرها وعظـمـوا منزلتها إلى أن بلغت ما بلغته الآن، فيحق لنا أن نقول بأن الحرية هي محور التقدم وأساس النجاح ومصدر كل أمر جليل، فلا نجاح بدونها ولا سعادة في البعد عنها، إذ بواسطتها فتحت أبواب العلوم لنا نحن بنات سوريا اللواتي لم يكن لنا حظ بتحصيلها سابقًا ولم تقتصر على ذلك فقط بل هي هي التي رفعت شأن النساء من حضيض الذل والبوار حتى صار لهن نصيب في الهيئة الاجتماعية والمطالعات العلمية، فانهضنَّ إذَّا بنات جنسي لقد حان الوقت الذي به يجب أن ننتعش من سقطتنا ونرفع رؤوسنا من بعد خفضتها، ولنجد باجتهادٍ لتحصيل أثمار العلوم ولنبذل النفس والنفيس لأن الذي لا يتعب في إدراك غايته تنصرم حيال أماله دون المقصود وما أحسن قول من قال:

بصرت بالحكمة العليا فلم آراها…تنال إلَّا على جسر من التعب

وليس في الأمر عناء كبير، فإنا لا تلتمس العزيز الذي لا يملك أو الغاية التي لا تدرك، لكن قصاري مرامنا أن تحصل لنا المساواة ومراعاة الحقوق، وأنا على يقين إن دامت هذه الغيرة غيرة التقدم الموجودة في عصرنا الآن لابدَّ أن يومًا ما ترجع بلادنا إلى زهوتها، وتسترد جمالها المفقود سيما بغيرة ولى أمرنا وسلطاننا الذي اتخذ الحرية شعاعًا ورفع العدل منارًا، والذي لم يزل ساهرًا على رعيته وساعيًا لها بالتقدم والفلاح فاليس العلوم والمعارف حلة سنية فتلألأت فيها كواكب العرفان والنجاح حتى أضحت شبان وشابات العصر الحميدي الأسنى يجتنون من رياض العلم ثمرًا يانعًا، ويرشفون من موارد الآداب ماًء صافيًا، فكيف يطاق الصمت عن تعداد حسن مآثر أبناء جيلنا وتبيان مفاخره، فحقًا إن صمت اللسان فلا تطيق النفس الصبر وأبي العدالة والشهامة أن تخفي أو تطوي في بطون الأرض أعمال الجيل التاسع عشر.

فبشراك بشراك أيها العصر الحميدي عما آخذ بنوك في تقدمهم على ما مضى من الأجيال، فلا زلت ذا سعدٍ منير ببرد المجد والفخار تحت لواء أمير المؤمنين أيدّ الله جلالته وعضد سلطانه أمين.

ماری خلیل شميل“

إحدى تلميذات مدرسة الشويفات

«إنها الغيرة الوطنية»

«لترقية البضائع الشرقية»

«لحضرة الكاتبة الفاضلة الأديبة العقيلة هنا كوراني في بيروت

«تابع ما قبله»

فهذه هي حقيقة أحوالنا المحزنة ودخائلنا المشوشة التي كان بوسعنا اتقاؤها والخلاص منهـا، لو تدبرنا أمرنا وأشـغلنا القوى في إصلاح أحوالنا الداخلية لا الخارجية، فأرضنا والحـمـد للمنان جيدة التربة رحبة بنا إذا صرفنا الاهتمام إلى فلاحتها وزراعتها نغتذي منها وترسل من غلاتها إلى البلدان الأجنبية ما يعود علينا بالذهب الرنان، وصنائعنا التي نبذناها ظهريًا والتي يتوقف عليها تحسين أحوالنا المادية لو أعرناها الاهتمام الواجب والإكتراث الأكبر لكنت حاجاتنا من رداء ومتاع وزادت على ذلك فأرسل منها إلى الغربيين ما فاض على البلاد بالأرباح والخيرات، ولكننا عوضًا عن ذلك نبيع الأجانب محصولات البلاد من حرير وصـوف وما شاكل، بأبخس الأثمان ونستردها منهم بدفع ثقلها ذهبًا، فيكون الربح لهم لا لنا فكان جديرًا بنا اتقان صنائع البلاد على أنواعها الشتي والاستغناءُ عن السلع الأوروبية لتزيد موارد الثروة ومناهل الغنى، ويتوفر علينا المصاريف الفاحشة التي قد قادت الكثيرين إلى المهاجرة أو الخراب التام. وبالحقيقة أنه يوجد في بلادنا من الأنسجة الحريرية والصوفية والقطنية مما يليق بقصور الملوك، فإني قد بحثت فيها ورأيت في أعظمها من دقة الصنعة مع حسن الذوق والمتانة ما كنت أجهله والجهل ذنب سوادنا الأعظم.

ويا حبذا لو تعاون وجهاء البلاد واتفقوا على نبذ البضائع الإفرنجية، وصرف الاهتمام إلى الصنائع والمنسوجات الوطنية على أنواعها، لعاشت البلاد بعد موتها وزادت مداخيلها عن الآن بما لا يقاس، وذلك لرواج البضائع الشرقية في أوروبا وأميركا وغيرها من البلدان.

حقًا إنه لا يحسن بنا ارتداء الحرائر الأوروبية الغالية والسريعة الفناء، وفي بلادنا من الحرائر ما يتيه عليه حسنًا وجمالاً، فالأوربيون عرفوا قيمتها ونحن جاهلون وصار أمراؤهم يتباهون بفرش قصورهم الرفيعة بالأقمشة الشرقية والارتداء بالنسيج العربي وتزيينه بجركسة الشرقية، فإذا كنا نعتقد فيهم بأنهم أرفع إدراكًا وأرقى عرفًا،ونحنُ تقلدهم في الأزياء والعادات فلماذا لا نقلدهم أيضًا بهذا الأمر، ونرفع شأن أنفسنا ووطنا معًا.

إننا نتباهي بارتقائنا عن السلف وبإحرازنا الأدب، ونتيه عجبًا بما وصلت إليه حالتنا من المدنية والتقدم، ولكن ليت شعري، أين الارتقاء والتقدم وحالتنا كما تعلمون. يا للأسف إن حظنا منهما الاسمُ لا الحقيقة، فإن تقدمنا الذي تزعمه ليس إلَّا طيف خيال، وعرفنا الذي نتوهمه لا يزيد عن قيل وقال فإننا يا سادة عبيد أرقاء، ولا ندري أننا مستعبدين للزي الأوربي أو للأوروبي أن نقدم له تعب أيدينا وجنى أيامنا ومحصولات بلادنا، فيأخذها عـفـوًا مـحـتقرًا لنا مزدريًا بنا جاحدًا لخدمتنا ناكرًا لمعروفنا، ومـا جـزاء الغفلة إلَّا الهوان، فهل يليق بنا نحن الذين لنا الحظ الأكبر من الذكاء والدراية أن نرضخ بمثل هذه الأحوال، وننظر إلى بعض البهرجات مموهين على النفس بالفلاح وبلوغ العلاء.

فيا أيها السادة الكرام يا من أنعم الله عليهم بالثروة والجاه، إني أستعطفكم بلسان الوطنية أن تحولوا أبصاركم البصيرة إلى الصنائع السورية، وتتخذوا ما حسن منها للرياش والمتاع، ليتمثل بكم العموم ويهتدوا بنور مناركم ليطرسوا على غرر آثاركم وبذلك تـخـدمـون الإنسانية والوطن الذي هو في أشد الاحتياج إلى مآثركم الجليلة. فحسن مستقبل البلاد متوقف على رواج صنائعنا وبضائعنا، وهذا منوطُ بعلو همتكم وتوقد غيرتكم ومحبتكم الوطنية، فابسطوا رعاكم الله يد النجدة والإسعاف، وخذوا بناصر المحترفين جميعًا، وبثوا في أفئدتهم الهمة والنشاط للمثابرة على العمل والاجتهاد في إتقان الحرف وإجادتها. فالصنائع إنما تستجادُ وتكثرُ إذا كثر طالبها والسبب في ذلك ظاهر، لأن الإنسان لا يسمح بعمله أن يقع مجانًا لأنه كسـبـه ومنه معاشه إذ لا فائدة له في جميع عمره في شيء مما سواه، فلا يصرفه إلَّا فيما له قيمة في مصره ليعود عليه بالربح والكسب والصناعة إذا لم تكن مطلوبة لا تنفق سوقها ولا يجتهد محترفها في إتقانها والتفنن بها بل يهجرها، فتموت وتتلاشي شأن كل شيء. ومن هذا تعلمون عظم ما يترتب على نجدتكم من الخير الأكبر للبلاد، فاصرفوا العزيمة في ترقية صنائع البلاد فيرفع لكم الشرق تمثال الشرف مكللاً بتاج الفضيلة وكفى بذلك فخرًا لمن عقل.

أيتها السيدات الكريمات. إن ما أعهده بشخصكن اللطيف من رقة الجانب ودماثة الخلق يجـرأني على مـخـاطبتكنَّ الآن في هذا المشهد الحافل بأرباب العرف وسيدات الذكاء، وما أعلمه من حسن مبادئكنَّ وتثقيف ذهنكن واستعدادكنَّ التام لخدمة الخير العام يحملني على أن أتقدم إليكنَّ ببعض الملاحظات، ملتمسة مكارمكنَّ الواسعة قبول ما سأبسطه لديكنَّ ولا عدمتكنَّ من نصيرات محسنات.

لقد اتفق العلماء الأعلام على أن تقدم البشر متوقف على النساء أكثر منه على الرجال، وذلك لأسباب شتى أعظمها كونها مهذبة الأطفال ومربية الرجال من ملك عظيم إلى عاقلٍ مسكين، وهذا مما يجعل تأثيرها العامل الأكبر في اجتناء الخيرات وتحصيل الرغائب، وعليه جئتُ أذكركنَّ أيتها الفاضلات بنظم ما يترتب على كل واحدة منكنَّ من الواجب الخطير نحو الوطن، فأحوالنا الحالية تستدعيكنَّ لصرف القدرة وبذل الجد والجهد في مداواة الاعتلال وإصلاح الاختلال، لا يخفى عليكنَّ أيتها الأديبات أن مدام بالمر رئيسة القسم النسائي في معرض شيكاغو العام قد حررت إلىَّ أنا العاجزة مع بعض الفاضلات بتحريك الخواطر، وحث الهمم لتأليف لجنة من نساء البلاد لجمع أشغال المرأة السورية على أنواعها وأجناسها، فكتبت مع سوای مستعطفات بنات الوطن إلى الاهتمام بهذا الأمر الخطير، مبينة ما يترتب عليه من الخير العام والفائدة الكبرى ولكن كنت في ذلك كمن يضرب في حديد بارد، ويا للأسف ثم شرفتني حضرة الرئيسة المذكورة بأنها دعتني للخطابة في مدة المعرض عن حالة نساء بلادنا السورية وما هنَّ عليه من العلم والأدب، فلم أرَ بدًا من تلبية هذا النداء الشريف والامتثال لأمرها الكريم لئلا يقال في المرأة السورية أنها لا تصلح لشيء، فعزمت بعد الإتكال على المتعال أن أذهب إلى تلك الأقطار، واضطررت إذ رأيت الجميع لاهيات أن أجمع من أشغال المرأة السورية ومن صنوف بضائعنا الشرقية ما يتيسر للعرض في بناية النساء لعلى أستطيع أن أجعل للمرأة السورية اسـمًـا يذكر، وأعلن من آثارها أثراً يشكر، وقد وفقني المولى إلى استحضار صنوف متضاربة من الأشغال التي هي بالحقيقة على جانب كبير من الإتقان والظرافة، ورأيت بين أقمشتنا الشرقية ما يليق بلباس الأميرات وحلل المخدرات مع ما هو عليه من بخس الثمن ومتانة الجنس.

فكيف يسعنى السكوت والحالة هذه عن أعراضنا نحن النساء عن بضائعنا وتهافتنا إلى السلع الأوروبية وشرائها، كيف كانت بأغلى الأثمان زعمًا بأن هذا مما يزيدنا تمدنًا ويكسبنا جمالاً، ونحن في ذلك ليـسـوا سـوى خـدمـة الملكة الزي المتقلبة الرأي المتغيرة الذوق القاهرة الصولة الظالمة القضاء، والتي تطلب من رعيتها تقديم أجسادهنَّ وآدابهنَّ وأموالهن على رغائبها التي لا تحصى فيا، لله من هذا الاستبداد العظيم والاستعباد المطلق، فكم أشقى من حسناء وأدمى من نجلاء، وأهلك من هيفاء وأخرب من أداب ولا شيء من مكرمات.

فلنتحد أيتها الفاضلات، ولنشهر حربًا عوانًا ضد هذه البلية الصماء، لتقهر صولتها قبل أن تثبت أقدامها في البلاد، ولنصرف أموالنا في نفع أوطاننا وإحياء دارس صنائعنا وموات بضائعنا، ولنرتدي جميعنا بأنسجة بلادنا التي هي بالحقيقة لا تقل جمالاً وذوقًا عن التي نتهافت إليها من البلدان الأجنبية، متيقنات أن قيمة المرأة لا تقدر بنفاسة حالمها وحليها بل بغزارة فضائلها وسمو آدابها وغرر مآثرها، فعلينا باتخاذ التعاون ظهيرًا والاتحاد معينا والهمة ساعدًا في إنجاد الوطن وتبديد عوامل القهقرى ومسببات الانحطاط لنك٢٦٦ن شعار ارتقائه وعنوان مجده.

ولابد لي في الختام أيها الأفاضل والفاضلات من إظهار ما لي في شهامتكم العربية وغيرتكم الوطنية من الآمال التي تعلو بكم إلى أوج المعالى، وترفعكم إلى السهى فإنكم قد برهنتم في هذه السنين المتأخرة أن لكم بعد في نفوسكم بقية من عزم أجدادكم ونشاط آبائكم ودراية أسـلافكم، فسلكتم البحار وجـبـتـم الـقـفـار للاتجار واكتساب الأموال وازدياد الثروة ركن التقدم وعنوان الفلاح جادين في سبل العلياءَ في الطلب، وعليه لا أرى حاجزًا يحول دونكم ودون ترقيتكم للبضائع الشرقية والصنائع السورية التي بإجادتها والإكثار منها تتم معدات التقدم وتتهيأ أسباب الحضارة والعمران، فرجائي ببصيرتكم النيرة إنزال هذا الخلل الأكبر منزل الاعتبار لتستعز بكم البلاد وتسعد بمساعيكم الجليلة العباد.

وهنا أرفع لسمو مكارم حضرة أستاذي الفاضل أزهار الحمد محمولة على طبق الثناء، متأرجة بنشر مآثره الغراء ومحاسنه البيضاء فريضة شكر وواجب منه، على ما طوق به جيدي من حلى الفخر وقلادة الشرف بإجادته على بقبول ملتمسي لتزيين هذه الليلة الزهراء بدرر أقواله وحكم آرائه، فالله أسأل أن يحفظه للوطن عمادًا وللعلم ملاذًا وإليـه عز اسمه أتوسل أن يوفقنا جميعًا إلى ما به تقدم الوطن ونجاحه بظل ظليل الحضرة السلطانية وعناية أولياء الأمور الصادقين، وله ملك السموات والأرض إنه فعال لما يريد.

وقد قرظت هذا الخطاب الأنيق حضرة الكاتبة الفاضلة السيدة استير ازهری بهذه المقلة الغراء فقالت أيتها الفاضلة:

حبذا كلامك من كلام شحذ الأذهان الكليلة ونبه القلوب الغافلة من رقدتها الطويلة، وحذرها عن مداومة السير على غفلتها، فنهج لنا طريقًا واضحًا وأرانا صراطًا سويًا حتى إذا ما سرنا بحسبه عاد على بلادنا بالعمران وعلونا معارج السعادة والرغد والرخاء، فتبقي ما لنا في بلادنا نتعامل به بحيث يزيد الضعف ضعفان.

هذا، وإني أهنئكِ بما حزتيه من المقام الرفيع فتلت الأسبقية على بنات جنسك الشرقيات فعلوتِ منبر الخطابة بحيث لم يرتق هذا المقام أحد قبلكِ.

فواهًا ليوم تزداد أمثالك في البلاد وسقيًا لحين نصبح نحن والغربيات سواء بحيث لا يعود لهنَّ من فضل لم نحذ حذوهنَّ به، فقد صرنا والحمد لله وبعناية أولى الفضل إلى درجة هي منتهى الآمال، فصار منا كاتبات ومحررات جرائد ومديراتها، هذا والفتاة الغراء تؤيد صدق المقال. وإني أؤمل بأنه لا يمضى ردح من الزمان إلَّا ونرى بيننا طبيبات وممرضات وهلَّم جرّ، فترى العالم أجمع أن المرأة الشرقية قد استعانت عن تهاملها السابق بالنشاط، واستبدلته بالعمل والإقدام بعد أن تنال كل الحقوق التي طالما خطرت عليها من مقاسمة الرجل أتعابه المادية والأدبية بعد أن علمت بالواجبات التي عليها والتي لها في ظل ظليل الحضرة العلية السلطانية.

في المرأة وحقوقها وواجباتها

في تدبير المنزل

«تابع ما قبله»

والمرأة لا تكون أقل استعداداً في الفطرة من الرجل إذا تربت مثله وتعودت على العمل والعلم والكسب إلى غير ذلك، وإن شئت فسل أهل أميركا عن تقدم نسائها وهم ينبؤونك بأن أساس ذلك هو اهتدائهم إلى توجه العناية بإتقان تربية البنات، فإن نساء تلك البلاد خصوصًا الولايات المتحدة قد قمن على قدم وساق يطلبن حقوقهن ورفع المظالم عنهن ومساواتهن بالرجال، ومن عهد ليس ببعيد أقرت الحكومة في بعض أقسامها للنساء الحق في انتخابهن نوابًا كالرجال.

ولما انتشر هذا القرار تصدي الأستاذ كوب لمقاومتهم مثبتًا أن المرأة لا تقوى على مناصب الحكومة، فأفحمته السيدة شيرسكي حنسكن بقولها (قد ظهر من الرجال عدم السير إلى جادة الحق والاستقامة في أمر الانتخاب، فعلى النساء أن يبادرن إلى إصلاحهم بقولهن لهم بما أنكم لم تحسنوا في الانتخابات صنعًا، فإليكم عنها ودعونا ننتخب لكم حكامكم، فترفع السياسة من حضيض الذل والفساد إلى أوج المجد والطهارة، وبذلك يكون لمعشر النساء حق ثابت بالانـتـخـاب يسـتـخـدمنه للإفادة لا للافتخار) ومن استقرى التاريخ علم فضل النساء ومجاراتهن في الأعمال للرجال منذ زمن بعيد، واقتنع بأنهن إذا تعلمن سـاويـن الرجـال بدون فـرق، ولنذكـر بعـضًـا من الشهيرات مدام دي سفيتياه التي تستحق تحاريرها أن تكتب بماء الذهب ومدام دى سايل التي أدهشت علماء عصرها بالفلسفة والسياسة والتشخيص (وهي التي عارضت نابليون الأول وأرهبته حتى نفاها عنه)، وكاترين كسوبرين التي خاضت بحر العلوم الطبيعية والرياضية وقوت رأى لوك الفيلسوف الإنجليزي الشهير. وثيانو الشاعرة بنت فيثاغورس الفيلسوف، وهيباتيا بنت الفيلسوف ثيون وغيرهن.

وعليه، فلا ننكر أن التعليم يجعل المرأة مساوية للرجل، ولا نجهل أن كل أمـة بناتها غير متربیات تربية تهذبية علمية فلابد من تقوض بنايتها وسقوط أعمدتها بل تلاشيها بالتدريج من على وجه البسيطة.

وأقـوى دليل على أن تربية الأبناء دون البنات لا تجـدى نـفـعًـا مـا نشـاهده في بلادنا من أن معظم الشبان المصريين الآن يتقنون التعليم ويتربون التربية التامة، ولكن بتأهيلهم ببعض العاريات عن الحكمة والتدبير تنحط معارفهم وتمحى علومهم من صدورهم، وذلك لعدم وجود شريك لهم بالمنزل يوافقهم على أفكارهم المتنوره، وبالنسبة لما يحصل لهم من الحزن والكدر وسوء المعيشة الناتجة من عدم اتفاق نسائهم ومداومتهم على المشاجرة، وصرف الوقت هدرًا نظرًا لخلو أذهائهن من الآداب والتعاليم المفيدة، فلا يلبث الشاب أن يتعود (بعد أن يتزوج) على السهر بالأسواق وهجر الكتب والمحابر التي فني شبابه بينها، فيتعلق بشرب المسكرات وتناول المغيبات وتلم الصيت خوفًا من دخوله بالمنزل، فيسمع ما لا يسره، وقد يمرض الكثيرون من الشبان لا سيما المسيحيين بسبب عدم تربية البنات، ولا يرتكب الشطط من قال بأن هذا هو السبب في عدم تقدم مصر ماديًا وأدبيًا.

وهنا ألوى عنان البراع إلى نشر عبير الثناء على السيدات السوريات، فقد حققن الآمال بابتداء السير على خطة الغربيين. هذا وبما أن التدبير المنزلي فن يعرف به أصول تدبير وسياسة المنزل، من حيث الأكل والشرب واللبس والنظافة وتجديد الهوا والكسب والنفقة والاقتصاد إلى غير ذلك، مما يولد هيئة النظام المؤدى لراحة أهل المنزل وحفظ صحتهم، فعلى ربة الدار المناط بها هذا العمل الخطير تتعلق الآمال في تأدية نظام يكون موافقًا في تعداده ونسب أجزائه.

فهذا هو العلم المنزلي المقتضى تربية البنات وتثقيف أخلاقهن وتهذيب عقولهن كيف لا، وجميع العلوم متوقفة على الصحة التي هي الأساس المتين لها، ومن البديهي أن الصحة أصل والعلوم فرع والأصل مقدم على القرع طبعًا وكل مملكة أو بلدة كانت منازلها مؤسسة على دعائم النظام الصحي واستتباب الراحة الطبيعية أحرزت سعادة أهلها وارتفاع شأنهم، وترقيتهم لأوج الكمال الصحي وذروة الحكمة والرفاهية.

وحيث كما تقدم أن السيدات من القايضات على زمام هاتيك المنازل النافدات لغثها وسمينها، الآمرات الناهيات في نظام حركاتها وسكناتها، فيجب كل الوجوب إتقان تربيتهن وصوغ أخلاقهن في قالب التهذيب الأدبي والكمال النفسي، لما لهن من تمام السلطة والنفوذ المطلق على جميع الأعمال المنزلية، وكما أن رجال السياسة تقوم بهم سطوة الممالك، كذلك السيدات يصلحن خلل المنازل مع النهوض بأعبائها للحصول على تجـدد نظام الأمن والراحـة، فـمـا أجـدرهن بالثناء والإكرام وأولاهن بالإطراء والإعظام، وما أشقى الذين لا يذوقون طعم تربيتهن، فأولئك هم الموتى في عالم الأحياء.

انتهى ملخصًا (عن مقدمة كتاب تدبير المنزل)

«البقية تأتي

هدايا وتقاريظ

أهدانا حضرة الفاضل عبدالرحمن أفندي إسماعيل أحد المتخرجين من مدرسة العيني بمصر الجزء الأول من تأليفه في طب الركة، وهو كتاب مفيد للغاية وثمنه خمسة قروش صاغ، فتحث العموم على اقتنائه وترجو لحضرة مؤلفه نجاحًا وتوفيقًا.

وأهدانا حضرة الأديبين سليم أفندي تادروس وجورجي أفندي عبود من شبين الكوم نسخة من رواية استير ألفاها للتشخيص مسبوكة بعبارة لطيفة وقدماها لحضرة سعادتلو مدير المنوفية اعترافًا بفضله، فنسأل لها كثرة الانتشار.

طرابلس. هي جريدة جديدة تصدر في مدينة طرابلس شام أسبوعيًا باسم حضرة محررها وصاحب امتيازها الفاضل محمد أفندي كامل البحيري، وقد جاءَنا عداد منها فطالعناها، فألفيناها جريدة طافحة بالمواضيع الأدبية والتاريخية والمقالات الإدارية والاقتصادية والأخبار الوطنية والمحلية إلى غير ذلك، مما يستوجب الشكر والثناء على حضرة محررها المومأ إليه الذي نتمنى له ولجريدته مزيد التوفيق والفلاح.

الرأي العام. هي جريدة أسبوعية سياسية أدبية تصدر في مصر تحت عهدة حضرة صاحب امتيازها الأديب إسكندر أفندى الزهيري، وبإدارة جناب الأديب إسكندر أفندي شلهوب محررًة بقلم الأديب نجيب أفندى الحاج، وقد أتانا منها العدد الأول فألفيناه جامعًا من الفوائد ما يضمن لها الرواج والنجاح.

تقريظ للفتاة

« من نظم حضرة الفاضلة السيدة انجلينا صايغ بالإسكندرية»

بدت الفتاة بحلة عربية …تختال معجبةً على أقرانها

من كل لفظ رائق أو كل مع …نيَّ شائقٍ والسحر عند بيانها

بكر لبكر بالعلوم تجملت …فكلاهما والله بكر زمانها

فالدر من ألفاظها يزرى بمـا …تحويه عنق من عقود جمانها

فهي التي دعيت عروس الشعر إذ …جازت بما بلغت مدى أخذانها

لدينا تقريظ للفتاة من حضرة الفاضلة الآنسة إستير أزهري في بيروت قد أرجأناه لضيق المقام إلى العدد الآتي مع غيره من الرسائل العديدة التي ضاق نطاق هذا العدد عن وسعها فصفحًا ومعذرًة.

أهم أخبار الشهر

بعـد ظـهـيـرة أول أمس تلألأت ربوع الإسكندرية برايات المجـد والافـتـخـار واستضاءت أرجـاؤها بأنوار السعد والوقار، وتكللت رؤوس سكانها بتيجان الفخر والصفاء، وانفجرت بينهم ينابيع المسرات والهناء، واحتفل الخاص والعام بتشريف سمو أميرنا المفخم مولانا الخديوى عباس حلمي المعظم احتفالاً دل على ما لجنابه الرفيع في قلوب الرعية والأجانب من رفيع المنازل وسامي المحبة والولاء، وقد زينت المنازل وبعض الشوارع والمحلات بالرايات والأنوار والرياحين والأزهار، إجلالاً لقدومه السعيد وترحابًا بتشريفه المجيد، حفظه الله ممتعًا بالهناء والانشراح والنصر والفلاح ما كان مساء وصباح.

وقد ازدانت أنحاء الرمل عمومًا وسراي الرمل العامرة خصوصًا عندما سطعت فيها شموس حضرة صاحبة الدولة والصيانة والعفاف مولاتي والدة جنابه الرفيع محاطة بأقمار حضرات البرنسيسات كريمتيها المصونات، وقد احتفل بتشريفهن الثغر احتفالاً حافلاً محفوفًا بجميع شعائر التعظيم والتبجيل والترحاب والتأهيل، ولم يلبثن أن تشرف أمس قبل الظهر بمقابلة دولتها المقابلة الرسمية لآداء مواجب الاحترام والسلام حضرات البرنسسات الكريمات وعقائل السيدات الوطنيات، وتلاهن بعد الظهر حضرات وجيهات السيدات الأوربيات، وكانت دولتها تقابل كل منهنَّ بما جبلت عليه من البشاشة واللطف والإيناس، أدامها الله رافلًة بوشاح المجد والكمال ممتعة بصولجان السعادة والجلال مدى الأجيال.

رواية

الحرب النسائي

لحضرة الكاتبة الفاضلة الأنسة استير أزهري في بيروت

«تابع ما قبله»

فضاق صدر الرجل المسن وعيل صبره، وقال وهل تعنى بفرقتك أولئك الرجال

المرتدين

حقًا إن لباسهم يذوبني خجلاً، ولكن في هذا المساء سألبسهم أثوابًا جديدة حتى إذا صادفتهم بالغد ترى منهم ظرفًا كأجمل ما يكون من الجنود.

عد لنفسك فمالي ولرجالك.

ويوما تلاقيه والجابي يجمع الجزية، وإذ رأيته ملان الحبيب ابتدأت بالميل إلى الحزب الملكي فتبعته على الأثر إلى أن انتهى إلى باب صغير، فولجه وهو ذاك المكتنف بالحور، فنمنم السامع هذه الكلمات مخاطبًا نفسه (بیت ناتن).

نعم لقد انتظرته إلى أن خرج وصحبته في قارت لقطع الدوردوين، وفي منتصف النهر طلبت إليه بكل لياقة وتأدب أن يسلمني ما ملك من الدراهم، وأما هو فرفض بكل عنفوان وعناد طلبي، ولما رأت رفقاي ما كان من عجرفته وعدم تأدبه قامت عليـه وبحثت بجيوبه، ولما ملأ الفضا بصياحه ظن ذاك الماسك بعنان فرسي أن الماء توقف امتداد صوته، فأمسك برأسه وغطسه بالماء، وحينئذ أخذنا نفتش جيوبه إلى أن انتشلنا ما كان بها من الأوراق والدراهم، أما الدراهم فوهبتها لرجالي لأنهم باحتياج لها، وأبقيت الأوراق عندى وبينما كنت أبحث بها وإذ وجدت هذه الرسالة بينها.

وماذا جرى بعدئذٍ بالرجل التعيس.

لقد كان ملتهبًا غيظًا وحنقًا عند انتشاله من الماء.

وأظن بأنك أعدت غطسه بلا ريب.

أمن موجب للسؤال فهذا ما لا غنى عنه.

وإذا غرق الرسول.

لا أقول بأنه غرق.

بالله ربك لا تدعنا نتشاجر لمغايرة الكلمات لأنه إذا قضى لا يعود المسيو دي كانول يتمكن من القيام بالدعوة.

«البقية تأتي»

شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي