النساء في العلوم: التاريخ الاجتماعي والثقافي

تاريخ النشر:

2009

تأليف:

النساء في العلوم: التاريخ الاجتماعي والثقافي

تأليف: روث واتس

عرض: نولة درويش*

الناشر: روتلدج مجموعة تايلور وفرانسيسلندن ونيويورك– 2007

يتكون هذا العمل من تسعة فصول، ويتصدره الشكر، ومسرد للمصطلحات المستعملة؛ کما تذيله قائمة من الهوامش، وقائمة المراجع، وملحق يتضمن المحتويات حسب الترتيب الأبجدي؛ ويقع الكتاب في 300 صفحة من القطع المتوسط. معظم فصول الكتاب تتناول تاريخ النساء في العلوم بدءًا من العصور الوسطى وحتى الزمن المعاصر، مع فصل خاص يعرض دراسة حالة.

في الفصل الأول بعنوان العلوم، والنوع، والتعليمتبدأ المؤلفة بالإشارة إلى أن الخطاب الشعبي لا يدرك مدى وجود عالمات، على الرغم من أهمية تأثير المجال العلمي على حياة الناس، بالتالي الحاجة الملحة إلى تمثيل فئات السكان المختلفة في عمليات إجراء البحوث، واتخاذ القرارات بشأنها. كما تحدثنا المؤلفة عن أسباب خوضها في هذا الموضوع، والتي كان مرجعها في البداية إلى اعتقادها في أن هناك شبه غياب للكتابات المتعلقة بالنساء والعلوم، ثم اكتشفت فيما بعد أنها أخطأت في ظنها، حيث وجدت أن هناك الكثير مما كتب حول هذا الموضوع، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية؛ وتميزت تلك الكتابات بالتركيز على محورين: إعادة اكتشاف النساء اللاتي لعبن دورًا أو آخر في العلوم، ومناقشة أسباب إقصاء النساء من أعلى مراتب السلم العلمي. ثم تنتقل إلى تناول التطور التاريخي للمفاهيم المرتبطة بمصطلحات العلوم، والنوعوالتعليم“. وتذهب إلى أن مصطلح العلومأصبح يغطى – في الأزمنة المعاصرة – مجموعة متنوعة من التخصصات؛ كما يمكن النظر إلى العلوم باعتبارها فنًا مبدعًايتطلب مقاربته من خلال منظورات جديدة حول ما المعروف وإدماج المعرفة في التعميمات المستجدة، وتطور المفاهيم حول كيفية عمل الكون، كما تذهب إلى أن النسويات يقفن بطريقة متنامية في مواجهة الفرضية المعاصرة بأن العلم منطقى، وموضوعي، ويتم اقتسامه، وقابل للاعتماد عليه؛ ذلك أن تحليل هؤلاء النساء يستند إلى علاقات القوة السائدة اجتماعيًا والتي تؤدى إلى انتفاء تلك الصفات عن العلم. أما مصطلح النوع، فهو يرتبط أكثر بالبعد الثقافي، أي بالقيم الاجتماعية التي تحدد أدوار الجنسين والتي تعتمد على هياكل أبوية وتراتبية. كما يحمل مصطلح التعليمأكثر من معنى؛ فإذا تم النظر إليه باعتباره تنمية للقدرات النفسية والجسدية بدلاً من مجرد الإشارة إلى التعليم، أو التدريب، أو التدريس المنتظم..” فإنه بهذا المعنى يسمح بالنظر في مجموعة ثرية من الخبرات تقع خارج المؤسسات النظامية.

يتناول الفصل الثاني المرحلة ما بين القرن الخامس والقرن السادس عشر، حيث يركز على المعرفة العلمية والنساء في العصور الوسطى الأوروبية، مع التأكيد على أن حيزًا كبيرًا من العلوم كان مركزًا خلال هذه الفترة خارج أوروبا. في تلك الفترات، دارت مناقشات وجدل واسعين حول الخصائص الجنسية للذكورة والأنوثة؛ غير أن ذلك الجدل كان يدور أساسًا في صفوف وأوساط الذكور، كما ركز أساسًا على القضايا الخاصة بهذه الفئة؛ وتشير مؤلفة الكتاب إلى عجزها على تحديد مدى المساهمات النسائية في تشكيل وتوليد المعرفة حيث تفتقد كثير من الكتابات إلى الأسماء الحقيقية لمؤلفيها. وعلى الرغم من أن اسم تروتاهو الاسم الوحيد لامرأة ينسب إليها بحوث حول الفلسفة الطبيعية، فإن هناك ما يشير إلى ممارسة النساء للعلوم في بعض مناطق جنوب إيطاليا. وتذهب إلى أن النساء لم يكن لهن مكان في الجامعات خارج إيطاليا، حيث كانت تخصص الجامعات لإعداد خدام الكنيسة، والمحامين، والأطباء بدرجة أقل، وعليه كانت موجهة للذكور في المقام الأول؛ بينما مثلت الأديرة المجال الأساسي لتعليم النساء؛ إلا أنها كانت تستقبل الإناث من الأسر الميسورة، كما تنوع مضمون العلم الذي تقدمه تلك الأديرة وفقًا للمكان والزمان. ومع ذلك، ظهرت بعض النساء اللاتي امتلكن العلم، والسلطة، والاستقلالية، من أمثال «هايلدجارد» التي واكبت توجهات عصرها، وكانت لها أبحاث مهمة حول معنى الذكورة والأنوثة؛ وقد أثرت على زمانها، کما تمت إعادة نشر أعمالها في عصر النهضة. وإلى جانب ما يمكن تسميته مجازًا بالجماعة الأكاديمية في ذلك الوقت، نجد أن عديدًا من الناس كانوا يلجأون إلى معالجين من خارج هذه الجماعة؛ وكانت هناك نساء كثيرات في صفوف هؤلاء المعالجين من نوع آخر، أما في عصر النهضة، فعلى الرغم من الانفتاح الحادث، وتزايد الاتجاه إلى اعتبار الزوجات كرفيقات في الحياة، بدلاً من اعتبارهن خادمات للأزواج كما كان الأمر قبلاً، أكدت الفلسفة العملية فكرة القيادة للذكور، وأن الزوجة الجيدة هي التي تعمل لصالح زوجها ووفقًا لإرادته. وخلاصة لهذا الفصل، فإن العصور القديمة والوسطى قد شهدت ظهور بعض المعلمات والكاتبات والطبيبات الشهيرات؛ كما كانت تتم أساسًا المشاركة العلمية للنساء في انجلترا نهايات القرن السادس عشر انطلاقًا من البيوت، ولكنها تضمنت مهارات متعددة، مثل الطب وعلوم الأعشاب الطبيعية.

الفصل الثالث بعنوان المعرفة الخطيرة: العلوم، والنوع، وإرهاصات الحداثةيتناول الفترة التي تبدأ مع القرن السابع عشر في إنجلترا، حيث ظهرت نظريات علمية متعددة أثرت على مفهوم النوع، وجذبت النساء إليها في الوقت نفسه. ويمكن القول بوجود بعض التطورات العلمية الإيجابية، إلا أنها أدت في أحيان كثيرة إلى آثار سلبية مهمة بالنسبة للنساء؛ فالفرص التي مثلتها الطباعة، ودخول أشكال جديدة من التكنولوجيا، والطبيعة غير الأنشطة العلمية، كان يقابلها تركيز متنامٍ على ذكورة الفلسفة الطبيعية، واقتصار تدريسها في مؤسسات ومواقع موجهة للتجمعات الذكرية الصرفة. كما قل عدد النساء اللاتي كن يمتلكن التعليم، والموارد، أو الوقت الكافي للمشاركة في الأنشطة العلمية؛ لكن بعضهن ممن ارتبطن أساسًا بالأوساط القريبة من هارتليبوكافنديشأتيحت لهن فرصة الإسهام في الكتابات العلمية؛ وتشير مجالات اهتمامهن إلى اتساع نطاق علمهن الذي تعدى حدود التعليم النظامي. أما الفصل الرابع حول التعليم في العلوم وعلم التعليم خلال القرن الثامن عشر الطويل” – والذي يشار إليه بالطول نظرا للإصدارات الحاسمة في التشكل العلمي والثقافي والتي شهدتها بداية ونهاية هذا القرن – فهو يحدثنا عن تأثير التداعيات الاجتماعية المتغيرة على النساء، سواء في الاتجاه المحافظ أو الاتجاه الثوري، فقر انتشرت محاولات مماثلة خلال ذلك القرن عبر أوروبا وفي أمريكا الشمالية لبناء مسيحية أكثر عقلانيةومنطقيةتتناسب مع المفاهيم العلمية والدينية الجديدة؛ وهو أيضًا عصر ازدهار الطباعة، وتعدد صدور الموسوعات العلمية، إلخ. أما أثر ذلك على النساء، فلم يكن بنفس الفائدة التي استمتع بها الرجال؛ حيث تم التأكيد على الأدوار المرسومة اجتماعيًا للنساء والرجال، والمرتبة الأدنى للنساء، وإبراز الفروق البيولوجية بين الجنسين، والميل إلى تعريف النساء بوظيفتهن الإنجابية وليس استنادًا إلى حياتهن الجنسية؛ فكانت هناك على سبيل المثال ضغوط متصاعدة لكي تقوم النساء بالرضاعة الطبيعية، حتى في الأوساط الميسورة التي كانت تعتمد في السابق على مرضعة مأجورة. أما في مجال النساء والطب، فقد تعاظمت الصعوبات أمام التحاق النساء بالجامعات، وبالتالي المعوقات أمام ممارستهن للطب، على الرغم من وجود بعض الإمكانات لممارستهن هذه المهنة من خلال الجمعيات الخيرية والدينية على الأرجح. ومع بروز بعض أشكال من القابلات، أكدت سارة ستونفي عام 1735 ضرورة حصول هؤلاء النساء على قدر من المعرفة والخبرة العملية؛ وهو ما سانده بعض المارسين من الرجال، وكذلك عدد من القابلات مثل إليزابيث نيهلالتي أشارت إلى أن الرجال يستولون على مجالات عمالة النساء حينما يشعرون أنها تمثل مصدراً للربح. وتؤكد هنا المؤلفة أهمية استيعاب تلك التطورات التي تفسر التقسيم اللاحق للمسئوليات الطبية الذي أثر طويلاً على واحد من أهم المجالات التي قدر للنساء الحصول فيه على بعض المعرفة العلمية. كما توجد بعض الأنشطة الأخرى المرتبطة بالطب التي اندرجت فيها النساء؛ فعلى سبيل المثال، نقلت لیدی مارى وورتلي مونتيجوالتطعيم من الإمبراطورية العثمانية؛ غير أنه من الصعب تحديد المساهمات الفعلية للنساء في العلوم، نظرًا لأن كثيرًا منهن كن يعملن بالتعاون مع الزوج، أو أقرباء آخرين من الذكور نسبت إليهم تلك الأعمال في معظم الأحيان.

يتناول الفصل الخامس الشبكات الراديكالية في التعليم والعلوم ببريطانيا منذ منتصف القرن الثامن عشر حتى عام 1815″؛ حيث يصف أحوال التعليم والعلوم التي تأثرت بازدهار الميل إلى إعمال المنطق وتبنى المعرفة الحديثة المبنية على العلم؛ ومع ذلك، يبدو أن عدد المدارس التي علمت الفتيات المواد العلمية قليل للغاية رغم تنوع المدارس المخصصة للبنات تنوعًا كبيرًا. إلا أن الكاتبة تلاحظ أن مارجريت برايانتولت توفير هذه النوعية من التعليم مع بدايات القرن التاسع عشر، وكانت قد درست العلوم لعدة سنوات، فجعلت الفيزياء، والميكانيكا، والكيمياء جزءًا أساسيًا من المنهج الذي تقدمه للفتيات. ثم توالت الدعوات والمحاولات النسائية لإدراج النساء في المجال العلمي؛ كذلك برزت أصوات من بين الرجال تعتبر أن عقول النساء قادرة مثل عقول الرجال على إنجاز التطور والإنتاج نفسه؛ وتعد آراء مثل التي حملها ونادي بها جوزيف بريستليحول التعليم، والنوع، والعلوم غاية في الأهمية حيث إنه كان على رأس التربويين التقدميين في إنجلترا في ذلك الوقت، حتى وإن كان يمثل هؤلاء أقلية ضئيلة آنذاك. فقد تشكلت مجموعة صغيرة ممن أثروا على التعليم، ضمت رجالاً ونساء من ذوى الفكر المستقل والمنفتح، دخلت في مناقشات حول المقاربات والمضامين التربوية، أدت إلى خلق بيئة مواتية للنساء. ويقدم لنا هذا الفصل نموذجين لكاتبات ومعلمات في مجال العلوم. ثم يدخل بنا الفصل السادس إلى القرن التاسع عشر، وبالأخص الفترة ما بين 1815- 1880. فيبدأ بعرض بانوراما حول صورة عالم العلوم في إنجلترا ذلك القرن، وهي الفترة التي شهدت مولد الجمعية البريطانية للنهوض بالعلوم، والتي اتسمت بالطابع التضميني وارتبط بها ناس ينتمون إلى أي فئة مهنية، بما في ذلك النساء. في تلك الفترة، وجدت بعض نساء الطبقة الوسطى طريقهن إلى العلوم من خلال مداخل أخرى، مثل الكتابة ونشر العلوم على النطاق الشعبي؛ وهي الكتب التي حققت مبيعات مماثلة لكتب الرجال على امتداد معظم هذا القرن. كما وجدت المؤلفة نساء غير الكاتبات في مجال العلوم، منهن من عمل في علم النبات كراسات ماهرات؛ ومع ذلك، حينها أصبح رسم الزهور ذا صبغة أنثوية، بدأ ينظر إليه باعتباره من الفنون المتدنية وليس من العلوم، كما يتضمن الفصل عددًا من الصفحات حول ماری سومرفيلالملقبة بـ ملكة العلوم؛ وهي الفتاة التي لم تحصل على قسط من التعليم النظامي، وإنما كان اكتسابها للعلم مبنيا على التعلم الذاتي والاحتكاك بأوساط المثقفين في إدنبرج، فتمكنت من تطوير معرفتها في الرياضيات التي كانت تعشقها وتبرع فيها، كما يتناول الفصل النساء في التعليم العالى والطب، حيث بدأ قبول النساء في المؤسسات الجامعية مع نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من ذلك القرن؛ وهو الأمر نفسه الذي نجده في جزء آخر من العالم، أي في أمريكا الشمالية؛ فمع حلول السبعينيات، قامت ثاني جامعات عامة بقبول النساء في صفوفها، كما فتحت أبواب 41 % من كليات التعليم العالى أمام الإناث. غير أن بعض المعوقات ظلت موجودة، خاصة في مجال الطب، فناضلت النساء من أجل هذا الحق حتى نجحت بعضهن في خوض هذا المجال، وتطوير فرص جديدة أمام الجمهور النسائي. وقد أثر بعضهن على أخواتهن في إنجلترا وأوروبا، حيث جلبن إليهن خبرتهن النضالية الخاصة، ونجحت البعض في الحصول على الدرجات العلمية التي تؤهلهن لممارسة الطب بطريقة رسمية.

في الفصل السابع الذي يبدأ زمنيًا حينما توقف الفصل السابق، تستخلص المؤلفة أنه مع حلول أربعينيات القرن العشرين، وعلى الرغم من تزايد الانتساب إلى التعليم الأساسي والعالى، لم تتحقق التطلعات التي تم النضال من أجلها على مدى ما يزيد على خمسين سنة بطريقة كاملة. فقد ساهمت التخوفات الطبقية، والعرقية، والقومية التي تفاقمت بسبب الحروب والأزمات الاقتصادية، في تغذية التردد التقليدي لدى العديد أمام الإقرار بمبادئ المساواة في العقل والفرص التي نادت بها الرائدات الأوائل؛ صحيح أن العقبات والحدود قد أخذت تنكمش، إلا أن النساء لم يكن بعد قادرات على التجول بحرية في محراب العلم والمعرفة؛ ذلك أن القبول في صفوف التعليم العالى لم يعني بالضرورة القدرة المتساوية في الوصول إلى البحث والترقي؛ كما لم تصبح أي عالمة عضوا في الجمعية الملكية حتى عام 1945، مهما كانت درجة رقي إنجازاتها العلمية. وبالتالي، فإنه على الرغم من تنامي وضع العلوم، لم يشهد هذا المجال قدرة متكافئة في الوصول إليه سواء من ناحية الكم أو المضمون. ومع ذلك، أتبحث بعض الفرص لمن قدرن على اقتناصها من خلال العلاقات العائلية، أو الاجتماعية، أو الفوز ببعض المنح الدراسية النادرة. غير أن الكاتبة تحرص هنا على تأكيد أهمية عدم التعميم في أي من الاتجاهين، حيث ترى أنه كانت هناك في النصف الأول من القرن العشرين اتجاهات متنوعة ومتعددة على الساحة التعليمية والعلمية، مع تزايد فعلى للأعداد المنتسبة إلى التعليم الثانوي، وبروز كوكبة من الأفكار الجديدة. يقدم الفصل الثامن دراسة حالة في موضوع التعليم والنوع فيما بين 1902 و1944 تتعلق بمدينة برمنجهام. وكما ظهر واضحًا من الفصول السابقة، فإن الطب مثل أقدم وأكثر الأنشطة العلمية شيوعًا بالنسبة للنساء. مع اكتساب هذا المجال طابعًا مهنيًا متعمقًا، أصبح أصعب على النساء الحصول على الاعتراف بهن كممارسات طبيات. مع حلول القرن العشرين، بدا وكأن النساء انتصرن في المعارك التي قمن بخوضها خلال نهايات القرن التاسع عشر، ونجحت قليلات منهن في احتلال أماكن مرموقة في ممارسة البحوث والطب الإكلينيكي. كما حصلت مزيد من النساء على فرص عمل في مجالات طبية أقل أجرًا وشأنًا؛ وهو ما تطلب في جميع الأحوال اكتساب قدر ما من المعرفة العلمية؛ غير أن ذلك لم يعن بالضرورة اختفاء العقبات أمام دخولهن في هذا المجال أو الاستمتاع بالمساواة فيه. أما حالة برمنجهام، فهي تشير إلى وضع أكثر إشراقًا، خاصة مع مساندة شبكة محلية من النساء المنتميات إلى الطبقة الوسطى – منهن من كن عضوات في مجالس الحكومة المحلية – لحصول النساء على التعليم الطبي، وتوظيفهن في المجال. وحتى هنا، نجد بروز اتجاه واضح وواسع إلى تنميط تلك المشاركة ووضعها في قوالب.

نصل إلى الفصل التاسع بعنوان مساءلة قضايا العلم: معنى النوع والتعليم؛ فقد بدأ هذا الكتاب بالتساؤل عن مكان النساء في العلوم؛ ومن هنا ظل الكتاب يتساءل على امتداده حول ما يشكل المعرفة العلمية، ومن صاحب القرار في هذا الشأن، وعلى أي أسس يتم ذلك، ومن لديه قدرة الحصول أو الوصول إليها، ومن يتم تهميشه، والآثار المترتبة على ذلك. وتلاحظ المؤلفة أن كثيرًا ما ساهمت النساء في حقل العلوم حينما اندرجن في أنشطة لم تحظ بوضع ذي شأن أو أجر مرتفع يستدعي إقصاءهن منها. كما تم حتى فترة مؤخرة تجاهل المساهمات الطويلة للنساء في تطوير العلوم؛ فهناك عديد من النساء على مدى القرون الماضية ساهمن في تعليم وترجمة العلوم دون أن يكن منتجات لها، ومع ذلك لا يمكن إنكار الإضافات التي شاركن بها من خلال ملاحظاتهن، وتعليقاتهن، وبصيرتهن. من المهم أيضًا تثمين المستويات المختلفة للعمل العلمي، والإضافات الخفية لأولئك غابوا عن النظر وراء من هم أكثر شهرة نتيجة للوضع الاجتماعي، والمستوى التعليمي، والجنس. والواقع أن أغلبية الدراسات المتعلقة بالنساء في العلم تتعلق بالنساء اللاتي ينتمين إلى الطبقة الوسطى كحد أدنى. كما يبين الكتاب أهمية الموقع الجغرافي في تحديد مصير النساء اللاتي يرغبن في خوض مجال العلوم، مستندًا إلى حالة برمنجهام. وتشير المؤلفة إلى الحجج التي استعملت على مدى العصور حول التعليم المناسب للفتيات، والتي تعكس المفاهيم المرتبطة بأدوار الجنسين؛ وهي الفرضيات المستمدة من الفكر الديني والفلسفي الذي ظل طويلاً شديد الارتباط بمجال العلوم. وعلى الرغم من تحقيق النساء بعض المكتسبات في القدرة على اختراق العلوم، تظل هناك أشكال من عدم المساواة، سواء من حيث الوضع، أو الوزن في سوق العمل؛ كما تقل فرص النساء في ارتكاب أي أخطاء عند القيام بالتحريات والبحوث العلمية، على الرغم من أن ارتكاب تلك الأخطاء يعد أحيانًا من المتطلبات اللازمة للبحث العلمي.

أخيرًا، يبقى القول أن هذه الدراسة المهمة التي قدمت لنا صورة وافية لتاريخ مشاركة النساء في العلوم قد اقتصرت على النساء في العالم الغربي الذي ينظر إليه باعتباره العالم المتحضر والمتقدم. صحيح أن هذا العالم قد يكون اليوم أكثر تقدمًا بما لا يقاس من البلدان النامية، وأن أوضاع النساء هناك تحظى بمزيد من الاعتراف والتثمين مقارنة بما يحدث لدينا؛ ولكن، نظرًا لأن معظم العلوم نشأت في ظل الحضارات الكبيرة التي ينتمى كثير منها إلى جنوب العالم، أي بالذات إلى البلدان النامية، فمن المؤكد أنه كانت هناك إسهامات نسائية في تلك العلوم أثرت هي الأخرى تاريخ الإنسانية؛ وهو ما افتقده هذا الكتاب بشدة. هذا الإغفال يشير بإلحاح إلى الحاجة لإبراز مساهمات منسية، أو يتناساها الباحثون الغربيون، أو حتى لا يعلموا عنها شيئًا لأننا لا نقوم من جانبنا بالجهد البحثي اللازم لإبراز هذا التاريخ.

 

Ruth Watts. Women in Science: A Social and Cultural History, New york: Routledge, 2007.

*عضوة مؤسسة بمؤسسة المرأة الجديدة.

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي