اللي جرى وكان

تاريخ النشر:

2011

اللي جرى وكان

يوم الجمعة 28 يناير(*)

خالد الخميسي**

أنا لحد النهاردة مش قادرة أفهم اللي حصل لي في الليلة دي!

ايه سهم الأمانة ده، اللي نزل علي ساعتها زي القضاء المستعجل. قال ايه.. قال أمانة قال.

أصل أنا طول عمري – والصراحة حلوة – حرامية وبنت حرامي قراري، وجوزي والحمد لله سوابق ورد سجون.

ايه بقة اللي جد وخلا وسواس خناس يوسوس لي ويقول لي: انهاردة بالذات يا بت السرقة حرام؟ لو حد منكم يشرح لي (تشير إلى الجمهور)، والله راح أعمله محشي كرنب ما كالوش في حياة أمه.

يوميها كان يوم جمعة، وجوزي كان مشرَّف في التخشيبة من تلات أيام زي عوايده. صحيت من النوم على صريخ مرات أخويا داخلة عليَّ بتولول مع أذان العصر، قلت في نفس بالي: «أخوكي اتكل على الله». كان باين عليه يوم كوبيا من أوله، لكن طلعت موتة فشوش

والحكاية وما فيها انه اتقبض عليه.

هي دي أول مرة يا مهبوشة

المهم خرجنا نشتري عيش ومعايا بتي «فاطمة» وساعتها عرفنا أن الدنيا مولعة.

قشطة.. يا رب تولع.

واحنا راجعين نادى عليَّ خالي. ده بقة صاحب أشهر قهوة في بولاق الدكرور كلها. قال لى بصوت تخنّه حبتين: «اقعدي يا سعاد، عايزك في حاجة». قعدنا علي القهوة قدام التليفزيون بحلقنا فيه شوية:

لقينا فيه الدنيا أمم.

فطومة قالت لي وهي بتشاور على الشاشة: «أنا عايزة أروح هناك يا أمة». وفضلت البت عينيها متشعلقة في التليفزيون ولسانها مسك في دي الجملة: «أنا عايزة أروح هناك يا أمة»، «أنا عايزة أروح هناك يا أمة». خالي خدني على جنب وقال لي أن الصول توفيق – وده برضه من بقية العيلة، أصل احنا عسكر وحرامية – (تضحك) المهم توفيق الكلب قال له انها ح تقلب غم، غم غم يعني. وقال لي:

«روحي يا بت دلوقتي وأقفلي على نفسك بابك، احنا مش عارفين لون الغم اللي جاي من أنهي ملّة. أعملي فيها طرشة وعمياء حتى لو طبال الملك جالك».

ملك ايه؟ مش عارفة.. باين خالي بقة راخر خُلل. قلت له: حاضر. الراجل برضه خيره علينا كتير مش راجل نجس زي خالي التاني. المهم فضلنا شوية قدام التليفزيون وهو عمال يصرخ من قرونه: الشعب يريد إسقاط النظام. الشعب يريد إسقاط النظام. (المرة الثانية بنغم). راحت فطومة مغيرة الاسطوانة على: «الشعر بريد اسكات النزام». «الشعر بريد اسكات النزام».

شلت البت على كتفي وهي بتهتف وطلعنا على البيت، ولما وصلنا افتكرت اني نسيت كيس العيش على كرسي القهوة. رجعت مرات أخويا وقعدت أنا أحشي في شوية كوسة وبذنجان.

(تفكر قليلاً.. صمت)

أيون.. فيه حاجة حصلت لي وأنا باحشي كوساية كبيرة كدة (تشير بيديها). كنت قاعدة مربعة على الأرض، وفجأة لقيت نفسي شايلة فطومة وواقفة وسط ملايين بشر. وكلنا كنا ماسكين ايد بعض. وأنا كنت واقفة باعيط. سمعت صوت دموعي بتقع في الرز. دخلت علىَّ البت فطومة ومعاها عيال العمارة وهما يغنوا «الشعر بريد» «الشعر بريد». قلت لنفسي ده التليفزيون ده حكاية. باين فاطمة شافت دموعي ففضلت تعمل لي كدة بشعرها لغاية ما ضحكت. فاكرة نفسها شادية. (تهز الممثلة شعرها).

ومفيش أول ما خلصنا أكل بألف هنا وشفا، لقيت جوزي وأخويا واتنين كان داخلين علينا.

يا ألف نهار أبيض. ايه يا رجالة اللي حصل؟

خرجونا في الهوجة

وفي لهوجة راح جوزي داخل الحمام. رحت داخلة وراه. لقيته بيفك البلاطة اللي تحتيها قرن الغزال. سألته ح تهبب ايه يا موكوس؟ قال لي دي ليلة مفترجة. محلات المهندسين كلها ح تتكسر وتتحرق، ودورنا نقلبها وناخد اللي فيه القسمة. ضحكت على هبله وسألته: اشمعنی یا سبع؟ قابلت الشيخ شمهورش في الحجز وقال لك على المستخبي؟ فرد وقال لي: ده الأمين نفسه اللي قال لي يا عبيطة. الدنيا بتتشقلب وإحناح نقلّب.

يا راجل انت أصلك ما شفتش المظاهرات مالية الدنيا. ده حتى البت فطومة بتهتف، بلاش الليلة دي.

كان خرّج البلاطة وأخد قرن الغزال وزقني وخرج. وقال للرجالة ياللا. خرجنا وراه. لقيت شلة رجالة صحابه – شموا الخبر، إزاي ماعرفش – طالعين معاه ناحية شارع السودان. قعدنا أنا ومرات أخويا على الرصيف سامعين التليفزيون لسة معلي صوته: الشعب يريد إسقاط النظام.

طبعًا اللي حصل واللي كان، واللي رجع بيه الرجالة، كان شيء ولا في الخيال. ايشي موبايلات وايشي هدوم وايشي ساعات وايشي ايشي. بيتنا اتردم هدوم. خدت فستان علشان أقيسه، ايه ياختي ده. قلعت ملط ورميتوا على جنتي، هو فيه حرير كدة يا إخواتي.

استنوا كدة.. استنوا.. (فترة صمت قصيرة)أيوة….

لما الحرير لمس صدري، صرخ الوسواس وقال لي: انهاردة لأ.

دخلت علي فطومة بشعرها الأكرت وقالت لي: «الشعر بريد» «الشعر بريد». قلت لها البريد وصل يا نور العين. وطلعت لقيت جوزي بيلعب في قرن الغزال فصرخت فيه بعلو صوتي:

انهاردة لأ. لو الناس اللي في العلالي بيقولوا لحسني ح نوقع أهلك. إحنا كمان نقول للنظنظ ولحسني واللي يتشدد له:

إحنا ما حناش حرامية.

وقبل ما يرد عليّ، لقيت نار ولعت في جتتي. خرجت في الشارع، بصيت، لقيت ناس يا ما، ومرات أخويا لابسة حتة زفرة وفي ايدها ييجي عشرين موبايل. رحت مصرخة بعلو صوتي زي ما يكون عفريت لبسني

«انهاردة السرقة حرام. السرقة حراااااام!».

(صمت)

شكلها كدة كان الشيطان شاطر ولف لفته في نواحي بولاق الدكرور كلها. لقيت رجالة وحريم بيتجمعوا ودخل بيتنا عدد يهد قصر ثلاثة أدوار. ودار الحديث وعلي الصوت، واسم مصر اتقال لأول مرة بين الحيطان دي. (تشير إلى حوائط وهمية). ولقيت لك واد كدة وقف فجأة وبص لي في عيني وقال بصوت دكر: أنا مصري.

فضلنا نزعق لحد الفجر ما شقشق. مش فاكرة ايه الكلام اللي اتقال. ومش عارفة الحديث خادنا لفين؟ اللي عارفاه ومتأكدة منه أن الصبح قدام بيتنا كنا كثير قوي، بشر بملو الشارع، كل واحد ماسك اللي سرقه في ايده وراسنا مرفوعة ومش خايفيين..

ممكن لأول مرة.

مشينا ناحية شارع السودان وعلينا صوتنا للسماء وفضلنا نصرخ من قروننا والصريخ طلع من جوف جوفنا:

إحنا البولاقية ما حناش حرامية

إحنا البولاقية ما حناش حرامية

ولما وصلنا لجامعة الدول العربية حط كل واحد المسروقات قدام مبنى كبير قوي وبصينا لصورة مبارك اللي متعلقة فوق روسنا وصرخنا:

إحنا البولاقية ما حناش حرامية.

رجعنا من المهندسين لبولاق فاضيين. فاضييييين

لكن مش حرامية.

(فترة صمت قصيرة)

حد واللي نبي النبي يفهمني ايه اللي حصل يوم الجمعة 28 يناير لأني لسه مش فاهمة!

 

(*) كتب هذا النص ليكون جزءًا من عرض مسرحي للحكى.

** كاتب وروائي.

الكلمات المفتاحية: قصة قصيرة
شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي