النساء، الدولة والليبرالية السياسية

تاريخ النشر:

2010

تأليف:

التقديم:

النساء، الدولة والليبرالية السياسية

تجارب من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا*

تقديم المحررة:

نُشر هذا الفصل كمقدمة لكتاب لوري براند (Laurie Brand) الذي صدر عام ١٩٩٨ بعنوان النساء والدولة والتحول الليبرالي السياسي” (Women, the State and Political Liberalization). وقد قمت باختياره لكتابنا، لأنه يستعرض الأدبيات القليلة نسبيًّا حول الجوانب ذات الطابع النوعي الاجتماعي لليبرالية السياسية في العالم العربي، علاوة على استكمالها بأدبيات أكثر توسعًا حول نفس الموضوع في أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية. والنتيجة هي مناقشة مفيدة وشديدة الأهمية، تقدم رؤى مقارنة بالنسبة إلى هذه العملية كمرحلة انتقالية في تاريخ الأنظمة السياسية.

 

النساء، الدولة والليبرالية السياسية

تجارب من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

لوري براند

في عام 1989، كانت عيون العالم مثبتة على أوروبا الشرقية، مع تحطيم سور برلين، وظهور قيادات جديدة – تقدم وعودًا بحريات اقتصادية سياسية أكبرأخذت زمام السلطة تدريجيًّا. لقد كانت أحداث أوروبا الشرقية أكثر أحداث إثارة للدهشة في ما كان يطلق عليه الموجة الثالثة1 من مراحل الانتقال من النزعة السلطوية، التي بدأت في السبعينيات في أوروبا الجنوبية وأمريكا اللاتينية. وبدأت تتكشف في عام 1989 أيضًا تطورات مشابهة في جنوب وشرق البحر المتوسط، لا تقل دلالة وإن قلت إشارة الصحف إليها، تمثلت أولى أحداث سلسلة تلك التطورات2 الهائلة في إقالة الرئيس التونسي بورقيبة في نوفمبر ١٩٨٧، وبعد مرور شهر بدأت الانتفاضة الفلسطينية. وبعد ذلك، بدأ عدد من النظم العربية، التي عجزت عن التأقلم مع مشكلات تعاظم الديون فضلاً عن البطالة والفساد، في إفساح الطريق أمام نظم (أو قيادات) أخرى وعدت بالإصلاحات الاقتصادية ومزيد من الحرية السياسية.

وعلى الرغم من أن عدد الكتابات التي تناولت حالات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كانت قليلة إلى حد ما، فقد ظهرت وفرة من الأدبيات حول مراحل الانتقال في أماكن أخرى. إن قضايا مثل توقيت التغيرات وتتابعها، والعلاقات بين الإصلاحات الاقتصادية والسياسية خلال مراحل الانتقال، والبناء المناسب للمؤسسات الجديدة لتدعيم أو تعزيز الناتج الديمقراطي المرغوب كانت كلها محل دراسة. وبينما درست هذه الأدبيات المخاطر والمشكلات، هناك بعض الكتابات القليلة التي وقعت خارج إطار يفترض ضمنًا وجود ناتج سياسي إيجابي، إن لم يكن على قدم المساواة، نسبيًّا للجميع مع إمكانية استثناء الظالمين بالنظم السابقة.

لكن التاريخ أوضح أن فترات تغير النظم تكون محفوفة بالمخاطر، حتى عندما يكون التغير في اتجاه نظم أكثر ليبرالية سياسيًّا. إن خطاب النظم الجديدة، أو التي خضعت إلى الإصلاح، وكثير من أفعالها تقدم وعودًا تجاه زيادة احترام الحقوق الإنسانية والمدنية. ومع ذلك، يجب فهم عمليات الليبرالية السياسية، مثل أشكال التغيير الأخرى للنظم أو التغيرات السياسية، باعتبارها تمتلك إمكانات إنتاج ليس للفائزين فحسب وإنما للخاسرين أيضًا: أي القطاعات التي أصيبت بالضرر، على نحو ما، بسبب التحول. وإذا انتقلنا من الدراسات العامة للتحولات السياسية إلى الدراسات التي تركز على النساء، أو على الأقل تضعهن في اعتبارها، فإن هذه الدراسات تشبه الأدبيات المتعلقة بالتحولات الاقتصادية حيث توثق تلك التحولات نطاقًا من الطرق التي تفرض من خلالها التحولات السياسية المخاطر. إن ظواهر مثل انخفاض عدد النساء المشتغلات بالتشريع في الجمعيات المحلية والقومية، أو تغيير قوانين العمل أو تنفيذها على حساب النساء، أو محاولة تقييد الحقوق الإنجابية للنساء – قد كانت تصاحب أغلب مراحل الانتقال الديمقراطيةالتي تكشفت في أوروبا الشرقية. أما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فقد كانت التطورات التي شهدتها البلدان التي بدأت في مسارات الليبرالية تشكل أيضًا تهديدًا لوضع المرأة، وفي بعض الحالات لحياتهن – كما في الجزائر.

وهناك دلائل كثيرة على التهديدات الإمكانية أو الحقيقية، الملازمة لعملية تغير النظم، التي تواجه النساء. فإذا أخذنا الثورات، وهي أكثر أشكال تغيرات النظم تطرفًا، يمكننا أن نجد، على سبيل المثال، أن الثورة الفرنسية التي أنتجت إعلان حقوق الإنسان والمواطنالمشهور في أغسطس 1789 ألغت أي إشارة لحقوق النساء. وبالفعل، قاد النشاط الثوري النسائي رجال الثورة إلى الوصول لنتيجة مفادها أن الجماهير النسائية كانت قوة قادرة على إيقاع الاضطراب في الدولة، وفي النهاية إلى تحديد خط فاصل بين المجالين العام والخاص لم يكن مسموحًا للنساء عبوره“. لكن القانون المدني النابليوني أدرج في النهاية وضع النساء الأدنى مرتبة داخل القانون.3 وفي فترة أحدث، كان للثورة الإيرانية تأثير سلبي على مختلف جوانب وضع المرأة، وخاصة أثناء سنوات الخميني ومناقشاته واسعة النطاق،4 بينما أفضت نجاحات طالبان في أفغانستان إلى حظر تعليم النساء والبنات، وطرد النساء من جميع الوظائف ما عدا عدد قليل جدًا منها. وقد منحت نضالات التحرر الوطني دروسًا مشابهة. فقد شاركت النساء في القتال وحمل القنابل وتوزيع المنشورات، لكنهن عدن إلى منازلهن بعد استقرار الأوضاع، ليواجهن قوانين الأحوال الشخصية وغيرها من القوانين الأشد قمعًا من القوانين التي خضعن لها في ظل النظام الكولونيالي.5

إن تعريف عمليات الليبرالية السياسية، على الرغم من أنها أقل تطرفًا من أشكال التغير الأخرى في النظم، بما في ذلك التحولات الديمقراطية الكاملة، يعني أنها تفتح المسرح السياسي أمام النشاط الحر لمجموعة غير مسبوقة من الفاعلين السياسيين. وكما جادل بوزورسكي (Przeworski)، تقلل هذه العمليات التكلفة – الفعلية أو المتوقعة – للتعبير الفردي والعمل الجماعي“.6 على أن تلك العمليات لا تتقيد بأي قانون من قوانين الطبيعة أو السياسة لإنتاج وعات ليبرالية من الفاعلين فقط. وبالفعل، تؤدي الأزمات التي تحث إصدار قرارات على الليبرالية (أو التي تقوض النظام، في حالات أكثر تطرفًا) إلى إطلاق العنان لمجموعات من الفاعلين، يعتنق بعضهم أيديولوجيات تسعى إلى استعادة بعض المجد أو الأمن (عادة المُفترَض) الماضي. إن التغيرات في أسس النظام أو في النظام السياسي كثيرًا ما تتشكك على نطاق واسع، أو تهدد، بعض البني الأساسية للنظام السياسي. ويتمثل بعض رد الفعل الشائع بين الفاعلين السياسيين الوطنيين تجاه تلك التهديدات في السعي إلى تأمين جبهة البيت، الأسرة. وعادة ما تُبنى برامجهم من زاوية حماية الأمة وقيمها وشبابها، وتسعى إلى تعزيز الدور التقليدي للمرأة عبر وسائل مثل: تشجيع الانسحاب من قوة العمل، وتنفيذ سياسات سكانية مناصرة للإنجاب، وحتى شن حملات أخلاقية مختلفة تسعى إلى الحد من وجودالنساء في مجال العمل العام خارج المنزل.

وفي الوقت نفسه، في جميع عمليات الليبرالية السياسية، ماعدا أكثرها حرصًا من حيث الإدارة (التي بدأت قبل أن تؤدي الضغوط من أسفل إلى إحداث تغيرات أكثر درامية)، تنمو في مناخ من عدم يقينية النظام فيما يتعلق بقوته في مواجهة الفاعلين السياسيين الآخرين. يجب أن تحدد القيادة توازن القوى الاقتصادية السياسية، وأفضل طرق الاستجابة من أجل تعزيز موقفها. كما أن البحث عن حلفاء جدد، والذي يترتب على ذلك، يضم عملية تفاوض أو مساومة بين القيادة / النظام ومختلف الفاعلين السياسيين حول البرامج والأهداف.7 وفي أثناء تلك الفترة، يمكن إعادة فتح مجموعة من السياسات، وفقًا للخريطة السياسية وطبيعة الفاعلين الذين يمكن أن تسعى السلطة إلى التحالف معهم.

إن شرح النتيجة8 للقيادة وللقطاعات المجتمعية المختلفة يتطلب تحديد الحلفاء الطبيعيين للقيادة / للنظام أولاً، مع معرفة التوازن المحلي للقوى الاجتماعية السياسية والقوى الاقتصادية. كما يتضمن أيضًا تحديد القضايا التي ترغب السلطة على أساسها في المساومة، فضلاً عن القضايا التي تعتبرها القيادة فوق التفاوض. ومع معرفة تفوق موقف وسلطة رجال الدولة / النظام، وأن المراحل الانتقالية عادة ما تؤدي إلى ظهور الأحزاب التي تعتنق سياسات دفاعية رجعية، فلا يثير الدهشة أن قضايا المرأة” – وهو التعريف الذي تقدمه النساء أو الدولة قد تكون من بين أول القضايا التي تسعى أطراف التوازن السياسي الجديد إلى استخدامها/ استغلالها في المساومة السياسية.9

إنني أستخدم في هذه الدراسة عددًا من المصطلحات الأساسية. يشير مصطلح الليبرالية السياسيةإلى انفتاح النظام السياسي بحيث: يتيح مزيدًا من الحرية للتعبير الشخصي والإعلامي، ويسمح لأعداد أكبر وأكثر تنوعًا من الفاعلين غير الحكوميين بالعمل مع توسيع مجالات نشاط الفاعلين الموجودين بالفعل، ويكبح القهر الذي تمارسه الدولة على شكل اعتقالات تعسفية وحالات اختفاء وتعذيب وتبني خطاب جديد حول احترام حقوق الإنسان، ويعقد الانتخابات البرلمانية في مناخ يسمح بمنافسة أكثر حرية (إن لم تكن حرية بالكامل) من خلال مجموعة متنوعة من الفاعلين الذين يمثلون مختلف جوانب النطاق السياسي. وسواء كان للأفضل أو للأسوأ، فإن هذا المفهوم معني بالحقوق المدنية والسياسية، ولا يعني بشكل عام بحقوق التوزيع (أي الحقوق الاقتصادية).

يُعد مفهوم وضع المرأةأكثر إشكالية، إذ يُستخدم بطرق مختلفة وعن طريق كُتاب مختلفين، وله معان مختلفة وفقًا للسياق.10 ونظرًا لأنني قررت أن أركز في هذه الدراسة على المستوى القومي، فإن التغيرات في حق المرأة في التنظيم، فضلاً عن وضعها القانوني الرسمي، تُمثل مؤشرات أساسية ملحوظة. وقد اهتممت بوجه خاص بقضايا مثل: الحق في وسائل منع الحمل والإجهاض وتيسير الوصول إليها؛ الحق في التعليم وتيسير الوصول إليه؛ المساواة في العمل والمعاش والتشريعات الجنائية؛ الحماية ضد التحرش والعنف؛ الاضطلاع بدور في ما يسمي مجال العمل العام، سواء في سوق العمل أو في الحياة السياسية. كما تناولت أيضًا دراسة الحقوق، ليس كما توجد وفقًا للقانون فحسب، وإنما أيضًا كما يجري تنفيذها؛ فهناك عادة فجوات واسعة بين النص والممارسة.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن ما اعتبره تغييرات تُشكل تقدمًا للنساء، يمكن أن ينظر إليها البعض على نحو مختلف تمامًا – وخاصة بعض المجموعات المحافظة سياسيًّا ودينيًّا و/أو اجتماعيًّا، بغض النظر عن المنطقة. فبالنسبة لهذه المجموعات، على سبيل المثال، يمكن القول إن توسيع الحقوق الإنجابية للمرأة من خلال زيادة تيسير الوصول إلى تنظيم الأسرة، ومساواة نفاذ المرأة إلى الطلاق، أو ما يعتبره هذا التحليل توسيعًا لحقوق المرأة في المشاركة في المجال العام، قد يعتبره البعض مؤشرًا على التدني الأخلاقي. ويصعب مصالحة هاتين الرؤيتين. لكنني على استعداد للاعتراف بتحيز معياري في اختياري لمؤشرات التحسين أو التدهور في وضع المرأة. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن جميع المؤشرات الواردة أعلاه تناقشها منظمات مهمة للحركات النسائية في البلدان تحت الدراسة. ولهذا، فإنني لا أشعر أن المنهج المستخدم هنا يمكن تسميته ببساطة غربيًّاونبذه باعتباره غير أصيل.

على أن المسألة ليست مجرد سؤال حول ما يسمى تحيزًا علمانيًّا أو غير ديني في مواجهة تلك القضايا. يتضمن المنهج أيضًا تحيزًا نخبويًّا بعينه. وبهذا، فإنني أعني أن ميدان بحثي على مدى سنوات، فضلاً عن الأدبيات التي أنتجها غيري من الباحثين، يوضح أن الطبقة والمنطقة يحققان اختلافًا في كيفية بناء النساء لأولياتهن ويرتبونها فيما يتعلق بالحاجة إلي تغيير وضعهن. تذهب كثيرات من النساء إلى أن كفالة النفاذ إلى الخدمات الأساسية، أو الارتقاء بنوعيتها، يسهم بشكل أساسي في وضعهن. ومن بين جوانب القلق الأساسية لدى أغلبية النساء: توفر المياه الجارية النقية داخل المنزل أو بالقرب منه، وجود خدمات طبية جديرة بالثقة قريبة من المنزل، توفر تسهيلات تعليمية أفضل، توفر ظروف أفضل للعمل والأجور (يختلف الأمر فيما يتعلق بقلقهن على المساواة على الرجال والنساء)، وزيادة فرص العمل بما يتيح تحسين الظروف الاقتصادية الأسرية الكلية وإمكانية استمرار الفتيات بالمدرسة لفترة أطول.

هناك أيضًا جوانب القلق التي أشارت إليها ماكسين مولينو (Maxine Molyneux) عندما حددت التمايز بين المصالح العملية والاستراتيجية القائمة على النوع الاجتماعي. إن المصالح العملية هي تلك المصالح التي تبدو واضحة من الظروف الموضوعية لعمل المرأة والأدوار التي تتولاها في تقسيم العمل بين الجنسين. وعادة ما تنشأ هذه المصالح كرد فعل لاحتياجات فورية مثل: تيسير النفاذ إلى المياه النظيفة، والخدمات الطبية، والإسكان والتغذية المناسبين. ومن الناحية الأخرى، فإن المصالح الاستراتيجية القائمة على النوع الاجتماعي هي تلك التي عادة ما يُطلق عليها نسوية. إنها مشتقة من تحليل خضوع المرأة، ومن تشكيل مجموعة بديلة من الترتيبات أفضل من الموجودة بالفعل“. وتتضمن تلك المصالح القضاء على الأشكال المؤسسية للتمييز وتحقيق المساواة السياسية، وترسيخ حرية الاختيار بشأن الحمل، وتبني تدابير مناسبة ضد العنف الذكوري والسيطرة على النساء“.11

وقد يكون من المفيد التفكير في المصالح العملية الاستراتيجية القائمة على النوع الاجتماعي من زاوية أقل ثنائية. وعلى سبيل المثال، يمكن القول إن مطالب النساء العاملات بزيادة تيسير حصولهن على تسهيلات رعاية الطفل أو إجازة أطول لرعاية الطفل، برغم أنها تساعد على تخفيف بعض جوانب عدم المساواة، فإنها لا تعارض بالضرورة البنى القائمة التي تقمع المرأة. وقد تفهم العديد من النساء هذه الخدمات باعتبارها تخفيفًا جزئيًّا للعبء الذي يعتقدن أن عليهن أساسًا تحمله. وبالمثل، بينما لا تعتبر كثير من النساء العنف المنزلي بنية للقهر، فان مواجهة هذا العنف وغيره من أشكال الإساءة يشكل أهمية للنساء اللاتي لا يعتبرن أنفسهن نسويات. ومن المهم الاحتفاظ بالتمايز الذي قدمته مولينو مع عدم المبالغة فيه. وبقولنا ذلك، يبدو واضحًا أن جزءًا من النخبة، والتي يمتد تعريفها على نطاق واسع من نساء من الطبقة الوسطى إلى العليا، اللاتي يعشن بشكل عام في المناطق الحضرية – ينخرط في مواجهة الاهتمامات الإستراتيجية للنوع الاجتماعي، وهي القضية التي اخترت التأكيد عليها.

إن دراسة مصير تلك الاهتمامات أثناء عملية الليبرالية السياسية يتطلب التركيز على المستوى القومي. وعلى الرغم من السلبيات الواضحة التي تشوب هذا المنهج، فإن منطقه يبدو واضحًا من خلال تعديل القوانين القائمة وإصدار قوانين. وكما يجادل جوزيف (Joseph): “الدولة القومية تظل موقعًا يتسم بأهمية إستراتيجية للنساء، فضلاً عن جماعات الأقلية. وفي هذا الموقع، تفوز تلك الجماعات أو تخسر الحماية القانونية والسياسية الحيوية في مواجهة المجتمعات السياسية الأخرى، والبطريركيات، وأيضًا القوى الدينية والعلمانية غير الديمقراطية. وعادة لا يوجد للنساء أي موقع آخر غير الدولة تلجأ إليه سعيًّا للحماية من العنف المنزلي والقهر الأسري والممارسات التمييزية“.12

المصطلح التالي هو الدولة“. يُستخدم هذا المصطلح هنا للإشارة إلى شبكة من المؤسسات والعلاقات التي تُمارس سلطة الحكم على أرض بعينها. ونحن نفهم الدولة باعتبارها فاعلاً معقدًا، وليس فاعلاً موحدًا، بل تتنافس داخله المصالح الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للتأثير في ميدان غير مستوي. وارتكازًا على العوامل البيئية، تعمل عناصر الإثنية والدين والطبقة والنوع الاجتماعي لصالح أو ضد فاعلين بعينهم أو اهتمامات بعينها. ونظرًا لأن الدولة هي موقع التنافس، فإن قدرتها على الاستمرار تعتمد على التأقلم وإعادة التعريف. وبالفعل، كما توضح دراسات الحالة، فإن مهمة وصف دولة (أو قيادة بعينها) بأنها ودودة تجاه المرأة، على سبيل المثال، ليست بسيطة بأية حال. إن الدولة أو القيادة التي تفتح الطريق أمام مشاركة النساء في قوة العمل الرسمية، أو تكفل حقوق النساء في الحصول على موانع الحمل، تضم نفس مجموعة الشخصيات والعلاقات والمؤسسات التي تعتبر الحارس النهائي للبنى التي تقهر النساء أو تعرقل الإصلاح في مجالات أخرى.13

وأخيرًا، لقد بذلت جهدًا لتجنب استخدام مصطلحي حديثوغربي، بينما فضلت – من الناحية الأخرى من الثنائية الضمنية (والتي أدخل دومًا في معارك بشأنها، وإن لم أنجح دائمًا فيها) – استخدام مصطلح المحافظبدلاً من التقليدي“. إن مصطلح المحافظمحمل بقدر قيمي أقل، في الخطاب السياسي العام على الأقل. ومع ذلك، فإن مصطلح التقليدييقدم العديد من المشكلات. ففي المجتمعات التي تمر بتغييرات سريعة ومربكة، قد تبني الدولة أو مجموعات المعارضة مفهوم التقاليدليتضمن تلك الممارسات والقيم الضرورية لمواجهة الضغوط التي تؤدي إلى التشوش. وبالتالي، فإن ما يوضع قانونًا تحت اسم تقليدييُعد إلى حد كبير نتيجة لاختيار سياسي / اجتماعي بقدر كونه تطورًا طبيعيًّا. وبالفعل، يسفر التشديد على جوانب بعينها من التقليديوتجاهل جوانب أخرى يمكن أن تؤدي إلى تمهيد الطريق نحو عودةإلى مستقبل راديكالي أي: برنامج تحويلي تتشابه نتيجته قليلاً مع الماضي الذي تستحضره مكوناته. ولهذا، حاولت تجنب هذا المصطلح بهدف تجنب إضفاء الشرعية على محاولات جماعات بعينها لتعريف التقليدي“.14

تتراوح أسباب التحرك نحو الليبرالية بين أزمة اقتصادية قصوى وضغوط قوية من أسفل (الجزائر)، إلى رغبة القيادة في الحفاظ على السلطة بإدخال الإصلاحات كوسيلة لتفادي تطور مطالب أكبر للتغيير المهمة (الأردن). وعلاوة على ذلك، تمارس القوى الخارجية ضغوطًا، مثل الهزيمة في حرب كما في حالة الأرجنتنتين، تُشكل مع الاعتبارات المحلية الداخلية حافزًا إضافيًا لليبرالية السياسية التي يمكن أن تتضمن تغييرًا في النظام (أي تغيير رئيس الدولة والمجموعة الحاكمة)، أو التخلي ببساطة عن بعض السلطة مع احتفاظ المجموعة الحاكمة بالكلمة الأخيرة – وهي النتيجة التي يُطلق عليها عامة اسم الليبرالية الطيعة. وقد تتمثل في عمليات تدريجية وتطورية، أو تحفزها صدمة واحدة. يمكن اعتبار الليبرالية واقعة عبر متصل يمتد من انفتاح محدود (“تقليص الضغطكما حدث في بداية التحول في البرازيل) إلى تحول مفاجئ نحو المقرطة، بما يتضمن تغييرات حقيقية في الدولة، كما كان الحال في عديد من بلدان أوروبا الشرقية. إن الليبرالية السياسية لا تساوي الديمقراطية، كما لا تقود إليها بالضرورة، بغض النظر عن محتوى خطاب الدولة أو وعود المجموعة الحاكمة. وتشير العديد من الأمثلة في العالم النامي، بالإضافة إلى أوروبا الشرقية، إلى أن مراحل الانتقال يمكن أن تصل إلى حد الركود (رومانيا، حتى انتخابات ١٩٩٦)، أو حتى تنقلب للعكس (تونس).

ويختلف أيضًا مدى امتداد الليبرالية السياسية، بمعنى مرور القطاعات المختلفة بخبرة الانفتاح بدرجات مختلفة. وبالتأكيد، كلما استمرت الليبرالية وتغلغلت، كلما اقتربت من الانتقال الديمقراطي، وكلما كان شعور قطاعات عريضة من السكان بها أكثر ترجيحًا. ومع ذلك وكما أشرنا أعلاه، توجد أيضًا عمليات ليبرالية محدودة أو طيعة. وفي مثل تلك الحالات، لا يوجد شك في أن السكان المتعلمين في الحضر أكثر تأثرًا بالإصلاحات بشكل مباشر؛ ونجد السكان الريفيين و/أو الأميين أقل شعورًا بالتغيير، على سبيل المثال، مع زيادة حرية الصحافة.

وربما تتضمن عمليات الليبرالية السياسية، على المستوى الأساسي، تحركًا عبر نطاق الرعيةالمواطن: أي بعيدًا عن موقف استبعاد الرجال والنساء من المشاركة الفعالة دون امتلاك وسيلة لمساءلة الحكومة (الرعية) ونحو نظام مشاركة فعال وأكثر شفافية أو مساءلة للحكومة (المواطنة). ويمكن القول إن درجة تبادل الحقوق والمسؤوليات بين الحاكم والمحكوم في النظم السلطوية تكون محدودة في أحسن الأحوال. وعلى الرغم من أن الإنسان يتمتع بجنسية بعينها والحق في التصويت، فإن العلاقة بالحكومة هي علاقة الرعية أكثر منها علاقة المواطنة.15 وفي هذا الإطار، تتأثر درجة المواطنة والرعي بمجموعة من العوامل المختلفة. فبغض النظر عن موقع الحكومة عبر نطاق الرعية المواطن في معاملتها لأفرادها، هناك أيضًا تمييز قانوني واجتماعي يرتكز على الإثنية والنوع الاجتماعي والطبقة أو منطقة المنشأ.16 وعلاوة على ذلك، كما أشار العديد من المحللين، يرتكز مفهوم المواطن نفسه على النوع الاجتماعي، ومبني بطريقة تحول عمليًّا دون تمتع النساء في جميع المجتمعات بالمواطنة الكاملة مثل الرجال. (ظلت الخدمة العسكرية لفترة طويلة وسيلة لتمييز المواطنة النسبية في كثير من المجتمعات). 17 لكن كثيرًا من التنظير حول المواطنة ظهر في السياق الغربي، والذي يتسم بنزعة فردية لا توجد في مناطق أخرى من العالم. وتطرح جوزيف أن هذا الفهم يفشل في سياق الشرق الأوسط، على سبيل المثال، في أن يضع بحسبانه عديد من الدول التي تُشكل فيها هويات المجموعات القومية الفرعية والإثنيات المواطنة.18 وبالتالي، فإنني استخدم مصطلح المواطنة هنا بناء على فهمي بأن أسس بنائه وتطبيقه تختلف بدرجة كبيرة.

هناك ثروة من الكتابات على المستوى الجزئي، أي دراسة البلد الواحد والكتابات النظرية الواسعة حول طبيعة الدولة وسياساتها على أساس النوع الاجتماعي. ومن ذلك، فمن المفيد أن نعرف أن المرأة بوصفها ذاتًا كانت غائبة من الأدبيات العامة التي تدور حول مراحل الانتقال الديمقراطي.19 ومن المرجح أن ذلك يرجع إلى استمرار نفور العلوم السياسية السائدة تجاه النوع الاجتماعي، إذ يبدو أنها لا تجد مشكلة موازية لمناقشة العمالة، ومجتمع الأعمال، والجيش، والجماعات الإثنية، والقطاعات الأخرى. وحتى الأدبيات التي درست مصير خلال مراحل الانتقال كانت تدور في الأساس حول تأثير الانتقال الاقتصادي والتركيز بشكل ساحق على النساء في أوروبا الشرقية.20 إن الأدبيات التي تسعى إلى تحديد موقع النساء في إطار التحولات السياسية تتسم بطابع وصفي إلى حد كبير، أو تهتم، كما في حالة أمريكا اللاتينية، بتوضيح الدور الذي لعبته النساء بالفعل في مرحلة الانتقال و/أو في التنظير حول المكونات النسوية المتغيرة في الحركات النسائية أثناء عمليات الليبرالية أو بعدها.21

وفي الأدبيات التي تتناول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كانت كثير من الكتابات تدور حول النساء وعلاقتهن بالقضايا المرتبطة بالقومية، والنضالات الوطنية، والمواطنة، والبطريركية، وطبيعة الدولة على أساس النوع الاجتماعي، فضلاً عن نطاق من القضايا الاجتماعية الاقتصادية. على أن كتابات ميرفت حاتم هي فقط التي تناولت بشكل مباشر اهتمامنا المركزي في هذا البحث – أي النساء والليبرالية السياسية – وإن كان من منظور مختلف. وقبل دراسة النتائج التي خلصت إليها، من المفيد مراجعة رؤى بعض الأدبيات حول هذه الموضوعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

هناك عدد من الكتابات التي تتناول علاقة النساء بالدولة أثناء فترات الأزمة أو تغيير النظام (إن لم يكن الليبرالية). وعلى سبيل المثال، توضح عفاف مارسو في دراستها حول مصر في أواخر القرن الثامن عشر أن الحكومة اللامركزية والفوضوية في مصر أدت إلى خلق فضاءاجتماعي اقتصادي أتاح لنساء النخبة حرية النشاط التي يمكن أن نقرنها بشكل عام بالقرن العشرين.22 كما توضح أن التطورات الاقتصادية والسياسية الداخلية أتاحت للنساء اكتساب ممتلكات بشكل مستقل عن الذكور، وأن ما ترتب على ذلك من قوة وثروة أدى إلى توليد دعم لهن بين السلطات الدينية للدولة (العُلماء). وباستخدام مصر كحالة، قدمت مارجو بدران أيضًا تصورًا حول دور النساء (وأغلبهن من النخبة) في الحركة النسوية المصرية أثناء فترة النضال الوطني ضد البريطانيين في النصف الأول من القرن العشرين. وأوضحت كيف كانت النساء تطرح القضية الوطنية بينما ينشطن داخل نطاق الإسلام.23 ومرة أخرى، توضح هذه الدراسة لأنشطة النساء ومصائرهن أثناء فترة التحدي وعدم اليقين (إن لم يكن التغيير الحقيقي في النظام) الإمكانيات المتاحة للنساء لاقتناص فرص فتح الفضاءات أمام المشاركة الهادفة والدفع من أجل زيادتها.

وقد ركزت جولي بيتيت (Julie Peteet) على حالة ترتبط بنزوح وانفصال أكبر: وهي حالة الفلسطينيات.24 وتوضح كتاباتها حول النساء في معسكرات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان كيفية إعادة بناء العلاقات بين الجنسين وإعادة التفاوض بشأنها، ليس خلال فترة تغيير النظام وإنما في خضم نضال التحرر الوطني خارج أرض الوطن وعبر فترة زمنية ممتدة. وهي تدرس التغيرات في وعي النوع الاجتماعي والوعي الوطني، وتزايد إمكانيات النشاط النسائي خارج الوطن، بما في ذلك المشاركة في المقاومة ذاتها، فضلاً عن بنية علاقات القوى داخل منظمات المقاومة. وتلقي كتاباتها الضوء على إمكانيات تغيير العلاقات بين الجنسين، علاوة على استمرار وضع حدود عليها، خلال أقصى فترات التقلب السياسي وفي ظل غياب سلطة دولة مركزية.

ويوجد موضوع آخر ذو صلة في كثير من الكتابات التي تدور حول النساء في الشرق الأوسط، وهو قيام نظم ما بعد الاستقلال باستخدام ما يسمى قضية المرأة كجزء من برنامجهم لإعادة هيكلة أسس العلاقات السياسية، ووضع الأساس لمجتمعات حديثةعبر تحطيم قوة مجموعات تقليدية بعينها.25 ويمكننا ملاحظة أشكال مختلفة مما كان يُطلق عليه نسوية الدولة26من تركيا وتونس، أقصى محاولات علمنة المجتمع، إلى برامج تغيير أقل ثوريةوإن كانت مهمة في ما يسمى النظم الجمهورية في مصر والعراق وسوريا، وأخيرًا إلى البرامج الاشتراكية التي يدافع عنها الماركسيون في جمهورية اليمن الشعبية الديمقراطية.

تتضمن نسوية الدولة سياسيات موجهة من قيادة الدولة (ومُصاغة بشكل عام أيضًا) على مستواها، وتهدف إلى توجيه القدرات الإنتاجية / الإنجابية للنساء لدعم الدولة من خلال برامج مثل: رفع مستويات معرفة التعليم، وزيادة النفاذ إلى سوق العمل، وإقامة منظمات نسائية تحت رعاية الدولة، وبشكل عام عبر خطوط نموذج الحزب الواحد، وما يشبه ذلك. في حالتي تركيا وتونس، كانت هذه المحاولات يصاحبها حظر ممارسات بعينها يجيزها الدين: مثل تعدد الزوجات. إن استفادة نساء كثيرات من هذه البرامج ليس محل شك. ويبدو واضحًا أيضًا أن نساء كثيرات شعرن بالضغط بين مطالب نسوية الدولة واستمرار الممارسة المجتمعية المحافظة. على أن هناك ضرورة لفهم إلى أي مدى لم تكن برامج نسوية الدولة غاية في حد ذاتها، بل كانت بالأحرى جزءًا من بناء أوسع للدولة و/ أو عمليات تعزيز النظام. لقد كانت النساء أدوات، وكان تحررهنجزءًا من مشروع أكبر لتعزيز السيطرة داخل سلسلة من الدول التي استمرت خاضعة لهيمنة ما يُطلق إليه بشكل عام البنى البطريركية.27

ننتقل الآن إلى كتابات ميرفت حاتم. في دراسة حالة عن مصر، قامت بدراسة ما أسمته النظام الليبرالي الجديد بعد 1976″ وتأثيره على النساء. وقد اعتبرت تلك المرحلة فترة ليبرالية موجهة، جاءت كرد فعل لأزمات اقتصادية وسياسية خطيرة. وبينما تقر بمحدودية الليبرالية السياسية إلى حد كبير – ولذلك لم تكن محل بحث في هذه الدراسة – نظرًا لاستبعاد الإسلاميين، فإنها تشير إلى أن أغلب المحللين لم يتشككوا في الإنجازات التي حققها هذا النظام العلماني الليبرالي على أساس النوع الاجتماعي، لمحاباته للمرأة“.28 تنتقل مرفت حاتم بعد ذلك إلى دراسة خطاب الدولة العلماني ومقارنته بخطاب الإسلاميين في تلك الفترة. وهي تخلُص إلى أنه على الرغم من التغيرات التي حدثت لصالح المرأة في عديد من القوانين (بما يتيح للمرأة مقاعد إضافية في البرلمان، وإدخال بعض الإصلاحات في قانون الأحوال الشخصية فيما يتعلق بالطلاق)، فإن المضمون العملي للتغيرات كان في حده الأدنى وأن خطاب الدولة وخطاب الإسلاميين كان التقيا، في الواقع، حول عدد من النقاط، بما يترك تعريف وضع المرأة مرتكزًا على أفكار محافظة حول العمل المنزلي والاختلاف بين الجنسين. وتكمن النتيجة الأوسع نطاقًا لدراستها في عدم وجود اختلاف جوهري بين الإسلاميين والليبراليين في فهمهم الأساسي للنساء ودورهن، رغم اختلافاتهم حول بعض السياسات، ولا تُعتبر النظم الليبرالية ودودة تجاه المرأة“.

وفي نص مقارن يدرس خبرات النساء في مصر والسودان وتونس، تتحرك مرفت حاتم بالأطروحة خطوة للأمام وتقول صراحة في البداية: “كانت الليبرالية السياسية في العالم العربي تتسم بتأرجح الدولة تجاه النساء“.29 وعلى الرغم من إمكانية التساؤل، على أسس إمبيريقية، حول جدالها بأن مصر بدأت التحرك الإقليمي نحو الليبراليةفي عام 1976، فإن أطروحة تأرجح الدولة تتسم بالأهمية. وهي تُعد المسرح لمعالجة حالاتها الثلاث بتذكير القارئ بالنقاش النسوي حول كيفية توفير المجتمعات الليبرالية، في الغرب، لأسس جديدة لعدم المساواة بين الجنسين، بدلاً من تعزيز حقوق النساء بالكامل. ومن خلال دراسة موجزة لحالات البلدان الثلاثة، تخلص میرفت حاتم إلى أن كلاً من الدول السلطوية والليبرالية يسعى إلى استخدام النوع الاجتماعي لتحقيق أهدافها. وتجادل قائلة إن تخفيف قبضة الدولة على أجندة النوع الاجتماعيفي مصر والسودان، وإعادة تأكيد النظام التونسي لنسوية الدولة، قد أسفر عن بركة مختلطة. في مصر والسودان، حل الاعتماد على قوى خارجية محل الاعتماد على الدولة، بينما أدى استخدام الدولة في تونس للنساء في النزاع مع الإسلاميين إلى إعداد النساء لإمكانية حركة استرجاعية في المستقبل.

لقد كانت دراسة ميرفت حاتم أول عمل يشير إلى أن ما يسمى النظم الليبرالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا يمنح بالضرورة آفاق مأمولة للنساء. فعلى الرغم من أن عمليات الليبرالية الخاضعة لسيطرة حريصة ومحدودة، والتي قامت بدراستها، وخاص في مصر والسودان، لا يمكن اعتبارها انتقالية أو تُشكل تغييرات في النظم، فإنها تتسق مع الحجة المطروحة أعلاه من أن فترات التغيير السياسي المضطرب، وحتى في اتجاه يبدو أكثر انفتاحًا، قد لا تأتي للنساء بالفرص التي تتبادر للذهن بشكل عام عند ذكر مصطلح الليبرالية.

وتتسم وجهة نظر ميرفت حاتم، فيما يتعلق بالفرص الملتبسة التي تمنحها عمليات اللبرلة للنساء، بأهمية مركزية بالنسبة لدراستنا. على أن دراستنا هذه تبتعد بطرق عديدة عن كتابات میرفت حاتم وغيرها من المؤلفين المشار إليهم أعلاه. فهذه الدراسة تُعد، في المقام الأول، دراسة لمراحل الانتقال السياسي، وما يحفزها، وبخاصة كيف تتكشف. وفي هذا السياق، تهتم دراستنا بطريقة تناول النساء وقضايا النساء ودورهن في مراحل الانتقال. وتقبل أطروحة ميرفت حاتم حول سعي الدولة إلى سياسات ذات طبيعة متناقضة، لكننا نسعى إلى تفسير أسباب اختيارات القيادة والنتائج. إن تحليلنا لا يختلف مع القول بأن الدول تقوم على النوع الاجتماعي بأسلوب من شأنه تعزيز مصالح الرجال (التي لا تمثل مجموعة منفردة أو متسقة من السياسات)، وبالتالي يُعتبر نقطة انطلاق مهمة، لكنها لا تُفسر في ذاتها اختلاف تأثير الانتقال السياسي على النساء. ويبدو واضحًا أن هناك مجموعة واسعة من العوامل تشكل وضع المرأة في أي وقت بعينه. ومن الناحية النظرية، هناك عدد من المناهج المختلفة التي يمكن اختيارها لدراسة تأثير مراحل الانتقال على النساء. وقد استخدمنا في هذه الدراسة تحليلاً تفصيليًّا لثلاث حالات دراسة، بهدف اختبار التفاعلات بين مختلف الفاعلين السياسيين: الدولة، الأحزاب السياسية، المنظمات النسائية وما يماثلهم، في محاولة لتفسير النتائج التي تسفر عنها فترات التحول الليبرالي.

وبمعرفة الحجم المحدود من الأدبيات التي تتناول عمليات الليبرالية، وموقع النساء فيها، بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ننتقل بالمناقشة الآن إلى بحث موجز لبعض الدروس التي برزت في الأدبيات الموسعة حول عمليات الليبرالية في أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية. ونحن نستهدف اشتقاق نتائج من خبرات هذه المناطق، بحيث تمثل إرشادات نحو دراسة معمقة لحالات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

إن أكثر العناصر إثارة للدهشة في أوروبا الشرقية، بما يجعل بعض المحللين يذهبون إلى عدم إمكانية مقارنتها بمناطق أخرى، يتمثل في نطاق التحولات السياسية والاقتصادية. فحالات الاضطراب والنزوح التي صاحبت التحولات في أوروبا الشرقية لا نجد لها موازيًا حقيقيًّا، حيث تحركت هذه الدول بعيدًا عن البني السلطوية الشيوعية على الجبهة السياسية وعن ترتيبات الاقتصاد الموجه على الجبهة الاقتصادية في نفس الوقت عمليًّا. لقد كانت كثير من الكتابات التي تدور حول مراحل الانتقال تركز على الأزمات الناتجة عن التحولات الاقتصادية. 30وعلى سبيل المثال، قدمت الدراسات توثيقًا يوضح ارتفاع بطالة الإناث نتيجة لتفكيك قطاع الدولة، حيث ضم تقليديًّا عددًا كبيرًا من النساء. وتفاقمت هذه المشكلة نتيجة العادات المجتمعية التي تُفضل عمالة الذكور، وخاصة في أوقات الأزمة الاقتصادية. وبالإضافة إلى الارتفاع الشديد في البطالة، انهارت بعض برامج الرفاه الاجتماعي بالدول الشيوعية السابقة – وخاصة في مجالات رعاية الطفل والصحة، وفي الوقت نفسه، ارتفعت الأسعار، وكان نقص السلع يعني إنفاق وقت أكبر لتأمين الإمدادات اليومية – وهي المشكلات التي تتحملها أو تستوعبهاالنساء.

إن الكتابات التي تناولت مصير النساء السياسي في تلك البلدان كانت، بشكل عام، بمثابة إعادة تقييم للسجل الاشتراكي.31 وكان أحد أكثر الموضوعات شيوعًا يتمثل في العبء الثلاثيالواقع على كاهل المرأة في ظل النظام الشيوعي: العمل خارج المنزل، العمل داخل المنزل، وتربية الأطفال. وبينما ينظر الغرب إلى حق المرأة في العمل باعتباره أساسيًّا، فإن عددًا كبيرًا من النساء اللاتي يعيش في ظل نظم شيوعية في أوروبا الشرقية بالكاد ما اعتبرن العمل يسهم في تحريرهن. فالعمل خارج المنزل يجري في سياق خطاب رسمي يقلل من قيمة المهام الجسيمة التي تقع على كاهل المرأة في المنزل، وبالتالي فإن التحرر الذي يضم تعريفه الحق في العمل خارج المنزل ليس جذابًا لكثير من النساء في مجتمعات ما بعد الشيوعية. وعلى نفس الدرجة من الأهمية، أن كثيرًا من النساء يتصورن أن مشكلات العمل لم تكن ناتجة عن الرؤساء الذكور، بل بالأحرى من الدولة التي كانت بمثابة صاحب العمل.32 وبالتالي، لم تكن نساء أوروبا الشرقية تميل إلى اعتبار استغلالهن يرتكز على عدم المساواة بين الجنسين. بل يعتبرن قضية المساواة بين الجنسين قضية ثانوية، تسبقها ببساطة قضايا الإسكان والتعليم والنفاذ إلى سوق العمل…. الخ (أي ليس من زاوية النوع الاجتماعي).

في ظل الأنظمة الشيوعية، كانت جميع أشكال النشاط السياسي تجري بالضرورة من خلال منظمات التي تُعد امتدادًا للدولة. 33ونظرًا لأن المنظمات النسائية الرسمية كانت تستهدف توجيه النشاط النسائي أو السيطرة عليه، وليس التعبير عن مصالح القواعد الشعبية، فلم تثر إلا القليل من الاهتمام بين النساء العاديات. ومع معرفة ما حققته سياسات الدول الشيوعية من سيطرة رسمية وعدم تسييس للنساء، لم تشترك النساء بشكل منظم كنساء في الأحداث التي أسقطت تلك النظم. وعلاوة على ذلك، عندما انهارت تلك النظم، انهارت معها شرعية المنظمات النسائية الرسمية. وفي أعقاب سقوط النظم الشيوعية مباشرة، أي قبل الموجة الأحدث من الحنين لشبكة الأمام الاجتماعي ونظام ما قبل فترة ١٩٨٩، كانت الغالبية تعتبر أي نشاط حول القضايا التي كان يدعمها الشيوعيون غير مقبولة. ونتيجة لذلك، كانت المنظمات النسائية المستقلة قليلة، وبدا سبب وجودها مثيرًا للشكوك بقايا مخزية من عصر سابق.

وبالمثل، قاد التمثيل الرمزي للنساء (في مقابل التمثيل الفعال أو القوي) في ظل النظم الشيوعية إلى زيادة إنكار شرعية مشاركتهن بعد ١٩٨٩ في السياسات القومية أو المحلية. وبالنظر إليهن باعتبارهن مجرد أدوات للدولة، لم تقدم النساء اللاتي شغلن مواقع بارزة في الحياة العامة في ظل الشيوعيين الكثير لبناء ثقة مجتمعية في قدرتهن على الاضطلاع بأدوار سياسية هادفة. وقد أثرت عدم شرعية الدول الشيوعية أيضًا على طريقة النظر إلى التشريعات الاجتماعية للدولة وبنود الرفاه الاجتماعي، بما في ذلك الإعلانات حول الالتزام بتحرير المرأة ومساواتها. وفي البداية، على الأقل، كانت جميع السياسات الاشتراكية تُعتبر عمليًّا غير شرعية، بغض النظر عن عناصرها الإيجابية.34 وأخيرًا، هناك بالطبع مواصلة عدم تعبئة النساء، نتيجة لخوفهن من السياسةبسبب خبراتهن في ظل النظم السابقة. وبالتالي، لا يثير الدهشة أن اهتمام النساء بعد ١٩٨۹ بالسياسة أو بالحركة النسائية، وكلاهما مقترن بخبرات الماضي المريرة، كان محدودًا بدرجة كبيرة.

وعلى الرغم من أوجه الشبه الدالة بين حالات دول أوروبا الشرقية، فإن الخبرات تتباعد بصورة ملحوظة عندما ننتقل إلى عالم الإجهاض والحقوق الإنجابية. ومع أنها قضية واحدة فقط، فإنها تتسم بأهمية مركزية في النضال حول السيطرة على النساء، وبالتالي تُعد مؤشرًا على اتجاه أوسع فيما يتعلق بحقوق المرأة ووضعها. ويمكن الاستعانة برد الفعل المجتمعي ورد فعل النظام تجاه قضية الإجهاض بوجه خاص لإلقاء الضوء على أهمية الاختلاف في تشكيلات السلطة أو علاقاتها خلال الأنظمة الانتقالية.

في رومانيا، على سبيل المثال، بدأ نقص العمالة الماهرة في الستينيات نتيجة لحفز التحديث أو التصنيع، مؤديًّا إلى زيادة التركيز على دور المرأة الإنجابي. وفي عام 1966، صدر قانون ضد الإجهاض، ثم زادت القيود مع حلول عام 1986 عندما أعلن شاوشيسكو أن الجنين هو الملكية الاشتراكية للمجتمع ككل، وأن النساء اللاتي سعين إلى تجنب الحمل يتم اعتبارهن هاربات من واجب وطني“. كان السجن عقوبة الإجهاض الإرادي، وكان الترقي الوظيفي يرتبط بطاعة النساء السياسية، بحيث يمكن أن تتوقع النساء غير المتزوجات أو المطلقات عدم ترقيتهن. وفي الثمانينيات، تم خفض السن القانوني للزواج إلى 15 سنة، وعلى المرأة التي لم تتزوج حتى سن ٢٥ أن تدفع ضريبة تبلغ 5%. وبالمثل، يخضع الزوجان لمعدل ضريبي أعلى إن لم ينجبا.35

وعند مقارنة مراحل الانتقال، تجدر الإشارة أيضًا إلى أن سقوط نظام شاوشيسكو كان سريعًا ودمويًّا، على خلاف ما حدث في أماكن أخرى، حيث بدأت عملية تراجع تدريجية للنظام وتفاوض مع المتنافسين على السلطة. وفي تيموسوارا، حيث بدأت الثورة، بدأ الأطباء في إجراء عمليات الإجهاض مجانًا بمجرد إعلان المدينة منطقة حرة. وبعد مرور أسبوع، كانت حرية الإجهاض المطلقة واحدة من أوائل القوانين التي أصدرتها الحكومة المؤقتة الجديدة – جبهة الخلاص الوطني. وهذا بالتحديد ما منح الجبهة شعبية هائلة أثناء سعيها لملء الفراغ الذي تركه خروج شاوشيسكو.36 إن تدخل ووحشية سياسة النظام السابق السكانية كانت كبيرة جدًا بحيث لم تجرؤ أية قوة على السعي في أعقاب الثورة للحفاظ على الحظر المفروض على الإجهاض. لقد كان مثيرًا للاشمئزاز والعار، وكذا من يطلبه ومن ينفذه. وعمليًّا لم تفكر الكنيسة أو أية مجموعة أخرى في إعادة فرض الحظر في الفترة التالية لشاوشيسكو مباشرة.

أما بولندا فهي حالة معاكسة، حيث يبدو أن العلاقة بين أكبر قوتين فاعلتين بالمجتمع المدني قبل وأثناء مرحلة الانتقال – منظمة التضامن والكنيسة الكاثوليكية – والتي ساعدت على تحطيم الحكومة الشيوعية، هي التي تفسر الناتج إلى حد كبير.

وكانت انتخابات يونيو ١٩٨٩ في بولندة بمثابة أول انتخابات حرة في أوروبا الشرقية، وفي ذلك الوقت، كان قانون الإجهاض في بولندة يتسم بالليبرالية نسبيًّا. ولتعزيز موقفها وسداد دينها للكنيسة لدعمها عبر السنوات، تبنت منظمة التضامن موقف الكنيسة المناهض للإجهاض في انتخابات عام ١٩٨٩ دون استشارة الأعضاء الإناث. لم يكن برنامج التضامن عام ١٩٨١ يدعو إلى حظر الإجهاض. لقد أعرب فحسب عن الأمل في أن يقود تحسين الظروف الاقتصادية إلى القضاء على الحاجة إلى إنهاء الحمل. ومع ذلك، تبنت المنظمة في مارس ۱۹۹۰ حظرًا كاملاً للإجهاض، بغض النظر عن الاعتبارات الاقتصادية أو الصحية، على الرغم من معارضة القسم النسائي بالنقابة / المنظمة. وفي ربيع ١٩٩١، تم حل القسم النسائي، كما لم تستشر القيادة الذكورية النساء قبل الموافقة على مشروع قانون لمجلس الشيوخ يحظر الإجهاض.37 ولم يكن موقف التضامن راجعًا فحسب إلى تحالفه مع الكنيسة الكاثوليكية، والتمييز الجنسي لدى أعضاء الاتحاد الذكور، وإنما يرجع أيضًا إلى أن النساء لم يشغلن مواقع قيادية بالاتحاد بينما شكلن 50% من عضوية الاتحاد. وبالفعل، وعلى الرغم المشاركة الجماهيرية للنساء في لجان الإضراب في جدانسك عام 1980 وفي إنشاء خلايا التضامن الذي كان حديث النشأة حينذاك، فقد انخفض بعد ذلك تمثيل النساء بين النشطاء والتنفيذيين.38

لقد أشارت المسوح إلى دعم السكان البولنديين لتيسير نفاذ المرأة إلى الإجهاض، وإن كان مع بعض الشروط، لكن السلطة الأخلاقية للكنيسة، التي تعززت بمقاومتها الطويلة للحكم الشيوعي، جعلت من الصعوبة الشديدة بالنسبة للساسة والصحفيين اتخاذ موقف صريح مؤيد لحق الاختيار (أي ضد رأي الكنيسة).39 وربما كان دفاع الكنيسة وأنصارها عن موقف مضاد تمامًا لموقف النظام السابق، على نفس الدرجة من الأهمية. وقد اجتذب هذا الموقف بعض الدعم الذي يرتبط قليلاً بالمعتقدات حول الإجهاض في ذاته، ويرتبط بدرجة أكبر بالرفض الواسع للشيوعيين. وكان الناتج إصدار قانون للإجهاض في ١٩٩١ يتسم بالتقييد الشديد.

وفي مارس 1993، بدأ تنفيذ قانون جديد أكثر تقييدًا. على أن المد كان على وشك التحول، حيث أبعدت انتخابات سبتمبر ۱۹۹۳ من السلطة الأحزاب المرتبطة بالصدمة الاقتصادية التي صاحبت تحولات السوق، وجلبت مكانها الائتلاف الذي ضم تحالف اليسار الديمقراطي وحزب الفلاحين، وكلاهما يرتبط بوضوح بالنظام الشيوعي السابق. وظهر أن البولنديين يرغبون ببساطة في تقديم وجه أكثر إنسانية، وأكثر بطأ لخطوات التحول الاقتصادي. وفي الوقت نفسه، جادل بعض المحللين أن الناخبين سعوا من خلال الانتخابات إلى دور أكثر تواضعًا للكنيسة التي كانت خطواتها نحو تعزيز سلطتها – بإدخال التعاليم الدينية إلى المدارس، وحظر الإجهاض – معادية لعدد متزايد من الناس، وخاصة النساء البولنديات“. ولم ينجح أي حزب من الأحزاب الثلاثة المرتبطة صراحة بسياسة الكنيسة في تحقيق انتخاب مرشحيه عام ۱۹۹۳. إن صلف المؤسسة وروابطها الوثيقة مع التضامن، الذي اقترن قادته السابقين والجدد بالإصلاحات المكروهة إلى موقف رافض جزئيًّا للكنيسة. ومع حلول عام 1996، حدث تصفيف للقوى في سيجم أدى إلى إصدار قانون جديد للإجهاض أقل قيودًا.40

وإذا انتقلنا إلى أمريكا اللاتينية، نجد الوضع مثيرًا للدهشة مقارنة بحالات أوروبا الشرقية – من زاوية المكاسب الواضحة التي تمكنت النساء من تحقيقها في عديد من البلدان، على الأقل خلال الفترة المبكرة من إعادة تعزيز الديمقراطية. إن تعاظم المشكلات الاقتصادية وتزايد مقاومة السكان للوحشية المستمرة من جانب الجيش أو الدولة قد لعب دورًا رئيسيًّا لفرض هذه التحولات. وعلى نفس الدرجة من الأهمية، أسفرت التحولات عن تغيرات واضحة في القمة – طرد المجموعة الموجودة ووضع إدارات جديدة تمثل برنامج سياسي مختلف وتحدد شكل الحكم. وبالتالي، أصبحت توجد نظم جديدة تشكلت في المعارضة لخلفائها وليس كوسيلة لدعمهم. ونتيجة لذلك، كان الابتعاد عن مسؤولي السلطة السابقين وتعريف برنامج سياسي معارض يتسم بأهمية قصوى. ونتناول أدناه هذه النقطة وعلاقتها المباشرة بمصير النساء.

ومثل خبرات أوروبا الشرقية، كان دور الكنيسة في أمريكا اللاتينية مهمًا لفهم النتائج. في حالة البرازيل، في الستينيات والسبعينيات، ابتعدت الكنيسة الكاثوليكية تدريجيًّا عن الجيش وتوجهت نحو الفقراء، وكانت القطاعات التقدمية من المؤسسة بمثابة مظلة تنظيمية للمعارضة“. وقد أدى الاقتران بالكنيسة إلى منح المعارضة نوعًا من الشرعية المعنوية وشكلاً من الحماية تمكنت أعداد من المنظمات الأخرى بما فيها تنظيمات النساء من الاستفادة به. وعلى الرغم من أن التراتبية الدينية وبعض القساوسة ظلوا معادين للمطالب النسوية، فإن تسييس النوع الاجتماعي داخل المجموعات النسائية المرتبطة بالكنيسة أمد النزعة النسوية البرازيلية الوليدة بقاعدة جماهيرية واسعة ليس لها نظير في أغلب بلدان أمريكا اللاتينية“.41

وفي حالة شيلي، وفرت الكنيسة أيضًا نوعًا من قاعدة الدعم لبدء معارضة النظام، وإن لم يكن بنفس درجة ما حدث في البرازيل. فقد اتخذت المساعدة شكل تقديم العون إلى المجموعات التي جاهدت لتحديد أماكن أحبائهم المختفين. كما قامت الكنيسة أيضًا بإنشاء منظمة تعمل بمثابة مظلة (أكاديمية الإنسانية المسيحية) لتوفير أماكن آمنة لمراكز البحث البديلة، وللتعبير السياسي، وتحديد أوجه المعارضة.42 وكان ذلك مهمًا بوجه خاص في شيلي، لأنه أضفى شرعية على اهتمامات نشطاء حقوق الإنسان في مناخ يزعم فيه النظام العسكري أنه يحمي المجتمع الشيلي من التدمير ويدافع عن القيم المسيحية والغربية“. إن دعم الكنيسة لنشطاء حقوق الإنسان جعل من الصعوبة الشديدة للجيش ممارسة القمع الذي كان يمكنه القيام به على خلاف ذلك.43

وبالانتقال إلى دور المنظمات النسائية في شيلي، على سبيل المثال، يمكن القول إن المنظمات النسائية الرئيسية لم تكن مقترنة بالدولة، مع استثناء المجموعات التي أسسها أوجوستو بينوشيه ووضعها تحت قيادة زوجته. بالعكس، لقد برزت تلك المنظمات النسائية الرئيسية كشكل من أشكال الاحتجاج ضد سياسات الدولة ودفاعًا عن أسرهم، على الأقل بداية. إن مشاركة النساء في الأنشطة الاحتجاجية المختلفة وضعت المنظمات النسائية بوضوح على الخريطة السياسية للنشاط المعادي للنظام في الدول الثلاث. وكانت بعض هذه المجموعات (وأكثرها بروزًا المحتجات في الميادين Madres de la Plaza‘ في الأرجنتين) تستهدف بداية مساءلة الدولة عن أفراد عائلاتهم المختفين“. وركزت مجموعات أخرى على انخفاض مستويات المعيشة الناجم عن الأزمات الاقتصادية. بينما قامت مجموعات أخرى، وخاصة في مرحلة الانتقال البرازيلي التدريجي، بدفع إحداث تغيرات في السياسة الاجتماعية والاقتصادية للدولة لصالح النساء. إن قيام تلك المجموعات بهذا الدور الهام والتعبوي كان يعني أن النظم التي جاءت بعد ذلك لم تتمكن من نبذ تلك المجموعات بسرعة أو بسهولة.

إن العامل الأخير الذي أعطى مطالب المجموعات النسائية وزنًا أكبر دون شك، في فترة التحول، يتمثل في أن الصورة التقليدية للمرأة – كأم، وزوجة، وراعية للمنزل، ومستودع القيم الاجتماعية – كان جزءًا من خطاب النظم السلطوية العسكرية. ولهذا النوع من التمييز الجنسي أثران رئيسيان بالنسبة للنساء وللتحولات القادمة. أولاً، أعمت القيادات السياسية للنظم السلطوية عن الطابع السياسي (في مقابل الإنساني أو الاجتماعي) للتنظيمات النسائية؛ مما أتاح للنساء، دون شك، هامشًا من الحرية لم تتمتع به المجموعات الأخرى. ثانيًا، الاقتران الوثيق بين هذا الخطاب والنظم العسكرية كان يعني رفض نهجهم عند إجبارهم ترك السلطة. هذا التوازي حدث في أوروبا الشرقية. ولكن، مع معرفة سياسات النظم المطرودة، أسفرت النتائج للنساء في البلدان الشيوعية السابقة عن تأكيد الحقوق، وليس تحقيق انفتاح جديد. على أن الأمر كان يعني، في أمريكا اللاتينية، انفتاح فضاء سياسي جديد لمشاركة المرأة وللتعبير عن تلك المطالب التي تتحدى البنى القائمة.

إن هذه العوامل – مشاركة النساء البارزة في إسقاط النظم، والدعم الذي حصلن عليه من الكنيسة (في البرازيل، وبدرجة أقل في شيلي)، ورفض الخطاب الاجتماعي المحافظ لاقترانه الوثيق بالنظم السابقة – كانت تتسم بأهمية كبيرة لتفسير النتائج. أولاً، كانت تعني أن الأحزاب السياسية التي يقودها الرجال أساسًا تحتاج أو تسعى بشكل طبيعي إلى جذب إلى قطاع النساء الذي أصبح موجودًا بوضوح ومعبئًا. ثانيًا، كان للنساء حلفاء (حتى عندما افترقن عنهن حين طرحت بعض القضايا مثل الإجهاض) بين أهم حصون النزعة الاجتماعية المحافظة خارج الدولة – أي المؤسسة الدينية. ثالثًا، الخطاب الذي ناصر إبطال حقوقهن كان ينتمي إلى برنامج النظم المرفوضة. على أن تفسير النتائج باعتباره مستمدًا فحسب من دور النساء البارز خلال عملية الانتقال لا يُعد كافيًا، وخاصة مع معرفة خبرات النساء التاريخية السابقة في حركات التحرر الوطني. ومن الأرجح أن التعبئة التي أظهرتها المنظمات النسائية، ومنحتها بالتالي للفاعلين السياسيين في وقت تعزيز النظام، كانت من الأهمية بحيث كان تجاهلها صعبًا نظرًا للمعارك السياسية الدائرة للفوز بالميزة الانتخابية.

وكانت النتيجة بداية عدد التطورات المهمة الإيجابية للنساء، في البرازيل مثلاً، عندما تولي خوسيه سارني الحكم في 1985 كأول رئيس مدني خلال ٢١ سنة. ومن بين هذه التطورات إنشاء مجلس وطني لحقوق المرأةبوزارة العدل، وحصول عدد من النساء الناشطات والنسويات وغيرهن على أغلبية المقاعد فيه. وخلال الفترة ١٩٨٥١٩٨٨، تدخل المجلس لصالح حقوق المرأة في مجالات تتراوح من الإصلاح الزراعي والتعليمي إلى الإعلام. وبالتعاون مع نساء أخريات، أدت الضغوط التي مارسها المجلس إلى إدراج بنود مهمة من الأجندة النسائية إلى الدستور الجديد.44

في حالة شيلي، وبعد مرور فترة قصيرة من الاستفتاء العام الذي قال لالبينوشيه، تشكل الائتلاف الوطني للنساء من أجل الديمقراطية بغية تعبئة النساء وتقديم أجندتهن إلى الساحة السياسية الوطنية من أجل انتخابات ١٩٨٩. ونتيجة لذلك، اعتبر المرشح الناجح، باتريشيو إيلوين، أن النساء يشكلن مجموعة انتخابية مهمة ووجه نداءه الرئاسي إليهن. وعلى الرغم من أن نتائج الانتخابات لم تؤد إلى مكاسب فورية، فقد اقترح الرئيس إيلوين في مايو 1996 تشريعًا يقضي بإنشاء الخدمة النسائية الوطنية، والتي بدأت بمجرد تأسيسها في إقامة العديد من شبكات العمل، والمبادرات الإعلامية والتشريعية التي تستهدف تحسين وضع النساء. وبينما تعرضت الهيئة لانتقادات عديدة، ولم تحافظ على ديناميتها المبكرة، فقد كانت تمثل إنجازًا مهمًا. كما شهدت شيلي أيضًا تغيرات تشريعية لإصلاح قوانين الطلاق والعمل التي تنطبق على النساء، من أجل إعادة إدخال الإجهاض العلاجي (الذي كان محظورًا في ظل حكم بينوشيه)، ومواجهة العنف الأسري.45

ويمكن القول بإيجاز إن نساء هذه البلدان في أمريكا اللاتينية قمن بأدوار بارزة لإسقاط النظم السلطوية. وبمعرفة طبيعة مرحلة الانتقال (تغير النظام الذي أسقط شرعية المحافظين)، ومجموعات القوي السياسية، تمكنت النساء من الاستفادة من مرحلة الانتقال للدفع من أجل مزيد من الاهتمام بمطالبهن. وعلى الرغم من أن الانتصارات لم تكن كبيرة كما كانت تأمل النساء، بالإضافة إلى فقدان بعض المؤسسات لديناميتها أو اختيارها ذلك على مر الزمن، فقد حققت النساء بعض المكاسب المهمة، وإن كانت داخل إطار دولة بطريركية.

إن وضع خبرات نساء المناطق الثلاث الرئيسية في العالم بجانب بعض قد يضايق البعض دون شك. فأنصار التفسيرات الثقافية، الذين يجادلون بأن الثقافة هي القوة الدافعة في التاريخ، قد تبدو لهم فكرة مقارنة نساء ثلاث مناطق مختلفة، وبالتالي أكثر من ثلاث ثقافات، فكرة غير سليمة على أقل تقدير. وبالفعل، فإن التفسيرات التي يمكن اشتقاقها من إحدى المناطق ودراسة مدى اتساقها من عدمه بمنطقة أخرى قد تبدو هرطقية، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالنساء، إذ تختلف علاقتهم بعالم الثقافة. إنه شكل آخر من التعبير عن طابع النوع الاجتماعي.

وعلى الرغم من اعتقادي القوي بأهمية الدراسة المعمقة لتاريخ المجتمعات ولغاتها ودياناتها لفهم تلك المجتمعات، فإنني لا أزال غير مقتنعة بأن التفسير الذي ينجح في مجتمع ما لا ينجح أيضًا بالضرورة في أماكن أخرى. وفي الوقت نفسه، لا توجد هنا فرضيات ضمنية. إن رغبتي في استكشاف ما إذا كانت الدروس الواضحة المستمدة من حالات أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية (والتي بناها وبحثها المتخصصون فيها ومنها) يمكن أن تتكرر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا تنبع من اعتقاد بعدم أهمية الثقافة أو أن النساء أو الدول لا يختلفون بين مكان وغيره. وبالأحرى، تبدأ المسألة من فضول حول ما يبدو على السطح أنه نماذج شائعة – وهي النتيجة التي تخالف التفسيرات الثقافية. لقد انتهجت هذه الدراسة انطلاقًا من فكرة أن مقارنة خبرات المناطق المختلفة تُعد مسألة إمبيريقية، وهو ما افتراض من وضع متشكك. ومع ذلك، فإنني أعترف بنفوري من فكرة ما يُسمي الاستثنائية الشرق أوسطية، 46 ووجدت أنه مما يثير الإحباط وخيبة الأمل أن الدراسات المقارنة في موضوع النساء والليبرالية، أو قضايا التنمية الاقتصادية والسياسية على نطاق أوسع، عادة ما توضع حالات أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية، أو حالات أمريكا اللاتينية وشرق آسيا، متجاورة. هل يدل ذلك على أنهم أكثر قابلية للمقارنة؟ لا أزال غير مقتنعة بذلك.

الاعتراض الثاني الذي يمكن إثارته يتمثل في أن جرأة المقارنة عبر المناطق تعني إضفاء طابع جوهري على النساء، مفترضة ضرورة وجود شيء غير متغير وثابت حولهن تعززه إمكانية اختبارهن عبر السياقات (مما يسفر عن أن مقارنة النساء داخل المناطق لا يشكل، على الأقل بالضرورة، ممارسة تضفي طابعًا جوهريًّا مماثلاً). ويجب مواجهة هذا الجدال بناء على عديد من الأسس. أولاً وقبل كل شيء، مناطق العالم كما نعرفها هي كيانات مبنية. وعلى سبيل المثال، عند كتابة دراسة تتناول بعض جوانب المناطق الموجودة بالمقارنة في تركيا وبلغاريا، أو المغرب وأسبانيا، وفقًا للتقسيمات الإقليمية الحالية، تُعتَبر الدراسة عندئذ عبر إقليمية؛ على أنها ليست عبر إقليمية إذا كانت المقارنة بين المغرب وتركيا. هذا سخف، بكل صراحة، إذ لا يجب الإفراط في تأكيد أهمية ما يمثل بالفعل موقعًا جغرافيًّا. ثانيًا، إذا أردنا الرد على اتهام الجوهرية، المرتكزة على أسس المقارنة العريضة، إلى أقصاها المنطقي، فإنه يفترض أن أي اقتراح للمقارنة، داخل المناطق أو عبرها، يصبح عرضة لإضفاء طابع جوهري على شيء أو آخر – الدولة، النساء، الاقتصاد، الجيش.. الخ. وفي الوقت نفسه، قد يبدو أن الميل نحو إضفاء طابع جوهري موجود بين من يرفضون دفع البحث الفكري إلى ما يتجاوز حدود مناطقنا الموروثة والمبنية؛ فتلك المقاربة تعني ضمنًا وجود شيء فطري (وغير متغير، ضمنًا) يوحدهم.

إن المشروع البحثي المقارن، مثله مثل الأشكال البحثية الأخرى، يُعد مشروعًا أساسيًّا يستهدف زيادة فهمنا. وهو لا يعني أن الباحث، بمقارنته خبرات النساء عبر المناطق في لحظة زمنية، يفترض عمومية النتائج في جميع الأزمان والأماكن. وإذا وجدت جوانب تشابه، فإنها لا تقضي ضمنًا بالتكرار الدقيق أو إدراج جوهر غير متغير. وإن لم نتمكن من الاشتراك في تلك المقابلات الفكرية بشكل شرعي، علينا ببساطة إذن رفض جميع المحاولات الرامية إلى التنظير والاكتفاء بمجرد وصف صارم للأحداث الفردية. إن هذه الدراسة تمثل نهجًا يختلف عن الاتجاه السائد، وإن لم يشعرني بالراحة. لقد بدأت قراءاتي لإعداد هذا المشروع دون أن أعرف إلى أين يقودني. لقد وجدت في حالات أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية عددًا من العوامل المتشابهة. وقادني فضولي إلى التساؤل عما إذا كانت تلك القوى والعمليات المقارنة يمكن إيجادها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

إن اختيار موضوع العرض وشكله لا يعني أن فترات الليبرالية السياسية تقود فجأة إلى اعتراف الدولة بأهمية النساء. فالحجم الهائل من الأدبيات التي تدور حول الدولة يوضح اهتمامها بالنساء منذ فترة طويلة، من زاوية والسيطرة عليهن، على الرغم من الافتقار إلى سياسة صريحة أو بنية مؤسسية. وبالفعل، يُعد افتقاد سياسة واضحة في واقع الأمر سياسة. ولهذا، وجود النساء غير المرئي في العملية السياسية في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (على الأقل على المستوى القومي، وعادة مستوى البلديات والمجتمع المحلي)، لا يجب بأية حال اعتباره ناتجًا عن الافتقار إلى اهتمام الدولة. ويمكن القول بالفعل إن فترة غياب النساء الطويلة عن السياسة العامة الرسمية في بعض البلدان، فضلاً عن زيادة بروزهن نسبيًّا في بلدان أخرى، يمكن إرجاع جزء كبير منه إلى في سياسات متعمدة للدولة والمجموعات أو المؤسسات المتحالفة معها. ففي بعض الدول، ولأسباب تتعلق بالبنى الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية الداخلية وأيديولوجية الزمرة الحاكمة و/أو شرعية الدولة، كانت النساء مستبعدات باستمرار وواجهت محاولاتهن للاضطلاع بدور أكبر معارضة (ينطبق هذا النموذج بدرجات مختلفة على كل من الكويت، والعربية السعودية). وفي بلدان أخرى، قادت نفس مجموعة العوامل إلى تبني نسوية الدولة، أي السياسات التي منحت النساء مزيدًا من الحقوق وتبنت في الواقع جوانب من أهدافهنبوصفها جزءًا من برنامج النظام (مثل: تونس، وسوريا، ومصر، والعراق في عهد صدام حسين). وتجدر الإشارة إلى أنه في الحالتين، وعلى الرغم من محاولات المنظمات النسائية في فترات تاريخية معينة لإعادة تعريف الحدود أو إثارة قضايا جديدة، فإن الدولة نجحت، بشكل عام، في تهميش أو استبعاد تلك المطالب التي تحدت مصالحها.

هناك نقطة أخرى أيضًا تحتاج إلى توضيح. ونحن لا نزعم هنا تقديم أو حتى محاولة تقديم واقع جميع النساء بل ينصب تركيزنا على ميدان المعركة السياسية القومية. فعلى هذا المستوى يُتخذ قرار الليبرالية وينجح. وعلى هذا المستوى أيضًا يتيسر تحديد أغراض الدولة (وغيرها من الفاعلين السياسيين).

إن التركيز على المستوى القومي كان يعني، بالضرورة، التركيز على نساء الحضر من الطبقة الوسطى إلى الشرائح العليا منها، واللاتي بفضل التعليم والموارد وغيرها من العوامل تیسر نفاذهن المباشر إلى السياسات الوطنية، أو تأثرت غالبيتهن بها تأثيرًا مباشرًا. ولا نعني بذلك أن السياسات الخاصة المتعلقة بالنساء تكون محدودة بهذا المستوى. بل على العكس، تتخلل علاقات القوة هذا المستوى وتؤثر على جميع مستويات وجوانب الحياة: من دائرة مستشاري الرئاسة أو الملكية خلال مختلف المستويات والتراتبيات داخل البيروقراطية، إلى السوق، وإلى مستوى الأسرة. ويمكن تحقيق التغيير، الذي يؤثر أو يتأثر بالنساء على أي من هذه المستويات، وتُعتبر العملية تفاعلية.

وقد يجادل البعض أيضًا أن المطالبة بتغيير القوانين والممارسات التي تؤثر في الحقوق الإنسانية والسياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية للنساء لا تحظ سوى بقليل من الاهتمام العملي لعدد من النساء لا يتجاوز قدر محدود من النخبة الحضرية. وهذه النقطة لابد من الاعتراف بها. والمرأة في ريف المغرب ينصب اهتمامها على أنها تسير خمسة كيلومترات ثلاث مرات يوميًّا لجلب المياه أكثر من اهتمامها بالمناقشات الدائرة على المستوى القومي حول حق المرأة في إبرام عقد عمل دون إذن زوجها. ومع ذلك، فإن البني والعمليات السياسية غير الديمقراطية، والتي يصعب النفاذ إليها، والتي فشلت في ضمان حقوق النساء في عالم الأعمال التجارية، عادة ما تماثل تلك البنى التي تترك النساء الريفيات أميات ومحرومات من الخدمات الأساسية. وبالتالي، وعلى الرغم من التأثير غير المباشر، وخاصة في عمليات الليبرالية المحدودة، وغير الملموس بالنسبة للقطاعات الفقيرة أو الريفية من المجتمع، فإن زيادة مساءلة النظام السياسي تؤثر في جميع المواطنين بطريقة أو أخرى، سواء في الريف أو الحضر، الأغنياء أو الفقراء، الذكور أو الإناث.

*Laurie Brand, “Introduction”, Women, the State and Political Liberalization, Middle Eastern and North African Experiences (New York: Columbia University Press, 1998), pp. 1-26.

1- انظر/ي:

From Samuel J. Huntington’s title, The Third Wave: Democracy in the Late 20th Century (Norman: University of Oklahoma Press, 1991)

2- يجب التشديد على كلمة هائلة، فكما توضح دراسات الحالة شهدت كل بلد من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحت الدراسة، فضلاً عن البلدان الأخرى التي لم نتناولها بالدراسة تفصيلاً – وخاصة مصر – فترات من التخفيف الضئيل في السيطرة السياسية، أو الانفتاح، قبل الموجة التي حدثت في أواخر الثمانينيات.

3- انظر / ي:

Christine Faure, Democracy Without Women: Feminism and the Rise of Liberal Individualism in France (Bloomington: Indiana University Press, 1991), p. 120.

4- أنظر/ ي، على سبيل المثال:

Valentine Moghadam (ed.), Modernizing Women: Gender and Social Change in the Middle East (Boulder: Lynne Reinner, 1993), chapter 6.

5- تُعد الجزائر واحدة من أسوأ الحالات. انظر/ ي، على سبيل المثال:

Boutheina Cheriet, “Gender, Civil Society and Citizenship in Algeria,” Middle East Report, no. 198 (Jan.-March 1996): 22-26; Marnia Lazreg, The Eloquence of Silence: Algerian Women in Question (New York: Routledge, 1994); and Djamiila amrane, Les Femmes Algeriennes dans la guerre (Paris: Plon, 1991).

وللإطلاع على مناقشة حول اهتمامات النساء الفلسطينيات بهذه القضية، انظر/ي:

Rita Giacaman, Islah Jad, and Penny Johnson, “for the Common Good? Gender and Social Citizenship in Palestine,” Middle east Report, no. 198 (Jan.-March 1996): 11-16.

6- انظر/ي: .O’Donnell and Schmitter, Transitions, P.7

7- نوقشت هذه العملية بشكل عام في إطار الأحلاف، المرجع السابق ص 37-47.

انظر/ ي أيضًا:

Michael G. Burton and John Higley, “Elte Settlements,” American Sociological Review 52 (3): 299-301

8- توجد مشكلة بالطبع عند الحديث حول النتائجفي مثل هذه المواقف، حيث إن حالة الليبرالية التي نتحدث عنها هي بوضوح عملية، أي بمثابة قطار متحرك. وكان اهتمام هذه الدراسة منصبًا على المرحلة المبكرة من الليبرالية، حيث برزت أخطر مشكلات تعزيز النظام وإضفاء المشروعية عليه. ونحن نعرف أن تحديد تلك المراحل لا يتيسر دائمًا.

9- للإطلاع على مناقشة حول التقارب بين البرنامجين الإسلامي والعلماني بالنسبة للنساء في مصر، انظر / ي:

Mervat Hatem, “Egyptian Discourses on Gender and Political Liberalization: Do Secularists and Islamists Views Really Differ?” Middle East Journal 48 (4) (Autumn 1994): 661-676.

10- تناقش ماکسین مولينو (Maxine Molyneux) المصاعب المتضمنة في تعريف وتعميم ما يُشكل اهتمامات المرأةفي:

”Mobilization without Emancipation? Women’s Interests, the State and Revolution in Nicaragua,” Feminist Studies 11 (2) (Summer 1995): 231-232.

11- المرجع السابق، ص ۲۳۲۲۳۳

12- انظر/ ي:

Su’ad Joseph, “Gender and Citizenship in Middle Eastern States,” Middle East Report, no. 198 (January-March 1996), p. 4.

13- تتجلى بوضوح الآراء المتعارضة حول دور الدولة في مختلف المدارس الفكرية التي تتناول التنمية الاقتصادية. ومن الناحية التقليدية، تذهب المدارس البنيوية إلى وجود دور واضح وإيجابي بالضرورة لتدخل الدولة لتحقيق التنمية الصناعية وأهداف الرفاه الاجتماعي. وعلى الطرف الآخر، يعتبر الليبراليون الجدد أن انخراط الدولة يُعد مصدرًا لعدم الكفاءة وسلوكًا يسعى للانشقاق. انظر/ي، على سبيل المثال:

John Brohman, “Economism and Critical Silences in Development Studies: A Theoretical Critique of Neoliberalism,” Third World Quarterly 16 (2) (June 1995): 297-318.

14- إنني ممتنة لجريج وايت (Greg White) لتشجيعي على توضيح هذه النقطة.

15- انظر/ ي:

Hicham Ben Abdallah al-Araoui, “Etre Citoyen dans le Monde Arabe,” Le Monde Diplomatique, July 1995, p. 11.

16- انظر/ ي:

Carol Pateman, The Sexual Contract (Stanford: Stanford University Press, 1988).

لقد طبقت تحلیل باتمان على الأردن في:

“Women and the State in Jordan: Inclusion or Exclusion” in John “sposito and Yvonne Haddad (eds.), Islam, Gender and Social Change (New York: Oxford University Press, 1998), pp. 100-123.

17- انظر/ ي:

Pateman, The Sexual Contract and Joseph, “Gender and Citizenship”, pp 7 – 9 .

18- انظر/ ي:

Floya Anthias and Nira Yuval-Davis, “Introduction,” in Anthias and Yuval-Davis (eds.), Women-Nation-State (London: Macmillan, 1989), pp. 6-7.

19- انظر/ي:

O’Donnell and Schmitter, Transitions، حيث يورد المؤلف في ص 57 قائمة بالقطاعات أو المجموعات التي لعبت دورًا في مراحل الانتقال ولا تضم أي نساء على الإطلاق.

20- الأكثر بروزًا:

Valentine M. Moghadam (ed.), Democratic Reform and the Position of Women in Transitional Economies (Oxford: Clarendon Press, 1993); Nanette Funk and Magda Mueller (eds.), Gender Politics and Post-Communism (New York: Routledge, 1993); and Shirin Rai, Hilary Pilkington, and Annie Phizacklea (eds.), Women in the Face of Change: The Soviet Union, Eastern Europe and China (New York: Routledge, 1992).

ويقدم الكتابان الأخيران تغطية للجوانب السياسية لمرحلة الانتقال.

21- انظر /ي:

Jane S. Jaquette (ed.), The Women’s Movement in Latin America: Participation and Democracy, 2nd ed. (Boulder: Westview, 1994); Sarah A. Radcliff and Sallie Westwood (eds.), Viva: Women and Popular Protest in Latin America (New York: Routledge, 1993).

انظر / ي أيضًا:

Georgina Waylen, “Women and Democratization: Conceptualizing Gender Relations in Transition Politics,” World Politics 46, (3) (April 1994): 327-354.

22- انظر/ ي:

Afaf Marsot, Women and Men in Late Eighteenth-Century Egypt (Austin: University of Texas Press, 1995).

23- انظر/ ي:

Margot Badran, Feminists, Islam and Nation: Gender and the Making of Modern Egypt (Princeton: Princeton University Press, 1995).

24- انظر / ي:

Julie M. Peteet, Gender in Crisis: Women and the Palestinian Resistance Movement (New York: Columbia University Press, 1991).

25- انظر/ي المساهمات في:

Deniz Kandiyoti (ed.), Women, Islam and the State (Philadelphia: Temple University Press, 1991)

26- قدمت میرفت حاتم تعريفًا لنسوية الدولة (في ظل نظام جمال عبد الناصر في مصر) باعتبارها البرامج الطموحة لدى الدولة التي تتولى إدخال تغيرات مهمة لأدوار المرأة الإنجابية والإنتاجية، كما ورد الاقتباس في:

As’ad AbuKhalil, “Toward the Study of Women and Politics in the Arab World The Debate and the Reality.” Feminist Issues 13 (1) (spring 1993): 17

27- تقول دينيز كانديوتي: “من بين جميع المفاهيم التي تولدت من النظرية النسوية المعاصرة، ربما يُعد استخدام البطريركية مفرطًا، وفي بعض الجوانب أقل تنظيرًا” (ص ٢٧٤). وتلاحظ أن النسويات الراديكاليات طبقن ذلك على جميع أشكال أو لحظات الهية الذكورية، بينما ركزت النسويات الاشتراكيات على العلاقات بين البطريركية والطبقة في ظل الرأسمالية. وتستخدم كانديوتي مقاربة تطرح أن النساء يقمن بإعداد الإستراتيجية في ظل مجموعة من القيود الملموسة التي تكشف وتحدد المخطط الذي تسمية المساومات البطريركيةفي مجتمع بعينه، وتختلف المساوماتباختلاف الطبقة والطائفة والإثنية. “وتؤثر على الإمكانات والأشكال الخاصة لمقاومة النساء النشطة أو السلبية في مواجهة قمعهن” (ص ٢٧٥). انظر/ي: D.Kandiyoti, “Bargaining with Patriarchy,” Gender & Society 2 (3) (September 1988): 274-290.

28- انظر/ ي:

Mervat Hatem, “Egyptian Discourses on Gender and Political Liberalization: Do Secularists and Islamist Views Really Differ?” Middle East Journal 48 (4) (Autumn 1994): 661.

29- انظر/ ي:

Mervat Hatem, “Political Liberalization, Gender, and the State,” in Rex Brynen, Bahgat Korany, and Paul Noble (eds.), Political Liberalization and Democratization in the Arab World I (Boulder: Lynne Rienner, 1995). p. 187.

30- انظري، على سبيل المثال:

Moghadam (ed.), Democratic Reform; Funk and Mueller (eds.), Gender Politics: Rai, Pilkington and Phizacklea (eds.), Women in the Face of Change; Nahid Aslanbeigui, Steven Pressman, and Gale Summerfield, Women in the Age of Economic Transformation: Gender Impact of Reforms in Post-Socialist and Developing Countries (New York: Routledge, 1994); Chris Corrin (ed.). Superwoman and the Double Burden: Women’s Experience of Change in Central and Eastern Europe and the Former Soviet Union (Toronto: Second Story Press, 1992).

31- انظر/ ي:

Funk and Mueller (eds.), Gender Politics; Jane Jaquette, The Women’s Movement, Barbara Einhorn, Cinderella Goes to Market: Citizenship, Gender and Women’s Movements in East Central Europe (London: Verso, 1993); Marilyn Rueschmeyer (ed.), Women in the Politics of Postcommunist Eastern Europe (London: M. E. Sharp. 1994); “Women and Political Transitions in South America and Eastern and Central Europe: The Prospects for Democracy,” (Los Angeles: The International and Public Affairs Center, Occidental College, working paper, 1992).

32- انظر/ ي:

Renata Siemienska, “Women and Social Movements in Poland,” Women & Politics 6 (4) (winter 1986): 24.

33- انظر: المرجع السابق، ص 16

34- أنظر/ي:

Barbara Einhorn, “Democratization and Women’s Movements in Central and Eastern Europe: Concepts of Women’s Rights,” in Moghadam (ed.). Democratic Reform, p. 48

35- انظر/ ي:

Doina Pasca Harsanyi, “Women in Romania,” in Funk and Mueller (eds.), Gender Politics, pp. 48

36- المرجع السابق، ص 49

37- انظر/ ي:

Siemienska, “Women and Social Movements in Poland,” pp. 29, 30 and 32

38- انظر / ي:

Ewa Hause, Barbara Heyns, and Jane Mansbridge, “Feminism in the Interstices of Politics and Culture: Poland in Transition,” in Funk and Mueller (eds.), pp. 262- 63.

39-انظر/ي:

Malorzata Fuszara, “Abortion and the Formation of the public Sphere in Poland,” in Funk and Mueller (eds.), p. 243.

40- وفي النهاية، تمت لبرلة القانون مرة أخرى في أغسطس 1996 LA Times, August 31 للإطلاع على خلفية حول التحولات، انظر:

Danil Singre, “of Lobsters and Poles, “The Nation, December 20, 1993m p. 765.

41- انظر/ي:

Sonia Alvarez, “The (Trans)formation of Feminism(s) and Gender Politics in Democratizing Brazil, in Jaquette (ed.), The Women’s Movement, pp. 15-16.

42- انظر/ي:

Patricia M. Churchryk, “From Dictatorship to Democracy: The Women’s Movement in Chile,” in Jaquette (ed.), The Women’s Movement, p. 77

43- أنظر/ ي : O’Donnell and Schmitter, Transitions, p. 52.

44-Alvarez, “Democratizing Brazil,” pp. 41-43

45-Churchryk, “The Women’s Movement in Chile,” pp. 79, 86, 88-89 46-

46- للإطلاع على مناقشة لمسألة الاستثنائية شرق الأوسطية أو العربية، انظر/ي:

Ghassan Salameh, “Introduction: Where are the Democrats?,” and John Waterbury, “Democracy Without Democrats,” in Ghassan Salameh (ed.), Democracy Without Democrats: The Renewal of Politics in the Muslim World (New York: I. B. Tauris, 1994).

انظر/ ي أيضًا:

Fred Halliday, Islam and the Myth of Confrontation: Religion and Politics in the Middle East (New York: I. B. Tauris, 1996) and Olivier Roy, The Failure of Political Islam (Cambridge: Harvard University Press, 1994).

شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي