المرأة العربية تاريخًا ونضالاً

اعداد بواسطة:

المرأة العربية تاريخًا ونضالاً

يفاجأنا الأستاذ عادل حمودةفي مقالهِ المعنون اقبضوا على أبو زيد الهلاليبتناقضِ هائل بين الروح العام للمقال وبين منطقها، ففي حين ينم المقال عن تأييد الأستاذ عادل حمودة لقضية تحرير المرأة، بل لومه الشديد لتراخي المرأة المصرية والعربية في الدفاع عن حقوقها، إلا أن الطريقةَ التي عالج بها الكاتب قضيةَ المرأة افتقدت إلى الرؤية العلمية الصحيحة في النظر إلى تاريخِ كفاح المرأة المصرية والعربية، والإشكاليات القديمة والجديدة التي تواجه المرأة في سعيها نحو التحرر الحقيقي والأصيل. فمن رأي الكاتب أن المرأة العربية حصلت على (المساواة في زمن قياسي لا تستغرقه عملية إعداد مكياجها الصباحي قبل النزول إلى العمل. وحصلت على كلَّ شئ ببساطة، وبقرارات جمهوريةٍ واضحة، لا هي تعبت ولا ناضلت ولا هي استشهدت إلخ)
والذي همني في الأمر أن أوضح للكاتب أمرين قد يكونا غابا عن بالهِ، أو تناساهما بفعلِ الزمن:

الأمر الأول:

هل يُعتبر تاريخِ الحركة النسائية المصرية الذي بدأ وتبلور في سنة 1919 إلى يومنا هذا، بكلِّ ما يحتويه هذا التاريخ من نجاحٍ وعثرات، وعودة بعد انقطاع، تاريخًا زائفًا وجودَ له غير معترفٍ به؟ وإذا كان الكاتب ينسى هذا التاريخ؛ فلزامًا علينا أن نذكره ببعض الملامح الخاصة منه، إنصافًا للمرأة المصرية وكفاحها:

فلقد خرجت المرأة المصرية لأول مرة إلى الشارع المصرى سنه ١٩١٩ للتظاهر ضد الاحتلال الانجليزي، ولتطالب بالاستقلال السياسي، بل وأكثر من التظاهر؛ قامت بتقديم عريضةَ احتجاجٍ إلى المعتمد البريطاني ضد احتلال الإنجليز لمصر، ولم تكن هذه المظاهرة ضربًا من ضروب الكفاح العفوي، فقد اجتمعت النساءُ قبل المظاهرة في منزل السيدة هدى شعراوي لاتخاذ مثل هذه الخطوة الهامة.

نتيجةً لهذه الحركة تم تشكيل لجنة الوفد المركزية للنساء، التي كانت النواة للاتحاد النسائي المصري الذي أنشئ سنة ١٩٢٣، ولقد كانَ لهذه اللجنة دورٌ سياسي في مقاطعة لجنة ملنر التي جاءت إلى مصر في أواخر سنة ١٩٢١ ، وقد طالبت اللجنةُ بمقاطعة البضائع الإنجليزية، وتشجيع الصناعةَ المصرية وتدعيمها، ونتيجة لتلكَ المقاطعة نشأت فكرة إنشاء مصرف مالي تودع فيه أموال المصريين بدلاً من المصارف الأجنبية، وقد كانت صاحبة هذه الفكرة هي السيدة الجليلة هدى شعراوی؛ التي ساهمت بأموالها وأموال أسرتها في إنجازِ هذا المشروع الوطني الكبير، والذي جاءَ ليؤكدَ على أهميةِ الاستقلال الاقتصادي كأحد الأسسِ الأولية الواجب توفرها لتحقيقِ الاستقلال الوطني الحقيقي.

وعندما انعقد البرلمانُ المصرى لأولِ مرةٍ سنة ١٩٢٤ كشفَ عن تجاهله التام للحركة النسائية، مما استدعى الرد الفوري من الاتحاد النسائي حيث بعثَ الاتحاد بمذكرةٍ إلى سعد زغلول ومجلس النواب والشيوخ، وكانت هذه المذكرة بمثابة الصياغة الأولى في تاريخِ مصر لبرنامجٍ وطني ديمقراطي، يعملُ كمرشد لكفاحِ المرأة المصرية، وكيفَ أنه لم يكن أبدًا برنامجًا نسائيًا بالمعنى الضيق، بل كان برنامجًا يعُمِّقُ العلاقةَ بين حرية المرأة وحريةِ الوطن. فلقد اشتملَ على أقسامٍ متعددة أهمها القسم السياسي الذي يطرحُ رأى المرأة المصرية في القضايا الوطنية والديمقراطية المختلفة كالمعاهداتِ وتعديلِ الدستور.

ولقد خاضت المرأةُ المصريةُ نضالاً شرسًا للمطالبة بحقوقها السياسية، ولم تتواني في طرح قضيتها سواءً في الصحفِ أو المؤتمرات أو المظاهرات، بل أكثرُ من ذلك؛ فقد كانت هناك صحفٌ ترأسُ تحريرَهَا النساءُ، نذكرُ من ضمنها على سبيل المثال منيرة ثابتذات الواحدِ والعشرينَ عامًا آنذاك، صاحبة مجلةِ الأمل التي صدرت في نوفمبر سنة ١٩٢٥، والتي كانت مهمتها الأولى هي نقدُ ومهاجمة سياسة الإنجليز وأعوانهم، والوزرات المتهادنة. كما خاضت منيرة ثابت كفاحًا شرسًا لتحتفظ المرأةُ بحقها في العمل بعدَ الزواج، حيث كانت وزارةُ المعارف آنذاك تمنع مزاولةَ المعلماتِ لمهنتهن بعدَ الزواج.

وبقىَ مطلبُ التساوي في الحقوقِ السياسية مع الرجل (حق الانتخاب والترشيح) فخرجت المظاهرات لتتجمع أمام البرلمان المصرى سنة 1951 رافعة شعارات نريد الحرية والمساواة والسلام، الدستور والديمقراطية معنا، البرلمان للنساء والرجالو الاستعمار عدو المرأةوفي سنة 1954 اعتصمت السيدات في نقابة الصحفيين للتأكيد على الحقوق السياسية للمرأة مرة أخرى الى أن أعلن سنة 1957 الاعتراف للمرأة المصرية بحقها السياسي في الترشيح للبرلمان.

ولم تكن الحركةُ النسائية المصرية منعزلةً عن القضية العربية والحركة السياسية العربية؛ بل كانت في مقدمتها. فقد عُقدَ في القاهرة سنة ١٩٣٨ مؤتمرًا لمناصرة قضية شعبِ فلسطين، وقد كانَ هذا أولَ مؤتمر من نوعه في تاريخ المنطقة العربية. حيثُ اجتمعت النساءُ العربيات الرائدات في مكانٍ واحدٍ ليناقشن قضيةَ فلسطين والمرأة الفلسطينية. وقد كان لهذا المؤتمر تأثيرًا كبيرًا على الرأى العربي والعالمي، لأنه لم يشملُ فقط الحقوقَ الوطنية للشعبِ الفلسطيني؛ ولكن شملَ أيضًا الحقوق المدنيةَ والشرعيةَ للمرأة، وحمايةِ الأمومة والطفولة.

وفي السنواتِ الأخيرةِ شهدَ الكفاحُ الوطني الديمقراطي، وخاصةً بالجامعات المصرية، ظاهرةً نتعجبُ أن يُغفلها كاتبنا، حيثُ انخرطت أعدادٌ كبيرةٌ من الفتيات في الكفاح السياسي منذ سنة ١٩٧٢ وما بعدها، وباتت زنازينُ سجنِ القناطر لا تخلو أبدًا من المناضلات. وحين شُكِّلت لجانٌ لمناصرةِ الشعب الفلسطيني واللبناني إبانَ الغزو الإسرائيلي للبنان وحصار بيروت، كانَ للنساء دورٌ بارزٌ في نشاطها، وحين، شَكَّلت القوى الوطنيةُ في مصرَ وفدًا لمناصرة المقاتلين المحاصرين بطرابلس بلبنَان، كان ضمنَ هذا الوفد عددٌ من النساء تحمَّلنَ مع الرجالِ مخاطرَ اختراقِ الحصار.

وهذا قليلٌ من كثيرٍ في تاريخِ الحركة النسائية المصرية التي ناضلت من أجلِ انتزاعِ حقوقها. وقدمت أسماءَ مناضلات نذكرُ منهنَّ هدى شعراوی، وسیزا نبراوی، ونوال السعداوي، وانجي أفلاطون، ودرية شفيق، ونبوية موسى، وغيرهن من المدافعات عن قضية المرأة. ومنهنَّ من تعرضَ للسجن لا لأنهنَّ يُناضلن من أجل قضية شخصية أو قضية تمسُّ المرأة فقط؛ بل لأنهنَّ يُناضلن من أجل الحقوق السياسية والاجتماعية لشعبهم من أجلِ الحرية والديمقراطية. كانَ نصيب الكثيرات منهن السجن. وقد تمَّ سجن انجي أفلاطون في الأربعينات واعتقالها في الخمسينات. ونبوية موسى اعتقلها الإنجليز من الاسكندرية ووضعوها في قطارٍ مصفح لنقلها للقاهرة، لأنها كانت تطبعُ مذكرات ضد الإنجليز. وكَم من سيداتٍ استشهدنَ في الدفاع عن الوطن في سنة ١٩٥١. نذكرُ منهن أم صابرمن مدينة أبي حماد وسيدة بنداريمن مدينة التل الكبير.

الامر الثاني:

تجاهلُ الكاتب لكفاحِ المرأةِ المصرية امتدَّ ليشمل كفاح المرأة العربية. فهل ننسى جميلة بو حريد ونضالها ضد الفرنسيين في الجزائر وفاطمة إبراهيممؤسسة الاتحاد النسائي السوداني الذي خاضَ كفاحًا لا هوادةَ فيه ضدَّ نظامِ النميري، والذي أعدمَ زوجها الشفيع أحمد الشيخ، وحكمَ عليها بالسجنِ والمنع من السفر. ورغمَ ذلك لم ترهبها الاعتقالات، وثارت مع النساء السودانيات احتجاجًا على الاعتقالاتَ التي تمت للمناضلين السودانيين سنة 1973 ضد حكم النميري. واعتصمت نساءُ الاتحاد بوزارة الداخلية وطلبنَ الإفراج عن المعتقلين، ونتيجةً لذلك تم اعتقال القيادات النسائية، ومازالَ الاتحاد النسائي إلى الآن يناضلُ بجانبِ القوى الوطنية والديمقراطية في السودان.

وهل ننسى النساء العربيات اللاتي ضربنَ مثلاً في البطولة والتضحية نذكر منهن: ليلي خالد ودلال المغربي وفاطمة البرناوي، التي اعتقلت أعوامًا في السجون لأنها كانت تقاوم الصهاينة والخونة الذين يتاجرون بقضية بلادها وآخر من نذكر الشهيدة سناء محيدليعروسُ الجنوب التي استشهدت أثناءَ عمليتها الفدائية الخالدة، متحديةً الإسرائيلين الصهاينة، ومعلنةً للعالم كله أن المرأة اللبنانية بجانب نضالها مع المرأة الفلسطينية، يُشكَلونَ دعامةً أساسيةً لمقاومةِ الاحتلال الصهيوني.

ولا يُمكننا أن نتجاهلَ الحركةَ النسائيةَ في تونس والمغرب والكويت والبحرين، التي تنتزع كل مكاسب تضمها لرصيدها، وتُسمع في أرجاء الوطن العربي. فالنماذج عديدة، والمواقف كثيرة، والتاريخ مليئٌ بأسماء عديدة لنساء استشهدنَ وهنَّ يدافعن عن أوطانهن. وهناك نساءٌ مجهولاتٌ لم تُعرف أسماءهن، استشهدنَ في صمتٍ وفخرٍ من أجلِ بلادهم.

ويبقى ردٌ أخيرٌ على الكاتب، وهو أن الحركة النسائية العربية لم تصل إلى ما وصل إليه وضعُ المرأة الأوروبية؛ لا لتفوق الأخيرة عليها؛ بل لأن المرأة العربية كانت ترزح أعوامًا كثيرةً تحت نير الاحتلال، ونتيجة لغياب الديمقراطية في معظم البلدان العربية وانتشار القمع. وقد انعكسَ ذلك على النساء والرجال، وأدى ذلك في الجانب الأخيرلظهور الآراء المعادية للمرأة وتجاهل دورها، والدعوة لحرمانها من حقوقها، واستخدامِ سلطة الرجال في مواجهتها . فالذي يَسنُّ القوانينَ هم الرجال، والذين بيدهم السلطة هم الرجال، أي أننا نعيشُ المجتمعَ الذكوريَ الذي تضخمَ نتيجةَ غياب أهداف قومية تجعلُ الرجالَ والنساءَ متضافرين سويًا لإنجازها. فالردةُ الشاملة التي أصابت مجتمعاتنا العربية، جعلت الرجال أيضًا في حالة من التردي والبؤس والتخلف، جعلتهم يتمسكونَ بالماضي ويقفونَ عنده. فلابد أن نعترفَ أن هناك هزيمةٌ كبرى على المستوى السياسي والاجتماعي، جعلت المجتمعَ بكلِّ رجاله ونسائه في حالة من الإحباط، وفتحِ الباب واسعًا أمام كلِّ الأفكار المعادية للتقدم والحرية، ولأن المرأة هي المخلوقُ الأضعف في المجتمعات الشرقية، فكانَ لابدَ من صبِّ حصاد هذه الفترة على رأسها! ولأنَّ الأزمة الاقتصادية في تزايدٍ مستمرٍ أصبح الكثيرُ من أبناء شعبنا يُعانون من الجوع، وانتشرت طوابيرُ العاطلين والعاطلات الذين طرقوا كلَّ الأبواب، وفشلوا في إيجاد عمل. فكان آخرُ ردود الفعل السلبي هو المطالبة بعودة المرأة إلى البيت لأنها أخذت فرص الشبابِ في العمل. وعليها أن تُخفى نفسها تمامًا، معنويًا وجسديًا، تحتَ الحجاب لا نرى منها إلا ثُقبين ضيقين يدلان على أنها كائنٌ حى.

فالمرأةُ إذن لا تلبسُ الحجاب، كما قال الكاتبُ، لأن الرجلَ يُريدها كذلك، لأنه لا يُمكنُ القولُ أن الرجلَ يلبسُ الجلباب ويُطيلُ لحيته ويرفضُ لبس البنطلون لأنّ المرأة تطلبُ منه ذلك، ولكن لأنَّ كلاً منهما يقعانِ تحتَ نفس الظروف السياسية والاجتماعية، مع غياب حركةٍ سياسيةٍ قوية ترفعُ من مستوى الوعي والعقل أيضًا.

شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي