النساء في البرلمانات الأفريقية

تاريخ النشر:

2008

اعداد بواسطة:

ترجمة:

النساء في البرلمانات الأفريقية:

تحول قارئ؟

جريتشين بوير وحنا بريتون

ترجمة: حسن أبو بكر*

لقد ظلت دول في شهر أكتوبر سنة 2003، وبعد أقل من عقد على مذابح الإبادة الجماعية الرهيبة التي حصدت أرواح ما يقرب من مليون من البشر في غضون أشهر قليلة، انتخب المواطنون في دولة رواندا الصغيرة الواقعة شرقي أفريقيا تسع وثلاثين امرأة في مجلس النواب البالغ عدد مقاعده ثمانون مقعدًا. وبين عشية وضحاها احتلت رواندا المكانة التي كانت تحتلها السويد بوصفها البلد صاحب أعلى نسبة من النساء في مجلسه التشريعي الوطني (1) لقد ظلت دول اسكندينافيا وشمال أوروبا لعقود طويلة تتقدم دول العالم في نسب تمثيل النساء في البرلمانات، تراوحت هذه النسب بين 35 إلى 45 % بنهاية العقد الأخير من القرن العشرين. كانت هذه النسب العالية تمثل زيادة بطيئة ومطردة بمرور الوقت، وقد نجمت عن تضافر مجموعة من العوامل، منها علمنة المجتمع، وتطور دولة رفاهية ممتدة الخدمات، وتزايد تعليم النساء، وزيادة مشاركتهن في قوة العمل، والضغوط التي مارستها المنظمات النسائية على أحزاب سياسية اجتماعية ديمقراطية استجابت لهذه الضغوط، والاستخدام الاختياري (الانتقائي) لنظم انتخابية بعينها، وتخصيص حصصللنساء في الأحزاب (Dahlerup 2004). وعلى عكس كل ذلك، وفي مسار انتخابات وحيدة، قفزت نسبة المقاعد التي فازت بها النساء في برلمان رواندا إلى 48.8%.

ورواندا ليست الدولة الوحيدة في أفريقيا جنوبي الصحراء، فعبر السنوات العشر الماضية تحركت دول أفريقية عديدة من القاع إلى القمة – بمعنى الكلمةفي قائمة الدول من حيث تمثيل النساء في المجالس التشريعية. لقد مهدت جنوب أفريقيا وموزمبيق الطريق في انتخابات 1994 التي شهدت عددًا معتبرًا من النساء (25 بالمائة) ينتخبن في برلمان كل منهما. وفى انتخابات 2004 حققت كلتا الدولتين إنجازًا أفضل، حيث ارتفعت نسبة مقاعد النساء إلى 32 % في مجلسيها التشريعيين. وفي بدايات عام 2005 شهدت ثلاث دول أفريقية أخرى هي: سيشيل، وناميبيا، وأوغنده حصول النساء على ما لا يقل عن 24% من مقاعد برلماناتها الأدنى أو ذات المجلس الواحد. وفي دول أفريقية أخرى انشغلت الناشطات والسياسيات من النساء في تعبئة منظمات المجتمع المدني والضغط على الأحزاب السياسية كي تحذو حذو الدول المجاورة. وهذا تطور جدير بالذكر في عالم تتراوح فيه المتوسطات الإقليمية لتمثيل النساء في البرلمانات بين 6 % في الدول العربية إلى 18 % فقط في الأمريكتين (تصل النسبة إلى 40% فقط في دول الشمال السابق ذكرها)(2). كما يعد ذلك أيضًا إنجازاً رائعاً في قارة لا تزال النساء فيها متأخرات حتى عن نظرائهن في الدول النامية في أي رقم من المؤشرات الاجتماعية الاقتصادية، ولا تتفوق أفريقيا إلا في معدلات الإصابة بمرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)(3).

في هذه الدراسة نتناول بالفحص التمثيل السياسي الوطني للنساء في ست دول أفريقية. ونوضح كيف أمكن في خمس من هذه الدولهي موزمبيق وناميبيا ورواندا وجنوب أفريقيا وأوغنده تحقيق تقدم مهم في مجال التمثيل السياسي للنساء على الرغم من انتشار عدم المساواة بين الجنسين والعلاقات الاجتماعية الأبوية (البطريركية) والسيادة التاريخية للذكور في المجال السياسي. وفي حالة أخرى مدروسة في هذا المقال هي السنغال لم تحقق النساء المكاسب نفسها، ونسعى هنا لمعرفة لماذا لم يحدث ذلك! وبالإضافة إلى ما سبق، نقدم تقييماً أولياً لتأثير وخبرات البرلمانيات الأفريقيات اللاتي فزن بمقاعدهن. لقد اخترنا موزمبيق وناميبيا ورواندا وجنوب أفريقيا وأوغنده، لأنها تمثل الدول الأفريقية الخمس القارية من بين أعلى 25 دولة على مستوى العالم من حيث تمثيل النساء في المجالس النيابية الوطنية. وتقدم السنغال، ذات مستوى التمثيل الأقل ولكن النامي، حالة نقيضة مثيرة للاهتمام من غرب أفريقيا (4). وتقدم الدول الست معاً عينة من الدول الأفريقية من الأقاليم الشرقية والغربية والجنوبية للقارة، كما أنها عينة ممثلة للتقاليد الأنجلوفونية والفرانكوفونية واللوزوفونية.

على الرغم من أن البرلمانيات (النساء عضوات البرلمان) من خارج أفريقيا قد جذبن اهتمام كثير من الدارسين (على سبيل المثال: Tremblay،(2005)(2002) Ross ))، لم يكن نصيب البرلمانيات الأفريقيات من الاهتمام كمجموعة، مماثلاً (5). في السنوات الأخيرة ظهر عدد قليل من الدراسات التي بحثت عضوات البرلمان في دولة أفريقية واحدة. ( 2004 Bauer, 2005 Britton،2000 Geisler, 1999 Tamale) (6). وبالإضافة إلى ذلك ثمة ثلاث دراسات كمية (2004 Lindberg 2004.2001 Yoon ) قامت بفحص تأثير سلسلة من المتغيرات النوعية على التمثيل البرلماني للنساء في أفريقيا. كان لكلا النهجين مواطن ضعفهما. ونحن نسعي في هذه الدراسة أن نخطو إلى ما هو أبعد من دراسات الحالة الوحيدة والمقتربات الكمية الضيقة، لكي نقدم دراسة مقارنة لعضوات البرلمان الأفريقيات، اعتماداً على بيانات كيفية (وصفية) جُمعت أثناء بحث ميداني ممتد في عديد من الأقطار الأفريقية. إننا بذلك نأمل في سد فجوة واسعة في الأدبيات المقارنة المتعلقة بالمشاركة السياسية للنساء وتمثيلهن السياسي عبر العالم أجمع.

 

تساق عديدة لزيادة مستوى التمثيل السياسي للنساء في المجالس المنتخبة. تعرف آن فیلیپس Ann Phillips (1998 – 228) أربع مجموعات من الحجج: “هناك حجج تركز على القدوة التي تقدمها السياسات الناجحات، وهناك مجموعة تدعو إلى مبادئ العدالة بين الجنسين، وهناك ما يركز على أن إعطاء اهتمام خاص بالنساء خشية نسيانهن، وهناك ما يشير نحو إعادة إحياء ديمقراطية تعبر الفجوة بين التمثيل والمشاركة“. تؤيد فيليبس (1998، 228 – 238) ثلاثاً من هذه الحجج الأربع، مؤكدة على أن تحقيق المساواة بين الرجال والنساء في التمثيل السياسي أمر ضروري، لأن احتكار الرجال للتمثيل ظلم بين وشائه، ولأن تغيير تركيبة المجالس المنتخبة سوف يساعد على زيادة وتعزيز الديمقراطية، ولأنه بدون هذا التغيير لن يمكن الاستجابة لاحتياجات النساء ومصالحهن وهمومهن بشكل كافٍ، وعلى الرغم من أن فيليبس لم تحبذ حجة القدوة، أشار باحثون آخرون إلى الأثر الإيجابي القوى لانتخاب أول امرأة (أو أول مجموعة من النساء) للمجالس السياسية – على الانتخابات التي ستجرى في المستقبل (2004 Lindberg, 1999 Reynolds, 1988 Dahlerup ).

ولكن، هل يمكن افتراض أن مصالح النساء سوف تمثل تمثيلاً أفضل بمجرد انتخاب المزيد منهن في المجالس التشريعية الوطنية؟ بصفة عامة تشير الدراسات حول تمثيل النساء في المجالس النيابية إلى أهمية التمييز بين التمثيل الوصفى” (أو الديموجرافي) والتمثيل الجوهرىالحقيقي” (أو الاستراتيجي). تنظر آن ماری جوتيز وشيرين حاسم (2003، 5) إلى هذه المسألة كالفرق بين وجود أنثوىو نشاطية نسويةفي السياسة. ویری ریتشارد ماتلاند وميشيل تيلور (1997، 201) أن درجة التمثيل الوصفي في كيان تشريعي أمر مهم لثلاثة أسباب:

أولاً، بمقدار استبعاد مجموعة من المجتمع بسبب بعض الخصائص الوصفية (اللون، الجنس)، لن يستفيد النظام الحاكم من مواهب هذا الجزء المستبعد من السكان. وبمقدار إنكار حق النساء من الوصول إلى البرلمان، يفقد المجتمع إسهامات خمسين في المائة من أكثر سكانه موهبةثانياً، بمقدار ما يكون للجماعات التي لا تحظى بالتمثيل الملائم وجهات نظر مختلفة تجاه القضايا العامة، يؤدى حرمانهم إلى إفقار الجدل العام حول هذه القضاياثالثاً، بمقدار ما لهذه الجماعات من أولويات سياسية مختلفة، سوف يعني حرمانهم من التمثيل أن أولويات المجلس المنتخب لن تكون ممثلة للجمهور كله.

تری جونيز وحاسم (2003، 5) أن التفريق بين التمثيل الوصفي والتمثيل الجوهري (المادي) قد يكون مبالغاً فيه، ومن وجهة نظرهما يريان أنه قد يكون أكثر فائدة اعتبار التمثيل الوصفى خطوة أولى ضرورية نحو تحول مؤسسى لابد منه للوصول إلى التمثيل الجوهري“.

والتأكيد على فكرة التمثيل الجوهري، يفترض أن هناك مجموعة من القضايا أو الاهتمامات قد تعتبر قضايا أو اهتمامات نسائية، وأن النساء بمجرد وصولهن إلى البرلمان سوف يشرعن في العمل عليها، تقول چونی لوفیندوسكی (1997، 718) أنه إذا كانت النساء البرلمانيات يردن أن يصنعن فرقاً فمن الضروري عليهن أن يمتلكن وجهات نظر محدودة ومميزة إزاء قضايا المرأة، وأن يحملن وجهة نظر النساء إلى صنع القرار السياسي، أو أن يجلين أسلوبًا مختلفًا ومنظومة من توقعات الأدوار إلى حلبة السياسة“. ثمة كتابات كثيرة، تعتمد أساساً على خبرات نساء برلمانيات في الدول المتقدمة، تشير إلى أن الساسة من النساء على المستويات المحلية والوطنية يحدثن فرقاً من حيث السياسة والتنفيذ. إنهن، بالفعل، يمثلن مصالح النساء واهتماماتهن (انظر Matland &،1997 Hyland Byrne, 1991 Thomas 2004 Sainsbury،2000 Bochel and Briggs،1997 Taylor) فى بريطانيا، على سبيل المثال، يرى لوفيندوسكي وبيبانوريس (2003، 100) أن النساء في جميع الأحزاب الكبيرة يجلبن معهن، فعلاً، مجموعة مختلفة من القيم إلى القضايا التي تؤثر على مساواة النساء، في أماكن العمل، في المنزل، وفي الفضاء العام، وتخلص الكاتبتان أنه مع مرور الوقت سيكون لدخول مزيد من النساء إلى وستمنستر القدرة على فعل ما هو أكثر من مجرد اختلاف رمزي على وجه الديمقراطية التمثيلية البريطانية“.

مع وجود 45 % من أعضاء البرلمان في السويد من النساء الآن، استطاعت النساء في السويد تحقيق تقدمين مهمين سيكون لهما تأثيرات بالغة الأهمية على النساء المنتخبات في كل مكان. أولاً، طبقاً لديان سينسبري Dian Sainsbury (2004، 65 ) لقد أعدن تعريف بوصفها مطالب من أجل المساواة في النوع الاجتماعي“. وبالتالي لقد حولن قضايا النساء. قضايا النساء، التي كان ينظر إليها من قبل على أنها تخص النساء اللائي كن أقلية خاصة، إلى قضايا رئيسية على جدول أعمال الأحزاب. والحقيقة أن هذا التغيير يعيد صياغة الظروف من أجل التمثيل الجوهري“. ثانيًا، نجحت النساء في چندرة إضفاء النوع الاجتماعي على المطلب من أجل ديمقراطية أكبر. إن تأطير قضية تمثيل النساء بهذه الطريقة قد حول النساء السياسيات استراتيجيًا من أقلية داخل كل حزب من الأحزاب إلى أغلبية من المواطنين تحسن من فرص التمثيل الوصفى“.

وفى النهاية، لقد كان يحتج بأن ترجمة التمثيل الوصفي للنساء إلى تمثيل جوهري فعال تتطلب انتخاب كتلة حرجة من النساء – 30% على الأقل في كيان تشريعي بعينه. إن تطبيق مفهوم الكتلة الحرجة على تمثيل النساء في السياسة، قد ظهر للمرة الأولى في أعمال درود داليروب Drude Dahlerup سنة 1988. وتشير لوفيندوسكي وعزة كرم (2002، 2) إلى أن دراسات Dahlerup عن النساء البرلمانيات في السويد أظهرت تأثير الكتلة الحرجة: “عملت النساء السياسيات على حشد نساء أخريات، وطورن تشريعًا جديدًا ومؤسسات جديدة لمصلحة النساء ومع زيادة أعدادهن صار من الأسهل على المرأة أن تصبح امرأة سياسية، وتغيرت نظرة الجمهور إلى النساء السياسيات“. وفي الوقت ذاته، رأى آخرون أن حتى وجود كتلة حرجة من النساء البرلمانيات قد لا يكون كافياً (8). باستعراض حالات كينيا وأوغنده وجنوب أفريقيا، ترى حنا بريتون Hannah Britton (2005، 18) أن عوامل كثيرة أخرى قد تؤثر في قدرة النساء على النجاح للوصول إلى البرلمان، بما فيها سياسات الرعاية Patronage policies، والأعراف الأبوية للمجتمع، والسلطوية الاجتماعية. إن تحقيق الكتلة الحرجة ليس دواءً ناجعًا لعلاج اختلالات عدم المساواة المجتمعية للنوع الاجتماعي. وفي الوقت ذاته، كما سوف توضح هذه الدراسة، يبدو جليًا أن هناك فوائد يمكن جديدة لمصلحة النساء. ومع التعرف عليها من وجود عدد كبير نسبيًا من النساء في المجلس المنتخب.

في يونيو (حزيران) سنة 2000، أطلقت منظمة النساء للبيئة والتنمية، ومقرها مدينة نيويورك، حملة 50/50، سعياً إلى رفع مستوى مشاركة النساء في السياسة وصنع القرار إلى 50 % في كل أنحاء العالم. وعند بدء الحملة أعلن منظموها أسبابهم للانضمام إلى الكفاح من أجل زيادة التمثيل السياسي للنساء: “إننا نعترف أن الأعداد شرط ضروري لكنه ليس كافيًا من أجل مشاركة نسائية كاملة، ومتساوية، وفعالة وقائمة على الدراية بالمعلومات، في صنع القرارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. بيد أنه توجد شواهد على أنه عندما تدخل النساء بأعداد كبيرة إلى دوائر صنع القرار، سيكون من الأرجح ان تصبح قضايا مثل رعاية الأطفال والعنف ضد النساء والعمل غير المدفوع الأجر ذات أولوية أكبر لدى صانعی السياسات“. (WEDO بدون تاريخ). قامت أكثر من 12 دولة بإطلاق حملات وطنية رافعة شعار 50 / 50، بما في ذلك ناميبيا، وجنوب أفريقيا، وأوغنده. وفي هذه الدول ركزت الناشطات من النساء ليس فقط على الحاجة إلى مزيد من النساء في السياسة، ولكن أيضًا على كيفية إدخالهن إلى هذا المجال.

بافتراض أن النساء والرجال ينبغي أن يمثلوا تمثيلاً متساوياً على كل مستويات السياسة وصنع القرار، يظل السؤال: كيف ينبغي الوصول إلى هذا التمثيل المتساوي؟ البحث الراهن يعرف عدداً من العوامل الرئيسية التي ساعدت على المجيء بمزيد من النساء إلى مجالس تشريعية وطنية. هذه العوامل تشمل تطويع النظم الانتخابية (استخدام أنماط بعينها من النظم الانتخابية والحصص الانتخابية القائمة على النوع الاجتماعي)، التوجهات الأيديولوجية للأحزاب السياسية الرئيسية والضغط الذي يمارس عليها من قبل الحركات النسائية الوطنية، والاتجاهات الاجتماعية والثقافية على مدار الوقت. ويجب أيضًا أن تكون هناك نساء مرشحات مستعدات لخوض غمار دخول المؤسسات السياسية الوطنية.

في هذه الدول التي حققت تاريخياًأعلى تمثيل للنساء في مجالسها التشريعية الوطنية – السويد والنرويج وفنلنده والدنمارك (بنسب وصلت إلى 45.3 %، 38.2 %، 37.5%، 36.9 % – على الترتيب في بداية سنة 2005) – استخدمت جميعها نظامًا انتخابيًا يقوم على التمثيل النسبي، بالإضافة إلى (باستثناء فنلنده) شكل ما من الحصص الطوعية التي تتبناها الأحزاب، الآن وفي الماضي (بالنجتون Ballington – 2005. 125)). ويعتبر نمط النظام الانتخابي واستخدام الحصص الانتخابية أمرين مهمين على وجه الخصوص، لأنه بخلاف الاستراتيجيات الأخرى الهادفة إلى زيادة مستوى التمثيل النيابي للنساء، مثل تغيير الثقافة السياسية ومستوى التنمية الاقتصاديةمن الأسهل نسبيًا تغيير البنى المؤسسية” (جرای Gray 2003. 55). وكما يلاحظ ماتلاند Matland (2002. 5): “تغيير النظام الانتخابي غالباً ما يمثل هدفاً أكثر واقعية بكثير من تغيير نظرة الثقافة إلى المرأة تغييرًا جذريًا“.

النظم الانتخابية مسألة رئيسية، لأن اختيار النظام يعظم أو يقلل من قدة الأحزاب السياسية على تطويع قائمة المرشحين” (التعامل مع قائمة المرشحين)” (Meintjes & Simons 2002، 167). وبصفة عامة تعتبر نظم التمثيل النسبي أفضل للنساء من نظم التعددية الأغلبيىة أو نظم التمثيل شبه النسبي (9). تقرر چولی بالنجتون للنساء Julie Ballington (2004، 125 ) أنه في سنة 2004 استخدمت كل الدول الخمس عشرة باستثناء دولتينذات المعدلات الأعلى في تمثيل النساء على مستوى العالم استخدمت نظامًا انتخابيًا يعتمد على التمثيل النسبي (بينما استخدمت الدول ذات المعدلات الأقل نظمًا تعتمد على التعددية – الأغلبية، وكان متوسط تمثيل النساء في مجالسها التشريعية 1%).

باستخدام منظومة بيانات من 127 حالة انتخابات أفريقية جرت بين عامي 1989 و 2003 توصلت ستافان لندبرج Staffan Lindberg (2004, 35 ) إلى نتيجة عامة مؤداها أن كلما كانت الانتخابات نسبية، زادت نسبة المقاعد التي يمكن أن تحتلها النساء في المجلس التشريعي“. لقد قدمت أسباب عديدة لتفضيل النساء خوض الانتخابات بموجب نظام القائمة النسبية (التمثيل النسبي) مقارنة بنظام التعددية الأغلبية الانتخابي. وربما كان أهم هذه الأسباب حقيقة أنه من الأسهل كثيرًا تنفيذ نظام الحصص في ظل التمثيل النسبي مقارنة بنظام الأغلبية (بالنجتون 2004، 126). وثمة سبب آخر هو أن العدوى” – بمعنى أن أحزاباً تتبنى سياسات أحزاب أخرى تكون أكثر احتمالاً في نظم التمثيل النسبي منها في نظم الأغلبية (ماتلاند 2002، 7).

وفي الوقت ذاته، ليست كل نظم التمثيل النسبي الانتخابية متماثلة، وهناك عوامل محددة تساعد على مزيد من تحسين تمثيل النساء (ماتلاند 2002، 8 -9). وهذه العوامل تشمل القوائم الحزبية المغلقة، زيادة حجم الدائرة الانتخابية، وارتفاع الحدود (العتبات) الانتخابية. في نظام التمثيل النسبي المعتمد على القائمة المغلقة (بعكس القائمة المفتوحة)، يقرر الحزب ترتيب وضع المرشحين على قائمة الحزب، ولا يمكن إزالة أسماء النساء من القائمة أو تحريك أسمائهن إلى أسفل القائمة بواسطة المصوتين خلال الانتخابات، الأمر الذي أظهرته الخبرات مع نظام القائمة المفتوحة. وحجم الدائرة يشير إلى عدد المقاعد المخصصة لكل دائرة. “كلما زاد عدد المقاعد المخصصة للدائرة، سوف تزيد الأحزاب عدد المرشحين على قوائمها (لأن ذلك معناه الفوز بمزيد من المقاعد)، كما أن مزيدًا من الأحزاب سوف يكون لها أكثر من عضو (من المفترض أن يكون منهم مزيد من النساء) مرشح“. والنظام الأكثر تفضيلاً للنساء هو النظام الذي يكون فيه البلد بأكمله دائرة انتخابية واحدة. وأخيرًا، ينظر إلى الحدود الحرجة الانتخابية الأعلى على أنها من مصلحة النساء. فالحدود الحرجة المنخفضة طبقاً لـ ماتلاند، تشجع على خلق (ظهور) الكثير من الأحزاب الصغيرة التي لا يتاح لها غالبًا سوى إدخال ممثل واحد أو ممثلين اثنين إلى البرلمان. والغالبية من الأحزاب تنحو إلى أن يكون قادتها من الذكور، وعادة ما يحتل قادة الأحزاب الأماكن القليلة الأولى على القائمة“.

(الحصص المخصصة للنساء الكوتا)

تهدف الحصص الانتخابية القائمة على النوع الاجتماعي إلى جلب المزيد من النساء إلى ساحة السياسة، وهذا النظام قد يتخذ أشكالاً عديدة. وعلى الرغم من أن البعض قد يعتبر الحصص نوعًا من التمييز، وانتهاكًا لمبدأ العدالةيراها آخرون تعويضًا عن الحواجز الهيكلية (البنيوية) التي تحول دون المنافسة العادلة” (داليروب 2004، 17) واليومکما تقول (داليروب 2004، 1)، يهدف نظام الحصص إلى ضمان أن تشكل النساء على الأقل أقلية حرجة تتكون من30- 40 % وعادة ما تطبق الحصص كإجراء مؤقت لحين زوال الحواجز التي تعوق دخول النساء إلى السياسة. والحصص قد تكون دستورية، كما هو الحال في أوغنده ورواندا، أو تشريعية، كما هو الحال في أجزاء عديدة من أمريكا اللاتينية، أو متبناة من احزاب سياسية، كما في جنوب أفريقيا وموزمبيق (دالبروب 2004، 18). يقدم دستور أوغنده لسنة 1995 “مقاعد محجوزةللنساء هناك مقعد برلماني في كل دائرة من دوائر البلاد محجوز لامرأة. وفي الدستور مواد أيضًا لمقاعد أخرى محجوزة لاعتبارات ليست ذات صلة بالنوع الاجتماعي. ومن حق النساء الترشح لهذه المقاعد وغيرها من المقاعد البرلمانية الأخرى العادية في أوغنده، وهذا ما حدث بنجاح، وفي أمريكا اللاتينية في التسعينيات (من القرن العشرين) وافقت إحدى عشرة دولة على قوانين وطنية تتطلب أن يكون 20- 40 في المائة على الأقل من المرشحين في الانتخابات الوطنية من النساء. وكانت الأرجنتين الأكثر نجاحاً بين هذه الدول، حيث طبقت حصة مقدارها 30 % جنبًا إلى جنب نظام القائمة المغلقة للتمثيل النسبي، فحققت بذلك نسبة قدرها 31% من تمثيل النساء في البرلمان (جرای 2003).

استخدمت الحصص المعتمدة على الحزب السياسي (أي الحصص التي يتبناها الحزب السياسي) بواسطة الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية في بعض الدول الاسكندنافية. في سنة 1983 قرر حزب العمال النرويجي أنه في جميع الانتخابات والترشيحات يجب تمثيل كلا الجنسين بنسبة 40 % على الأقل“. وفي سنة 1994 اتخذ الحزب الاشتراكي الديمقراطي في السويد الخطوة الأكثر درامية بإدخاله مبدأ كل ثاني اسم على القائمة يكون امرأةفي قوائمه الحزبية (داليروب 2002، 4). ولقد تبنت أحزاب الجنوب الأفريقي هذه القوائم قوائم الحمار الوحشي” – أي أن الرجال والنساء يتبادلون المواقع كالأشرطة السوداء والبيضاء على جسم الحمار الوحشي. وكثير من المراقبين يعزون النسبة العالية لتمثيل النساء في الدول الاسكندنافية، منذ سبعينيات القرن الماضي، إلى استخدام الحصص. بيد أن داليروب تلاحظ أن الحصص الاسكندنافية لم ينص عليها أبدًا في القوانين، وأنه تم تبنيها فقط على مستوى الأحزاب السياسية (وليست كل الأحزاب السياسية تستخدمها). وفضلاً عن ذلك، لم تقدم هذه الحصص المعتمدة على الحزب السياسي إلا بعد أن كسبت النساء بالفعل نحو 25 % من مقاعد البرلمان نتيجة للتطورات الاقتصادية الاجتماعية على مدار الزمن. لهذا السبب تحذر داليروب (2004، 18) من أن التجربة الاسكندنافية لا يمكن اعتبارها نموذجاً للقرن الحادي والعشرين، لأن الأمر استغرق 80 عاماً للوصول إلى هذا الوضع“. واليوم، على العكس من ذلك، لا تريد نساء العالم الانتظار كل هذه المدة، لهذا السبب يزداد انتشار الحصص الانتخابية القائمة على النوع الاجتماعي بمعدلات أعلى.

الأحزاب السياسية هي حارسة مشاركة النساء في السياسة، لأن دخول النساء إلى المجالس النيابية مرهون بترشيح الأحزاب لهن (ماتلاند 2002). يصف بالنجتون (2002، 77) الأحزاب بأنها المحدد النهائي لوجود النساء أو غيابهن في المؤسسات السياسية، ومن ثم، في المجال العام“. والأكثر من ذلك، وجدت ميكى كول في دراستها التي أجريت في نهاية التسعينيات عن 12 دولة صناعية متقدمة – أن بعض خصائص الأحزاب السياسية تحسن من احتمالية زيادة التمثيل السياسي للنساء. تقول كول (1999, 94) إن المستويات العليا من المأسسة، والمستوى المحلى من ترشيح وتسمية النساء، مع سيادة القيم اليسارية وما بعد المادية، كلها مكنت الأحزاب من زيادة تمثيل النساء“. وهي تضيف أيضًا أن المستويات العليا من عمل النساء في المكاتب الداخلية للحزب، ووجود قواعد رسمية مصممة لزيادة عدد النساء الأعضاء في البرلمان، ساهما معاً في دفع تمثيل النساء“. وتؤكد كول أهمية نشاطية النساء في الحزب في زيادة التمثيل السياسي لهن. وهي ترى أن هذه النشاطية مسألة حاسمة في تبنى قواعد انتخابية ونظم حصص من شأنها تيسير مشاركة سياسية أعظم للنساء.

والحقيقة أن أهمية الحركات النسائية المعبأة والضغط الذي تمارسه على الأحزاب السياسية قد لوحظت مرارًا وتكرارًا. ففى اسكندينافيا، وفقاً لداليروب (2004, 4 )، كان الضغط المتواصل من مجموعات النساء داخل الاحزاب السياسية والحركات النسائية هو الذي أدى إلى تبنى نظام الحصص من قبل العديد من الأحزاب السياسية، يرى ستيفن ساکسونبرج (2000،154- 155 ) أن غياب حركات نسائية قوية في دول أوروبا الشرقية ما بعد الانتقالية (يقصد ما بعد الانتقال من الانخراط في المنظومة السوفيتية)، كان يعني أن نمط النظام الانتخابي كان له أثر ضئيل على تمثيل النساء، إنه بدون القدرة على ممارسة ضغوط على الأحزاب السياسية لتسمية مزيد من النساء للترشح إلى مقاعد يمكن الفوز بها، لن يكون أمام المنظمات النسائية سوى فرصة ضئيلة لزيادة تمثيل النساء في البرلمانات. وقد اتضح أن مساندة الحركات النسائية كانت حاسمة في ضمان قيام البرلمانات بالترويج لأجندة سياسية تبرز فيها قضايا النساء (بیستیدزنسكی 1992، کارول 1992). وفضلاً عن ذلك، كما تشير سليفيا تاميل (2000، 14)، يحتل وجود حركة نسائية قوية أهمية خاصة للتأكد من أن البرلمانيات الإناث على وعى بالحاجة القوية إلى إعادة تشييد البنى السياسية طبقاً للمبادئ النسوية

في كل الحالات التي توردها هذه الدراسة، حيث حصلت النساء على تمثيل سياسي ذي شأن على امتداد العقد المنصرم، كان المشهد السياسي المشترك هو انتقال سياسي حدث في أعقاب فترة من الصراع الطويل المدى. ففي أوغنده 1986، بعد حرب عصابات طويلة، تمكنت حركة المقاومة الوطنية من الإطاحة بآخر ديكتاتور ضمن سلسلة من الدكتاتوريين، وتملكت زمام الحكم. وفى 1990، وبعد كفاح مسلح دام خمسة وعشرين عاماً قادته من المنفى منظمة شعب جنوب غرب أفريقيا (سوابو)، حصلت ناميبيا على استقلالها بعد خمسة وسبعين عامًا من الحكم الاستعماري الجنوب أفريقي. وفي موزمبيق سنة 1992، أسفرت المفاوضات – التي تمت بمساعدة وسطاء خارجيين في النهاية عن وضع حد لحرب أهلية وحشية استمرت سبع عشرة سنة، وفي سنة 1994 أجريت أول انتخابات متعددة الأحزاب، وأعادت حزب جبهة تحرير موزمبيق (فريليمو) إلى السلطة. وفي جنوب أفريقيا، سنة 1994، فاز حزب المؤتمر الأفريقيالمحترم في أول انتخابات تجرى في البلاد وفق المعايير العالمية، راسمًا بذلك النهاية الرسمية لعقود من حكم الفصل العنصري والكفاح الوطني المسلح الذي دام عشرات السنين. وفي سنة 1994 أيضًا أعلنت الجبهة الوطنية الروانديةعن تشكيل حكومة جديدة بعد هزيمة حكومة الحركة الجمهورية الوطنية من أجل الديمقراطية والتنميةالتي كان مؤيدوها قد أشعلوا نار الإبادة الجماعية التي حصدت أرواح ما يقرب من مليون رواندي. وفي السنغال حدث تحول سياسي أقل درامية بكثير، ولم يكن في أعقاب نزاع طويل الأمدففي سنة 2000 أُقصى الحزب الاشتراكي الحاكم عن السلطة، بعد أن ظل في الحكم منذ استقلال البلاد سنة 1960، وذلك عبر صناديق الانتخابات، وفي سنة 2001 تبنى السنغاليون دستورًا جديدًا.

هذه الأمثلة من التحولات في ست دول أفريقية هي جزء من مجموعة أكبر من التحولات التي شهدتها أفريقيا – خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين من بعض أشكال الحكم التسلطي إلى أشكال من الحكم الأكثر ديمقراطية. هذه الموجة من التحولاتالتي هي جزء مما يسمى الموجه الثالثة للديمقراطية وصفها البعض بأنها التحرر الثاني لأفريقيا، على اعتبار أن فترة الاستقلال كانت هي التحرر الأول لأفريقيا. والواقع أنه في الستينيات من القرن العشرين، وبعد ما يقرب من قرن من الحكم الأوروبي الاستعماري، حققت معظم الدول الأفريقية التحول المهم بحصولها على استقلالها السياسي. وفي معظم الحالات كان انتقال السلطة من الحاكم الأوروبي الاستعماري إلى البلد الأفريقي المستقل حديثاً انتقالاً سلمياً إلى حد نسبي. كانت الاستثناءات قد حدثت في حالات الاستعمار الاستيطاني، كما هو حال الجزائر، حيث كان لزاماً خوض حرب مدمرة لكسب الاستقلال، أو كما في حالة العديد من دول الجنوب الأفريقي التي لم تنل استقلالها إلا في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، بعد عقود من النضال الدبلوماسي والمسلح. بالنسبة لعدد قليل من هذه البلدان، كان التحرر الثاني لأفريقيا هو تحررهم الأول.

في الستينيات من القرن العشرين، كان النظام السياسي للسلطة الاستعمارية الراحلة هو بالضبط وبالإجمال ما تبناه البلد الأفريقي حديث الاستقلال. ففي المستعمرات الإنجليزية السابقة (الأنجلوفون) طبق نموذج وستمنستر البرلماني، مع وجود رئيس وزراء مع سلطات تنفيذية وتشريعية مندمجة. أما المستعمرات الفرنسية السابقة (الفرانكوفون)، فقد احتضنت النموذج الفرنسي المتمثل في نظام مركزه رئيس الجمهورية، حيث ينفصل الفرعان التنفيذي والتشريعي من السلطة. جاءت أول دورة من الانتخابات التي أجريت وفق النظم العالمية المعروفة بالحركات القومية إلى السلطة، وملأ ممثلوها المتحمسون مقاعد المجالس الوطنية التشريعية. في كل البلدان الأفريقية المستقلة أعطيت النساء حق التصويت، جنباً إلى جنب الرجال، عند الاستقلال. وفي كثير من الدول كوفئت النساء على مشاركتهن في الحركات القومية بإنشاء آليات وطنية للنساء ومنظمات وطنية نسائية. لكن الآمال في مزيد من التقدم سرعان ما أطيح بها. بحلول عام 1964 كان نحو ثلثي الدول الأفريقية المستقلة قد صار دولاً يحكمها حزب واحد. وبحلول 1970 كان نحو سبعين انقلابًا أو محاولة انقلاب قد حدثت في أفريقيا جنوبي الصحراء، وسقط نحو نصف الدول المستقلة آنذاك تحت الحكم هي العسكري. وفي التحول إلى حكم الحزب الوحيد أو الحكم العسكري، هجرت الدساتير وحظرت الأحزاب السياسية (ما عدا الأحزاب الحاكمة)، ومنعت منظمات المجتمع المدني. سقطت معظم البرلمانات فريسة الصمت أو صارت مجرد كيانات للتصديق والموافقة تابعة للحزب الذي في السلطة، وبالنسبة للنساء، كانت الفرصة الوحيدة للتنظيم تلك التي تتاح داخل جناح رسمي في الحزب الحاكم أو داخل الرابطة النسائية الوطنية، التي دائما ما ترأسها زوجة الرئيس (10). لم يخل الأمر من بضع نساء قد يحتللن مقعداً مؤقتاً في البرلمان أو الحكومة على سبيل الرمز أو المظهر، لكن الدور الأكثر شيوعًا لنساء الحزب كان غناء أغاني المديح والرقص في المناسبات والاحتفالات الرسمية.

ما الذي يميز إذن بين الفيض الراهن من التحولات، التي يبدو أن النساء الأفريقيات قد جنين منه الكثير، وتلك التحولات التي حدثت عشية الاستقلال في الستينيات من القرن الماضي؟ ثمة عدد من العوامل يمكن التعرف عليها في حالات البلدان التي سنتناولها لاحقاً. أولاً، وكما أشرنا من قبل، أن أهم التقدمات قد حدثت في دول خرجت لتوها من صراعات. والحقيقة أنه يبدو أن اضطراب العلاقات بين الرجال والنساء (علاقات النوع الاجتماعي) الذي حدث بسبب الصراع الطويل، ربما وفر فرصا لإعادة تصور هذه العلاقات في مرحلة ما بعد الصراع. وبالإضافة إلى ذلك، يبدو أن الصراعات الطويلة قد أنتجت عاملاً ثانياً، وهو الانتخابات بالتحديد كادر من النساء القادرات اللاتي لديهن العزيمة والمقدرة على خوض من أجل البرلمان. إن كثيرًا من هؤلاء النساء قاتلن جنبًا إلى جنب مع نظرائهن من الرجال خلال حروب التحرير و/ أو حصلن على تعليم مميز أو فرص للتدريب عبر البحار أثناء سنوات حياتهن في المنفى. ثمة نساء أخريات صرن ناشطات في الوطن يناضلن ضد حكم قمعى أو ديكتاتوري. ثالثاً، تجرأت النساء ومنظماتهن، بفضل خبراتهن في النضال وتعليمهن في الوطن وفي الخارج، فدفعن أنفسهن إلى غمار عمليات صياغة دساتير جديدة وتقديم مسودات قوانين جديدة أثناء التحولات السياسية. وقدمت الدساتير والقوانين الجديدة، من ناحية أخرى، الأسس القانونية والأطر السياسية للمؤسسات والآليات التي تجلب مزيدًا من النساء إلى المجالس النيابية. كان العامل الرابع هو الأكثر حسمًا بين هذه العوامل بالنسبة لهذه العملية، إنه بالتحديد منظمات النساء والحركات النسائية والضغوط التي مارستها على الأحزاب السياسية لتبنى الاستراتيجيات والآليات التي أدت إلى زيادة تمثيل النساء في الأنشطة السياسية. خامسًا، لعبت حركة عالمية نسائية، تعرفت عليها نساء أفريقيات كثيرات في مسار الصراع، دورًا كبيرًا. شاركت النساء الأفريقيات بنشاط في هذه الحركة، وكن متأثرات بقوة بمنتديات دولية مثل مؤتمرات الأمم المتحدة للمرأة (11).

في السنوات الأخيرة كان يحتج بأن الصراع العنيف، الذي يؤدي إلى اختلالات رئيسية في علاقات النوع الاجتماعي، يمكنه أيضًا تقديم فرص جديدة لعقد مناظرة حول سياسات النوع الاجتماعي، وأيضًا حول رغبة النساء الأفراد في أن يعشن بطريقة مختلفة“. هذا يمكن اعتباره حقيقياً عندما كانت حركات التحرر جزءًا من ذلك الصراع (بانخورست 2002، 127). بالإشارة إلى مثال أوغنده وبعض دول الجنوب الأفريقي، ترى دونا بانخورست) أن الصراع العنيف قد قدم فرصًا مهمة لتغيير علاقات النوع الاجتماعي في عدد من الدول الأفريقية. وسواء كانت النساء قد حملن السلاح من خارج الوطن أو قمن بأدوار الرجال في الداخل بينما كان الرجال يناضلون في السجون، أو يلقون حتفهم، فقد نتج عن ذلك تغيرات عميقة في علاقات النوع الاجتماعي في المناطق الريفية والحضرية حيث بدأ الناس يتساءلون عن الحاجة إلى أدوار جامدة. وعلى الرغم من احتمال حدوث حركات ارتدادية خلال فترة ما بعد الصراعات، تری بانخورست (2002، 124) أنه حيثما جاءت إلى السلطة حركات تحرر تحمل معها بعض الالتزامات (التعهدات) السابقة المعلنة عن مساواة النوع الاجتماعي (المساواة بين الرجال والنساء)، اتسع الفضاء السياسي الذي يمكن أن تعمل فيه النساء. والواقع أن بانخورست ترى أن فرص الوصول إلى هذا الفضاء، مترافقة مع الأنماط الجديدة نسبيًا من الديمقراطية التي أدخلت خلال فترة التسعينيات من القرن الماضي، قد أتاحت للنساء الدخول إلى السياسة الرسمية بأعداد متزايدة وبفاعلية متزايدة أيضًا. إن دراسات الحالة الواردة في هذه الدراسة تؤكد إلى حد كبير ملاحظات بانخورست حول وجود رابطة بين دول ما بعد الصراعات والتحسنات في التمثيل السياسي للنساء.

يبدو أن مواقف الصراع التي مرت بها عديد من الدول التي نناقش أحوالها في هذا العمل قد نتج عنها ظهور كوادر من النساء اللاتي كن منخرطات في السياسة بطريقة أو بأخرى لعقود من الزمن. والواقع أن النساء في كثير من هذه الدول قد مررن بخبرات وفرص ليست مطابقة لما حدث للغالبية من النساء الأفريقيات. ففي ناميبيا وجنوب أفريقيا، على سبيل المثال، قضى جزء كبير من النساء الأعضاء حالياً في البرلمان، سنوات كثيرة من حياتهن في المنفى كأعضاء في سوابو أو حزب المؤتمر الأفريقي. وفي المنفى حصلت النساء الناميبيات والجنوب أفريقيات على تدريب وتعليم ما كن ليحصلن عليه في ديارهن أبدًا. ونتيجة لذلك صار كثير من عضوات البرلمان ذوات خبرات عالية وتعليم راقٍ. وفي الوقت ذاته، ثمة عضوات كثيرات في برلماني ناميبيا وجنوب أفريقيا ممن شاركن في النضال من أجل تنظيم المجتمعات المحلية والكفاح ضد نظام الفصل العنصري داخل الوطن. هؤلاء النساء أيضًا قد جئن إلى السياسة الوطنية ومعهن مجموعة نادرة وقيمة من المهارات التي اكتسبنها أثناء سنوات العمل المباشر مع الناس، وفي موزمبيق، بالمثل، شاركت النساء كمحاربات وبأدوار أخرى في القتال المسلح ضد البرتغاليين الذي كان ضروريًا للحصول على الاستقلال. إن حركة فريليموالماركسية اللينينية قد أشركت النساء بصور مختلفة في النضال التحرري، وضمنت تحرير النساء ضمن أهدافها المعلنة. لكن ذلك لم يترجم في مرحلة ما بعد الاستقلال في صورة مكاسب برلمانية للنساء. ولكن، كما تری چینیفر ديزني في هذا الكتاب، كان بعض من قوة الدفع من أجل مكاسب تشريعية للنساء بعد انتهاء الحرب في 1992 نابعًا من تراث فترة حرب الاستقلال.

في رواندا ساهمت النساء في خلق مجتمع مدنی بازغ ومزدهر في الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين. لقد نظمن مجتمعاتهن كاستجابة لتدهور الأوضاع الاقتصادية وما نجم عن ذلك من تنامي الحاجات الاجتماعية. ونتيجة للإبادة الجماعية التي حدثت سنة 1994، وفقاً لما ذكره تيموثي لونجمان، تعرض الكثير من هذه المنظمات النسائية للخراب عندما قتل قادتها أو أجبرن على الخروج إلى المنفى. وفي ذات الوقت، وبالأهمية نفسها، أدت المشكلات الكثيفة التي واجهت النساء في فترة ما بعد الصراع إلى إلهام كثير من تلك المنظمات النسائية ذاتها إلى الاضطلاع بأدوار اجتماعية مهمة. فما أدى إلى تنامي النفوذ العام لهذه المجموعات، وترجم بعد ذلك إلى قوة سياسية واضحة المعالم. لقد تحركت النساء مباشرة من مواقع في منظمات المجتمع المدني إلى مواقع في الحكومة. ومن هناك قمن بالترويج لأهمية ومشروعية دخول النساء إلى البرلمان.

أتيحت إحدى أهم الفرص لتغيير علاقات النوع الاجتماعي وزيادة تمثيل النساء في المجالس التشريعية أثناء فترة ما بعد الانتقال عندما كانت تكتب دساتير وقوانين جديدة وعندما كانت تنشأ مؤسسات جديدة. والحقيقة أن كل بلد من البلدان التي نناقشها في هذا الكتاب قد تبنت دستورًا جديدًا منذ 1985، على الرغم من أن المكاسب الأبرز التي جنتها النساء كانت قد تحققت في الدول ما بعد الصراعات. تقدم جنوب افريقيا المثال الأكثر وضوحًا لنساء يجتمعن معًا بغرض معلن هو التأثير في الدستور وفي الإطار السياسي والقانوني لمرحلة ما بعد الانتقال. في سنة 1991 انضمت النساء العائدات من المنفى والنساء العاملات في المجموعات النسائية داخل الوطن وأسسن التحالف الوطني للنساء، وهو تحالف ضم أكثر من مائة مجموعة نسائية، بما في ذلك ممثلات عن كل الأحزاب السياسية الكبرى. بعد ذلك صاغ التحالف ميثاق النساء، الذي كان من أهم أهدافه الدفع بمساواة النساء في الدستور. وبالإضافة إلى ذلك، ضغط التحالف الوطني للنساء من أجل إنشاء لجنة استشارية للنوع الاجتماعيداخل الهيئة (المكونة كلها من ذكور) التي كانت تناقش الانتقال والدستور الجديد. وبسبب هذه الجهود من جهة، كما يرى بريتون، يتميز دستور جنوب أفريقيا بأنه أفضل دستور يتضمن أوسع وأشمل مفاتيح المساواة الدستورية في العالم كله. وبالمثل، في ناميبيا سنة 1989، عملت النساء الست الأعضاء في الجمعية التأسيسيةبجد من أجل صياغة دستور تقدمي للبلاد، دستور يمنع التمييز على أساس الجنس (وعلى أسس عديدة أخرى)، ويشير إلى التمييز الخاص الذي عانت منه النساء في الماضي والحاجة إلى مواجهته بفعل مؤكد، ويقرر أن القانون العرفي قد يظل ساري المفعول فقط عندما لا يتناقض مع الدستور أو غيره من القوانين.

ربم كان الأكثر أهمية من انتخاب النساء إلى البرلمان هو اختيار النظام الانتخابي واستخدام الحصص المعتمدة على النوع الاجتماعي. إن هذه الدول: موزمبيق وناميبيا ورواندا وجنوب أفريقيا، تستخدم نظامًا انتخابيًا يقوم على القائمة المغلقة والتمثيل النسبي في انتخاباتهم البرلمانية. وفضلاً عن ذلك، في كل حالة يستخدم نظام التمثيل النسبي متلازمًا مع شكل ما من أشكال الحصة القائمة على النوع الاجتماعي، سواء كان ذلك طوعيًا أو إلزاميًا. إن أوغنده تستخدم نظام الأغلبية التصويتية الأول يحصل على المقعد“. مع وجود مقاعد محجوزة للنساء. وفي جنوب أفريقيا، مرة أخرى وتحت ضغط من التحالف الوطني للنساء، قرر لمؤتمر الوطني الأفريقي تخصيص حصة مقدارها 30 % للمرشحات من النساء على قائمته الحزبية في عام 1994، وفى انتخابات سنة 1999 و 2004 خطا الحزب نحو نظام جديد، يجرى بمقتضاه احتلال كل ثالث موقع في قائمته مرشحي الحزب بواسطة امرأة. عملت الأحزاب الأخرى أيضًا على زيادة تمثيل النساء على قوائمها. في موزمبيق منذ 1999 تتطلب سياسة فريليمو أن تشكل النساء 30 % من مرشحي الحزب إلى المجلس التشريعي الوطني. وتلتزم سياسة الحزب أيضًا (رغم أنها لا تتطلب) بأن يقوم الحزب بموازنة توزيع النساء عبر القائمة، لا جمعهن كلهن في نهاية القائمة. وعلى عكس ذلك، ليس لدى الحزب المعارض (رينامو) حصة للنساء وليس له جناح نسائي. وفي ناميبيا دعت الناشطات النسائيات الأحزاب السياسية إلى استخدام قوائم الحمار الوحشيفي الانتخابات الوطنية التشريعية. وفى انتخابات 1999 و 2004 كانت النساء تشكل ما يقرب من 30 % من أسماء المرشحين على قوائم الأحزاب الرئيسية لانتخابات الجمعية الوطنية. وعلى المستوى المحلى في ناميبيا تعتبر هذه الحصص إلزامية بحكم القانون.

تستخدم رواندا وأوغنده نظامًا مختلفًا إلى حد ما، ولكن بتأثير مماثل. في هذين البلدين أدخل نظام المقاعد المحجوزة للنساء في المجلس التشريعي الوطني، في أوغنده سنة 1989 وفى رواندا سنة 2003. ففي أوغنده ثمة مقعد محجوز لامرأة في كل دائرة من الدوائر الست والخمسين في البلاد. وفي رواندا 30 بالمائة من مقاعد مجلس النواب محجوزة للنساء، وهي مخصصة بطريقة تضمن إرسال امرأتين من كل مقاطعة واثنتين من مدينة كيجالي. وفي كلتا الحالتين كانت النساء ينتخبن، فضلاً عن ذلك، من أكثر من مجرد المقاعد المحجوزة. في أوغنده سنة 2001، فازت 56 امرأة بالمقاعد المحجوزة للنساء في الدوائر بالإضافة إلى 13 امرأة فزن بمقاعد من مقاعد الدوائر المفتوحة، وفازت 6 نساء بمقاعد محجوزة للشباب والعمال والمعاقين. وفي رواندا سنة 2003، انتخبت نساء للمقاعد الأربعة والعشرين المحجوزة بالإضافة إلى 15 مقعداً أخرى (من بين 80 مقعداً). لم يحدث في أي من الدولتين إذن أن مثلت المقاعد المحجوزة حداً أقصى لعدد النساء المنتخبات إلى البرلمان. بل أكثر من ذلك، كما يشير تريب ولونجان، كانت النساء في البلدين ينتخبن ويخترن لهيئات أخرى كثيرة، كالقضاء والقضاء الجزئي.

في السنغال، ومع وجود 19% من النساء في جمعيتها الوطنية منذ 2001، يستخدم نظام انتخابی مختلط للانتخابات التشريعية الوطنية، حيث نسبة مقاعد التمثيل النسبي مقابل مقاعد التعددية تتغير من انتخابات لأخرى. تستنتج لوسي كريفي أن نظام التمثيل النسبي أفضل للنساء إلى حد كبير من النظام التعددي. وفضلاً عن ذلك، قام العديد من الأحزاب السياسية في السنغال منذ سنة 2002 بالموافقة على تخصيص حصة قدرها 30 % للنساء على القوائم الحزبية للترشيح في الانتخابات، وذلك على الرغم من أن الحزب الديمقراطي الاشتراكي لا يستخدم حصة تقوم على النوع الاجتماعي.

كما هو الحال في أجزاء أخرى من العالم، تلعب الأحزاب السياسية ومنظمات النساء دورًا هائلاً في انتخاب النساء إلى الهيئات السياسية الوطنية في أفريقيا. يقول جوتيز وحاسم (2003، 10 ) إنه على الرغم من النفور النسوى من الأحزابفي كثير من الدول النامية، لم يكن هناك سوى قليل من الاختيار أمام الحركات النسائية للعمل مع الأحزاب السياسية، خصوصًا في أفريقيا. كان ثمة عاملان، عمومًا، يشكلان تحديًا لنجاح النساء في التفاعل مع الأحزاب السياسية في أفريقيا. أولهما، في الحالات التي صارت فيها الحركات القومية أو التحررية أحزابًا حاكمة، حيث المكانة الثانوية التي كانت للنساء في هذه الحركات تكررت مرة أخرى في الأحزاب. والأكثر من ذلك، قامت الأحزاب السائدة أيضًا بخنق نشاط المجتمع المدني الذي كان بإمكانه تقديم طريق بديل للنساء ومنظماتهن. ثانيًا، لأن كثيرًا جدًا من الأحزاب يعاني من فقر مأسسته، ويفتقر إلى لوائح وإجراءات قوية، صار تحدى الممارسات الحزبية أمرًا صعبًا (جوتيز وحاسم 3 200، 10- 11).

حسنت التحولات السياسية في أفريقيا، خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، إلى حد ما، آفاق تعامل النساء مع الأحزاب السياسية، والحقيقة أن الحالات الواردة في هذه الدراسة تشير إلى أن دور الأحزاب يظل بالغ الأهمية في انتخاب النساء إلى المجالس التشريعية الوطنية، لا سيما في تلك الدول التي تستخدم نظم التمثيل النسبي الانتخابية. ففي ناميبيا وجنوب أفريقيا وموزمبيق، على سبيل المثال، كان تبنى نظام الحصص من جانب الأحزاب السياسية وليس ملزمًا بحكم القانون الوطني. والواقع أن الأحزاب السياسية كانت هدفًا للناشطات النسائية والمنظمات النسائية التي حرصت على زيادة تمثيل النساء. وفي رواندا وأوغنده قامت الأحزاب أو الحركات الحاكمة بمأسسة المقاعد المحجوزة للنساء، رغم أنه كان واضحًا أنها خضعت لضغوط من الجماعات النسائية لكي تفعل ذلك.

ويمكن القول أن كل الأحزاب الخمسة هي ذات توجه يساری، مما يوضح تأكيد الكثيرين على أن مثل هذه الأحزاب، كما هو الحال في اسكندينافيا، أقرب إلى المساعدة في رفع المشاركة السياسية للنساء. وأخيرًا، كان يفترض أنه كلما زادت نسبة التصويت للحزب السياسي الرئيسي، زادت معها أعداد النساء في المجلس التشریعی (ماتلاند و تیلور 1997)، والحالات التي نعرضها هنا تؤيد هذه الفرضية.

وبالإضافة إلى ذلك، وكما في أماكن أخرى، كان للضغوط التي مارستها المنظمات والحركات النسائية على الأحزاب السياسية والقادة السياسيين أثر حاسم على زيادة تمثيل النساء، في دراسة مبكرة حددت آیلی ماری تریب Aili Mari Tripp (2001 – أ) بزوغ المنظمات النسائية المستقلة في أفريقيا كواحد من العوامل المسئولة عن زيادة ظهور النساء كقوى سياسية مستقلة عبر القارة في التسعينيات من القرن العشرين. وفي الفصل الخاص بأوغنده تشير تريبإلى أن قيادات الحركة النسائية الأوغندية قد قمن بزيارة يورى موسيفيني بعد فترة قصيرة من تولى حزبه السلطة سنة 1986، وذلك للضغط من أجل تمثيل أكبر للنساء في قيادة الحكومة، مع تحقيق نجاح فوري. ومع فتح الفضاء السياسي في أوغنده في منتصف الثمانينيات، كان ثمة نمو غير عادي في نفوذ الحركات النسائية، وساعد على ذلك زيادة فرص التعليم أمام النساء مما أدى إلى نمو قيادة نسائية أقوى. إن المجموعات النسائية المعبأة حول مجموعة من القضايا والتي تضغط من أجل تحسين مهارات القيادة، تشجع الانخراط في السياسة، وتدعو إلى القيادة السياسية، وإلى مزيد من التقدم للنساء. تشير لونجمان أنه في رواندا خطت منظمات النساء نحو ملء فراغ اجتماعي في أعقاب فترة الإبادة الجماعية. كانت هناك مجموعة بعينها على وجه التحديد، هي المنظمة المظلة بروفامهي التي تولت زمام القيادة في الضغط على الحكومة بشأن عدد من القضايا النسائية، وحازت على امتيازات من التنفيذيين والتشريعيين. تشير لونجمان إلى أن هذا الانخراط الكثيف للنساء الروانديات في المجتمع المدني أدى مباشرة إلى زيادة وجودهن في المجلس التشريعي الوطني.

في ناميبيا وجنوب أفريقيا تحتل المنظمات النسائية اليوم مكانة مركزية فيما يخص وجود النساء في السياسة. لقد أشرنا إلى دور التحالف الوطني للنساء في تأسيس دستور وإطار عمل انتخابي مواتيين للنساء في جنوب أفريقيا. وفي ناميبيا اتحدت النساء ومنظماتهن حول هدف زيادة التمثيل الوطني السياسي للنساء. والحقيقة أنه بعد عقود من الانقسامات الحزبية السياسية، والعرقية، والاجتماعية الاقتصادية والريفية/ الحضرية، احتشدت النساء حول هذه القضية. والأكثر من ذلك، ثمة تفاعل مهم بين المنظمات النسائية والنساء اللاتي انتخبن في البرلمان. وكما تلاحظ ديزني في موزمبيق، إنهن غالباً النساء نفسهن اللاتي يتحركن من وإلى أدوار القيادة في الحكومة والمجتمع المدني.

في السنغال، حيث النساء عضوات البرلمان متأخرات عن نظيراتهن في شرق وجنوب القارة، لا تحتل مسألة زيادة التمثيل التشريعي للنساء مكانًا متقدمًا على أجندة المجموعات النسائية، وذلك في رأى كريفي“. والأحرى، أن النساء مهمومات بقضايا من قبيل العنف الأسرى، وختان الإناث، والمساواة في الفرص الاقتصادية. والأكثر من ذلك، طالما ظلت الجمعية الوطنية ليست إلا جمهور مستمعينلقرارات السلطة التنفيذية، فلن تكون لها أولوية كبيرة لدى النساء السنغاليات، كما تقول كريفي.

على الرغم من أهمية الاعتراف بتنوع النسوية الأفريقية وطرق اختلافها عن غيرها من الحركات النسوية (ميكيل 1997، أويومي 1997، 2003)، لكن يبقى أن المنظات والحركات النسائية في أفريقيا قد تأثرت تأثرًا عميقًا بالحركة النسائية العالمية. إن عقودًا من الحياة في المنفى قد أتاحت لبعض الناشطات الناميبيات والجنوب أفريقيات التعرف على تنويعة واسعة من المنظمات والمطبوعات والأفكار والأنشطة النسوية. وعندما عدن إلى ناميبيا وجنوب أفريقيا سنة 1989 وأوائل التسعينيات، جئن من المنفى ومعهن هذه التأثيرات. تلاحظ بريتون أهمية التعلم السياسي. إنها تربط الصلة بين ذاك وبين أن النساء الناشطات في الأحزاب السياسية في جنوب أفريقيا وهن يفكرن في إطار عمل انتخابي من أجل جنوب أفريقيا الجديدة، كن في الحقيقة واعيات بما نفع وبما لم ينفع للنساء في السياسة في أماكن أخرى من القارة. وكما تشير تريب وجريتشين بوير بالنسبة لأوغنده وناميبيا، فإن اجتماعات مثل مؤتمرات الأمم المتحدة عن المرأة، لاسيما مؤتمر نيروبي (1985) ومؤتمر بكين (1995)، قد أعطت زخماً إضافياً للمنظمات النسائية الوطنية التي سعت من أجل إقناع الحكومات لتبني سياسات وطنية للنوع الاجتماعي ومأسسة آليات وطنية للنساء. إن كثيرًا النساء من عضوات البرلمان والناشطات قد تحدثن عن التأثير التحولي الذي تركه لهذه حضورهن المؤتمرات عليهن، وكيف أدى ذلك إلى إلهامهن من أجل مضاعفة جهودهن في الوطن.

كان للوكالات المانحة أيضًا تأثير مهم: فكما تشير تريببالنسبة لأوغنده، لقد أسهم تغيير استراتيجيات الجهات المانحة – التي كانت تركز على الأنشطة غير الحكومية إلى درجة كبيرة أكثر مما في الماضي في النمو غير العادي في المشاركة السياسية والتمثيل السياسي للنساء. في السنغال، وفقاً لما تذكره كريفي، كان المعهد الوطني الديمقراطي ومقره بالولايات المتحدة – هو الذي أقنع بعض الأحزاب السياسية هناك بتبنى حصص للنساء في سنة 2002. وفي الجنوب الأفريقي، لعبت المنظمات الإقليمية أيضًا دورًا مهمًا. لقد قادت وحدة النوع الاجتماعي التابعة لتجمع الجنوب الأفريقي من أجل التنميةحملة (غير ناجحة) لجعل 30% من مواقع السلطة وصنع القرار في أيدى النساء بحلول عام 2005، وحصلت على وعود بالتأييد من قادة سياسيين في جميع أنحاء المنطقة. في سنة 2002 أطلق المنتدى البرلماني (التابع لتجمع الجنوب الأفريقي من أجل التنمية) لجنة تنظيمية إقليمية للنساء البرلمانيات، هدفها تقديم المساندة للعدد المتنامي من النساء البرلمانيات في الجنوب الأفريقي. وفي شرق أفريقيا، لعب التأثير الإقليمي دورًا كذلك. وبالنسبة لرواندا تشير لونجمان إلى التأثير الواضح للتطورات الحادثة في أوغنده المجاورة (حيث قضى كثير من الروانديين عقودًا في المنفى) على السياسة بالنسبة للنساء في رواندا.

يواجه البرلمانيون في أفريقيا أطرًا متشابهة من تراث ما بعد الاستعمار، تحتلها قضايا بارزة من قبيل حقوق الأرض، والسيطرة على الموارد، والفقر الاقتصادي، والنمو السكاني، والصراعات الداخلية حول مسائل مثل الحكم الذاتي، والسيادة، والشفافية، والديمقراطية. أما النساء البرلمانيات فيقع عليهن عبء إضافي، فعليهن أن يعملن إضافة إلى القضايا المذكورة، في مواجهة تأثير بطريركية (أبوية/ ذكورية) السلطة المعاصرة التي امتزجت بتراث الأنماط الاستعمارية الاقتصادية والاجتماعية والدينية. ولأن الاستعمار عمل على تقويض مكانة النساء الأفريقيات في المجتمع وحصر دورهن في المجال الأسرى الخاص – (أماديوم 1997، جوردون 1996، جی 1990)، كان على العديد من البرلمانيات أن يعملن ليس فقط من أجل إتقان جوهر وظائفهن كمشرعات، بل أيضًا من أجل اكتساب مشروعية النساء البرلمانيات أن يعملن وجودهن في البرلمانات. إن النساء الأفريقيات عضوات البرلمان، ربما أكثر من نظيراتهن في أوروبا والغرب، عليهن العمل من أجل تعريف أنفسهن كمشاركات لا غنى عنهن في الفضاء العام لهيئة منتخبة.

ثمة التزام عميق من جانب قيادات النساء في أفريقيا بتحسين جودة الحياة إجمالاً بالنسبة النساء بلدانهن. فعلى خلفية النضال الذي خضنه تدخل النساء البرلمانات الأفريقية بأعداد كبيرة. إن معظم البرلمانيات الأفريقيات يرين البرلمانات ساحات جديدة للنضال، وهن يعملن من أجل تحديد أشكال جديدة من الوكالة والنشاطية داخل مؤسساتهن مع درجات متباينة من النجاح، وهن جميعًا يحدثن تغييرات مرئية في الحياة السياسية لبلدانهن. ويمكن ملاحظة بعض تأثيرات النساء البرلمانيات داخل الثقافة المؤسسية للبرلمان ذاته. ويمكن رؤية تأثيرات أخرى في الأهداف والمخرجات التشريعية. كما أن ثمة تأثيرات أخرى لا تزال تزداد وضوحًا في الطرق الجديدة للتنظيم مع النساء والمنظمات في المجتمع المدني.

أحدثت النساء البرلمانيات الأفريقيات تغييرات متنوعة لكنها متسقة في ثقافات برلماناتهن في الحالات التي شهدت تدفقًا سريعًا للنساء إلى البرلمان، كان للوجود المادي (الفيزيقي)لأعداد كبيرة من النساء داخل قاعة البرلمان أثر مرئى على مؤسسة البرلمان. كان من الضروري غالبًا الإسراع بإدخال تعديلات لوجيستية طفيفة من أجل النساء، كبناء مزيد من الحمامات للأعداد الكبيرة من النساء اللاتي انتخبن في برلمان جنوب أفريقيا سنة 1994 اللاتي كان عليهن لولا ذلك اقتسام استخدام المرفق الوحيد نفسه في مبنى البرلمان. وعبر القارة بدأت النساء البرلمانيات أيضًا في الدفع من أجل إحداث تغييرات في هيكل الحياة البرلمانية، للاعتراف بأن النساء عليهن الموازنة بين مسئولياتهن المنزلية والمهنية. لقد طالبن بإنشاء مرافق في الموقع” (أى داخل البرلمان) لرعاية أطفال عضوات البرلمان والموظفات أيضًا، ونجحن في تغيير ساعات العمل البرلماني لكي ينتهى مبكرًا، كما غيرن من السنة البرلمانية لكي تتواءم مع العطلات المدرسية.

والأهم من ذلك أن وجود أعداد كبيرة من النساء البرلمانيات قد غير النظرة الثقافية والمجتمعية لطبيعة القيادة السياسية والحوكمة. ففي ناميبيا وموزمبيق وأوغنده وجنوب أفريقيا ورواندا، عندما دخلت النساء إلى قاعات البرلمانات، صرن أيضًا وجوهًا وأسماء مرتبطة بالبرلمان الوطني والتشريع. لقد تحدى وجودهن ونجاحهن النظرة التقليدية للنساء كخاضعات للرجال كقادة. وعندما صارت المشاركة السياسة للنساء أمرًا روتينيًا ومشروعًا سرعان ما صار غيابهن عن اللجان والوفود غير مقبول. هذا التطبيع يخلق بيئة إيجابية لجذب نساء أكثر شباباً إلى ساحة العمل وتدريبهن وتحسين أدائهن. أما ما لا يزال مطلوباً أن يرى فهو كيف ستختلف هذه الأجيال الشابة الجديدة من النساء البرلمانيات عن معلماتهن ومرشداتهن اللاتي بادرن أولاً باقتحام الأسقف الزجاجية.

على امتداد القارة، سعت البرلمانيات الأفريقيات إلى خلق مؤسسات دولة تعمل من أجل تقدم تغيير نسوى كجزء من استراتيجيات طويلة المدى لتحسين جودة الحياة للنساء في أممهن. وتدرك البرلمانيات الأفريقيات أن فترة بقائهن في البرلمان قصيرة غالباً وأن مؤسسات الدولة هي المفتاح لضمان أن تتحول أهدافهن وأفكارهن إلى سيات وملامح دائمة للحكومة. وبدلاً من لعن الدولة بوصفها كياناً للقمع، تتحرك النساء سريعا من موقف مقاومة الدولة إلى موقف استخدام الدولة. تقدر إليزابيث فريدمان (2000) أن أكثر من تسعين في المائة من الدول لديها شكل ما من أشكال نسوية الدولة، بمعنى أنه توجد على الأقل وكالة وطنية واحدة للنساء، كوزارة النساء، أو قسم أو لجنةإلخ. لقد كان للاعتماد المتزايد على الدولة لإحداث تغير نسوى في الأمم المتقدمة (ستيسون ومازور 1995) أثر واضح على التحول تجاه الدولة من قبل نساء العالم النامي (شتادت 1998، فريدمان 2000، بالديز 2001). وهذا هو أيضًا التيار البازغ في أفريقيا، على الرغم من الاعتراف الواسع بأن الدولة كانت أيضًا مصدرًا من إضعاف النساء الأفريقيات (باربارت وشتادت 1989). وبعد أن حصلن على مواقع قوة داخل المؤسسات التي كانت تقمعهن سابقًا، تعمل النساء البرلمانيات الأفريقيات الآن على قلب هذه القوة رأساً على عقب، وخلق هيئات دولة وطنية تعمل على تحسين مكانة النساء وضمان تلبية احتياجاتهن الأساسية.

ثمة طائفة واسعة من مؤسسات الدولة التي يفضلها البرلمانيات الأفريقيات، وهي تتفاوت من اللجان التشريعية ولجان المرأة البرلمانية، والإدارات الحكومية، ووزارات المرأة، ولجان النوع الاجتماعي الوطنية، والميزانيات النسائية. ففي ناميبيا، مثلاً، توجد وزارة لمساواة النوع الاجتماعي ورعاية الطفولة، من مهامها مراقبة سياسة النوع الاجتماعي الوطنية والإشراف على لجنة المرأة والقانونللمساعدة على إعداد قوانين جديدة. وفي جنوب أفريقيا يوجد مكتب مكانة المرأةفي السلطة التنفيذية، ولجنة مساواة النوع الاجتماعي، ومبادرة الميزانية النسائيةالتي تقوم بإشراك كل من المجتمع المدني والهيئات الحكومية، ولجنة المراقبة المشتركة لتحسين جودة الحياة ومكانة المرأةفي البرلمان. وفي رواندا، لعب منتدى النساء البرلمانياتدورًا نشطًا في دراسة چندرةملامح التشريعات الجديدة، وفي أوغنده قامت الرابطة البرلمانية للنساءبدور مهم في المناظرات التشريعية حول قضايا النوع الاجتماعي. وفي جميع تلك الحالات تقريباً، كان من الضروري وجود مستوى ما من المأسسةمن أجل خلق وتنفيذ ومتابعة التزامات الحكومة تجاه قضايا النوع الاجتماعي.

بالإضافة إلى عملهن من أجل خلق آليات وطنية للنساء، حققت البرلمانيات الأفريقيات تقدمًا رائعًا في صياغة الأجندات التشريعية لبلدانهن. وعلى الرغم من اختلاف البرلمانات من حيث عدد النساء الأعضاء، يبدو واضحًا أن نشاطية النساء داخل البرلمان قد حفزت التأكيد على مواجهة كل من الحاجات العملية والاستراتيجية للنساء في مجتمعاتهن. والحقيقة أن معظم العمل التشريعي للبرلمانيات الأفريقيات يخدم غرض هدم الفروق بين الحاجات العملية والحاجات الاستراتيجية التي عرفتها ماكسين مولينو (1985) (12)، فالنسبة لكثير من الأفريقيات تعد الحاجات العملية حاجات استراتيجية في الواقع. ووصول النساء إلى الحاجات الاستراتيجية هو السبيل الوحيد لضمان تأمين حاجاتهن العملية. وكما توضح الحالات الواردة في هذا الكتاب، تبين الأجندات التشريعية، عبر القارة الأفريقية، هذه الفكرة كممارسة معيشة. لدى البرلمانيات الأفريقيات أجندة أوسع بكثير من المنصات التشريعية لنظيراتهن في دول الشمال. لقد نجحت البرلمانيات الأفريقيات عبر القارة في إدخال النوع الاجتماعي إلى المناظرات التشريعية ونتائجها، وبذلك أجبرن المجالس التشريعية الوطنية على الاعتراف بالأثر التفريقي للسياسات على النساء والرجال.

فعلى سبيل المثال، تركز الأجندات التشريعية في كثير من البرلمانات الأفريقية على حقوق الأرض، وتتحدى البرلمانيات الأفريقيات نظرائهن الذكور بأن يشملوا قضية النوع الاجتماعي داخل مناقشة حقوق الأرض وسياق القانون العرفي. وبالمثل، يعتبر الحد من وطأة الفقر قضية مركزية على جدول أعمال برلمانات القارة، وتبادر النساء البرلمانيات بدفع البرامج التي تعترف بأدوار النساء الاقتصادية وتضمينهن في فوائد التدريب وتخصيص الموارد. وتقوم البرلمانيات أيضًا بدراسة جوانب النوع الاجتماعي لمرض متلازمة نقص المناعة المكتسب (الإيدز). وهن يحاولن إيجاد مقتربات إبداعية لتمكين النساء للحفاظ على – أو التحكم في نشاطهن الجنسي، كما يبحثن عن سياسات تتناسب مع العدد المتنامي من الأسر المعيشية التي يعولها أطفال، كما يقمن بتقييم أكفأ السبل لمنع انتشار المرض بالإضافة إلى تحديد الظروف اللازمة لتقديم العلاج الكافى والرعاية الصحية للمرضى. وأخيرًا، وعلى الرغم من أن العنف ضد النساء كان يمارس بواسطة السلطات الاستعمارية ثم بواسطة نظم الحكم التسلطية للسيطرة على السكان، كانت المناقشات حول مدى وطبيعة هذا العنف غائبة غالباً عن الحوار العام. ومع دخول النساء إلى قاعات البرلمان في دول أفريقيا، صار هذا العنف يسمى بالاسم، وصارت تصاغ استراتيجيات من أجل القضاء عليه.

إن أثر النساء البرلمانيات على التشريع يمكن لمسه بوضوح في الحالات التي توردها هذه الدراسة. تستخدم ديزني بالنسبة لموزمبيق عدسة قانون الأسرة الجديد لتتبين التحول في اتجاهات الحكومة بشأن بنية الأسرةوما يتبع ذلك من معانٍ، وذلك لتقييم التغيرات في مكانة وقوة النساء داخل الثقافة الموزمبيقية، ودراسة الأشكال الجديدة من التفاعل بين عضوات البرلمان ومنظمات المجتمع المدني التي تركز على حقوق النساء. تؤكد ديزني أن البرلمانيات، عند مراجعتهن لقانون الأسرة، كن قادرات على العمل في تناغم مع النساء في المجتمع المدني من أجل الدفع بطبعة تقدمية بشكل استثنائي لقانون الأسرة.

وفي كتابتها عن جنوب أفريقيا تناقش بريتون أمثلة متعددة عن كيف استطاعت النساء البرلمانيات التأثير في خلق وصياغة وتنفيذ التشريع. لقد شاركت البرلمانيات في العمل على تشريع يتناول الإجهاض، والجنس الإباحي، والإنصاف في التوظيف، وتنمية المهارات، وعلاقات العمل، ومنح وصيانة الدخل الأساسي، والعنف الأسرى. قامت المشرعات من النساء في جنوب أفريقيا بدورهن في العملية التشريعية بجدية تامة وكانت لهن فعالية متزايدة من حيث التأثير في توجيه ونطاق جداول أعمال أحزابهن.

وفى ناميبيا، ترى بوير أن البرلمانيات هناك يستحققن الثناء على مجموعة من المبادرات والإنجازات التشريعية. والحقيقة أن أوليات المشرعات في البلاد، رغم قلة عددهن، حرصن على أن يلعبن دورًا مهمًا في صياغة الدستور التقدمي للبلاد. وكانت إحدى هؤلاء النساء البرلمانيات لاعبةً أساسيةً في تبنى حصة إلزامية للنساء في انتخابات المستويات المحلية. لقد عملت البرلمانيات الناميبيات على إسقاط تشريعات حقبة الفصل العنصري التي مارست التمييز ضد النساء، والدفع بتشريعات تساعد على التنمية الاقتصادية والاجتماعية للنساء والبنات. وعملت البرلمانيات أيضًا على چندرةالتشريع حول الفعل الإيجابي، وعلاقات العمل، والمساواة في الزواج، وحقوق الأرض، والعنف على أساس النوع الاجتماعي، والعنف الأسرى، ورعاية الطفولة.

ولكن، كما توضح حالة أوغنده، مجرد إحضار النساء إلى البرلمان الوطني لا يعنى بالضرورة أن يترجم إلى صوت متسق من أجل حقوق النساء. لا مجال للتساؤل حول الدور الذي لعبته النساء في برلمان أوغنده وكان له أثر إيجابي إلى حد ما على المناظرات التشريعية. لكن سجلهن، كما تناقش تريب في هذه الدراسة، كان تقلباً. عملت النساء المشرعات على إدخال أو تعديل قوانين تتعلق بالعنف على أساس النوع الاجتماعي، وحقوق الأرض، وشاركن في المناقشات التي دارت حول تنظيم سعر العروس (المهور)، والزواج، والزواج المتعدد. لكنهن كن في الغالب عرضة للضغوط التي مارستها عليهن جبهة المقاومة الوطنيةالحاكمة. إن تريب، على سبيل المثال، تناقش المفاوضات حول قانون الأرض سنة 1998، حيث كانت النساء البرلمانيات والنساء من دعاة حقوق المرأة قادرات على تأمين إدخال مواد عديدة لحماية حقوق النساء في الأرض. لكن جملة حيوية عن الملكية المشتركة قد حذفت، وذلك ضد رغبات وأنشطة الدعوة والضغط التي مارستها منظمات المجتمع المدني، ثم ضغطت الجبهة الحاكمة بثقلها على النساء أعضاء البرلمان للتصويت ضد التعديلات المقترحة. هذا المثال ضروري من أجل إجراء تقييم عادل للمدي الذي يمكن أن تصل إليها النساء البرلمانيات في تحدى قيادة الحزب، ولاسيما عندما يكون بقاؤهن السياسي معلقًا على موافقة هذه القيادة. ويمكن العثور على أنماط مماثلة، عبر صفحات هذه الدراسة، عن نساء في البرلمان وجدن أنفسهن محبطات بواسطة سلطة الحماية، وتقاليد السياسة البرلمانية، ومطالب قيادة الحزب.

لايزال تنفيذ السياسات واحدة من أكبر المشكلات التي تواجه النساء في المجالس التشريعية. إن إطار العمل من أجل مساواة النساء، كما تخلص بوير، قد وضع في مكانه المقدس ضمن التشريعات الجديدة وفى المؤسسات السياسية في ناميبيا ما بعد التحرر، لكن التحدى الطويل المدى هو في تنفيذ إطار العمل ذاك. هنا تطور بویر معزی رئیسی نراه على امتداد صفحات الدراسةوهو أن تشريع السياسة أمر ضروري لكنه ليس شرطًا كافيًا لضمان التنفيذ الوافي للسياسات من أجل تقدم مكانة ووضع النساء.

وعلى درجة الأهمية نفسها، ثمة مخاطر من استخدام التمثيل التشريعي للنساء، بواسطة القادة السياسيين والأحزاب، لإضفاء المشروعية على أجنداتهم. هذا ما أمكن رؤيته بوضوح أكبر في حالة رواندا. كانت البرلمانيات الروانديات ظاهرات بوضوح على الحلبة التشريعية.

ومن خلال عمل منتدى النساء البرلمانياتأسهمت النساء المشرعات في المناظرات التي دارت حول عنف النوع الاجتماعي، وحقوق التوريث، والتمييز على أساس النوع الاجتماعي. غير أن أفعالهن تكون دائماً محكومة بجداول أعمال (أجندات) الأحزاب التي ينتمين إليها. وكما هو الحال في أماكن أخرى من أفريقيا، تجد البرلمانيات في رواندا أنفسهن مقيدات بالطبيعة المتحزبة للسياسات البرلمانية، لأن بقاءهن السياسي يعتمد على أحزابن السياسية. وعندما صارت الحكومة في رواندا أكثر تسلطية، أدى عدم التسامح مع المعارضين إلى عدم تسامح سياسى أوسع، بل إلى القمع في بعض الحالات. لذلك تجد النساء البرلمانيات الروانديات أنفسهن يقمن بتيسير سياسات تؤدى إلى تقوية دولة تسلطية وتقويض الحريات المدنية الفردية. والأكثر كما في حالة أوغنده، ما تطرحه لونجمان من أسئلة على الحزب الحاكم وتأييده أكثر مما يفعلن من أجل دفع أجندة النوع الاجتماعي التي وعدت بها الكثيرات.

توسع السنغال هذه المناقشة بدراسة السبل التي سدت أمام النساء لمنع مشاركتهن الكاملة في السياسة. السنغال ليست دولة إسلامية يحكمها الأصوليون، لكن السياسة السنغالية تتأثر بازدياد بالتوجهات الإسلامية الانتقالية. لقد ساعد التحول في الدين والثقافة على تقوية المقولات التي تدعى أن النساء يجب أن يبقين بعيداً عن السياسة الرسمية، وذلك على الرغم من أن النساء السنغاليات لديهن حرية أكبر وفرص أفضل للوصول للتعليم والوظائف مقارنة بما هو متاح للنساء في أجزاء كثيرة من الشرق الأوسط. وكما هو الحال في أوغنده ورواندا، ثمة عقبة أخرى تسد طريق النساء إلى السياسة، ألا وهي السلطة التنفيذية شبه التسلطية والشديدة المركزية التي تثبط المشاركة الديمقراطية الكاملة للرجال والنساء على السواء. وكما تشير كريفي في استنتاجاتها، فإن انتخاب مزيد من النساء إلى البرلمان لن يكون ذا أولوية لدى الناشطات من النساء في السنغال إلى أن تصبح الجمعية الوطنية هيئة تحظى بقدر أكبر من الاستقلال وليست مجرد خاتم مطاطي للسلطة التنفيذية.

في دراستها لسياسات ما بعد الانتقال في أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية، تشير چورچینا وايلين (1994) إلى الهوة التي غالباً ما تنشأ بين النساء في البرلمان والنساء في المجتمع المدني بعد الانتقال السياسي. وبسبب من الأعراف والقيم المؤسسية الجديدة التي تواجهها البرلمانيات اللاتي يصبح عليهن الآن تقديم إجابات لقادة أحزابهن السياسية وللدوائر التي انتخبتهن، غالباً ما تجد عضوات البرلمان والمشرعات أنفسهن بين أهداف متقاطعة مع الحركات والمنظمات النسائية في المجتمع المدني. ومع مرور الوقت يصبح التوتر المعتاد بين النساء في البرلمان وجمهورهن الأنثوى في دوائرهن الانتخابية طارحًا نفسه بين حين وآخر. فناشطات النوع الاجتماعي والمنظمات النسائية قد يجدن أنفسهن يمشين على خيط رفيع بين التعاون مع الحكومة والانتخاب (الاختيار) بواسطة الحكومة. كانت المنظمات النسائية غالباً من أوائل المجموعات التي دعت إلى زيادة الشفافية وتقليل الفساد وزيادة القابلية للمحاسبة في الحكومة.

وعلى الرغم من التماثل الشديد في الأجندات التشريعية والسياسية لكل من البرلمانيات الأفريقيات ونظيراتهن في المجتمع المدني، لا تعتبر البرلمانيات الأفريقيات محصنات ضد هذا الانقسام. فكما تشير الحالات الواردة في هذا الكتاب، يمكن ملاحظة وجود فجوة بين النساء من أعضاء البرلمان والنساء الناشطات، وذلك في كل أفريقيا. ففي الوقت الذي تشكو فيه عضوات البرلمان همومهن بشأن بقائهن السياسي في البرلمان، يرتفع صوت الناشطات من نساء المجتمع المدني الشكوى من أن نظيراتهن البرلمانيات قد هجرنهن وصرن لا يهمهن إلا الحفاظ على مصالحهن وترقيهن. وغالباً ما تسود اتجاهات واسعة تقول إن النساء في البرلمان قد أغرتهن السلطة وأنهن صرن يتمتعن للمرة الأولى في حياتهن بالأمن المالي الذي توفره لهن مناصبهن.

وعلى الرغم من هذا الشقاق، ثمة شاهد على أن كثيرات من عضوات البرلمان الأفريقيات يتحولن نحو نظيراتهن في المجتمع المدني ويعتمدن عليهن، والعكس صحيح.

وربما كنتيجة للروابط التي نشأت بين النساء خلال فترات الكفاح من اجل التحرر، حافظت نساء كثيرات على الأمل في أن تكون حكومات ما بعد التحرر أكثر انفتاحاً وشفافية وتقدمية من النظم القمعية التي حلت محلها. وهذه التوقعات ليست مفقودة تماماً. فهناك علامات واضحة على أن مجموعات النساء ينبغي أن تكون أكثر أملا في نتائج البرلمانات التي بها نسب عالية من النساء الأعضاء، وذلك استناداً إلى التجارب والخبرات العالمية للأجندات التشريعية والآليات الوطنية التي أنشأتها هذه البرلمانات.

تخلص ديزني إلى أن المنظمات النسائية المستقلة ذاتيًا والعاملة على وجه الخصوص من أجل تقدم النساء قد حوصرت تقريبًا في موزمبيق حتى تسعينيات القرن الماضي، وأن التشريعات التقدمية الأصيلة التي تحمي حقوق النساء، لاسيما في نطاق الأسرة، قد حدد العمل بها في أفضل الأحوال. إن الانتقال من دولة الحزب الواحد الماركسية اللينينية إلى دولة نيوليبرالية متعددة الأحزاب قد غير من طبيعة التعبئة السياسية للنساء ومنظماتهن ومشاركتهن. فقبيل التسعينيات كانت النساء يعملن في نطاق الهياكل الحزبية لمساندة ودفع تحقق أهداف الحزب وأجنداته. وعندما حدث الانتقال إلى الديمقراطية المتعددة الأحزاب، أدى ذلك إلى خلق مزيد من الفضاء السياسي، فصارت النساء قادرات على العمل خارج الأحزاب السياسية في منظماتهن وحركاتهن الخاصة بهن، وركزن على أهداف للنوع الاجتماعي حددنها بأنفسهن. بهذه الطريقة تؤسس حالة موزمبيق لنمط يرى من داخل كثير من البلدان وفق النص التالى:

مشاركة النساء لا تكون قابلة للحياة إلا بمقدار حيوية المؤسسات السياسية والعمليات الديمقراطية التي تعمل هذه المشاركة في ظلها.

وعلى خلاف موزمبيق، حيث نظام الحزب الواحد السابق لم يترجم بالضرورة إلى وجود النساء في البرلمان، تقدم تريب التقييم المشروط لقيام دولة الحزب الواحد تحت حكم موسيفيني بتشجيع تقدم النساء لأنه استطاع من جانب واحد أن يتبنى إجراءات فعل مؤكدة على غرار المقاعد المحجوزة التي وفرت للنساء تدريبًا سياسيًا وظهورًا وطنيًا على الساحة السياسية مما أدى إلى تشجيع قبولهن كفاعلين سياسيين. وفي الوقت ذاته كانت المنظمات النسائية تعمل من القاعدة إلى القمة من أجل تعزيز قوة النساء ومكانتهن في المجتمع مثل الأوغندي، وذلك من خلال زيادة فرص وصولهن إلى التعليم والفوائد الاجتماعية التي من شأنها خلق الموجة القادمة من النساء السياسيات والقائدات والناشطات. بدأت هذه المنظمات تواجه قضايا حقوق النساء، ومن ثم أخذت تتعامل مع القضايا المختفية والمسكوت عنها، العنف على أساس النوع الاجتماعي والصحة الإنجابية والحقوق الإنجابية، وختان الإناث. ورغم إمكانات التعاون بين النساء في البرلمان والنساء في المجتمع المدني، تشير تريب إلى القيود الهيكلية التي فرضت على النساء في البرلمان الوطني، اللاتي كن في مناصبهن بسبب حماية موسيفيني لهن ولو جزئياً. هذه العضوية المقيدة للنساء حددت من قدرتهن على بناء تحالفات دائمة مع الحركة النسائية، وعلى الدفع بأجندة تشريعية تقدمية نيابة عن هذه المجموعات النسائية. وتتساءل تريبعما إذا كانت النساء في البرلمان قد ساندن موسیفینی ونظامه أكثر مما ساندن قضايا النوع الاجتماعي التي دفعت كثيرًا منهن إلى البرلمان.

وكما هو الحال في موزمبيق، ترى بريتون أن نساء جنوب أفريقيا قد ركزن في البداية على صياغة تشريع لتحسين أوضاع النساء على الصعيد الوطني. كما عملت البرلمانيات أيضًا مع مستشارين للنوع الاجتماعي لتصميم مجموعة من المؤسسات التي يمكنها حمل قضايا النوع الاجتماعي، وربما لاوعى بالنوع الاجتماعي أيضًا، إلى التيار العام عبر كل فروع الحكومة وهيئاتها. ورغم التقدم المرئي والملحوظ نحو الإنصاف في النوع الاجتماعي في جنوب أفريقيا، فلا تزال هناك عراقيل مؤسسية أمام النساء في البرلمان بالإضافة إلى أعراف ثقافية غالباً ما تعوق مشاركتهن الكاملة. لقد أسهم ذلك الوضع في خلق توتر متنامٍ وضعف في الاتصال ما بين النساء البرلمانيات والنساء في المجتمع المدني. وفي ناميبيا، حققت النساء تاريخيًا نجاحًا محدودًا في تطوير منظمة نسائية وطنية دائمة، لكنهن لديهن بالفعل تراث من منظمات المجتمع المدني التي تبنت طائفة من مبادرات التنمية الاجتماعية والاقتصادية. وكما تذكر بويرفي هذا الكتاب، كان هذا الميراث حاسماً، أثناء عملية الانتقال في تعزيز اتجاه يقبل بمكان مشروع للنساء في الحياة السياسية. لقد ساعد المجتمع المدني أيضًا في تفعيل تشريع تقدمی، سوف تساعد معظم مواده في تحسين مكانة وتنمية النساء على المدى البعيد.

ولقد وجدت بوير أيضًا شواهد على وجود تعبئة متنامية للناشطات النسائيات والمنظمات النسائية الساعية إلى انتخاب مزيد من النساء إلى البرلمان. ورغم أن هذه الجهود كانت سابقة على حملة 50 / 50 الدولية، فإن ناميبيا انضمت بعدها إلى الحملة العالمية لزيادة تمثيل النساء.

هذه النتائج مهمة جداً لفهم إمكانات الحركات النسوية الانتقالية في أفريقيا. إن مجموعات من جميع أنحاء أفريقيا قد انضمت إلى الحركة التي تنادي بأن يكون للنساء نصف عدد مقاعد الهيئات المنتخبة. لقد انتشر زخم هذه الحملة انتشارًا سريعًا عبر الحدود، وكان ذلك بسبب الجهود المشتركة لكل من ناشطات النوع الاجتماعي والنساء السياسيات. وربما أغلب الدعم النشط للحملة قد جاء من دول تحتل النساء فيها بالفعل أعدادًا ملحوظة من مقاعد الهيئة المنتخبة، مثل ناميبيا وجنوب أفريقيا، مما يشير إلى أن النجاح يولد النجاح. إن المنظمات في هذه الدول تستطيع أن تشير إلى أثر وجود النساء في البرلمان بالإضافة إلى الإرادة الطيبة الدولية التي غالبًا ما تأتي في أعقاب هذا النجاح. ولكن هناك أيضًا قضية التوقيت. فعندما يكون وجود نسبة عالية من مقاعد البرلمان التي تشغلها النساء هو القاعدة المألوفة وليس الاستثناء، فإن الدول التي تبحث عن نموذج يحتذى سوف تجده وتحذوه.

ترى لونجانأن المجموعات النسائية كانت عنصرًا أساسيًا في تطور المجتمع المدني في رواندا في الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، وقد عملت هذه المجموعات، على وجه الخصوص، على مساندة التنمية الاقتصادية للمجتمعات المحلية. لقد مدت هذه المجموعات، ومعها قيادات النساء، اهتمامها إلى الخدمات الاجتماعية والتنمية من أجل دفع الإصلاح الديمقراطي والتمثيل السياسي. وللقصة الرواندية ميراثها الإضافي المأساوي الإبادة الجماعية التي حدثت في 1994 وما تلاها من عواقب، والتي أسهمت أيضًا في ما يعد الآن مستوى قياسيًا من مشاركة النساء. بعد الإبادة الجماعية كان مجمل النسيج المؤسسى والاجتماعي في حاجة إلى عزله من جديد، وكانت منظمات النساء في الغالب في الوضع الأفضل الذي يمكنها من القيام بهذه الوظيفة اعتماداً على أنشطتها التنموية السابقة على ذلك (رغم أن معظم قيادات هذه المنظمات كان قد تعرض للقتل أو النفي). تؤكد لونجانأن أحد العوامل الرئيسية التي حدت بالنساء إلى خوض الانتخابات إلى البرلمان كان التزام قادة رواندا بعد حرب الإبادة الجماعية بتضمين النساء في الحياة السياسية، لقد استفاد هؤلاء القادة من توقيت الانتقال لأن رواندا استطاعت أن تتعلم من موزمبيق، وأوغنده وناميبيا وجنوب أفريقيا. إن رواندا تمثل بطرق كثيرة عملية من التعلم الاجتماعي الجمعي والنسوية عبر الوطنية.

تدرس كریفی دور منظمات النساء في السياسة السنغالية، وترى أن المنظمات النسائية في السنغال تواجه القيد المزدوج لكونها منظمات للنخبة، ومن ثم تفتقر إلى مساندة واسعة النطاق، ولأنها متأثرة بتعقيدات أيديولوجية متنامية معادية للغرب. على المجموعات النسائية عندئذ أن تصيغ دعواتها إلى القيادة السياسية والسلطة بطرق لا تبدو فيها أنها متأثرة بالنسوية الغربية، وأنها لا تهدد الوضع الراهن بطريقة مباشرة. كان القادة السياسيون قد قدموا مساندتهم هامشياً على الأقل لمنظمات وقيادات نجحت في التعامل مع هذه الرمال المتحركة. وعلى الرغم من هذه القيود، تقدم كريفي دليلاً على أن عدد النساء في الهيئة التشريعية آخذ في النمو، وإن كان بمعدل بطيء، وكذلك عدد النساء في الوزارة والقيادات الحكومية. ربما كان الطريق شائكاً أكثر بالنسبة لنساء السنغال، لكن كريفى ترى أن ثمة مجالاً للنمو.

الحالات الواردة في هذا الكتاب تنقل أصوات النساء الأفريقيات اللاتي يشرحن بكلماتهن الخاصة كيف حققن نجاحاتهن الانتخابية أو كيف يناضلن حتى الآن من أجل بلوغ هذا النجاح، وكيف تعلمن أن يعملن طوال حياتهن في ظل ظروف معاكسة، وكيف بدأن في تحويل برلماناتهن بغية خلق فضاء لوضع قضايا المرأة في المقدمة. وفي كثير من الحالات التي قدمناها هنا، تمكنت النساء ومنظماتهن من الإمساك بالفرص التي أتاحتها لهن مشاركتهن عبر عقود طويلة في الصراعات والتحولات التي صاحبت حل تلك الصراعات. إن هذه الحالات، بخلاف أوضاع كثيرة مماثلة في أماكن مختلفة من العالم، توضح أن التعاون عبر الطبقة الاجتماعية أو الجماعة العرقية أو الطائفة الدينية أو أجنحة الحزب المختلفة أمر ممكن وقد يكون ناجحًا لو توفرت له الشروط الصحيحة. ففي فترات التحول السياسي الوطني، على سبيل المثال، قد تتمكن النساء من تامين بعض المكاسب المهمة من خلال تطوير تحالف واسع ومرن يتسع لاستيعاب اختلافات المجموعات الداخلة فيه. ويبدو أن هذه التحالفات تقوم بعملها على أحسن ما يكون عندما تتوفر هناك هوية مشتركة (تعريف مشترك) للتبعية و / أو اعتقاد مشترك بضرورة تعبئة المجموعة.

لقد استفادت الحركات النسائية الوطنية – في الحالات المعروضة هنامن التعاون المتنامي مع المجموعات النسائية على المستوى العالمي، كبعض المنتديات الدولية، مثل مؤتمرات الأمم المتحدة عن المرأة. إن الناشطات النسائيات وعضوات البرلمانات الأفريقيات قد تعلمن من خبرات الحركات الوطنية لزيادة تمثيل النساء في الأمريكتين وآسيا وأوروبا. وهن أيضًا أعضاء في منظمات دولية ويقمن بانتظام بتبادل الأفكار والرؤى مع شقيقاتهن حول العالم. إن هذا الكتاب يعرض الخطوط العامة للاستراتيجيات المحلية للنساء، لكنه يلقى الضوء أيضًا على صلاتهن بالحركات والمنظمات النسائية الدولية من أجل إنصاف النوع الاجتماعي.

كان نجاح البرلمانيات الأفريقيات ملحوظاً في كثير من هذه الحالات، خاصة في تلك البلدان الواقعة بين أعلى خمسة وعشرين بلداً على مستوى العالم. لقد استطاعت القيادات النسائية في تلك البلدان من إحداث تحويل في البرلمانات، كما نجحن في تغيير الأولويات التشريعية لكي تعكس حاجات واهتمامات النساء في بلادهن. وفي الوقت ذاته ترى كثير من النساء البرلمانيات أنه رغم الزيادة العددية في تمثيلهن فما زلن يواجهن تحديات متفاوتة تؤثر سلباً على فعاليتهن أو قدرتهن على المشاركة المتساوية بالرجال. وهذه التحديات تشمل، مبدئياً على الأقل، نقص الخبرات والتدريب الملائمين، والحواجز اللغوية، والنقص المستمر في الاحترام والتعاون من جانب بعض أعضاء البرلمان الذكور، ونقص تأييد الدوائر الانتخابية إلا ما تقدمه أحزابهن السياسية، ثم نقص التمويل المستقل ومصادر الحماية.

والحالات الواردة في هذه الدراسة تعيد توكيد النتائج المقارنة المتنامية التي تشير إلى أن الاستراتيجيات الانتخابية، لا سيما الحصص القائمة على النوع الاجتماعي، هي في الغالب تظهر أكثر الأدوات نجاحًا وفورية لزيادة أعداد النساء في الهيئات الوطنية. لكن الحالات الأفريقية أيضًا أن الاعتماد على هذه الحصص قد يكون سلاحًا ذا حدين، الأمر يتوقف على كيفية الحصص، توزيع فالنساء اللاتي انتخبن للمقاعد المحجوزة، أو اللاتي تدين للحزب ونظم الحماية التي يوفرها، غالباً ما يجدن أصواتهن مقيدة بسبب الولاء الحزبي، وكما نرى في عدد قليل من الحالات التي عرضناها، قد يكون من بين آثار استراتيجيات مثل نظام الحصص أن تضطر النساء إلى تأييد حركات أو نظم حكم أو إجراءات غير ديمقراطية بدلاً من تعزيز ودفع تشريعات ومؤسسات تقدمية أو أكثر وعيًا بالنوع الاجتماعي.

ومن العواقب السلبية المحتملة الأخرى لوجود عدد أكبر من النساء في البرلمان هو الخسارة غير المتوقعة غالباً لقيادات نسائية من منظمات المجتمع المدني. ففي أنحاء مختلفة من أفريقيا، عندما كانت النساء يدخلن قاعات البرلمان، كن غالباً يتركن المنظمات النسائية ومجموعات الدعوة إلى النوع الاجتماعي دون وجود صف ثانٍ من القيادات ليحل محلهن. وبذلك، بينما يعتبر دخول النساء للبرلمان جزءًا حيويًا من الاستراتيجية الوطنية لتمكين النساء، من المهم أيضًا الحفاظ على قوة مجموعات المجتمع المدني. هناك أيضًا تحدٍ آخر طويل المدى، وهو ضمان وجود تعاون سلس ومتسق بين النساء في المجتمع المدني والنساء في البرلمان. وإذا وضعنا فى الاعتبار القيود المهنية والسياسية، فغالباً ما تكون النساء في البرلمان غير قادرات أو غير راغبات في الحفاظ على صلات قوية مع مجموعات المجتمع النساء في هذه المجموعات بقيود ومحدودية العمل مع البرلمانيات، غالباً ما يفتر تعاونهن، وربما كان ذلك واحدًا من أكثر الدروس إثارة للألم في هذا الكتاب، لأن هذا التعاون غالباً ما يكون هو الذي أوصل النساء إلى مقاعد البرلمان في المقام النساء المدني، وبمجرد أن تعي الأول.

والحالات الواردة في هذه الدراسة تذكرنا أيضًا بالضرورة المطلقة للحفاظ على التحولات الديمقراطية والإبقاء عليها، وبتعميق الديمقراطية وتعزيزها، من أجل ضمان استمرار نجاح النساء في الانتخابات. لقد لاحظنا الطريقة التي انتشرت بها سياسات التعددية الحزبية على مستوى العالم، وكيف مهد ذلك الطريق لمشاركة أكبر للنساء في السياسة وتمثيل أكبر في البرلمانات. وعلى المنوال نفسه، سيكون الحفاظ على مؤسسات الديمقراطية السياسية وتعميقها أمرًا لاغنى عنه لصيانة النجاحات السياسية التي حققتها النساء، والا ستتبدد هذه النجاحات وتذهب أدراج الرياح كما حدث في زيمبابوى (13). إن الفصل الخاص برواندا في هذا الكتاب يحذر من أخطار عدم اكتمال التحول واحتمال انعكاس المسار الديمقراطي على المكاسب السياسية للنساء على المستوى الوطني.

إن الحالات التي يذكرها الكتاب ما هي إلا عينة من قصص كثيرة عن النساء، عبر القارة الأفريقية، اللاتي ناضلن ومازلن يسعين من أجل إصلاح نظم الانتخابات، والتمثيل السياسي، والتغيير التشريعي والتحول المؤسسي. ورغم أن هذه الحالات هي حالات ممثلة للنجاحات التي حققتها النساء الأفريقيات والتحديات اللاتي تواجههن في البرلمانات الأفريقية، هناك قصص أخرى لا تعد ولا تحصى يمكن سردها أيضًا، ونتمنى أن نفعل ذلك، عن كيف تنتشر قضايا النوع الاجتماعي وتأخذ مكانها في السياسة الأفريقية المعاصرة. إننا نتمنى أن يكون هذا الكتاب جزءًا من حركة تعم كل أجزاء القارة لزيادة التمثيل السياسي للنساء، وهذه الحركة هي بالتالي جزء من الحركة العالمية من أجل نيل النساء حقوقهن في الهيئات التمثيلية. نأمل أن يسهم كتابنا في هذه العملية بأن يقدم الملامح للاستراتيجيات العديدة للنجاحات التي حققتها النساء الأفريقيات، وأن يلقى الضوء أيضًا على بعض العقبات المؤسسية والثقافية التي لا تزال تتحدى تمثيل النساء وتعوق تأثيرهن التشريعي. والدروس التي يمكن أن تعلمها النساء الأفريقيات في البرلمان وتتعلمها أيضًا، بل العامة وأن تعلمها لنساء العالم، هي دروس لا تقدر بثمن من أجل الوصول إلى فهم مقارن لكيف تؤثر الحركات الاجتماعية على السياسة الانتخابية، وكيف يمكن تضمين النوع الاجتماعي في التيار العام للمناظرات التشريعية ومخرجاتها، وكيف تستطيع المجموعات المختلفة أن تجد الوحدة والقوة داخل هوية مشتركة.

*أستاذ بكلية الزراعة، جامعة القاهرة، ومهتم بقضايا الجندر والبيئة والتنمية.

من كتاب:

Women in African Parliaments. Edited by Gretchen Bauer and Hanah E. Britto London: Lynne Riemer Publishers, 2006.

1- الهيئات التشريعية الوطنية قد تتكون من مجلس واحد أو مجلسين. والمقارنات بين الدول بخصوص النساء في المجالس التشريعية، مثل تلك التي يجريها بانتظام الاتحاد البريطاني الدولي، تشير إلى تمثيل النساء في المجلس الوحيد أو المجلس الأدنى من الهيئة التشريعية الوطنية.

2- www.ipu.org/wmn-e/world.htm

3- في سنة 2001 كانت هناك 15 مليون امرأة في أفريقيا جنوبي الصحراء من بين 18 مليون امرأة مصابة بمرض متلازمة نقص المناعة المكتسب (الإيدز) في الدول النامية.

وصل معدل الخصوبة بين نساء أفريقيا جنوبي الصحراء إلى 5.4 أطفال لكل امرأة في الفترة من 2000 -2005، وذلك مقارنة بمعدل 2.5 طفل لكل امرأة في أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، و3.3 أطفال لكل امرأة في جنوب آسيا. وتقل نسبة النساء القادرات على القراءة والكتابة في أفريقيا جنوب الصحراء عن نظيراتهن في شرق آسيا وأمريكا اللاتينية وفق أرقام سنة 2001 (54% مقابل 81%، 88%، على الترتيب)، وإن كانت أفضل من النسبة لدى النساء في جنوب آسيا (45 %) www.hdr.org

4- في 30 أبريل 2005، كانت السنغال في المركز الثامن والأربعين على مستوى العالم، بنسبة 19.2 % نساء في جمعيتها الوطنية، وهي نسبة لا تزال متقدمة جدًا عن الغالبية العظمى من الدول الأفريقية. وكان المتوسط الإقليمي لأفريقيا 15 % في المجلس الوحيد أو الأدنى، 14.2% في مجلس الشيوخ أو المجلس الأعلى.

www.ipu.org/wmne/classif.htm

5- ثمة كمية هائلة من الادبيات عبر عقود من البحث والدراسة تغطى النساء في السياسة، بما في ذلك النساء في المجالس التشريعية، من الدول النامية أساسًا. وبعض هذه الأدبيات مذكورة في قوائم مصادر هذا الكتاب.

6- هناك دراستان حديثتان أخريان (2004 Geisler 2004, Morna) تركزان على النساء في السياسة في الجنوب الأفريقي، وهما تشملانلكنهما لا تقتصران على – النساء البرلمانيات. وتركز Ballington (2004) على الحصص كآليات لانتخاب مزيد من النساء للبرلمانات الأفريقية.

7- يشير Matland and Taylor (1997) و Goetz and Hassim (2003، 28 ) إلى تمييز Pitkin(1967) بين الوقوف من أجلجماعة بعينها كما لو كانت حرفيًا نسخًا بيولوجية علناًوبين العمل من أجل أو لمصلحة جماعة بعينهامثل الفرق بين التمثيل الوصفى والتمثيل الجوهري. وتشير Hyland Byne (1997) إلى الفرق بين التمثيل الكمي والتمثيل الكيفي.

8- تعرض تطبيق مفهوم الكتلة الحرجة على التمثيل التشريعي للنساء إلى نقد متزايد في السنوات الأخيرة. انظر/ ى إلى (2005) Childs and krook

9- تعتبر قوائم نظم التمثيل النسبي هي الأكثر شيوعًا في نظم التمثيل النسبي ففي نظام قائمة التمثيل النسبي يصوت الناخبون لحزب وليس لمرشح. وتحصل الأحزاب على مقاعد تتناسب مع نصيبها الكلى من الأصوات. والمرشحون الفائزون يؤخذون من القوائم بحسب ترتيب وضعهم عليها. وفي نظم القوائم المغلقة لا يستطيع الناخبون التأثير في مسألة مَنْ مِن مرشحي الحزب سوف ينتخب. أما نظام من يأتي أولاً يحصل على المنصبهو واحد من أربعة أنماط من نظم الأغلبية التعددية. تجرى الانتخابات في دوائر ذات عضو واحد، والمرشح الذي يحصل على معظم الأصوات (حتى ولو لم تكن بالضرورة الأغلبية المطلقة) يفوز. أما نظم التمثيل شبه النسبي الانتخابية، والتي يوجد منها نمطان، فهي تقع ما بين نظم الأغلبيةالتعددية ونظم التمثيل النسبي (Matland 2002. 2- 3). ونظم دائرة العضو الواحد الأغلبية (مثل نظام الأول يحصل على المنصب، وهو أكثر النظم الانتخابية شيوعًا على مستوى العالم) “قد ثبت أنها أسوا النظم الممكنة للنساء” (Matland 2002. 9).

10 – انظري إلى (2004) Ibrahim – تحليل لتأثير السيدات الأوائل في السياسة في أفريقيا، حتى اليوم.

11- ثمة دراستان حديثتان عن زيادة التمثيل الانتخابي للنساء في أفريقيا توردان كثيرًا من الاستنتاجات نفسها التي توصلنا إليها. تعرف Ballington (2004) استخدام حصص ونظم انتخابية بعينها، قوة وتماسك الحركات النسائية الوطنية، الضغوط التي تمارسها الحركات والمنظمات النسائية الدولية، والاستخدام الاستراتيجي لنوافذ الفرص السياسية، بوصفها عوامل ساعدت على زيادة التمثيل السياسي للنساء في أفريقيا في التسعينيات من القرن العشرين وسنوات العقد الأول من الألفية الثالثة. وتربط Morna (2004) بين زيادة تمثيل النساء في عدد قليل من دول الجنوب الأفريقي بنظام التمثيل النسبي الانتخابي وحصص النوع الاجتماعي التي يتبناها الحزب السياسي أو المقاعد المحجوزة للنساء. وترى Morna أيضًا أن الدول التي فيها أعلى نسبة من النساء في السياسة كانت قد خرجت مؤخراً من مواقف نضال أو صراع، أو فيها أحزاب حاكمة ذات توجهات اشتراكية ديمقراطية، أو كلاهما معًا.

12- تعرف Molyneux احتياجات النساء العملية بحيث تشمل معظم الحاجات الأساسية الملحة (أو الضاغطة)، كالحاجة إلى مأوى آمن، وتغذية كافية، ورعاية صحية، وماء نظيف للنساء وأسرهن، وضرورة التوظيف الآمن لضمان فرص مستمرة للوصول إلى هذه الحاجات الأساسية. وبعد هذه الضروريات الأساسية للبقاء، تحدد Molyneux الحاجات الاستراتيجية للنساء التي من شأنها إحداث تحسن هائل على مكانتهن في المجتمع، كالحماية التشريعية (القانونية)، والوصول إلى التعليم والتوظيف وحقوق الأرض، ووضع نهاية للعنف على أساس النوع الاجتماعي.

13- تعزو Ranchod- Nilsson (274- 1998) إلغاء قانون السن القانوني للأغلبيةفي زیمبابوي سنة 1999 إلى زيادة تركز السلطة في دولة الحزب الواحد، مما أدى إلى تحول في أيديولوجية الدولة للنوع الاجتماعي وتغير درامي في تقسيم الدولة إلى أهالى ودخلاء.

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي