الحقوق الأساسية للعاملات بين القانون والواقع

تاريخ النشر:

2006

الحقوق الأساسية للعاملات بين القانون والواقع

بدأت منظمة العمل الدولية حملة قوية عام 1995، لحمل الدول الأعضاء على التصديق على اتفاقيات العمل الأساسية(1) ، وتأكيدًا على هذه الحملة أصدرت إعلان منظمة العمل الدولية بشأن المبادئ والحقوق الأساسية في العمل ومتابعتهفي 19 يونيو 1998، وذلك لتأصيل هذه الحقوق وإعطائها أهمية خاصة، ويتناول هذا الإعلان الحقوق والمبادئ الأربعة التي حددتها منظمة العمل الدولية وهي:

1- الحرية النقابية والإقرار الفعلي بحق المفاوضة الجماعية.

2- القضاء على جميع أشكال العمل الجبري والإلزامي.

3- القضاء الفعلي على عمل الأطفال.

4- القضاء على التمييز في الاستخدام والمهنة.

وهذه المبادئ أو الحقوق هي محصلة الحقوق التي نصت عليها ثماني اتفاقیات صدقت عليها مصر جميعًا، ومبينة في الجدول الآتي:

م

رقم الاتفاقية

عنوانها

سنة إصدارها

سنة تصديق مصر عليها

1

29

اتفاقية بشأن العمل الجبري

1930

1955

2

87

اتفاقية الحرية النقابية وحماية حق التنظيم

1948

1957

3

98

اتفاقية بشأن تطبيق مبادئ حق التنظيم والمفاوضة الجماعية

1949

1954

4

100

اتفاقية بشأن مساواة العمال والعاملات في الأجر عن عمل ذي قيمة متساوية

1951

1960

5

105

اتفاقية بشأن حظر العمل الجبري

1957

1958

6

111

اتفاقية بشأن التمييز في الاستخدام والمهنة

1958

1960

7

138

اتفاقية بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام

1973

1999

8

182

اتفاقية بشأن حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال والإجراءات الفورية للقضاء عليها

1999

2002(2)

وبما أن الاتفاقيات الدولية والعربية والإقليمية تتساوى مع القانون الداخلي في الأثر بمجرد التصديق عليها لتصبح هي والقانون سواء بسواء كما هو مقرر في المادة 151 من دستور جمهورية مصر العربية المعمول به الآن، تكون اتفاقيات العمل الدولية الأساسية جزءاً من القانون المصري ومساوية للقوانين المنظمة للعمل، والنقابات العمالية والمهنية.

لابد بداية من تحديد الأجزاء التي تتناول هذه الحقوق في القوانين الداخلية ومقارنتها باتفاقيات العمل الدولية الأساسية ثم مقارنتها بواقع النساء العاملات في مصر.

وقد تم اختيار كل من القانون رقم 12 لسنة 2003 والمعروف باسم قانون العمل الموحد، والقانون رقم 12 لسنة 1996، بإصدار قانون الطفل، والقانون رقم 35 لسنة 1976 بإصدار، قانون النقابات العمالية، وذلك اتساقا مع الحقوق أو المبادئ الأساسية الأربعة التي أصدرتها منظمة العمل الدولية.

 

1- الحرية النقابية والإقرار الفعلي بحق المفاوضة الجماعية في قانون العمل الموحد.

ينص قانون العمل في المادة (57 فقرة و“) على أنه يحظر على العامل أن يقوم بنفسه أو بواسطة غيره بجمع نقود أو تبرعات أو توزيع منشورات أو جمع توقيعات أو تنظيم اجتماعات داخل مكان العمل دون موافقة صاحب العمل، مع مراعاة ما تقضى به أحكام القوانين المنظمة للنقابات العمالية.

وهذا يعني أن العمال ممنوعون من حق الاجتماع والتفاوض إلا بإذن من صاحب العمل، فماذا لو رفض صاحب العمل إعطاءهم الإذن بالتجمع، أو إذا كان صاحب العمل طرفًا في القضية التي يجتمع بسببها العمال؟ وهذه المادة مخالفة للحق في التجمع داخل مكان العمل والذي تقره اتفاقية العمل الدولية الأساسية رقم (98)، بالإضافة إلى تناقض هذه المادة مع الباب الخاص بالتشاور والتعاون بذات القانون أيضًا والذي ينظم حق المفاوضة والمشاورة الجماعية.

تشترط المادة (58) على صاحب العمل على أن يأخذ رأى المنظمة النقابية التي يتبعها عمال المنشأة قبل التصديق على لائحة تنظيم العمل والجزاءات التأديبية.

قضت المادة (71) بأنه على اللجنة ذات الاختصاص القضائي والتي تنظر في فصل العامل بسبب نشاطه النقابي أن تعيده إلى عمله إذا طلب ذلك، على الرغم من أن اتفاقية العمل الدولية رقم (98) تنهى عن فصل العامل أو الإساءة إليه بأي وسيلة أخرى بسبب نشاطه النقابي وذلك بشكل مطلق.

وتعتبر المادة (120) انتساب العامل إلى منظمة نقابية أو مشاركة في نشاط نقابي، أو تمثيله للعمال أو سعيه إلى هذا التمثيل مبررات غير كافية لإنهاء عقد العمل، ويعاب على هذا النص اختياره لكلمة غير كافية، فيعنى ذلك أن انتساب العامل إلى منظمة نقابية مع سبب آخر مثل التأخير في المواعيد مثلاً يكون مبررًا كافيًالإنهاء عقد العمل من وجهة نظر صاحب العمل، وكان من الأولى بالمشرع النص على الحظر المطلق لفصل العامل بسبب نشاطه النقابي حتى لا يفتح الباب لاستغلال أصحاب العمل وفصلهم للعمال بسبب نشاطهم النقابي.

وقد أفرد قانون العمل الموحد بابًا خاصًا بالمشاورة الجماعية وعقد العمل الجماعي ومنازعاته ودور اللجنة النقابية وممثلي العمل والنقابة العامة في حل المنازعات الناشئة عن علاقات العمل، وكذلك حق الإضراب في حدود القانون.

2 – القضاء على جميع أشكال العمل الجبري والإلزامي في قانون العمل الموحد.

عرفت الاتفاقية رقم (29) العمل الجبري بأنه “”كل أعمال أو خدمات تغتصب من أي شخص تحت التهديد بأي عقوبة ولم يتطوع هذا الشخص بأدائها بمحض اختياره“.

وقد اختصت الاتفاقية الدولة بحق إلزام الأفراد بالعمل الجبري في حالة الضرورة بشرط أن يكونوا ذكورا أصحاء لا يقل عمرهم عن 18 سنة.

ولم يذكر في متن قانون العمل لفظ العمل الجبريبشكل صريح، ولكن ظهر ما يشير إلى حظره بشكل ضمني في ضرورة موافقة طرفي عقد العمل وقت إبرامه، ووقت تجديده، أو إنهائه، ولكن اشترط القانون على من ينهى علاقة العمل من أحد الطرفين دون مبرر مشروع وكافٍ أن يعوض الطرف الآخر عن هذا الإنهاء، ولم يحدد ما هو معنى مشروعأو كافأو نطاق أي منهما وهذه وسيلة ممكن أن يستغلها صاحب العمل في إجبار العامل على العمل معه تخوفًا من أداء هذا التعويض دون وضع وتحديد شروط له.

3 – القضاء الفعلي على عمل الأطفال في قانون العمل الموحد.

تتفق لائحة تشغيل الأطفال مع الاتفاقية بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام، والاتفاقية بشأن حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال والإجراءات الفورية للقضاء عليها من حيث تعريف الطفل، أو تدريب الأطفال على العمل، أو عدد ساعات العمل التي لا يجوز للطفل أو الطفلة أن يعمل أكثر منها وهي ست ساعات، وحظر العمل الليلي للأطفال وضرورة تسجيلهم، حتى استثناء عدم تطبيق أحكام هذه اللائحة على الأطفال الذين يعملون في الزراعة البحتة، وذلك لأنه يتفق مع المادة (4) فقرة (1) من الاتفاقية رقم (138) والتي تنص على:

يجوز للسلطة المختصة، بعد التشاور مع منظمات أصحاب العمل والعمال المعنيين، حيثما وجدت، أن تستثنى من نطاق انطباق هذه الاتفاقية، بالقدر الضروري، فئات محددة من الاستخدام أو العمل تظهر بشأنها مشاكل تطبيقية خاصة وهامة.

وهذه المادة تتيح لكثير من الدول التنصل من تطبيق الاتفاقية على فئة من الأطفال الإناث والذكور العاملين في أنشطة معينة بحجة ظهور مشاكلفي تطبيق الاتفاقية عليهم وهو ما حدث في حالة مصر حيث استثنت الأطفال العاملين في الزراعة البحتة من نطاق تطبيق قانون العمل عليهم وبالتالي حرمانهم من أي حماية قانونية.

4 – القضاء على التمييز في الاستخدام والمهنة في قانون العمل الموحد.

عرفت الاتفاقية رقم (111) والخاصة بالتمييز في الاستخدام والمهنة مصطلح التمييزبأنه: أي تفريق أو استبعاد أو تفضيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو الجنس أو الدين أو الرأي السياسي أو الأصل الاجتماعي، ويكون من شأنه إبطال أو إضعاف تطبيق تكافؤ الفرص أو المعاملة في الاستخدام أو المهنة.

تنص المادة (35) من قانون العمل الموحد على أنه يحظر التمييز في الأجور بسبب اختلاف الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة، وذلك اتفاقًا مع الاتفاقيات والمواثيق الدولية والعربية وخاصة اتفاقية العمل الدولية رقم (100) والخاصة بالمساواة بين العمال والعاملات في الأجر عن العمل ذي القيمة المتساوية، وبذلك يتفق كل من الاتفاقية وقانون العمل الموحد على حظر التمييز والذي قيده في الأجر فقط، برغم وجود دروب وأشكال أخرى للتمييز مثل التمييز بين العاملين والعاملات في فرص التدريب، والسفر، والترقي…. إلخ، والذي يؤدي أي منها إلى التمييز في الأجر، ويدل ذلك على قصور كل من القانون والاتفاقية في تقييد التمييز بـ التمييز في الأجرفقط.

أيضا اعتبرت المادة (120) سالفة الذكر من قانون العمل الموحد الجنس أو الحالة الاجتماعية أو المسئوليات العائلية أو الحمل مبررات غير كافيةكذلك لإنهاء عقد العمل، ويعاب على هذا النص استخدام المشرع لهذا المصطلح المطاط وغير واضح المعايير كما سبق وبينا.

وفيما يخص النساء العاملات أيضا يظهر التمييز بشكل واضح في الاستثناءات التي حددها قانون العمل الموحد، أو بمعنى أصح استبعاده لفئات معينة من مجال تطبيق القانون وبالتالي حرمانهن من الحماية أو الغطاء القانوني، وهذه الفئات هي:

  • عمال الخدمة المنزلية ومن في حكمهم.

  • أفراد أسرة صاحب العمل الذين يعولهم فعلا.

  • العاملات في الزراعة البحتة.

وبذلك يكون القانون قد استثنى العاملات في القطاع غير المنظم، ومن يعملن لحساب أسرهن بأجر أو بدون، وهي فئة عريضة من النساء وتتزايد هذه النسبة سنويًا بسبب سياسات الخصخصة وتزايد البطالة خاصة بين النساء، وسوف توضح لاحقا واقع هؤلاء النساء وحاجتهن للحماية التشريعية.

وهذا الاستثناء يعد تمييزا مما يخالف اتفاقية العمل الأساسية رقم (111)، والتي تعتبر جزءًا من القانون المصري منذ عام 1960 طالما لم تلغ مصر تصديقها عليها.

نصت المادة (3) من اتفاقية العمل رقم (7) والخاصة بالحرية النقابية وحماية حق التنظيم على حق منظمات العمال، أو أصحاب الأعمال على وضع الدساتير واللوائح المنظمة للمنظمة ونشاطها بنفسهم، وحظرت على السلطات العامة أي تدخل في هذا الشأن، مما يجعل معه تصور إصدار الدولة لقانون ينظم النقابات أمرًا غير مفهومٍ ويُعد إخلالا باتفاقية عمل دولية أساسية صدقت عليها مصر ومن المفترض احترامها.

كذلك لم يرد في قانون النقابات العمالية والمهنية أي ذكر لكلمة عاملةاكتفاء من القانون بأن كلمة عامل أو نقابي يقصد بها العامل أو العاملة دون تمييز وذلك بشكل ضمنى، ولم يخصص أي مادة لمناقشة أوضاع النقابيات.

اشترط القانون ألا يقل عمر من يتقدم بطلب عضوية المنظمات النقابية عن خمس عشرة سنة، وبالتالي يكون القانون قد فوت على العاملين والعاملات دون هذه السن حق المشاركة النقابية والتمتع بمزايا هذه المشاركة مع العلم بأن هذه الفئة تعتبر من الفئات الأولى بالرعاية والحماية القانونية والنقابية مما ينطوى أيضا على تمييز ضدهم.

خصص قانون الطفل الباب الخامس منه لرعاية الطفل العامل والأم العاملة، وقد اتفقت كل من الاتفاقيتين رقمي (138، 182) المنظمتين لعمالة الأطفال قانون الطفل فيما يخص ساعات العمل وحظر العمل الليلى بالنسبة للأطفال وحظر تشغيلهم في الأعمال الضارة بالصحة أو بالأخلاق العامة.

وفيما يخص رعاية الأم العاملة أعطى القانون الحق للأم في إجازة وضع مدتها تسعون يوما ولا تستحقها لأكثر من ثلاث مرات طوال مدة خدمتها، ويتناقض ذلك مع قانون العمل الموحد الذي أعطى للعاملة إجازة وضع مدتها شهران ولا تستحقها لأكثر من مرتين طوال مدة خدمتها، وبما أن قانون العمل الموحد أو أي قانون آخر لاحق لم يلغ هذا النص من قانون الطفل أو يعدله، إذًا يستمر العمل به ويكون بذلك لدينا حكمان مختلفان للقضية نفسها.

وقد حدد القانون عقوبة على من يخالف الباب الخامس منه والخاص برعاية الطفل العامل والأم العاملة غرامة لا تقل عن مئة جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه، وهذه العقوبة لا تتناسب مع حجم المخالفة، لأنها تخص فئتين هما: الأطفال العاملين والأمهات العاملات وهاتان الفئتان معرضتان للاستغلال والافتئات على حقوقهما، وكان من الأولى بالمشرع تغليظ هذه العقوبة للحفاظ على حقوق كل من الطفل العامل والأم العاملة.

خصصت منظمة العمل الدولية آليات معينة للشكوى من انتهاك أحد الحقوق الأساسية، ولمعرفة هذه الآليات يجب بداية معرفة أحد مبادئ المنظمة وهو مبدأ الثلاثية:

تعتبر منظمة العمل الدولية المنظمة الدولية الوحيدة التي قامت على مبدأ الثلاثية ، حيث يشترك فيها المجتمع المدني، ممثلا في منظمات أصحاب الأعمال، ومنظمات العمال، جنبًا إلى جنب مع الحكومات، وتشترك هذه المنظمات في عملية صنع القرار داخل منظمة العمل الدولية، ولممثليها حق تصويت متساوٍ مع حق ممثلي الحكومات(3).

1- اللجنة الخاصة بالعمل الجبري، وقد أُنشئت هذه اللجنة عام 1950ويتم اللجوء إليها عندما تقوم الحاجة لذلك، وقد تكلف بعمل تقصٍ ودراسة عن بعض القضايا المتعلقة بالعمل الجبري ورفع تقرير بشأنها إلى مجلس الإدارة.

2- لجنة الحرية النقابية، وقد أنشئت هذه اللجنة عام 1951 وتختص اللجنة بفحص الشكاوى المتعلقة بالحرية النقابية، سواء كانت الدولة المشكو في حقها قد صدقت على الاتفاقيتين رقم (87 أو 98) المتعلقتين بالحرية النقابية أو لم تصدق.

وتقوم اللجنة بتلقي الشكاوى بشأن انتهاكات الحرية النقابية، ثم تبلغها إلى الحكومة المعنية، وتنتظر ردودها وتعليقها على الادعاءات، وتقوم بعد ذلك بفحص الادعاءات والردود والأدلة المقدمة، ثم تقدم استنتاجاتها وتوصياتها إلى مجلس الإدارة، وللمجلس أن يصدر توصياته إلى الحكومات بما يجب عليها اتخاذه من إجراءات لإزالة أسباب الشكوى وهذه الشكوى يمكن أن تقدم من حكومات الدول الأعضاء أما إذا قدمت من منظمات أصحاب الأعمال أو العمال فلا تكون مقبولة إلا إذا قدمت من:

  • منظمة قومية لأصحاب الأعمال أو العمال ولها مصلحة مباشرة في الشكوى.

  • منظمة دولية لأصحاب الأعمال أو العمال ذات مركز استشاري لدى منظمة العمل الدولية.

  • منظمة دولية أخرى لأصحاب الأعمال أو العمال إذا كانت الادعاءات تمس مباشرة إحدى المنظمات القومية المنتمية إليها(4).

تشير الإحصائيات إلى زيادة حجم عمالة المرأة في القوى العاملة من 12% عام 1986 إلى 21% عام 1998 طبقا لإحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وهذه الزيادة لا تعنى بالضرورة تحسن وضع المرأة العاملة في مصر حيث بلغت نسبة البطالة للعام نفسه بين الإناث حوالي 16% مقارنة بمعدل البطالة بين الذكور الذي يصل إلى 5% بالإضافة إلى تركز هذه العمالة في قطاعي الزراعة والخدمات، فقد وصلت نسبة النساء العاملات في قطاع الزراعة عام 1998 إلى 36% وقد حدث تزايدٌ كبيرٌ في مشاركة المرأة في القطاع الزراعي إلا أن أغلب هذه الزيادة إنما يرجع للعمل غير مدفوع الأجر، أما عن نسبة مشاركة النساء في قطاع الخدمات فهي 41% (5)، أي أن أغلب العمالة النسائية تتركز في الاقتصاد غير المنظم تحت حماية قانونية ضعيفة، أو بدون أي حماية قانونية على الإطلاق وتصل نسبة العاملات في هذا القطاع إلى 39% عام 1998 أي حوالي 5.7 مليون امرأة حسب إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وعمل النساء في مجالي الزراعة والخدمات تحديدًا يعد امتدادًا لدور النساء الإنجابي ونظرة المجتمع لعملهن ونظرة النساء المتأثرة بنظرة هذا المجتمع لأنفسهن ولأعمالهن، فالنساء اللاتي يعملن بأعمال بسيطة تدر عليهن بعض الدخل يصنفن أنفسهن كنساء غير عاملات، ويعكس ذلك الوضع تمثيل المرأة في القطاع غير الرسمي والذي يعمل به الشريحة الدنيا وتتنوع الأعمال غير الرسمية في العينة في هذه الشريحة بين بيع الخضراوات والحلوى(6)، وتشير العديد من التقديرات الرسمية إلى أن عدد الأسر المعيشية التي تعولها النساء 12 و 15% من إجمالي عدد الأسر المعيشية، ويبدو أن هذه التقديرات تقلل من نسبة الأسر المعيشية التي تعولها النساء وذلك لأسباب متعددة، فمن الشائع أن تقول المرأة إن ابنها هو عائل الأسرة المعيشية في حالة عدم وجود الزوج حتى لو كان الابن لا يعمل، كما أن التقديرات الرسمية عامة لا تشمل الأسر المعيشية التي يوجد بها رجل غير قادر على العمل بسبب المرض أو العجز، وكذلك قد لا تشمل الأسر المعيشية التي تعولها نساء هجرهن الأزواج ولكنهن غير مطلقات (7)، وتصل نسبة النساء في الوظائف الإدارية العليا حوالي 9% فقط ، وبالنظر لمدى تمتع النساء العاملات في مصر بحقوق العمل الأساسية المنصوص عليها في الاتفاقيات التي صدقت عليها مصر نجد:

1- حق المفاوضة الجماعية والحرية النقابية والإقرار الفعلي بهما في واقع النساء العاملات. أصدرت اللجنة التنسيقية للحقوق والحريات النقابية تقريراً عن الانتخابات العمالية دورة 2001/2006 رصدت فيه الأحداث التي جرت في الانتخابات النقابية في مراحلها الثلاث، اللجان النقابية ثم النقابة العامة فالاتحاد العام لنقابات عمال مصر، ورصد التقرير دور النساء في الانتخابات العمالية. وقد وصف دور النساء في التشكيلات النقابية بالتردي والتراجع، واعتبر عدد النساء اللاتي نجحن في انتخابات النقابة العمالية مؤشرًا على ذلك؛ ففى دورة 1996/ 2001 نجحت 900 نقابية في التشكيلات النقابية المختلفة من بينهن 4 عضوات في مجالس إدارة النقابات العامة، وواحدة عضو في مجلس إدارة الاتحاد العام للنقابات (8) ، أما في دورة 2001/2006فقد تراجع العدد إلى 759 مقعدا من حوالي عشرين ألف مقعد، بنسبة 37.95% من هذه المقاعد، وحصلت 10 نقابيات على عضوية مجلس إدارة النقابات العامة، أي بنسبة 2.08%(9).

كما حازت 351 نقابية من الناجحات على مقاعد في هيئات مكاتب اللجان النقابية ، فقد حصلت 26 سيدة على منصب رئيسة لجنة نقابية من بين 1745 رئيسًا، أي بنسبة 1.4 ، 78 نائبة رئيس لجنة، 53 أمينة عام لجنة، 60 أمين عام مساعد، 67 أمين صندوق لجنة، 67 أمين صندوق مساعد.

وقد شهدت بعض النقابات ضعفًا في تمثيل النقابيات بها على الرغم من الكثافة العددية للنساء العضوات بها مثل النقابة العامة للغزل والنسيج حيث لم يزد عدد النقابيات فيها على 28 نقابية فقط. وقد رصد التقرير أيضا استبعاد النقابية نادية أحمد سالم من كشوف المرشحين لعضوية مجلس إدارة اللجنة النقابية للعاملين بشركة النصر للتليفزيون بسبب نشاطها النقابي المستقل، ولم تنجح كل الجهود لإعادتها لموقعها(10).

أما بالنسبة للنقابات المهنية فقد بلغت نسبة مشاركة النساء في مجالس إدارتها حوالي 17%(11).

وحصلت النساء على مقعد واحد فقط في الاتحاد العام لنقابات عمال مصر وذلك في منصب سكرتير الاتحاد العام لشئون المرأة العاملة والطفل، وهي وزيرة القوى العاملة السيدة عائشة عبد الهادي (12)، ومن الجدير بالذكر أن هذا المقعد هو المقعد الوحيد الذي تحتله دائمًا امرأة في الاتحاد العام للنقابات، فلم يصادف أبدا أن احتل رجل منصب سكرتير عام الاتحاد لشئون المرأة العاملة والطفل، وذلك يرجع إلى النظرة المجتمعية الذكورية للنساء وربط الأطفال بالمرأة كامتداد لدورهن الإنجابي والرعائي، وتعمدا للفصل النوعي بين النساء والرجال وحصر النساء حتى لو كن عاملات في الدور الرعائي الممتد من المنزل إلى مكان العمل، وتعمد صناعة عالمين متوازيين وهما: عالم مفتوح للرجال وعالم مغلق ومحكوم للنساء.

بالنسبة لحق الإضراب الذي يعتبر أحد التطبيقات العملية والمهمة لحق التنظيم فقد رصدت التقارير اشتراك النساء العاملات مع الرجال جنبًا بجنب في الإضرابات والاعتصامات العمالية ، ومن أمثلة ذلك ما رصده مركز الأرض لحقوق الإنسان في تقريره احتجاجات العمال في معركة التغيير في النصف الأول من عام 2005″، حول إضراب 2000 عامل وعاملة بإحدى الشركات الخاصة للغزل والنسيج بمدينة السادات لعدم حصولهم على أجورهم. تم أيضًا رصد إضرابات قامت بها عاملات فقط، فقد رصد التقرير نفسه اعتصام مائة عاملة من شركة السويس للمنسوجات بسبب وقف صرف أجورهن لمدة ثلاثة أشهر، كذلك أضرب عدد من ممرضات الرعاية الصحية بمحافظة كفر الشيخ بسبب حرمانهن من صرف مكافآتهن المقررة من وزير الصحة، على الرغم من صرف هذه المكافأة للممرضات العاملات بمستشفيات وزارة الصحة، وقد سجل إضراب آخر للممرضات في عام 2006، حيث أضربت هيئة تمريض مستشفى شبين الكوم الجامعي عن العمل لمدة ثلاثة أيام بسبب سوء المعاملة وعدم احترام حقوقهن، وقد تفاوضت النقابية عن هيئة التمريض مع إدارة المستشفى ونتج عن هذا التفاوض توجيه الإدارة اعتذارًا رسميًا للممرضات عن سوء المعاملة، والاعتراف بحقهن في المعاملة اللائقة، وتقدم وجبة نظيفة ولائقة لهن، وعدم جواز توقيع أي جزاء إلا بعد تحقيق، واعتبار أيام الإضراب الثلاثة أيام حضور وليست أيام غياب بالنسبة لهن، وصرف جميع مستحقاتهن المتأخرة(13).

2- القضاء على جميع أشكال العمل الجبري والإلزامي

يتضح من تعريف منظمة العمل الدولية للعمل الجبري السابق ذكره أن أي عمل يقوم به الفرد تحت التهديد أو الضغط يعتبر عملاً إجباريًا طالما غيبت فيه الإرادة الذاتية للعامل أو العاملة، وهذا ما يضعنا أمام قضية مهمة، فقد أظهرت البحوث أن الدافع الأساسي لمعظم النساء العاملات لاسيما نساء الطبقة الدنيا – للخروج إلى العمل هو الحاجة إلى المال خاصة في ظل تفشي ظاهرة الفقر، فقد أظهر تقرير التنمية البشرية لعام 1998 زيادة معدل الفقر بين الإناث المشتغلات عنه في الذكور المشتغلين حيث يصل إلى 53% من الإناث في الحضر، مقابل 35% من الذكور في الحضر أيضا، وتتزايد هذه النسبة في الريف فتصل إلى 82% بين الإناث إلى 55% بين الذكور، لذلك تقبل هؤلاء النساء

العمل في ظل شروط عمل قاسية بسبب الحاجة إلى المال، وخوفًا من خطر البطالة تحديدًا بالنسبة للنساء العائلات لأسر، إضافة إلى نظرة المجتمع لعمل النساء، يكون من الصعب جدًا الحديث عن إرادةالعاملات، وموافقتهن بشكل حر على شروط العمل التي يخضعن لها، فقد رصد تقرير مركز الأرض لحقوق الإنسان عمالة المرأة في مصرعدة انتهاكات تقوم بها الشركات والمصانع ضد النساء العاملات فيها، مثل زيادة ساعات العمل عن عشر ساعات يوميا وعدم تناسب المرتب مع عدد ساعات العمل وحجم الإنتاج للعاملة، والخصم من المرتب حتى في حالة الغياب المرضى، وتقبل العاملات العمل تحت هذه الشروط لخوفهن من الفصل والبطالة، وتوضح الإحصائيات أن ضغط الظروف الاقتصادية على النساء يمثل الهدف الأساسي لخروج 78.8% منهن إلى سوق العمل(14).

3- القضاء الفعلي على عمل الأطفال.

يعمل معظم الأطفال في النشاط الزراعي وفي الأغلب يكون هذا العمل في نطاق الأسرة وغير مدفوع الأجر وقد ساعد كل من الظروف الاقتصادية السيئة وتفشى الفقر خلال العقدين الأخيرين من زيادة هذه النسبة خاصة بين الأطفال الإناث لتفضيل الأسر تعليم الذكور عن تعليم الإناث، مما جعل الأطفال أكثر عرضة للخروج للعمل في سن مبكرة(15) ، حيث أظهرت إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء سنة 2000 أن حوالي 85.83% من الأطفال الإناث العاملات يعملن في مجال الزراعة، و6.81% يعملن في قطاعي التصنيع والمناجم، 8.65% يعملن في قطاع البناء والتشييد، 3.81% في التجارة، 3.55% في قطاعي الخدمات، وفي العموم تبلغ نسبة الأطفال العاملين بأجر ككل حوالي 48.5%، ونسبة الأطفال الذين يعملون بدون أجر 44.8%، وتمثل عمالة الأطفال4% من نسبة العمالة الكلية في مصر، بالإضافة إلى الفجوة النوعية بين الأطفال الإناث العاملات ونظرائهن من الذكور، حيث تبلغ نسبة الذكور الذين ينالون أجرًا مقابل عملهم 53% مقارنة بالإناث اللاتي تبلغ نسبتهن 33%، بينما تزيد نسبة الأطفال العاملات بدون أجر على الذكور (58%:41%).

وبالنسبة لساعات العمل أظهرت الإحصائيات أن 60.31% من الفتيات العاملات يعملن لمدة سبعة أيام في الأسبوع بدون إجازات، مقارنة بنظرائهن الذكور الذين تبلغ نسبتهم 31.36% (16) وتوضح الإحصائيات والمؤشرات سوء ظروف العمل بالنسبة للأطفال العاملين وخاصة الإناث منهم بالنسبة لقلة ساعات الراحة وزيادة ساعات العمل عن المسموح به في القانون والاتفاقيات الدولية، بالإضافة إلى عدم توافر إجراءات الأمن الصناعي بالنسبة لهم أو تعاملهم مع أدوات خطيرة أو في ظروف تضر صحتهم أو تؤثر على نموهم أو تسبب لهم أذى نفسيًا أو جسديًا أو تعرضهم لخطر الحوادث كالعمل في الحقول الزراعية في وجود المبيدات الحشرية مما يعرض الأطفال للإصابة بأمراض خطيرة كالسرطان وغيرها، خاصة أن معظم هؤلاء الأطفال وتحديداً الإناث منهم يعملن بدون أي حماية قانونية لأنهن مستثنيات من نطاق تطبيق قانون العمل كالعاملات في الزراعة البحتة وخادمات المنازل، العاملات في نطاق الأسرة، كذلك هن مستثنيات من نطاق تطبيق قانون النقابات العمالية وبالتالي لا يتمتعن بأي حق للتنظيم.

4- القضاء على التمييز في الاستخدام والمهنة

تقترن المشاركة في النشاط الاقتصادي للغالبية العظمى من النساء بانخفاض المستوى المعيشي حيث نرى أن غالبية النساء العاملات في المناطق الفقيرة يعملن فقط اضطراراً بسبب الحالة المادية، وبغرض الوفاء بالاحتياجات الأساسية لأسرهن، وتعمل غالبية النساء في الأعمال المتدنية بسبب أميتهن وفقدانهن للمهارات الأساسية التي يحتاج إليها سوق العمل، بالإضافة إلى تهميشهن الاجتماعي، وهكذا فإن الدخل الذي يحققنه من العمل لا يترتب عليه تقويتهن في محيطهن الأسرى ولا يقلل من واجباتهن المنزلية، مما ينتج عنه مشقة عالية تؤثر على صحتهن (17).

وتلعب الجوانب السلبية في العادات والتقاليد في مصر دورًا مهمًا في ارتفاع معدلات البطالة بين الإناث عنها بين الذكور، حيث يمثل دورها الإنجابي الأسرى عائقًا لدخولها

إلى سوق العمل، خاصة في ظل المتغيرات الاقتصادية المحلية (الخصخصة) وأثارها السلبية على عمالة المرأة وتؤكد الفجوة النوعية المتسعة للبطالة بين الإناث والذكور على تهميش عمل المرأة وربما يعود ذلك لتفضيل منح فرص العمل الجديدة للرجال دون النساء خاصة في القطاع الخاص هذا بالإضافة إلى أن الجانب الأكبر من عمل الإناث لا يمكن إدراجه رغم قيمته الإنتاجية والاجتماعية الواضحة، فعمل النساء ولاسيما عملهن في المنزل يكون دون مقابل في الأغلب، هذا بالإضافة إلى إغفال أدوار المرأة التابعة لدورها الإنجابي والأسرى والتي لم يتم قياسها حتى الآن(18).

وفي دراسة عن عمالة النساء في إعلانات الوظائف بجريدة الأهرام طوال شهر يناير عام 1995 أسفرت النتائج عن تقسيم عمل واضح يحدد لكل نوع وظائف بعينها، فلقد جاء في 54% من الإعلانات طلب للذكور بالتحديد وذلك لشغل وظائف مهندسين ومحاسبين وسائقين وعمال ميكانيكية وكهرباء وطهاه ومديرين وتمثلت الإعلانات الخاصة بالنساء في 33% من مجموع الإعلانات لهذا الشهر وتحددت في أعمال السكرتارية ، ومربيات وخدم المنازل، وممرضات وعاملات بمطاعم وبائعات، وفي مقابل ذلك لم تزد الإعلانات التي لم تحدد النوع على 135 من المجموع الكلي للوظائف المعلنة وتشكل الإعلانات التي تطلب ذكوراً فقط مخالفة لمبدأ المساواة النوعية المقررة في الدستور والاتفاقيات الدولية والإقليمية المصدقة عليها مصر(19).

وتشير نتائج البحوث إلى أن حوالي 75% من العاملات لدى الغير في القطاع الخاص يعملن بصورة غير رسمية حتى يسهل الاستغناء عنهن إذا ما استدعت الضرورة ذلك (20) ، بالإضافة إلى الفجوة بين دخول الذكور والإناث فقد أجريت دراسة عام 1994 وأشارت إلى أن أجر المرأة يساوى 69% من أجر الرجل، وتزداد الفجوة اتساعا في الريف حيث يبلغ مستوى كسب المرأة 49% فقط من كسب الرجل، هذا مع العلم أن فئة المشتغلات بدون أجر لم تدخل في هذه الحسابات(21).

ويأتي سوء الوضع الاقتصادي للنساء وتدني أوضاع المرأة العاملة مصاحبا للدعوى الرجعية بعودة المرأة العاملة إلى المنزل وترك العمل للرجال، بل إنه ظهر عدد من الباحثين الذين يرجعون تزايد نسبة البطالة إلى زيادة دخول النساء إلى سوق العمل، ومن الأدلة على ذلك ما نشرته جريدة الجمهورية القومية في صدر صفحاتها الأولى بتاريخ 10 أكتوبر 2006، وتحت عنوان إجبار الزوجة على الاستقالةجائزعن فتوى لعميد سابق لكلية الحقوق جامعة الأزهر عن حق الزوج في إجبارزوجته على الاستقالة من عملها طالما رأى هذا العمل يتعارض مع واجبها الأصلي في رعاية الزوج والأبناء.

ولا يخفى أثر الأمية الشائعة بين النساء في نوعية العمل الذي يعملن به ولذلك يعملن في الوظائف التي لا تحتاج إلى مهارة عالية أو قدر عال من التعليم وبالتالي تدني الأجور التي يحصلن عليها، حيث يصل معدل الأمية بين النساء إلى أكثر من 50%، وفيما يلي دراسة لحالات بعض النساء ومدى تمتعهن بالحقوق الأساسية في العمل كما أقرت منظمة العمل الدولية في إعلانها بهذا الشأن.

  • سميرة (48 سنة) كانت تعمل سكرتيرة في إحدى الشركات متعددة الجنسيات، تم فصلها من الشركة لأنها قد كبرت ولم تعد السكرتيرة الصغيرة الحسناء، وقبل أن تفصل تعمدت إدارة الشركة تقليص عملها وبالتالي مرتبها، حتى تقلل من مكافأة نهاية خدمتها؛ لأن مكافأة نهاية الخدمة تحسب على أساس آخر مرتب، وقد قامت سميرة برفع دعوى على الشركة للمطالبة بمستحقاتها وما زالت منظورة أمام المحاكم.

  • أميرة (35 سنة) تعمل موظفة في إحدى الشركات الأجنبية، وهذه الشركة تميز بين العاملات المصريات، والعاملات اللاتي ينتمين لجنسية الشركة، وعندما طلبت أميرة بالمساواة معهن، قامت الشركة بفصلها، فأقامت دعوى ضد الشركة تطالب فيها بمستحقاتها التي قامت بحسابها على أساس مرتب زميلتها التي تماثلها في العمل وتنتمى لجنسية الشركة، وقد دفعت لها الشركة ما طلبته بشرط أن تسحب القضية، حتى لا يؤثر ذلك على سمعة الشركة، مع ملاحظة أميرةحتى لا تحاول حشد زميلاتها في العمل اللاتي يعانين من التمييز لأنهن مصريات.

  • نهلة (26 سنة) تعمل في شركة أجنبية للسياحة، تقدمت بطلب إجازة للزواج. رفضت الشركة تلبية طلبها لأن الإجازة المطلوبة ستكون في الموسم السياحي. تزوجت حسب الموعد المقرر، وعند عودتها إلى العمل فوجئت بقرار فصلها من الشركة ، فأقامت دعوى تطالب فيها بعودتها إلى العمل، ودفعت الشركة بأن قرار فصلها جاء بسبب تغيبها أكثر من عشرة أيام بدون إذن ، وقد رفضت المحكمة دعواها لعدم وجود ما يسمى بإجازة زواج في قانون العمل الموحد وأنه ليس مبررا كافيا لاستحقاق الإجازة، وقبلت دفوع الشركة وأيدت قرار الفصل.

  • أحلام (52 سنة) مديرة في إحدى شركات القطاع الخاص، لم ينفذ أحد مرؤوسيها أوامرها في العمل بحجة أنه لا يأخذ أوامر من امرأة، وانضم له بعض زملائه، لدرجة أنهم امتنعوا عن أداء عملهم، فما كان منها إلا توقيع الجزاء عليهم حسب القانون ثم فصلهم، وقد قام العمال برفع دعوى بطلب عودتهم إلى العمل ما زالت منظورة أمام القضاء.

  • سناء (32 سنة) ممرضة اضطرت لتقديم استقالتها من علمها الذي تحبه؛ لأن زوجها لا يقبل أن تعمل زوجته حتى لا يقوى عملها ومرتبها شوكتهاعليه، ولا تناطحه في إدارة المنزل – على حد تعبير الزوج ، ورضخت سناءلرغبة زوجها حتى لا اتخرب بيتها، ثم تراجعت عن الاستقالة مرة أخرى دون أن يعرف ورفعت دعوى تطالب فيها بعودتها للعمل. وفي أثناء تواجدها في المحكمة لنظر الدعوى، حضر زوجها فجأة وهددها بالطلاق بشكل علني في قاعة المحكمة إذا استمرت وأكملت إجراءات عودتها للعمل، فتنازلت عن دعواها في المحكمة وهي تبکی.(22)

  • صفية (25 سنة)، تعمل في ورشةلصناعة الملابس في منطقة أرض اللواء، إحدى المناطق العشوائية بمحافظة الجيزة – بدون عقد عمل أو تأمين، وتعمل في اليوم من 10 إلى 12 ساعة، وقد تصل إلى 14 ساعة قبل أيام العيد والمواسم، وأحيانا بدون إجازات أو بدل لها. وقد تركت صفية العمل بعد أن حملت، لأن الشغل بيتعبها ، وذكرت صفية أن كل زميلاتها في الشغل (بنات لسه ما اتجوزوش أو ستات لسه ما خلفوش، وأن غالبا اللي بتتجوز بتمشي لوحدها من الشغل لأنها بتشتغل كثير جدا لحد ما تتهد، وتروح مش قادرة تعمل شغل البيت، أو صاحب الشغل بيمشيها لأن قوتها في الشغل بتضعف. ولما سألتها عن عقد العمل أو التأمينات ردت بأن ورش المنطقة كلها فيها بنات بتشتغل وعمر ما حد جاب سيرة عقد عمل ولا تأمينات ، سألتها ليه ما تتفقوش مع بعض وتتفاهموا مع أصحاب الورش، فردت بأن ما فيش وقت، الواحدة بتخلص شغلها وتمشى على طول وهي تعبانة، وأنه لو حصل واتفقوا البنات مع بعض، صاحب الشغل يطردهم ويجيب غيرهم، وغيرهم كثير مش لاقيين شغل. (23)(24).

  • ع” (45 سنة) تعمل في مصنع نسيج، طالبت بحقها في العلاوة الدورية، ففصلها صاحب المصنع تعسفًا، وتطالب بالعودة إلى عملها(25).

  • رتزوجت زميلها في العمل وأنجبت طفلا، يهددها صاحب العمل بالفصل بسبب حصولها على راحة لإرضاع طفلها، وتخشى أن تطالب بإجازة لرعاية الطفل لخوفها من قيام صاحب العمل بفصلها(26).

من العرض السابق تتضح الهوة التي تفصل بين الحقوق الأساسية للعاملات في اتفاقيات العمل الأساسية من جهة والقانون الداخلي من جهة أخرى، والاتفاقيات ، وكلاهما مع الواقع الفعلي للعاملات في مصر، ويتمثل ذلك في تدهور شروط عمل المرأة المصرية العاملة، ومعاناتها من التمييز، ليس فقط بينها وبين الذكور العاملين بل أيضا بين النساء بعضهن البعض؛ فالنساء الريفيات يعانين من شروط عمل أسوأ من النساء في الحضر لبعدهن عن المدن مركز التنمية، وخاصة العاملات في الزراعة البحتة اللاتي يعانين من ظروف عمل سيئة وانعدام الحماية القانونية لهن، كذلك تعاني النساء المتزوجات وتحديدًا الأمهات منهن بسبب زيادة الأعباء المنزلية وقيامهن بأداء عدة أدوار رعائية، وإنجابية. وإنتاجية. وكذا تعانى النساء اللاتي لم يحظين بفرصة التعليم من انخفاض أجرهن واضطرارهن للعمل تحت شروط عمل أسوأ من اللاتي نلن حظا أوفر من التعليم، بالإضافة إلى عمل نسبة كبيرة منهن بدون أجر أو حماية قانونية بسبب عملهن في نطاق الأسرة، وتحتل بذلك المرأة الأمية الريفية العائلة لأطفال أدنى مراتب سلم العمل في مصر، إضافة إلى ضعف التمثيل النقابي للنساء وأثر ذلك على مطالبتهن بحقوقهن، وخروج النساء لسوق العمل بسبب ضغط الفقر مما يضعف إرادتهن وقبولهن بشروط عمل سيئة، كذلك عمل الفتيات بدون أي حماية قانونية خاصة في مجالي الزراعة وخدمة المنازل وتعرضهن لكثير من الأخطار الناجمة عن هذه الأعمال. ومن أجل تغيير أو محاولة تغيير هذا الوضع وضمان الحقوق الأساسية المقررة في إعلان الحقوق الأساسية للعمال والصادر بناء على اتفاقيات العمل الأساسية تأتى عدة توصيات منها:

1- إنشاء منظمة العمل الدولية للجنة خاصة بمتابعة الشكاوى بشأن التمييز في الاستخدام والمهنة.

2- توعية القائمين على العملية القانونية باتفاقيات العمل الدولية لكونها جزءاً من القانون المصري.

3- توعية النساء العاملات بحقوقهن القانونية، ومساعدتهن على تنظيم أنفسهن.

4- إدراج البعد النوعي في قضايا التنمية.

5- توعية القائمين بالعملية الإعلامية بأهمية دور النساء العاملات، وضرورة إلقاء الضوء على القضايا الخاصة بهن.

ياسمين إبراهيم:راصدة وباحثة في مركز دراسات المرأة الجديدة.

(1) اللقاني، أحمد على، الشرط الاجتماعي ودور منظمة العمل الدولية ، مجلس العمل العربي، منظمة العمل العربية، العدد 79، أكتوبر 2005.

(2) www.ilo.org.

(3). أحمد اللقاني، الشرط الاجتماعي ودور منظمة العمل الدولية، مكتب الإعلام بمنظمة العمل العربية، (أكتوبر – نوفمبر – ديسمبر) 2005 مجلة العمل العربي العدد 79

(4) نفس المرجع السابق.

(5) الاحتياجات العملية والاستراتيجية للمرأة المصرية وأولياتها على مستوى المحافظات، معهد التخطيط القومي، سلسلة قضايا التخطيط والتنمية رقم (156)، يوليو 2002.

(6) د. هبة نصار وآخرون، تحليل الحلقات المركزة لبحث تنمية الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمرأة في مصر ،مركز البحوث الاجتماعية / الجامعة الأمريكية بالقاهرة، سبتمبر 1996.

(7) نادية فرح، تحليل شامل لعام 1992/ 1993 لمسح القوى العاملة بالعينة، مشار إليه في د. راجي أسعد، د. ملك رشدي ، الفقر وإستراتيجية مواجهته في مصر، مركز دراسات وبحوث الدول النامية جامعة القاهرة، كراسات التنمية (6)، 1999، كذلك مشار إليه في د. محمد أحمد إسماعيل، المركز القانوني للمرأة العاملة في القانون المصري المقارن، دار النهضة العربية، 2000.

(8) صابر بركات، خالد على عمر، نقابات بلا عمل وعمال بلا نقابات / عن الانتخابات العمالية دورة 2002/2006, اللجنة التنسيقية للحقوق والحريات النقابية، مركز هشام مبارك للقانون، 2003.

(9) منى عزت، أوضاع العاملات في غياب الحماية التشريعية والنقابية، العدد السابع عشر من نشرة المرأة الجديدة، أبريل 2006.

(10) صابر بركات، خالد على عمر، نقابات بلا عمال وعمال بلا نقابات، عن الانتخابات العمالية دورة 2002/ 2006، اللجنة التنسيقية للحقوق والحريات النقابية، مركز هشام مبارك للقانون، 2003.

(11) أوضاع المرأة الريقية في سوق العبيد، مركز الأرض لحقوق الإنسان، 2006.

(12) www.etufegyypt.com.

(13) عماد الزيات، بسبب سوء المعاملة للممرضات يضربن عن العمل، العدد 2587 من مجلة حواء، دار الهلال، 22 أبريل 2006

(14) تقرير التنمية البشرية، مصر، UNDP، 1996.

(15) D. Kamal Samy Selim, Children and Women in Egypt: an Information Atlas, The National Council for Childhood and Motherhood, 1996.

(16) Gender Education and Child Labour in Egypt, International Labour Organization, 2004

(17) عمالة المرأة في مصر/ ملاحظات ميدانية عن عمل المرأة في ريف مصر، مركز الأرض لحقوق الإنسان.

(18) سلسلة قضايا التخطيط والتنمية رقم (156)، الاحتياجات العملية والاستراتيجية للمرأة المصرية وأولياتها علي مستوى المحافظات، معهد التخطيط القومي، يوليو 2002.

(19) د. مديحة الصفتي، مساهمة المرأة في التنمية بين القانون والواقع، دراسات ندوة المرأة والتنمية: الآفاق والتحديات، مركز دراسات وبحوث الدول النامية، جامعة القاهرة، 1999

(20) المنتدى الثالث (- المرأة وسوق العمل في القطاع العمل الرسمي وغير الرسمي، المجلس القومى للمرأة، 2001).

(21) تقرير التنمية البشرية 1998/ 1999 مشار إليه في د. سحر مصطفى حافظ، المرأة وسوق العمل في ضوء التشريعات المصرية، العولمة وقضايا المرأة والعمل، أعمال الندوة العلمية لمركز الدراسات والبحوث والخدمات المتكاملة لكلية البنات جامعة عين شمس، مركز البحوث والدراسات الاجتماعية، كلية الآداب جامعة القاهرة،2002.

(22) مقابلة شخصية مع محاميهن.

(23) مقابلة شخصية مع المبحوثة.

(24) تم تغيير الأسماء وإخفاء بعض المعلومات حرصا على خصوصية المبحوثات.

(25) شكوى وردت إلى باب القانون معك، العدد 2610 مجلة حواء، دار الهلال، 30 سبتمبر 2006.

(26) شكوى وردت إلى باب القانون معك، العدد 2594 مجلة حواء، دار الهلال، 10 سبتمبر 2006.

اصدارات متعلقة

أسئلة وأجوبة بشأن الوقاية من كوفيد 19 ومكافحتها للعاملين /ات في مجال الرعاية الصحية
الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي