النظام الأبوى وإشكالية الجنس عند العرب

اعداد بواسطة:

النظام الأبوي و إشكالية الجنس عند العرب

إن الكتابة عن المرأة والمطالبة بحقوقها من أجل خلق مجتمع عادل، يتخطى أشكال السيطرة الأبوية، وينطلق من العمل على تغيير شامل للبني الفكرية والمجتمعية والسياسية التقليدية التي حاصرت المرأة وأسرتها بقيود الموروث الثقافي والاجتماعي، هذا التحرر ينفصل عن مشروع التحديث، والتعددية، والديمقراطية، وهو المشروع الذي يقوم إلا بالوعي الاجتماعي الكامل، واعتراف بالرأي، والرأي الآخر، ويقيم أحكامه على الفروق البيولوجية.

لذا جاء كتاب النظام الأبوي وإشكالية الجنس عند العرب، للكاتب إبراهيم الحيدري كرحلة طويلة في عالم المرأة، تبدأ من أقدم المراحل الاجتماعية التي عاشتها البشرية حتى العصر الحديث، وينقسم الكتاب إلى قسمين رئيسيين: يبحث الأول في مكانة المرأة ودورها الديني والاجتماعي والسياسي في المجتمعات القديمة التي وصل فيها احترام المرأة حد التقديس. أما القسم الثاني: فيبحث في مكانة المرأة ودورها في المجتمعات الحديثة، أي منذ تشكيل الدولة وتطور النظام الأبوي البطريركي وانحسار دور المرأة بالتدريج.

جاء الكتاب في مقدمة وسبعة فصول، وخاتمة تضمنت ما يلي: تناول الفصل الأول نظرية حق الأملباخوفن الذي وضع أول نظرية حول مكانة المرأة وسلطتها في المجتمعات القديمة، واعتبر السلطة حقًا طبيعيًا لها، على اعتبار أن الأنثى هي الأصل، وإذا كانت المرأة، فسيولوجيًا، أضعف من الرجل، لكنها احتلت مكانةً دينية واجتماعية عاليةً في العائلة والمجتمع والسلطة، فالمرأة هي أصل الخصوبة وإنتاج الحياة. وفي ختام هذا الفصل قدم الكاتب تعقيبًا لتقديم وتقويم ونقد نظرية باخوفن، ونتساءل: هل حقُّ الأم الطبيعي هو حقيقة تاريخية أم أسطورة؟ إذ أن المجتمعات الأموية كانت تضع النفوذ السياسي بيد الرجل دومًا.

يستعرض الفصل الثاني أهم الدراسات الأنثروبولوجية التي جاءت بعد باخوفن، وفي مقدمتها، آراء لويس مورغان وكتابه المجتمع القديموفردريك إنجلز وكتابه أصل العائلة والملكية الخاصة والدولةوهنري مين وكتابه قوانين العائلة عند الأقوام السلفيةوماكلينان وكتابه الزواج البدائيوغيرهم من الذين درسوا العائلة والدولة والسلطة في العالم القديم، وتطور النزعة الأبوية التي ما زالت مهيمنة في العالم حتى اليوم، كما استعرض النظريات الأنثروبولوجية المعاصرة وفي مقدمتها نظرية سيغرستفي تعقيبه على آراء إنجلز في أصل العائلة والدولة، وأطلس مردوخحول انتساب الشعوب الزراعية إلى خطا الأم. أما كتاب الآلهة البيضاءلروبرت غريفز، فيبحث في انتساب الشعوب الأوروبية إلى خط الأم، وانتشار نظام الأموية في أوروبا القديمة أيضًا، بالإضافة إلى أهمية المرأة في مجتمع الطوارق في شمال أفريقيا، والعلاقات المتحررة قبل الزواج، وهي دليل على بقايا حق الأم في أفريقيا المستمد من العهود القديمة.

ويتتبع الكاتب في الفصل الثالث مكانة المرأة في الحضارات العليا القديمة، بدءًا من وادي النيل، وأسطورة إيزيس وأوزوريس، ودور الملكات المصريات في المجتمع، والسلطة وإدارة الحكومات ونظم العائلة في الزواج والطلاق. أما في وادي الرافدين، فكانت للمرأة أهمية اجتماعية ودينية عالية تنعكس بتماثيل الأمومة والخصوبة، وبصورة خاصة تمثال عشتار، إلهة الحب والخصوبة والحياة. كما يبحث في تقديس الآلهة الأم والبقاء المقدس وارتباط المرأة بالقمر الذي اقترن بحياة الإنسان الجنسية والإخصاب.

ومع أن المجتمع البابلي كان طبقيًا، لكنه ضمن للمرأة حقوقاً عديدة في مقدمتها حقُّ التملك والعمل، والطلاق، وغيرها من الحقوق، كما يعالج هذا الفصل تطور النظام الأبوي في بابل والتحول من انتساب إلى خط الأب، وبالتالي فقدان المرأة كثيراً من حقوقها وسلطتها الدينية، كما يظهر بوضوح في ملحمة جلجامش، وملحمة الخلق البابلية. أما الفصل الرابع: فيتناول الصورة التي رسمها المجتمع الأبوي البطريركيللمرأة في أوروبا منذ الإغريق حتى العصر الحديث، كما يتضمن تحليلاً نقديًا لآراء الفلاسفة والمفكرين الأوروبيين الذين انحازوا في كتاباتهم إلى وجهة النظر الأبوية من أفلاطون حتى نيتشه، عدو المرأة رقم واحد، ويتطرق هذا الفصل إلى موقف المسيحية من المرأة التي تعتبر أن حواء هي أصل الخطيئة، وإلى محاكم التفتيش التي اتهمت آلاف النساء بالسحر والشعوذة وأعدمتهن بالقتل والحرق. ومنذ عصر التنوير، بدأت تتغير الأفكار والموقف من المرأة، حيث قامت الحركات النسوية في أوروبا قبل أكثر من قرن بالمطالبة بالحقوق والمساواة مع الرجل، بالإضافة إلى موضوع المرأة والحياة الجنسية عند فرويد وموقفه السلبي من المرأة، والانتقادات التي وجهت إلى نظريته من قبل مالينوفسكي، وماركوز، وإربك فروم، وغيرهم. يعالج الفصل الخامس قضايا المرأة في المجتمع العربي قبل الإسلام من حيث نظم العائلة والزواج والطلاق والتصورات الدينية المرتبطة بالأوثان والأساطير في محاولة لمعرفة بقايا نظم الانتساب إلى الأم، ودراسة أصول النظام الأبوي الذي ارتبط بنمط الإنتاج الرعوي وتأثيره في الحياة الاجتماعية وبخاصة المرأة، بالإضافة إلى حضور المرأة في الإسلام، حيث أعطاها حقوقاً وواجبات لتنظيم الحياة الاجتماعية ومساواتها بالرجل في الملك والإرث وحتى في الطلاق: غير أن التشريع الإسلامي لم يطبق في الواقع الاجتماعي، فقد أخذت المرأة في فقد حريتها، وفرضت عليها القيود تدريجيًا، كما تتبع مشكلة العبيد والجواري والحجاب التي عرقلت العلاقة السليمة بين الرجل والمرأة.

في الفصل السادس، يبحث المؤلف قضيةً مهمةً هي إشكالية الجنس عند العرب، وارتباطها العضوي بالنظام منعًا وتحريمًا ومصادرةً. وحاول الكاتب بقدر الإمكان تقديم دراسة سوسيولوجية جادة للتراث الجنسي عند العرب، وتحليل اجتماعي لموضوع الفحولة في اللغة والأدب والشعر، وصورة المرأة في ذهن الرجل، هل هي صورة الرجل في ذهن المرأة؟ إلى جانب الاحتفاء بالجسد والعامل الجنسي كعامل محدد للشخصية، واستعراض آراء الفلاسفة العرب، من الغزالي والجاحظ، حتى ابن رشد، وغيرهم، وكذلك موضوع الميثولجيا العربية وتفسيرها للبنية الاجتماعية والفكرية من خلال أساطير المرأة والحية والشيطان، وأخيراً يشرح مفهوم النظام الأبوي وتطوره وتأثيره في المرأة والعائلة والحياة الاجتماعية، والذي تم التعبير عنه بثنائية التسلط والخضوع. أما الفصل السابع والأخير، فيستعرض الخطاب العربي وقضايا المرأة من خلال دراسة الحركة النسوية العربية في مائة عام منذ قاسم أمين حتى المرأة في الخليج العربي ومن الملاحظ أن قضية تحرر المرأة العربية قد أصابها تراجع نسبي في معظم البلدان العربية، فقد بحث الكاتب حقوق المرأة بين النظرية والممارسة العملية من حيث: الثقافة واستلاب المرأة، وقوانين الأحوال الشخصية وتولي منصب القضاء، وإشكالية القوامة على النساء، ومشاركة المرأة في السياسة، إلى جانب دور العولمة والإعلام في استلاب حقوق النساء. يتعرض الكاتب في الخاتمة للمعوقات الرئيسية التي تعيق تصدر المرأة العربية وعدم تبوئها دورًا قياديًا مهمًا متميزًا: هذا في الوقت الذي أخذت فيه المرأة في آسيا دورًا قياديًا مهمًا، وأصبحت رئيسات لدولهن، ومنهن مجاواتي في إندونيسيا. فما الأسباب والموانع التي أعاقت صعود المرأة العربية؟ هل هي القيم الذكورية الأبوية، أم هي المساواة النسبية بين الجنسين في آسيا؟

والمفارقة هنا هي أنه منذ خمسة عشر قرنًا لم تصل أي امرأة عربية إلى قيادة الدولة.

شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي