المرأة المصرية وثورة ٢٥ يناير

اعداد بواسطة:

المرأة المصرية وثورة ٢٥ يناير

الوجوه الكريهة فى ميدان التحرير يوم ٨ مارس تعنى أن المعركة النضالية مستمرة

في الكتاب المهم سيدة من النيلللمفكر والباحث الفرنسى البارز كريستيان جاك” – الذي تميز بمؤلفاته العديدة حول مصر القديمة يؤكد ويوثق لحقيقة أن المرأة المصرية فى تلك المرحلة التاريخية منذ آلاف السنين, أحرزت تقدمًا اجتماعيًا وسياسيًا، على المرأة الفرنسية والأوروبية عمومًا من وجهة نظره أن تنتظر ألفي عام منذ الآن حتى تصل إليه. فلقد كانت تعامل من مجتمعها أنذاك ليس فقط كإنسان يتساوى مع الرجل في جميع مجالات الحياة حقوقًا وواجبات ولكنها كانت تتميز بالنظرة إليها ككائن من نورقادر على استلهام وامتلاك قدرات كبيرة خارقة ضرورية لاستمرار وتطور وجمال الحياة. ولعل ما عبر عنه الكاتب بالجانب النورانيفي وجدان المجتمع المصرى القديم للمرأة والذي مكنها من إنجازات غير عادية، هو ما يمكن أن نترجمه بلغتنا المصرية بالطاقة النضالية للمرأة المصرية التي ساعدتها على القيام بدورها المتميز مع الرجل على مدى عصور التاريخ وحتى الآن, فى مواجهة كل العقبات والأعاصير المعوقة لتطور المجتمع من تخلف واستعمار وظلم واستغلال, مواصلة نضالها من أجل حماية أسرتها وحرية وطنها وتقدم مجتمعها، مقدمة ما لا يمكن رصده وحصره من صور البطولة والتضحيات على جميع الأصعدة الوطنية والطبقية والفكرية من خلال طلائعها ورموزها في كل مرحلة تاريخية.”

مقدمة أيضًا من خلال ملايين النساء البسيطات, الوجه المشرق والمصحوب في الوقت نفسه بالإرادة الحديدية للإنسان المصرى المنتج الكادح كفلاحة وعاملة وموظفة وربة بيت, القادرة في كل الظروف ورغم أشد التحديات, على أن تحمي في أحضانها الدافئة ليس فقط أبناءها وأسرتها ولكن أيضًا حلم الإنسان المصرى بالعدل والحرية والكرامة.

المرأة.. والثورات المصرية

ليس من الصعب على أى باحث أو مهتم أن يدرك أن المرأة المصرية كان لها دائمًا في كل ثورات العصر الحديث دور ثلاثي مهم:

كونها أحد العناصر الأساسية للإرهاصات والمقدمات المبشرة والممهدة للثورة. المشاركة الجادة والفاعلة في أحداث وانتصارات الثورة. نضالها بعد قيام الثورة لانتزاع المكاسب الاجتماعية التقدمية، ليس فقط من أجل الدعم والتمكين لدورها الإيجابي الطبيعي, بل أيضًا من أجل حماية الثورة من القوى الرجعية.

فبالنسبة لثورة ١٩١٩

كان للمعركة الفكرية المجتمعية حول الحق الطبيعي للمرأة فى التعليم واحترام كيانها المستقل, – التي سبقت الثورة دور كبير في بروز فعالياتها النضالية ليس فقط كمشاركة في المعارك كمظاهرة ١٦ مارس التي استشهدت فيها العاملة حميدة خليل – ولكن أيضًا كقائدة لهذه المعارك، كما فعلت الفلاحة صديقة يوم ٢٣ مارس فى ميت القرشي“. وبعد الثورة تواصل نضال المرأة المصرية من أجل ألا تكون الحبرة واليشمكحجابًا على عقل وطاقة المرأة وليس على وجهها فقط, ومن أجل التوسع في حق المرأة في التعليم والعمل وكل حقوق الإنسان.

وبالنسبة لمعركة ١٩٤٦

التي إن كانت وفق المعايير التقليدية لا يعتبرها البعض ثورة, فهي في حدها الأدنى انتفاضة شعبية كبرى حققت الكثير من الانتصارات لمستهدفاتها في التحرر الوطني والعدالة الاجتماعية والديمقراطية السياسية، برز الدور الكبير للمرأة المصرية سواء في الإعداد لهذه الهَبَّة الشعبية العارمة ضد الاحتلال وحكومتى الاستغلال والطغيان (صدقي والنقراشى) بل والمشاركة الطبيعية في قيادة لجنة العمال والطلبة من خلال المناضلات: عنايات أدهم ولطيفة الزيات وفاطمة زكى وحكمت الغزالي, كنتيجة لتواصل نضال المرأة قبل الانتفاضة بكل سبل النضال المتاحة، وخاصة من خلال الانضمام إلى منظمات الحركة الشيوعية المصرية وتشكيل المنظمات الديمقراطية كلجنة فتيات الجامعة والمعاهد المصرية. كانت هذه الانتفاضة الكبرى دافعًا لهن لانتزاع المزيد من إمكانات التقدم السياسي والتقدم الاجتماعي والمشاركة الأكثر اتساعًا في تشكيل التنظيمات اليسارية وإقامة المؤسسات النقابية مثل رابطة العاملات في القطر المصرى“.

وبالنسبة لثورة ٢٣ يوليو

فلقد كان لخبرة نضال المرأة في انتفاضة ١٩٤٦ وما لحقها من دور سياسي واجتماعي, وراء نضالهن منذ قيام الثورة بحق المرأة المصرية في الانتخاب والترشيح للبرلمان كحق طبیعی لأي مواطن مصرى لدرجة الاعتصام فور قيام الثورة في مبنى قيادة مجلس الثورة, بقيادة الدكتورة درية شفيق. وإذ ناضلت طلائع النساء المصريات طوال الحقبة الناصرية ضد الاستعمار، وخاصة إبان العدوان الاستعمارى / الصهيونى على مصر عام ١٩٥٦، حيث برز دورهن الوطنى فى بورسعيد، ناضلن أيضًا ضد كل الجوانب السلبية, وخاصة حرمان الشعب من حقوقه السياسية والبرلمانية والحزبية, ودفعت كثير من بنات مصر المناضلات الغالى من حريتهن, وحياتهن هن وأسرهن ثمنًا لذلك النضال المشرف.

المرأة المصرية.. وثورة ٢٥ يناير

تعجب بعض المراسلين للصحف أو للقنوات التليفزيونية الأجنبية ممن لا يعرفون مصر الحقيقية جيدًا من نسبة مشاركة الشابات المصرية وجدية وفاعلية دورهن في اعتصام التحرير وأحداث ثورة ٢٥ يناير، وشجاعتهن الفائقة فى مواجهة جرائم الأمن والبلطجية ضد الثوار من الشباب العزل من أى سلاح سوى إيمانهن بقدرة الشباب والشعب المصرى على الإطاحة بالحكم التابع الفاسد وبحتمية سطوع شمس الحرية والكرامة لتظلل وتدفئ مصر. فهم ما كانوا لا يدركون أن هؤلاء الفتيات وزملاءهن هم من الفئات الفقيرة والكادحة أو من أبناء الطبقة المتوسطة التي عانت لعدة عقود من محاولات النظام الحاكم لتصفيتها والصعود بأقليتها إلى هاوية الفساد بكل امتيازاتها الطبقية والقذف بأغلبيتها إلى معاناة الإفقار والاحتياج وحد الكفاف مع باقي الطبقات الشعبية. وهم لم يكونوا مدركين أن الكثيرات من هؤلاء الشابات عانين سنوات طوال من أشد الأساليب الرديئة من بوليس هذا النظام لمجرد أن يرتفع صوتهن مع باقي الجماهير دفاعًا عن حق الشعب في الحرية, وحق الوطن في مقاومة التبعية لأمريكا والتطبيع مع العدو الصهيوني, وحق الإنسان المصرى في الكرامة والمقومات الرئيسية للحياة الكريمة. وما كان لهم أن يدركوا أن هؤلاء الفتيات الصغيرات مسكوناتبالقيم الوجدانية والنضالية التي أينعتها ثورات وانتفاضات وهبات الشعب المصرى على مدى التاريخ من أجل التحرر الوطني والعدالة الاجتماعية والديمقراطية السياسية, وملبوساتبأرواح صفية زغلول وسيزانبراوى وهدى شعراوى وعلية توفيق وثريا أدهم وسميرة موسى ونفيسة المراكبى.. وكل الرموز المشرفة للمرأة المصرية المناضلة على مر العصور. .. وانتصرت ثورة الشباب والشعب المصرى بأرواح الشهداء ودماء المناضلين في ٢٥ يناير ۲۰۱۱ .. ووفقًا للمتتالية الثورية (التمهيد الثورة النضال على جبهات جديدة)، فإن الحركة النضالية للمرأة المصرية، وهى تطرح على نفسها مهامها في المرحلة الجديدة، وتستعد لمواصلة الكفاح على جبهات جديدة فور احتفالها بالنصر وبعد أن تم تنفيذ البعض المهام من مستهدفات الثورة فوجئت برغم محدودية الحدث بصدمة ثقيلة الوزن, فمع احتفال المنظمات النسوية والحقوقية والحزبية في ميدان التحرير بيوم ٨ مارس بعيد المرأة العالمي, تأكيدًا لتواصل حركة الثورة والنضال, فوجئن بوجوه غريبة وكئيبة تحتل مساحات من هذا الميدان المخضب بدماء الشهداء, يمنعوهن من هذا الاحتفال متحرشين بهن ووصفوهن بأنهن مستباحات“. ومع ما سببه ذلك لهؤلاء المناضلات من صدمة وأسى، لكنه كان مفيدًا لتحديده المبكر لهن ولحركة النضال النسائي والمصرى عامة لمسار اتجاههن النضالي في مرحلة ما بعد ٢٥ يناير.

فليس هو مع أهمية ذلك مقاومة وكسر التمييز ضد المرأة وظيفيًا وسياسيًا، فالتطور الاجتماعى الطبيعي كفيل بذلك، ولكنه الأخطر كثيرًا من ذلك، إنه الفكرالذي يتنامى مجتمعيًا على عكس قانون التطور والذي وضعت جذوره منذ منتصف السبعينيات من القرن العشرين في مصر، من خلال تحكم نظام سياسي فاسد يشق طريقه بإهدار كل القيم الاجتماعية النبيلة للشعب المصرى من ناحية، ومن خلال الهجرة العشوائية لبلاد النفط والتمثل الشكلى بقيمها المتخلفة. إنه محاولة تهميش دور المرأة المصرية في المجتمع والتعامل معها بصفتها كائنًا متدنيًا من خلال رؤيتين، وإن اختلفتا من حيث الشكل فإنهما متفقتان من حيث المضمون:

الأولى: ترى أن المرأة عورة” – في جسدها ووجهها وشعرها وحتى صوتها وأن عليها أن تخفى عوراتها هذه, وأن الأفضل لها الانزواء داخل جدران البيوت المغلقة.

والثانية: تعتبر المرأة متعةللرجل وأنها ليست سوى سيقان وخصور ونهود عليها الحفاظ عليها وتجميلها . ذلك هو الخطر الحقيقى الذى يواجه المرأة وحركة التطور الاجتماعى فى مصر بعد وعلى الرغم من ثورة ٢٥ يناير النبيلة.

والنضال لوقف نمو بل واجتثاث هذا النبت الشيطانى الخبيث والمدمر, لن يكون وقفًا على الحركة النسائية المصرية التقدمية, ولكن بالأساس معركة كبرى وليست هيئة تقع على عاتق كل القوى الاجتماعية والمجتمعية الفكرية والحركية اليسارية والديمقراطية والوطنية المصرية, التي هي لذلك مستعدة، وعلى ذلك قادرة على الانتصار

شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي