العاملة الزراعية في مصر.. إنتاج متواصل.. ومعاناة متزايدة

اعداد بواسطة:

بعيداً عن تعبير المرأة الريفية، الذي يتردد كثيرًا هذه الأيام، وتقام تحت لافتته الندوات والاحتفالات، وتقدم باسمه المنح والمعونات الداخلية والخارجية، بينما هو في واقع الأمر يعني نساء مصر في كل محافظاتها، فحتى المحافظات غير الريفية، كالقاهرة والإسكندرية ومدن القناة في كل منها قطاع ريفي.

ولكن الفلاحة المصرية الحقيقية أو العاملة الزراعية بدون أي تجاوز نظري أو واقعي، هي المرأة المصرية العاملة بيدها في المجال الزراعي سواء كانت منفردة أو مشاركة لزوجها أو أبيها، وسواء كان ذلك ضمن عمالة الزراعة والتراحيل الموسيمة أو كمستأجرة لأرض زراعية، أو حتى كمالكة لمساحة قزمية تعمل عليها وتتعيش منها هي وأسرتها.

العاملة الزراعية في مصر..

إنتاج متواصل.. ومعاناة متزايدة

48% من حجم العمالة الزراعية نساء ينتجن 40% من الإنتاج الزراعي

وبهذا التحديد لهذه العاملة الزراعية في مصر، يتحدد أيضًا أنها ليست فئة هامشية في المجتمع، بقدر ما كانت ومازالت تمثل قطاعًا مهمًا له دوره الكبير في الواقع المصري على مختلف محاوره. فهي تشكل أكثر من 10% من سكان مصر. وهي تمثل 30% من الطاقة المصرية العاملة بشكل عام، و48% من حجم العمالة الزراعية. وهي تقوم بإنتاج 40% من الحاصلات الزراعية (بالإضافة لدورها المنفرد بالنسبة للثروة الحيوانية والداجنة والعديد من العمليات الإنتاجية المرتبطة بالزراعة). ليس هذا فحسب، بل إنها أيضًا في إطار العمل المجتمعي العام:

تقدم نسبة كبيرة من الأصوات الانتخابية الفاعلة في الانتخابات العامة، بغض النظر عن عمليات استغلال هذه الأصوات.

وكان ومازال لها دور مهم في حركة النضال الفلاحي:

سواء بالنسبة للدفاع عن حقوق الفلاحين في الأرض والعمل والحياة، في المراحل المختلفة لهذا النضال (قبل الإصلاح الزراعي ضد كبار الملاك الزراعيين واستغلالهم من أجل حمايته وتطويره، أو منذ السبعينيات في مواجهة سياسات تهميش وقهر الفلاحين).

أو في معارك الدفاع عن حرية الوطن ضد الاحتلال، ولعل معارك قرية ميت القرشيالتي قادتها الفلاحة الشابة الفقيرة صديقة في مواجهة جحافل الاحتلال البريطاني ستظل رمزًا خالدًا لبطولة الشعب المصري عامة والفلاحة المصرية على وجه الخصوص، واستحقت أن يتم التغني بها حتى الآن، في الموال الذي جاء به.

الحكم جاير والدم فاير…وبين الاتنين مافيش معروف
صديقة وسط الرجال……والشال فوق الدماغ ملفوف
دا فيه راجل يعيش رمّة…وفيه حرمه تساوي ألوف

الواقع الحالي للعاملة الزراعية المصرية في إطار الواقع العام لمجمل الفلاحين

 

لاشك أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للفلاحين المصريين قد أصابها الكثير من الإهدار في العقود الثلاثة الأخيرة، نتيجة اتباع ما يسمى بسياسة التكييف الهيلكي في الزراعة بناء على توصيات البنك والصندوق الدوليين والهيئة الأمريكية للتنمية، والتي تمثلت أساسًا فيما يلي:

  • التصفية الفعلية للحركة التعاونية الزراعية.

وترك مقدرات الفلاحين في أيدي:

استغلال بنك التنمية وفوائده المرتفعة، فيما يتعلق بالائتمان الزراعي.

القطاع الخاص والسوق السوداء، للحصول على مستلزمات الإنتاج.

كبار التجار والقوى الاحتكارية بالنسبة لتسويق الحاصلات.

الاهتمام بالزراعات التصديرية غير الاستراتيجية على حساب الزراعة – وزرّاع المحاصيل الرئيسية.

  • إلغاء عقود الإيجار الزراعي، وترك العلاقة الإيجارية يحددها المالك بإرادته المنفردة، إما بطرد المستأجرين وأسرهم من الأرض، أو بفرض عقود إذعانية جديدة تصل بها القيمة الإيجارية إلى معدلات شديدة المغالاة.

  • تصفية الشركات الزراعية العامة وبيعها للمستثمرين.

  • مساندة مدعي في محاولاتهم الملكية للاستيلاء على أراضي الفلاحين المنتفعين بالإصلاح الزراعي بالقوة والبطش وعلى غير صحيح القانون.

وكان من الطبيعي أن يترتب على ذلك تدني الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للفلاحين (والفلاحات)، واتساع نطاق البطالة بينهم، وارتفاع معدلات الفقر والفقر المدقع إلى نسبة شديدة الارتفاع.

بالإضافة لهموم العاملة الزراعية كفلاحة للعوامل السابقة فقد أضيفت إليها صور عديدة من المعاناة كامرأة :

  • 71% من الفلاحات والعاملات الزراعيات لا يتقاضين أجرًا عن العمل، بالزراعة (15 – ٤٥) إلى 40.3% من إجمالي الأميين في مصر في هذه الفئة العمرية، كما تصل الأمية بينها بشكل عام إلى 71% قد تتنامي في قرى الصعيد إلى 85%.

  • تعاني الفلاحة المصرية – في المجال الصحي – بالإضافة إلى الواقع الصحي العام المتردي في الريف، من العديد من الأمراض المضافة المرتبطة بها: بنمط حياتها وعملها (كالولادة على أيد غير متخصصة، والأمراض الناتجة عن التعرض للكيروسين غير كامل الاحتراق.. إلخ).

  • الحرمان من أي ضمانات قانونية، حيث كانت المادة 159 من قانون العمل رقم ۱۳۷ السنة 1981 تنص على استثناء العاملات في الزراعة من أحكامه.

ومع إلغاء ذلك القانون وإصدار القانون رقم ١٢ لسنة ٢٠٠٣ (المعروف باسم قانون العمل الموحد) تم الحرص على النص فيه على هذا الاستثناء الاستفزازي الغريب بالمادة 79 منه، بكل ما يعنيه ذلك من حرمان للمرأة العاملة في المجال الزراعي من أي حقوق قانونية في مواجهة مخاطر العجز والإصابة والمرض والشيخوخة والوفاة.

  • الانهيار النفسي الذي يصاحب اضطرار الفلاحة المصرية إلي القذف ببناتها وأطفالها إلى سعير التراحيل والعمالة الزراعية، وحيث إنه في غيبة رقابة الدولة أصبح الطلب من جانب مقاولي الأنفار وأصحاب المزارع في العقود الأخيرة، مركزًا على الأطفال والفتيات لرخص أجورهن، بكل ما يؤدي إليه ذلك من كوارث طبيعية وإنسانية لهذه الزهور البريئة.

التسرب من التعليم الأساسي الذي وصلت معدلاته في مصر إلى 300 ألف طفل سنويًا، النسبة الأكبر منهم من أبناء الفلاحين.

تدهور أوضاعهم الصحية، فتبلغ نسبة إصابة أطفال الفلاحين بمرض نقص كرات الدم الحمراء (الأنيميا) 55%، بالإضافة إلى إصابة أكثر من 40% منهم بالأمراض الناتجة عن نقص السعرات الحرارية والبروتين، بخلاف ما يصيبهم من تسمم بفعل المبيدات، أو مرض السل للعاملين منهم في مزارع الياسمين بدون اتخاذ المتطلبات الصحية المفترضة.

سقوط المئات منهم سنويًا قتلى أو غرقى أو مصابين نتيجة عمليات النقل التي تتم بوسائل غير آدمية من قراهم إلى مواقع العمل أو أثناء العودة.

محرومات من أية حقوق قانونية وصحية وتأمينية

نحو برنامج مرحلی محدود وعاجل

إذا كانت القاعدة المنهجية الصحيحة تؤكد أن أي برنامج أو مخططات لحل مشاكل العاملات بالزراعة يجب أن يكون داخل إطار حل مشاكل الفلاحين المصريين عمومًا، فإن إدراك هامش خصوصية الفلاحة المصرية ومحاولة الحل النسبي والجزئي – لبعض مشاكلها الحالية، لا يتناقض مع ذلك الأساس المنهجي، بل على العكس يسهم في إنضاجه ومن هنا..

فإننا نطرح على كل القوي الديمقراطية المهتمة – أو التي يجب أن تهتم – بهذه القضية المجتمعية الحيوية من أحزاب ومنظمات ديمقراطية وجمعيات أهلية وهيئات فلاحية وتعاونية نسائية، ومؤسسات بحثية وإعلامية، التنسيق فيما بينها بهذا الخصوص، من خلال البرنامج المرحلي والمحدود التالي:

1 – وضع التشريعات الكفيلة بتقنين حقوق العمالة الزراعية النسائية وتفعيل الاتفاقيات والمواثيق الدولية بهذا الشأن.

٢ الاهتمام باكتشاف وتدريب القيادات الطبيعية من الفلاحات المصريات ليقمن بدور أساسي وواقعي في هذا التحرك.

3 – التعامل مع قضية صحة ومحو أمية المرأة الفلاحة، كقضية مجتمعية رئيسية.

4 – إعطاء أهمية خاصة ووضع حلول واقعية للوضع المأساوي الذي يحياه مئات الآلاف من الأطفال والبنات من عمال الزراعة والتراحيل، كقضية اجتماعية ونسائية لا تحتمل التأجيل أو طرح شعارات بعيدة عن الواقع.

المراجع الرئيسية

أوراق عمل وتوصيات ندوات ومؤتمرات:

مؤتمر المرأة في القطاع الزراعي الاسكندرية ١٩٩٧

ورشة عمل تنمية مهارات العاملين بالجمعيات والمؤسسات الأهلية في مجال حماية حقوق المرأة الريفية مركز الأرض۲۹ مايو ۲۰۰۳.

ندوة المرأة الريفية ملتقى تنمية المرأة وائتلاف المنظمات غير الحكومية – ۱۱/ 12/ 2003.

ندوة البدائل المطروحة في المسألة الفلاحية الزراعية في مصر مركز للبحوث العربية والأفريقية – 7 فبراير ٢٠٠٦.

كتب:

مجموعة من الباحثين المسألة الفلاحية الزراعية في مصر مركز للبحوث العربية ١٩٩٢

عريان نصيف مأساة الفلاح في زمن الانفتاح كتاب الأهالي – ۲۰۰۰.

أوراق بحث:

سهام نجم دور المنظمات غير الحكومية في الدفاع عن حقوق المرأة الريفية ٢٠٠٣.

محمد عبد السلام البربري القوانين المنظمة للعمالة المصرية ووضع المرأة في قطاع الزراعة – ۲۰۰۳.

تقارير:

لجنة الخدمات بمجلس الشورى – ۱۹۹۳.

الخطة القومية لمحو الأمية في مصر – 1990/ 1995.

التسويق الزراعي لجنة الزراعة والري بمجلس الشورى – ۱۹۹۹.

صحف ودوريات ونشرات:

الأهرام الجمهورية التعاون – الأهالي – اليسار اتحاد الفلاحين.

شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي