تكلفة الرعاية

تاريخ النشر:

2015

تكلفة الرعاية

حوار مع المنظرة النسوية نانسي فولبري (*)

المذيعة: مرحبًا بكم في متحف المرأة الدولي وهذا البث الرقمي

لإكونوميكا: المرأة والاقتصاد العالمي

نانسي فولبري: شكَّل الكثير من عمل المرأة في البيت ومع الأسرة نوعًا من شبكات الأمان الاجتماعي للجميع. فإذا مرض أحد أفراد الأسرة، تولت زوجته، أو أمه، أو ابنته، أو خالته أو عمته رعايته. وأعتقد أن شبكة الأمان الاجتماعي هذه اعتُبرت حقًا مكتسبًا لأنها غير مرئية نوعًا ما.

المذيعة: تجري نانسي فولبري أبحاثًا في التفاعل بين النظرية النسوية والاقتصاد السياسي، وتركز، بوجهٍ خاص، على رعاية المرأة للآخرين كعمل تقوم به. فولبري حاصلة على زمالة مؤسسة ماك آرثر، فضلاً عن قيامها بتقديم الاستشارات لمكتب الأمم المتحدة للتنمية البشرية، والبنك الدولي، ومنظمات أخرى؛ وذلك إلى جانب قيامها بتدريس الاقتصاد في جامعة ماساشوستس، أمهرست.

حاورت أمينة إكونوميكا، ماسوم مومايا، نانسي فولبري أثناء انعقاد مؤتمر الجمعية الدولية للاقتصاد النسوي في 2009. وبدأت بسؤالها عما تعنيه عبارة عمل الرعاية“.

فولبري: عمل الرعاية مصطلح لم يتفق الجميع تمامًا عما يعنيه. ولكننا نعني به، بوجه عام، العمل الذي ينطوي على تفاعل وجهًا لوجه لرعاية شخص ما – عادةً أحد المرتبطين بالمرأة، مثل الصغار، أو أحد الأقارب المرضى أو المعاقين، أو المسنين الواهنين، أو الضعفاء بشكلٍ أو بآخر.

وهو تصنيف مهم بالفعل لأنه يتخطى الحدود القائمة بين العمل المأجور وغير المأجور. فهناك الكثير من الخدمات التي يقدمها السوق، والكثير من تلك التي تقدمها الدولة، وكذلك الكثير من الخدمات التي تقدمها الأسرة والمجتمع. وبالتالي، فلدينا الكثير من الأشكال المؤسسية المختلفة، وأحيانًا تعمل تلك الأشكال المؤسسية معًا بشكل جيد فتتيح للناس ما يحتاجون إليه، ولكنها في أحيان أخرى لا تفعل. وكما تعلمين، فنحن نعيش في عالم يزداد تعقيدًا، بحيث يصعب بالفعل، في بعض الأحيان، تنسيق الرعاية. لذلك يشعر الكثيرون بأنهم يعملون لساعات طويلة في عملهم المأجور حتى يستطيعوا الوفاء باحتياجات الرعاية لأسرهم، ويصعب عليهم اختصار تلك الساعات لتصبح ساعات عمل مؤقت، وإلا كانت التبعات المادية كبيرة، لذلك لا يستطيعون التحول من عمل لكل الوقت إلى عمل لبعض الوقت.

ومن ناحية أخرى، هناك من يعملون لبعض الوقت رغمًا عنهم، ويودون لو استطاعوا الحصول على وظيفة ثابتة لكل الوقت، ولكن يصعب عليهم الحصول عليها لسبب أو لآخر. إلى جانب أننا نعيش أسرى للكثير من النظم المؤسسية الصارمة التي يصعب معها على الناس أن يكيفوا التزاماتهم بحيث تتاح لهم فرصة رعاية الآخرين. لذلك، أعتقد أن الاقتصاديين عليهم أن يحاولوا التفكير في طريقة لإعادة ترتيب بعض تلك النظم بحيث تتيح للناس مرونة أكبر.

مومايا: هل تشعرين بأن طبيعة عمل الرعاية قد تغيرت بالفعل في اللحظات التاريخية التي شهدتها الولايات المتحدة مؤخرًا؟

فولبري: من المؤكد أن جانب العرض في عمل الرعاية قد تقلص كثيرًا مقارنةً بجانب الطلب، الناجم عن واقعٍ تمضي فيه المرأة ساعات أطول في عملها المأجور، فتزداد عليها صعوبة لعب دور الملجأ الأخير في تقديم الرعاية. أعتقد أن الكثير من عمل المرأة في المنزل ومع الأسرة كان يمثل شبكة أمان اجتماعي للجميع. فإذا مرض أحد أفراد الأسرة، تولت زوجته، أو أمه، أو ابنته، أو خالته أو عمته رعايته. وأعتقد أن شبكة الأمان الاجتماعي هذه اعتُبرت حقًا مكتسبًا لأنها غير مرئية نوعًا ما، نعم هم يرونه كذلك بالفعل. وعندما يصبح شيء ما نادرًا أو إشكاليًا، حينها تنتبهين أكثر إليه. أعتقد أن هناك وعيًا متزايدًا بأن هذا النوع من العمل كان يؤدي وظيفة حيوية بالفعل. ولكن الوضع أصبح شاقًا، فقد قلت نسبة توافر هذا النوع من العمل عن ذي قبل. لذلك يتعين علينا أن نمعن النظر أكثر في الكيفية التي يمكن من خلالها أن نحصل منه على ما نحتاج.

مومايا: هل حدث تحول في رؤية الناس لعمل الرعاية، من عمل يستطيعون الحصول عليه مجانًا، أو يركنون إلى الحصول عليه مجانًا، لعمل يضطرون الآن – لعدم توافر الوقت لدى من كانت تقدم الرعاية أو تغير النظام داخل الأسرة – إلى التعهيد (لم أجد تعبيرًا أفضل من ذلك) به لآخرين، أو دفع مقابل لأمور كانوا يحصلون عليها مجانًا في السابق؟

فولبري: هناك اعتماد أكبر على شراء خدمات الرعاية بالتأكيد. فمن الواضح أن خدمات رعاية الطفل تتزايد في معظم البلدان، وكذلك خدمات رعاية المسنين، تتزايد هي أيضًا. ولكن خدمات الرعاية تعتبر، من بعض الزوايا، نوعًا من سلع الرفاهية، التي تتزايد مع نمو الاقتصاد.

لذلك، مما أثار انتباهي أننا، رغم إنفاقنا المزيد من الأموال على رعاية الطفل في بلدان مثل الولايات المتحدة، فهناك أيضًا أدلة على أن الأسر نفسها أصبحت تكرس المزيد من الوقت لتلك الرعاية. بعبارة أخرى، يبدو أن الناس الأسر والمجتمعات – أصبحت تفضل أكثر أن يرعى كلٌ منا الآخر، حتى عندما تتوافر مستويات راقية من الخدمات التي يمكن الحصول عليها من السوق، فتوافر تلك الخدمات في السوق لا يؤدي بالضرورة إلى تقليص الوقت المكرس لها، بل يساعد فقط، في كثير من الأحيان، على إعادة تنظيم الوقت. أليس كذلك؟

مومايا: والمسئوليات.

فولبري: تجبرك الظروف أن تتركِ الصغار في دار الحضانة في الثامنة صباحًا، حتى يتسنى لك العمل حتى الثالثة مساء. ولكن الكثير من الآباء والأمهات يعيدون تنظيم برنامجهم اليومي حتى يستطيعوا تعويض هذا الوقت الذي فاتهم في مجالسة الصغار. مرة أخرى، تبرز مسألة المرونة كقضية محورية بالفعل.

مومايا: قلت إنكم كمتخصصين في الاقتصاد، تشعرون أن هناك مساهمة تستطيعون تقديمها، وتتمثل في اقتراح بعض الحلول والترتيبات التي تتيح تيسير عمل الرعاية. هل لك أن تطلعينا على بعض أفكارك في هذا الأمر؟

فولبري: من النقاط المهمة التي أثارتها الكثير من الاقتصاديات النسويات، ودأبن على إثارتها منذ زمن طويل, هي أن الكثير من نظمنا المؤسسية قائمة على نموذج الرجل العائل اقتصاديًا/ والمرأة الراعية لشئون الأسرة. وهو ما يفترض أن هناك شخصًا يعمل 40 ساعة في الأسبوع، ولا يستطيع أن يعمل أقل من ذلك، وشخص آخر، لا يعمل بالمرة، وبالتالي فهو خارج سوق العمل في الوضع الأمثل.

هذا النموذج ترك بصمته على كل مؤسساتنا الاجتماعية، وإلا، فلماذا ينتهي اليوم المدرسي في الثالثة مساء، في حين يعمل معظم الناس حتى الخامسة؟ هذا أثر من آثار زمن سابق، لماذا يأخذ التلاميذ إجازة ثلاثة أشهر في الصيف، بدلاً من تدوير الإجازات على مدار العام حتى يستطيعوا توفيقها مع إجازات الموظفين؟ لماذا لدينا ما يشبه العقوبة على العمل لبعض الوقت، حتى أنك يصعب عليك كثيرًا، في الولايات المتحدة على وجه الخصوص، أن تعثري على عمل لبعض الوقت يضاهي العمل لكل الوقت من حيث التطور الوظيفي. ليس هناك سبب اقتصادي حقيقي لهذا الوضع، بل هو في واقع الأمر نوع من الكسل المؤسسي بمعنى ما، هو الذي يمثل العقبة الرئيسية. على أني أعتقد أن هذا الوضع بدأ يتغير، وبشكل جيد, ولكنه دائمًا ما يتغير على نحو يخلق بعض التحديات السياسية.

فإذا نظرت إلى معدلات ارتفاع البطالة الحالية في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، ستجدين أن معدلات البطالة ترتفع بالفعل، ولكن يتوازي معها أيضًا تقليص لساعات العمل. تلك ظاهرة جديدة تمامًا، فآخر مرة واجهنا فيها ركودًا إقتصادياً لم يكن من الشائع أن ترى موظفين يمنحون إجازات أو يطلب منهم القيام بإجازات مدفوعة الأجر – بعبارة أخرى إعادة ضبط تقليص ساعات العمل. أعتقد أنه أمر جيد بوجه عام، فتقليص ساعات العمل بنسبة 10% أفضل من إلغاء 10% من الوظائف لأنه يوزع….

مومايا: العبء.

فولبريالعبء بتساوٍ أكبر، ولكن مؤسسات شبكة الأمان الاجتماعي عندنا لم تتكيف مع هذا الوضع، ففي معظم الولايات تستطيعين الحصول على تأمين بطالة إذا تم تسريحك من العمل، ولكن لا يحق لك الحصول على هذا التأمين إذا ما تم تقليص عدد ساعات العمل. في بعض الولايات يحق لك ذلك، ولكن حتى في تلك الولايات لا يعلم الناس بوجود هذا البرنامج، فلا يستعينون به. وهو مثال على عدم التوافق، خاص جدًا بالولايات المتحدة. فالناس تحاول أن تتكيف على نظام عمل أكثر مرونة، ولكنهم يصطدمون بالكسل البيروقراطي لنظام البطالة.

مومايا: عندما تنظرين إلى الاقتصادات التي تسعى بحق للتكيف مع هذا التحول في النموذج، لتبتعد عن نموذج الرجل العائل الذي يعمل لكل الوقت في قوة العمل المأجور/ والمرأة القائمة بالرعاية في البيت، هل ترين بلدانا أو نماذج أخرى تعتبرينها نماذج تحتذى في السياسات، لأنها تنطلق من مسلمات ضمنية مختلفة؟

فولبري: هناك العديد من التحليلات التي قارنت بين سياسات العمل الأسري في أوروبا ومثيلاتها في الولايات المتحدة. وما يميز العديد من البلدان في شمال غرب أوروبا على وجه الخصوص، ليس أنها توفر فقط خدمات عامة أكثر، مثل التأمين الصحي لجميع المواطنين ورعاية الطفل للجميع أيضًا، ولكنها توفر كذلك مواعيد عمل صديقة للأسرة، تشتمل على أمور مثل إجازة رعاية الأسرة مدفوعة الأجر، وإمكانية اختيار العمل لبعض الوقت عند مجيئ أبناء. تلك ليست كلها سياسات تحل محل العمل الأسري، فبعضها يتيح العمل الأسري، أليس كذلك؟ وهذا أمر محوري بالفعل – إمكانية القيام بالاثنين معًا.

مومايا: كثير من النقاشات إذن، أو على الأقل في ضوء ما سمعت، في الاقتصاد النسوي تدور حول تحديد قيمة عمل الرعاية. وقد ذكرت في السابق أن كونه غير خاضع للتقييم يفرض صعوبة على وضع سياسات متعلقة به أو متابعة تأثيره. فهل لك أن تضيفي شيئًا في هذا الأمر؟

فولبري: إليك هذا المثال. فلنفترض أن لديك قلقاً من تكاليف الرعاية الصحية، فأوعزت للمستشفيات أن تعمل على تقصير فترة إقامة المرضى فيها. وامتثلت المستشفيات، فبذلت جهودًا حقيقية لإعادة المرضى إلى منازلهم في فترة أقصر من تلك التي اعتادت عليها في السابق، فعاد القائمون على المستشفيات إليك قائلين. “يا له من إنجاز، لقد استطعنا زيادة فاعلية تكاليفنا بنسبة 20% لأننا قلصنا فترة الإقامة بالمستشفيات.” يبدو الأمر رائعًا، حتى تدركي أن كثيرًا ممن أرسلوا إلى بيوتهم قبل الأوان لا يستطيعون رعاية أنفسهم.

وبالتالي، يتعين على أحد أفراد الأسرة أن يأخذ إجازة من العمل، أو أن تستأجر الأسرة أحدًا لتوفير تلك الخدمات في البيت. وهو عامل لم يتم أخذه في الاعتبار في معادلة توفير التكاليف. وبالتالي، يبدو ظاهريًا أنك قد أحرزت تقدمًا، ولكن واقع الأمر يشي بأن إعادة المرضى إلى البيت مبكرًا، والاضطرار إلى الاستعانة بالكثير من مقدمي الرعاية التي تستغرق وقتًا طويلاً من كل منهم، يجعل الأمر برمته أقل فاعلية. لذلك، فقد يكون الأفضل بالفعل أن نتركهم في المستشفى، أليس كذلك، هذا إذا أخذنا في الاعتبار – ينتج عن صرفهم مبكرًا.

هذا الأمر يحدث كثيرًا في السياسات البيئية. فقد توفر بعض الشركات المال بإلقاء مخلفاتها في نهر محلي. وإذا لم يكن هناك من يتابع مستويات المخلفات في النهر، فقد تبدو النتيجة فعالة، ولكنها من الزاوية الاجتماعية ليست كذلك. الأمر نفسه يحدث مع الأسر والمجتمعات. فأنت إذا أخذت المخلفات وألقيت بها في الأسرة أو المجتمع، أو فرضت عليهما احتياجات ما، دون حساب لتكلفة ذلك، فأنت بهذا تشوهين المحفزات الإيجابية على نحو، كثيرًا ما يفضي إلى نتائج غير فعالة.

مومايا: هل تناصرين إذن إيجاد نوع من التقدير الكمي، أو التقييم لأنواع معينة من عمل الرعاية داخل الميزانيات؟ أو – أنا أعرف أنه في الاقتصاد النسوي قد بُذل الكثير من الجهد فيما يتعلق بالتقديرات المجمعة مثل الناتج الإجمالي المحلي، وإضافة مكون الرعاية له.

فولبري: حسنًا. هناك أمر محدد نستطيع القيام به، وهو قياس كيفية استخدام الناس لوقتهم. فلدينا في الولايات المتحدة، وكذلك في بلدان أخرى كثيرة، دراسات مسحية دورية حول استخدام الوقت، تجري على عينات تمثيلية، حيث توجه أفراد العينة أسئلة من قبيل كيف قضيت يوم أمس؟، فيروي المجيب تفاصيل يومه، فتعرفين من خلال ذلك كم من الوقت أمضى لمساعدة صغاره على الاستعداد للذهاب إلى المدرسة؟ والوقت الذي أمضاه في الطريق إلى المدرسة، وكم من الوقت أمضى للاطمئنان على كبار السن في الأسرة؟ وكم من الوقت قضى في عمل تطوعي في منظمة مجتمعية محلية؟ ورغم أنك تقيسين يومًا واحدًا….

مومايا: فهو يمثل النمط السائد.

فولبري: ذلك إذا كانت العينة التمثيلية تسمح لك بالتوصل إلى تقدير لكم العمل غير المأجور في الاقتصاد ككل. وكثير من العمل المأجور هو إما عمل رعاية تفاعلي مباشر أو دعم لعمل الرعاية، من قبيل إدارة عملية الرعاية، أو نقل من يحتاجون للرعاية إلى مكان تلقيها، أو توفير بعض الخدمات مثل التنظيف أو توفير بيئة صحية تسمح بالقيام بالرعاية.

هذه البيانات متوافرة الآن، وما نحتاج إليه بالفعل هو قيام باحثين بتحليلها، ووضع قيمة تقديرية بالدولار للرعاية غير المأجورة. ثم دراسة كيف تتغير تلك القيمة عندما يحدث، أو لا يحدث، تغير في السياسات، أي تبعات ذلك.

مومايا: هل تعتقدين أن الناس ستُدهش؟ هل تنطوي تلك البيانات على أمور قد تدهش الناس بالفعل، عندما يعرفون عدد الساعات التي يمضونها في أمر ما في مقابل ما يقضونه من وقت في أمر آخر؟

فوليري: أعتقد أن الناس لديها بالفعل إحساس مرتفع ببرامجها اليومية، ولكنهم غير معتادين على التفكير فيها من زاوية الاقتصاد الكلي. لم يعتادوا أن يفكروا في ما قد يحدث إذا ما توقف البعض فجأة عن تقديم عمل الرعاية غير المأجور. كم فرد سيتعين علينا حينها استئجارهم للقيام بهذا العمل لمدة ثماني ساعات يوميًا التعويض هذا الغياب؟ أعتقد أن الناس تبدأ في الاندهاش عندما تنتقل بتفكيرها من التجربة الشخصية إلى الاقتصاد ككل. حينها، يندهشون على ما أعتقد، وهو ما يساعد على إدراك أهمية وجود سياسات اجتماعية جيدة، وسياسات عمل أسري جيدة تتيح تمكين هذا النوع من العمل، وذلك حينما ندرك مدى ضخامته کمیًا.

ومن ذلك، على سبيل المثال، أني كنت أعمل مع بعض الزميلات على التوصل إلى صورة كمية أفضل لاقتصاد الرعاية في ماساشوستس. وتوصلنا إلى أنه يوجد نحو 500.000 عامل/ ة مأجور/ ة في ولاية ماساشوستس منخرطين، بشكل أساسي، في تقديم خدمات الرعاية. أي يعملون في الرعاية الصحية، أو رعاية الطفل، أو رعاية المسنين أو في الخدمات الاجتماعية المرتبطة بتقديم هذه الأنواع من الرعاية. ولكن إذا قمنا بجمع عدد الساعات التي تُمضى في الرعاية غير المأجورة، وقسمناها على ثمانية، حتى نحصل على عدد أيام العمل الذي تمثله، سنجد أننا نحتاج إلى استئجار أكثر من ثلاثة ملايين عامل للقيام بهذا العمل.

مومايا: هل يعني ذلك أنك قد تؤيدين إدخال تغيير على الميزانية بحيث يتم تخصيص موارد لهذا الغرض؟ أم ماذا نفعل الآن وقد عرفنا هذا الرقم؟

فولبري: هذا سؤال جيد. كثير من الناس قد يقفزون إلى الاستنتاج التالي: “هل يعني ذلك أنك تناصرين دفع أجر على العمل المنزلي؟ليس هذا هو الموضوع، فنحن لسنا بصدد تسليع هذا النوع من العمل أو المطالبة بأن يعامل كأي عمل آخر في السوق. الفكرة هي أنه إذا كانت الناس مستعدة، بمحض إرادتها، لتقديم كل هذا الجهد لرعاية بعضهم البعض، فعلينا أن نحترم ذلك بأن نضمن لهم وجود النظم المؤسسية التي يحتاجون إليها للقيام بهذا الجهد فعليًا، أليس كذلك؟

مومايا: من قبيل المرونة في مواعيد العمل….

فولبري: نعم. أعتقد أننا يمكن أن ننظر إلى ميزانية الرعاية لإحدى الولايات في صورة المنحة المساوية. فالناس تقوم بكل هذا العمل، أليس كذلك، يرعون الأطفال، والمسنين، ومجتمعاتهم. فلتقم الولاية، إذن، بتوفير منحة مساوية في شكل دعم حكومي لتلك الخدمات، فتوفر لهم مثلاً دور حضانة لتساعدهم على تنظيم الوقت والجمع بين أشكال مختلفة من العمل. أو توفر لهم المساعدة التقنية للوفاء بالاحتياجات الطبية لأحد المسنين في الأسرة مثلاً. وإذا تعين تفرغ أحد أفراد الأسرة لتقديم تلك الخدمة في المنزل، فلتكفل له الولاية توفير ممرضة لتقدم له التدريب اللازم والخبرة التقنية التي يحتاج إليها. أليس كذلك؟

هو نوع من مساعدتهم على استخدام هذا الجهد بفاعلية، وجعله أكثر إنتاجية بقدر الإمكان، من أجل تقديم أفضل خدمات ممكنة. هذا هو المعنى الذي يجب من خلاله تحسين التنسيق بين توفير الخدمات الحكومية والعمل الأسري.

مومايا: أدهشني كثيرًا ما قلته عن أن الناس لديها حس شخصي بكيفية تنظيم برنامجهم اليومي، فيعرفون كيف يخصصون وقتًا للكثير من الأمور، كاصطحاب أحد أفراد الأسرة إلى الطبيب، مثلاً، والجلوس في غرفة الانتظار، ثم الذهاب إلى الصيدلية لشراء الأدوية، ثم إعادته إلى البيت، وأمور من هذا القبيل. ولكن عندما يتعلق الأمر بالنظرة الكلية، لا يشعر الناس بحجم التأثير الإجمالي لتلك الجهود. يبدو أن لدينا نوعًا من الثقافة التي يدبر فيها الناس وأسرهم أمورهم دون أن يطلبوا، بالضرورة، شيئًا من الدولة أو الحكومة.

فولبري: ما هي النصيحة التي نستطيع أن نقدمها لهم حول كيفية التأقلم مع الركود الاقتصادي؟ إحدى الاستراتيجيات التي أعتقد أنها مثيرة للاهتمام بحق، هي ما يسمى نوادي الأمان المشترك، وهي استراتيجية اقترحتها وتبنتها كنائس ومنظمات مجتمعية، تقوم على حث الناس على الالتقاء معًا بشكل دوري للتشاور حول المساعدة التي يستطيع كل منهم أن يقدمها للآخر. قد تكون المساعدة في شكل نصيحة، أو مجرد البوح بالمشاكل، ولكنها يمكن أيضًا أن تأخذ شكل المساعدة المتبادلة، فيساعد

مومايا: تبادل.

فولبري: … نعم، تبادل الخدمات أو شيء من هذا القبيل. بل يمكن أيضًا أن يمثل ذلك نوعًا من النواة للنشاط على المستوى السياسي، حيث يتيح التفكير في سبل اجتماعنا معًا لتغيير مستوى الوعي السياسي، أو تعبئة دعم أكبر للخدمات الاجتماعية التي نحتاج إليها.

مومايا: لقد ضربتِ مثلاً بالمستشفيات وإعادتهم المرضى لمنازلهم في فترة مبكرة لتقليص التكاليف في مقابل إبقائهم في المستشفيات لفترة أطول. وهنا أتساءل، ما هو الحافز الذي يدفع المشروعات الخاصة لأن تأخذ في اعتبارها بعض التكاليف الاجتماعية، في حين أن همها الأول هو أن تعكس دفاتر حساباتها المزيد من الأرباح؟

فولبري: ليس هناك ما يحفزها على ذلك، وتلك نقيصة كبرى في النظام القائم على السوق تمامًا، حيث يتنافس الكل مع الكل. لذلك، فإذا كان بإمكانك تحسين وضعك التنافسي بالتخلص من بعض التكاليف، فعليك أن تفعلي ذلك – وإلا فقد تخرجين من السوق تمامًا. ولهذا السبب تحديدًا يحتاج اقتصاد السوق إلى بيئة تنظيمية تشتمل على مدخلات ديمقراطية حقيقية في النظام ككل، في بنية النظام نفسها. ومن الواضح أن الأزمة الاقتصادية قد نبهت الجميع إلى الأهمية المحورية لوجود قواعد منظمة.

وبإمكانك أن تري في أزمة ديون الرهن العقاري نموذجًا للمخلفات السامة الناجمة عن عملية التنافس التي دخل فيها الجميع – فقد رأت البنوك أن الكل يفعل ذلك، فلم لا تفعل هي أيضًا. ولكننا لم ندرك أن النظام بأسره في خطر إلا عندما تراكمت تلك المخلفات ووصلت إلى درجة معينة من السُّمية. نحن هنا أمام الهدف الرئيسي للضوابط الاجتماعية، فهي تسعى لفهم المخاطر التي قد تضر بصحة النظام الاقتصادي ككل.

مومايا: أود أن أتعرف على رؤيتك لأسباب هذا الكم الهائل من مقاومة الضوابط بوجه عام، فيبدو أننا ما زلنا نناقش تلك النقطة. فحتى بعد كل ما حدث، ما زال هناك الكثير من التردد في قبولها. ثم ما هي أفضل السبل الواعدة، من وجهة نظرك، فيما يتعلق بممارسة نوع من الضغوط السياسية وإحداث تغيير في النظام، فيها يتعلق بالسطوة التي أصبحت عليها الأسواق وبعض الشركات الخاصة؟

فولبري: إجابتي عن هذا السؤال ستكون على مستويين. على المستوى الأول، أرى أن مقاومة الضوابط تأتي، بشكل أساسي، ممن تهدد الضوابط مصالحهم الاقتصادية. فهؤلاء يفضلون كثيرًا بقاء الوضع على ما هو عليه. فأي إنسان يحقق أرباحًا في ظل الظروف الحالية لن يسعد أبدًا بفكرة أن هناك ما يمكن أن يهدد قدرته على الاستمرار على ما هو عليه، بشكل أو بآخر. هذا إلى جانب أنهم يجيدون استثمار مواردهم على نحو يعظم من نفوذهم السياسي. من الواضح الجلي، إذن، أن الكثير من المقاومة لزيادة الضوابط المالية، أو البيئية، أو تطوير بدائل لنظم الرعاية الصحية والأسرية، إنما تأتي من المصالح الخاصة التي تناهض ما ينجم عن تلك الضوابط من خسائر اقتصادية.

ولكن الواقع يشي أيضًا بالصعوبة البالغة التي تكتنف وضع ضوابط جيدة، وكذلك وضع ضوابط لمن يضعون الضوابط. فوضع ضوابط جيدة ليس من السهولة بمكان. ففي القطاع المالي، على سبيل المثال، لا يتمثل الحل بالضرورة في تعزيز بنك الاحتياطي الفيدرالي، لأنه، ورغم أنه الضابط ظاهريًا؟، إلا أنه، في واقع الأمر، أسير بعض المصالح التي يضع لها الضوابط.

والواقع أيضًا أن الضوابط أصبحت شديدة البيروقراطية وغير فعالة، ومكبلة، وأن عملية التفاوض حولها كثيرًا ما تفضي إلى ما أسميه تعقيدًايمثل في حد ذاته عبئًا ثقيلاً. انظري إلى قانون ضريبة الدخل، مثلاً، وستعرفين لماذا يكره الناس الضرائب.

مومايا: الأمر مربك بالفعل.

فولبري: هو مربك حقًا. انظري إلى التأمين الصحي. التأمين الصحي نفسه شديد التعقيد، حتى يبدو، في كثير من الأحيان، أن تعقيده هذا هو أسوأ ما فيه، وليس كونه لا يغطي الجميع. لذلك ينفض الناس أيديهم منه. وبالتالي، فأنا أعتقد أن هناك مشاكل على علماء الاجتماع أن يرصدوها ويشتبكوا معها. أنا لا أقول إن لدينا كل الإجابات، ولا أننا نستطيع أن نأمر بمزيد من الضوابط فتحضر الضوابط في الحال، لنحل المشكلة. نحتاج إلى ضوابط أكثر ذكاء، وإلى تصميم أفضل للضوابط، وهو ما يمثل، في اعتقادي، تحديًا حقيقيًا لعلم الاجتماع.

ما أعنيه، أنه على المدى القصير، ليس من العسير، سياسيًا، أن نحدد المواضع التي نحتاج فيها إلى زيادة يقظة الضوابط. وبالتالي، فأنا لا أقول إننا يجب أن ننتظر حتى نستطيع أن نلم بالأمر من كل جوانبه كي نستطيع التحرك في اتجاه أفضل.

مومايا: فيما يتعلق بالمجالات التي يمكن ممارسة الضغط فيها، أو توفير نوع من محركات التغيير، هل ترين أن هناك بعض أنواع التدخل القادرة، من وجهة نظرك، على إحداث تأثير فعال أكثر من غيرها؟

فولبري: أتدرين، لا أشعر بوجود مثل تلك المحركات أصلاً. فطيلة الأعوام الثمانية الماضية، كان لدى معظمنا شعور بأننا لن نستطيع أن نفعل الكثير على المستوى الفيدرالي، فركزنا جهودنا على التدخل على المستوى المحلي وعلى مستوى الولاية. الآن نرى انفتاحًا سياسيًا على المستوى الوطني مع إدارة أوباما والكونجرس الديمقراطي، قد يحدث فارقاً، ولكن الأمر يشبه الهرولة على غير هدى، لذلك يصعب التكهن. يصعب تحديد مكمن أفضل محركات التغيير. لذلك، أعتقد أن كلاً منا يجب أن يحدد لنفسه الموضع الذي يمكن أن يكون فيه أكثر فاعلية، حيث ترتفع احتمالات أن يخلق التحالفات السياسية التي نحتاج إليها لصنع التغيير.

مومايا: ذكرت أن بعض نشاطك يرتبط بمحو الأمية الاقتصادية، وأنك تتواصلين مع أناس يعانون من مشكلات يومية. فإذا تقولين لهم فيما يتعلق، أولاً، بكيفية تعاملهم مع أوضاعهم، وثانيًا، كيف يمكن أن يسعوا ليصبحوا جزءًا من عملية التغيير.

فولبري: أنا أسعى لتشجيع الناس على أن يتبصروا بما يتيحه لهم القطاع الحكومي والسياسات الحكومية من سبل عديدة تمكننا مع مشكلات مهمة. أعتقد أن هناك نوعًا من الهجوم الشامل، المحافظ، على فكرة استخدام الدولة أو الميزانية الحكومية كوسيلة لحل المشكلات. يجب أن نتخطى هذا الموقف. فرغم أن هذا ليس هو السبيل الأمثل، بكل تأكيد، ومن أنه يتسم دائمًا ببعض المحدوديات، فإن المشكلات أكثر من أن نستطيع حلها إلا بالعمل معًا، والاستعداد لإنفاق المزيد من المال معًا لمعالجتها.

وهناك، بوجه عام، سوء فهم وسوء تفسير بالعين للضرائب في الولايات المتحدة. فلدى الناس فكرة مؤداها أن الأعباء الضريبية قد تزايدت بمرور الزمن، وأننا وصلنا إلى الحد الأقصى الذي ربما لا يمكن أن نتخطاه لنضيف أعباء ضريبية جديدة. ولكن هذا غير صحيح. فالمستوى العام لمعدل الضريبة ظل ثابتًا إلى حد بعيد. ولكن ما حدث هو أن النظام التصاعدي للضريبة أصبح أقل حضورًا، وبالتالي، أصبح الجانب الأكبر من إجمالي عائدات الضرائب يتم تحصيله ممن لا يستطيعون بالفعل دفع الضرائب. أعتقد أننا نستطيع أن نجعل الضرائب تصاعدية، بدرجة أكبر، علينا أن نفعل ذلك. فمن شأن هذا أن يساعد على تمويل البرامج الاجتماعية التي نحتاج إليها. ولتشجيع الناس على التحرك في هذا الاتجاه، أعتقد أن علينا أن نشرح لهم المكاسب التي ستعود عليهم من توفير تمويل أكثر سخاء للخدمات العامة، ومدى سهولة تغيير نظامنا الضريبي حتى يتحمل الأكثر ثراء أعباء أكبر، وتقل الأعباء على بقية الشعب.

مومايا: هل تعتقدين أن مقاومة ذلك أيضًا مما ذكرت من الشركات الخاصة من يتوقعون الخسارة (لم أجد كلمة أفضل منها) من النظام التصاعدي في الضرائب هم أصحاب المصلحة في عدم تغيير النظام، وهم في الوقت نفسه، أصحاب نفوذ في صناعة القرار السياسي ووضع السياسات الحكومية؟ أم أن الأمر ليس بهذه البساطة.

فولبري: أعتقد أن هذا جزء كبير من السبب. ولكني أعتقد، أيضًا، أننا وصلنا، بالفعل إلى النقطة التي أصبح فيها الكثير من دافعي الضرائب الأثرياء يعون أنهم سيستفيدون، بشكل شخصي، من دفع ضرائب أعلى، لأننا وصلنا إلى مستوى من الأزمة، من الأزمة الاقتصادية الدولية، التي تتطلب ذلك بالفعل.

بمعنى، أنك لو نظرت إلى مصدر الدعم السياسي الذي يحظى به أوباما، ستجدين أن من يدعمونه من أصحاب الدخول التي تربو على 250.000 دولار سنويًا، أكبر ممن دعموا ماكين من الشريحة نفسها. وأعتقد أنهم فعلوا ذلك لأنهم أدركوا أن هناك أزمة بيئية، الاحتباس الحراري، كما تعلمين، وهذا لا تستطيعين شراء خلاصك منه، فناديك الريفي ليس محصنًا من الاحتباس الحراري، أليس كذلك؟ وأطفالك قد يتعرضون لمخاطر لأن نظام الرعاية الصحية لا يوفر تأمينًا صحيًا للصغار الذين لم يسعدهم الحظ بالالتحاق بوظيفة توفر لهم تلك المزايا. الكثير من تلك المشكلات فاض عن الحد المعقول، حتى أصبح هناك، على ما أعتقد، تحالف سياسي أوسع، ولكن ما زالت هناك، كذلك، هذه الفوبيا من الضرائب والشرائح الأعلى التي نحتاج بالفعل لتحديها.

مومايا: ويبدو أيضًا أن تكلفة استمرار الأمور على ما هي عليه، سواء من الزاوية الاجتماعية أو الزاوية الاقتصادية، أصبحت واضحة، وحتى من قد لا تجتذبهم حجة التكلفة الاجتماعية هذه، فالحجة الاقتصادية، المتمثلة في عدم الفاعلية والخسارة الناجمة عن استمرار الأوضاع على ما هي عليه، قد تكون مقنعة.

فولبري: هذا ما تفعله الأزمة المالية. أعتقد أنها تجعل الناس تدرك أن الاعتماد تمامًا على نظام الشركات الخاصة غير الخاضع لأي ضوابط محفوف بمخاطر جمة، حتى وإن كان المرء شديد الثراء. هذا الخوف الذي نراه نجم عن تلك الأوضاع. ولذلك أعتقد أن هناك أهمية حقيقية لفهم الناس لما تعنيه الأزمة الاقتصادية، وكيف يمكن تغيير مؤسساتنا الاقتصادية حتى يتحرك كل شيء في الاتجاه الصحيح.

مومايا: أود أن أسمع تعليقك، وقد كانت لك أعمال كثيرة حول الرعاية، على سلسلة الأمومة، ونقصد بهذا التوجه الذي أصبح شائعًا بين الأمهات في الولايات المتحدة الآن، والمتمثل في لجوئهم، عند دخوهم في قوة العمل، إلى استيراد من تقوم بالرعاية من مناطق أخرى في العالم، بعد أن تكون هي الأخرى قد تركت أسرتها وصغارها في رعاية امرأة أخرى، ربما، في الأسرة، قد تكون من المسنات. أود لو أسمع تعليقك على تبعات هذا الوضع ومدى إمكانية استدامته.

فولبيري: إنه مثال كلاسيكي لتقاطع الطبقة والجندر بشكل قوي نوعًا ما. فطالما توافرت إمدادات كبيرة للعمالة الرخيصة للغاية، التي تستطيعين بها استبدال ما كان يجب أن تقومي به أنت، فلن يكون هناك دافع قوي لتوفير الخدمات العامة أو تنسيق ما تقدمه من رعاية. لذلك أذهب إلى القول بأن أحد أكبر الأسباب في عدم تطويرنا لسياسات حكومية أفضل في الولايات المتحدة، هو أن لدينا حدودًا تقبل إلى حد بعيد التسلل عبرها، وهو ما يمنحنا مزية الحصول على إمدادات ضخمة من العمالة المهاجرة منخفضة التكاليف، وينطبق ذلك تمامًا على أوروبا، أيضًا، خاصة جنوب أوروبا، التي شهدت تدفقًا هائلاً للعمالة المهاجرة من أوروبا الشرقية، كان لها انعكاسات سياسية مهمة. وهنا يسهل علينا رؤية التبعات السياسية لهذا الوضع.

ومن ناحية أخرى، هناك نوع من الصعوبة فيما يتعلق بما ينبغي أن نفعله حيال هذا الوضع، لأني لا أريد أن أخلص من ذلك إلى القول بأن السيطرة الأكثر صرامة على الهجرة هي الحل، فأحد أسباب توافر تلك العمالة النسائية التي تقوم بخدمات الرعاية بأجور زهيدة، هو فقر سوق العمل في بلدانها الأصلية. ولهذا أيضًا أرى أننا نحتاج إلى إمعان النظر في الهيكل المؤسسي الذي يسمح للهجرة أن تلعب دورًا مهمًا في سوق العمل، ولكن مع وجوب ضمان حماية العمالة المهاجرة، بحيث نضمن وجود حد أدنى من المعايير في الوظائف التي ينتقلون إليها، يكفل لهم حقوقهم، وحدًا أدنى من الأجور، ومزايا التأمينات والرعاية الصحية، وألا يكونوا عرضة لاستغلال أصحاب العمل.

نحن، إذن، أمام أمورٍ تتطلب بعض التفكير الدقيق، وكذلك الإرادة السياسية القوية، لمعالجة تلك المشكلات.

مومايا: هل يتطلب الأمر حلاً عابرًا للقوميات، أو إعادة تفكير في فرص العمل، لأن كثيرًا من المهاجرات، كما قلتِ، لا تجدن فرصًا اقتصادية مشابهة في بلدانهن، فليس أمامهن خيار آخر في واقع الأمر. يبدو أنه سباق نحو القاع، أكثر من كونه يتعلق بتلك المشكلة الأشمل – لا أدري إذا كان يمكن للسياسات أن تعالج هذا الأمر. ولكن، يبدو أن الجميع يعاني للقيام بمهام الرعاية.

فولبري: لقد أصبتِ

مومايا: والكل يريدها بتكلفة زهيدة.

فولبري: نعم. تلك هي المشكلة الأشمل للاقتصاد العالمي. كنا نتحدث منذ قليل عن المؤسسات الخاصة، وأن لديها حافزًا يجعلها تتخفف من بعض التكاليف وتلقي بها على البيئة، لأن ذلك من مصلحتها. الأمر نفسه ينطبق على الدول، فبعضها لديه الحافز على الممارسة نفسها. والبنية التحتية للضوابط عندنا، تقوم بأسرها على الدولة القومية، كذلك فإن المؤسسات المتعددة الأطراف، مثل الأمم المتحدة، ليست ديمقراطية إلى حد بعيد، وغير فعالة.

لذلك، فربما تكون هذه هي أخطر مشكلة تواجه النظام الاقتصادي العالمي. وأنت ترين ما يجري في مجال البيئة، ومدى صعوبة خلق إجماع دولي حول انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون، والمعايير الدولية للعمل. إنها المشكلة نفسها. فهناك صعوبة بالغة في إقناع الدول القوية بالموافقة على اتخاذ تدابير قد تكون في غير صالحها، وصعوبة مماثلة في حمل الدول الأقل قوة على الموافقة على تدابير تعتقد أنها ستعزز من أوجه عدم المساواة القائمة بالفعل على المستوى الدولي. ولذلك، يتطور المجتمع الإنساني في اتجاهات شديدة التعقيد والتناقض، ولم نتوصل بعد إلى آلية ضبط هذا التطور أو التأثير فيه، وهو ما يخلق بعض المشكلات الخطيرة بالفعل. وبالتالي، فالسؤال الكبير هو: هل نحن من الذكاء، أو سنكون من الذكاء، بحيث نستطيع أن نتوصل إلى سبيل للتعاون الفعال فيما بيننا، بالقدر الذي يتيح لنا تطوير اقتصاد عالمي مستدام؟ آمل أن نكون كذلك! ولكن ذلك غير مضمون بالمرة.

المذيعة: كنتم تستمعون إلى الخبيرة الاقتصادية نانسي فولبري، في حوار مع ماسوم مومايا، أمينة إكونوميكا: المرأة والاقتصاد العالمي، في متحف المرأة الدولي بسان فرانسيسكو.

هذا الحديث يأتي ضمن سلسلة من الأحاديث التي أجريت مع خبراء شاركوا في مؤتمر الجمعية الدولية للاقتصاد النسوي في بوسطن، ماساشوستس، سنة 2009.

زوروا موقعنا للتعرف على المزيد من قصص النساء المبهرات www.imow.org

.ونشكركم على حسن الاستماع!

 

(*) Economica: Women and the Global Economy, 2009. International Museun of Women, www. Inow.org.

شارك:

اصدارات متعلقة

الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان
ممنوع على الستات
ماما تحت الأنقاض
تشويه مش طهارة
العمالة المنزلية : استغلال جنسي تحت نظام الكفالة
المرآة لم تحررني، بل زادتني بوعي وثقل تاريخي كأنثي