جرائم مباحة قانونياً
في إطار حملة #وأد_منزلي
جريمة القتل على خلفية «الشرف» هي جريمة تُرتكَب في حق الأنثى دائمًا، لقيامها بتصرفات خارج القوالب المجتمعية والعادات والتقاليد الراسخة في المجتمع، ولطالما كان مفهوم الشرف مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بسلوك المرأة في مجتمعاتنا العربية، مرتبطًا بعلاقاتها الجنسية والعاطفية، فالمرأة الشريفة طبقًا للمفاهيم العربية والشرقية هي العذراء التي لا تملك أي خبرات عاطفية أو جنسية قبل الزواج، ولا تتحدث عن رغباتها العاطفية أو الجنسية، ويترتب على ذلك احترام أو وصم المجتمع لذويها، مثل زوجها أو أبيها أو أخيها.
هذا ما تربينا عليه منذ الصغر، إذ أنه من غير المسموح لنا أن نكون حتى في علاقات عاطفية قبل الزواج، حتى يتسنى لنا الزواج من رجل محترم، وحتى نحافظ على سمعة العائلة.
الأمر العجيب وغير المنطقي، هو أن المجتمع يُعطي سلطة الدفاع عن «شرف» المرأة للرجل، ولكن إذا دافعت هي عن نفسها لا تلقى نفس الاحتفاء المجتمعي؛ وقد تكررت حادثتان خلال فترة زمنية قصيرة؛ الأولى لتلك الفتاة التي اشتهرت باسم «فتاة العياط»، وهي فتاة لم يتعد عمرها الـ15 عامًا، تعرضت لمحاولة اغتصاب من شاب، فدافعت عن نفسها بطعنه بآلة حادة، فأدى ذلك إلى وفاته، ثم ذهبت لتروي تفاصيل الحادثة في قسم الشرطة، فما كان منهم إلا أن حبسوها على ذمة التحقيق لمدة تجاوزت الشهرين.
وعلى الرغم من أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وأن الناجية هنا في حالة دفاع عن النفس كما ينص القانون المصري، إلا أن حبسها استمر لأكثر من شهرين. البعض يقول إنهم قصدوا حمايتها من أهل القتيل المجرم، حتى لا يقومون بإيذائها انتقامًا لابنهم القتيل، والبعض الآخر شكك في سلوك الفتاة. لكن النتيجة كانت حبس طفلة مع مجرمين قتلة وتجار مخدرات.
فتاة مرت بأبشع تجربة قد يمر بها إنسان، ومن بعد هذا الحبس مع المجرمين الذين قاموا بالاعتداء عليها وضربها وترويعها، تخرج الفتاة التي تحدثت عنها جميع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، ووسائل التواصل الاجتماعي طوال فترة حبسها، ليتم إجراء مقابلات تلفزيونية معها، يتم خلالها استجوابها لأكثر من مرة، حول جريمة وواقعة تم ارتكابها بحقها، كانت تستدعي توفير جميع سبل الدعم النفسي والاجتماعي، ليتم محاكمة تلك الفتاة للمرة الثانية مجتمعيًا من خلال وسائل إعلام متحيزة ضد النساء، بل وتحرض في أحيانٍ كثيرة على ارتكاب مثل هذه الجرائم من خلال الأفلام والمسلسلات والبرامج التلفزيونية.
وفي إحدى المقابلات التلفزيونية يتحدث المذيع مع الفتاة الناجية بمنتهى اللا حساسية تجاه ما حدث لها، ويحاكمها ويوّجه لها اللوم بشكل غير مباشر وبشكل مباشر، وكأنها الفتاة سيئة السمعة التي سمحت لهذا الرجل بمحاولة اغتصابها، في صورة واضحة من صور ترسيخ العنف والتمييز ضد الفتاة التي دافعت فقط عن نفسها ضد المغتصب، ودافعت عن «شرفها» من منظور المجتمع كذلك، فأين المجتمع الذى يرتعد لسماع أية جريمة تُنتَهك فيها امرأة، ويثور رجاله لأخذ الثأر لشرفهم؟!
الحادثة الثانية لسيدة فلاحة من الشرقية دافعت عن نفسها ضد مغتصب وقتلته أيضًا، فصدر حكم قضائي بحبسها لمدة ثلاث سنوات.
أين القانون من هذه الوقائع، ولماذا لا ينصف القانون النساء في مثل هذه الحوادث؟، ومتى سيتم النظر إلى القانون القائم باعتباره وسيلة تُستَغلّ لتمكين الرجال من الإفلات من العقاب في جرائم قتل النساء؟
وأحيانًا كثيرة يقوم الرجال بقتل النساء لأسباب مختلفة، ويتم استخدام «الشرف» للإفلات من العقوبة، حيث يتم التلاعب بمنتهى البساطة بحق وحياة الضحايا في سبيل الإفلات من العقوبات. إن هذه القوانين هي شكل آخر من أشكال التشجيع والمساعدة على زيادة العنف ضد النساء والإفلات من العقوبات، وهل المجتمع يُبيح للرجل الثأر من أجل «شرفه» المنسوب دائمًا له من امرأة في محيطه، بينما لا تستطيع هي الدفاع عن نفسها؟!
أي شرف هذا الذي تدعونه؟!
مجتمعنا الذي يحمل أكثر من وجه لـ«الشرف»، مجتمعنا الذي تنتشر فيه أغاني الحب والغرام، ولكن من تقع في الحب ينظر إليها المجتمع نظرته للعاملة بالجنس التجاري. أي مجتمع هذا الذي يعتبر غشاء البكارة دليلًا على شرف المرأة ولا يوجد أي دليل على شرف الرجل؟!
إلى متى سنظل نُقيّم «الشرف» ونختزله في قطعة من الجلد؟، ومتى سنرى مثلًا أن نوعًا من أنواع الشرف هو شرف العمل، ونجد أن من لا عمل له لا شرف له، وأن من يخون في عمله أو يقصر في حقه لا شرف له، ومتى سنرى أن الشرف هو شرف الخصومة، وأن الشرف هو الصدق والوضوح في التصرفات والأفعال، وأن الشرف هو العدالة؟
إلى متى سنظل نرى ونسمع عن جرائم ترتكب تحت ستار الشرف؟ فكم امرأة قُتِلت ظلمًا، وكم فتاة ضُربت، وُحبِسَت تحت مسمى الشرف؟، وإلى متى سيظل ميزان مفاهيم المجتمع غير عادل ؟، متى سنرى الشرف في العقول ونزاهة المبادئ الإنسانية المجردة، وليس في قطعة من الجلد تقع بين فخذي النساء؟