المرأة والحضارة:

تاريخ النشر:

2010

المرأة والحضارة:

سيرة المرأة في التاريخ الإسلامي

نعرض اليوم مجلة نظرية باسمالمرأة والحضارةصادرة عن جمعية دراسات المرأة والحضارة، وهي منظمة نسائيةتهدف إلى إصلاح واقع المرأة وإنصافها إضافة إلى حماية الأسرة والبناء الاجتماعي؛ حيث تتبنى الجمعية مبدأ أن المرأة مدخل أساسي من مداخل التغيير والإصلاح الاجتماعي والتنمية“. كما يشير غلاف المجلة إلى أنهانشرة متخصصة في دراسات المرأة المسلمة“. يتكون هذا العدد من المجلة 196 صفحة باللغة العربية إلى جانب ست صفحات عبارة عن ملخصات لبعض ما جاء في المجلة باللغة الإنجليزية. هذا، ويضم العدد الذي يدور حول سيرة المرأة في التاريخ الإسلامي مجموعة من الأوراق البحثية، ومائدة مستديرة، وتعقيبًا على ملف العدد، وبابًا بعنوان اقتراباتوضم كذلك بابًا وثائقيًا بعنوانمن التراث“. الباب الخامس عبارة عن عروض كتب، يليه متابعات ثم فعاليات، وأخيرًا ركن أدبي. سوف نركز في عرضنا هذا على الأبواب الثلاثة الأولى للمجلة، أي البحوث، والحلقة النقاشية وما جاء من تعقيب عليها، وعلى الاقترابات المتعلقة بالبحث التاريخي في السير.

هناك تسع أوراق بحثية سوف نتناولها بإيجاز في السطور التالية. المقال الأول حولسيرة المرأة في التاريخ الإسلامييبدأ بتعريف أهمية السير والتراجم عند المسلمين بصفة عامة ثم ينتقل إلى سيرة النساء حيث يؤكد أنها أخذت حقها في التاريخ الإسلامي. ونظرًا لأن كاتبة هذا المقال هي محررة العدد، فإنها تعرض باختصار أهم ما جاء في مقالات العدد.

يتناول مقالبيعة النساء: نقطة التحول في السيرة السياسية للمرأة في صدر الإسلامالدور السياسي للنساء قبل وبعد الإسلام؛ إذ تذهب الباحثة إلى أن المرأة لعبت قبل الإسلام أحد ثلاثة أدوار: إما محركة للفعل، أو مفعول بها أو فاعلة. أما المرأة المحركة للفعل أو الفاعلة (في أحيان قليلة)، فكانت من علية القوم، بينما المرأة المفعول بها من عامة الشعب. عندما جاء الإسلام، وبعد ظهور الدولة – أي ليس خلال السنوات الأولى من الرسالة المحمدية – تم إرساء مبدأ البيعة بمعنىالعهد والميثاق، الذي لا يقتصر على المعنى الديني ولكنه اتخذ معنى سياسيًا؛ أي الالتزام بالنظام السياسي أو الدولة الإسلامية. تشير الكاتبة إلى أن النساء شاركن في عديد من البيعات من أهمها ما عرف ببيعة النساء، في تحليلها لنص هذه البيعة الأخيرة، ترى الباحثة أن البنود الواردة في البيعة لها مدلول مهم: فتبدأ البيعة بالتوحيد، ثم يشترط تجنب السرقة، والزني، وقتل الأولاد والبهتان الذي يفسره البعض بأنه عدم قيام النساء بنسب لأزواجهن غير أولادهم، ويشير إليه البعض الآخر بأنه الكذب، أما التفسير الذي تختاره الباحثة فهو عدم ارتكاب أي إثم بالمعنى الواسع للكلمة؛ ثم تأتى الطاعة كأحد أركان البيعة. عند قراءتها للدلالات السياسية لبيعة النساء، ترى أنها تدل على المساواة بين الرجل والمرأة، والاعتراف بأهلية النساء، وحثهن على طلب العلم ثم تبحث ما إذا كان للبيعة أثر على الدور السياسي الذي تلعبه النساء، فتجد أنها كانت“.. بمثابة الفاتحة والقانون الذي شرع للدور السياسي للمرأة في الإسلام“.

البحث التالي بعنوان“‘الخارجات‘ الداخلات على ملوك بني أمية، وفيه ترى الباحثة أن المرأة تأثرت سلبيًا – كما حدث للجميع في هذه الفترة في ظل الدولة الأموية؛ وترجع ذلك إلى أصول تاريخية أبعد من الدولة الأموية، وهي هيمنة الثقافة البدوية إلى حد كبير بين الذين دخلوا في الإسلام منذ عصوره الأولى، وهو ما تعمق أكثر بعد وفاة النبي، وهي الثقافة التي لم يكن للمرأة فيها مكان في الحياة العامة؛ هذه العقلية تنطبق على الرجال والنساء على حد سواء؛ مع ذلك، مارست النساء الأدوار العامة في عهد الخلفاء الراشدين، فقد شاركن في صناعة القرار وبقدر أقل في الإدارة. أما عند الأمويين، فقد تشكل مفهوم السلطة على العناصر التالية: الجبر والقدر بدل الاختيار لتبرير الاستبداد وأخطاء الحاكم، وربط السلطة بالابتلاء والصبر والطاعة بدلاً من العدل وهو ما تم تعميمه ليمتد من السلطة الدينية إلى ممارسات باقي المجتمع، وبطبيعة الحال كانت النساء من أهم الضحايا عن طريق الإكراه والعنف، وتهميش الشورى، ووصاية الإمام على الأمة. من اللافت للانتباه أن الورقة تقولنادرًا ما نجد للمرأة سيرة متكاملة في التاريخ الإسلامي باستثناء رموز بارزة كزوجات النبي وبناته.. لكن حتى هؤلاء النساء فإن سيرتهن تبدو منقطعة تتوهج حينًا وتخبو وتتلاشى أحيانًا أخرى“. ومع ذلك، فهي ترفض التفسير النسوي الذي يرى أن التاريخ يصيغه الذكور، وإنما يعود من وجهة نظرها إلىحياتها المرتبطة بالأسرة في المقام الأول والتي عليها الانتقال المستمر بين الدورين العام والخاص؛ وعمومًا، نظرًا لندرة ما كتب عن النساء واقتصاره على الأحداث الكبيرة، فقد كان لها الرجوع إلى مصادر ثانوية مثل البلاغات (بمعنى جمع بلاغة) مع كل القصور المرتبط بهذا المصدر. وأخيرًا تتناول دور النساءالخارجيات” (أي المنتميات إلى الخوارج)؛ فقد لعبن أدوارًا مهمة وشجاعة كمحرضات على العصيان، ومع أنه لا توجد نصوص واضحة في هذا الشأن، فإن الباحثة تستشعر أنه من المنطقي أن يكن قد شاركن في القتال أيضًا.

الورقة البحثية الثالثة هي حول النساء الفقيهات، حيث تشير إلى إنهن مارسن جميع وظائف الفقهاء. بعد أن تقدم عرضًا للمصادر التي استقت منها المعلومات تتناول ثلاثة أجيال من الفقيهات: الجيل الأول أو جيل الرائدات في العراق (2 إلى 7 هـ) والتي كان من بينهن من يحضر جلسات الأئمة المؤسسين للمذاهب، کما عملن بالإفتاء، والتدريس، واشتغلن بالوعظ. أما الجيل الثاني المرتبط بمصر والشام (6 إلى 10 هـ) فهو يشهد أوج اشتغال المرأة بالفقه حيث فقن سابقاتهن وعملن في المجال العلمي والاجتماعي والسياسي، وكن جزءًا لا يجزأ من مجتمع العلماء، وهو ما تستدل عليه بتخصصاتهن وألقابهن ووظائفهن. وكانت علاقة القرابة في خدمة النساء الفقيهات، فقد انتشرت أسر بأكملها تعمل بالفقه، وكانت النساء يتوارثن العلم مثل رجال تلك الأسر، ولكن انتماءهن الأسرى لم يفقدهن الاستقلالية في اختيار المذهب. كذلك تتلمذت الفقيهات على أيدى كبار الأئمة، فكن تلميذات وأستاذات في الوقت نفسه، وقمن في كثير من الأحيان بتأليف الكتب العلمية، وهناك من ارتحل منهن طلبًا للعلم؛ كما أتاح امتهان الفقه لهن فرصة ممارسة وظائف اجتماعية منها الوعظ والإفتاء إلى جانب التدريس. والجيل الثالث مـن الفقيهات (11-13 هـ) يشهد أفول نجم اشتغال النساء بالفقه حيث يختفى ذكر النساء من المصادر، فاكتفين بالتأليف ووقف الأوقاف.

يجيء بعد ذلك مقال بعنوانسيرة المتصوفات في التاريخ الإسلامييشير إلى تبلور التصوف في القرن الثاني الهجري، وتدور الدراسة حول محاور متعددة تحتوى على ما يلي: أولاً: تطور المتصوفة عبر التاريخ الإسلامي، حيث وجدت الباحثة نوعًا من الثبات عند التعرض للمتصوفة سواء كان ذلك في كتابات القرن الثاني أو القرن السابع الهجرى مع تجاهل الأبعاد العلمية والاجتماعية والسياسية لشخصية المتصوفة؛ ثانيًا: تتساءل الكاتبة لماذا افتقر التاريخ الإسلامي إلى مدارس صوفية نسائية، فهل يعود ذلك إلى تجاهل المؤرخين أو إلى تقاعس تلاميذ هؤلاء المتصوفات. كما تتساءل هل كون أغلبية تلاميذ المتصوفات من النساء قد حال دون تأسيس مدارس لأسباب ثقافية واجتماعية؟ ثالثًا: يبحث المقال في الحياة الاجتماعية للمتصوفة كامرأة مسلمة، زوجًة وأمًا، فتجد أنهن استطعن التسامي عن واقعهن رغم ماديته.

البحث التالي يتناول سيرة المرأة في القصص الشعبية والأساطير العربية؛ ففي القصص الخيالية ذات الأصل التاريخي، نجد وضع المرأة عالية الشأن، تلعب دورًا سياسيًا معلنًا وإن حاولت بعض الأساطير إضفاء الشر على هؤلاء الملكات أو الأميرات؛ ومع ذلك، هناك علو لوضع المرأة وقيامها بأعمال خالدة دفاعًا عن بلدها. وعلى الرغم من ذلك يبرز في بعض الأساطير صعوبة تولى النساء أمور الحكم بمفردهن واستعانتهن بالرجال. أما القصص الخيالية فهي تركز على علاقة المرأة بالرجل حيث يكون هدفها النهائي الإبقاء على هذه العلاقة؛ كذلك تتكرر فكرة كيد النساء وخيانتهن، كما تعكس هذه القصص فكرة أن الذكاء والعلم معيار لاتخاذ زوجة،ولكن كعادة هذه القصص فإن سيرة المرأة تنتهى باختيارها كزوجة، فلا تعمل المرأة على تطوير موقع خاص بها في هذا العالم كعالمة أو فقيهة على سبيل المثال“. وتذهب إلى أنه ربما تكون القصص والاساطير من أكثر المصادر التي يتم فيها ذكر النساء سواء بطريقة فردية أو جماعية مع ملاحظة أن المرأة بالمعنى الذكوري البطولي تظهر في الأساطير ذات الأصول التاريخية بينما تكون في القصص الخيالية امرأة مستضعفة أو تقليدية تلجأ للمكر من أجل تحقيق أهدافها. كما تلاحظ أن هناك بعض التشابه بين الأساطير العربية وغير العربية التي تربط بين المرأة ومفاهيم مثل: المكر والدهاء والشرف ووجوب الحفاظ على العذرية.

الرجل في الشعر النسائي العربي القديم، أي كيف كان وعي النساء بأنفسهن، ووعيهن بعلاقتهن بالرجال، وموقعهن من التقاليد الاجتماعية هو ما تسعى هذه الورقة إلى الإجابة عنه. ففي مجال شعر الغزل والحب تشير الباحثة إلى وجود حصيلة ضخمة من الشعر النسائي حيث تعلن النساء حبهن للعاشق حتى وإن كن متزوجات من آخر؛ ومع ذلك تحذرنا من الاعتقاد بأن العرب كانوا يجيزون للنساء الحق في الحب وإعلانه؛ كما تجد أن هناك اختلافات كبيرة بين الشاعرات العربيات اللاتي عشن تجارب حب حقيقية والشاعرات من الجواري اللاتي اختلفت نظرتهن للحب وللرجل. وتشير إلى بروز وعى أنثوى مرتفع واعتداد بالنفس وندية مع الرجال لدى الشاعرات الأندلسيات. كما وجدت بين الشاعرات من هجت الحبيب أو الزوج؛ أما فيما عدا الغزل والهجاء، فقد ألفت الشاعرات شعرًا للاحتيال به على الرجال من أجل استرداد الحق.

أما البحث التالي، فهو عنذكر المرأة في حكايات العرب عن مصر، إذ ارتبطت مصر في ذهن العرب ببعد أسطوري، فاختلط في الحكايات الواقع بالخيال. يكشف التعرض لسيرة النساء في تاريخ مصر كما وصفه المؤرخون العرب عن صلة الرحم التي ربطت مصر بالعرب منذ سيدنا إبراهيم حينما تزوج بالسيدة هاجر وهو ما جعل المصريينأخوالاًللعرب في المفهوم الشعبي. کما نجد الملكات تحتل حيزًا كبيرًا في تلك القصص التي تنسب إليهن كثيرًا من الإنجازات، كذلك يلعبن أدوارًا تعليمية وعمرانية مهمة، فالدور العمرانييتسع ليعكس دورًا تعليميًا محددًا وموجهًا من قبل صاحبة العمارة التي تمتلك تصورًا أو رؤية بعينها“. من خلال،سيرة زينب بنت الزهراء، يتناول بحث بعنوانقبلة الأنظار لمختلف مذاهب الإسلامالاهتمام المحوري الذي أثارته سيرة السيدة زينب؛ فهو يسعى إلى تحديد كيف تناول المؤرخون من أهل السنة والجماعة والشيعة سيرتها؛ ثم كيف استخدم المؤرخون المحدثون سيرتها لأهداف دينية وسياسية. فيما يتعلق بالسؤال الأول، فإن مؤرخي الدولة العباسية لم يتجرأوا على تناول سيرة السيدة زينب كما ينبغي في كتاباتهم بسبب الضغائن السياسية؛ أما مع ضعف الدولة العباسية، فقد استعادت السيدةزينبسيرتها حيث كان المؤرخون أكثر تحررًا من سلطة الدولة، وهو ما برز بوضوح أثناء حكم الدولة المملوكية في مصر والشام، وتشير الباحثة إلى أنه ربما كانت الهجمات التترية والصليبية التي تعرضت لها الأمة الإسلامية دافعًا لعودة سيرة السيدة زينب كرمز للصمود والجهاد. وتخلص إلى أنه كانت هناك عناصر ثابتة في هذه السيرة عند أغلب المؤرخين، حيث كانت مشاركتها في واقعة كربلاء وخطبتها في الكوفة وخطبتها في الشام من العناصر الثابتة، بينما تم تجاهل بعض العناصر الأخرى أو ابتسارها، مثل ميلادها وتاريخ طفولتها. أما فيما يتعلق بالمؤرخين المحدثين، فقد اهتم المؤرخون من الشيعة العرب باسترجاع سيرة السيدة زينب، متخذينها رمزًا سياسيًا واتخذوا جميعًا موقعة كربلاء كنقطة محورية في حياتها. كما استهدفت تلك الكتابات جعلها رمزًا للنساء تستهدى به النساء الشيعيات، وفي سبيل جعلها قدوة للنساء سعوا إلى رسم صورة بعينها لها، مما تطلب تجاهل بعض جوانب حياتها، مثل سفرها من الحجاز للعراق وثورتها في المدينة. كذلك استهدفت المصادر الشيعية توظيف هذه السيرة لتفعيل قيمةنصرة الحقالتي تمثل قاعدة أساسية في الفلسفة الشيعية. أما في عيون مصر، فقد احتلت أم هاشم (التسمية الشعبية لها) مكانة رفيعة في قلوب العامة والنخبة على حد سواء، وهي ليست رمزًا دينيًا أو سياسيًا بالنسبة إليهم وإنما هي بالأساس مصدر للدين والبركة. تكشف لنا الورقة الكم الهائل من الكتابات التي كتبت حولها من جميع المذاهب ومدى الاهتمام الذي دار حولها بفضل صفاتها الحميدة وكونها مصدرًا للإلهام الروحي، ورمزًا سياسيًا للبعض.

ننتقل إلى الحلقة النقاشية بعنوانسيرة المرأة المسلمة: الخصوصية التاريخيةوالتي عقدت بناء على ورقة خلفية طرحت عدداً من القضايا هي: 1) موضع السيرة من علم بوجه عام، وتاريخ المرأة المسلمة بوجه خاص، حيث اتفقت الباحثات على الاعتماد بشكل يكاد يكون كاملاً على السيرة والترجمة كوحدة للتدوين بهدف تجاوز معضلة غياب أي تدوين لتاريخ المرأة يجمع الأحداث المجردة لفاعليات النساء، حيث تصل فقط السير المجزأة لهن. 2) السيرة بين المفهومين الشخصي والجماعي، وقد توصلت الحلقة إلى أنه يمكن توسيع مفهوم السيرة ونقله من مجالات استخدامه التقليدية (السيرة النبوية، السيرة الخاصة بالآحاد، السيرة الشعبية) إلى السيرة الجماعية لفئات بعينها مع ربطه برصد علاقة الجماعة بالإطار الكلي الأوسع. 3) السيرة ومساحات الحقيقة والخيال؛ وهنا تمت مناقشة مصداقية المصادر التاريخية ومساحة الحقيقي وغير الحقيقي فيها، أو المقال والمسكوت عنه؛ وقد تمت بلورة عدة مقترحات خاصة بضبط مصداقية التعبير التاريخي، منها تعدد المصادر حول سيرة الشخص الواحد فيما اختلفت إحدى الباحثات هذه الفكرة، فليس بالضرورة كل ما يتفق عليه مع المؤرخون صادق تمامًا، كما رأت إحدى الحاضرات أن المؤرخ الذي يتوخى ذكر سلسلة الرواية أو السند قبل ذكر متن السيرة هو الذي يفتح الطريق أمام تقييم مصداقية المتن. 4) موقع السيرة الشعبية من التاريخ الواقعي للنساء؛ فالسيرة الشعبية والملاحم هي جانب آخر من مساحات الخيال، ولكنها تعبير عن الخيال العام الذي يتعدد المعبرون عنه ويستترون في الوقت نفسه فلا نعرف شخوصهم؛ هذا وقد انقسمت الحاضرات إلى فريقين: فريق يؤيد تضمين السيرة الشعبية في التاريخ على اعتبار أن مؤلف السيرة الشعبية وإن تدخل بخياله في كتابة السيرة لكنه استمد الكثير مما رسمه خياله من وقائع حقيقية؛ بينما رفض الفريق الثاني هذا التوجه ورأى أن عملية التأريخ للنساء لا بد وأن تتوخي الدقة العلمية فلا تستند سوى للمصادر التاريخية الممنهجة على نحو يتسم بالمصداقية. 5) خصائص الوجود التاريخي للمرأة، أي أن خصوصية وجود المرأة المسلمة على الساحة التاريخية تنبع من عدة عناصر أهمها خصوصية الوجود الاجتماعي للمرأة ذاتها، ومحورية الدور الخاص في حياتها في مقابل تباين ثقل ومساحة الاهتمام والتفاعل العام للمرأة لاعتبارات زمنية أو شخصية أو وظيفية وظرفية. أخيرًا تناولت الحلقة النقاشية قواعد وخلاصات حول أهداف ومناهج التعامل مع تاريخ المرأة وإعادة قراءة دورها في التاريخ الإسلامي؛ وهنا برزت الآراء التالية: إن بحث وضع المرأة في التاريخ الإسلامي لا بد أن يستند إلى الأطر المرجعية والمنطلقات الأساسية التي تنطلق منها العلوم الإسلامية، وهو الشرع بمعناه الواسع وما ينبثق عنه من آداب وحدود. وحول الهدف من القيام بهذا العمل، جاء رأى يقول إنه يقوم بالأساس لتحقيق قيم أقرها الإسلام وعلى رأسها قيمةالحق، والحق مفهوم شامل يتضمن الكشف عن المكامن التاريخية للقوة والضعف على حد سواء، كما أضافت مشاركة أخرى أن الهدف يتضمن إبراز أدوار مهمة لعبتها المرأة المسلمة أيضًا وتجاهل التاريخ ذكرها؛ بل جاء رأى يرى أن الهدف يتعلق بقضية أشمل متعلقة بمأزق فكر وواقع المسلمين في مجمله اليوم، فالنقد والتفكيك التاريخي قد يكون مدخلاً ملائما لاستكشاف كيف انسحبت التفاعلات السياسية والاجتماعية والفقهية لتترك نفوذها السلبي على واقع المسلمين اليوم، فيما اختلفت معها رئيسة الجلسة.

أما التعقيب على ملف العدد وعلى الحلقة النقاشية، فقد أشار إلى المحاور التالية: 1) المنظور الحضاري في دراسات المرأة المسلمة، حيث يعتبر هذا التعقيب أن المرجعية التي يستند إليها عمل المجموعة هي إطار معرفى ومرجعية توحيدية لها محدداتها ومنظومتها القيمية ومعاييرها التي تميزها عن المنظومة المادية السائدة، وذلك في ظل غياب المنظور المعرفي الذي يمكن من التعامل المتكافئ مع الواقع الاجتماعي والمنتج الثقافي. ويتميز الإطار المعرفي التوحيدي في مصادره بوجود أصل ثابت لا يتغير ولا يسقط بالتقادم وهو القرآن. 2) التاريخ من منظور حضاري: التاريخ لدى العرب قبل الإسلام كان تاريخ الأيام المكتوبة في ملاحم شعرية مطولة، وهي أيام مفككة كتفكك القبائل الموجودة فيها؛ ثم حدثت نقلة نوعية مع الإسلام في علم التاريخ ليصير تاريخ أمة مع بروز وعى جمعي؛ وحتى عندما اهتم المؤرخون بتدوين سير وتراجم الأفراد لم يكن ذلك بهدف تمجيد الأفراد في حد ذاتهم. في الرؤية الحضارية، التاريخ له أبعاد متعددة، منها الاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية، والحياتية، والعمرانية، والسياسية فيخرج من الاختزال والتجزئة وأحادية البعد. 3) المنظومة التوحيدية وإعادة صياغة المفاهيم: أي إعادة صياغة المفاهيم من أجل إعادة بناء تاريخ المرأة المسلمة؛ فهناك عدد من المفاهيم القرآنية التي لها دلالات عميقة في التعامل مع مفهوم مركزي في الفكر النسوي. 4) المرأة المسلمة ما بين الأم والأمة، إذ ترى المجموعة أنهعند قراءة سيرة المرأة في إطار المعرفة التوحيدية تكون بؤرة النظر ووحدة التحليل هي الفعل الواقعة/ الحدث/ الدور، فالفعل هو إحدى لحظات الشخصية الذاتية حين تتحد مع مفهوم الأمة الحاضر داخلها، أو لحظات تفعيل الانتماء للجماعة“.

وأخيرًا، يخلص التعقيب إلى أن تناول سيرة المرأة لا يسعى لتقديم إجابات مسبقة ولا يعالج التفاصيل التاريخية الجزئية بقدر ما يثير أسئلة كبرى حول الإطار المعرفي والمنهج والمصادر.

باباقتراباتيتناول الاقتراب الملائم لقراءة تراجم وسير النساء من خلال عرض مقاربات اقترحها كتاب أجانب تناولوا التاريخ الإسلامي؛ ومنها أن العلماء في المجتمع الإسلامي لا يمثلون طبقة بعينها أو فئة وظيفية بعينها، بل تتقاطع فئاتهم تقريبًا مع جميع التشكيلات الطبقية؛ وبالتالي يمكن من خلال دراسة تراجم وسير العلماء إلقاء الضوء على النظام الاجتماعي بأكمله وأنماط التفاعل فيه. ونظرًا لندرة التفاصيل حول بيانات كثيرة تتعلق بالعلماء، مثل تاريخ مولدهم، أو الكتب التي حفظوها على سبيل المثال، يمكن اللجوء إلى ما يلي: 1) البيانات الخاصة بنسب العالم والتي تسمح بتتبع تاريخ العائلات التي يشتغل أهلها بالعلم؛ 2) مسح أماكن إقامة العلماء يساعد على تعرف الأماكن الرئيسية لتلقي العلم؛ 3) معرفة شبكة المحيطين بصاحب الترجمة تسمح بالتعرف على شبكات العلاقات الدينية والسياسية وأنماط العلاقات الاجتماعية؛ 4) تواريخ الميلاد والوفاة المتوافرة تسمح بتحديد الحقبة التاريخية؛ 5 ) عناوين المؤلفات تكشف عن الحياة الدينية والثقافية في هذا العصر. هناك اقتراب آخر مختلف لا يستهدف تتبع التطور الشخصي والفكري للفرد وإنها دراسة الجماعة التي ينتمى إليها هذا الفرد. ثم هناك المدخل اللغوي الثقافي الذي يعتبر أن نص الترجمة أو السيرة يعكس التصورات الثقافية الماثلة في ذهن كاتبها وأن البحث في تراجم وسير الأشخاص البارزين لدى فئة بعينها من العلماء يكشف عن أن الأجيال المتعاقبة من كاتبي الترجمة عبر القرون يقدمون للشخص نفسه سيرًا مختلفة ومتنوعة.

هناك مجهود مهم يتضمنه هذا العدد من مجلةالمرأة والحضارةوإن كانت لدينا بعض الملاحظات على المضمون أو الأساس الذي انطلقت منه المجموعة؛ فكما يبين عنوان ملف العدد،سيرة المرأة في التاريخ الإسلاميوتكرار استعمال كلمة المرأة على امتداد البحوث، يبدو لنا وكإنما يتم النظر إلى النساء المسلمات باعتبارهن كتلة واحدة، متجانسة ومتطابقة؛ فإذا ما نظرنا حولنا اليوم، سنجد أكثر من واقع تحياه النساء المسلمات، ليس فقط على مستوى المنطقة وإنما داخل البلد الواحد؛ وأغلب الظن أن هذا الواقع المختلف ربما كان أعمق في فترات لم تشهد وسائل الاتصال المتطورة التي تسمح بتقريب المسافات، والأفكار، وأنماط الحياة. النقطة الثانية – والتي جاء ذكرها بطريقة عابرة في أحد المقالات – هي تركيز ما كتب النساء على مساهماتهن في الحياة العامة مع إغفال فضائهن الخاص تمامًا، مع أن صناعة التاريخ تنتج من عنصرين متفاعلين، أي العام والخاص. يلاحظ أيضًا أن النساء المسلمات قد أخذن قسطًا من الحق في السنوات الأولى من الرسالة المحمدية، وأن كثير من الحقوق انتقصت فيما بعد وفاة الرسول؛ وهو أمر مهم التعمق فيه لمعرفة مزيد من التفاصيل حوله لاكتساب القدرة على تحليل هذه الظاهرة. أخيرًا، لا يختلف تهميش النساء المسلمات في التاريخ عن تهميش غيرهن من النساء على امتداد العالم؛ وهو ما دفع عديد من النسويات إلى إعادة كتابة التاريخ من منظور نسوي؛ وبالتالي، فإن التضامن النسوى العالمي مطلوب أكثر من إعلاء الخصوصية بقدر مبالغ فيه؛ فخصوصيتنا تكمن في كوننا نساء في مجتمعات ذكورية على امتداد العالم، لا فرق في هذه النقطة بالذات ما بين مسلم وغير مسلم، وإنما ربما تكون هذه إحدى النقاط النادرة التي اتفق عليها معظم رجال العالم!

المرأة والحضارة نشرة متخصصة في دراسات المرأة المسلمة. العدد الثاني. 2001.

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي