المرأة بين التكيف الهيكلي ومبادرة الإصلاح

اعداد بواسطة:

 
رئيسة مجلس ادارة المتلقي تلقي كلمتها

ما صورة المرأة في مبادرات الإصلاح المطروحة حاليًا في المجتمع المصري؟ ومن المسئول عن تشكيل ملامح هذه الصورة؟ وهل هي بحاجة إلى التعديل والإصلاح؟ وما حدود هذا الإصلاح؟ وهل تتماشى هذه الحدود مع طموحات وواقع صاحبة الصورة، ودورها في الإصلاح المطلوب؟

هذه كلها تساؤلات ترتبط بأي خطاب إصلاحي مهما كان موضوعه، تساؤلات تدور حول المطلوب إصلاحه ولماذا يجب إصلاحه، وكيف؟

وقضية مبادرات الإصلاح صارت قضية الكثير من المهمومين بقضايا الوطن، وفي مبادرة اتخذها ملتقى تنمية المرأة بالتعاون مع مؤسسة فريدرش إبرت، حول وضع المرأة في مبادرات الإصلاح طرحت كل هذه التساؤلات بهدف وضع مشروع للمستقبل ينبع من واقع احتياجات النساء المصريات العاملات والمثقفات، والبحث عن المصالح المشتركة بينهن واستخلاص آليات للدفاع عن هذه المصالح. وناقشت الورشة عددًا من الموضوعات المهمة منها الرؤى المختلفة لأوضاع النساء في المبادرات تقييم هذه الرؤى” “النساء في التركيب الاجتماعي الجديد” ” النساء في المبادرات المحلية والإقليمية وتقييم الطرح“. “وتحدث د. أحمد الصاويالأمين العام لمؤسسة قضايا المرأة المصرية حول وضع النساء في التركيب الاجتماعي الجديد قائلاً: “بعد تبني الدولة لسياسة التكيف الهيكلي أصبح أكثر المتضررين من هذه السياسات هم الأجيال الجديدة والمرأة، وخاصةً فيما يتصل بالنفاذ إلى فرص العمل.

ووفقًا لما جاء في تقرير الأوضاع الإحصائية للمرأة المصرية الصادر عن المجلس القومي للمرأة، فإن النساء أكثر فئات المجتمع تأثرًا بالأوضاع السلبية لسياسات التكيف الهيكلي، فإذا كانت البطالة أحد المعالم المصاحبة لتطبيق سياسات التكيف ذات الطابع الانكماشي، فإنها حسب الإحصاءات تكاد أن تكون ظاهرةً نسائية، فنسبة البطالة بين النساء تبلغ حوالي أربعة أضعاف النسبة بين الرجال، حيث تصل إلى حوالي ٢٣% حسب إحصاءات عام ٢٠٠١ ، كما يبدو تأثر النساء تجاه سياسة التكيف الهيكلي واضحًا إذا ما عرفنا أن نسبة البطالة بين النساء كانت ۱۱% عند بداية تطبيق سياسات التكيف (إحصاء عام ١٩٤٨) وقفزت في عام ٢٠٠١ إلى أكثر من الضعف.

ويرجع ذلك في حقيقة الأمر إلى تدني مستوى التشغيل في القطاعين الحكومي والعام، كما يفضل أرباب الأعمال منح فرص العمل الجديدة للرجال دون النساء، وبالتالي فالفرص التي تتوافر لعمالة النساء في القطاع الخاص تظلُّ أقل أجرًا وبدون ضمانات تقريبًا، وهو ما دفع العديد من النساء من حملة المؤهلات إلى رفض العمل لعدم تناسبه مع مؤهلاتهن، فضلاً عن تأثير الخصخصة في انخفاض مشاركة المرأة في قطاع العمل العام.

وعن توزيع قوى العمل بين النساء يضيف د. الصاوي: أن أهم ما يلاحظ أن النساء اللاتي يشكلن نصف عدد السكان تقريبًا تتعدى مساهمتهن في قوة العمل ٢١%. ويعكس التوزيع القطاعي لعمالة النساء حقيقة هذا التدني في نصيب النساء في سوق العمل، ففي عام 1998/ لم تتجاوز نسبة عمالة النساء في القطاع الخاص ۱۲% علمًا بأنه يستقطب الجزء الأكبر من معدت التشغيل، في حين تراجعت نسبة عمالة النساء في القطاع العام لتصل إلى 16% فقط، حيث يعتبرن بذلك الأكثر تضررًا من عمليات الخصخصة وبيع القطاع العام.

وبالنسبة للقطاع الحكومي فإن نسبة العمالة النسائية تصل بالكاد إلى ٢٦% مع الأخذ في الاعتبار أن هذه النسبة مقارنةً بالرجال لا تعني شيئًا في ظل تراجع نسب التشغيل في القطاع الحكومي، وتشير الإحصاءات إلى أن نسبة المشتغلين من النساء في القطاع العام وقطاع الأعمال قد واصلت انخفاضها لتصل إلى 3.3%، بينما زادت هذه النسبة في القطاع الحكومي لتصل إلى 9.41%، وهو ما يعكس رغبة النساء في الالتحاق بأعمال تحترم حقوقها الإنجابية ولو كان ذلك على حساب الحصول على أجور مرتفعة، حيث يتميز القطاع الحكومي بانخفاض رواتبه، وقبل أن نغرق في موجة من التفاؤل يحسن أن نشير إلى أن 77% من النساء يعملن في القطاع التقليدي (الزراعة والخدمات) بينما لا تشكل النساء سوى ۲۳% من عمالة القطاع المتقدم (الصناعة والتجارة والبنوك)، ويلاحظ أن عمالة المرأة في قطاع الخدمات قد تضاعفت تقريبًا من ٢٤% عام 1984، إلى 45% عام٢٠٠١ وهو ما يعني زيادة نسبة تركيز النساء في القطاع الخدمي التقليدي.

والحقيقة أن ذلك أيضًا يعد من المؤشرات السلبية في ظل توجه سياسات التكيف الهيكلي نحو تخفيض الإنفاق العام على الخدمات، وهو ما يعني أن الغلبة للنساء في هذا القطاع لا تعكس تزايدًا إضافيًا في أعداد النساء بقدر ما تعكس تزايدًا نسبيًا في مواجهة الرجال الذين يغادرون هذا القطاع باستمرار بحثًا عن عمل يدرُّ دخلاً أكبر، مع التدهور المستمر في الميزانيات المخصصة لقطاع الخدمات وتتجلى تحيزات نتائج التكيف الهيكلي ضد النساء فيما يتصل بمقدار التساوي في الأجور النقدية، بينما يظهر تساوي هذا المتوسط للعاملين في مشروعات القطاع العام وقطاع الأعمال العام لكل من الذكور والإناث (۱۷۱ جنيهًا الأسبوع) يرتفع متوسط أجر الذكور عن الإناث في القطاع الخاص بحوالي 33 جنيهًا أسبوعيًا (١٤٤جنيهًا مقابل ۱۱۱ جنيهًا) ويبقى أن نشير إلى أن النساء هن الضحية الأولى لسياسات التكيف الهيكلي ولا سيما على صعيد تراجع التزام الدولة بتقديم الخدمات الصحية التي تحتاجها النساء أكثر من بقية السكان بحكم وظائفهن الإنجابية، وكذلك مستوى تقليص العمالة وتحديد الأجور في القطاعين الحكومي والعام، ليس فحسب لحرمانهن من فرص العمل، ولكن أيضًا بسبب انتشار البطالة بين الرجال وتدني رواتبهم، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى ارتفاع نسبة النساء المعيلات من سنة إلى أخرى، دون أن تواجه سياسات التكيف الهيكلي هذا التحول بتوفير التعليم والتدريب اللازمين لدخول سوق العمل.

وبالتالي فإن الطابع اللا إنساني لسياسات التكيف الهيكلي وإهمالها التنمية والتشغيل لصالح تحقيق التوازنات النقدية يكاد يسلب المرأة ما حققته من مكاسب، ولا سيما في مجال التعليم، الأمر الذي يستوجب من فعاليات المجتمع المصري التوقف من أجله مراجعة حصيلة تطبيق سياسات التكيف الهيكلي في السنوات الماضية، وكبح جماح التقديس لمفردات هذه السياسة بحثًا عن حلول محلية تعيد التوازن المفقود بين الآمال والطموحات وبين الإمكانات والسياسات المعمول بها.

 

مشروع للحركة النسائية

كما تحدثت فريدة النقاش، رئيسة مجلس إدارة ملتقى الهيئات لتنمية المرأة، حول النساء والإصلاحمؤكدة على أن بعض المبادرات فيها استخدام للنساء وليس بحثًا في قضايا النساء الحقيقية، وإنما محاولة استخدامهن كأداة سياسية، مثلاً المبادرة الخاصة بجماعة الإخوان المسلمينو الحزب الوطني، كما أضافت أن ما ينقص الحركة النسائية المصرية هو مشروع متكامل خاص بها تنتجه في ضوء واقعها، وفي ضوء احتياج ملايين النساء، ومناقشة انتقاص حقوق المرأة في 6 قوانين قانون العمل الموحد، قانون الجنسية، قانون الأحوال الشخصية، قوانين الضرائب قوانين المعاشات، قوانين التأمينات بهدف استخلاص خطوط عامة مشتركة، أو وثيقة تستطيع الحركة النسائية أن تناضل على أساسها دفاعًا عن حقوق النساء، ومن أجل تحسين أوضاعهن المتردية، كما أضافت أننا إذ نرفض تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في شئوننا بزعم الدفاع عن الديمقراطية أو تمكين المرأة من محاربة الأصولية وتحديث التعليم، وهي قضايا جوهرية في عملنا، نعتبر الإصلاح، بل التغيير ضرورة وطنية في قلبها تغيير أوضاع ملايين النساء إلى الأفضل، ولكنا نحرص أيضًا على ألا يكون رفضنا للتدخل الأجنبي مبررًا لإبقاء الحال على ما هو عليه، وكانت المبادرات الخارجية مناسبةً لكي تعيد القوى الإقليمية والوطنية طرح مشروعاتها وتجديدها وتسليط الأضواء عليها، وانتزاع هامش ديمقراطي أوسع للوصول بها إلى الجماهير صاحبة المصلحة، فإن الإصلاح ليس مجرد مسألة فنية، بل خيارات سياسية واقتصادية واجتماعية في المقام الأول. وتحتلُّ قضايا النساء مواقع متباينة في مبادرات الإصلاح العالمية والمحلية، وإن كانت هناك مبادرات منها أفردت مساحة كبيرة لهذه القضايا، مثل خطة مجموعة الثماني للدعم في الشرق الأوسط الكبير التي طورت مبادرة الرئيس بوش، وأدخلت تعديلات عليها في قمة الدول الثماني الكبرى، واستفادت إلى حد كبير من تقرير التنمية الإنسانية في الوطن العربي، الذي أصدره البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، ووثيقة الإسكندرية، ووثيقة الاستقلال الثاني للمنتدى المدني العربي الأول الموازي للقمة العربية، ووثيقة الحزب الوطني، ومبادرة الإخوان المسلمين ومشروع برنامج التغيير الديمقراطي في مصر لحزب التجمع.

المشترك لا ينفي اختلاف

إن المرأة موجودة كمكون رئيسي في هذه المبادرات، تستكمل د. أمال طنطاويأستاذ بكلية الآداب جامعة القاهرةالحديث حول المبادرات المحلية، تقول: إننا أمام عدد من مبادرات الإصلاح تنتمي إلى قوى سياسية واجتماعية مختلفة، فهناك مبادرة الحزب الوطني الحاكم، وحزب التجمع، وجماعة الإخوان المسلمين، ثم مبادرة عدد من منظمات حقوق الإنسان، أي أننا أمام مبادرات تتفاوت مواقعها من السلطة، ما بين مبادرات الحزب الحاكم القابض على السلطة إلى حزب التجمع المعارض، إلى جماعة الإخوان المحظورة قانونًا، إلى مؤسسات المجتمع المدني التي تحاول استغلال هامش متاح من حرية الحركة والفعل وعلى الرغم مما قد يبدو من تناقض بين هذه الخطابات بحكم انتمائها إلى قوى سياسية واجتماعية مختلفة، إلا أن هناك قاسمًا مشتركًا بينها فيما يتعلق بقضايا المرأة في المجتمع، وإن كان المشترك ينفي وجود اختلاف. وتنطلق مبادرة الإخوان من النظر إلى المرأة ككائن طاهر كرمه الله وخاطبه كما خاطب الرجل، وإن كانت هناك قوامة للرجل على المرأة فهي، وبنص القول، قوامة محصورة في مسائل المشاركة الزوجية فقط – وهي قوامة مودة وتراحم في مقابل مسئوليات يتحملها الزوج“. في الوقت الذي تسعى فيه هذه المبادرات لاستقطاب النساء عبر وصفهن بالطهر المطلق، تحاول أن تقصي النساء عن المجال العام بوضع محاذير غائمة على وجودهن في هذا المجال، فتتحدث المبادرة عن حق المرأة في تولي عضوية المجالس النيابية، ولكن في نطاق ما يحفظ لها عفتها وحياءها وكرامتها دون ابتذال. فماذا يعني حياء المرأة حين تعمل بالمجال العام، وما الذي يخدش عفتها وكرامتها حين تدخل حلبة الصراع السياسي؟

كلها تساؤلات بحاجة إلى إجابات علمية تستند إلى واقع المرأة في المجتمع، ثم تأتي المبادرة للقضية المهمة والتي تعطي للمرأة الحق في تولي الوظائف فيما عدا حكم الإمامة الكبرى“.

ثم إذا كان الإخوان يقرون بضرورة وجود المرأة في المجال العام، فهل يحق لنا التساؤل عن حجم ونوعية مشاركة النساء في جماعة الإخوان المسلمين؟ إن خطاب الإخوان خطاب مراوغ فيما يتعلق بالمرأة يمنع ويمنح في الوقت ذاته، يستقطب ويقصي نساء من المجال العام، ويتجاهل أخريات يعشن في سياقات قهرية اقتصادية واجتماعية وثقافية.

وجاءت مبادرة الوطني ردًا على ضغوط دولية وداخلية بضرورة الإصلاح، وكانت المرأة جزءًا من هذه المبادرة وإن كان الحديث عنها جاء في سياق الحديث عن الأسرة، وكان المرأة لاوجود لها إلا داخل الأسرة، وتجاهلت المبادرة كل مشاكل المرأة المصرية، وركزت كل اهتمامها على الأسرة في لحظة انهيارها ولم تهتم كثيرًا أو قليلاً بأسباب هذا انهيار وبالنسبة لمبادرة التجمع فتقول د. أمال: إنها تختلف عن مبادرة الإخوان: حيث تقدم تحليلاً عمليًا لواقع المرأة في المجتمع وخاصة الطبقات الدنيا، ولأن التجمع معني بهذه الشريحة أغفل طبقة أو شريحة أخرى من النساء تلعب دورًا سلبيًا في الحركة النسائية، فمبادرة التجمع تذكر أن المرأة في العموم مضطهدة، وهذا قد يكون مرفوضًا من كثيرين.

وتأتي إلى المبادرة الأخيرة وهي مبادرة مجموعة منظمات حقوق الإنسان والتي تتجاوز المطاف لإنجاز حقوق الإنسان، بل تشير إلى الهوة الواسعة بين الواقعه المعيشي لغالبية النساء وبين اعتراف بكون حقوق المرأة جزءًا أصيلاً لا يتجزأ من منظومة حقوق الإنسان، ومن ثم ترى أن المساواة الحقيقية بين النساء والرجال تتجاوز المساواة القانونية ومراجعة المناهج التعليمية، وكذلك الخطاب الإعلامي، كما تدعو المبادرة إلى توفير الفرص المتساوية بين النساء والرجال في المشاركة السياسية. بينما أكدت د. ثريا عبد الجواد، أستاذة علم اجتماع بكلية الآداب جامعة الزقازيق، أن مبادرة الإسكندرية وثيقة تمثل التعبير الرسمي عن مبادرة الإصلاح، أي جاءت كردة فعل لمبادرة الدول الثماني دون تحليل مسبق حول كيفية إصلاح أوضاع المرأة في المجتمع، أو أهم المشاكل التي تواجه المرأة. وفي النهاية لنا أن نؤكد أهمية موضوع الندوة، فهي تناقش قضية مهمة يجب الانتباه إليها وهي وضع المرأة في المبادرات والتي تعكس احتمالات ما سيكون عليه وضع المرأة في المستقبل، فهل لنا أن ننتبه ونتصور ونسعى لوضع أفضل.

الحزب الوطنى: وجود للمرأة خارج الأسرة

الإسكندرية: مجرد رد فعل لمبادرات الخارج

الإخوان: خطاب مراوغ بشأن المرأة

التجمع: أغفل طبقة من النساء

شارك:

اصدارات متعلقة

أسئلة وأجوبة بشأن الوقاية من كوفيد 19 ومكافحتها للعاملين /ات في مجال الرعاية الصحية
الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي