النساء وحصاد الحرمان من المياه

اعداد بواسطة:

 

سعاد زارع عطية – 18 سنة وشقيقتها غادة – 16 سنة وصباح – 15 سنة وإسراء – 11 سنة خرجن في صباح يوم من أيام شهر أغسطس الماضي كعادتهن لغسل الأواني والملابس على شاطئ النهر ببني سويف، وأثناء قيام كل واحدة منهن بمسئولياتها تجا ما خرجن من أجله انزلقت قدم غادةفي النيل فأسرعت شقيقاتها لإنقاذها فابتلعهن النهر.

تقرير دولي: النساء يقضين معظم يومهن في جردلاء المياه

 

هن ضحايا الحرمان من الحق في وصول المياه النقية إلى البيوت، ذلك الحرمان الذي وصل لحد انفجار المحرومين فيما عرف بـ ثورة العطشىفي الصيف الماضي، ذلك العطش الذي ضرب مصر كلها ومازالت وحتى هذه اللحظة تنطلق أصوات العطشى والمحرومين من المياه تطالب بحقها في محافظات مصر وأحياء العاصمة.

وإذا كان الحرمان من المياه النقية يعني كارثة صحية وبيئية للإنسان، فإن تبعات هذا الحرمان تلقي بعبء مضاعف على النساء، ونظرة على الصور الصحفية التي سجلت وقائع الأزمة سنجد احتلال النساء من كل الأعمار للمشهد وهن يحملن الجراكن والأواني لجلب المياه من العربيات العمومية التي أطلقتها الحكومة في القرى كمحاولة لتهدئة ثورة العطش، ولم يقتصر الأمر عند هذا الدور فقد شاركن في الصراع والإشتباك للحصول على حصة من المياه الشحيحة.

وكما تابعنا فقد نفى وزير الإسكان وجود أزمة في مياه الشرب على الإطلاق، ثم صرح بأن عدد المتضررين محدود. وفسر محافظ إحدى المحافظات الأكثر تضررًا ثورة المواطنين بالمؤامرة.

الأرقام تتكلم

وبغض النظر عن النفي والتفسير فإن الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة الإسكان تقول إن ٥٢% من قرى مصر لا تحصل على احتياجاتها كاملة من المياه، وإذا كان عدد قرى مصر “4617” قرية فهذا يعني أن هذه النسبة تساوي ٢٣٦٨قرية، كما رصدت الوزارة أن 5% من قرى مصر محرومة تماماً من مياه الشرب النقية وتساوي ٢٤٠قرية وهي النسبة التي رآها وزير الإسكان نسبة عادية.

كما سبق ورصد تقرير التنمية البشرية لعام ٢٠٠٥ – ونقصد به التقرير الصادر عن مؤسسات بحثية مصرية أن 40% من الـ ٢٠% من المواطنين الأشد فقرًا في مصر مساكنهم غير مزودة بتوصيلات للمياه.

هنادي وآمنة وزينب

ترسيخ دور النساء في جلب المياه

 

وبعد حديث الأرقام التي تعبر عن معاناة كل المواطنين من الحرمان من أحد أهم الحقوق الأساسية إلا أن الواقع يؤكد أن النساء يدفعن الثمن الأكثر فداحة دائمًا، والمرأة طفلة كانت أو شابة هي المسئولة تاريخيًا عن جلب المياه لتلبية احتياجات الأسرة، وقد سجلت الدراما المكتوبة والمرئية هذا الدور، خاصة أو تحديدًا في الريف فرغم العادات والتقاليد التي قيدت حركة المرأة فإن المجتمع تعارف وقبل واستقر على أن مهمة جلب المياه من الترع والحنفيات العمومية، ومهمة غسل الهدوم والمواعينفي الترع والمصارف هي مهام نسائية، وقد عبر عن هذا الدور على سبيل المثال أول مشهد فيلم دعاء الكروانحيث تظهر النساء وهن يحملن الجرار لملئها دون احتجاج أو ثورة من الخال الذي قتل هنادي في منتصف الفيلم وتعقب آمنة لقتلها في نهاية الفيلم، ومازلنا نجلس أمام التليفزيون ونشاهد للمرة الألف راقية إبراهيم في فيلم زينبوهي تحمل الجرة وتجر جسدها النحيل المريض وتخرج لملئها مستفيدة من الخروج لجلب الماء كحق وحيد ومبرر مقبول للفكاك ولو لبعض الوقت من وقع زواج فرض عليها.

مش ضروري المدرسة

غرق أربع شقيقات في لحظة واحدة

ولم ترصد حتى الآن الدراما والأرقام وقع هذا الدور على النساء الذي كان أحد أثمانه أرواح الشقيقات الأربع، فهناك أثمان أخرى تدفعها المرأة عندما تحرم من الحقوق الأساسية، وقد أكدت هذه الحقيقة دراسات المنظمات الدولية المعنية بصحة وحقوق الإنسان منظمة أوكسفام الدوليةإلا أن الحرمان من الحقوق الإنسانية الأساسية يؤدي إلى حرمان الأطفال في سن دخول المدرسة من التعليم وأغلب المحرومين من المدرسة يكون من الفتيات.

التسرب من المدارس

وفي كلمات بسيطة عبرت الطفلة أسماء البالغة من العمر أحد عشر عامًا وتعيش في عزبة الهجانة، عبرت عن هذه الحقيقة عندما وصفت كيف يسير يومها فهي تستيقيط مع أذان الفجر لتذهب للجامع الموجود في أول المنطقة والذي يفتح مع الصلاة لتملأ الأراضي والجراكن، وتقوم بهذه الرحلة الشاقة أكثر من مرة حسب احتياج الأسرة في اليوم، فيوم غسل الملابس يختلف عن اليوم العادي، وعن الذهاب للمدرسة فهي قضية تالية في الأهمية فإن تعبت من حمل الميا تقول لأمها: “أنا تعبت مش رايحة المدرسةويكون رد الأم: “اقعدي مش ضروري المدرسة النهاردة“. أما أم محمود من حي الدويقة فقد قطعت الكلام من أوله بقولها : “أنا حاوديها المدرسة ولا حاشتري ميه احنا بنشتري جركن الميه بتلاتة جنيه وبالعافية عايشين“.

مسئولية الحكومة

التعرض للتحرش والاغتصاب وحواد الطريق

وقد قررت أم شيماء أن تصطحب ابنتها في الرحلة المسائية لملأ المياه من الحنفية العمومية بالقرية بعد أن تعرضت طفلتها وبنات الجيران أكثر من مرة لمضايقات الشباب، وذكرت أن واحدة من بنات الجيران أصيبت في حاد طريق بترت ساقها على أثر فقد صدمتها سيارة لم تستطع تفاديها وهي عائدة ليلاً بأواني المياه.

وبينما تسكن الأمراض الأجساد لعدم توفر المياه النظيفة، وبينما يتقاتل المواطنون على حصة عزيزة المنال من المياه في بلاد النيل يقول أحد محافظي الدلتا لقاء في جماهيري: “حنعمل لكم إيه يعني إنتو تنبسطوا بالليل وإحنا نشيل قرفكم الصبح“. في إيحاءات المحافظ وإرشاراته يحمل المواطنين مسئولية انهيار حق أساسي من حقوقهم وينفض يده ويد الحكومة من إتاحة هذا الحق، إتاحة الخدمات الأساسية للمواطنين هي مسئولية الحكومات فقط وهي الوحيدة القادرة على توفير وإتاحة الخدمات المجانية والمدعمة للمواطنين كافة وخاصة للنساء والفتيات الذين يعيشون في فقر مدقع، لأن النساء في الدول الفقيرة هن الأضعف والأكثر عرضة للمخاطر.

الفقرة السابقة من تقرير دولي تعبر عنه بلغة بسيطة.

أم انتصار من دكرنس بكفر الشيخ وهي تجربتهم مع الحرمان من المياه التي وصلت توصيلاتها إلى بيوتهم بدون مياه منتظمة، ففي البداية كانت تصل المياه ساعة أو ساعتين في اليوم ولمدة ست سنوات كانت تصل مرة أو مرتين في الأسبوع ثم انقطعت تمامًا في السنة الأخيرة.

وإذا كان تلوث المياه وعدم إتاحة المياه النقية من أهم أسباب إصابة الإنسان عمومًا بالأمراض، ولكن واقع الدول النامية أكد أن النساء في جميع أنحاء العالم النامي هن الأقرب إلى السقوط مرضًا، إلا أنهن الأبعد عن الوصول للرعاية الطبية، ويفترض فيهن العناية بالمريض من أفراد الأسرة، أنهن غالبًا ما يكن آخر من يذهب إلى المدرسة في الأسرة وأول من يحرم منها في حالات العجز المادي، وفي كل الأماكن على نحو دائم تقريبًا الفتيات والنساء هن اللواتي يقضين معظم يومهن في جردلاء الماء على مسافات طويلة.

هذا هو الجزء من الحصاد فهل ننتظر مزيدًا من غرق النساء ومرضهن وتسربهن من المدارس وترسيخ دورهن في جلب المياه لكل الأسرة، وإلى متى سنكرر ما أقرته المواثيق الدولية والهيئات العالمية والمصرية والتي أكدت أن رفاة المرأة هو حجر الزاوية للتنمية في تزايد فرص حياتهن وفرص حياة أطفالهن“.

شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي